مودي بيطار الحياة - 03/11/05//المحطة الاخيرة غابرييل غارسيا ماركيز. في روايته الاخيرة «ذكريات عاهراتي الكئيبات» الصادرة بالانكليزية عن دار جوناثان كيب، بريطانيا، يتناول غابرييل غارسيا ماركيز عشق الاطفال كما لو كان من اكثر الاشياء ب" /> كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز

كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-15-2024, 09:26 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عبد الحميد البرنس(عبد الحميد البرنس)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-03-2005, 06:53 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز

    لمحات ثقافية
    <

    >مودي بيطار الحياة - 03/11/05//


    المحطة الاخيرة

    غابرييل غارسيا ماركيز. في روايته الاخيرة «ذكريات عاهراتي الكئيبات» الصادرة بالانكليزية عن دار جوناثان كيب، بريطانيا، يتناول غابرييل غارسيا ماركيز عشق الاطفال كما لو كان من اكثر الاشياء بساطة، ابو الواقعية السحرية يتوقف عند السحر في غرام عجوز في التسعين (نعم) بفتاة في الرابعة عشرة، ويتجاهل بشاعة الامر وخرفه. يبدأ الكاتب الكولومبي روايته القصيرة بتقرير بسيط: «في السنة التي بلغت بها التسعين اردت ان اهدي نفسي ليلة من الجنس الجامح مع مراهقة عذراء». الراوي صحافي عادي مجّد شيخوخته في مقال علماً انه بدأ يشعر بالعمر عندما قال له الطبيب ان وجع ظهره طبيعي في الثانية والاربعين. «في هذه الحال، ما ليس طبيعياً هو عمري». في التسعين يرفض عمره ثانية بعد ان كان توصل الى «سلم مقدس» مع جسده طوال عقدين، وغيّبه خلالهما بالقراءة والاستماع الى الموسيقى. اراد فتاة يوم رغبته فيها ولم يطق التأجيل. مدام روزا تتواطأ كجنية طيبة مع إلحاح جسمه الذي يشبه «رسالة من الله». تجد فتاة فقيرة في الرابعة عشرة وتخدّرها لتحميها من عنف المواجهة المحتمل. يستكين «وجع المراهقة» فجأة لدى التسعيني، فيكتفي بمراقبتها والغناء لها ويغادر فجراً قبل ان تستفيق. يتكرر الامر ويعشقها، ويكتشف انه يفضلها حلماً لا حقيقة. عندما تتحدث في نومها يسمع لهجتها الشارعية ويتمنى ان تبقى نائمة. على ان الطفلة الغافلة تغير حياته. مقال الاحد يتحول قصائد حب تجذب القراء وتجلب له شهرة جميلة مفاجئة في آخر عمره.

    «ذكريات عاهراتي الكئيبات» هي رواية ماركيز الاولى منذ عشرة اعوام. في 1995 اصدر «الحب وشياطين اخرى» التي تلاها عمل صحافي ادبي، «انباء خطف»، ومذكرات «أعيش لأروي القصة». الرواية الجديدة تفضح تعب الروائي البالغ الثامنة والسبعين، وتركز على المناخ وغنائية النص بدلاً من الشخصية والعقدة والتفاصيل. الراوي يعترف ببشاعته ويغفل عن حمى جسده القبيحة باعلائها. يترك الفتاة «سيدة عذريتها» في اقصى انكشافها وضعفها، ويحولها ملهمة تضيء آخر حياته بألق ابداعه الخبيء. نداء الجسد تحول نداء الروح، ومسيرته من منزله، الذي يوحي قدرة مادية اكبر من الواقع، الى دار المدام روزا كانت رحلة البحث عن ذات يجدها في المحطة الاخيرة.

    سرق قراصنة الكتب في كولومبيا. نص الرواية قبل صدورها وباعوا النسخ خلال ساعات. غضب ماركيز وغيّر نهايتها وكوفئ باحتلالها قمة الاكثر مبيعاً في كاليفورنيا المكسيكية الاصل بطبعتيها الاسبانية ثم الانكليزية. اختار بطلها شيخاً جليلاً يشبهه وجعل الحب المستحيل فرصة المرء الاخيرة قبل الموت الواقف على العتبة.

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 11-03-2005, 07:08 PM)

                  

11-03-2005, 07:23 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: عبد الحميد البرنس)

    في ورشة غابرييل غارسيا ماركيز
    كيفَ تُحكى حكايَة ؟




    يقول ماركيز : ان كل قصة تحمل معها تقنيتها الخاصة ، والمهم بالنسبة لكاتب السيناريو هو اكتشاف تلك التقنية . وفي محاولة جديدة تتسم بالذكاء الحرفي عمل الروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز على اختبار جدارة هذا التصور الفني عن الكتابة الإبداعية من خلال تأسيس ورشة لكتابة السيناريو يرتكز عملها بشكل مباشر على تحويل الفكرة النظرية إلى ممارسة كتابية متفردة تدخل في التفاصيل وتنقب عن الجودة حينما تبحث عن نواة قصة ما تروى بصورة جيدة طالما ان ليس هناك ما هو أسوء من قصة يجري تطويلها كما يزعم غابو ( الاسم الذي يطلقه أعضاء الورشة على ماركيز ).

    في مدخل الكتاب يسرد " غابو " الكيفية التي ابتدأت فيها الفكرة هناك في مكسيكو حيث طلب منه إنجاز ثلاث عشرة قصة حب تدور أحداثها في أمريكا اللاتينية ، مدة كل واحدة منها نصف ساعة . ولمباشرة هذا العمل " اجتمع عشرة من العاملين في حقل السينما كتابة وإخراجا ، من أمريكا اللاتينية وأسبانيا في ورشة سيناريو يديرها ماركيز فيما يشبه فرقة أوركسترا صغيرة تبحث عن قطعة موسيقية ، تصوغها وتعزفها ، لكن الورشة هنا تبحث عن قصة أو فكرة ، تكسوها لحما وجلدا ، وتعطيها ملامحها الخاصة في سيناريو سينمائي – تلفزيوني ، يرسم الحدود المتصلة بين الأدب والسينما ". وكما جاء في التقديم فان أنصاف الساعات هذه تتبناها جهة إنتاجية تقوم بتحويلها إلى الشاشة باتفاق جماعي ، فيما تُخصص ورشة ماركيز ريع بيع هذه القصص لمدرسة "سان انطونيو دي لوس بانيوس " الدولية للسينما والتلفزيون . يدرك ماركيز ان متطلبات السوق اليوم تقتضي تقديم أعمال تتسم بالإثارة والتشويق والمغزى الواضح ، لذا نراه يحاول لفت انتباه مجموعته إلى مبدأ صناعة نص أدبي – سينمائي جيد يتصف بالطرافة والإبداع والخفة من دون ان يتحول مبدعه إلى سلعة .

    وقبل الشروع في العمل يشير ماركيز إلى نفسه قائلا : " ان اكثر ما يهمني في هذا العالم هو عملية الإبداع . أي سر هو هذا الذي يجعل مجرد الرغبة في رواية القصص تتحول إلى هوى يمكن لكائن بشري ان يموت من اجله ، أن يموت جوعا ، أو بردا ، أو من أي شئ آخر لمجرد عمل هذا الشيء الذي لا يمكن رؤيته أو لمسه ، وهو شئ في نهاية المطاف ، إذا ما أمعنا النظر ، لا ينفع في أي شئ ؟ " ويمكننا ان نرى ان مجرد الرغبة في إنجاح عمل الورشة وتقديم نتائجها للقراء في سلسلة كتب إبداعية ، يعني إصرارا حقيقيا على مواصلة الحياة .

    تبنى طريقة العمل في الورشة على الحوار الصريح والجاد وبمشاركة جميع الأعضاء ، حيث يباشر أحدهم بطرح فكرة ما أو اقتراح صورة مشهد ، يتلقفها الباقون ويطورونها إلى أقصى حد ممكن ، مع محاولة تفكيك القصص واعادة تركيبها من جديد ، ثم تأخذ الفكرة / القصة بالتداول فيما بينهم بحيوية وجرأة تكسبها جمالا وتأثيرا ملحوظين ، وعندما يحين موعد نضجها ، تتركز جهودهم لاعادة صياغة البناء وتشذيب الأحداث والشخصيات بما يجعلها ذات سياق قصصي متسق يصلح للعرض على الشاشة .

    أما في حال لم يتوصل أعضاء الورشة إلى صيغة نصية متفق عليها ، وأخذت الفكرة تنتقل بينهم من دون ان تتطور ، فمعنى ذلك ان ثمة خلل ما في الحكاية ، ويفضل تركها إلى حين . ولكي لا تتكرر الأخطاء يشير ماركيز إلى فكرة الاستبعاد ، داخل النص أو خارجه ، فإذا أحسست ان هذا الجزء غير ملائم ، لا تحاول ان تتمسك به عنوة ، فقط لأنك أنجزته . ونراه يلمح في مكان آخر إلى ان " الكاتب الجيد لا يُعرف بما ينشره بقدر ما يعرف بما يلقيه في سلة المهملات " . ومن سياق مقارب يحث ماركيز أعضاء الورشة على المضي في الطريق السليم مذكرا : " ان على أحدنا حين يكتب ان يكون مقتنعا بأنه افضل من سرفانتس ، أما عكس ذلك فان المرء سينتهي لان يكون أسوء مما هو في الواقع … فمن الصعب العثور على قصة لا تتشابه بطريقة ما مع أشياء كثيرة " .

    وعند اكتمال القصة توكل لأحد الأعضاء مهمة إعدادها كسيناريو سينمائي أو تلفزيوني . ويشدد ماركيز غير مرة على فكرته الرئيسة بطرق مختلفة تتلخص في قوله : " إذا كانت لدى المرء قصة جيدة ، يمكن ان تروى بطريقة واضحة وبسيطة ، فعليه ان يتجنب تعقيدها " . ورغم ان اغلب الاعتبارات التي توجه صياغة القصص في ورشة ماركيز هي اعتبارات فنية سينمائية ، لكن شواهد الخبرة الأدبية الواسعة يجري اعتمادها أيضا وبشكل أساسي ، فالعمل السينمائي والأدبي متلازمان في جوانب كثيرة رغم اختلافهما البائن في أمور عدة … لقد كان غابو - كروائي مولع بالخرافة الواقعية - يعتقد بنقطة جوهرية تتمثل في " ان السينما تحب المبالغة ، لكن ليس بمقدار ما في الواقع من مبالغة " .

    ان خبرة ماركيز كأديب محترف له تجربته الخاصة تهيمن على حوارات الورشة وتستحث جهود المجموعة على الاقتراح والمبادرة والتفكير بأفق مبدع ، لذا تستحق ان توصف بأنها دروس أدبية وفنية لها أهميتها ودورها التحفيزي ، خاصة وهي تتلبس بحس جدلي غير مفتعل شكل الملاحظة المشاكسة أو الجزم بأمر مرفوض فنيا ، من دون ان يقلل ذلك من شان آراء الآخرين التي تبدو لماحة وذكية عندما تكشف عن خبرة واسعة في مجال كتابة السيناريو وتأثيث المشهد السينمائي بثراء صوري مدروس .

    ثمة دروس عدة يمكن لماركيز ان يقدمها لكتاب القصة أو المشتغلين بالسيناريو ، واهم تلك الدروس هو تحسين قدرة الكاتب على الإيجاز والترميز ، " فلابد من إقرار المستويات والأوزان في القصة ، مثلما هي الحال في الملاكمة " بتعبير غابو . بمعنى تكثيف انتباه القاص إلى مسار قصته حتى لا يضطر إلى التفكير لاحقا بوضع طريقة لإنقاذها من المأزق . هكذا يكشف لنا ماركيز عن سر الكتابة الجيدة والتي تبدو التزامه الوحيد ، بالقول : " إذا كنت لا تستطيع رواية قصة في صفحة واحدة ، فاختصرها إلى صفحة واحدة " . الارتكاز على مقدرة الخيال للّي الواقع مسألة مهمة بالنسبة لأي كاتب ، بقدر أهمية إيمانه بما هو فاعل ، فأية قصة خرافية ، ستصبح حقيقة تماما طالما آمنت بها .

    في الصفحات الأخيرة يستعيد ماركيز أمام أصدقائه ردود فعله على قرار منحه جائزة نوبل، بالقول :" يا للعنة ، لقد صدقوها ! لقد ابتلعوا الأكذوبة ! هذه الجرعة من عدم اليقين رهيبة جدا ولكنها ضرورية في الوقت نفسه لعمل شئ جدير بالعناء . أما المتعجرفون الذين يعرفون كل شئ ، والذين لا تراودهم الشكوك مطلقا ، فيتلقون صدمات مروعة ، ويموتون بفعلها " .

    ليس من المبالغة القول ان هذا الكتاب يعلّم الأديب والسينمائي اكثر مما تعلمه الكتب النظرية على كثرتها ، ولأسباب تتعلق بطريقة تأليفه ، وللدقة نقول طريقة مونتاجه ، بوصفه عمل جماعي يرتكن إلى الخبرة والخيال معا .وقد ذيل الكتاب بأسماء المشاركين في الورشة والعاملين على مونتاج الجلسات .

    بقي ان نشير إلى ان ( كيف تحكى حكاية – إصدار 1998 ) هو الكتاب الأول من أعمال ورشة ماركيز ، حيث اُتبع بكتابين هما على التوالي : ( نزوة القص المباركة - 1999) و ( بائعة الأحلام – 2001 ) وصدرت الكتب الثلاثة عن المؤسسة العامة للسينما في وزارة الثقافة السورية – سلسلة الفن السابع وبترجمة مبدعة للأستاذ صالح علماني .


    http://www.iraqiwriter.com/disc0/General_Articles/bbb/a...l_article_get852.htm
                  

11-03-2005, 07:49 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: عبد الحميد البرنس)

    غارسيا ماركيز يحقق حلمه القديم ويتحول كاتباً يابانياً...


    على خلاف الكثير من الكتَّاب العالميين الذين حصلوا على نوبل, لم تضف جائزة
    الأكاديمية السويدية الى غابريال غارسيا ماركيز شهرة أو شعبية كان يفتقدها, بل على العكس, كانت مناسبة خاصة له, كي يمضي في الطريق الخاص الذي سار عليه, وقد حمل قراءه على السير معه, مع كل رواية جديدة له. فمنذ نشره "مئة عام من العزلة", والقراء في العالم, بغض النظر عن اللون والبشرة والقومية واللغة ينتظرون بلهفة صدور عمل جديد له. وأحياناً ليس بسبب عمق كتبه أو عبقريته, إنما, هكذا, لأن ماركيز تحول وحوّل نفسه إلى "ماركة" خاصة, سيفتقدها الأدب العالمي بالتأكيد ذات يوم, فمن الصعب أن يتكرر أنموذجه من جديد, أولاً لتفرد موضوعات رواياته, وثانياً لأن مع كل رواية يكتبها, هناك قصة أخرى مصاحبة لها تدور على هامشها, سواء عندما
    ادعى أن زوجته مرسيديس هي التي كتبت أشهر أعماله "مئة عام من العزلة", أو ما فعله أخيراً, عندما دفع بروايته الجديدة إلى المطبعة بفصل أخير غير منقح, لكي يفاجئ باعة الطبعات المقرصنة, في يوم صدور الرواية بالفصل الصحيح والمنقح.

    "أكتب لكي يرضى عليّ أصدقائي", تلك كانت إجابته على إستفتاء أجرته صحيفة
    فرنسية مع مجموعة من الكتاب. وإذا افترضنا أن أصدقاءه اليوم, هم أولئك الذين يتوزعون وسع الكرة الارضية, فليس من الخطأ أن نقول: بالفعل لم يخذل "غابو" أصدقاءه. ها هو يطل عليهم في عمله الأخير "ذكريات عاهراتي الحزينات", فارضاً على العالم كله الموافقة على تقبل "عاهراتـ"ـه وصديقاته الحزينات, بغض النظر عن "التابوات" الاجتماعية التي تتجاهل وجود هذه الفئة من النساء العاملات, مثلهن مثل بقية زميلاتهن اللواتي يعملن في وظائف أخرى. من منا لا يعتقد, بأن ماركيز تعمد أن يختار هذا الاسم, ليعلن عن انحيازه الكامل لفئة النساء المهمشات هذه؟ كل شيء يشير إلى ذلك في الرواية. صحيح أن الرواية تحكي قصة رجل عجوز يحتفل في عيد ميلاده التسعين, ويقع في حب صبية عمرها 14 عاماً, تعيده إلى عواصف سن المراهقة, إلا أنها رواية شاملة مركزة ومتقشفة حتى في الحوار استثنائياً, يعود فيها
    ماركيز من جديد إلى بداياته الروائية "المتقشفة". وعلى مدى صفحات الرواية القليلة المقسمة إلى خمسة فصول, يروي ماركيز عبر ضمير الأنا المتكلم, حياة رجل بلا اسم, لا شيء يدل في حديثه وحماسته وطريقته في النظر الى محيطه والعالم على أنه عجوز في التسعين, يتحدث عن الموسيقى والكتب, عن الشيخوخة والشهرة بحماسة شبابية. وسيخيب ظن من يعتقد للوهلة الأولى بأن الرواية تمجد هذا الحب, بصفته ميلاً جسدياً لا أكثر ولا أقل, وتمنحه صفة الشرعية, من هذه الناحية فقط, لتبرير علاقة جنسية من هذا النمط, كما هو شائع في مجتمعاتنا أيضاً. كلا, ليس هناك جانب من هذا النوع, الرواية تمضي أبعد من ذلك, تذهب إلى العمق, حتى أنها تتحول قصيدة هجاء ضد المجتمع الذكوري, بكل ما تحويه من سخرية لاذعة وكوميديا سوداء. ابتداء من البورتريه الذي يرسمه ماركيز لشخصية الراوي وحتى وصفه شخصية القوادة والصبية, اللتين تحتلان, مع النساء الأخريات, ومع أكثر من خمسمئة عاهرة يتذكرهن الراوي, المساحة الكبيرة الخفية التي تتحرك فيها الرواية, وكأن ماركيز تعمد الكتابة بهذه الطريقة, مثل تقديمهما بطريقة ملتوية, لكي تمثلا في النهاية هذه الشريحة من النسوة, بطلات القصة بلا منازع. فالراوي وذلك ما نعرفه, يعي للمرة الأولى قيمة الحلم الذي لم تنجح الشيخوخة بإتلافه عنده. وللمرة الأولى يكتشف جمال أو قيمة النساء اللواتي عرفهن في حياته. بل يكتشف للمرة الأولى عندما يقع في الحب, القيمة الإنسانية للنساء, ليس بصفتهن وعاء لتفريغ رغباته فقط, فهو حتى وقوعه في حب هذه الصغيرة, لم يحب امرأة من قبل, إنما اعتاد أن يحصل على "الحب" من طريق العاهرات. لم يحبهن, إنما كان يقضي وطره معهن في مقابل مبلغ من المال, ولكن هذه الصغيرة أيضاً, تجعله يتذكر كل تلك العاهرات اللواتي ضاجعهن في الليالي البعيدة.

    لا تستيقظ العاهرات وحدهن في ذاكرته, إنما يبدأ أيضاً في تذكر النساء اللواتي عرفهن تدريجاً, وكأنه يستعيد عن طريق هذه الصبية الصغيرة بصيرته الإنسانية, الجمالية, بعد أن أصابته الذكورية بالعمى قبل ذلك ولعقود طويلة, مثلما تصيب عادة مجتمع الرجال في البلدان الذكورية, الأميركية اللاتينية (العربية لا تختلف عنها إلا سوءاً!). تدريجاً نتعرف في الرواية الى النساء اللواتي أثَّرن في حياته: أمه, فلوريندا, امرأة جميلة تتمتع
    بحبها للموسيقى والموهبة التي أورثتها إياها, داميانا الخادمة التي رفضت أخذ الإجرة منه في مقابل فضائلها, كسيمينا المرأة التي كان على شفا الزواج منها, والتي خذلها وهجرها ساعات قليلة قبل العرس, كاسيلدا, العاهرة العجوز التي تحملته بصفته زبوناً مخلصاًً ومواظباً. ديلغادينا, الجميلة "اليابانية" النائمة التي يعتقد بأنها أفقدته عقله,
    لكنها أعادته إنساناً سوياً يفكر في الحب للمرة الأولى, روزا كاباركاس, صاحبة الماخور التي تصاحبه في مغامرته المجنونة والتي تذكر بقوادات رواياته وقصصه الأخرى "االفاضلات", والتي يشيد لها ماركيز صرحاً خاصاً, ضد مجتمع الذكور.

    ليست كل العاهرات حزينات, كما يوحي عنوان الرواية, وليست هي رواية حزينة في النهاية, على رغم "الميلاينكوليا" التي تبثها كلمات (وذكريات) الراوي العجوز من مكان عزلته عبر سطور الرواية, وهو يحصي سنوات عمره, أو وهو يتذكر بالضبط الوقت الذي ترك فيه التدخين "قبل 33 سنة وشهرين و17 يوماً" (تاريخ ترك ماركيز التدخين!), أو عندما يكتشف أن ألحان البوليرو تعجبه أكثر من الموسيقى الكلاسيكية. كلا, هذه ليست رواية حزينة, إنها رواية تمجد الحياة. فالعجوز يتحدث عن الشيخوخة بسخرية وفكاهة: "إنه انتصار الحياة, عندما تفقد ذاكرة الشيوخ نفسها من أجل الأشياء الأكثر جوهرية". وفي صفحات لاحقة يعلق: "من مفاتن الشيخوخة هي الاستفزازات التي تسمح لها بها الصديقات الشابات بأننا غير صالحين للخدمة!".

    ومن الزاوية التي ينظر فيها الراوي الى نفسه, فإنه يشعر بنفسه "عاطلاً من الخدمة", قبل أن يلتقي بديلغادينا, حين كان يتهيأ للتوقف عن كتابة مقالاته الأسبوعية. بعد اللقاء, يبدأ بالكتابة عن موضوعات جديدة أكثر جاذبية. بل يبدأ بقراءة بعض الكتب: "الأمير الصغير" لأنطوان سان أكزوبيري, "قصص" لبيروا, "القصة المقدسة" و"ألف ليلة وليلة", "بطبعة منقحة من الفيروسات التي تعدي الأطفال".

    هناك كتب أخرى تظهر في رواية ماركيز, على رغم أنها تتألف من 109 صفحات فقط, منها: الجزءان الأولان من "حكايات محلية" للإسباني بريز غالدوس, "الجبل السحري" للألماني توماس مان" "القاموس الأول المصور" للأكاديمية الملكية الإسبانية الصادر عام 1903, "كنز اللغة القشتالية" لكوفانرو بياس, "النضارة الأندلسية" لفرانسيسكو ديليكادو, "القاموس الأيديولوجي" لخوليو كاساريس. ولكن يظل أهم كتاب تتحدث عنه رواية ماركيز الجديدة, هو "منزل الجميلات النائمات" رواية الياباني, ياسوناري كواباتا,
    حائز نوبل (196, وهو "يحكي قصة منزل غريب في ضواحي طوكيو, يتردد إليه
    بورجوازيون يدفعون أموالاً طائلة للتمتع بالشكل الأكثر نقاء لللحب الأخير: قضاء الليل وهم يتأملون الفتيات الشابات الأكثر جمالاً في المدينة واللواتي يرقدن عاريات تحت تأثير مخدر إلى جانبهم في السرير. لا يملكون حق إيقاظهن ولا لمسهن. ولا يحاولون على أي حال لأن الاكتفاء الأكثر صفاء لهذه المتعة الناجمة عن الشيخوخة هو إمكان الحلم إلى جانبهن".

    عاش ماركيز هذه التجربة ذات مرة ولكن في شكل آخر. كان على متن طائرة عبرت به المحيط باتجاه نيويورك, عندما جلست في المقعد المجاور له, شابة يابانية في الثانية والعشرين من عمرها, نامت مباشرة عند إقلاع الطائرة. كانت متأنقة وذات ذوق مرهف "سترة من الأوس, قميص حريري بأزهار صغيرة, بنطلون من الكتان الخالص, وحذاء واطئ بلون نبتة الجهنمية": "هذه أجمل امرأة رأيتها في حياتي", وهي ذكّرته أيضاً بسوناتة للشاعر النيكاراغواياني جيراردو دييغو, مؤسس الحداثة الشعرية في اللغة القشتالية, يقول فيها: "أنت عبر نومك, والمراكب عبر البحار". في ذلك الوقت اعترف ماركيز, بأن الكتاب الوحيد الذي ود لو يكون كاتبه هو "منزل الجميلات النائمات",
    الى درجة أنه عندما نزل من الطائرة لاحقاً, كان شبه مخدر برائحة الفتاة وبذكرى الكاتب الياباني, حتى أنه عندما تسلم استمارة بطاقة النزول, عبأها بنوع من المرارة: "المهنة: كاتب ياباني. العمر: اثنان وتسعون عاماً". لم يدر أنه بعد سنوات من تلك الرحلة, بعد 22 عاماً سيكتب في شيخوخته وله من العمر 76 عاماً (1928 آراكاتا) رواية يابانية بالفعل!

    مقطع من الرواية

    "في ذكرى ميلادي التسعين رغبت في أن أهدي نفسي ليلة حب جنوني مع مراهقة عذراء. تذكرت روزا كاباركاس, صاحبة ماخور سري إعتادت على إخبار زبائنها
    المحترمين عندما يكون في متناولها جديد جاهز. لم أستسلم أبداً لهذا, ولا لأيّ من إغواءاتها الفاحشة المتعددة, لكنها لم تصدق طهارة مبادئي. الأخلاق هي قضية لها علاقة بالزمن أيضاً, كانت تقول بضحكة ساحرة, ولسوف ترى. كانت أصغر مني ولم أكن أعرف عنها شيئاً منذ سنوات عدة, حتى أنني ظننت أنها من الممكن أن تكون ماتت. ولكن بعد أول رنين لجرس الهاتف تعرفت على الصوت هاتفياً وقلت لها من دون لف ودوران:

    - نعم, اليوم أقبل.

    تنفست: آه, أيها الحكيم الحزين, تضيِّع عشرين عاماً ثم تعود فقط من أجل أن تطلب المستحيل. استعادت مباشرة السيطرة على مهارتها لتعرض عليَ نصف دزينة من العروض الشهية, ولكن يجب أن تعرف, كلهن مستعملات. ألححت عليها برفضي, وأن من أريدها يجب أن تكون مراهقة عذراء ولهذه الليلة. سألت بشيء من الفزع: ماذا تريد أن تجرب؟ لا شيء, أجبت, مهاناً في المكان الذي تسبب لي فيه الإهانة أكثر ما يؤلمني, فأنا أعرف جيداً ما اقدر عليه وما لا أقدر. قالت غير متأثرة, على رغم أن الحكماء يعرفون كل شيء, ولكن ليس كل شيء: القديسون الوحيدون الذين بقوا في العالم من برج العذراء هم حضرتكم من شهر آب (أغسطس). لماذا لم تكلفني قبل وقت؟ الإلهام لا يعلن عن نفسه مسبقاً, قلت لها. ولكن ربما أستطيع, أنتظر, قالت وهي دائماً على دراية أكثر من أي إنسان آخر, وطلبت مني مهلة ولو ليومين فقط, لكي تتقصى السوق بعمق. فأجبتها بجد, أن في صفقة مثل هذه الصفقة, وفي سني, تكون كل ساعة بمثابة السنة. إذاً, من غير الممكن, قالت هي من دون أي مجال للشك, ثم أضافت, لا يهم, فالقضية في هذا الشكل أكثر إثارة, أي لعنة, سأتصل خلال ساعة".


