|
طريق الحزب الشيوعى السودانى للخروج من البرلمان الانتقالى (3.3)...الاستاذ .احمد الحاج
|
أما فيما يتعلق بالبعد الثاني (هل ثمة ضرر أخلاقي/سياسي سيلحق الحزب إن شارك؟) فإن الشيوعيين السودانيين يشاركون في برلمانٍ يعجز نوابه عن وضع حدٍ لعسف سلطةٍ تسرف في قتل مواطنيها، في كجبار و غيرها، أو حتى في إدانة السلطة التنفيذية عن مسؤليتها في سقوط بنايات شاهقاتٍ لا تُفرِغ ”أطفالنا الجوعى في وسخ الرصيف“ و حسب، كما يقول الشاعر الصادق الرضي، بل تنهار على رؤوسهم كاملةً محولةً إياهم إلى رميم! أي مرجعيةٍ أخلاقيةٍ هذه التي تبرر بقاء نواب شيوعيين في برلمانٍ يجلس فيه من شارك في تعذيب و قتل الشفيع أحمد الشيخ؟! وكم يا ترى عدد الذين إقترفوا جرائم تعذيبٍ و قتلٍ في حق أعضاء حزبنا و يجلس نوابنا إلى اليمين منهم؟! و إلى ذلك، أنظر مدى التناقض بين موقف الحزب الشيوعي من مسألة التحالف مع حزب المؤتمر الشعبي، و ذلك بتحديده لشروطٍ معينة للتحالف ”ضرورة أن يكشف حزب المؤتمر الشعبي كل الحقائق للشعب السوداني، و يمارس نقداً ذاتياً علنياً حول دوره في ذلك الإنقلاب و آثاره اللاحقة“ ١٠ ، و بين موقفه من المشاركة في برلمان المؤتمر الوطني دون أن يمارس المؤتمر الوطني نقداً ذاتياً علنياً حول الإنقلاب و الجرائم التي إقترفها بحق الشعب! قد يصف واصف خطابنا هذا بالعاطفية، و أن السياسة لا يتم الحكم عليها من هذه الزاوية، و هذا صحيح؛ لكن السياسة يجب الحكم عليها، في نهاية الأمر، من خلال المرجعيات الأخلاقية. و إلى هذا، كان من الأجدر للشيوعيين السودانيين المشاركة في برلمان السلطة على قاعدة الحقيقة و المصالحة. إن مبدأ الحقيقة و المصالحة، والذي لم يدرج في إتفاق القاهرة إلا أمانيَّ، يمثل المرجعية الإخلاقية التي يجب أن يستند إليها الشيوعيون السودانيون في إتخاذ قرارهم بالمشاركة من عدمها. و ليس للمبدأ بعداً أخلاقياً و حسب، ولكن له، كذلك، مغزىً عمليأً يتمثل في إعطائه مؤشراً عن مدى جدية السلطة في إحداث تحولٍ ديمقراطيٍ أصيل. و لكن طفابيع المؤتمر الوطني لن يتمنوا الحقيقية أبداً بما قدمت إيديهم، و يظل شعبنا عليم بالظالمين. من ناحيةٍ أخرى، فإن للمشاركة بالبرلمان الانتقالي ثمة ضررٍ سياسي يدركه، تماماً، أعضاء الحزب الذين يمشون بين الناس. فالمشاركة من شأنها أن تخلق حالة من اللبس عند الناس، و الذين باتوا لا يعرفون إن كان الحزب معارضاً أم موالياً. إن المشاركة ستفقد الحزب أعداداً مقدرة من الجماهير، والتي كانت ترى فيه مكافحاً مبدئياً من أجل قضاياها. أما فيما يتعلق بالبعد الثالث (هل ستؤثر المشاركة على النظام سلباً أم إيجاباً؟) فإن المشاركة أعطت المؤتمر الوطني شرعيةً لحكمه ظل يفتقدها منذ إستيلائه على السلطة في الثلاثين من يونيو ١٩٨٩ . صحيح أن إتفاق نيفاشا أكسبه قدراً من الشرعية المفقودة، إلا أن مشاركة التجمع، عبر بوابة إتفاق القاهرة، عززت من تلك الشرعية. و قد أصابت سكرتارية اللجنة المركزية في نقدها لإتفاق مشاكوس؛ إذ قالت: ” لم يوفق المشروع في اغفاله قضية التحول الديمقراطي عبر تصفية النظام الشمولي و ليس ١١ . إلا أنه، وفي الممارسة العملية، غدا ذكر « بتوسيع المشاركة فيه نواب الحزب الشيوعي ضمن موسعي المشاركة في مؤسسات النظام الشمولي! ينضاف إلى ذلك، أن المشاركة قدمت خدمةً دعائيةً جليلةً للمؤتمر الوطني لجهة التعامل مع المجتمع الدولي، والذي أضحى مولع بالشكليات و اللافتات أكثرُ من بالمضامين. فتقارير الأمم المتحدة و البعثات الدبلوماسية باتت مستغرقة في عبارات جوفاء مثل ”البرلمان يجيز القانون الفلاني و كتلة التجمع تعترض..