|
المأساة والملهاة
|
المأساة والملهاة "كان خير الأزمان وكان أسوء الأزمان ،كان عصر الحكمة وكان عصر الحماقة، كانت حقبة الإيمان وكانت حقبة الشك، كان موسم النور، وكان موسم الظلمة،كان ربيع الأمل وكان شتاء اليأس، كان أمامنا كل شئ ولم يكن أمامنا شئ ." قفزت إلى ذهنى هذه الصورة البليغة التى رسمها تشارلس ديكنز فى قصة مدينتين، في وصف الحقبة التي سبقت الثورة الفرنسية مباشرة، عندما أتى لى صديق بنبأ مفاده أن المايويين قد أقاموا إحتفالاً بمناسبة 25 مايو، فعدت بذهنى إلى ذلك العهد الذى لم يشهد تاريخ السودان نظاماً أكثر وعداً منه عند صعوده، ولا أكثر خيبةً منه عند سقوطه، فقد كانت مايو خليطاً من كل الأفكار،وكل الأنظمة، وقد تم تأليف جملة خاصة"الثورة تراجع ولا تتراجع" كمقدمة لقرارات الرئيس القائد التى تحمل تغييراً فى السياسات بدون أدنى مقدمات . كانت مايو كالطقس الإنجليزي المتقلب، والذى يقول عنه الإنجليز، إذا لم يعجبك طقسنا إنتظر قليلاً فإنه سيتغير. وأدهشني ذلك الخبر فعلى ماذا يجتمع المايويون الآن؟ وعلى ماذا إجتمع المايويون من قبل؟ مايو والتى كانت تعني كل شئ وهي في السلطة، لم تعد تعنى شئياً خارج السلطة، فهي على مدى ستة عشر عاماً قبلت كل الأطروحات، فإحتفلت باليسار حتى خنقته ،و تبنت الوحدة الوطنية فأنهت حرب الجنوب الأولى، لتؤسس لحرب ثانية ما زالت آثارها غير معلومة حتى الآن، ودعت الأحزاب إلى المشاركة في السلطة فدخلوها جميعاً، وخرجوا أو أخرجوا منها جميعاً بعد حين، لقد كانت مايو هي ما يعتقده جعفر نميري فى التو واللحظة، فمايو اليوم غيرها بالأمس، وليس هناك ما يمكن أن تعرف به ماذا ستكون مايو غداً، فمايو هي ما يقول جعفر نميري الآن أنه مايو، وكان الوزراء وقيادات العمل السياسي،ومنهم الفطاحل في ميادين تخصصهم يدخلون إلى الساحة التي سيلقي فيها كبيرهم الخطاب ،وليس لديهم أي فكرة عما سيصدره من قرارات، أو ما سيدعو له من سياسات،بل ولا يدرون ما إذا كانوا سيخرجون من الساحة وهم ما زالوا فى عداد الحكام أم لا . ربما يكون ذلك الإحتفال أملاً في إعادة عجلة التاريخ تصديقاً لمقولة هيجل أن التاريخ يعيد نفسه، ألم يسمعوا بما أضافه ماركس لذلك؟ يقول ماركس أن التاريخ حين يعيد نفسه يأتى في المرة الأولى فى شكل مأساة، وفي المرة الثانية فى شكل ملهاة. ولكن لا يبدو في ذلك ما يحبط المايويون الأقحاح، فقد كان نظامهم غزيرالإنتاج بالنسبة للإثنين ،فقد حمل وزر أشد المآسي في تاريخنا الحديث، كمذابح الأنصار فى أبا وودنوباوى ،و إعدام الشيوعيين فى يوليو، وإعدام محمود محمد طه، وهومسئول أيضاً عن أكثر الصور هزلاً، فرأينا تمثيلية إستقالة النميري عقب زيادة سعر السكر،وبكاءه لدى إستقالة وزيرة، وتدخله لإيقاف برنامج على الهواء يشارك فيه وزراءه، ثم منظر البيعة في المنشط والمكره يؤديها غير المسلمين، وأخيراً زعمه علناً بأنه قد حلق فوق أم ضوابان . نبيل أديب عبدالله المحامى
|
|
|
|
|
|
|
|
|