    * * * * * *


    المصدر: صحيفة الحياة اللندنية
    http://www.daralhayat.com/culture/10-2004/20041025-26p1...ce_16.jpg_200_-1.jpg
                  

11-03-2005, 08:32 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: عبد الحميد البرنس)

    غابرييل غارسيا ماركيز



    ولد غابرييل غارسيا ماركيز عام1928 في أراكاتاكا، شمال كولومبيا، ودرس في بوغوتا العاصمة في مدرسة يسوعية، لينتقل بعدها إلى الجامعة.

    عَمَلَ صحفياً وجاب كثيراً من بلدان العالم أهمها روما، وباريس (عام 1960 حيث كان بلا مال سوى ثمن تذكرة العودة الذي استعاده، فاضطر إلى بيع الزجاجات والاشتراك مع آخرين من مواطني أمريكا اللاتينية في تبادل العظام ليَصْنَعوا منه الحَساءَ !)-كتب حينذاك روايته{ ِليِِْس للكولونيل من يكاتبه}. كَمْاَ أنه أقام في مكسيكو وكتب عدة سيناريوهات سينمائية. نشر ماركيز أول قصة له عام 1955 وكانت ((غرباء الموز))،ولم يتجاوز عدد نسخها الألف نسخة.

    ذاع صيته بعد نشره لرائعته ((مائة عام من العزلة))عام 1967، والتي نَبّهتْ العالم إليه ككاتب متميز (تُرجمت إلى 32 لغة بينها العربية) ؛لا بل فجّرتْ اهتماماًَ استثنائيا بأدب أميركا اللاتينية ككل. وعلى أثر ذلك، حاز يوم الجمعة في العاشر من كانون الأول / ديسمبر سنة 1982 على جائزة نوبل للأدب وذلك (لرواياته وقصصه حيث يتدفق الواقعي والغرائبي في غنىً معقد لعالم شعري يعكس حياة ونزاعات محيط بأكمله)-كما جاء في شهادة الأكاديمية السويدية. وبهذا يكون الفائز بالجائزة رقم 79. وأول كولومبي ينالها، ورابع أميركي لاتيني بعد ميسترال وأستورياس، ونيرودا.

    حقاً، إن غابرييل غارسيا ماركيز يستمد من المخيلة الكثير والكثير ليشحن به كتاباته، وبذلك يحقق تآلفاً منسجماً لعالم يطفو فوق الواقع إنما جذوره متأصلة فيه ويغتني بنسغه. أنه كما الكاتب الأرجنتيني بورخس، يعتمد الخيال أو المخيلة وسيلة كبرى في الحياة والكتابة(إن أعظم ما يمتلكه الإنسان هو الخيال))-قال بورخس. أما ماركيز، فإنه يقول في أكثر مكن مناسبة(الخيال هو تهيئة الواقع ليصبح فناً))، ولكِنَهُ يوضح في مكان آخر عن مائة عام من العزلة(إنها تنتمي إلى أدب الهروب من الواقع. كنتُ أود التعبير عن الإرادة الواعية، لا إن تعدم الواقع. ولكن علينا أن ندرك أنها لم تصالح الواقع)).ويستطرد (ليس قول الناس إننا نتهرب من الواقع معقولاً، فمن يطال إنتاجنا في روية يعرف أننا مُسيسون ومتورطون أكثر من أسلافنا)). وعن النقطة ذاتها يشرح قائلاً( أعتقد أن سبر أغوار الواقع، دون أحكام مسبقة عقلية، يبسط أمام روايتنا بانوراما رائعة.ومهما أعتقد بعضهم أن منهجنا هروبي، فإن الواقع سيثبت -إن عاجلاً أو آجلاً - أن المخيلة على حق)).

    وهَكَذا نفهم لماذا رفض العروض لتحويل روايته إلى أفلام سينمائية، فهو يريد أن تبقى مخيلة القارئ حرة غير مؤجرة(أنا أفضل أن يتخيل قارئ كتابي الشخصيات كما يحلو له. أن يرسم ملامحها مثلما يريد. أما عندما يشاهد الرواية على الشاشة فإن الشخصيات ستصبح ذات أشكال محددة هي أشكال الممثلين، وهي ليست تلك الشخصيات التي يتخيلها المرء أثناء القراءة)).

    وعن موقع وواقع الكاتب في المجتمع وتفاعله معه، فإن ماركيز يحدده بدقة (إذا كان الأدب نتاجاً اجتماعيا فإن العمل الأدبي هو نتاج فردي بل الأكثر فردية في العالم. الأديب كامل الوحدة في الإبداع. من هنا أميز بين الممارسات السياسية الجماعية والممارسة الأدبية الفردية البحتة)).

    أجل فماركيز الرافض لجميع أشكال الممارسات القمعية لدكتاتوريات العالم، ودكتاتوريات أميركا اللاتينية خاصة، والذي نفى نفسه طوعياً خارج هياكل البطش والقمع؛ إنه هو الذي لا تختلط الأمور عليه، إذ يراها بكل سطوعه من منظار شخصه المالك لحريته، فيقول معرفاً واجب الكاتب الثوري( أعتقد أن واجب الكاتب الثوري أن يكتب جيداً. ذلك هو التزامه)).

    أشهر أعمال غابرييل غارسيا ماركيز : مائة عام من العزلة،حب في زمن الكوليرا، ليس للكولونيل من يكاتبه، خريف البطريرك، قصة موت مُعلن، في ساعة نحس،الأم الكبيرة.


    http://marstian.8k.com/Gabrel-Garsia-Markize.htm
                  

11-03-2005, 08:45 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: عبد الحميد البرنس)

    قصص ضائعة من ذاكرة ماركيز - عبد الستار ناصر


    في كل مرة أتجول فيها بين المكتبات وأكشاك الشوارع أشعر بلذة أن أعثر علي كتاب يساعدني علي البقاء حياً، فما عاد من السعادات ما يكفي حياتنا الملغومة بالإرهاب والقتل والحروب وإعلانات التلفزيون المزعجة.
    وأيضاً، في كل مرة أري فيها اسم المترجم (صالح علماني) علي غلاف أي كتاب، تراني أشتري ذاك الكتاب من دون أي تردد مهما بلغ ثمنه ومهما كان حجم إفلاسي، فقد أقنعني هذا الرجل الموسوعة بجودة اختياراته أولاً وبقوة ترجماته ودقة نقل المفردات من لغتها الأصل إلي اللغة العربية ثانياً.
    وقد سبق لي علي صفحات هذه الجريدة ان كتبت عن (ابنة الحظ) و(صورة عتيقة) لإيزابيل الليندي وعن (حفلة التيس) لماريو بارغاس يوسا، وكلها من ترجمة صالح علماني عن اللغة الإسبانية التي يتقنها الرجل حدّ انك لا تدري أيهما أجمل: الرواية في شكلها الأول أم الرواية في ملامحها التالية، ثم قرأت له ترجمته لرواية(باولا) وشعرت ان معاناة إيزابيل الليندي بما أصاب ابنتها عام 1991 هو نفسه ما أصاب صالح علماني من أسي وحزن علي باولا وهي طريحة الفراش، وهذا التماهي بين الإنسان والمترجم والآخر البعيد عنه هو أعلي ما يصل إليه المترجم في أي مكان وأي زمان.
    وقبل أيام قليلة، وفي معرض الكتاب الدولي التاسع في عمّان، رأيت (غابرييل غارسيا ماركيز) قرب أحد عشر عموداً كونكريتياً علي غلاف كتابه الموسوم (قصص ضائعة) وقرأت اسم المترجم صالح علماني، فما كان مني غير شراء الكتاب الذي كتبوا في أعلاه فوق خط أحمر (إبداعات عالمية)وتحت الخط نفسه (نصوص ومقالات) ومضيت بشوق كبير لقراءته، إذا بي أمام نصوص سبق لي ان قرأتها منذ ما يزيد علي عشرة أعوام، لكن الغلاف هذه المرة لا يشبه الغلاف في المرة السابقة، وبرغم ذلك شعرتُ بمتعة حقيقية وأنا أقطع الصفحات باللذة نفسها التي عشتها ذات يوم وأنا أكرر قراءة غارسيا ماركيز بعد ان ترجمه صالح علماني ودفع به إلي بيتي ومكتبتي وتحت رعايتي.
    أنها أول مرة أقول فيها رأيي بالمترجم صالح علماني مع أنني جئت أصلاً للحديث عن كتاب غارسيا ماركيز (قصص ضائعة) الذي احتوي علي عشرين نصاً ومقالة يقترب بعضها من لغة السيرة الشخصية أو المذكرات، حيث نكتشف ان مواهب (ماركيز) لا تقف كما هو معروف عند الرواية وحدها، بل عمل صحفياً وكان له عمود ثابت طوال عام وأكثر، كما أنه يكتب السيناريو وقد كتب سيناريو (مائة عام من العزلة) علي مدي سنة وستة شهور، كما أن كتاباته في القصة القصيرة ليست أقلّ أهمية من رواياته الشهيرة، لكنه في كتابنا هذا يحقق قفزة طريفة وجريئة في كتابة المقالات الوجدانية التي يراقب فيها الأفعال الأخلاقية والإبداعية والسياسية والغرائبية التي مرّ بها شخصياً، حيث نراه ساخراً في مقالته (هذه هي القصة كما رووها لي) بل نراه قدرياً يؤمن بالفانتازيا والقصص الخرافية كما هو الحال في (أشباح الدروب) وناقماً علي تجار الجثث وأصحاب المحارق والمدافن وباعة التوابيت في مقالته المحترمة (أبهة الموت) من دون ان يغفل عن ذكر علاقاته بالمبدعين وحكاياته المؤثرة عن كتاب السينما وغير ذلك مما سيأتي ذكره والتعليق عليه في السطور التالية، فهذا المبدع الاستثنائي الكبير مدرسة لتعليم فنون الكتابة والتواضع والشجاعة، وله من الخبرة ما يفسح الطريق لفتح مدارس كثيرة تسمي باسمه تكريماً وإجلالاً لسمعته وإبداعه وأفكاره المثيرة للنقاش والجدل.
    المبدعة الراحلة (ميرسيه رودوريدا) أخبرته ذات لقاء بينهما (انه يتمتع بميل شديد إلي الفكاهة) وقال عنه (فرناردو سابينو) بأنه يميل إلي المغامرة حتي إذا لم يكن ثمة من حاجة إليها، والحقيقة هي ان غارسيا ماركيز قد يكون بتلك المواصفات فعلاً، فهو يميل إلي شيء من الفكاهة، لكنها فكاهات أو طرائف مغمسّة بالدموع، تجعل من رائعته (الحب في زمن الكوليرا) واحدة من أعظم إنجازات القرن العشرين الروائية،ومن تمّرس في قراءة غارسيا ماركيز سيدرك بعد دخول عوالمه أنه جاء بما لم تستطعه الأوائل، فهو يجمع ما بين غموض (مارسيل بروست) في البحث عن الزمن المفقود، وشفافية (جراهام جرين) في حفلة القنبلة وفلسفة جان بول سارتر في وقف التنفيذ وسن الرشد والحزن العميق، إلي جانب كشوفات (امبرتو ايكو) في اسم الوردة، وغيرها.
    وهذا التنوع الغرائبي ما بين الغموض والفلسفة والشفافية في مبدع واحد، لم يحدث في عصرنا الراهن إلا في شخصية (غابرييل غارسيا ماركيز) الذي جاءنا بالواقعية السحرية علي طبق من ذهب، كما منحنا الحظ مترجماً حاذقاً مثل صالح علماني، لنكتشف أسرار ماركيز برغم المسافات الشاسعة بين اللغات شرقاً وغرباً.
    هذا المبدع يصطاد ويقتنص أبرز وأجمل وأخطر ما قرأ وما رأي في حياته من كتب وأحداث ومشاهد، وهو جدّ حريص علي نوعية الحياة التي عاشها أمثاله من كبار الأدباء في العالم، لكنه ــ كما نري ــ يحكي بتواضع جم عن نفسه وإنجازاته في كل سطر يعنيه، حتي ان القارئ (العربي بخاصة) لا يدري كيف تسنّي لأديب بهذا الحجم الكبير ان يكون بريئاً حقاً من المبالغات والغرور والمباهاة، وهي لغة نجدها ملغاة عند بعض الأدباء مع الأسف.
    من حياة (يوليوس قيصر) يختار ماركيز قوله (أنا الذي أحكم كل هؤلاء البشر كيف تحكمني الطيور والرعد) ويتذكر كيف أن طاهي أطعمة القيصر قتل نفسه خوفاً وهلعاً عندما احترق الطعام الذي سيقدمه إلي سيّده، ومن الروايات التي قرأها مرات عديدة والتي كان لها عظيم التأثير في كتابة روايته (خريف البطريرك) تبرز في مذكراته رواية " أيام العيد سس"لمؤلفها ثورنتون ويلدر والتي يراها أعظم رواية تحكي عن سلطة الدكتاتورية في الكرة الأرضية، بينما يري في المقابلات الصحفية (حالة حب بين اثنين لا بد ان يعرف الأول الثاني جيداً ويحبه) ثم يقتص من بعض المحاورين ويقول ان أسئلتهم متشابهة وثقافتهم أقل من محدودة وكل واحد من هؤلاء لا بد ان يقول لك في نهاية اللقاء (هل ترغب أن تسأل نفسك سؤالاً لم يطرح عليك من قبل)؟!
    ولم يغفل في كتابه (قصص ضائعة) الحديث عن جائزة (نوبل) وهي نفسها الآراء التي كررها في حوارات سابقة معه، فما يزال عند قوله الصارم: ان ستة من أعظم أدباء العصر ماتوا ولم يحصل أيّ واحد منهم علي هذه الجائزة، وهم (تولستوي) مؤلف ملحمة (الحرب والسلام) و(هنري جيمس) و(مارسيل بروست) و(فرانز كافكا) و(جوزيف كونراد)و(راينر ماريا ريكله)، يقولها مستغرباً ومعاتباً ومعترضاً علي هذا الظلم والإجحاف الذي لحق بأولئك العمالقة، بينما يسخر ــ في الوقت نفسه ــ من حصول (خاثينتو بينابينتي) و(خوسيه أتشيغاري) و(هنريك برونتو بيدان) و(كارل غيلروب) علي الجائزة مع أنهم حتي بعد موتهم عجزوا عن تصديق ما جري لهم من السيد نوبل الذي أحرق الأخضر الجميل وأبقي علي اليابس الذي يشبه الرماد!؟
    رأيت في هذا الكتاب وهو صغير الحجم (108 صفحات) ما لا يوحي بكثرة ما جاء فيه من جماليات وأفكار وشاعرية في الأسلوب، حتي أنني حين انتهيت منه كدتُ أنسي تماماً بأنني قرأته ذات يوم من عام 1990 وهذا يعني كم كان مثيراً ومغرياً وممتعاً، مع انه لم يكن غير (قصص ضائعة) من ذاكرة الكاتب الكولومبي الكبير غابرييل غارسيا ماركيز!

    û قصص ضائعة، غابرييل غارسيا ماركيز، ترجمة صالح علماني، دار أزمنة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الثانية 1999.جريدة (الزمان) --- العدد 1421 --- التاريخ 2003 - 1 - 1/2

    AZZAMAN NEWSPAPER --- Issue 1421 --- Date 1-2/1/2003
                  

11-03-2005, 09:09 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: عبد الحميد البرنس)

    عشت لأروي1

    * تأليف / غابرييل غارسيا ماركيز
    * ترجمة / صالح علماني
    * الناشر: دار البلد، 2003.

    «يقولون إنه يمكن لك، إذا ما صممت، أن تصير كاتباً جيداً. لم أكن قد سمعت مثل ذلك الكلام، من قبل، في الأسرة قط. فميولي منذ الطفولة، كانت تتيح الافتراض بأنني قد أصير رساماً، موسيقياً، مغنياً في الكنيسة، أو شاعراً جوالاً في أيام الآحاد.
    وكنت قد اكتشفت ميلاً معروفاً لدى الجميع، إلى أسلوب في الكتابة، أقرب إلى التلوي والرقة الأثيرية. ولكن ردّ فعلي في هذه المرة، كان أقرب إلى المفاجأة. فقد أجبت أمي: إذا كان علي أن أصير كاتباً، فلا بد لي من أن أكون أحد الكبار.
    وهؤلاء لا يصنعونهم، وهناك في نهاية المطاف مهن أفضل كثيراً إذا ما كانت أرغب في الموت جوعاً. في إحدى تلك الأمسيات، وبدلاً من أن تتبادل الحديث معي، بكت دون دموع. لو أن ذلك حدث اليوم لأثار هلعي، لأنني أقدر البكاء المكبوح كدواء ناجح ومؤكد تلجأ إليه النساء القويات لفرض نواياهن. ولكنني في الثامنة عشرة من عمري، لم أدر ما أقول لأمي، فأحبط صمتي دموعها، وقالت عندئذ: حسن جداً، عاهدني على الأقل أن تنهي الثانوية، على أفضل وجه ممكن، وأنا سأتولى ترتيب ما تبقى مع أبيك».
    بهذه البداية يقوم غابرييل غارسيا ماركيز، أو غابي، بتقديم بعض من نفسه، يدعي كما هم كتّاب السير الشخصية عادة أنه يرويها بصراحة، و بحجية تظهره مثلما هو عليه في الحقيقة: رجل بطبيعة طفل وموهبة أدبية إبداعية، كاتب، أديب يروي هذه المغامرة غير المعقولة التي كانت حياته.
    يقول المؤلف:«الحياة ليست ما يعيشه أحدنا». وإنما هي ما يتذكره، و كيف يتذكره ليرويه، طلبت مني أمي أن أرافقها من أجل بيع البيت، كانت قد وصلت في ذلك الصباح إلى بارانيكا قادمة من القرية النائية حيث تعيش الأسرة، دون أن تكون لديها أدنى فكرة عن كيفية العثور علي، فراحت تسأل هنا و هناك بين المعارف، فأشاروا عليها بأن تبحث عني في مكتبة موندو أو في المقاهي المجاورة، حيث أذهب مرتين في اليوم لتبادل الحديث مع أصدقائي الكتاب، ومن أخبرها بذلك حذرها قائلاً: كوني متيقظة لأنهم مجانين تماماً، وصلت في الثانية عشرة تماماً، شقت طريقها بمشيتها الخفية بين مناضد الكتب المعروضة، ووقفت أمامي تنظر إلى عيني مباشرة بابتسامة ماكرة من ابتسامات أفضل أيامها، وقالت لي قبل أن أتمكن من الاتيان بأي رد فعل: أنا أمك.
    يقع الكتاب في ( 315 ) صفحة من القطع المتوسط.
                  

11-03-2005, 11:25 PM

حيدر حسن ميرغني
<aحيدر حسن ميرغني
تاريخ التسجيل: 04-19-2005
مجموع المشاركات: 27727

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: عبد الحميد البرنس)

    سحاب

    الحب في زمن الكوليرا

    هنالك روايات يتمنى المرء إعادة قراءتها على الدوام ، ومن بينها رواية الحب في زمن الكوليرا للروائي

    الكولومبي غابريل غارسيا ماركيز ، فالمتعة التي توفرها جماليات السرد وتوالد الأحداث وغرائبيتها المفاجئة

    تجعل القارئ يتابع القراءة هائماً في حياة متدفقة تعج بالمشاعر الإنسانية المتنوعة ، ومتابعاً لعوالم

    إنسانية ما تنفك تتكشف وتتبدل وتتغير على نحو عميق في محاولة لاكتشاف جوهر الشخصية الإنسانية ذات الغنى

    والتـوهج والغموض الملتبس ، ومنذ السطور الأولى تشدنا الرواية نحو عالم واقعي تماماً لكنه يتفجر بالدهشة ،

    وحياة بسيطة وعادية لكنها تنشد إلى العميق واللامتوقع الذي يفيض سحراً وجاذبية ، لهذا يظل القارئ مأخوذاً

    بالحياة الغنية الممتعة التي تتدفق كاشفة وجه الحياة الكولومبية بمناخها وطيورها وحيواناتها وقراها

    وأشجارها وأنهارها وطبيعة انسانها العاطفية المندفعة إلى حد التهور ، والانسياق وراء الأهواء والثورات

    والحـروب التي أنهكت مجتمعات أميركا اللاتينية ككل ، إضافة إلى الطبقية في المجتمع وما يتولد عنها من صراعات ،

    ومشاكل الفساد السياسي ونهب الأموال والثروات التي تتم بالتحالف مع الشركات الأجنبية ، وكل هذه الحياة

    الروائية المحتشدة بالإشكاليات يتم تناولها عبر قصة حب من أروع القصص وأغربها دامت أكثر مـن خمسين عاماً عبر

    تقلبـات درامية أبعـدت العاشقين عـن بعضهما البعض لأكثر من نصف قرن ، لكن مشاعرهما ظلت ملتهبة وعلى

    الأخص العاشق الأبدي فلورينتينو اريثا الذي يهيم بـ فيرمينا داثا منتظراً لها غير معترف بمرور السنوات

    ودخوله إلى خريف العمر ، لذا فإن التقاء العاشقين واجتماعهما وتجدد قصة الحب بينهما على نحو مختلف وهما على

    أعتاب السبعين من العمر يؤكد الفكرة الرئيسية للرواية وهي أن الحب في كل زمان ومكان ولكنه يزداد كثافة

    كلما اقترب من الموت ! .


    إن الحب غامض وهو عاطفة غير مفهومة على نحو واضح حتى للعاشق نفسه وهنا سحر الحب وسره العصي على البوح

    وعلى التفسير ، وهو لهذا في حالة تبدل دائمة يغير فيها وجوهه وأشكاله لكن جوهره يظل ثابتاً ، إنه الحب ولا

    يمكن تفسيره بأكثر من هذه الكلمة لقد ظل فلورينتينو اريثا ذو الطبيعة الحالمة والرومانسية سنوات طويلة

    متعلقاً بمشهد زوجين عجوزين رآهما ذات مرة ، كان كل منهما يسند الآخر بذراعيه في مشية


    بطيئة هادئة مطمئنة مليئة بالحب الصافي ، هذا المشهد ظل بالنسبة له هو أروع تجسيد للحب لذا ظل يحلم لأكثر

    من نصف قرن باليوم الذي سيسند فيه ذراع حبيبته وهي تسنده وهما على أعتاب السبعين ..إلخ .

    في إحدى المرات كان فلورينتينو اريثا جالساً في المقهى لوحده ولم يصدق أن فيرميناداثا ستدخل المقهى مع زوجها

    ، ظل يتطلع إلى صورتها المنعكسة في المرآة دون أن تراه حتى رحلا أخيراً ، وبعدها ظل يتردد طوال أسابيع على

    صاحب المقهى كي يقنعه بشراء المرآة التي انعكس فيها وجه حبيبته ، وأخيراً حملها كي يعلقها في غرفة نومه ،

    وظل يتغزل فيها طوال نصف قرن لأن وجه الحبيبة كان مشرقاً في هذه

    المرآة ذات مرة ، من يصدق هذا إنه شئ أغرب إلى الخيال واللامعقول.

    في القراءة الثانية لرواية الحب في زمن الكوليرا وبعد أن يقرأ المرء السيرة الذاتية لماركيز التي صدرت مؤخراً

    (عشت لأروي) يصاب بالدهشة والاستغراب من تقاطع الأحداث الواقعية في حياة ماركيز مع أحداث هذه الرواية ،

    فقصة الحب بين فلورينتينو اريثا وفيرمينا داثا التي رفض والدها زواجه منها ، وأخذها عقاباً في رحلة طويلة

    عبر قرى وموانئ بعيدة لمدة عام حتى تنسى حبها له ، ولجوء العاشق فلورينتينو الذي كان عاملاً في مكتب

    للتلغراف إلى شبكة أصدقائه العاملين في مكاتب التلغراف في القرى البعيدة لتبادل الرسائل مع حبيبته سراً ،

    هي ذاتها قصة الحب التي جمعت بين أم ماركيز ووالده الذي كان عاملاً أيضاً في مكتب التلغراف ولجأ أيضاً إلى طريقة

    الرسائل عبر التلغراف للاتصال بحبيبته التي أبعدها أبوها عنه لمدة عام كامل في قرى بعيدة ، معتمداً على

    شبكة أصدقائه العاملين في مكاتب التلغراف لموافاته بأخبار تنقلاتها وإيصال رسائله لها .

    الغريب أن فرمينا داثا وبعد عودتها من رحلتها متشوقة للزواج من العاشق المفتون به تقرر فجأة ، ومن

    إلتفاتة عابرة ترى فيها وجه العاشق الذي لم تره من سنة كاملة وهو يتبعها في السوق ، تقرر فجأة وهي ترى

    وجه العاشق اليائس البائس بأن تقطع علاقتها به لتتزوج برجل آخر ، فيما ظل العاشق المخذول يجوب

    الشوارع ككلب ضال ضرب بعصا مواصلاً عشقه الأبدي لها وانتظارها لخمسين عاماً ، وكما قررت فيرمينا داثا

    قطع علاقتها به تقرر فجأة بعد زيارات متكررة قام بها فلورنتينو إلى منزلها بعد موت زوجها ، وبعد أن

    أخذت تكتشف فيه العاشق القديم الذي أكسبته السنين حكمة وأسلوباً يثير الإعجاب ، الذهاب معه في رحلة نهرية

    على إحدى مراكب الشحن تتحول إلى رحلة حب أبدية ، وكأنهما _ رغم أنهما عجوزين في السبعين _ عاشقين أبديين

    لازالا يواصلان إلى الآن رحلتهما اللانهائية ، المدهش أن سيرة ماركيز عشت لأروي تبدأ برحلة نهرية يقوم بها

    ماركيز مع والدته ذاهبين إلى بيت جده بخصوص أمر يتعلق بالميراث وكأن سيرة الرحلتين النهريتين الواقعية

    والروائية _ تتقاطعان وتتشابهان إلى حد يختلط فيه الواقعي بالمتخيل كما هو الشأن في معظم روايات ماركيز

    رائد أدب الواقعية السحرية التي أصبحت علامة دالة واتجاهاً أساسياً في أدب أميركا اللاتينية .