ألخ“ وكأنما هناك ممارسة برلمانية ديمقراطية حقة تجري في السودان! والمجتمع الدولي إذ يوحي ذلك إلى نفسه إنما يسعى إلى تبرئة ذمته مستنداً الى مشاركة قوىً سياسيةً في مقام الحزب الشيوعي السوداني، والذي إن تفكر ما كان له أن يسلك سؤ السبيل؛ أفلا يدرك سواء السبيل؟! المحصلة النهائية ليس الهدف من قولنا هذا تبخيس الجهد الذي يبذله النواب الشيوعيون بالبرلمان، فأدائهم حتى اللحظة، مع بعض الإستثناءآت، لا غبار عليه؛ لكن ذلك الأداء يجب الحكم عليه من معيار المحصلة النهائية. و في هذا المنحى، يقول تاج السر عثمان: ”وعلى ضؤ حصيلة أربع دورات من المجلس الوطني حتى الآن نجد أنه فشل ، في إلغاء القوانين المقيدة للحريات، بل أجاز ميزانيتي ٢٠٠٦ ٢٠٠٧ ، و التي تم فيهما إفقار الشعب السوداني، إضافةً لعدم إتاحة الفرصة لنواب التجمع في التعبير عن آرائهم كما لخص التجربة علي محمود حسنين“ ١٢ . إذن، و بعد مرور أربع دورات فإن المحصلة النهائية من مشاركة الشيوعيين السودانيين بالبرلمان الإنتقالي، تتجلى في عجز نوابهم، و كذلك حلفائهم، عن إسقاط ولو قانونٍ أو مشروعٍ واحد مما طرح فيه! الطريق إن تحليل الشيوعيين السودانيين لطبيعة المرحلة، في كلياته، لهو صائب دونما شك، لكنه خاطيء في جزئيته المتعلقة بالمشاركة في البرلمان الإنتقالي. إن قبول الشيوعيين السودانيون لفكرة التصدي لقضية التحول الديمقراطي من خلال العمل ضمن السياق الذي فرضته إتفاقية نيفاشا، لا يعني، بأي حالٍ من الأحوال، المشاركة في البرلمان الإنتقالي. فإجبار المؤتمر الوطني على تغيير قانون الأحزاب أو الأمن الوطني، مثلاً، لن يتأتي عبر إيداع النواب الشيوعيين، و حلفائم، لقانونٍ بديل منضدة البرلمان؛ إنما يتأتى من خلال تكثيف النضال الذي تتبناه القوى السياسية و المهنية و المدنية، من جانبٍ، و من خلال مواصلة الحوار السياسي مع الأطراف الفاعلة في المجتمع الدولي، و كذلك مع كلٍ من المؤتمر الوطني و الحركة الشعبية بغرض التأثير عليهما، من جانبٍ آخر. هنا فقط تصح نظرية التفاعل أو الوجود اللصيق التي يطرحها ”الدياليكتيكيون“ و ليس بالضرورة بالتواجد داخل البرلمان، إنما بالتواجد داخل اللجان التي تضطلع، مثلاً، بمهمة سن القوانين وطرحها على البرلمان. ليس هناك طريقاً وسطاً. إن البديل الوحيد المطروح حاليا هو سلك الطريق المعارضة للمؤتمر الوطني معارضةً أصيلة، تعي، تماماً، أنها ستخوض غمار نضالٍ طويلٍ و شاق قد تتعرض فيه لأشكالٍ من البطش كتلك التي خبرتها المعارضة إبان كانت الجبهة الإسلامية في عنفوان عقائديتها و عسفها. وعليه، فإن الواجب الأول يكون في إقناع القوى السياسية و الشعبية بأن من الممكن مناهضة المؤتمر الوطني و هزيمة دولته؛ أما الواجب الثاني فيتمثل في إعادة تأهيل المشروع البديل. و إلى هذا، فإن على الشيوعيين السودانيين تصحيح موقفهم إستناداً إلى إرثهم الزاخر من النقد الذاتي، وأن يواصلوا في ترتيب أوضاعهم و الإستعداد لمرحلةٍ نضاليةٍ جديدة، مرة و متطاولة. إن أمامنا مهمة صعود الجبال؛ و إلا فسنعيش أبداً بين الحفر.
|
|
|
|
|
|