مقطتفات من كتاب الطباشيرة والكتاب والناس - مذكرات معلم قديم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-30-2024, 09:13 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-20-2007, 09:22 PM

هلال زاهر الساداتي
<aهلال زاهر الساداتي
تاريخ التسجيل: 04-08-2007
مجموع المشاركات: 225

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقطتفات من كتاب الطباشيرة والكتاب والناس - مذكرات معلم قديم (Re: هلال زاهر الساداتي)

    في الاحفاد وبخت الرضا

    كانت للمدرسة قوانين صارمة ليس فيها تسامح و هناك قاعدة ذهبية و هي (( ما تجيب الوصل ما تخش الفصل )) و (( الفلوس قبل الدروس )) و هذه تعني أن من لا يدفع المصاريف المدرسية من التلاميذ لا يسمح له بتلقي الدروس و يطرد من المدرسة و لا يرجع للدراسة إلا بعد دفع المصروفات و لا يدخل الفصل إلا بعد إبراز الإيصال للمدرس , فقد كانت الدراسة في المدارس الحكومية و الأهلية بمصروفات و لكنها كانت اعلي في المدارس الأهلية عنها في المدارس الحكومية , و إذا لم تخني الذاكرة فان المصروفات الكاملة للتلميذ كانت اثنتا عشر جنيها في العام تدفع علي أربع أقساط , هذا في المرحلة المتوسطة و ثمانية عشر جنيها في العام للمرحلة الثانوية .. و كانت ( حفلة ) الطرد من اجل المصروفات المدرسية تتم في الطابور الصباحي في اليوم الثالث من مطلع كل شهر , وينبه ضابط المدرسة أن علي التلاميذ الذين لم يدفعوا المصروفات أن يخرجوا من الطابور , ويقف مدينو المصروفات كل أمام صفه , و يأمرهم الضابط بالذهاب إلى منازلهم مشددا علي التنبيه أن لا يعودوا بدون المصروفات . و للحق فانه رغم هذا التشدد فان إدارة المدرسة كانت تقبل بعض أبناء الفقراء مجانا و البعض بنصف المصاريف و البعض الآخر بربع المصروفات كما كان التلاميذ من أبناء الأنصار تدفع مصروفاتهم دائرة المهدي .
    كان بالمدرسة ثلاثة انهر و كل نهر يتكون من أربعة صفوف من الأول إلى الرابع أي اثنا عشر صفا , فقد كانت المرحلة الوسطي أربع سنوات و كان عدد التلاميذ في كل صف أربعين تلميذا , أي كان مجموع التلاميذ أربعمائة و ثمانين تلميذا و قد أطلق علي الفصول أسماء المشاهير في العالم في العلوم أو الفلسفة أو الأدب و الشعر , و اذكر منها , ابن رشد و الغزالي , و الجاحظ و من الذين ارسوا التعليم في السودان مثل يودال و هدايت . و كان هناك طابوران أحدهما في الصباح و الثاني بعد انتهاء الدروس و هذا الأخير تقرأ فيه التعليمات و أسماء التلاميذ المستحقين للعقاب و الذين بلغ عنهم المدرسون لضابط المدرسة ويقرأ رئيس ( الألفوات ) الأسماء , ولكل صف ( ألفة ) وهو رئيس الفصل المسؤول عن شئون الصف من حفظ النظام وجمع الكراسات وخلافه , ويوقع عقوبة الجلد بالسوط ضابط المدرسة بنفسه , وكانت عدد الجلدات يتراوح من خمس إلى عشر , أما ( عتاة ) المشاغبين فربما يحكم عليهم بعشرين وأحيانا خمسين جلدة يأخذونها على أقساط .. وسوط الضابط هو السوط الرئيسي وهو خاص به وأنا أسميه السوط المركزي وهو طويل غليظ ويجرى شراءه قبل بداية العام الدراسي مثله مثل الكراسات و الأدوات المدرسية الأخرى , وتوجد إلى جانبه سياط فرعية أخرى صغيرة عند بعض المدرسين وهذه للتأديب داخل الفصول .. وكلنا ذقنا طعم هذه السياط عندما كنا تلاميذا ..
    وكانت النظافة والنظام قاعدة في المدرسة فكنت ترى الفراشين ينظفون أرضية البرندات طيلة اليوم تقريبا وهم يرتدون زيا واحدا مكونا من ( بردلوبة ) وعمامة من الكاكى .
    وكان تلاميذ كل صف يقومون بنظافة حجرتهم الدراسية ويوزعون أنفسهم على جماعات كل واحدة منها تؤدى النظافة يوما في الأسبوع وتسمى ( نبطشية ) . النشاط الرياضي كان له عناية خاصة فقد قسمت المدرسة إلى أربعة منازل رياضية , وخصص لكل منزل يوم يزاول فيه كل أنواع الرياضة , وكانت هناك ألعاب القوى كالجري بأنواعه والوثب والقفز بالزانة والجمباز على الأجهزة كالحصان والمتوازيين وكرة القدم وكرة السلة والكرة الطائرة , ولقد وفرت المدرسة كل هذه الأجهزة والمعدات الرياضية .