    أظن أن الروائي نجيب محفوظ هو الذي كان يقول أننا لا نقرأ حقاً العمل الروائي إلا في القراءة الثانية ،

    وأظن أن هنالك روايات تقرأ للمرة الثالثة والرابعة وواحدة من بينها هي الرواية الرائعة الحب في زمن

    الكوليرا .


    ناصر صالح الغيلاني

                  

11-03-2005, 11:57 PM

حيدر حسن ميرغني
<aحيدر حسن ميرغني
تاريخ التسجيل: 04-19-2005
مجموع المشاركات: 27727

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: عبد الحميد البرنس)

    الوطن يظل معشوقاً رغم بعده، 400 ألف كولومبي يهربون من بيوتهم في مواجهة العنف

    توقف الكثير من المفكرين والكتاب على امتداد العالم، مؤخرا، امام الرسالة التي بعث بها الروائي الكولومبي

    غابريل غارسيا ماركيز الى جامعة انتيجوا بمناسبة الاحتفال بالذكرى المئتين لانشائها.


    وفي مايلي النص الكامل للرسالة:

    «ان جميع العواصف التي تهب علينا ماهي الا اشارات الى ان الزمن يسكن سريعاً وان اشياء طيبة تحدث لنا ذلك

    انه ليس من الممكن ان يكون الخير ولا الشر دائمين من هنا يستدل على انه بحكم ان الشر كان قد دام لوقت

    طويل، فان الخير اضحى وشيكا.

    هذه الحكمة الجميلة التي نطقها دون ميجيل سيرفانتس سافيدرا لا تشير الى كولومبيا اليوم، بل الى زمنها الخاص

    بها، لكن بالطبع ماكنا لنحلم أبداً بأن تأتينا كالخاتم في الاصبع للتعامل مع هذه الفواجع، اذ ان تحليلا

    طيفيا لما هي عليه كولومبيا اليوم لا يسمح بالاعتقاد بان دون ميجيل كان قد قال ماقاله، وبجمال اخاذ،

    مواطن من ايامنا هذه، شاهد مثالين ربما كانا كافيين لايقاظ اوهامه: العام الماضي اضطر نحو 400 الف كولومبي

    الى الهرب من منازلهم واراضيهم الصغيرة بسبب العنف، مثلما كان قد فعل ذلك حوالي ثلاثة ملايين نسمة للسبب

    ذاته قبل نصف قرن، وشكل هؤلاء المهجرون نواة بلاد اخرى تتقاذفها الرياح ايضا ـ مكتظة كما هي حال بوغوتا

    تقريبا وربما اكبر من ميديين ـ وراحوا يتسكعون بدون وجهة بعينها داخل بيئة خاصة بهم بحثا عن مكان يمكنهم

    من البقاء على قيد الحياة بدون اي ثروة مادية غير الثياب التي يرتدونها.

    التناقض الظاهري يكمن في ان هؤلاء الفارين من تلقاء انفسهم لا يزالون ضحايا عنف يقتات من اكثر التجارات

    ربحاً في هذا العالم الذي لا قلب له: تجارة المخدرات والبيع غير القانوني للاسلحة.

    هما علامتان اوليتان لموجة الفقر التي تخنق كولومبيا: وهي بلدان في بلد واحد ليسا مختلفين وحسب، بل هما

    متناقضتان في سوق سوداء عملاقة تغذي تجارة المخدرات من اجل الحلم في الولايات المتحدة واوروبا وفي نهاية المطاف

    في العالم كله، ذلك انه من المستحيل تخيل نهاية للعنف في كولومبيا من دون القضاء على التهريب ولا يمكن تخيل

    نهاية التهريب دون التصديق على المخدرات التي تشهد ازدهاراً متزايدا في كل لحظة وكلما منعت اكثر.

    لقد مضت اربعة عقود مليئة بكل انواع الاضطرابات في النظام العام، امتصت اكثر من جيل من المهمشين ليس لهم

    أسلوب حياة مختلف عن التدمير او الاجرام المشترك. ولقد قال ذلك الكاتب مورنيو دوران بأسلوب اكثر

    صوابا: «بدون الموت، ما كانت كولومبيا لتقدم اشارات الحياة». فنحن نعيش مشبوهين ونموت مذنبين، اما محادثات

    السلام ـ مع استثناءات قليلة لكنها جديرة بالذكر ـ فلقد انتهت منذ سنوات الى محادثات دموية. لذلك علينا

    نحن الكولومبيين ان نبدأ باظهار براءتها بالنسبة لأي شأن دولي بدءاً من رحلة سياحية ساذجة وحتى النشاط

    البسيط في البيع او الشراء.

    لكن في جميع الاحوال، لم تكن البيئة السياسية ابدا افضل حالا بالنسبة لوطن السلام الذي حلم به اجدادنا،

    وطن رزح منذ وقت مبكر تحت نير نظام قائم على عدم المساواة وعلى تعليم مذهبي واقطاعية صخرية ومركزية

    متأصلة، في عاصمة بين الغيوم، قصية ومستغرقة في خيلائها، ومع حزبين خالدين وفي الوقت نفسه اعداء، ومتواطئين

    وانتخابات دموية واسطورة حكومات بدون شعب حيث استطاع طموح كبير فقط ان يغذي نفسه مع 29 حربا اهلية

    وثلاثة انقلابات عسكرية بين الحزبين في صلصة ا جتماعية بدت معدة من قبل الشيطان لبشاعات اليوم في وطن مظلوم

    تعلم في خضم المحن ان يكون سعيدا من دون سعادة وحتى في مواجهتها.

    لقد وصلنا اليوم الى نقطة بالكاد تسمح لنا بالبقاء على قيد الحياة، لكن مازالت باقية نفوس صبيانية

    تتطلع باتجاه الولايات المتحدة على انها شمال الانقاذ مع يقين بأنه في بلادنا قد نفقت حتى الزفرات للموت بسلام،

    مع ذلك ما يجدونه هناك هو امبراطورية عمياء لم تعد تعتبر كولومبيا كجار حسن ولا حتى كمتواطيء رخيص وموثوق

    به، وانما كحيز اضافي لنهمها الامبراطوري.

    موهبتان اثنتان كانتا قد ساعدتانا على تفادي فراغات وجودنا الثقافي والسعي متلمسين هويتنا والعثور على

    الحقيقة في نكات الريبة والشك، واحدى هاتين الموهبتين هي موهبة الابداع. اما الاخرى فهي تصميم مدمر لارتقاء

    شخصي.

    وكلا الفضيلتين نمتا منذ اصولنا على الدهاء الذي وهبته السماء لمواطنينا الاصليين ضد الاسبان منذ اليوم

    الاول للنزول من متن السفينة حين داهنوا الغزاة المهلوسين بروايات الفروسية، بأوهام عن مدن رائعة مشيدة

    من الذهب الخالص، او اسطورة ملك مكسو بالذهب في بحيرات زمردية، وتلك هي من روائع اعمال خيال رائع بوسائل

    ساحرة للنجاة من الغازي.

    لقد اثبت نحو خمسة ملايين من الكولومبيين الذين يعيشون اليوم في الخارج فارين من النكبات الفطرية دون اسلحة

    او دروع ولكن بعبقريتهم او جسارتهم ان تلك الشكوك الخاصة بالمرحلة ما قبل الاسبانية مازالت حية بداخلنا

    من خلال الاسباب الخيرة او السيئة للبقاء على قيد الحياة حيث الفضيلة التي تنقذنا هي اننا لا نترك انفسنا

    نموت جوعا بفضل الخيال الابداعي، لاننا عرفنا كيف نكون دراويش في الهند او معلمين للانجليزية في نيويورك او

    جمالين في الصحراء.

    وكما حاولت اثبات ذلك في بعض كتبي ـ ان لم يكن فيها جميعها ـ فأنا اثق بهذيانات الواقع هذه اكثر من الاحلام

    النظرية ا لتي لا تنفح في غالبية الاحيان الا تكميم الوعي السييء، لذلك اعتقد انه لا يزال باقياً لنا بلد

    جذوره عميقة ينتظر منا ان نكتشفه وسط الكارثة: كولومبيا سرية لم تعد تتسع بعد في القوالب التي كناقد

    شكلناها بحماقاتنا التاريخية، لذلك ليس من المدهش اذن اننا سوف نبدأ باستشفاف ذروة مجد الابداع الفني لدى

    الكولومبيين وبأن ندرك الصحة الجيدة للبلاد بوعي نهائي حول من نكون ولأي شيء ننفع.

    اعتقد ان كولومبيا آخذة بتعلم البقاء على قيد الحياة بإيمان لا يهدم استحقاقه يكمن في ان يكون مثمراً

    اكثر كلما كان معاكسا اكثر.

    صحيح انه تم الغاء مركزية القوة من خلال العنف التاريخي، لكن لا يزال هناك امكانية لاعادة دمج عظمتها

    الخاصة بفضل وعمل نكباتها، وان عيش تلك المعجزة بعمق سوف يسمح لنا بأن نعلم علم اليقين وللأبد في أي بلد

    كنا قد ولدنا وان تستمر دون ان نموت بين واقعين متناقضين.

    لذلك لا يدهشني ان تزدهر في زمن الكوارث التاريخية هذه صحة البلد مع وعي جديد حيث يعاد التقدير للحكمة

    الشعبية على ان لا ننتظرها جالسين امام بوابة المنزل، بل في وسط الشارع وربما بدون ان يدرك الوطن نفسه

    بأننا سنجعل من كل شيء قوة عظمى وسنعثر على النجاة حيث لم تكن.

    لم تبد لي اي مناسبة ا خرى ملائمة بقدر هذه للخروج من السرية المعرفية والخالدة لدراستي ولتسريح هذه

    الهذيانات بمناسبة مرور 200 عام على تأسيس جامعة «انتيجوا» الذي نحتفل به اليوم كذكرى تاريخية للجميع

    وهي مناسبة ملائمة ايضا للبدء مرة اخرى من البداية وحب البلاد اكثر من أي وقت مضى.

    هذه البلاد التي نستحقها كي تستحقنا. اذن حتى لو كان من اجل ذلك فقط، فإني اجرؤ على الاعتقاد بأن وهم

    دون ميجيل دي سيرفانتس موجود الآن في محطته المناسبة من اجل استشفاف فجر الزمن الهاديء، وان السر الذي

    يضيئنا سوف يستمر اقل بكثير من الخير، وانه على ابداعنا الذي لا ينضب فقط يعتمد الآن اختيار أي من الطرق

    ا لعديدة هي اكيدة كي نعيشها بسلام في سلام الابناء وكي نتنعم بها كحق خاص وللأبد».


    بقلم: غابريل غارسيا ماركيز _ ترجمة: باسل أبو حمدة عن «كامبيو» ـ كولومبيا
                  

11-04-2005, 00:20 AM

حيدر حسن ميرغني
<aحيدر حسن ميرغني
تاريخ التسجيل: 04-19-2005
مجموع المشاركات: 27727

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: عبد الحميد البرنس)

    وصية غابريل غارسيا ماركيز الاخيرة لأصدقائه:


    لو نسي الله للحظة إنني مجرد دمية تافهة، وحباني قطعة من حياة، لما كان ممكنا أن أقول كل ما أفكره،

    بل كنت لأفكر كل ما أقوله ، كنت لأقدر الأشياء، لا بسبب قيمتها بل بسبب ما تعنيه. كنت لأنام قليلا

    وأحلم أكثر مدركا أننا نخسر في مقابل كل دقيقة نغلق فيها عيوننا، ستين ثانية من ضوء.


    كنت لأسيرحيمنا يقعد الآخرون. كنت لأستيقظ حين ينام الآخرون.كنت لأنصت حين يتحدث الاخرون. وياإلهي كيف

    كنت لأستمع ببوظة شوكولا طيبة في مالو حباني الله قطعة من حياة ! كنت لألبس لباسا بسيطا وكنت لألقي

    نفسي، أولا إلى الشــمس فلا أعرى جسدي فحسب بل أعرى روحي أيضا. يا إلهي لو كان لدى قلب لكتبت حقدي

    على ثلج ولإنتظرت الشمس أن تظهر. ولكنت فوق النجوم رسمت،بحلم فإن غوغي قصيدة لبينيديتي. ولقدمت

    للقمر سرينادا هو أغنية لسيرات. بدموعي كنت لأغسل الزهور كي اشعر بالألم في أشواقها وبالقبلة

    الحمراء في عنقها.

    ياإلهي ! لو قيضت لي قطعة من حياة لما تركت يوما واحد يمر من دون إخبار الناس إنني احب فكرة أن

    أحبهم. كنت لأقنع كل امرأة وكل رجل أنهما المفضلان عندي. وكنت لأعيش في حب للحب، كنت لأظهر للرجال

    كم يخطئون إذ يظنون أنهم يكفون عن الحب حين يطعنون في السن، غير مدركين أنهم لايطنعون إلا حين

    يكفون عن الحب، للطفل كنت لأعطى الأجنحة، لكني كنت لأعمله أن يطير بنفسه. كنت لأعلم المسن أن الموت

    لايأتي مع التقدم في السن، بل مع النسيان. آه كم تعلمت منكم أيها الناس. لقد تعلمت أن كل واحد

    يرغب في العيش على قمة الجبل، من دون أن يعرف أن السعادة الحقيقية هي في كيفية قياس القمة. لقد

    تعلمت أن الطفل الوليد حين يقبض بكفه الصغيرة على أصبع أبيه ويشد للمرة الأولى، يكون قد أوقعه في فخه إلى الأبد.

    لقد تعلمت أن الرجل لا يملك الحق في أن يحتقر رجلا آخر إلا حين يساعده في الوقوف على قدميه. منكم

    تعلمت أشياء كثيرة جدا بيد أنها، في الحقيبة، بلا فائدة. ذاك أنني حين أبقيها داخل هذه المحفظة

    أكون أموت بطريقة غير سارة.....انتهي
                  

11-04-2005, 00:27 AM

حيدر حسن ميرغني
<aحيدر حسن ميرغني
تاريخ التسجيل: 04-19-2005
مجموع المشاركات: 27727

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: عبد الحميد البرنس)

    ترجمة الوصية الى العربية نشرتها صحيفة الحياة اللندنية قبل اكثر من عام

    If for a moment God would forget that I am a rag doll and give me a scrap of life, possibly I

    would not say everything that I think, but I would definitely think everything that I say.


    I would value things not for how much they are worth but rather for what they mean.

    I would sleep little, dream more. I know that for each minute that we close our eyes we lose

    sixty seconds of light.


    I would walk when the others loiter; I would awaken when the others sleep.

    I would listen when the others speak, and how I would enjoy a good chocolate ice cream.

    If God would bestow on me a scrap of life, I would dress simply, I would throw myself flat under the sun, exposing not only my body but also my soul.



    My God, if I had a heart, I would write my hatred on ice and wait for the sun to come out. With

    a dream of Van Gogh I would paint on the stars a poem by Benedetti, and a song by Serrat would be my serenade to the moon.


    With my tears I would water the roses, to feel the pain of their thorns and the incarnated kiss of their petals...My God, if I only had a scrap of life...

    I wouldn't let a single day go by without saying to people I love, that I love them.

    I would convince each woman or man that they are my favourites and I would live in love with love

    I would prove to the men how mistaken they are in thinking that they no longer fall in love when

    they grow old--not knowing that they grow old when they stop falling in love. To a child I would

    give wings, but I would let him learn how to fly by himself. To the old I would teach that death comes not with old age but with forgetting. I have learned so much from you men....


    I have learned that everybody wants to live at the top of the mountain without realizing that

    true happiness lies in the way we climb the slope.

    I have learned that when a newborn first squeezes his father's finger in his tiny fist, he has caught him forever.

    I have learned that a man only has the right to look down on another man when it is to help him to stand up. I have learned so many things from you, but in the end most of it will be no use

    because when they put me inside that suitcase, unfortunately I will be dying.

    translated by Matthew Taylor and Rosa Arelis Taylor
                  

11-04-2005, 01:06 AM

حيدر حسن ميرغني
<aحيدر حسن ميرغني
تاريخ التسجيل: 04-19-2005
مجموع المشاركات: 27727

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: حيدر حسن ميرغني)

    عزيزي البرنس

    اي سحر ذلك الذي يجعلنا نجاهد من اجل ان تتشكل احلامنا, لا بل تتناص مع

    احلام اؤلئك الذين سحرتنا ابداعاتهم?
                  

11-04-2005, 04:44 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: حيدر حسن ميرغني)

    عزيزي حيدر حنين:

    لي عودة مستفيضة للحديث حول تساؤلك الأخير. وفي معيتي تأملات, أخبار حول "الحب في زمن الكوليرا".. ما يدعى "وصية ماركيز الأخيرة", وذلك مع توضيح لفكرة هذا البوست. ودمت عاشقا يطل من نافذة بيته كلما تناهى إلى أسماعه من شارع الكتابة غناء جميل, وليس أكثر من ماركيز ما يجدد الرغبة في الحياة داخلنا!.
                  

11-04-2005, 09:15 AM

mazin mustafa
<amazin mustafa
تاريخ التسجيل: 07-30-2005
مجموع المشاركات: 287

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: عبد الحميد البرنس)

    up
                  

11-04-2005, 09:46 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: mazin mustafa)

    عزيزي حيدر:

    منذ فترة, ورد من سياق أخبار متفرقة هنا وهناك, أن ماركيز لم يعد ثابتا عند حدود بعض قناعاته القديمة, إن لم نقل قد أخذ يتحرك من أرضية بدت راسخة في ذهنه لوقت طويل, إذ قبل أخيرا " التوقيع على عقد مع هوليود والذي بموجبه يعطي ماركيز هوليود الحق في تحويل روايته الشهيرة " حب في زمن الكوليرا " Love in the Time of Cholera إلى فيلم سينمائي". وقد يبدو هنا التذكير مهما لبعض القراء أن "من المتوقع ان تدفع الشركة السينمائية للروائي الكولومبي الحاصل على نوبل للأدب ما بين مليون و ثلاثة ملايين دولار", لكن هناك تفصيلات تاريخية أخرى قد تبدو أكثر أهمية في عرف قراء آخرين, ذلك أن الكاتب العالمي كان يواجه في الماضي "دوما بمناظرات ساخنة ولاذعة بسبب علاقته بالرئيس الكوبي كاسترو حيث توجه له انتقادات لصمته على قمع الرئيس الكوبي للمعارضة وسجن الكتاب والمنشقين", ومثل هكذا تفصيلات قد يدرجها القاريء في باب ما تبقى من آثار الحرب الباردة, لا سيما وأن ماركيز "عرف بدفاعه المستميت عن استقلال دول أمريكا اللاتينية ضد محاولات الهيمنة التي تفرضها إدارات البيت الأبيض المتعاقبة سعيا إلي رسم الأولويات السياسية والاتجاهات الثقافية في جنوب العالم", لكن مقاومة ماركيز في الماضي لأدنى تعاون مع أية مؤسسة سينمائية بما في ذلك هوليود فيما يتعلق بتحويل أعماله إلى رؤية بصرية تعود في تصوره الخاص وبدرجة أساسية إلى جذور أكثر عمقا, هي ذات الجذور التي سبق وأن أعلن عنها بقوله:
    "أنا أفضل أن يتخيل قارئ كتابي الشخصيات كما يحلو له. أن يرسم ملامحها مثلما يريد. أما عندما يشاهد الرواية على الشاشة فإن الشخصيات ستصبح ذات أشكال محددة هي أشكال الممثلين، وهي ليست تلك الشخصيات التي يتخيلها المرء أثناء القراءة".

    تحية خاصة لمازن كإنسان ومبدع مرهف الحس.
                  

11-04-2005, 12:22 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: عبد الحميد البرنس)

    الحنين:

    "موتي ستكون التجربة الوحيدة التي لن أتمكن من الكتابة عنها", كذلك أعلن ماركيز ككاتب أقام مع الحياة دوما وشائج متينة برغم بؤس مادي رافقه على فترات هنا وهناك, حتى أن موقعا فضائيا بإسم "البوابة" يورد في هذا السياق وسط نظرات مبدعين آخرين للحياة ما نصه: "غابرييل غارسيا ماركيز يتعلق بالحياة التعلق كله، ويحبها الحب كله، ويعقد عليها كلها آماله يقول حتى عندما يضطر لوضع موت شخصية فإنه يصرخ ويهرع من طاولة الكتابة، وعندما تراه زوجته /مرسيدس/ شاحبا هارعا من الكتابة وتسأله عن السبب، يجيب بذعر: «لقد قتلت الكولونيل» يقول ماركيز الممتلىء بحب الحياة «انني أرفض أن أقدم أبطالي وأدعهم يتطورون كي يموتوا فقط، إنني لا أقدمهم من أجل هذا الغرض، إنهم يتطورون كي يعيشوا، لكن يظهر الموت المقيت ويفسد كل شيء. لاأحد يموت سعيداً حتى ان معظم الناس لايموتون وقد استبد بهم الخوف، بل انهم يموتون بالأحرى وقد استبد بهم الغضب والاستياء واستاؤوا أشد الاستياء لكونهم يجب ان يموتوا. وقد تبينت لي دائما الحقيقة التالية: عندما يموت انسان عزيز فإن الشعور الرئيس الذي يحس به أهل المتوفى هو شعور الغضب والاستياء إذ إن موت إنسان هو خسارة لايمكن تعويضها إطلاقا». ويضيف ماركيز واصفاً تعلقه الشديد بالحياة:«إن الحياة هي أفضل ما وجد على الاطلاق، إن الموت بالنسبة لي هو النهاية، إنه أكبر مصيدة على الإطلاق». وعلى بعد المسافة وإتساع البون وصعوبة المقارنة أقول لك إنني بكيت حين فجأتني احدى الشحصيات بموتها أثناء الكتابة.‏وأذكر تلك الساعات التي أنفقتها في القاهرة أنا والصديق الشاعر عادل حسن إبراهيم (رز) متأملين من خلال النص الذي وصل إلينا باللغتين العربية والانجليزية فيما (شاع) وقتها لحيثيات إصابة ماركيز "بسرطان في الغدد الليمفاوية" أنه وصيته الأخيرة, لكن "الحياة اللندنية" نفسها وصحف عالمية أخرى وقعت من قبل في المأزق نفسه أوردت على لسان ماركيز نفسه نفيا أنه في الواقع لم يكن كاتب تلك الوصية, كان ثمة تحليلات أوضحت شيئا عن براعة المنتحل وقدرته على تقمص أسلوب ماركيز ورؤيته للعالم على ذلك النحو شديد البراعة, وهذا كما تذكر حدث من قبل كثيرا في مجال تزوير لوحات لفنانين عظام مثل مونييه. لكنني لن أنسى أبدا ما كان من أثر يمكن لنص أن يحدثه على وجه مثلما أحدثته تلك الوصية في ذلك النهاري القاهري البعيد على وجه عادل من وميض وغبطة, ذلك أن إنسانا ما في هذا العالم قد أوصلنا إلى العزاء على نحو أوآخر, وربما لأننا كنا واقعين وقتها ومنذ سنوات عديدة في أسر السلطة السحرية لماركيز التي لا تقاوم, فبدا أن أمرا عظيما مثل الموت في طريقه لتجفيف منابع ذلك السحر مرة واحدة وإلى الأبد.
                  