    واهتمت المدرسة كذلك بالنشاط الثقافي فقد كانت هناك الجمعية الأدبية والتي كانت تنعقد كل أسبوع ويقدم فيها التلاميذ مختاراتهم من النثر و الشعر والمناظرات الأدبية . كما كانت هناك الجمعية العمومية للمدرسة وهى تدار كبرلمان مصغر ويتعلم فيها التلاميذ ممارسة الديمقراطية من نقاش ومصطلحات كالاقتراح والتثنية ونقطة النظام ويناقش فيها مختلف الأمور المتعلقة بالمدرسة .
    ومن الأنشطة الهامة كانت هناك جمعيات للمسرح والإصلاحات والعلوم .
    وكانت هذه النشاطات المتعددة تتيح لكل تلميذ إشباع هوايته وميله إلى أي نوع أو أي نشاط يرغب فيه .
    وإلى جانب هذه الأنشطة المتنوعة والمتعددة كان هناك الفريق الأول المدرسي لكرة القدم وفريق الجمباز المخصوص وفريق كرة السلة الأول , وهذه الفرق كانت تتبارى مع نظرائها من المدارس الأخرى .
    وكانت المنازل تتبارى فيما بينهما في مباريات تنافسية , كما كانت حصيلة هذه الأنشطة المختلفة تصب في يوم الآباء والذي تحشد له المدرسة أجمل ما عندها في كل لون من الرياضة والمعارض والمسرح ويكون تتويجا لمجهودات عام كامل وكان يوم الآباء ينعقد في نهاية العام الدراسي ويدعى له آباء وأولياء أمور التلاميذ ليروا ثمرات إنتاج أبنائهم , ويحتوى صباح اليوم على معارض الفنون و العلوم ويكون اليوم الرياضي في العصر , ويضم منافسات في كل الألعاب وكان هذا يتم في الميدان الواسع غرب مركز أمدرمان القريب من المدرسة .أما اليوم الثاني و يخصص مساءه للعرض المسرحي وعادة ما تقدم فيه مسرحية طويلة من ثلاث فصول من التراث أو المسرح العالمي ويشارك في التمثيل بعض المدرسين ويقوم بالمكياج والإخراج والديكورات و التمثيل أيضا الأستاذ الفنان القدير سيد أحمد عبد الرحمن والذي كنا نناديه بشيخ سيد أحمد وهو مدرس الرسم والفنون بالمدرسة , ولما كنا تلاميذا تعلمنا منه فنونا عديدة منها عمل التريكو بالإبر لعمل فنلات من الصوف و جوارب كما انشأ جمعية للحدادة وأذكر أن مدرسة الأحفاد الثانوية المجاورة كانت تحت التشييد وقمنا بعمل المفصلات للشبابيك في الجمعية لأن الوقت كان في الحرب العالمية الثانية في الأربعينات وتوقف الاستيراد والشيء بالشيء يذكر فقد كنا نصنع الطباشير بإشراف الأستاذ حسن عبد الحفيظ فكان يذهب معنا إلى شاطئ النهر حيث كنا نجمع الحجارة الجيرية البيضاء .. ومن مآثر الشيخ الجليل بابكر بدرى أنه أول من أدخل التمثيل و المسرح في الأنشطة المدرسية , فإنه في ذلك الزمن أدخل العملية التعليمية التربوية المتكاملة لبناء الشخصية المتعلمة الفنية الرياضية مما يشبع حاجات المتلقي ..
    ومن الأشياء المتميزة هي تنظيم المذاكرة المسائية من السادسة إلى الثامنة مساء طيلة أيام الأسبوع للفصول الروابع النهائية والتي سيجلس طلابها لامتحان الدخول للمدارس الثانوية وشهادة المرحلة المتوسطة ويخصص كل مساء لمادة من المواد ويكون مدرسو المادة حاضرين لمساعدة أي من الطلاب فيما يغمض عليه أو يستعصي عليه فهمه ويجدر بالذكر أن هذه تتم بلا مقابل ويحرص كل معلم على أن يحرز تلاميذه أحسن النتائج .
    وشيء أسميه أبوي وأن شئت تسميته إنساني لمسته لمخالطتي معلمي بالأمس وزملائي اليوم وهو حدبهم وعطفهم على تلاميذهم وحرصهم على تربيتهم التربية الصالحة وتنشئتهم على الأخلاق القومية برغم وسيلتهم لبلوغ ذلك عن طريق الموعظة الحسنة والعنف المتمثل في الجلد , وارى أنه لا تثريب عليهم في ذلك لأن هذا الأسلوب في التربية كان هو السائد والمقبول عند الناس كما ذكرت آنفا , وإذا وضعنا في الحسبان أن أولئك المدرسين لم يدخلوا معهدا
    للتربية الحديثة لوضعنا عنهم كثيرا من اللوم ولم تخل دنيا الأحفاد مما يحدث بين البشر في كل مكان وزمان من احتكاك وعدم استلطاف وخلاف ربما يؤدى أحيانا إلى شجار وتعدى بالأيدي إذا طفح الكيل بأحد المختلفين عن التحمل , أو أعوزته الحجة , أو أوجعته الإهانة , وهذا ما حدث من الأستاذ ( س ) والشيخ ( س ) أيضا , فعندما هم الأستاذ ( س ) بالدخول على الناظر سمع الشيخ ( س ) يقول له : الأستاذ ( س ) فعل كذا وكذا وكان كلامه يحط من قدر الأستاذ أخلاقيا وتراجع الأستاذ وتربص للشيخ حتى خرج , فأخذ بخناقه وضربه برأسه وكنا نقول على الضربة (( ضربه روسية أو ضربة هد )) , وأنهار الشيخ وهو يرغى ويزبد , وتدافع المدرسون والفراشون يحجزون بينهم , وأخذ الشيخ يقول ويكرر (( أتنطحنى برأسك يا … ؟ )) , وصارت العبارة بعدئذ مزحة يرددها المدرسون وتناقلها التلاميذ نكاية في الشيخ ( س ) الذى لم يكن محبوبا .. أما العراك الثاني فقد كان بين الأستاذ ( ح ) والأستاذين ( ع ) و ( ح ) وكان الأول رجلا ريفيا قح يلبس جلابية وعمامة كبيرة ويحمل على ذراعه عصا غليظة يطلق عليها أسم ( كريز ) وكان مدرسا فاضلا محبوبا من تلاميذه , وكان الآخران من أبناء أمدرمان المرفهين وكان الأستاذ الريفي يقف في فسحة الفطور , ولم يكن يفطر مع المدرسين , ويطلق عقيرته بالدوبيت , ويشرع المدرسان في الضحك منه , والتندر عليه باللغة الإنجليزية ظانين أنه لا يعرف الإنجليزية ولكن الحقيقة كانت خلاف ذلك , ولما طفح الكيل بالأستاذ ( ح ) هرع إلى المكتب وتناول عكازه , و انهال عليهما ضربا وهما يستغيثان ويصرخان , وأسرع إلى نجدتهما بقية المدرسين ..
    قضيت سنة بالمدرسة أخبرني بعدها الناظر أنني سأبتعث إلى معهد بخت الرضا للتدريب وكان من المفترض أن أنفق سنتين كمدرس تحت التمرين قبل ذهابي لبخت الرضا ولكن الوزارة وافقت على طلب الشيخ بابكر لابتعاثى وكان هذا في بداية عام 1952 م .. كنت أود أن أقصر حديثي عن الفترات العديدة في المدن والنواحي البعيدة من سوداننا الطويل العريض والتي عملت فيها مدرسا وناظرا وعميدا ومديرا وموجها وكبير موجهين ولكن لا يجوز أن أغفل فترة التدريب بكلية المعلمين الوسطى ببخت الرضا وهى فترة خصيبة ممتعة في حياتي المهنية وكانت لها أبلغ الأثر في مهنتي , ولذلك لابد من أن أورد لمحات عن الفترة التي قضيتها في كلية المعلمين الوسطى بمعهد التربية ببخت الرضا , وكان معهد التربية ببخت الرضا يختص بتدريب معلمي المرحلة الأولية والمتوسطة والمدرسين المتخرجين من المدارس العليا أي الجامعة فيما بعد وكانت فترة التدريب لهم ستة أشهر يتدربون فيها نظريا وعمليا على طرق التدريس . واختار مؤسس المعهد المستر قريفث بقعة موحشة بعيدا عن العمران ومن مدينة الدويم وكانت المباني في أول عهدها القش , وكان نائبه الأستاذ عبد الرحمن على طه والذي اصبح بعد ذلك أول وزير للمعارف في السودان في عهد الجمعية التشريعية عام 1948 م , واختار هذه البقعة الموحشة عن قصد لأن المتخرجين من المدرسين سيخدمون في بقاع السودان المختلفة المتخلفة المحرومة من كل مظاهر المدنية , ولما جئنا بخت الرضا وجدناها مدينة علمية متكاملة مبانيها من الطوب والحجر وسقوفها من الزنك ومبطنة من الداخل بقماش سميك وتضم مباني الإدارة في منتصف المعهد وبه مكتبة المعهد ويحف بها مبنى كلية المعلمين الوسطى والمسرح وورشة الفنون ومدرسة التدريب الأولية , ثم على مسافة تقع مباني كلية المعلمين الأولية وقاعة محاضرات ويوجد مستوصف طبي ( شفخانة ) به مساعد طبيب ومكتب بريد والمسجد ونادى الأساتذة ونادى السنتين ودكان حلاق وبركة السباحة و الغطس وملاعب خضراء للألعاب المختلفة كالتنس والسلة والجمباز والطائرة وهناك صالة ألعاب مغطاة فيها ميدان لكرة الريشة وللملاكمة والجمباز .. وهناك منازل فخمة لهيئة التدريس وداخليات للطلبة المدرسين وبيوت لبعض المتزوجين منهم .