11-04-2005, 02:17 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: عبد الحميد البرنس)

    غابرييل غارسيا ماركيز
    ترجمها عن الإسبانية:إدريس الكنبوري
    وصلنا إلي أريزو قبل منتصف النهار بقليل، وقضينا أزيد من ساعتين في البحث عن القصر الذي يدل علي عصر النهضة، الواقع في ذاك المكان الشاعري من القرية البدائية، والذي اشتراه الكاتب الفنزويلي ميغيل أوتيرو سيلفا. كان يوم أحد من أول أسبوع من شهر آب (أغسطس)، حارا ومثيرا للأعصاب، ولم يكن من السهل مصادفة شخص يعرف شيئا عن القصر في الشوارع التي تغص بالسائحين. وبعد عدة محاولات للبحث بدون جدوي عدنا إلي السيارة وغادرنا البلدة عبر طريق صغير تحفه أشجار السرو دون هدف واضح، لكن امرأة عجوزا كانت ترعي الإوز دلتنا في النهاية علي مكان القصر بالتحديد، وقبل أن تودعنا سألتنا إن كنا سنقضي الليلة هناك، فأجبناها، وفقا لما كان مقررا في الدعوة، بأننا ذاهبون فقط للغذاء، فقالت:
    ـ هذا لحسن الحظ، لأن المكان يثير الرعب.
    وبما أننا، زوجتي وأنا، لم نكن نؤمن بأشباح منتصف النهار، فقد سخرنا من كلامها، لكن طفلينا، البالغين من العمر تسعا وست سنوات، انتابهما الفرح لكونهما سوف يريان أشباحا حقيقية.
    وجدنا ميغيل أوتيرو سيلفا، الذي كان علاوة علي كونه كاتبا جيدا مضيافا رحب الصدر، ينتظرنا بطعام الغذاء الذي لا يمكن نسيانه أبدا. وبما أننا وصلنا متأخرين فلم يكن لدينا وقت لكي نتجول في أرجاء القصر قبل الجلوس إلي مائدة الطعام، ولكن منظره من الخارج لم يكن مما يثير الخوف، بل إن مشهد المدينة التي كانت تبدو لنا من المكان المرتفع الذي نتغذي فيه كان كافيا لطرد أي شعور بالكآبة.
    كان من الصعب أن يتصور المرء كيف يمكن أن يولد في هذه البيوت المتكاتفة فيما بينها فوق هذه الهضبة، حيث يعيش حوالي تسعة آلاف من الأفراد متزاحمين أشخاص ذوو عبقرية دائمة، لكن ميغيل أوتيرو سيلفا قال لنا بمزاجه الكاريبي أن أيا من هؤلاء الأشخاص الممتازين ليس أفضل ما في أريزو، وأضاف:
    ـ إن أفضلهم كان هو لودوفيكو.
    هكذا: لودوفيكو، بدون ألقاب زائدة، أحسن رجال الفن والحرب الذي بني هذا القصر الحزين، والذي استفاض ميغيل أوتيرو سيلفا في الحديث عنه طيلة وقت الغذاء، عن قوته التي لا تقهر وغرامياته التعسة وموته المأساوي، وكيف أنه في لحظة جنون قاسية قتل عشيقته علي السرير الذي مارسا فيه الحب ثم أثار عليه بعد ذلك كلاب الحرب الذين قطعوه أربا. وأكد لنا، بلهجة يقينية، أن شبح لودوفيكو يخرج بعد منتصف الليل ويبدأ في التسكع في جنبات القصر وسط الظلمة محاولا إعادة السكينة إلي مطهر حبه.
    لقد كان القصر في الحقيقة واسعا جدا ومعتما، غير أن قصة ميغيل لم تبد لنا في واضحة النهار مع امتلاء المعدة وانشراح القلب إلا مجرد مزحة شبيهة بمزحاته الكثيرة التي يحاول الترويح بها علي ضيوفه. وخلال تجوالنا بعد فترة القيلولة من دون أي شعور بالخوف بدت لنا الغرف الإثنتان والثمانون التي يتكون منها القصر وكأنها خضعت لتغييرات كثيرة من طرف ملاكيه المتعاقبين. قام ميغيل بإصلاح الطابق الأسفل كاملا وبني غرفة نومه بطريقة حديثة وجعل أرضيتها من الرخام، وحماما بخاريا علي الطريقة الفنلدنية، وشرفة زودها بورود فاقعة حيث تناولنا طعام الغذاء. أما الطابق الثاني الذي خضع للاستعمال كثيرا خلال القرون الماضية فقد كان عبارة عن سلسلة من الغرف التي لا تحمل سمات معينة خاصة بها، فيها أثاث ينتمي إلي مختلف العصور ترك بلا عناية. لكن في الطابق العلوي كانت هناك غرفة لم تمس في السابق يبدو أن الزمن لم يتمكن من الوصول إليها فبقيت كما كانت. إنها غرفة نوم لودوفيكو.
    كانت لحظة ساحرة. فهناك كان السرير المحاط بالستائر الموشاة بخيوط من الذهب، والأغطية الحريرية العجيبة المتغضنة التي لا يزال بها أثر دم العشيقة المقتولة، والمدفئة الرمادية المتجمدة التي تحول فيها الحطب الأخير إلي حجر، والدولاب التي لا تزال به الأسلحة الفتاكة، والبورتريه الزيتي في إطار من الذهب للفارس وهو يتأمل، مرسومة بيد واحد من كبار فناني فلورنسة، لكن الذي أثار اندهاشنا هو وجود رائحة الفراولة ما تزال نفاذة في غرفة النوم دون تفسير واضح.
    الأيام في الصيف في توسكانا طويلة وبطيئة، حيث يبقي الأفق مستقرا في مكانه حتي التاسعة ليلا. وعندما انتهينا من التجول داخل القصر كانت الساعة تشير إلي الخامسة من بعد الظهر، ولكن ميغيل أصر علينا بأن يأخذنا لنري اللوحات الجدارية لبييرو ديلا فرانسيسا في كنيسة سان فرانسيسكو، وبعد ذلك جلسنا لتناول القهوة والدردشة تحت تعريشة المكان، وحينما عدنا إلي القصر لحمل حقائبنا وجدنا أنهم أعدوا طعام العشاء، وهكذا اضطررنا للبقاء.
    فيما كنا نتعشي تحت سماء خبازية اللون لا توجد بها سوي نجمة يتيمة، أخذ الولدان المشاعل من المطبخ وراحا يستكشفان غرف الطابق العلوي وسط الظلمة. ومن مكاننا في الأسفل سمعنا أصوات ركضهم الذي كانا يقلدان به الخيول علي السلم، وأنين الأبواب، والأصوات الناعمة السعيدة التي تنادي لودوفيكو في الغرف المظلمة. وخطرت للولدين تلك الفكرة السيئة بأن نقضي الليلة هنا، وساندهم ميغيل أوتيرو سيلفا سعيدا بها، فلم نجد في أنفسنا الشجاعة الأدبية لنرفض الدعوة. بعكس ما كنت أتخوف، نمنا تلك الليلة جيدا، زوجتي وأنا، في غرفة نوم بالطابق السفلي بينما نام الولدان في الغرفة المجاورة. كانت الغرفتان معا قد أدخلت عليهما إصلاحات بشكل جعلهما حديثتين، لذلك لم تكونا معتمتين. وفي انتظار أن يأخذني النوم بدأت أتلهي بتعداد الضربات الإثنتي عشرة للساعة الجدارية الكبيرة، فتذكرت تحذير راعية الإوز، لكننا كنا متعبين جيدا فنمنا نوما ثقيلا مليئا بالأحلام، وصحوت بعد الساعة السابعة صباحا بقليل علي نور الشمس المتسلل عبر فتحات النوافذ، وكانت زوجتي إلي جانبي ما تزال نائمة، فقلت في نفسي: يا لها من حماقة، أن يؤمن المرء في هذا الزمن بالأشباح.
    وفي تلك اللحظة بالذات اجتاحتني رائحة الفراولة التي كأنها قطفت للتو، وصورة المدفئة الرمادية المتجمدة التي تحول فيها الحطب الأخير إلي حجر، والبورتريه الزيتي للفارس الحزين في الإطار المذهب وهو ينظر إلينا من وراء ثلاثة قرون. واكتشفت بأننا لم نكن في الحقيقة نائمين في نفس الغرفة التي نمنا فيها ليلة أمس بالطابق السفلي، بل في غرفة نوم لودوفيكو، تحت الستائر التي علق بها الغبار والأغطية الملطخة بالدم الذي لا يزال طريا علي السرير اللعين.


    نقلا عن:

    http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=2005%5C10%5C10-...D8%B3%D8%B7%D8%B3fff
                  

11-04-2005, 02:17 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: عبد الحميد البرنس)
                  

11-04-2005, 05:28 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: عبد الحميد البرنس)
                  

11-05-2005, 01:26 AM

حيدر حسن ميرغني
<aحيدر حسن ميرغني
تاريخ التسجيل: 04-19-2005
مجموع المشاركات: 27727

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: عبد الحميد البرنس)

    عزيزي البرنس

    أشكر لك تصويبك حول صحة (وصية ماركيز الاخيرة لأصدقائه) وتعقيبك الرصين في هذ الشآن وهذا لعمري شأن

    المحبين الذين يتبينون النبأ قبل أن يصيبوا (آخرين) بجهالة مثلما فعلت انا بأصدقائ وشقيقتي حيث طيرت

    بالوصية إلى مرابعهم وأصابهم ما أصابني من (جهل)

    ويسرني أن أرفق لك الرابط الذي يؤكد صحة تعقيبك

    http://www.museumofhoaxes.com/marquez.html
                  

11-05-2005, 01:36 AM

حيدر حسن ميرغني
<aحيدر حسن ميرغني
تاريخ التسجيل: 04-19-2005
مجموع المشاركات: 27727

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: حيدر حسن ميرغني)

    ماركيز وغانياته الحزينات

    د. نبيه القاسم

    أجمل ما في الكتابة الإبداعية أنّها تُعرّي صاحبها وتتغلغل في ثنايا نفسيّته وأفكاره، وتَعرضه على القارئ

    بجرأة وسطوة، تجعل هذا القارئ يُسحَر ويَدهَش ويتمنّى ويحلم ولكنه يظلّ لا يتعدّى ذلك. كلّ إنسان يتمنّى في ساعات

    من عمره لو بإمكانه أن يقف على مُرتفع ليروي لكل الناس عمّا يحلم وبماذا يُفكّر، ليعترف أمامهم بكل خطاياه،

    يكشف لهم أسرارَه الخاصة ويشركهم في همومه التي تعذبه. لكن هذه هي منحة الخالق التي خصّ بها المُبدعين وحدَهم وحرمَ

    الآخرين منها، فكان المبدعون مرافقي الزمن، خالدين بخلوده، بينما يضمحل الآخرون ويغدون كما لو أنّهم لم

    يكونوا.

    ويظل الزمن رفيق المبدع اللدود، يُطارده في كلّ تحرّكاته ويذكره بأنّه له بالمرصاد. وهذا ما دفع هنري جيمس

    ليقول: "أرصدوا ما حولكم في شكل متواصل، أرصدوا قدوم العمر.. وأنا نفسي أرصد انهياري الخاص. بهذه

    الطريقة كل شيء يمكن أن يكون مفيداً.. أو هذا ما آمله على الأقل. لذا أحاول أن ألتقط من الزمن أفضل ما

    يُعطيه". وقد تكون هذه المُلازَمةُ القاتلة للزمن هي التي دفعت بفرجينيا وولف (1882-1941) إلى اقتناعها

    بعَدَميّة جدوى الحياة "أجل.. إنّ هذا ما أفكّر فيه، إننا نعيش من دون مستقبل. وهذه هي غرابة الأمر، إذ

    نبدو كمَن يطرق أنفه على باب موصد" وتُقرر الانتحار برَمي نفسها في الماء، وتفارق الحياة قانعة راضية بما

    اختارت.

    لكن معظم الناس يتشاغلون عن الزمن، يتهرّبون منه ويحاولون نسيانه، وفي بعض الحالات تَحدّيه. وهذا ما نجده من

    الصفحات الأولى في آخر رواية للكاتب الكولومبي غابرئيل غارسيا ماركيز الأخيرة "ذاكرة غانياتي الحزينات"*

    عندما ذهب بطل الرواية، وهو كاتب معروف، له زاوية أسبوعية في صحيفة مهمة، إلى الطبيب وقد تجاوز الأربعين

    من عمره يشكو ألماً في ظهره فقال له الطبيب: "هذا الألم طبيعي لعمرك". فأجابه البطل بسرعة: "إنّ غير

    الطبيعي هو عمري". ويصف ماركيز، على لسان بطل روايته، علاقته مع الزمن، كيف أنّه لم يُعر الزمن أيّ

    اهتمام وهو في الأربعين. لكنه في العقد الخامس من عمره بدأ يتحسّس الشيخوخة بالثغرات التي كانت تتكشّف له في

    ذاكرته وحالات النسيان الكثيرة التي عانى منها، مثل أن يبحث عن شيء وهو يحمله بيده، او أن يُعيد رواية

    حادثة أكثر من مرّة أو عدم تذكّر اسم شخص صديق وقريب له، ويتعذّب لأنّه اكتشف أنّ كل العالم أصغر منه. وفي

    العقد السادس شعر أنه لم يعد يملك السنوات الكافية ليفعل ما يشاء، وارتعب في العقد السابع لأنّه أحسّ بأنها

    سنوات عمره الأخيرة.

    لكنه ظلّ يؤمن "بأنّ عمر الإنسان تُحدّده مشاعر الإنسان نفسه"، وهذا ما قاده إلى تحدّي عنفوان الزمن بأن يحتفل

    بعيد ميلاده التسعين بصحبة فتاة عذراء صغيرة السن. وبالفعل تُوفّر له صاحبةُ بيت غانيات يعرفها طلبَه هذا،

    ويلتقي بالصغيرة ابنة الرابعة عشرة بالمواصفات التي حدّدها، مُستلقية على السرير بكامل عُريها، مُتقرفصة،

    مُستغرقة في نوم عميق، فسّرته صاحبة البيت نتيحة الارهاق الشديد بعد يوم عمل مُضن لها في مصنع وبعد تجهيز

    حاجيات أفراد أسرتها الفقيرة، وتطلب منه أن يكون رحوماً ومتفهماً للصغيرة.

    ساعة كاملة يجلس يتأمل الصغيرة بكل سحرها الذي يشدّه إليها، وفي تمام الحادية عشرة، عندما يتهيأ لإيقاظها،

    يدخل الحمام ويتخلص من ملابسه، وبنظرة خاطفة في المرآة يرى أمامه وجهَ حصان مُتجهماً وعنقاً غليظة وحواجبَ

    منتفخة وشعراً قليلاً. فغضب على الوجه البارز له من المرآة وقال: "ماذا بإمكاني أن أفعل لك إذا كنت لا

    تُحبّني". ويهرب من أمام المرآة ليجلس عارياً إلى جانب الصغيرة محاولاً إيقاظها، ولكنه رغم محاولاته العديدة تظلّ

    مُستغرقة بالنوم أو متظاهرة، فيستسلم، ويطفئ الضوء وينام حتى يستيقظ مع شعاع الضوء الأول ناسياً أين هو،

    وإذ يرى الفتاة النائمة إلى جانبه يتذكر ويستعيد اللحظات السعيدة التي قضاها وهو يتأمل جسدَها متجرّداً

    من أيّ دوافع جنسيّة أو أيّ شعور بالخجل. ارتدى ملابسه، نظر إليها بكل الحب قائلاً: ليحرسك الرب. قبّلها على

    جبينها، ترك لها نقودا وخرج ليُواجه الشارع وحرارة الشمس وثقلَ التسعين سنة، وليُحصي عدد الليالي التي قد

    تكون من نصيبه في هذا العمر.

    وتتكرر لقاءات الكاتب بالفتاة التي أرادها في البداية ليشعر بأنّه حيّ وقادر على تحدّي الزمن، وفوجىء بما لم

    يتوقّعه أن داهمه الحبّ وهو في التسعين، فالحبّ متحرّر من منطق العمر، وقد تخترق سهامه كلّ قلب. ولسوء أو حسن

    حظّه كان دائماً يجدها نائمة ولا يوقظها. ويزداد هياماً بها وتعلّقاً، فيُحضر لها الهدايا ويُزيّن لها الغرفة،

    ويغني مُطلقا عليها اسماً أحبّه "ديلغادينا" رافضا معرفة اسمها الحقيقي، وفي ساعات نومه يحلم بها معه في بيته

    تُجالسه وتُسامره وتتدلّل عليه. يشتري لها دراجة حتى لا تتعب في وصولها إليه، ولا يبخل عليها بشيء حتى تغدو

    بالنسبة له ملكه الخاص غير مستعد للتنازل عنها مقابل كلّ موجودات الدنيا.

    وتكون المصيبة التي لم يتوقعها بمقتل أحد زبائن بيت الغانيات، وهو أحد رجال البنوك المهمين، وحضور الشرطه

    وهربه، ومن ثم فقدانه لديلغادينا التي انقطعت أخبارها منذ تلك الليلة، واقفال أبواب بيت الغانيات

    واختفاء صاحبته. فيقوم برحلة تفتيش واسعة عن فتاته تكشفُ مدى تعلّقه بها حتى غدَت آسرته وهو مُتيّمها

    ومجنونها. وإذ تعود إليه بعد انتظار طويل يكتشف أنها غير التي عرفها، فقد كبُرت وانتفخ ثدياها، وتبدو

    امرأة كاملة الأنوثة. فيشك بأنها خلال فترة غيابها كانت مع غيره، فيصرخ متألماً واصفا إيّاها بالزانية،

    ومتّهما صاحبة بيت الغانيات بالمقايضة بها مع رجل شرطة مقابل أن يتستّر على فضيحة تلك الليلة المشؤومة.

    ويقوم بتكسير كلّ ما في الغرفة، ويخرج شاتماً صاحبة المكان متوعداً، ويعود إلى بيته منهكاً محطماً يائساً.


    وحيداً في بيته يستعيد مغامراته في حياته الطويلة، أيام الطفولة والدراسة والشباب، تعرّفه على عالم

    الغانيات، علاقته الجنسية الغريبة مع الخادمة التي تعمل عنده، عمله في الصحافة، شهرته ككاتب معروف.

    وإحساسه بثقل السنين التي تزيد على التسعين، فزعه عندما قالوا له إنّّه تقرر قتل القط الذي يشاركه في

    البيت لأنه متقدم في السن ولا جدوى من بقائه أكثر. ثم يكون لقاؤه مع المرأة التي أحبته وعاشرته. لقد

    تغيّرنا. قالت له وتابعت: في كلّ مرّة أسمع أخبارك وما يقولون عنك من كلام جميل ووصفك بمعلم الحب وحبّ الناس

    لك وقراءتهم لما تكتب أقول لنفسي: لا أحد يعرفك أكثر مني! فحَزنَ ودمّعت عيناه وقال: ببساطة أنا أشيخ!

    فأجابته: لقد شخنا. وتابعت: نحن لا ندرك هذا ولا نستشعره في داخلنا ولكن كل العالم يراه من الخارج. وراح

    يعترف لها بكل خطاياه ويروي لها قصته من الهاتف الأول الذي طلب فيه قضاء ليلة مع صغيرة عذراء حتى ليلة

    المأساة الكبرى والفراق الصاخب الغاضب.

    كانت تُنصت إليه وتعيش كلّ أحداث القصة لحظة بلحظة حتى الكلمة الأخيرة ثم قالت له: إفعل ما تريد ولكن لا

    تفقد الفتاة الصغيرة. لا يوجد أصعب وأحقر من أن يموت الإنسان وهو وحيد. إذهب وابحث عن الفتاة واحتفظ بها

    مهما أخطأت في حقك.

    وتكون النهاية بعودته إلى فتاته ديلغادينا موصياً لها بكل ثروته بعد موته، مُؤثراً أن يعيش برفقتها باقي

    أيام حياته الأخيرة.

    جمالية وروعة قصة ماركيز ليس في الموضوع الذي طرحته: تَصابي عجوز في التسعين ورغبته في معاشرة عذراء في

    الرابعة عشرة من عمرها، فمثل هذه القصص مُكرّرة وتحدث في الحياة ولا غرابة فيها. وفي غنائنا الشعبي نُردد في

    مناسبات الفرح:

    يا بنت أربع عشر شعرك جدّلي ثوبي تمزّق خيّطيه بإبرك

    وكلنا يذكر غرائبيات الكاتب دان بن أموتس الذي كان لا يحلو له إلا معاشرة الصغيرات بنات الثالثة

    والرابعة عشرة، وأقام لنفسه حفلة تأبين دعا إليها مائة من أقرب أصدقائه ألقوا أمامه كلماتهم في رثائه.

    كذلك قصة "لوليتا" للكاتب الروسي فلاديمير نوبوكوف التي يروي فيها قصة حب عنيف بين رجل تجاوز الستين وفتاة

    لم تتجاوز الرابعة عشرة من عمرها. وقصة "الجميلات النائمات" للكاتب الياباني ياسوناري كاواباتا التي

    قيل إنّ ماركيز كان مهووساً بكتابة قصة تشبهها.

    جمالية وروعة قصة ماركيز في مشاعر الصدق التي يستشعرها القارئ في كل شخصيات الرواية، وفي هذه الأحاسيس

    الانسانية التي تطغى على المُتيّم العجوز وهو يقف أمام جسد الصغيرة العاري، فيتجرّد من كل غرائزه الحيوانية

    ويتقرّى الصغيرة الملفوفة على نفسها، يُلاطفها، يُزيّن لها الغرفة، يضع لها نقودا مصروف يومها، يغنّي لها، يقرأ

    لها القصص، يعلّمها القراءة والكتابة بما يكتب لها من كلمات، لا يزعجها ولا يوقظها من نومها، يدعو الله أن

    يحرسها، يقبلها على جبينها. يُجَنّ إذ يفقدها، يبحث عنها في كلّ مكان متنازلاً عن سمعته وهيبته، يحلم بها في

    الليالي، وإذ يشك في مَسّ شرفها وعُذريّتها وطهارتها، يغضب عليها، ويشعر بإهانة كبيرة لشرفه، وكأنّها ابنته،

    فيشتم سيدتها، ويترك المكان غير مستعد للتفاهم.

    ولكنه كأب عطوف رحيم يُحبّ طفلتَه ولا يرضى لنفسه أن يتركها لوحوش الحياة وغدَرات الزمن، يعود إليها ليعيش

    باقي أيام عمره القليلة إلى جانبها ليحرسها ويضمن لها مستقبلها بوصيّته لها بكل ما يملك.


    وجماليّة وروعة قصة ماركيز في هذه الغريزة الانسانية المُتحديّة للزمن، حيث يرفض ابنُ التسعين التسليمَ بالعجز

    والاعتراف بهامشية وجوده في الحياة، ويبقى مصراً على الاستمرار في إثبات القدرة على العمل والتجديد وإثارة

    الناس وطرح الأفكار ورسم الأمل للأجيال الشابة بما يطرحه من أفكار وآراء مبتكرة وثورية في مقالته

    الأسبوعية، والتمسك بمُتع الحياة ولهوها، وفي موافقته، في نفس الوقت، على صدق قول يوليوس قيصر: "أنّه ليس

    بمستطاع الانسان إلاّ أن يكون كما يراه الآخرون". مضيفاً إليه خلاصة تجربته في الحياة في "أن القوة العظيمة التي

    تُحرّك العالم لا تكمن في قصص الحب السعيدة وإنما في قصص الحب المأساوية".

                  

11-05-2005, 01:50 AM

حيدر حسن ميرغني
<aحيدر حسن ميرغني
تاريخ التسجيل: 04-19-2005
مجموع المشاركات: 27727

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: حيدر حسن ميرغني)

    ماركيز يكتب عن أمه المحصنة ضد الأحزان

    كان القطار يصل إلي محطة‏'‏ ثنياجا‏'‏ في الثامنة صباحا يأخذ المسافرين في المراكب والمسافرين من الجبال يواصل

    طريقه بعد ربع ساعة باتجاه عمق منطقة زراعات الموز‏,‏ وصلت أنا وأمي إلي المحطة بعد التاسعة صباحا لكن

    القطار لم يكن قد وصل بعد‏,‏ ومع ذلك كنا المسافرين الوحيدين في المحطة انتبهت هي إلي ذلك منذ اللحظة الأولي

    التي دخلت فيه عربة القطار الخالية فانطلقت بلهجة مرحة‏:‏

    ‏'‏يا لها من رفاهية القطار كله لنا وحدنا‏'.‏

    كنت أفكر دائما أنها لهجة كاذبة‏,‏ كانت تحاول من خلالها التمويه علي شعورها بالإحباط بمرور الزمن كان واضحا

    تماما علي كل كراسي القطار كانت كراسي الدرجة الثانية القديمة بعد أن تم تحويلها إلي درجة موحدة بعد أن

    أزالوا كراسي المامبو‏,‏ وفقدت الشبابيك أبوابها الزجاجية التي كانت ترتفع وتنخفض وتحولت الكراسي إلي كراسي

    خشبية من تلك التي يتم قطعها كيفما اتفق علي طريقة الفقراء‏,‏ ومقارنة بالماضي فإن هذا القطار كله يعتبر

    شبحا لما كان عليه القطار في الماضي كان فيما سبق مكونا من ثلاث درجات الدرجة الثالثة كان يسافر فيها

    الفقراء كانت عرباتها هي نفسها العربات المكونة من قطع خشبية لتحميل الموز أو الحيوانات كان يتم إعدادها

    بألواح خشبية‏.‏ الدرجة الثانية كانت كراسيها من المامبو ومزينة بالبرونز الدرجة الأولي حيث كان يسافر

    موظفو الحكومة ومديرو شركات الموز كانت مفروشة بالبسط في الممرات وكراسيها مكسوة بالقطيفة الحمراء ويمكن

    تعديل وضعها الرأسي حسب رغبة المسافر وعندما كان يسافر مفتش الشركة أو أفراد أسرته أو ضيوفه من

    المقربين‏,‏ كانوا يضمون إلي العربة الأخيرة عربة خاصة لها شبابيك زجاجية حاجبة للشمس وستائر مذهبة وكان

    هناك كرسيان في الهواء الطلق لتناول الشاي أثناء السفر لا أعرف أي شخص شاهد تلك العربة المدهشة من

    الداخل كان جدي في منصب عمدة القرية‏.‏ مرتين وكانت نظرته للمال ممتعة لكنه كان يسافر في عربات الدرجة

    الثانية عندما تكون برفقته إحدي سيدات الأسرة وعندما كنت أسأله لماذا يسافر في عربات الدرجة الثالثة

    كان يجيبني‏'‏ لأنه لا توجد درجة رابعة‏'‏ وما كنت أتذكره عن القطار في تلك الفترة مواعيده المضبوطة‏.‏ كان يتم

    ضبط ساعات القري علي صافرته‏.‏
    في ذلك اليوم لسبب أو آخر انطلق من المحطة بتأخير ساعة ونصف انطلق ببطء شديد وبانطلاقة خفيفة لكنه سرعان

    ما عاد إلي طبيعته قالت أمي‏:‏

    ‏'‏هذا القطار ينقصه تزييت عجلاته‏'.‏

    كنا المسافرين الوحيدين ربما في كل القطار وحتي تلك اللحظة لم يلفت نظري أي شيء له أهمية خاصة فغرقت في

    قراءة رواية‏'‏ ضوء أغسطس‏'‏ وكنت أدخن بلا انقطاع‏,‏ ومن لحظة لأخري ألقي بنظرة سريعة علي المناطق التي نمر بها

    عبر القطار نهر‏'‏ ثيناجا‏'‏ بصافرة طويلة وانطلق بكل قوة خلال ممر صخري‏,‏ ضجيج العربات لا يحتمل لكنه خفف من

    سرعته بعد خمسة عشر دقيقة ودخل في سرعة خفيفة بين سهول المزارع الرطبة الوقت أصبح ثقيلا بعد أن ابتعدت

    نسمات البحر لم أقطع القراءة لأعرف أننا دخلنا عالم زراعات الموز المغلق‏.‏

    العالم تغير من جانب إلي آخر كانت خطوط السكك الحديدية المتقاطعة تمتد في مزارع الموز التي تمتد بلا انقطاع حيث

    يمكن مشاهدة العربات التي تجرها الثيران محملة بعناقيد الموز الخضراء‏,‏ فجأة في منطقة خالية من الزراعة كان

    يقوم هناك معسكر مبني من الطوب الأحمر اللون ومكاتب أبوابها وشبابيكها وفتحات تهويتها من الأسلاك وبها مراوح

    هوائية معلقة في الأسقف إنه مستشفي وحيد في الخلاء كل نهر له قريته وجسره المعدني الذي يعبر عليه والفتيات

    يسبحن في المياه الباردة ويقفزن عند مرور القطار ليجذبن أنظار المسافرين بنهودهن البدائية‏.‏

    في قرية‏'‏ ريوفريو‏'‏ صعدت إلي القطار عدة أسر من الهنود الاروهاكوس محملة بسلال فاكهة‏'‏ الاجواكتي‏'‏ الجبلية التي

    تعتبر من اجمل فاكهة البلاد‏.‏ عبروا العربة في قفزات صغيرة بحثا عن مكان للجلوس لكن عندما انطلق القطار من

    جديد بقيت امرأتان بيضاوان إحداهما تحمل طفلا حديث الولادة وقس شاب‏.‏ الطفل لم يتوقف عن البكاء طوال

    الرحلة كان القس يرتدي حذاء عاليا وقبعة ورداء كنسيا من الكتان الأملس‏,‏ وكان يتحدث مع بكاء الطفل

    وكان حديثه مرتفعا دائما كما لو كان يخطب في الناس‏,‏ وكان موضوع حديثه إمكانية عودة شركة الموز مرة

    أخري‏.‏ منذ تلك اللحظة لم يتوقف الحديث في المنطقة كلها عن هذا الموضوع وكانت الآراء منقسمة بين الذين

    يريدون والذين لا يريدون أن تعود الشركة لكن الجميع كانوا يعتقدون أن الأمر جاد‏.‏ القس كان ضد عودة

    الشركة أبدي أسبابه الشخصية جدا التي جعلت المرأتين تعتقدان أنها أسباب غير مقبولة علي الإطلاق قال‏:'‏

    الشركة تنشر الفقر حيث توجد‏'‏ كان السبب وجيها لكنه لم يستطع شرحه أو إقناع الآخرين به حتي أن المرأة التي