    ويسكن المدرسون المتدربون في كلية المعلمين الوسطى في داخليات مكونة الواحدة منها من عدة حجرات يسكن كل أثنين في واحدة منها , وكذلك هناك منازل صغيرة بها حجرتان بينهما صالة بها طاولة طويلة حولها كراسي وتستخدم كحجرة للمائدة وكذلك يوجد حمام ومرحاض وكل حجرة مؤثثة بسريرين خشبيين نسيجهما من الحبال وبكل سرير مرتبة ومخدة وملاءة وبطانية وناموسية , ويوجد مكتبان صغيران وكرسيان وفانوسان للإضاءة , وأما الداخليات فبكل داخلية الأثاث نفسه في كل حجرة والحجرات تفتح على برندة بطول الداخلية ومحاطة بسلك النملية لكي لا يدخل الناموس , والناموس هنا عذاب مقيم وبخاصة في الخريف وكذلك لابد أن تنصب فوق كل سرير ناموسية لاتقاء شره , ولقد شاهدت كل طلبة مبروكة وهي كلية المعلمين الأولية يغطون سيقانهم بقماش يشبه الجوارب وهي تصرف لهم اتقاء للسعات الناموس لأنهم يلبسون أردية قصيرة short .. وتوجد في كل داخلية حجرة واسعة common room تستخدم لتناول الطعام وهناك أيضا صفان من الحمامات والمراحيض في كل داخلية . واللافت للنظر أن كل هيئة التدريس بدءا من العميد و نزولا إلى الطلبة و المدرسين المتدربين يرتدون زيا واحدا مكونا من رداء short من الكاكي و قميص ابيض نصف كم من الدبلان و يحتذون صندلا , و أما الإنجليز فيلبسون شرابات طويلة و أحذية أثناء ساعات العمل , و أما في المساء فيلبس الواحد ما يشاء من بنطلون او جلابية و عمامة ..
    و لقد جئت بخت الرضا من مدينة امدرمان في عام 1952 ضمن الفرقة الرابعة او الكورس الرابع Course4 كما يقال للتدريب في كلية المعلمين الوسطي , و أتيت من المدينة حيث الحياة هينة سهلة , و تضجرت في أول الأمر و تعجبت ماذا أراد مؤسس المعهد المستر قريفث من اختيار هذه البقعة الموحشة مكانا لاقامة المعهد , و لكن تعودنا بعد حين علي هذه الحياة الخشنة التي لم نألفها من قبل و أولها سكني الداخليات و الإضاءة بفوانيس الجاز , وثانيهما تحمل لسعات البعوض الذي لم أرى مثله من قبل و هو بعوض عملاق الواحدة منه طويلة لها خرطوم طويل حاد تخترق به الجسد , و ثالثهما الخوض في وحل الخريف , فالتربة هنا طينية تصير وحلا إذا انهمر عليها المطر و اخشوشنا ..
    كان يدرس بكلية المعلمين الوسطي أساتذة اجلاء من السودانيين و البريطانيين , و كان علي كل متدرب أن يختار مادتين ليتخصص في تدريسهما إلى جانب لون واحد من الأنشطة المتمثلة في التربية البدنية , و الفنون و المسرح , و اخترت اللغة الإنجليزية و الجغرافيا و التربية البدنية و إلى جانب ذلك كان المتدرب يدرس طرق التدريس و علم النفس التربوي و التعليم المقارن , و تشتمل الدروس علي محاضرات نظرية و معاينات للمدرسين في مدارس المعهد و تحضير و إعداد حصص يدرسها أفراد الفرقة من المتدربين و يحضرها زملاءه و أي من أساتذة المعهد بما فيهم العميد إذا وجدوا فسحة من الوقت , و في اللغة العربية كان هناك الدكتور عبد الله الطيب و لم يسعدني الحظ بالتتلمذ علي يديه لأنني اخترت اللغة الإنجليزية كمادة تخصص و كان بالشعبة الأستاذ صلاح المليك , و في شعبة اللغة الإنجليزية الأستاذ الفذ المستر برايت و معه المستر درم و الذي كان يبدأ محاضرته عندما يضع قدميه علي عتبة الحجرة و الذي ادخل الرعب فينا باختباراته الفجائية و التي لا يترك فيها شاردة او واردة مما ألقاه علينا في محاضراته و لذلك كان الواحد منا يبذل أقصى اليقظة و الانتباه في محاضراته , وكان بالشعبة أيضا المستر جورج الايرلندي الأصل و الذي كان يدرس لنا علم الصوتيات Phonetics و الذي اخبر عنه زميل و قال انه أثناء مروره بمكتب شعبة اللغة الإنجليزية سمع صوتا أو أصواتا ( او – آى – آه – يو – و آى ) فاسترق النظر ووجد مستر جورج يصدر هذه الأصوات , فقد كان يحضر لدرسه .. أما رئيس الشعبة المستر برايت وهو عالم في طرق تدريس الإنجليزية و عمل بعد ذهابه من السودان مع شركة لونقمانز الشهيرة للنشر و ألف العديد من الكتب و المناهج لتدريس اللغة لدول العالم الثالث وهو الذي أدخل الطريقة الحديثة لتدريس اللغة الإنجليزية ( Direct method الطريقة المباشرة ) ودربنا عليها , كما أنه أدخل كتاب الخط الإنجليزي الحديث الذي أستبدل فيه طريقة رسم الحروف الهجائية القديمة بأخرى جديدة سهلة الكتابة وأقرب إلى حروف الطباعة في الكتب , وجعلنا نخط الكتاب أى ننقله من الغلاف إلى الغلاف لأننا سنقوم بتدريسه بعد تخرجنا . وقد كان لا يتسامح في الخطأ ويصوبه في لحظته وربما بشيء من القسوة , ومن ذلك أننا كنا نشاهد حصة معاينة لمعالجة كتابة الإنشاء composition في الصف الرابع في مدرسة الدويم الريفية الوسطى يدرسها مدرس الفصل في تلك المدرسة , وكانت حصة الإنشاء مزدوجة يناقش المدرس في الحصة الأولى الموضوع وعناصره مع التلاميذ شفويا ويشرح الكلمات الصعبة ثم يكتب التلاميذ الموضوع في الحصة التي تليها , وخلط المدرس في تبيان