    تحمل الطفل اعتقدت أن الله لا يمكنه أن يكون غير موافق علي عودة الشركة‏.‏


    بما أن الحنين يمحو دائما الذكريات السيئة‏,‏ ويرفع من قيمة الذكريات الطيبة لذلك فإنه لم ينج أحد من

    أضراره من نافذة القطار يمكن رؤية الرجال يجلسون أمام أبواب بيوتهم ويكفي إلقاء نظرة علي وجوههم لمعرفة

    المستقبل الذي ينتظرهم‏.‏ والنساء اللاتي يغسلن علي الشاطئ يلتفتن إلي القطار بالأمل نفسه‏.‏ كل غريب يصل

    القرية بحقيبة رجال الأعمال يخيل إليهم أنه ممثل شركة‏'‏ يونيتد فرويت كومباني‏'‏ يعود ليحيي الماضي‏.‏ في كل

    لقاء وفي كل زيارة وفي كل رسالة تعود الجملة المقدسة‏:'‏ يقولون أن الشركة ستعود‏'.‏ لا أحد يعرف من الذي

    قالها ولا متي ولا لماذا قالها لكن لا أحد يشك في أنها قيلت‏.‏


    كانت أمي تعتقد أنها محصنة ضد الأحزان لأنها قطعت كل علاقة لها بقريتها‏'‏ اراكاتاكا‏'‏ منذ أن مات أبواها‏.‏ إلا

    أن أحلامها تخدعها علي الأقل عندما تكون تريد أن تقص أحد أحلامها علي مائدة الإفطار فقد كانت منطقة مزارع

    الموز عالقة دائما بأحلامها‏.‏ استطاعت أن تتخطي أقسي لحظات حياتها دون أن تقرر بيع البيت في انتظار أن تحصل

    علي أربعة أضعاف ثمنه عندما تعود الشركة إلي نشاطها‏.‏ وأخيرا انتصرت عليها ضغوط الواقع المرير‏.‏ لكنها

    عندما سمعت القس يقول في القطار أن الشركة علي وشك أن تعود انطلقت منها إشارة تدل علي فراغ الصبر وقالت

    لي في أذني‏:‏

    ‏'‏خسارة أننا لا نستطيع الإنتظار أكثر من ذلك‏'.‏

    بينما كان القس يتحدث كان نمر سريعا علي مكان كان يتجمع فيه عدد كبير من الناس وفرقة موسيقية كانت

    تعزف تحت أشعة الشمس الحارقة كل تلك القري كانت تبدو لي واحدة عندما كان يأخذني جدي إلي‏'‏ سينما أولمبيا

    الشهيرة كانت ألاحظ أن محطات القطارات في أفلام رعاة البقر تشبه كثيرا محطة قطاراتنا بعد ذلك عندما بدأت

    أقرأ أعمال فوكنر لاحظت أيضا أن قري رواياته تشبه قرانا ولم يفاجئني أنها بنيت تنفيذا لأوامر شركة

    الفواكه المتحدة وعلي الطراز نفسه الذي كانت تبني به المعسكرات المؤقتة‏.‏ وكنت أذكر الجميع بذلك عدا‏'‏

    اراكاتاكا‏'.‏ كانت الكنيسة في الميدان الرئيسي وبيوتها التي تشبه بيوت قصص الجنيات مدهونة بألوان بدائية

    تشبه حظائر الزنوج العبيد في غنائهم تحت أشعة الغروب وعمال التراحيل الجالسون أمام بيوتها يشاهدون مرور

    قطارات الشحن الطويلة كنت أتذكر المدن الخاصة التي يقيمها الأمريكيون في‏'‏ اراكاتاكا‏'‏ و‏'‏اشبيلية‏'‏ علي

    الطرف الآخر من خطوط السكك الحديدية وقد أحاطت بها السياج المعدنية وحظائر الدجاج الكهربائية والتي كانت

    تبدو في صباحات أيام الصيف الرطبة مليئة بالعصافير المحترقة‏.‏ تذكرت حدائقهم الزرقاء المليئة بالديوك

    الرومية والسمان البيوت ذات الأسقف القرميدية الحمراء والشبابيك ذات الأسلاك المانعة للحشرات والموائد

    الدائرية والكراسي المتحركة المعدة لتناول الطعام في الشرفات المفتوحة وما بين أشجار النخيل وأشجار

    الورود‏.‏ أحيانا ما بين فتحات الأسلاك يمكن رؤية نساء جميلات وهزيلات يرتدين ملابس شفافة‏,‏ وقبعات ضخمة من

    الأقمشة الخفيفة كن يقطعن الزهور في حدائقهن بمقصات ذهبية‏.‏ وفجأة كما لو كان حلما سريعا في إحدي الأمسيات

    مر مفتش شركة الموز في شوارع القرية راكبا سيارة فارهة مكشوفة وإلي جواره امرأة بشعر ذهبي طويل مسترسل

    يتطاير في الهواء وكلب‏'‏ باستور‏'‏ ألماني يجلس في المقعد الخلفي كملك كانت مشاهد وقتية سريعة لعالم قديم بعيد

    الاحتمال يغزونا نحن الأحياء‏.‏

    في طفولتي لم يكن سهلا التفرقة بين قرية‏,‏ وأخري وبعد عشرين سنة أخري كان الأمر أكثر صعوبة لأن العلامات

    الدالة علي المحطات وأسمائها كانت قد تساقطت أسماء مثل‏:‏ توكورينكا ونييرلانديا وجواكاميال وما تبقي من قري

    أخري كانت عالقة بغبار الذاكرة‏.‏

    توقف القطار في اشبيلية في حوالي العاشرة صباحا لتغيير القاطرة والتزود بالماء واستغرق ذلك خمسة عشر دقيقة

    لا تنتهي‏.‏ لحظتها بدأ الحر وعندما عاد للانطلاق من جديد كانت القاطرة الجديدة تلقي بنا من مكان إلي آخر

    ولسوء الحظ فإن كمية من غبار الفحم اقتحمت علينا النافذة التي تساقط زجاجها وغطتنا بسحابة من اللون

    الأسود كان القس والمرأتان هبطوا في إحدي القري دون أن ننتبه إليهم وهذا رسخ في ذاكرتي‏,‏ أنني وأمي نسافر

    وحدنا في قطار ينطلق بلا اتجاه محدد كانت تجلس أمامي تنظر عبر النافذة كانت قد غفت مرة أو اكثر لكنها

    استيقظت فجأة وواجهتني بالسؤال المخيف‏:‏

    ‏'‏إذن ماذا أقول لأبيك‏.‏

    كنت اعرف أنها لن تستسلم أبدا وسوف تظل تبحث عن علة يمكنها من خلالها أن تثنيتي عن قراري عرضت علي قبلها

    العديد من الأشكال التي تعني نوعا من الالتزام تجاه رغبة والدي لكني رفضتها جميعا دون إبداء الأسباب لكني كنت

    أعرف أن تراجعها في محاولاتها لن يطول والآن تأخذني علي غرة في محاولتها الجديدة‏.‏ استعدادا لمعركة طويلة

    وخاسرة قلت لها‏:‏

    ‏'‏قولي له أن الشيء الوحيد في هذا العالم الذي أريده هو أن أصبح كاتبا وسأصبح كاتبا‏'.‏
    قالت‏:‏

    ‏'‏هو لا يعترض علي أن تكون كاتبا لكن بعد أن تحصل علي شهادتك الجامعية‏'.‏

    كانت تتحدث دون أن تنظر إلي محاولة أن تبدي لي عدم اهتمامها بحوارنا وان اهتمامها منصب علي الحياة التي

    تجري خارج نافذة القطار‏.‏ قلت لها‏:‏


    ‏'‏لماذا تصرين حضرتك علي كل هذا وحضرتك تعرفين تماما أنني لن استسلم‏'.‏

    في لحظة خاطفة نظرت إلي وسألتني‏:‏

    ‏'‏لماذا في رأيك أنني أعرف أنك لن تستسلم‏'.‏

    قلت‏:‏

    ‏'‏لأنني وحضرتك شبيهان‏'.‏

    توقف القطار في محطة بلا قرية وبعدها بقليل مر أمام مزرعة الموز الوحيدة التي لا يزال اسمها مكتوبا علي

    البوابة‏:'‏ ماكوندو‏'.‏ هذه الكلمة لفتت انتباهي بشدة منذ السفرات الأولي برفقة جدي ولكني عندما كبرت

    اكتشفت أن حبي لتلك الكلمة يعود إلي جرسها الشعري لم أسمع هذه الكلمة من قبل ولم اسأل أحدا عن معناها‏.‏

    رغم أنني استخدمتها اسما لقرية متخيلة في ثلاث روايات لكني عرفت مصادفة من خلال إحدي الموسوعات أن هذه

    الكلمة اسم لشجرة استوائية لا تزهر ولا تثمر وخشبها الإسفنجي يصلح لصناعة القوارب وأواني المطبخ بعدها

    عرفت من خلال الموسوعة البريطانية أن قبائل‏'‏ الماكوندو‏'‏ الرحل يعيشون في تنجانيقا واعتقد أن المعني الأصلي

    لهذه الكلمة ربما يأتي من هناك‏,‏ لكني لم أشاهد تلك الشجرة أبدا‏.‏ رغم أنني سألت عنها في منطقة مزارع الموز

    عدة مرات ولم أجد من يجيب علي سؤالي‏.‏ ربما ان هذه الشجرة لم توجد علي الإطلاق‏.‏

    في الحادية عشرة مر القطار أمام مزرعة‏'‏ ماكوندو‏'‏ وبعدها بعشر دقائق وصل إلي‏'‏ اراكاتاكا‏'‏ يوم ذهابي مع

    أمي لبيع البيت وصل القطار متأخرا ساعتين ونصف الساعة أنا كنت في المرحاض عندما بدأ القطار ينطلق بسرعة

    أكبر فدخل من النافذة الزجاجية المحطمة هواء جاف وحار مختلط بغبار العربات القديم وصوت صفارة القاطرة‏.‏

    تزايدت ضربات القلب وشعرت بغثيان يعتريني من الداخل خرجت مسرعا يدفعني شيء يشبه الدخان الذي ينطلق لحظة

    وقوع الزلازل وجدت أمي في وضعها المعتاد دون أدني تغير كانت تذكر بصوت مرتفع القري التي تمر عبر النافذة

    بسرعة كبيرة كما لو كانت جزءا من تلك الحياة التي ذهبت ولن تعود أبدا قالت‏:‏


    ‏'‏ تلك هي الأرض التي حفرها أبي بحثا عن الذهب ولكنه لم يجد شيئا‏'.‏

    كان هناك بيت بحديقة وأزهار تنمو علي البوابة وكانت هناك لافتة مكتوب عليها‏:'Thesunshineofall'‏ وقالت‏:‏

    ‏'‏تلك الكلمات كانت أول ما تعلمته من اللغة الإنجليزية‏.‏

    قلت لها‏:‏

    ‏'‏ليست أولها بل الوحيدة التي تعلمتها‏'.‏

    مر الجسر الأسمنتي بمساقيه ذات المياه العكرة‏,‏ عندما قام الأمريكيون بتحويل مياه النهر لري مزارع الموز قالت
    أمي‏:‏

    ‏'‏حي العاهرات كانت نساؤه ترقصن مع الفتيان وقد أشعلوا أوراق البنكنوت للرقص علي ضوئها‏'.‏

    في لحظة خاطفة كان أمامي المشهد الكامل للقرية المضاءة يوم الرابع عشر من فبراير يمر بشكل خاطف من خلال

    النافذة وصرخت أمي‏:‏

    ‏'‏إنها المحطة كم تغيرت الدنيا لم يعد أحد ينتظر القطار‏'.‏

    كانت القاطرة انتهت من صفيرها وخففت من سرعتها ثم توقفت بأنين طويل‏.‏

    أول ما أثارني هو الصمت المخيم علي المحطة صمت مادي حاد‏,‏ يمكنني ان ألمسه وأميزه مغمض العينين عن غيره من أي

    صمت آخر في العالم كان الحر ثقيلا حتي أن الأشياء كانت تبدو كما لو كان يفصلها زجاج مجعد وعلي أرض الميدان

    الحجرية لم يعد هناك أثر لضحايا المذبحة الذين سقطوا برصاص قوات الأمن لم يكن هناك أي شيء يدل علي وجود

    حياة علي مرمي البصر كان كل شيء مغطي بشبورة من التراب الحارق ظلت أمي ساكنة في مقعدها لعدة دقائق

    ناظرة إلي القرية الميتة والممتدة في الشوارع الخالية وأخيرا صرخت برعب‏:‏

    ‏'‏يا إلهي‏!'.‏

    ولم تنطق بأي شيء آخر‏.*
                  

11-05-2005, 10:33 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: حيدر حسن ميرغني)

    الحنين:

    سأعود بعد أخذ قسط من النوم في أعقاب وردية ليل ممتدة.
                  

11-05-2005, 05:44 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: عبد الحميد البرنس)

    الحنين:

    لقد أبصرت عبرك أن الكتابة لا تكون شيئا إن لم تكن مولودة من رحم المحبة, وهذا أمر أوضحته بصورة ما في بوست "وجوه من رحلة التعب", عندما أشرت هناك إلى الأثر الطيب الذي كان يفيض من وجهك كلما قرأت شيئا لشيخنا الجليل الطيب صالح, والآن أتذكر مراقبتي الخفية لك, وأنت تحادث بائع الصحف والمجلات المفروشة أمام "بوستة" الزقازيق, تذهب إليه قبلها, ثم لا تلبث أن تغير رأيك في منتصف المسافة وتعود أدراجك وتلتقط "مجلة المجلة" مرة أخرى, لعلك تهم وقتها أن ترجوه أن يضع لك نسخة جانبا إلى حين ميسرة, ولعلك كنت تتجنب إثارته وأنت تقرأ خلسة من صفحتها الأخيرة ما يقارب فقرة, ثم تلتفت إلى مطبوعة أخرى على سبيل التمويه, لكن العاشق أصابه شيئ من جمال حبيبته الكتابة, ولا شيء سيقنعه منها (إلى حين) سوى الوصول إلى ذروتها, كما أن ضيق ذات اليد لطالب غريب أحيانا لا يحول بينه وبين أشياء تبدو في عرف الكثيرين ترفا. ربما كان كل ذلك وهما عدا شيء واحد:

    إن الحنين هو الإنسان الوحيد في العالم الذي أقنعني حتى الآن أن الكتابة يمكن أن تكون شيئا ذا قيمة!.
                  

11-05-2005, 06:22 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: عبد الحميد البرنس)

    الحنين:

    ذكريات ماركيز مع أمه كلية الحضور.. أكثر من رائعة.. ويبدو لي أنها قد ألهمته احدى قصص مجموعته "ليس لدى الكولونيل من يكاتبه".. وأعني تلك القصة التي تحوي مشاهد لأم وابنتها وهما تهبطان ذات نهار قائظ من القطار إلى قرية موحشة حيث تسعى الأم لزيارة قبر ابنها اللص الذي تم إغتياله بينما هد التعب ابنتها في طريقهما إلى بيت القس لفتح المقبرة.. للأسف لا أتذكر اسم تلك القصة مع أني قد أعدت قراءة المجموعة قبل نحو أشهر قليلة.. ولا أظنها قصة "لا يوجد لصوص في هذه المدينة"!.

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 11-05-2005, 06:25 PM)

                  

11-05-2005, 06:35 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: عبد الحميد البرنس)

    من المكتبة
    حوار مع غابرييل غارسيا ماركيز


    بدأت الكتابة بمحض الصدفة تماماً: ربما لكي أبرهن فقط لأحد أصدقائي على أن جيلي قادر على انجاب الكتاب, بعد ذلك سقطت في شرك الكتابة من أجل المتعة ثم في الشرك التالي وهو اكتشاف أن عشقي للكتابة يفوق حبي لأي شيء آخر في الدنيا.
    * قلت إن الكتابة متعة, كما قلت انها معاناة أيضا, أيهما إذن؟
    - الأمران صحيحان, في البداية، عندما كنت أتعلم مهنتي وكتبت بابتهاج شديد ولم أكن أشعر بالمسؤولية تقريبا, أتذكر أنني كنت قادرا، في تلك الأيام، على أن أكتب بيسر أربع وخمس وحتى عشر صفحات من كتاب بعد أن أكون قد انتهيت من عملي في الجريدة حوالي الثانية أو الثالثة صباحاً, في إحدى المرات كتبت قصة قصيرة كاملة في جلسة واحدة.
    *والآن؟
    -الآن يحالفني الحظ إذا كتبت فقرة واحدة جيدة في يوم بأسره, فبمرور الوقت تصبح عملية الكتابة مسالة مؤلمة للغاية.
    *لماذا؟ المفترض أنه كلما زادت مهاراتك، كانت الكتابة أكثر سهولة.
    - مايحدث هو أن إحساسك بالمسؤولية يتزايد, تبدأ في الشعور بأن كل كلمة تكتبها الآن يصبح لها وقع أكبر وأنها تؤثر في عدد أكبر من الناس.
    *ربما يعد هذا إحدى نتائج الشهرة, هل تثير الشهرة ضيقك إذن؟
    -انها تقلقني, ففي قارة لم تأخذ أهبتها لاستقبال كتاب ناجحين، فإن أسوأ ما يمكن أن يحدث لكاتب لايتوقع نجاحا أدبيا هو أن يرى كتبه تباع مثل الخبز, إنني أمقت أن أصبح موضوعا للفضول العام لاأحب التلفزيون، الاجتماعات، المؤتمرات، والموائد المستديرة.
    *والمقابلات؟
    نعم وتلك أيضا, لاأتمنى أن يصيب النجاح أحدا, فهو مثل متسلق الجبال الذي يقتل نفسه تقريبا للوصول الى القمة وعندما يبلغها ماذا عساه يفعل؟ يعاود النزول بحذر وبوقار قدر المستطاع.
    * حين كنت شاباً وكان عليك أن تعيش من أعمال أخرى اعتدت الكتابة أثناء الليل والتدخين بشراهة والآن؟
    -الآن لم أعد أدخن، ولاأكتب إلا أثناء النهار.
    *في الصباح؟
    -من التاسعة صباحاً وحتى الثالثة بعد الظهر، في غرفة هادئة، جيدة التدفئة، فالضجة والبرد يشتتان تفكيري.
    *هل تضايقك الورقة التي لم يخط فيها حرف، كما تضايق غيرك من الكتاب؟
    -نعم، إنها، بعد الأماكن المغلقة، الشيء الذي يثقلني أكثر من غيره، لكنني لم أعد أشعر بقلق إزاء ذلك بعد أن قرأت نصيحة لهيمنجواي تقول: لاينبغي علينا التوقف عن العمل إلا حينما نعرف الكيفية التي سنستأنفه بها في الغد.
    *ماهو المنطلق الذي تبدأ منه لتؤلف كتاباً؟
    -صورة بصرية, وأعتقد أن الكتاب يولد -بالنسبة لكتاب آخرين- من فكرة أو مفهوم, أما أنا فإني دائما أبدأ بصورة, على سبيل المثال قيلولة الثلاثاء التي أعتبرها أفضل قصة قصيرة كتبتها ولدت من رؤية امرأة وفتاة صغيرة متشحتين بالسواد وهما تمشيان بمظلة سوداء تحت شمس حارقة في بلدة مهجورة, في عاصفة الأوراق كهل يأخذ حفيده الى جنازة, نقطة الانطلاق في العقيد لايجد من يكاتبه كانت صورة رجل ينتظر مركباً قرب سوق بارنكيلا, كان ينتظر بقلق صامت, بعد ذلك بسنوات وجدت نفسي في باريس أنتظر رسالة- من المرجح أنها كانت حوالة مالية- بالقلق ذاته الذي كان يبدو على وجه ذلك الرجل.
    *ماهي الصورة البصرية التي استخدمتها منطلقا في مائة عام من العزلة ؟
    -رجل عجوز يصطحب طفلا ليريه الجليد الذي كان يعرض كطرفة من طرائف السيرك.
    *هل كان ذلك الرجل جدك، الكولونيل ماركيز؟
    أجل.
    *هل حدث ذلك الشيء في الواقع؟
    -ليس تماما، لكن شيئا واقعيا هو الذي الهمني ذلك، أتذكر، حينما كنت صبيا صغيرا في أراكاتاكا، أخذني جدي للسيرك لرؤية الجمل العربي وحيد السنام، وفي يوم آخر قلت له بأنني لم أر الجليد رأي العيان، فأخذني الى مستعمرة شركة الموز وطلب منهم أن يفتحوا صندوقاً من سمك البوري المجمد وجعلني أضع يدي في الصندوق, من هذه الصورة بدأت كتابة مائة عام من العزلة .
    *إذن فقد جمعت بين اثنتين من ذكرياتك معاً لتكتب أول جملة في الرواية, ماذا تقول الجملة؟
    - بعد سنوات طويلة، وأمام فصيل الإعدام، تذكر الكولونيل أوريليانو بوينديا، عصر ذلك اليوم البعيد، الذي اصطحبه فيه أبوه، كي يتعرف إلى الجليد .
    *عادة ما تعطي أهمية بالغة للجملة الأولى من الكتاب, قلت لي ذات مرة إنها في بعض الأوقات تأخذ من وقتك أكثر من بقية الكتاب بأكمله, لماذا؟
    -لأن الجملة الأولى يمكن أن تكون المختبر الذي يتبلور فيه الأسلوب والبناء وطول الكتاب أيضا.
    *هل تحتاج إلى وقت طويل لكتابة رواية؟
    -الأمر ليس كذلك بالنسبة لكتابتها فعليا, فتلك عملية سريعة إلى حد كبير, لقد كتبت مائة عام من العزلة في أقل من سنتين, ولكن قبل أن أجلس أمام الآلة الكاتبة قضيت خمسة عشر أو ستة عشر عاماً أفكر في ذلك الكتاب.
    *هل تدون ملاحظاتك؟
    - إطلاقا، فيما عدا بعض المذكرات الموجزة العرضية, إنني أعرف من خلال التجربة أنه عندما تدون ملاحظات، فسينتهي الأمر بك الى التفكير في تلك الملاحظات وليس في الكتاب.
    *هل تقوم بتصحيح عملك كثيراً؟
    - لقد تغير عملي كثيراً فيما يتعلق بهذه الناحية, عندما كنت شابا، اعتدت على الكتابة على الفور، واستنساخ الأصل، ثم مراجعتها مرة أخرى, أما الآن فأقوم بتصحيحها سطرا بعد سطر أثناء الكتابة بحيث أجد في نهاية اليوم ان لدي صفحة خالية من أي شطب وجاهزة تقريبا للنشر.
    *هل تمزق أوراقا عديدة؟
    -كمية غير معقولة, أبدأ بورقة على الآلة الكاتبة.
    *دائما ماتطبع على الآلة الكاتبة؟
    - دائما على الآلة الكاتبة الكهربائية, عندما أخطىء أو لاتعجبني كلمة كتبتها، أو ببساطة ارتكبت خطأ في الطباعة، أجد أن نوعا من العيب أو الهوس أو الوسواس يقودني إلى إخراج الصفحة، ووضع واحدة جديدة, من الممكن أن ابدد مايصل إلى خمسمائة ورقة أثناء كتابتي لقصة من اثنتي عشرة صفحة, ومعنى ذلك أنني لم استطع مطلقا التغلب على الفكرة المجنونة بأن الخطأ في الضرب على الآلة هو خطأ في العملية الإبداعية.
    *كثير من الكتاب شديدو الحساسية من الآلة الكاتبة الكهربائية, أنت لست كذلك؟
    -كلا, انني مفتون بالآلة الكاتبة الكهربائية للدرجة التي لااستطيع الكتابة الآن بطريقة أخرى, بشكل عام، أعتقد أنك تكتب أفضل عندما تتوفر لك كل الظروف المريحة, لا أؤمن بالأسطورة الرومانتيكية التي تقول ان الكاتب يجب أن يتضور جوعا وأن يواجه أسوأ الأوضاع قبل ان يتمكن من الانتاج, انك تستطيع الكتابة بشكل أفضل إذا تناولت وجبه جيدة وكانت تحت يدك آلة كاتبة كهربائية.



    نقلا عن:


    http://www.suhuf.net.sa/1999jaz/sep/24/cu3.htm
                  

11-05-2005, 07:29 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: عبد الحميد البرنس)

    هدف هذا البوست أن تطالعه, أوتصل روحه العامة إلى الأجيال الجديدة من أصحاب وصاحبات المواهب في وطني في مجال السرد, ربما ليكسر حاجز عزلتهم الموحشة هناك, وربما لينظروا عبر أكثر النوافذ إبداعية في العالم, وصولا إلى أصواتهم الخاصة التي تمبزهم, وهو خطوة لتجنيبهم مشقة البحث في آماكن وهمية.