كلمتي Sink و Drown , فصاح فيه مستر برايت من آخر الفصل قائلا Don’t spoil our language لا تفسد لغتنا , و كنا و لفيف من مدرسي المعهد نجلس في المدرجات في نهاية الفصل . وكان في شعبة الجغرافيا الأستاذ متوكل احمد أمين و مستر ماكبين الذي هددنا بأنه سيرسبنا لأننا تقاعسنا في عمل مشروع أعطاه لنا , و كان في شعبة التاريخ الأساتذة رحمة الله عبد الله و محمد خوجلي و مندور المهدي , و كان في شعبة العلوم الأستاذ احمد محمد سعد و في الرياضيات المستر هوبسون و في المناشط كان الطاهر شبيكة في المسرح , و في الفنون مستر كولستوك و الذي كان يحيي كل من يلقاه بقوله (( أهلا و سهلا )) و لو كان الواحد علي بعد ميل , و في التربية البدنية مستر وليامز و بدر الدين عبد الرحيم و عبد الحميد الجمل , و مستر وليامز هذا إنجليزي الأب مصري ألام و لكنه لا يتحدث إلا الإنجليزية و كان يجعلنا نكرر الحركة الواحدة عديد المرات حتى نتقنها تماما ثم ينتقل إلى الحركة التي تليها , و في أول عهده بالمعهد كان لديه حصة مع طلبة مبروكة – معهد تدريس مدرسي المرحلة الأولية – و أجهدهم و بلغ منهم التعب و الضيق مبلغا عظيما فقال : ( الخواجة ابن الكلب ده عايز يموتنا و لا شنو ) , فرد عليه مستر وليلمز بعربية فصيحة بلهجة مصرية ( أولا أنا مش ابن كلب , ثانيا انت ابن ستين كلب . ده أنا أضربك و اضرب معاك مبروكة كلها ) و بهت الطالب و معه كل الفصل , وكان يعلمنا القفز و الغطس في الحوض و بعد الشرح النظري كان التطبيق العملي , وشاء حظي أن أكون أول من يقفز و اعتليت ال Board ( عارضة القفز ) العليا كأمره و هو يصيح في بالعربية ( شد نفسك , عينك علي أبو حبيلة (حبيرة ) ) و كان ينطق الراء لاما و أبو حبيرة هذه قرية في الجانب الآخر من النهر و من حوض السباحة , ثم امرني بالقفز و قفزت و بدلا من ادخل الماء برأسي ضربت الماء ببطني و شعرت كأن بطني تتمزق , و تحاملت علي نفسي من الألم و سبحت إلى طرف الحوض و كاد أن يغمي علي . و كان هناك بدر الدين عبد الرحيم في الشعبة و الذي كان متفوقا في الأداء علي أجهزة المتوازيين و العقلة و المصارعة و الملاكمة و قد دربنا عليها جميعا . أما عبد الحميد الجمل فقد أعطانا دروسا في التنس و كرة السلة و الفولي بول و كرة القاعدة و قوانين كرة القدم و العاب القوي . و كانت منطقة ال Pool ( حوض السباحة ) كلها مساحات مخضرة بالنجيلة و بها ملاعب لجميع الألعاب من تنس و كرة سلة و طائرة و كانت تموج بالنشاط في العصريات و كانت تغشاها عائلات المدرسين و زوارهم من الدويم للفسحة و الترويح عن النفس . أما التربية الإسلامية فكان علي رأسها شيخ الجيلي , و بذكر الشيوخ كان إمام مسجد المعهد أحد الشيوخ من المدرسين و كان مغرما بلعبة الكنكان المعروفة في لعب الورق , و في صلاة الجمعة اعتلي الشيخ المنبر , و بعد حمد الله و الثناء عليه ادخل يده في جيبه ليخرج الخطبة المكتوبة و إذا به يخرج كرت الجوكر – يعني توجد شبهة غش مولانا في اللعب – و لكن مولانا ببديهة حاضرة و سريعة امسك بالجوكر و رفعه عاليا و جعل موضوع الخطبة عن الميسر و حرمته و مضاره . و كانت هناك حصص المعاينات التي يتعين علي كل واحد منا أن يعدها و يدرسها في أحد مدارس المعهد علي أعين زملاء الدفعة و أساتذة المعهد و ربما يحضرها العميد , فكانت بحق اختبارا صعبا , فالعيون مركزة علي الواحد و كل واحد من الحضور ممسك بنوتة و قلم ليسجل ما يبدر من المدرس منذ دخوله الفصل و إلقاء التحية علي التلاميذ الي انتهاء الحصة بقرع الجرس و كان يتبع حصة المعاينة مباشرة حصة لمناقشة أداء المدرس و تقويم الحصة . ومن طريف ما حدث أن أحد زملائنا كان يدرس حصة معاينة جغرافيا و كان موضوع الدرس اليونان , و ذكر محاصيل القطر الزراعية و لما وصل الي العنب سأل التلاميذ (يا أولاد انتو عارفين العنب ده بيصنعوا منه شنو , ده بيعملوا منه الخمرة حمانا الله – الخمرة دي بطالة و رجس من عمل الشيطان ) و كدنا في مؤخرة الفصل نقهقه بضحكنا المكتوم لان صاحبنا كان من عشاق بنت الحان و الباذل من اجلها الكثير . و قصدت أن يكون حديثي أخيرا عن الأستاذ عبد الحليم علي طه و كان مراقب كلية المعلمين الوسطي و عن المستر هودجكن عميد المعهد , و الأول كانت له معنا حصة واحدة في الأسبوع : و يدخل و يجلس و يخرج نظارته و يمسحها و يلبسها ثم يخلعها و يلبسها ثانية و يفعل ذلك عدة مرات , و يتنحنح ثم يتكلم بأسلوبه الشيق الساخر اللاذع عما اجترحه البعض منا من حماقات صغيرة خلال الأسبوع و من ذلك قوله (الواحد فيكم يجي نص الليل جاري ساكنو صعاليك الدويم و لما يصل جوه بخت الرضا يشعر بأنه at home و يشعر بالأمان و يقوم يغني بصوت عالي و يزعج النايمين ) و برغم ذلك كنا نجد متعة خالصة في حصصه , ولا انسي الرجل المهذب الهادئ حسن احمد يوسف و كانت له حصة واحدة معنا تسمي (تدريب الأخلاق) Character training .