    محبتي
                  

11-06-2005, 06:35 AM

حيدر حسن ميرغني
<aحيدر حسن ميرغني
تاريخ التسجيل: 04-19-2005
مجموع المشاركات: 27727

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: عبد الحميد البرنس)

    فوق

    حتى نعود
                  

11-06-2005, 11:10 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: حيدر حسن ميرغني)

    الموت عند ماركيز وكاواباشا
    2005/03/09

    عناية جابر
    اشتريت ذاكرة غانياتي الحزينات رواية غابرييل غارسيا ماركيز، والترجمة لصالح علماني من مكتبة مدبولي في القاهرة، وقرأتها في رهاني الشخصي، القديم والمبيت. كنت عرفت الي رغبة ماركيز، المدونة أصلاً علي غلاف الجميلات النائمات لياسوناري كاواباتا، يعلن فيها حرقته عن عدم كونه صاحب رائعة كاواباتا هذه. لم اظنها حينها رغبة طبيعية من ماركيز، زائلة مع الوقت، ومباركة من روائي مهم، لعمل روائي آخر، مهم أيضاً، ان لم نقل أكثر أهمية وليس أكثر شهرة، بل حدست بشدة ان ماركيز سيخمّر هوساً بربرياً بالجميلات النائمات حتي ينجز مثيلتها انجازا نظيفا وصحيا، يزيل معه اثر تلك الاهانة الروحية التي تلحق عادة بعظماء الرواية ومجانينها حين يأتي احدهم عملا روائيا فارقا وبالغ الاهمية، فيروحون يتخاطفون ابداعيا ويتسابقون، علي لحظات الحياة النادرة، وعلي الافكار الاستثنائية لقول تلك اللحظات، كما فعل كاواباتا في جميلاته النائمات التي أتاها جميلا بهيا، ما لم يغفره له ماركيز ولم يسامحه علي بهائه، ودائما ضمن ذلك التسابق الفذ والمشروع والمبرر والمبارك بين الكبار علي اتيان الابهي والاجمل للقاريء المتلهف. مع ذلك، لن يوجد مثيل للمذاق الحسي الصرف والمفرط، الذي خاضه كاواباتا في الجميلات النائمات حين اكتفي من الفكرة بحرفيتها، وانصرف الي رصد ذلك الشعور المثير والمرعب لرجل متقدم في السن يختار ان يختتم آخر رغباته، نائما لصق شابة غافية بكامل عدة الشباب، ولا يملك في نومه لصقها سوي اقتناص ليلة من ما بقي من الشهوات، والانفعالات، والفضول الاقصي، وتلك الاثارة الحادة في الجسد المهزوم بعمره.
    عجوز لدي كاواباتا، يتصدي لليأس والموت من خلال بضعة ليال من الاندساس علي أسرة الاجساد الشابة في محاولته اجتراح نهاية افضل لحياته، توهجها دماء الشباب المستعارة.
    صفحات ناصعة بحسيتها، من دون ان تتعدي هذه الحسية التي تدور في نشوة الموت البالغة الحضور. لحظة مكتملة بفكرتها، صنعت مجدها الروائي من اكتمالها من دون افراط او تداع.
    ماركيز في ذاكرة عاهراته، غادر لذة التملي في جسد طفلته ديلغادينا نائمة، رفيقة سريره وباعثة متعته التي لا تصدق في تأمل جسد امرأة نائمة، وانتهي الي الوقوع في الحب، فمازجت روايته في استيحاءاتها بين الجميلات النائمات لكاواباتا، وبين لوليتا لفلاديمير نابكوف.
    حكم ماركيز علي بطله العجوز بالموت حبا، الامر الذي ترفع عنه كاواباتا، مكتفيا في روايته، بنظرة من بطله العجوز ايضا، نظرة اخيرة ومستفيضة الي جسد الشباب الشجي والغض.
    الجميلات النائمات نوع من الكبرياء الامبراطوري لشكل الرواية اليابانية شديدة الخصوصية. ذاكرة غانياتي الحزينات بما انتهت اليه من غرام الرجل التسعيني بالطفلة الغافية بقربه، تعبر عن عالم مؤلفها الداخلي، العاطفي ابدا، وتبدو كتأملات تلميذ بريء (ماركيز) حيال معلم بارع (كاواباتا).
    سقط ماركيز في الحب غير المفهوم وغير المبرر (رغم ان الحب غير مفهوم دائما، وغير مبرر) فسقطت روايته في فخ العادية، وضاعت الفكرة الاستثنائية التي احبها ماركيز عند كاواباتا، والتي املت علي هذا الاخير روايته الجميلات النائمات التي أثارت غيرة ماركيز.
    ليلة الحب المجنون مع مراهقة عذراء، التي اهداها التسعيني مودارا الي نفسه، انتهت في الحب الذي يكتب نفسه في اغلب روايات ماركيز، الحب الذي ينظر الي الموت ويمسكه حين يقول مودارا: لقد كنت اعتقد علي الدوام، ان الموت حبا ليس الا وسيلة شعرية. ولكنني في ذلك المساء، بينما انا عائد الي البيت، من دون القط ومن دونها، تأكدت من ان الموت حبا ليس ممكنا وحسب، وانما انا نفسي، العجوز الذي ليس لديه احد، آخذ بالموت حبا .
    الحب في ذاكرة غانياتي الحزينات افحام دون منطق الرواية، يحل الموت بفعله فيطيب، وشيء اشبه بفكرة استحواذية علي ماركيز، شيء اشبه بقدر القلوب الحارة، المرجانية، التي تصادر مصائر ابطال الروايات، بما فيها الحياة الطبيعية لهذه الرواية نفسها، التي خلقت حياتها وقتلتها في آن.
    فالموت عند ماركيز، غيره عند كاواباتا، شيء حي، يصادر الفراغ، يخلق حركة ابدية، غير انه يتشظي في مزاج الكاتب. وقع ماركيز في الفخ العاطفي، الشرقي والهستيري، باعتباره البرهان الاكثر روعة لتلاؤم القاريء مع النهايات الاكثر رحمة. الرهان فقط كان يستحوذني، في ان ماركيز المتوقد المشاعر، شأن المستوحدين الذين يتوقون الي وضع توقيع اكثر النبض سخونة علي نتاجهم، سوف يقصر امام روائي معتد، ومترفع عن كل شيء، انتهي بأن بقر بطنه بنفسه، بطعنته الحادة، التي لا تعرف الحب.



    نقلا عن:

    http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=2005\03\03-09\q...اركيز%20وكاواباشاfff
                  

11-07-2005, 05:44 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: عبد الحميد البرنس)

    الجيل الجديد من الكتاب الكولومبيين:

    لسنا أبناء غابرييل غارسيا ماركيز بل أحفاده

    ماريو مندوسا، وإفرايم مدينة ريجيس، وسانتياغو غامبوا، وإنريكي سيرانو. هم جزء من مجموعة كتّاب كولومبيين شباب تزداد شهرتهم تباعاً في مختلف أرجاء العالم. وهؤلاء يؤكدون بأن الواقعية السحرية التي تتمّيز بها أعمال غابرييل غارسيا ماركيز لا تؤثر على نتاجهم، ويدافعون أيضاً عن نظرة متعددة المسارات قائلين بأن أدبهم يصل إلى عوالم لا يستطيع كاتب كلاسكي مثله أن يجوبها. وللمفارقة فإن ما يجمع هؤلاء الكتّاب الكولومبيين هو التنوع في لغتهم الروائية والاختلاف في هواجسهم حيث أنهم عاشوا في ظل مجتمع يتسم أساسياً بالعنف، والفوضى، والتشنّج.

    تتراوح أعمار هؤلاء الكتاب بين 33 و43 عاماً ويعتبرهم النقاد الأمريكيون والأوروبيون نموذجاً للروائيين الجدد في كولومبيا، ومن هنا فقد خصصت لهم جريدة الباييس (El País) الإسبانية الشهيرة صفحة الغلاف في ملحقها (بابليا) ونشرت مقالاً عنهم تحت عنوان" من ماكوندا إلى دوامة المدن كما وخصتهم صحيفة "نيويورك تايمز "بمقال تحت عنوان" بزوغ شمس دين جديد من الروائيين الكولومبيين"، وبدروها أجرت صحيفة (لاناسيون) الأرجنتينية لقاء مع مجموعة منهم، وهم سانتياغو غامبوا مؤلف رواية "الدجالين". وماريو مندوسا، مؤلف رواية "الشيطان"، التي حازت على جائزة مكتبة "Breve Seix Barral 200". وافرايم مدينة ريجيس، وإنريكي سيرّانو مؤلفي روايتي " تاميرلان" و" استحلام الرجل الوطواط وروبن" اللتين أصدرتهما دار نشر بلانيتا. وجاء ردّ الروائيين المذكورين على النحو التالي:

    مالذي يبعد الرواية الكولومبية الجديدة عن ظاهرة الواقعية السحرية التي تتميّز
    بها أعمال غابرييل غارسيا ماركيز؟
    - مندوسا: هناك نزعات، ومواضيع، وانشغالات، وميول جمالية متنوعة. وثمة من يصنفنا أو يشبهنا بذاك الذي أتى على إثر صيحة كبرى مثل صيحة غابرييل غارسيا ماركيز. ونحن على يقين بأن هذا الأمر يعتبر محطة حتمية، ولكننا لسنا أبناءه، لأن تأثيره على أعمالنا ليس مباشراً فحين نال جائزة نوبل عم 1982 كان لدينا جميعاً نظرة محددة إلى العالم لا علاقة لها على الإطلاق برواية (ماكوندا) ولا بالواقعية السحرية، فنحن في آخر الأحوال أبناء مدينة كبرى، وأبناء مجتمع شهد الانفجار في حقبتي الثمانيات والتسعينات، وإذا ما كانت هناك صلة قرابة تجمعنا فالأصح هو أننا أحفاد غابرييل غارسيا ماركيز.

    غامبوا: إن كون غابرييل غارسيا ماركيز كولومبياً لم يعد يشكل أمراً مهماً البتة. كما وأن كوننا نحن كولومبين لن يعني بأننا نقتبس منه شيئاً لا يمكن لروائي أرجنتيني أو تشيلي أو غيره نيله. بل العكس فوريثته الكبرى والتي تحذو حذوه هي الروائية التشيلية إيزابيل اللندي، وإن إحدى أهم العوامل التي تفرقنا عنه هي الحرية المطلقة في التأثيرات.

    سيرّانو: ما من أحد منا يقف ضد غابرييل غارسيا ماركيز. فكلنا قرأناه. والعامل المشترك بيننا نحن الروائيين الجدد هو أننا جميعاً ولدنا في كولومبيا. أما ما تبقى فهو رهان مدهش متعدد الاتجاهات، وتطوّر بزخم لم نكن ندري بأنه متواجد في كولومبيا. وغابرييل غارسيا ماركيز لم يكن ليستطع استشراف هذا الواقع حيث أن جل اهتمامه كان ينصبّ على عالم أمريكي لاتيني، وهو بصورة أو بأخرى اتبعد عن كولومبيا، ونحن نعتبر بمثابة أبناء لذلك الجدّ الذي ذهب ولم يعد مطلقاً إلى المنزل نتيجة اهتمامه بأمر آخر. وقد تميّزت ميولنا بالقفز وبتجاوز الأحكام المسبقة.


    مدينة ريجيس: إن غابرييل غارسيا ماركيس يمثل تكريساً لعناصر فكرية أفادت ثقافتنا، غير أنه يتوجب على الجيل الذي أنتمي إليه الانطلاق من هويته الذاتية ويتوجب أن يسأل من نحن؟ فجيلي له علاقة مباشرة بالتلفزيون والسينما. وهذه الظاهرةالتي كان اليسار يسميها انتفاء الذات (Alineación) ومالبثت أن سميت التعدي الثقافي (Trasculturacio) ثم أصبحت تسمى العولمة، فأنا أشعر بجوار لمدينة لم أقِم فيها إطلاقاً مثل نيويورك أكثر من شعوري بالانتماء إلى بعض أنواع الوطنية التي ليست سوى انعكاس لمباراة كرة قدم أو لعلم معين.

    بأي وطن خيالي تتغذى رواياتكم؟
    مندوسا: بوغوتا ما زالت لغاية الآن وطني، وإن هاجسي هو منح بطاقة هوية أدبية لهذه المدينة، فالإنجليز تمكنوا من الارتقاء بمدنهم لتصبح "رايات ثقافية" ونفس الشئ فعله كارلوس فوينتيس بالنسبة لمكسيكو عام 1958، وروبيرت آلرت بالنسبة لبوينس أيرس. وأنا أهتم بالشخصيات التي بقيت على الهامش عالقة بشرك انعدام الثقة والإيمان بالذات.

    غامبوا: أعتقد شخصياً أن فكرة الوطن شهدت تبدلات كثيرة، فأنا عشت في أربعة بلدان، فعندما كنت أعيش في كولومبيا لم أكن أعرف ماذا يعني كوني كولومبياً، وعندما ذهبت إلى إسبانيا عام 1985 أدركت معنى ذلك وبدأت أشعر بتقارب أكبر مع أمريكيين لاتينيين آخرين. فالهوية هي مشكلة مسافة في كثير من الحالات، فكلما زادت المسافة اتساعاً كلما كانت الهوية أشمل، فذاك الوطن الكولومبي الذي بدأت أكتب عنه أخذ يتكون في ذهني وأنا في المنفى الذي اخترته لأسباب شخصية.

    سيرّانو: إن الوطن هو الماضي المسترجع، وهو بمثابة علاقة متواصلة وحيّة بالتاريخ، ولدي اهتمام قوي ومتميّز جداً بترجمة السيرة الذاتية لأنها نوع غير محدود. ومن هذا المنظور فإن أهمية انتمائي إلى كولومبيا تتراجع بصورة حادة، إذ ما يهمني على سبيل المثال هو أن أعرف مفهوم العالم بالنسبة لجوليو قيصر في شبابه، أو أن أعرف كيف كان شخص مثل جنكيز خان يعيس العشق والعنف.

    مدينة ريجيس: إنني أكتب في غمرة التوتر والضيق من جراء وجود كولومبيا مستقطبة لا تقبل بهويتها كهجينة، وتتستر على محدودياتها وقصورها، ولا تقبل بذاتها، وتفرض - عن طريق السلطة - بعض الأنماط المحددة التي لا تجدها في ذاتك فيما بعد. وأنا قد عثرت عليها في الأدب. فسواء داخل أم خارج كتبي فإنني توخيت إيجاد صوت ينبعث من بلد لم أشعر إطلاقاً بأن أحداً هيمن عليه. وأنا أحاول أن أبني نفسي كشخص بذلك الأدب، فوطني هو كولومبيا الخاسرين.



    http://www.alimbaratur.com/All_Pages/Waw_A_M_Stuff/Waw_4.htm
                  

11-07-2005, 06:07 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: عبد الحميد البرنس)

    عزيزي حيدر:

    يا ترى, حسب السابق, هل أولئك الكتاب الكولومبيين بعد ماركيز هم كذلك من حيث قيمهم الإبداعية, أم أن الإعلام الغربي يحاول أن يجد بدائل أخرى لماركيز في ظل ما يتسم به من آراء سياسية تذهب أحيانا إلى درجة إصدار بيان يدعم من خلاله القضية الفلسطينية من ناحية عدالتها, خاصة وأن مسألة تجاهله تبدو ك"ذبابة تحاول أن تحجب بجناحيها ضوء الشمس" على حد تعبير عبدالحميد كشك في سياق مختلف!.
                  

11-07-2005, 08:29 AM

عاصم احمد محمد أبوحجل
<aعاصم احمد محمد أبوحجل
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 81

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: عبد الحميد البرنس)

    فوق حتي يستمتع الجميع بهذا البوست
    شكرا عبدالحميد
    ولنا عودة
                  

11-07-2005, 09:49 AM

حيدر حسن ميرغني
<aحيدر حسن ميرغني
تاريخ التسجيل: 04-19-2005
مجموع المشاركات: 27727

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: عاصم احمد محمد أبوحجل)

    عزيزي البرنس

    كلما قرأت لماركيز والطيب صالح تخيلتهما شيخي قبيلة أو راهبان يدعوان (للمحبة) في زمن إستشرى فيه القتل والإبادة.

    مقتطفات من لقاء أجرته هالة البدري مع الطيب صالح

    في ابريل من هذا العام

    Quote: اقترابنا من عالمك الحميم هو اقتراب من عالمك الروائي أيضا ذلك أن أدبك مليء بالإنسانية والرحمة على شخصياتك نعود إلى الأدب وأسألك عن التطور الذي وصلت إليه الرواية؟
    - الرواية العربية في ازدهار كبير، ووصلت إلى درجات من النضج بحيث لا تقل عن الإنتاج العالمي، ولدى إحساس بأن المستقبل للرواية العربية كما حدث مع اكتشاف أدب أمريكا اللاتينية وقد حدث هذا للرواية اللاتينية لأن هناك أناسا آمنوا بها وقامروا عليها من نقاد ومترجمين وناشرين، ولو وجد من يقامر على الرواية العربية فستلفت النظر وهذا واضح مما وجدته الرواية العربية في الغرب، وأنا أقول رغم أن الإنجليز هم الذين ابتدعوا الرواية لكنها أصبحت لديهم تعبر عن أشياء صغيرة وأصبحوا غير قادرين عموما على أن يعبروا عن القضايا الكبيرة التي نهتم بها نحن، ولذلك عندما ظهر لهم واحد مثل ماركيز واستورياسي وامادو وكاربونيير احضروا لهم عالما أوسع، والواقع أن كبار كتاب أمريكا اللاتينية قد اخذوا من عندنا، وماركيز يعترف بذلك، اخذوا القدرة عند الإنسان العربي وفي اللغة العربية على القفزات في الخيال، وسعة التعبير وقدموه لهم على أنه جزء من الأسرة الأوروبية أظن أن المستقبل كبير للرواية العربية.
    لكن الرواية الإسبانية تكتب بلغة من اصل لاتيني؟
    - صحيح، يوجد تشابه بينهم، هم في نهاية الأمر أوروبيون لكن الوجود العربي في إسبانيا أثر، وقد أخذت اللغة الإسبانية من اللغة العربية وحين تقرئين ماركيز تجدين تأثرا بالعرب في اللغة وفي الأحاسيس في العلاقات العائلية.
    بماذا تفسر أنك كتبت في “الواقعية السحرية” في وقت مبكر جدا وأن هذا يتشابه مع ما قدمته رواية أمريكا اللاتينية؟
    - يقول الناقد كمال أبو ديب أستاذ اللغة العربية في جامعة لندن في مقاله إن “عرس الزين” قبل ماركيز هي في واقع الأمر بداية “الواقعية السحرية”، لكننا مظلومون لأنهم يعرضون بضاعتهم والاعتراف يأتي بعد تعب.


    سأعود للإجابة على سؤالك
                  

11-07-2005, 04:49 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: حيدر حسن ميرغني)

    عزيزي عاصم احمد محمد أبوحجل:

    أشكر لك مرورك الجميل من هنا. مع أمنية أن يحقق هذا البوست المنفعة المرتجاة. وفي إنتظار عودة الحنين وربما أيضا تأملات من جانبي حول مساهمته الأخيرة.
                  

11-08-2005, 00:58 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: عبد الحميد البرنس)

    بيان لا يوقع عليه سواي

    جابرييل جارثيا ماركيز

    (إنه لمن عجائب الدنيا حقاً أن ينال شخص ، كمناحم بيجن جائزة نوبل في السلام ، تكريماً لسياسته الإجرامية التي تطورت في الواقع كثيراً خلال السنوات الماضية على يد مجموعة من أنجب تلاميذ المدرسة الصهيونية الحديثة . إلا أن الموضوعية تفرض أن نعترف بأن الذي تفوق على الجميع هو الطالب المجدد آرييل شارون . وعلى أي حال ، فإن فوز مناحم بيجن بجائزة نوبل في السلام يظل من عجائب الدنيا حقاً ، ولا يخفف من دهشتي القول بأن الدنيا مليئة بالطرائف ، وأن هناك ما هو أغرب .
    المهم أن هذا ما حدث ، ولا طريقة الآن لتبديله . فاز مناحم بيجن بجائزة نوبل في السلام لسنة 1978، مناصفة مع أنور السادات ، رئيس جمهورية مصر في حينه . جاء ذلك كنوع من المكافأة على اتفاقية براقة أرست قواعد السلام من طرف واحد هو الطرف العربي. الرجلان اقتسما الجائزة . لكن المصير اختلف من أحدهما إلى الآخر. الاتفاقية ترتب عليها في حالة أنور السادات انفجار بركان الغضب داخل جميع الدول العربية . فضلاً عن أنه ـ ذات صباح من أكتوبر 1981 ـ دفع حياته ثمناً لها . أما بالنسبة لبيجن ، فلقد كانت هذه الاتفاقية نفسها بمثابة الضوء الأخضر، ليستمر بوسائل مبتكرة في تحقيق المشروع الصهيوني الذي ما يزال حتى هذه اللحظة يمضى قدماً . أعطته الجائزة أول الأمر الغطاء اللازم حتى يذبح ـ بسلام ـ ألفين من اللاجئين الفلسطينيين بالمخيمات داخل بيروت سنة 1982 .
    المؤكد أن اتفاقيات كامب ديفيد ، بالإضافة إلى جائزة نوبل فى السلام ، تجاوزت شـخص مناحم بيجن ، لتشمل أنجب تلاميذ المدرسة الصهيونية الحديثة ، خاصة ناظرها الجديد آرييل شارون . جائزة نوبل في السلام فتحت الطريق على مصراعيه لقطع خطوات متزايدة السرعة نحو إبادة الشعب الفلسطيني. كما أدت إلى بناء آلاف المستوطنات على الأرض الفلسطينية المغتصبة .
    لن ننسى نحن الذين نقاوم فقدان الذاكرة الوعاء الفكري لممارسات النازية . ارتكز هتلر على نظرية المجال الحيوي لتحقيق مشروعه التوسعي باحتلال أرض الغير . وقد قال بيجن صراحة أن الأراضي المحتلة في 1967 هي ممتلكات يهودية ليس من حق أحد أن يطالب باستعادتها . الركيزة الثـانية هي ما سماه : الحل النهائي لمشكلة اليهود . معسكرات الاعتقال السيئة السمعة كانت في نظره المخرج المناسب . إبادة جماعية ، بولغ في سرد وقائعها لتبرير إبادة جماعية أخرى . أما حكاية الملايين الستة من اليهود ضحايا هتلر ، فلقد انضمت إلى ترسانة الخرافات
    اليهودية ، تمهيداً لإعادة ارتكابها من جديد تحت غطاء جائزة نوبل في السلام .
    استندت نظرية المجال الحيوي الصهيونية إلى أن اليـهود شعب بلا أرض ، وأن فلسطين أرض بلا شعب . هكذا قامت الدولة الإسرائيلية غير المشروعة في 1948 . فلما تبين أن هناك شعباً ، وأن فلسطين شعب يسكن في أرضه ، كان من الضروري حتى لا تكون النظرية مخطئة إبادة الشعب الفلسطيني، وهو ما يتم بصورة منهجية منذ أكثر من خمسين عاماً . لكن جائزة نوبل في السلام ، بالإضافة إلى اتفاقيات كامب ديفيد ، اتخذت شكل الإذن الدولي بالقتل الذي لا يجرمه أحد .وقد تمكنت أجهزة الإعلام التي يسيطر عليها اليهود من إقناع البلهاء في الغرب بهذه الأكاذيب ، مستثمرة عقدة الذنب عند القتلة ، فباركوا المزيد من المذابح . لولا أن العالم استيقظ فجأة على أن هناك شيئاً اسمه الشعب الفلسطيني. ولم يلفت الانتباه إليه تمثيله الدبلوماسي أو مشاركته في المحافل الدولية . ما لفت الانتباه لوجوده هو هذا الأنين الصادر عن شعب يتعرض إلى الإبادة .
    تهامس الجميع على استحياء : الظاهر أن هناك شعباً فلسطينياً ، وأنه لسبب ما توارى عن الأعين طوال هذه السنوات . الشعب الفلسطيني بالفعل ظل مختبئاً في مـنطقة اسمها تجاهل الآخرين . اسمها : ليل الضمير البشرى . حسناً . ما العمل الآن ؟ الحل عثرت عليه مجموعة من أنجب تلاميذ المدرسة الصهيونية الحديثة . لتصبح فلسطين ، تمشياً مع النظرية ، أرضاً بلا شعب . وعلى الذين يتكاثرون كالأرانب ليقاوموا الفناء ، أن يبادوا بسلام. .وقد تصادف أن كنت في باريس ، عندما ارتكب شارون ـ بغطاء من جائزة نوبل في السلام ـ مجازر صبرا وشاتيلا ، قاتلاً أثناء الغزو ثلاثين ألف فلسطيني أو لبناني. كما تصادف أن كنت في باريس ، عندما فرض الجنرال جاروزيلسكي سلطة العسكر ضد إرادة الأغلبية من شعب بولندا . أصابت الأزمة البولندية أوربا بصدمة جعلتها تترنح من الغضب . أنا شخصياً قمت بالتوقيع على عدد كبير من البيانات التي تندد باغتيال الحرية في بولندا . كذلك ، فلقد شاركت في الاحـتـفالية التي أقيمت ، تكريماً لبطولة الشعب البولندي، بمسرح ( بيرا دي بار ) تحت رعاية وزارة الثقافة الفرنسية . وعلى العكس من ذلك تماماً ساد نوع من الصمت الرهيب ، عندما اجتاحت القوات الشارونية لبنان . علماً بأن أعداد القتلى أو المشردين هناك لا تسمح بأي مقارنة مع ما حدث في بولندا .ظهرت في الحال النظرية السوفييتية التي تدعو إلى الأخوة بين القوى الأعظم على حساب أي شعب أو أي مذابح .
    هناك بلا شك أصوات كثيرة على امتداد العالم تريد أن تعرب عن احتجاجها ضد هذه المجازر المستمرة حتى الآن . لولا الخوف من اتهامها بمعاداة السامية أو إعاقة الوفاق الدولي. أنا لا أعرف هل هؤلاء يدركون أنهم هكذا يبيعون أرواحهم في مواجهة ابتزاز رخيص لا يجب التصدي له سوى بالاحتقار . لا أحد عانى في الحقيقة كالشعب الفلسطيني . فإلى متى نظل بلا ألسنة ؟ ولم أجد من يومها من يدعوني إلى أي احتفال ببطولة الشعب الفلسطيني في أي مسرح تحت رعاية أي وزارة .
    هذا ما يدفعني الآن إلى التوقيع على هذا البيان بشكل منفرد . أنا أعلن عن اشمئزازي من المجازر التي ترتكبها يومياً المدرسة الصهيونية الحديثة ، ولا يهمني رأى محترفي الشيوعية أو محترفي معاداة الشيوعية . أنا أطالب بترشيح آرييل شارون لجائزة نوبل في القتل . سامحوني إذا قلت أيضاً أنني أخجل من ارتباط اسمي بجائزة نوبل . أنا أعلن عن إعجابي غير المحدود ببطولة الشعب الفلسطيني الذي يقاوم الإبادة ، بالرغم من إنكار القوى الأعظم أو المثقفين الجبناء أو وسائل الإعلام أو حتى بعض العرب لوجوده . بشكل منفرد إذن ، أنا أوقع على هذا
    البيان باسمي: جابرييل جارثيا ماركيز) .



    http://www.alitijahalakhar.com/archive/125/culture125.htm
                  

11-08-2005, 05:26 AM

حيدر حسن ميرغني
<aحيدر حسن ميرغني
تاريخ التسجيل: 04-19-2005
مجموع المشاركات: 27727

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: عبد الحميد البرنس)

    Quote: يا ترى, حسب السابق, هل أولئك الكتاب الكولومبيين بعد ماركيز هم كذلك من حيث

    قيمهم الإبداعية, أم أن الإعلام الغربي يحاول أن يجد بدائل أخرى لماركيز في ظل ما يتسم

    به من آراء سياسية تذهب أحيانا إلى درجة إصدار بيان يدعم من خلاله القضية الفلسطينية

    من ناحية عدالتها, خاصة وأن مسألة تجاهله تبدو ك"ذبابة تحاول أن تحجب بجناحيها ضوء

    الشمس" على حد تعبير عبدالحميد كشك في سياق مختلف!.