    أما المستر هودجكن فانه كان يأسر المرء ببساطته و تواضعه و لطفه و علمه , وكان يزورنا في نادينا و يجلس و يتجاذب معنا أطراف الحديث و كأنه واحد منا . و ذات مرة كنا في الجمنيزيم (صالة الألعاب) , و كنا نؤدي حركة جمباز أرضية صعبة , و جاء مستر هودجكن و بدون مقدمات أدى الحركة بطريقة أدهشتنا جميعا و هو ما هو في أواخر الخمسينات من عمره , وفاتني أن اذكر انه فقد جميع (عُقَل) أصابع يديه عندما تجمدت و انفصلت من الصقيع عندما كان يتسلق قمة جبل افرست و لم يتبق إلا الإبهام في كل يد و مع ذلك كان خطه جميلا , و هذا الرجل بعد سودنة وظائف البريطانيين عند الاستقلال تبرع بمكافأته عن خدمته للسودان , واذكر انه بعد الاستقلال جمعت الحكومة من الشعب تبرعات أسموها مال الفداء لتعويض و مكافأة المستخدمين الإنجليز الذين انهوا خدماتهم و حل محلهم سودانيون .
    و يحلو لي في ذكري تلك الأيام العذبة أن اذكر زميلا لنا في الدفعة الرابعة سيكون له شأن عظيم فيما بعد وهو الأخ الطيب محمد صالح الذي شرُفت الرواية العربية به بل شّرف الأدب السوداني و شرُف السودان به , و اذكر عنه انه كان كما يقول الإنجليز Gentleman هادئ الطبع , وودود , سمح النفس , عميق الصوت في موسيقية محببة أهلته فيما بعد لان يكون المع مذيع في ال BBC هيئة الإذاعة البريطانية , وكان كثير الاطلاع , وكان متدينا في غير غلو أو مراء .. ولم يكن يشاركنا حماقاتنا و مشاويرنا الليلية الي الدويم .
    و كنا في فترة الاستراحة بين المحاضرة و التي تليها نقضي الوقت في الراكوبة الشهيرة الملحقة بمبني الكلية نشرب فيها الشاي و القهوة و صاحب القهوة هو العم محمد و الذي ظل يديرها منذ إنشاء الكلية و عاصر جميع الكورسات و يتذكر أسماء معظم المتدربين السابقين , و كنا في هذه الفسحة نتحلق حول زميلنا عصام و الذي أعطيناه لقب العميد لانه كان الأكبر سنا في الدفعة وربما كان في منتصف الأربعينات من العمر , و طوف في الدنيا و ذهب الي عدن و الحبشة و عمل موظفا هناك وهو شخصية لطيفة ودود خالي القلب من الهم , ضاحكاً أبداً , واستقر به التطواف أخيراً في مهنة التدريس وكان يسرد علينا كل يوم جزءاً من مشاهداته ومغامراته وكنت أقدمه كل يوم قائلاً مثلاً نقدم لكم اليوم الحلقة العشرون من مغامرات العميد عصام في غابر الأيام , وكانت حكاياته شيقة تشدنا إليها كحكايات ألف ليلة وليلة أو رحلات السندباد .. وكانت سكناي في بادئ الأمر في بيت مع ثلاثة من الزملاء , وكان زميلي في الحجرة الأخ عبد الحميد من عائلة الضرير المشهورة في أمدرمان , وكان شاباً فاضلاً متديناً جاداً في التحصيل مما أهله ليكون أول الدفعة في الرياضيات واللغة العربية , وأبتلى بداء الأزمة الشعبية فكانت لديه بخاخة يبخ بها حلقه عندما تداهمه نوبة الأزمة مراراً أثناء الليل , وكان ينجدني عند حاجتي لاقتراض نقود فهو ليس مثلنا ينفق نقوده في تدخين أو شراب أو غيره .. أما الزميلان الآخران فهما من أبناء الشمالية , أحدهما فيه شيء من غرابة الأطوار يتمثل في بعض التصرفات , ولديه عصا قصيرة ( دقلة ) يحملها وأطلق عليها أسم المريخ وهذا الاسم أطلقناه عليه وصرنا نناديه به فهو يهتاج أحياناً دون سبب ظاهر ويضرب تربيزة المائدة ( بالمريخ ) عدة ضربات ولكنه لا يؤذي أحداً , أما الزميل الآخر فأنه كان طويلاً ضخماً ذو كرش أحمر اللون ( حمريطى ) كما كان ونقول مهزاراً مهرجاً خفيف الظل وكان يتولى طهى الطعام لنا وهو ماهر في الطهى , وكان ماهراً أيضاً في الدراسة .. ومن دعاباته السمجة أنه كان بعد أن نتهيأ للنوم يصدر أصواتاً كصوت النساء في الفراش ( يتجلع ) , ونسبه وننهاه وهو يضحك .. وارتحلنا من المنزل إلى داخلية واسعة وكان رفيق الحجرة متدرب قبطي