    عزيزي البرنس

    يكاد يتفق معظم النقادأن الذي يجمع بين روائيي أمريكا اللاّتينية و(بالاخص الروائيين

    الكولومبيين )بعد بعد ماركيز من ناحية قيمهم الأبداعية على اختلاف انتماءاتهم العرقية

    و توجّهاتهم الفنّية هو ذلك الايمان بـ(المحلّية) التي توحّد رواياتهم وتميّزها عن غيرها

    وهو بلا شك ما حقّق لهذه الأعمال خصوصيتها

    تجدني أميل أكثر الى الاعتقاد الذي اوردته في سؤالك من ان الاعلام الغربي يحاول ان يجد

    بدائل اخرى لماركيز من خلال محاولاتهم المستميتة للانحياز الى الهجوم والانتقادات التي

    يشنها عليه كتاب كولومبيين ، وربما يكون الدافع من الهجوم مجرد غيرة يحاول ماركيز

    دائما تجاوزها من خلال تجاوزه لنفسه في كتاباته لانه لا يفقد الأمل في أن الواقع

    ربما يصبح غدا أفضل، حتى أن الكثيرين يقولون عنه إنه آخر من بقي من المتفائلين، ولا

    تقتصر محاولاته لتغيير الواقع على الكتابة فقط، بل تمتد إلى أنشطة سياسية فعلية.

    ماركيز لعب دورا نشطا في مفاوضات السلام بين الحكومة والجماعات المسلحة في

    كولومبيا، وذلك من خلال علاقته الوثيقة بالحكومة الكوبية التي تساند هذه الجماعات

    كماقام أيضًا بدور الوسيط في تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا، فقد كان على

    معرفة وثيقة بالرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون.

    ولي عودة

    ودمت
                  

11-08-2005, 12:40 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: حيدر حسن ميرغني)

    الحنين:

    الصديق والروائي الكبير إبراهيم أصلان, سبق له وأن كتب ضمن "من دفتر الأحوال" في "الحياة اللندنية" مقالا ساخر سماه إن لم تخن الذاكرة "في أن تكون كاتبا عالميا", وهو هنا يلامس مسألة هامة تفشت في الأوساط الثقافية العربية في زعمي منذ إنهيار المشاريع الجماعية العامة وصعود نزعات الخلاص الفردي ذات التأثير السييء على الواقع, وهي ذات المسألة التي يعرض لها المبدع الكبير الطيب صالح في ذلك المقتطف الذي أوردته أنت أعلاه من حواره مع هالة البدري على خلفية الإحتفاء بماركيز هنا كروائي نسيج وحده, ذلك أن الكثيرين من الكتاب في العالم العربي أقعدهم عن إبداع شيء حقيقي توظيف الكثير من الجهود والطاقات وشبكة علاقاتهم العامة إلى جانب حياكة المؤامرات الصغيرة ضد بعضهم لإحتلال صدارة المشهد الثقافي في بلادهم, ومن ثم السعي في مرحلة تالية إلى الوصول إلى الغرب كمركز تأثير عالمي عبر تراجم أومؤتمرات هنا أوهناك, وقد صدقوا أنفسهم في الأخير متناسين تماما أن حبل الكذب قصير حقا, أنا أعرف دهاليز أن تصل إلى الغرب جيدا, فوجودي داخل الوسط الثقافي بالغ الحيوية في مصر لم يكن هامشيا أومن موقع التابع بأية حال, وقد يسر لي اطلاع لا بأس به على أعمال وسير حياة الكثير من كتاب أمريكا اللاتينية أمثال التشيلي العظيم إدواردو غاليانو والمكسيكي الفذ كارلوس فونتيس الذي يعتبره ماركيز أستاذا له على قدم المساواة مع فوكنر أدراك أن طريقهم إلى العالمية لم يكن نزهة, فقد كانوا ينطلقون في صلتهم الحميمة بمجتمعاتهم من مفاهيم راقية للكتابة ليس من بينها أمراض الشهرة الرخيصة, وكان تفاعلهم مع الغرب تفاعلا حقق كثيرا معادلة كيف تتبنى قيمه وأشكاله الحداثية وفي الوقت نفسه تحقق حريتك من تداعياته اللاإنسانية, وهو ما فعله ماركيز مع وليم فوكنر الذي يعتبره كما في كتابه "غريق على أرض صلبة" كاتبا "كاريبيا" أكثر من كاتبا أمريكيا بمعنى الإمتدادت الإمبريالية للثقافة الغربية من حيث إعطاء الخيال مركزا حيويا والإلتزام بقضايا الحرية, ولعل وجود كتابات فرضت نفسها من لغات أخرى مثلما حدث في حالتي الفارسي صادق هدايت وطاغور ناهيك عن كاتب معاد للمركز الغربي مثل الياباني ميشيما الذي انتحر مباشرة بعد كتابة رائعته "ثلوج الربيع" احتجاجا على تورط اليابان في نمط الحياة الغربية أكثر فأكثر يقلل من أهمية الآراء الذاهبة إلى أن كتاب أمريكا اللاتينية أسعفهم أن أغلبهم يكتب في لغات أوربية مثل الأسبانية والبرتغالية, لكنني مع ذلك أعتمد بلا تحفظ قول شيخنا الطيب صالح في مكان آخر حين أشار إلى أن كتاب أمريكا اللاتينية لا تحدهم في الغالب سوى قدراتهم الإبداعية, أي أنهم يكتبون دون تأثير يذكر من جانب "تابوهات" ثقافية أودينية, بينما أغلب الكتاب لدينا يفتقرون للأسف الشديد لما أسميه عادة "الحرية الداخلية", وأنت تراهم "في الغالب" أمام هذا "التابو" أوذاك متملقين بدرجة أوأخرى أومتمردين على نحو صبياني, بعضهم يمارس مثل هذه المسائل بوعي وبعضهم يمارسها بلا وعي, وذلك جزء مما يمكن أن يشكل معوقات لنضوج كاتب ما في زعمي. ودمتم.


    تخريمة:

    أذكر جيدا ما رواه ماركيز عن صلته بكلينتون وذلك مقال مدهش حمل إسم الرئيس الأمريكي وعكس ذروة ما وصل إليه ماركيز في وصف وتحليل ذات بشرية بدا لشهرتها وملاحقة أدق أسرارها الخاصة أن من الصعوبة بمكان أن تكتب عنها ما يدهش: إنه غابرييل غارسيا ماركيز.

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 11-08-2005, 12:51 PM)

                  

11-08-2005, 01:27 PM

ملاذ حسين خوجلي
<aملاذ حسين خوجلي
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 338

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: عبد الحميد البرنس)

    لا شك بأن ماركيز خليط من تفاصيل امريكا اللاتينية التي كانت بمثابة غابة استوائية والى الان عتمة ليست مفصلة الملامح لدى العالم الا من خلال تبعيتها لقوى العالم .
    لكن بالتأكيد عندما يكتب عن حالة عشقية او جدلية او تاريخية او سياسية فهو يتحلل تماما من القياسات التي كثيرا مايستخدمها الكتاب فى موازنة كلماتهم ، يشجينا جدا عندما يتحدث عن الحاكم بظلمه وديكتاتوريته المخيفة كخريف البطريق ، يتجلى عندما يصف ليلة حب بين زوجين ، وعافونة الكاريبي وشتاء الساحل المتصبب بالماريخوانا والعرايا فى الحب فى زمن الكوليرا ..
    هذه التخصصية فى وصفه عوالم لم يسبقه اليها او فلنقل كان سباقا فى رؤيتها بزواياها الحقيقية دونما ان يغير فى التفاصيل حرفا غير الوصف العميق للقضايا والحكايا اللاتينية المختلفة يجعلك تلتهم غابريل غارسيا ماركيز فى كل كتاباته حتى مذكراته نعيشها لنرويها هى محض حياته المميزة .

    وشكرا سيدي على الافادة عن غابريل

    ملاذ
                  

11-08-2005, 01:50 PM

Marouf Sanad
<aMarouf Sanad
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 4835

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: ملاذ حسين خوجلي)

    شكرا يا برنس

    الاخ الصديق ابراهيم سلوم قام بترجمة الكلمة التاريخية التي القاها ماركيزامام الاكاديمية السويديه بمناسبة حصوله على جائزة نوبل في العام 1982 وقد قمت بنقلها هنا عن موقع يارانايل .


    جوهر عُزلتنا *

    غابرييل غارسيا ماركيز

    ترجمة : إبراهيم سلُّوم*



    كتب أنطونيو بيجافيتا ، وهو ملاّح فلورنسي صحب ماجيلاّن في أولى رحلاته حول الأرض ، وعند مرورهم بالتخوم الجنوبية لقارتنا ، كتب ما يمكن أن يُوصف في مجموعه بمغامرة في الخيال . فقد دوّن أنه رأى خنازير لها سُرَر "جمع سُرّة " على أفخاذها . وأنه رأى طيورا دون مخالب تحمل الإناث منها بيضها على أفخاذها . وهي تشبه البجع عديم اللسان ، ولها مناقير كالملاعق . وقد كتب عن مخلوق لم يُولد بعد، له رأس وأذنا بغلة ، وهيئة كهيئة الجمل ، وله ساقا غزال ، أما صوته فصهيل خيل . وقد حكى عن أول رجل يرونه من السكان ، وكيف أن ذلك الوحش المهتاج فقد صوابه حينما رأى صورته لأول مرة في المرآة .

    إن ذلك الكتاب الصغير والساحر في آن ، والذي شكّل البذور الأولى للروايات التي نكتبها الآن ، هو وبلا شك أكثر الحقائق سطوعا عن حقيقة واقعنا في تلك الأزمنة . لقد استطاع كتاب " مؤرخو الأنديز"(1) أن يجعلوا منا " آخرين" لا حصر لهم . فالدورادو (2) مثلا ، تلك الأرض المتخيلة والتي بُحث عنها بلا هوادة ، تبدو في العديد من الخرائط ولمدة عام كامل ، وهي تبدّل من مواقعها وأشكالها لترضي أخيلة رسامي الخرائط . وفي بحثه عن ينبوع الشباب الأبدي تجوّل الأسطوري الفارو نونيز دي فاكا بشمال المكسيك لمدة ثمانية أعوام في تجريدة ضالة ،إلتهم خلالها الرجال بعضهم البعض . ولم يستطع العودة منهم ، ومن عددهم البالغ ستمائة رجل ، سوى خمسة رجال . وإن من إحدى عجائب ذلك العصر تلك الأحدى عشر بغلة ، والتي بلغت حمولة كل واحدة منها مائة رطل من الذهب . والتي مكّنت كوزكو يوماً من دفع فدية "أتاهوالبا" (3) . ولم يستطع شخص حتى الآن ادراك ما كان من أمر مصيرها. وفيما بعد ، وفي العهد الاستعماري كانت هنالك أنواع من الدجاج تباع بأسواق كارتاخينا دي إنديز ، والتي أطعمت نوعا من التربة الطينية تجعل من حواصلها تحتوى على قطع صغيرة من الذهب. إن جشع المستعمرين في سبيل الحصول على الذهب ما زال يحاصرنا حتى الآن . فمع نهايات القرن الماضي، أوصت شركة ألمانية كانت تعمل في مشروع خط حديدي قاري عبر مضيق بنما ، أوصت الشركة بأن يتم تنفيذ الخط من الذهب وليس الحديد ، والذي يندر في تلك الأنحاء .

    إن استقلالنا عن إسبانيا لم ينأ بنا كذلك عن طائلة الجنون . فالجنرال أنطونيو لوبيز دي سانتا آنا ، والذي حكم المكسيك ديكتاتورا ولثلاث مرات ، أقام جنازة مهيبة لساقه اليمنى والتي كان قد فقدها فيما عرف بحرب الفطائر . أما الجنرال غابرييل غارسيا دي مورينو والذي حكم الإكوادور ولمدة ستة عشر عام كحاكم مطلق ، فقد وُضِع ، عند وفاته وفي ليلة السهر على جثمانه ، على الكرسي الرئاسي في كامل بزته العسكرية تزينها طبقات من الميداليات . ثم الجنرال ماكسيمليانو هيريانذيز ديكتاتور السلفادور ذو الأحوال ، والذي وقعت في عهده مجزرة حصدت أرواح ثلاثين ألف فلاح ، فقد إخترع بندولا للكشف عن السم في طعامه . وقد كانت له مصابيح كتلك التي تضاء بها الطرقات ، وذلك لدرء وباء الحمى القرمزية . وأخيرا ، فإن تمثال الجنرال فرانسيسكو مورازان والذي ينتصب بالميدان الرئيسي لمدينة تيغواسيغالبا (4) فهو ليس سوى تمثال للمارشال " ناى" والذي تم شراؤه من إحدى المحال الباريسية لبيع التماثيل القديمة .

    قبل أحد عشر عام وقف على هذا المنبر الشاعر الشيلي بابلو نيرودا . وهو واحد من فحول شعراء قرننا هذا . تحدث فأمتع جمهور هذه الجائزة بكلمته . يومئذ صُدِم الأوربيون حسنو النيات منهم ، وسيئوها على السواء ، بالفتوحات الأمريكية اللاتينية . ذلك العالم اللامحدود من الرجال الأفذاذ ، والنساء اللاتي بلغ بهن عنادهن المثابر حدود الخرافة . ومنذئذ لم ننعم قط بالراحة . فمن رئيس برومثيوسي (5) متحصن داخل قصره المحترق ، أعزلا ، مات وهو يواجه جيشا بأكمله ، إلى حادثتي تحطم طائرتين لم يمط اللثام بعد عن أسباب حدوثهما . نتج عن إحداهما وفاة رئيس طبيب القلب ، وعن الأخرى وفاة عسكري ديمقراطي أعاد الكرامة إلى شعبه . لقد قاسينا مرارة خمس حروب وسبع عشرة إنقلابا عسكريا . وقد كانت المحصلة ظهور ديكتاتور شيطاني ارتكب باسم الله أول إبادة عرقية في عصرنا هذا . وفي ذات الأوان توفي عشرون مليون طفل لاتين أمريكي في عمر ما دون السنة الأولى . وهو عدد يفوق كل من ولدوا بأروبا منذ العام 1970 . أما المفقودون جراء العنف فيقرب عددهم المائة وعشرون ألفا ، وذلك كأنما تفقد حيوات أهل " أوبسالا " (6) جملة واحدة . وهنالك النساء اللاتي أعتقلن أثناء الحمل فأنجبن أطفالا داخل السجون الأرجنتينية . ولم يعد هنالك شخص يدري مصائر أولئك الأطفال ، والذين عادة ما يتم تبنيهم خلسة ، أو إرسالهم إلى دور الأيتام بأوامر من السلطات العسكرية . وفي سبيل تغيير تلك الأوضاع فقد قُتل مئتا ألف رجل وامرأة بطول القارة وعرضها . وهنالك ما يفوق المائة ألف من الأرواح التي أزهقت بثلاثة أقطار سيئة الأقدار بامريكا الوسطى وهي نيكاراغوا ، السلفادور وغواتيمالا . وإذا أجملنا كل ما حدث بافتراض حدوثه في الولايات المتحدة الأمريكية فسيطابق ذلك مليون وستمائة الف من الذين يموتون نتيجة العنف في أربع سنوات .

    لقد هاجر من شيلي وحدها مليون شخص . وهي دولة ذات تقاليد عريقة في الضيافة ، وذلك ما يساوي عشر سكانها . أما الأوروغواي تلك الدولة الصغيرة ذات المليوني نسمة والتي تعد نفسها من أكثر دول القارة تحضرا فقد فقدت واحدا من بين كل خمسة أشخاص من مواطنيها بسبب الهجرة . ومنذ العام 1979 فقد إستطاعت الحرب في السلفادور أن تمد العالم بلاجئ واحد على رأس كل عشرين دقيقة. ولو استطعنا أن نقيم دولة من مهاجري أمريكا اللاتينية ، فسنحصل على دولة يفوق عد سكانها سكان النرويج .

    إنني لا زلت أصر على الإعتقاد بأن هذا الواقع الماثل للعيان ، وليس التعبير الأدبي عنه ، لهو الجدير بانتباه الأكاديمية السويدية . إنه ليس بواقع يقوم من بين سطور ما نكتب ، بل هو واقع يحيا بيننا كل يوم ، ليحدّد كل لحظة من لحظات موتنا اللانهائي ، وهو الذي يمثل الغذاء لإبداعنا الشره ، ذلك الممتلئ بالحزن والجمال . والذي جاء بهذا الكولومبي الهائم ، والدائم الحنين إلى ماضيه وهو لا يساوي شيئا سوى أن الحظ قد انتخبه . فبإسم الشعراء ، الشحاذين ، الموسيقيين ، الأنبياء والأبطال بل وحتى الأوغاد ، وكل الكائنات ذوات الحقيقة المطلقة العنان ، إننا لا نسألكم سوى قليلا من الخيال ، ذلك أن كبرى معضلاتنا هي افتقادنا لوسائل متعارف عليها لنجعل من حياتنا شيئا يمكن تصديقه . إن ذلك أيها الأصدقاء ، هو جوهر عزلتنا .
                  

11-08-2005, 02:52 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: Marouf Sanad)

    الأستاذة ملاذ والعزيز معروف:

    أشكر لكما مروركما الجميل من هنا, وسأعود للتعليق تفصيلا بعد ساعات العمل, كونا سعيدين.
                  

11-08-2005, 03:24 PM

سيف النصر محي الدين محمد أحمد

تاريخ التسجيل: 04-12-2011
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: عبد الحميد البرنس)



    الأعزاء البرنس و الحنين...
    هل يمكن أن أتطفل قليلا....هذا مقال وجدته منشورا في مجلة نوافذ و هي دورية تعنى بالترجمة تصدر عن النادي الأدبي بجده ترجمة مزوار الإدريسي.
    كتب ماركيز:

    في بداية أغسطس 1966 توجهنا مرسيدس و أنا إلي مكتب بريد سان أنخيل بمدينة مكسيكو كي نبعث إلي بيونس أيريس النص الأصلي لمائة عام من العزلة.كان النص طردا يضم 590 ورقة من الورق العادي, كتبت برقانة, احترمت فراغا مضاعفا بين الأسطر, و مرسلا إلي المدير الأدبي لدار النشر "سود أمريكانا"فرانسيسكو بورو.وضع المستخدم الطرد علي الميزان و أنجز حساباته الذهنية, ثم قال
    -المجموع اثنان و ثمانون بيسوس.

    عدت مرسيدس الأوراق النقدية و القطع النقدية المفردة التي تحملها في الحافظة ثم واجهتني بالحقيقة:
    -لدينا ثلاثة و خمسون فحسب.
    و لكثرة تعودنا على هذه العثرات اليومية, بعد عام أو أكثر من الأزمات, فإننا لم نفكر كثيرا في الحل؛ فتحنا الطرد و قسمناه إلي جزأين متعادلين, و أرسلنا النصف فحسب.دون أن نتسأل حتى عن الكيفية التي سنحصل بها على المال كي نبعث بما تبقى.كانت الساعة السادسة مساء الجمعة و لن يفتح البريد حتى الاثنين, و هكذا كانت لدينا نهاية الأسبوع برمتها كي نتدبر الأمر.

    لقد بقي أصدقاء قلائل للإعتصار, و أفضل ممتلكاتنا ترقد بسلام الصالحين"بجبل الرحمة". كانت لدينا بالطبع الرقانة المحمولة"الآلة الكاتبة"التي كتبت بها الرواية في أكثر من سنة, بمعدل ست ساعات يوميا, لكننا لم نستطع رهنها, كنا سنفتقدها لحظة الحاجة للأكل. و بعد مراجعة معمقة لمحتويات المنزل عثرنا على شيئين يصلحان للرهن:مدفأة غرفتي التي يقتضي حالها أن يكون سعرها جد زهيد و طحانة أهدتنا إياها صولداد مندوزا في كراكاس حينما تزوجنا. كان لدينا أيضا خاتما الزواج اللذان لم نتجرأ على رهنهما إعتقادا في أن ذلك طالع شؤم.لكن مرسيدس قررت هذه المرة, أن تذهب بهما للرهن باعتبارهما أحتياط للطوارئ.
    ذهبنا في الساعة الأولي من يوم الاثنين إلي جبل الرحمة الأقرب حيث كنا زبونين معروفين, فأقرضنا –دون الحاجة إلي الخاتمين-أكثر بقليل مما كان ينقصنا.و فقط لحظة عبأنا في البريد بقية الرواية فطنا إلي أننا كنا قد بعثنا بها معكوسة:صفحات النهاية قبل صفحات البداية. مرسيدس لم يرقها هذا الحدث فهي كانت دائما لا تثق في الصدف.-أخر ما فضل –قالت:أن تكون الرواية سيئة.

    كانت هذه العبارة تتويجا رائعا لثمانية عشر شهرا أمضينها نحارب معا لإتمام الكتاب الذي عقدنا عليه كل آمالنا.حتى ذلك الحين كنت قد نشرت أربعة أعمال في تسعة سنوات, و بها نلت أقل من قليل, باستثناء رواية "ساعة نحس" التي فازت بجائزة قدرها ثلاثة آلاف دولار بها واجهت ميلاد غونثالو ابننا الثاني و اشتريت سيارتنا الأولى.

    هكذا عشنا في منزل من صنف الطبقة الوسطي بتلال سان أنخيل ملك كبير ضباط القيادة بالجيش الرائد لويس كودريير الذي كان أحد مشاغله الاهتمام شخصيا باستخلاص كراء المنزل.لقد عثر رودريقو ذو الأعوام الستة و غونثالو ذو الثلاثة أعوام في المنزل على حديقة للعب حينما لا يذهبون للمدرسة, أما أنا فقد كنت منسقا عاما لمجلتي" وقائع" و "العائلة" حيث أوفيت بالتزام ألا أكتب كلمة واحدة طيلة سنتين مقابل أجر محترم. هكذا كيفنا سينمائيا كارلس فوينتس و أنا "الديك الذهبي" وهي رواية أصلية لخوان رولفو, أيضا عملنا سويا علي النص النهائي لبيدرو بارمو لفائدة المخرج كارلس فيلو, كما كتبت سيناريو "زمن الموت" أول فيلم طويل لروبيتو ربيشتاين و سيناريو "تنبؤ" بالتعاون مع لويس ألكورسا. و ما تبقي لي من الساعات كنت أنجز فيها نصوص للإشهار, إعلانات للتلفزيون, كلمات أغان, مما كان يوفر لي ما أعيش به دون ضيق لكن ليس ما يساعدني على الاستمرار في كتابة الروايات.

    و مع ذلك فقد كانت تعصف بي منذ زمن بعيد فكرة إنجاز رواية خارقة تكون مختلفة ليس عما كتبته حتى ذلك الحين, بل تكون مختلفة عما قرأته. و أتخذ الأمر شكل رعب لا أصل له. و فجأة في مستهل 1965 بينما كنت ذاهبا مع مرسيدس و أبنينا لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في أكابولكو إذا بي أحس أني مصعوق برجة نفسية حادة و جارفة لدرجة أنني نجحت بصعوبة في تفادي بقرة كانت تعبر الطريق. عندها أطلق رودريقو صرخة سعادة:
    -أنا أيضا عندما أكبر سأقتل أبقارا علي الطريق.

    لم أنل لحظة هدوء علي الشاطئ, وحينما عدنا يوم الثلاثاء إلي مكسيكو جلست إلي الرقانة لكتابة جملة استهلالية لم أقو على تحملها داخلي":تذكر الكولونيل أورليانو بونديا-بعد مضي سنوات عديدة و هو يقود فرقة المشاة-ذلك المساء القصي الذي صحبه فيه أبوه لكي يعرفه علي الثلج".".و لم أتوقف, منذ ذلك الحين يوما واحدا كما لو كنت في نوع من حلم مدمر حتى السطر الأخير حيث جرف العار ماكندو.

    البرنس و حنين:

    للمقال بقية سأوردها لاحقا..أعتقد أن الإضاءة التي يقدمها هي أن المبدع لا بد له من مواجهة أمر "أكل العيش" بشكل ما.

    (عدل بواسطة سيف النصر محي الدين محمد أحمد on 11-09-2005, 02:23 AM)

                  

11-09-2005, 05:39 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: سيف النصر محي الدين محمد أحمد)

    إلى حين عودة بعد أخذ قسط من النوم في أعقاب "وردية ليل", أذكر قراء هذا البوست ألا يأخذوا ما قاله الزميل والطبيب "سيف النصر" عن "التطفل" هنا سوى على سبيل "التواضع الحميد", إنه فيما يتعلق بما له صلة بالأدب والثقافة أكثر خطورة مما نتوقع, ودمتم.
                  

11-09-2005, 02:27 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: عبد الحميد البرنس)

    الأستاذة ملاذ:

    أدهشتني مداخلتك هنا حقا لجهة تصوراتها كنتاج قراءة على ما يبدو واسعة ومتراكمة ومحبة لعالم ماركيز الإبداعي الفريد, سواء من حيث التلميح إلى جوهر مشروعه الإبداعي المتمثل في رصد عزلة الإنسان في هذا العالم عبر تنويعات وزوايا عديدة, وهو ما تحيل إليه دلالة الكثير من عناوين أعماله الروائية والقصصية, وهو ما يمكن أن يستشفه المرء أيضا من خلال تصريحاته الواعية عبر الترجمة الجيدة لكلمته التاريخية امام الاكاديمية السويديه بمناسبة حصوله على جائزة نوبل التي أتحفنا بها العزيز معروف للصديق الكاتب ابراهيم سلوم, أومن حيث إتكائه في مستوى من المستويات على الكتابة كفعل تحرر لإنسان أمريكا اللاتينية الذي جعل منه ماركيز موضوعا وهدفا له ملامسا في الوقت نفسه تشوقات الإنسان بوجه عام لحياة أكثر عدلا أوجمالا. وشكرا لمروركما كمرور ضاف دفع بحركة هذا البوست إلى الأمام مرة أخرى.
                  

11-09-2005, 04:31 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: عبد الحميد البرنس)

    العزيز سيف:

    كنت قد قرأت قبل سنوات مقال ماركيز هذا حول الملابسات التي صاحبت كتابة رائعته "مائة عام من العزلة" فور صدوره عن دار "ميريت" في القاهرة ضمن كتاب شمل مقالات أخرى وحمل عنوان "غريق على أرض صلبة", وبدا بالنسبة لي ولا يزال هذا الجزء المنشور منه هنا مقالا كأغلب أعمال ماركيز مثيرا للشجن وتأمل موقع الذات في العالم وإعادة ترتيبه, لا سيما وأن ماركيز ينتمي إلينا بوصفه إبنا شرعيا للعالم الثالث بامتياز, وقد عكس من خلال المقال تلك الصعوبات البالغة التي يمكن أن تواجه مبدعي البلدان المتخلفة في سبيل إنجاز شيء حقيقي, ذلك أنهم يقاسون ظروف حياة بالغة القسوة, سواء لجهة الكفاح اليومي المرير لما تسميه أنت في سياق تعليقاتك "أكل العيش", أولجهة أنهم ظلوا هدفا قائما على الدوام لأبنية مجتمعات ونظم قمعية, مما يجعلنا نتوقف كثيرا ونعيد التأمل مرة أخرى في مدى معقولية الحكمة الشائعة والقائلة "المعاناة أساس الإبداع", المعاناة مهمة لكنها حين تكون مكابدة مزمنة من أجل الظفر باليسير من مقومات الحياة تغدو معاناة تدميرية, لكنني قد أقبل مضمون تلك الحكمة إذا كان المعني بالمعاناة هو تلك العذابات الروحية التي تصاحب كتابة شيء ما أوإبداعه, والتي يطلق عليها البعض تعبير "المخاض" أحيانا, والتي قد تدفع على أبوابها بشاعر عظيم مثل محمود درويش إلى البدء ب"تكسير صحانة الصيني", للأسف بيئات التخلف طاردة بحكم ثباتها ونظراتها الماضوية وقاتلة لكل ما يمت للإبداع بصلة "حقيقية", لذلك تبدو الكثير من مشاريعنا الإبداعية "الأصيلة" في السودان غير مكتملة على نحو أوآخر, كما في حالات السينمائي الفذ حسين شريف الذي تفوق رؤيته في فيلم "إنتزاع الكهرمان" حسب تصوري كمدمن للأفلام رؤى مخرج آخر في حجم "ستيفن سبيلبيرج", وصلاح أحمد إبراهيم الذي وجد نفسه فجأة غريقا في مرارات صغيرة شديدة البؤس, كذلك أخوي التيجاني يوسف بشير ومحمد عبدالحي, ناهيك عن الفذ والنابغة معاوية محمد نور الذي حين علم العقاد بموته المبكر رثاه بشعر مطهم بالعواطف الجياشة على غير العادة في سائر أشعار العقاد الأخرى:

    بكائي على ذاك الشباب الذي ذوى
    وأغصانه تختال في الروض نامية
    تبينت فيه الخلد يوم رأيته
    وما بان لي أن المنية دانية


    فتأمل!.
                  

11-10-2005, 02:33 AM

Mohammed Elhaj
<aMohammed Elhaj
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 1670

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: عبد الحميد البرنس)

    أخي عبد الحميد
    تحية طيبة لك و لرواد البوست

    قرأت البوست ثم طبعت المقالات التي لم اطلع علي عدد منها من قبل و حتي بعد انهائي لها لم أجد الشجاعة الكافية للتعليق و وضع اسمي علي البوست، ربما هي هيبة و عظمة هذا اللاتيني العجوز الجميل، ثم حين وجدتني قد جرؤت من قبل علي الكتابة عن ماركيز في بوست إعادة قراءة /كتابة النص وجدت الشجاعة ثانية للكتابة هنا،
    أذكر المرة الأولي التي قرأت فيها ماركيز، قبل أعوام بفضل عدوى انتقلت إلي من إخوتي الكبار، كانت رواية "الحب في زمن الكوليرا" أو "حب في زمن الكوليرا" أذكر كنت كيف تخبطت بداخلها كطفل صغير في متاهة سحرية محكمة، برغم ضخامة الرواية علي ذهني الصغير كنت كلما استغلقت علي أو واجهت التفافاتها زددت اصراراًً، أذكر كم تبدلت احاسيسي تجاه فلورنتينو أريثا من الاحساس بالشفقة و الرثاء و الإمتعاض إلى الاكبار و الاحترام إلى درجة الاصابة بالقشعريرة التي كادت أن تحول شعر الجلد شوكاً عند ما قال أريثا لقبطان العبارة عندما سأله القبطان "إلى متي يمكننا الذهاب و المجئ بين الميناءين" وصفَ ماركيز اصرار أريثا ثم عبارته "إلى الأبد" لم أستطع منذ ذلك الحين مقاومة هذه الرواية التي ما أن يقع نظري عليها حتى أجدني أبدأ في قراءتها ثم لا استطيع سوى إكمالها، أو مقاومة ماركيز، اللقاء الثاني كان مع مائة عام من العزلة التي أذكر حصولي عليها و قراءتي لها نسخة مصورة ضوئياً أذكر تماماً كيف أنني لم أستطع الخروج لثلاثة أيام متتالية أو ممارسة اي نشاط سوى قراءتها كنت حتي حين أضع الورق من يدي أظل اسير أحداث الرواية و شخوصها و عالمها الغريب كأنما أرفض العودة الى ممارسة عادية وجودي بعد كوني جزء من عالم في غاية الغرابة و الثراء. ثم ممارسة هذا الوجود المتميز كلما أدخلني ماركيز عالمه الغريب، روايات ماركيز أضحت كنزي الصغير الذي أرفض مشاركته سوى أخي الصغير الذي يشاركني التعلق بما يكتبه ماركيز،

    سأكون في الجوار

    ودي و تقديري،،،
                  

11-11-2005, 07:56 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: Mohammed Elhaj)

    أعتذر, (إلى حين عودة), من الغياب طوال يوم أمس لسبب يتعلق بعملي, (أكل العيش)!!.

    محبتي
                  

11-11-2005, 08:59 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: عبد الحميد البرنس)

    شقيقي محمد:

    قرأت حديثك أعلاه للتو. وبدا لي إستهلالا طيبا ليوم مزدحم آخر. ذلك أنك أعدت إلى ذهني مرة أخرى وبعمق إمكانية أن تكون الكتابة شيئا ذا بال في هذا العالم. وما أدهشني أكثر أنني وجدت نفسي مثلك تماما, لم يرسخ في ذاكرتي من تلك الرواية الجميلة, (الحب في زمن الكوليرا), سوى مشهد النهاية, لقد ظل برغم تعاقب السنوات وتراكم القراءة, مضيئا في ذاكرتي, محتفظا بكل طزاجته, مكافحا النسيان بضراوة, لكأن الرواية كلها لم تكن سوى مقدمة لا بد منها للمضي عبر مئات الصفحات نحو ذلك المشهد, كما أن خاتمة حديثك تنطوي على أمر من الأهمية بمكان, وهو أن العمل الإبداعي (الحقيقي), لا بد أن يتضمن القدرة على إعادة ترتيب نظام العالم في أذهاننا, ومن ثم تغيير نظرتنا إلى الحياة وإلى أن أطالع ما أشرت إليه بقولك (بوست إعادة قراءة /كتابة النص):

    لك كل الأمنيات الطيبة وتقديري

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 11-11-2005, 09:02 AM)

                  

11-11-2005, 02:53 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: عبد الحميد البرنس)

    كأن الإنسان يبلغ أقصى طاقته على جسر الأربعين: أثر العُمر في الأدب
    ربيع جابر الحياة 2005/04/6

    كيف يؤثر العمر في الطاقة الابداعية؟ في السابعة والثلاثين من عمره نشر خوان رولفو روايته اليتيمة: «بيدرو بارامو» (1955). بعد هذه الرواية خلد الى الصمت. غابرييل غارسيا ماركيز سيقرأ رواية رولفو كأنه في منام. رواية رولفو القصيرة لن تلبث أن تفتح أمام ماركيز الباب السرّي الى ماكوندو.


    «جسر تحت المطر، عن هيروشيجي»... بريشة فنسنت فان غوغ (1853 - 1890) الذي مات عن 37 عاماً.
    اسم مثل ملكيادس يقفز بيسر من رواية رولفو الى رواية ماركيز. كذلك الحديث مع الموتى. الاثنان جاءا من الأرياف الى المدينة. والاثنان اكتشفا في بطن المدينة قرية لا تزول. إليوت عرف ان الشاعر الحقيقي (ان الروائي الحقيقي) يرى في الحاضر الماضي كاملاً. كل لحظة تحياها الآن تحمل في بطنها تاريخ الكون كاملاً.

    في التاسعة والثلاثين نشر ماركيز روايته الأشد تأثيراً: «مئة عام من العزلة» (1967). قال انه كتبها في سنة واحدة. سلفه الانكليزي (السكوتلندي) روبرت لويس ستيفنسون كان أسرع. ستيفنسون يحضر خطفاً في «مئة عام من العزلة». يحضر بإسمه الأخير. ماذا تكون أفضل روايات ستيفنسون؟

    سنة 1886 نشر ستيفنسون روايتين: «دكتور جاكل ومستر هايد» و»المخطوف». كان في السادسة والثلاثين. بورخيس وجد الرواية الثانية أفضل رواية في تاريخ الأدب. لكن بورخيس يهوى المبالغات. الرواية الأولى عن الرجل الذي ينشطر الى اثنين ألهمت بورخيس أكثر من قصة. ومع أن بورخيس كتب أهم قصصه القصيرة في زمن الحرب العالمية الثانية، في الثلاثينات ثم الأربعينات من عمره، لكنه ظل يباغت العالم بقصص غير عادية حتى عمر متقدم. ليس أدل على ذلك من قصته «ذاكرة شكسبير». هذه قصة نشرها وقد جاوز الثمانين، مستواها الأدبي يرقى الى أفضل ما كتبه وهو في الأربعينات من العمر.

    حافة الأربعين مميزة في تاريخ التأليف الأدبي. ليس ماركيز ورولفو وستيفنسون وحدهم من كتبوا أفضل ما فيهم (أمتن ما فيهم وأعمقه أثراً) وهم يقتربون من هذه الحافة.

    في السادسة والثلاثين نشر هاروكي موراكامي روايته الرابعة «نهاية العالم وبلاد العجائب» (1985). في الثامنة والثلاثين نشر «غابة نروجية» (1987). روايته الأخيرة «كافكا على الشاطئ» الصادرة قبل عامين باليابانية وقبل شهرين في ترجمة انكليزية، لا ترقى الى مستوى الروايات التي وضعها قبل بلوغه الأربعين.

    في الثانية والأربعين نشر جورج بيريك تحفته: «الحياة: دليل للاستعمال» (197. لكن الرجل قضى نحو عشر سنوات في تأليف كتابه. بيريك ليس ستيفنسون الذي ألف «دكتور جاكل ومستر هايد» في 13 يوماً. ثم رماها ثم كتبها من جديد. قال ستيفنسون ان رواياته أُعطيت له في المنام.

    بورخيس اعتاد أن يجلس ويُحضر عقله وقلبه للصور التي تأتي من حيث لا يعلم. إليوت يعرف هذا المزاج. يعرف هذه العادات. قصيدة برفروك نشرها سنة 1915. كان في السابعة والعشرين من عمره. «الأرض اليباب» (1922) كتبها وهو يبلغ الثالثة والثلاثين.

    نجيب محفوظ أعطانا «الثلاثية» في 1956 و1957. لكنه كتبها قبل ذلك بسنوات: كتبها ما بين الحرب العالمية الثانية وثورة الضباط الأحرار التي خلعت الملك فاروق. محفوظ مواليد 1911. هذا يعني أنه وضع «الثلاثية» (بين القصرين، قصر الشوق، السكرية) على حافة الأربعين. كانت كتاباً سميكاً واحداً. لكن ناشره اقترح عليه تقسيمها الى ثلاثة مجلدات، وإلا فمن يشتريها؟

    في الخامسة والعشرين نشر توماس مان رواية «بادنبروك» (1901). (رواية استرشد بها محفوظ). كافكا مات في الواحدة والأربعين. بانانا يوشيموتو كتبت «مطبخ» (1987) قبل بلوغها الثالثة والعشرين. بعد هذه الرواية القصيرة – وحتى هذه اللحظة – لم تكتب ما يجاوزها. في الواحدة والثلاثين كتب هرمان ملفل «موبي ديك» (1850). في الثلاثين دوّن كافكا «التحول» (1913).

    كنات هامسون نشر «جوع» (1890) في الواحدة والثلاثين من عمره. باتريك ساسكند نشر «عطر» (1985) وهو في السادسة والثلاثين. «حمامة» (1987) تجاوز «عطر» في أثرها النفسي. هذه الرواية القصيرة تنذر بظلمة (بصمت). الظلمة في أعماق الانسان الحديث. بعد «حمامة» يكتب ساسكند رواية قصيرة أخرى (قصة السيد سومر) ثم يخلد الى الصمت. ماذا يفعل الآن؟ يكتب؟ يصارع الوسواس والخوف مثل بطله جوناثان نويل؟

    حافة الأربعين تبدو حاسمة. فوكازاوا صاحب «ناراياما» (1956) مثل تراجيدي. وليم فوكنر (مواليد 1897) أعطانا قبل بلوغه الأربعين أشهر أعماله. في أربع سنوات (بين 1929 و1932) نشر خمس روايات. كاواباتا في المقابل كتب بعد الأربعين بعض أجمل أعماله. حين تلقى نوبل الآداب سنة 1968 تحدث عن السكينة البوذية التي تملأ بدنه. لكن هذا الحكيم العجوز المولود في السنة الأخيرة من القرن التاسع عشر لم يلبث أن فتح صنبور الغاز في ربيع 1972 وأقفل الأبواب والنوافذ وخنق نفسه. انتحر كاواباتا وهو يصارع أمراض الشيخوخة. في أربع سنوات فقط – من 1969 الى 1972 – أهلكه العُمر.

    ليو تولستوي نشر مجلدات «الحرب والسلم» (1865 – 186 وهو يدخل الأربعين. الكونت الروسي المولود سند 1828 لن يتعب بعد هذه الملحمة. «آنا كارنينا» (1874 – 1876) شاهد آخر على طاقاته. ثم يبدأ الانحدار التدريجي.

    هل يبلغ الانسان أقصى طاقاته الابداعية على حافة الأربعين؟
                  

11-12-2005, 10:09 AM

Abuobaida Elmahi
<aAbuobaida Elmahi
تاريخ التسجيل: 08-15-2003
مجموع المشاركات: 693

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: عبد الحميد البرنس)


    مختارات من الأدب العالمي

    ضوء مثل الماء

    ترجمة: صلاح علماني

    غبرائيل جارسيا ماركيز

    في عيد الميلاد، عاد الطفلان الى طلب زورق التجديف.

    قال الأب:

    حسن، سنشتريه حين نعود الى كارتاخينا.

    لكن توتو، في التاسعة من عمره، وجويل في السادسة، كانا أشد تصميماً مما اعتقده أبواهما. فقد قالا معاً:

    - لا. إننا نحتاجه الآن وهنا.

    قالت الأم: أولاً لا يوجد ماء للإبحار سوى الماء الذي ينزل من الدش.

    وقد كانت هي وزوجها على حق، ففي بيتهم في كارتاخينا دي اندياس يوجد فناء فيه رصيف على الخليج، ومكان يتسع ليختين كبيرين، أما هنا في مدريد فيعيشون محشورين في شقة في الطابق الخامس من المبنى رقم «47» في شارع باسيودي لاكاستيانا. ولكنهما في النهاية لم يستطيعا هو أو هي، أن يرفضا، لأنهما كانا قد وعدا الطفلين بزورق تجديف مع آلة سدس وبوصلة، فإذا فازا بإكليل الغار في السنة الثالثة ابتدائية، وقد فازا به. وهكذا اشترى الأب كل شيء، دون أن يخبر زوجته، وهي الأكثر معارضة لتحمل ديون من أجل الألعاب، كان زورقاً بديعاً من الألمونيوم، مزين بخط ذهبي عند حد الغطاس. وقد كشف الأب السر عند الغداء.

    - الزورق موجود في الكراج. المشكلة أنه لا يمكن الصعود به في المصعد أو على السلم، وفي الكراج لا يوجد مكان كاف. ومع ذلك، دعا الطفلان أصدقاءهما يوم السبت التالي للصعود بالزورق على السلم، وتمكنوا من حمله الى غرفة المستودع في البيت.

    قال لهم الأب: تهانينا.. ثم ماذا الآن؟

    قال الأطفال - الآن لا شيء كل ما كنا نريده هو حمل الزورق الى الغرفة، وها هو ذا هنا.

    يوم الاربعاء ليلاً، وكما في كل أربعاء، ذهب الأبوان الى السينما، أما الطفلان اللذان صاحبا وسيدا البيت، فقد أغلقا الأبواب والنوافذ، وكسرا أحد مصابيح الصالة المضاءة. فبدأ يتدفق تيار من الضوء الذهبي والبارد من المصباح المكسور، وتركاه يسيل الى أن بلغ ارتفاعه أربعة أشبار. عندئذ أقفلا التيار، وأخرجا الزورق وأبحرا بمتعة بين جزر البيت.

    وقد كانت هذه المغامرة الخرافية نتيجة طيش مني حين شاركت في ندوة حول شعر الأدوات المنزلية، فقد سألني توتو كيف يضاء النور بمجرد ضغط الزر، ولم تكن لدي الشجاعة للتفكير بالأمر مرتين حين أجبته:

    الضوء مثل الماء: يفتح أحدنا الصنبور، فيخرج.

    وهكذا واصلا الابحار كل أربعاء ليلاً، وتعلما استخدام آلة السدس والبوصلة، وحين كان الأبوان يرجعان من السينما يجداهما نائمين على اليابسة كملاكين. وبعد عدة شهور، كانا يتحرقان للمضي الى ما هو أبعد من ذلك، فطلبا أجهزة للصيد تحت الماء، مجموعة كاملة، أقنعة، أقدام زعنفية، أسطوانات أكسجين، وبنادق هواء مضغوط.

    قال الأب: أمر سيء. أن يكون لديكما في غرفة المستودع زورق تجديف لا يمكن استخدامه في شيء. ولكن الأسوأ من ذلك هو أن تطلبا حيازة أجهزة غوص.

    قال جويل: وإذا فزنا بالغار الذهبية في الفصل الأول من السنة؟

    فقالت الأم مذعورة - لا - لا شيء آخر.

    لامها الأب على عدم تساهلها.

    فقالت: المشكلة أن هذين الولدين لا يفوزان بقلامة ظفر لمجرد القيام بالواجب، أما من أجل نزواتهما فإنهما مستعدان للفوز حتى بكرسي المعلم.

    ولم يقل الأبوان في نهاية الأمر «نعم» ولم يقولا «لا». ولكن توتو وجويل اللذين كان ترتيبهما الأخير في السنوات السابقة، فازا في يوليو بالغارونيتين الذهبيتين وثناء المدير العلني. وفي ذلك المساء بالذات، ودون أن يطلبا، وجدا في غرفة نومهما أجهزة الغوص في علبتها الأصلية. وفي يوم الاربعاء التالي، بينما كان الأبوان يشاهدان «التانغو الأخير في باريس» ملأ الطفلان الشقة الى ارتفاع ذراعين، وغاصا مثل سمكتي قرش وديعتين تحت الأثاث والأسِرّة، وأخرجا من أعماق الضوء الأشياء التي كانا قد فقداها منذ سنوات في الظلام. وعند منح الجوائز النهائية، أختير الأخوان كتلميذين مثاليين في المدرسة، وقدمت لهما شهادات امتياز. وفي هذه المرة لم يطلبا شيئاً، لأن الأبوين سألاهما عما يريدانه، وقد كانا عاقلين لدرجة أنهما لم يرغبا إلا في إقامة حفلة في البيت لتكريم زملائهم في الصف.

    كان الأب متألقاً وهو يتحدث على انفراد مع زوجته.

    - هذا دليل على نضجهما.

    فقالت الأم:

    - الله يسمع منك.

    وفي يوم الاربعاء التالي وبينما الأبوان يشاهدان فيلم «معركة الجزائر» رأى الناس الذين كانوا يمرون في شارع كاستيانا شلالاً من الضوء يهوي من عمارة قديمة مختفية بين الأشجار، كان يخرج من الشرفات، ويتدفق بغزارة على واجهة المبنى، ويجري في الجادة العريضة في سيل ذهبي يضيء المدينة حتى غواداراما.

    حطم رجال الإطفاء الذين استدعوا على عجل باب الطابق الخامس.

    ووجدوا البيت طافحاً بالضوء حتى السقف. كانت الاريكة والمقاعد المغلفة بالجلد تطفو في الصالة على مستويات متعددة ما بين زجاجات البارد والبيانو بشرشفه الذي صنع من المانيلا، والذي كان يتحرك وسط الماء مثل سمكة مانتاريا ذهبية. وكانت الأدوات المنزلية في أوج شاعريتها، تطير بأجنحتها الخاصة في سماء المطبخ. وأدوات الجوقة الحربية التي كان الطفلان يستخدمانها للرقص، كانت تطفو على غير هدى بين الأسماك الملونة التي تحررت من الحوض الذي تحبسها فيه ماما. وكانت تلك الأسماك الملونة التي تحررت هي الوحيدة التي تطفو حية وسعيدة في المستنقع الفسيح المضيء. وفي الحمام كانت تطفو فراشي أسنان الجميع وواقيات منع الحمل المطاطية التي يستخدمها بابا. وأنابيب الكريمة وطقم أسنان ماما الاصطناعية. وكان تلفزيون الصالة يطفو مائلاً وهو لا يزال مفتوحاً يبث الحلقة الأخيرة من فيلم منتصف الليل المحظور على الأطفال.

    وفي نهاية الممر، كان الصغيران يطفوان بين ماءين.. توتو جالساً في مقدمة الزورق، متشبثاً بالمجدافين والقناع على وجهه، وهو يبحث عن فنار الميناء الى حيث سمح له الهواء الذي في الاسطوانة، وجويل يطفو في مؤخرة المركب وهو لا يزال يبحث بآلة السدس عن موقع نجم القطب. وكان يطفو في جميع أرجاء البيت رفاقهم في الصف السبعة والثلاثين وقد تخلدوا في لحظة تبولهم في أصيص الجرانيوم، وغنائهم النشيد المدرسي بكلمات محورة من سخرية المدير، أو تناولهم خفية كأس براندي من زجاجة بابا. ذلك أنهم كانوا قد فتحوا أنواراً كثيرة في وقت واحد جعلت البيت يطفح، وغرق جميع التلاميذ.. تلاميذ الصف الرابع الابتدائى في مدرسة سان خوليان في الطابق الخامس من المبنى «47» في باسيو دي كاستيانا في مدريد بأسبانيا المدينة البعيدة عن الأصياف الملتهبة والرياح المتجمدة، والتي لا بحر فيها ولا نهر، والتي لم يكن سكان يابستها يوماً من الأيام ماهرين في فنون الإبحار في الضوء.



                  

11-12-2005, 05:50 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: Abuobaida Elmahi)

    الصديق العزيز ودالماحي:

    المزيد من النصوص الإبداعية لماركيز, هو ما نفتقر إليه هنا حقا, مع خالص تقديري.
                  

11-12-2005, 07:16 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كتب.. وكتبوا عن أدبه وعنه: في حضرة غابرييل غارسيا ماركيز (Re: عبد الحميد البرنس)

    سعي متبادل ومصالح مشتركة:
    جابو وفيدل.. صداقة تحت المجهر
    مها عبد الرءوف

    كا سترو

    لايمكن النظر إلي العلاقة بين الكاتب والروائي الشهير جابرييل جارثيا ماركيز والزعيم الكوبي فيدل كاسترو باعتبارها مجرد علاقة بين كاتب وزعيم ثوري انجذب إلي آرائه وأفكاره، أو أنها علاقة صداقة عادية نجمت عن تفاهم شخصي للغاية، فالعلاقة بين ماركيز وكاسترو تخفي وراءها شبكة معقدة من الأسرار والدوافع والأسباب تتناسب في درجة تعقيدها مع الثقل الذي تتمتع به كلتا الشخصيتين ( هذه العلاقة بين الكاتب والزعيم كانت محور الكتاب الجديد الذي استقبلته الأوساط الأدبية مؤخرا تحت عنوان 'جابو وفيدل مسيرة صداقة' والذي اشترك في إعداده أنخل استيبان الأستاذ في جامعة غرناطة والباحثة البلجيكية استيفاتي بنتشيلي. والكتاب الجديد لايتناول العلاقة بين جابو وفيدل استنادا إلي شهادتهما الشخصية، بل اعتمادا علي شهادات أدلي بها العديد من الأصدقاء والمقربين الذين كانوا شهودا علي هذه العلاقة
    يري الكاتبان أن الصداقة بين جابرييل جارثيا ماركيز وفيدل كاسترو والتي استمدت قوتها وثراءها من عدة روافد شخصية وسياسية وأدبية كانت قائمة أساسا علي ولع جابو بالسلطة ورغبته الدائمة في الاقتراب من دوائرها الأكثر حساسية وأهمية وهو ما جعله يري في كوبا المناخ الملائم تماما لإنضاجه من الناحية السياسية أما الجانب الأكثر إخلاصا في توصيل صوته وفكره، ذلك أنه لم يجد في الجزيرة الكوبية بأكملها من يمكن أن يقوم بهذا الدور بمثل هذه المهارة ويضاف إلي ذلك أن فيدل كان يفتقد الأصدقاء المخلصين منذ وفاة صديقته ورفيقة سلاحه سيليا سانشيز عام 1980، وهو ماجعل من جابو البديل المناسب علي الرغم من أن العلاقة بينهما بدأت متأخرة لحد ما فقد دأب جارثيا ماركيز علي محاولة اختراق الدوائر القريبة من الزعيم الكوبي من منتصف السبعينيات في الوقت الذي كان فيه كتاب آخرون مثل خوليو كورتاثر وماريو بارجاس يوسا يتمتعون بالفعل بالقرب من الزعيم ومن ناحية أخري يشير الكتاب إلي أن ثمة فكرة كانت تسيطر علي الكاتب الكولومبي وهي أنه لايجوز علي الإطلاق التخلي عن علاقة صداقة قائمة بالفعل أو خيانتها لأي سبب من الأسباب حتي لو كان ذلك علي حساب مبادئه الرافضة للاغتيالات والمحاكمات وعدم احترام حقوق الإنسان.
    ويري الكاتبان أن أكثر الأوجه إشراقا في علاقة الصداقة بين جابو وفيديل كانت تتمثل في أنه علي الرغم من كون جابو سياسيا يدعم نظاما دكتاتوريا بيد أنه أيضا كان أحد هؤلاء المثقفين الذين لايقايضون علي استقلاليتهم، ومن هنا فقد كان لماركيز دور كبير في التوسط للعفو عن مئات السجناء السياسيين وإطلاق سراح الكثير منهم ومد يد المساعدة إلي العديد من الأشخاص الذين يواجهون ظروفا صعبة في الجزيرة ويستدل الكاتبان علي هذه الحقيقة من خلال شهادة الكاتب الكولومبي بلينيو والذي أكد أن جابو تدخل لإطلاق أبوليوميندوتا سراح أكثر من ثلاثة آلاف سجين وأنه كان يفعل ذلك بشكل سري لايبحث من ورائه علي أية شهرة.
    يضيف أنخل استيبان أنه علي الرغم من رفض جارثيا ماركيز لمطلق لعقوبة الإعدام وإيمانه الشديد حرية التعبير وفشله في إقناع كاسترو بهذه الأفكار، فإن العلاقة بين الكاتب والزعيم لم تتأثر وهومايدل علي أنها كانت قائمة عي مايفوق كل ماهوسياسي وأيدولوجي لقد كانت قائمة في رأيه علي أسباب شخصية بحتة ويختتم الكاتبان عملهما معربين عن اعتقادهما
    في أن الصداقة بين ماركيز وكاسترو واقترابه من الأشتراكية والثورة كانت من أول الأسباب التي ساعدت كاتب مائة عام من العزلة علي الحصول علي النوبل في سن مبكرة جدا


    نقلا عن:

    http://www.akhbarelyom.org.eg/adab/issues/555/0500.html
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de