من عطبرة وكان شاباً مهذباً هادئاً بشوشاً , وكان عددنا في الداخلية ثلاثة عشر متدرباً ننتظم جميعاً في ما نسميه ( ميز ) , أي نتشارك في نفقات المعيشة فيدفع كل واحد منا نصيبه في الأكل والشراب شهرياً إضافة إلى أجر الطباخ والخادم لغسيل وكي الملابس والنظافة وكان يتولى رئاسة الميز واحد منا , وكان رئيس الميز زميل من أمدرمان أحمر ضخم الجثة يغطى وجهه شارب كثيف حتى أننا كنا نناديه باب شنب وكانت هناك حجرة صغيرة في مدخل الداخلية كان يشغلها وكان لا يشارك أحداً في الحجرة لأنه كان ينام عرياناً كما خلقته أمه , وكان شخصية محبوبة , وكان من المتزوجين كبعض أبناء الدفعة وله أبناء , وكان لديه موترسايكال يسافر به أخر الأسبوع إلى أمدرمان وهى تستغرق نحو أربع أو خمس ساعات .. وكان حريصاً جداً في الإنفاق والاقتصاد و ( قرّط ) علينا في المعيشة و إفطارنا و عشاؤنا لا يخرج من العدس والفول رغم احتجاجاتنا القوية وانقلبنا عليه في ثورة مضرية أقلناه من رئاسة الميز , وكنا قد صرنا مادة للسخرية من الميزات الأخرى ومن تندرهم كانوا يقولون عن ميزنا أنه توضع في الصحن قطعة لحم واحدة وتكون في كل يوم من نصيب واحد من الميز .. وعلى النقيض من صاحبنا الرئيس المخلوع كان رئيس ميز آخر مغاير تماماً , فإنه ( بهلها ) , وكان يحضر أطايب الطعام ومعها زجاجة كونياك مارتل فاخرة , والصحاب يأكلون ويشربون ولا يسألون , ولما جاءهم حساب الميز في أول الشهر وكان عشر جنيهات للواحد ( راحت السكرة وجاءت الفكرة ) وأعلنوها ثورة غاضبة أطاحوا فيها برئيس الميز , وكان نصيب الفرد في الميزات لا يتجاوز الخمس جنيهات .. ومن الشخصيات التي ارتبطت ببخت الرضا منذ البداية الحلاق محمد وهو يمتلك دكانا للحلاقة في مدينة الدويم يعمل فيه بالنهار ويأتي في المساء ليعمل في دكانه ببخت الرضا وقد تأثر بجو العلم هنا مما انعكس على حديثه واستخدامه كلمات عربية كبيرة ولا يخلو حديثه من تفلسف وهو ككل الحلاقين لا ينجو من خصلة الثرثرة _ لا أدرى لماذا _ وهم يتحدثون عن كل موضوع من الرياضة والفن والسياسية , ولكن عم محمد الحلاق كان ينهمك في الثرثرة اكثر من انهماكه في الحلاقة , وكان يحلق بطريقة مسرحية _ إن صح التعبير _ تبث الرعب في من سلمه رأسه للمرة الأولى فإنه كان يمسك بالمقص ويتمعن في رأس الزبون ثم يتراجع إلى الخلف ويجئ مندفعاً شاهراً مقصه كالسيف ثم ينقض على الرأس ليقص عدة شعيرات , ويكرر هذا الكر والفر عن يمين وشمال والوراء ولسانه لا يسكت عن الكلام ! ومن إحدى حكاياته التي لا تنضب انه كان راجعا من بخت الرضا ليلاً في طريقه للدويم في طريقه إلى منزله ممتطياً حماره وكانت السماء مثقلة بالغيوم السوداء والليلة حالكة السواد , واخذ المطر في الهطول , وقال إن الحمار توقف فجأة وحرن وتحير في أمره ولكن عرف السبب لما رأى أمامه ثعباناً , وسأله الزبون عن كيفية رؤيته للثعبان في الظلام الأسود , ورفع الحلاق المقص عالياً وقال بنبرة مسرحية ( ظهر برق ) فرأيت الثعبان .. ومن الشخصيات الطريفة زميل لنا أسود اللون لا يميل كثيراً للاختلاط بالآخرين وكان يكثر من الاستحمام في اليوم الواحد مرة واثنان وثلاث وأربع كنصاب الزواج من النساء , وخلته يريد أن يبيض جلده الأسود ولكن ربما يعاني من فوبيا Phobia النظافة إن كان هناك شئ كهذا .. ولا يفوتني أن أذكر الأخ قاسبرى خميس ريدى وهو أول مدرس متدرب من جنوب السودان جاء إلى كلية المعلمين الوسطى وجاء ومعه زوجته أعطى منزلاً لسكنه , وكان نافراً متحفظاً في أول أمره وكان لا يخلع الصليب من عنقه ولعله أتى بفكرة سيئة عن الشماليين ولكنه بعد حين بعشرتنا ومعاملتنا ذاب الجليد وصار واحداً منا وكان العمل في بخت الرضا يتميز بالجدية والنظام والإتقان وترى الكل يعملون بهمة ونشاط كالنحل في الخلية أثناء ساعات العمل , وبعد العصر تعج منطقة ال Pool _ البركة بالأنشطة الرياضية , وفي المساء تعمر الأندية المختلفة بروادها حيث ألعاب الورق المختلفة والطاولة والضمنة وألعاب أخرى للتسلية إضافة إلى حجرة القراءة في كل نادى ونجد فيها الصحف بالإضافة إلى تنس الطاولة , وتنظم محاضرات ثقافية أو ليالي شعرية وادبية من حين لآخر بنادي السنتين واذكر أن الدكتور عبد الله الطيب قدم لنا في عدة محاضرات كتاب صبح الأعشى للقلقشندى , واذكر أيضاً محاضرة قدمتها السيدة جنة زوجة الأستاذ متوكل أحمد أمين وهى إنجليزية مسلمة من أصل هندي وحاضرتنا عن الإسلام في إنجلترا ومما علق بذهني أنها عند حضورها الي السودان بالقطار من حلفا أثار عجبها و استنكارها تقديم الخمور في الباخرة و القطار , و كانت تعتقد أن السودان كبلد إسلامي لا تقدم فيه الخمر علناً .
    و كانت رسالة بخت الرضا ممتدة الي ما بعد تخريج متدربيها و ذلك بمتابعتهم أينما كانوا بالسودان بإمدادهم بالنشرات التربوية و بالجديد في ميدان التعليم , و بمتابعتهم ميدانيا بذهاب رؤساء شعب المواد المختلفة الي حواضر السودان و زيارة مدارسها و العاملين فيها من خريجي بخت الرضا و معاينة أداءهم , كما كان في المعهد بعد كورسات تجديدية Refresher Courses لقدامى الخريجين يفدون فيها الي المعهد لعدة أسابيع , و لذلك كان خريجو المعهد دوما مواكبين الجديد في حقل التعليم و التربية ولا (تتحنط) معرفتهم عند الذي تلقوه في المعهد خلال تدريبهم .. و قد أتاحت لنا هذه الكورسات لقاء و معرفة الكثير من قدامي المعلمين من أنحاء السودان .
    و كُرست الأشهر الست الأخيرة لنا في المعهد لدراسة فنون و طرق التعليم نظريا و التطبيق عمليا بتدريسنا في مدارس المعهد و الدويم , و انضم الي الدفعة في هذه الفترة سبعة مدرسين من خريجي كلية الآداب بالمدارس العليا (جامعة الخرطوم فيما بعد) , ليعملوا فيما بعد بالمدارس الثانوية أو لتدريس الصف الرابع بالمدارس الوسطي قبل التحاقهم بالمرحلة الثانوية , كما كان المتميزون من كلية المعلمين الوسطي يدرسون بالمدارس الثانوية . و انقضت فترة التدريب ببخت الرضا كسحابات حبلي بالماء روت ارض معرفتنا المجدبة فانبتت قمحاً و زهراً وورداً , و رسخت أقدامنا و طولت قاماتنا علي ارض التعليم , و أرسلونا الي مدارس مختارة في العاصمة في الخرطوم و أمدرمان و الخرطوم بحري لنكمل تدريبنا بها لمدة شهر و بعدها يحصل الناجحون علي شهاداتهم و يعتمدون كمدرسين .. و حان وقت الفراق و شعرت بانقباض في صدري و حزن تخلل شغاف قلبي و تمثلت قول الشاعر
    خلقت الوفاً لو رجعت الي الصبا
    لفارقت شيبي موجع القلب باكياً
                  

العنوان الكاتب Date
مقطتفات من كتاب الطباشيرة والكتاب والناس - مذكرات معلم قديم هلال زاهر الساداتي05-16-07, 07:12 PM
  Re: مقطتفات من كتاب الطباشيرة والكتاب والناس - مذكرات معلم قديم Raja05-16-07, 07:44 PM
    Re: مقطتفات من كتاب الطباشيرة والكتاب والناس - مذكرات معلم قديم هلال زاهر الساداتي05-17-07, 06:00 PM
      Re: مقطتفات من كتاب الطباشيرة والكتاب والناس - مذكرات معلم قديم هلال زاهر الساداتي05-20-07, 09:22 PM
        Re: مقطتفات من كتاب الطباشيرة والكتاب والناس - مذكرات معلم قديم Azhari Nurelhuda05-21-07, 00:04 AM
          Re: مقطتفات من كتاب الطباشيرة والكتاب والناس - مذكرات معلم قديم هلال زاهر الساداتي05-21-07, 08:07 PM
            Re: مقطتفات من كتاب الطباشيرة والكتاب والناس - مذكرات معلم قديم هلال زاهر الساداتي05-24-07, 05:57 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de