على قيد الإبداع : عن كتابات عبد الحميد البرنس الابداعية

دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-14-2024, 04:29 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عبد الحميد البرنس(عبد الحميد البرنس)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-06-2005, 06:51 AM

Alsadig Alraady
<aAlsadig Alraady
تاريخ التسجيل: 03-18-2003
مجموع المشاركات: 788

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
على قيد الإبداع : عن كتابات عبد الحميد البرنس الابداعية

    قالت دقات قلبي المتسارعة: "أنا... قادم... من مكان بعيد" وكي أحقق المفاجئة كاملة، وضعت الكف المرتعش أمام "العين السحرية" وقلت: "أخيراً" لكن إمرأة فوق الأربعين تفتح باب الشقة المقابل، وتقول لي: "لا أحد هناك".
    هذا النص بعنوان "عودة" من كتاب "الكاتب عبد الحميد البرنس" المعنون بـ "تداعيات في بلاد بعيدة"، عبارة عن نصوص قصصية كما أشار على غلاف الكتاب.
    والكاتب عبد الحميد البرنس الذي لا نعرف عن سيرته الذاتية شيئاً سوى أنّه يقيم ويعمل في القاهرة منذ عدة سنوات، يبدو عمله الإبداعي الماثل بين أيدينا وكأنه ثمرة من طليعة ثمار الهجرة الإبداعية والثقافية والفكرية الكبرى التي مُنيت بها بلادنا في الـ 15 عاماً الماضية، وقد ظللنا نرصد بعض ما تجود به هذه الهجرة من أسماء وعناوين هي حقاً مواهب وطاقات لم تَتَفجّر إنتاجاً وفعالية إلاّ بالخارج، وفي ظل أجواء ثقافية جد مختلفة عن أجوائنا الثقافية، ولا نود هنا إطلاق قيمة مفادها أنّ كل ما رصدنا من الجودة والعمق بما يفي شرط الإحتفاء، فالمستوى الإبداعي والعمق الثقافي يتفاوت من موهبة إلى أخرى.
    إذن فهناك شئ ما يتخلّق رغم كل شئ، رغم أنّ فرص متابعة ما يتخلّق هناك ضعيفة إلى حد كبير وليس من سبيلٍ يمكِّن من ذلك والشبكة العنكبوتية الإنترنت وما تضج به من منتديات ومواقع بالكاد تمكِّن من متابعة من هو لا يزال على قيد الإبداع ممن هاجر من الأسماء المعروفة.. أمّا الأجيال الجديدة من المبدعين الذين عرفت أعمالهم وأسماؤهم طريقها للنشر لأول مرّة هناك، فمن الصعوبة التوفر على أعمالها ومن ثم متابعة إبداعهم ناهيك عن تقييمه.
    بيد أنّ نصوص عبد الحميد البرنس قد وصلتنا ويبدو أنّه يعمل بمستوى من الدقة على مشروع إبداعي في الفضاء السردي وبإمكانات تشي بمبدع كبير قادم بعمق معرفي وحِنكة حرفية.
    بعض نصوص "تداعيات في بلاد بعيدة" وجدت حظاً من النشر في دوريات مصرية مثل "أدب ونقد" "ورؤي" كما هو مثبت في الكتاب أيضاً هناك تنويه نقدي حول إحدى قصص الكتاب كتبه د. صلاح سروري ونشر في مجلة الثقافة الجديدة جاء في بعضه:-
    "(........) بدهي أنّنا لا نلمح أثراً للرواي ، كما لا نلمح أثر الشخصية محددة الملامح من حيث الشكل الخارجي والصفات الأخلاقية وعالمها النفسي، حتى الإسم غير موجود، وإنّما نتعامل مع مشهد يمثله بشر مجهولون لا يحملون أية سمات، فقط يحملون سمات الإنسان الضعيف الأسيان، في شفافية، ورغم جهلنا بخلفيات الحياة الخاصة لهذه الشخصيات، إلاّ أنّ هذا الإبهام هو الذي يتيح كل التأويلات المُمكنة، مما ينتج لنا نصاً مفتوحاً في مقابل النص المغلق".
    تبقى أن نشير إلى أنّ الكتاب صدر عام 2002م.

    www.newkhartoum.net
                  

01-06-2005, 05:33 PM

Amani Alsunni

تاريخ التسجيل: 06-15-2004
مجموع المشاركات: 581

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: على قيد الإبداع : عن كتابات عبد الحميد البرنس الابداعية (Re: Alsadig Alraady)

    أخي الصادق / تحية طيبة

    ميزة الأدب إنه يؤرخ رؤيته للواقع لا الواقع عينه ، ويعيد بناء عالم زائل عبر القصة أو الرواية، القاص لا يستمد شرعيته من إلتزامه السياسي ولا ثوريته( بل أن ذلك قد يحول أدبه إلي شئ أقرب للخطاب السياسي أو الأدب التحريضي) بل من قدرته علي إستلهامه للواقع وإعادة إنتاجه أدبياً ، فرغم أنني أعلم أن بشري الفاضل كان شيوعياً إلا أنني إنفعلت مع روايته رأيت جدي مع جده الذي لم تحركه الدومات الساقطات من الشجرة كما حركت نيوتن من قبل ، وبنفس الصورة إنفعل بقصائد حميد ليس لأنها ثورية بل لأنها تستنبط من الواقعي واليومي بنيتها وإيقاعها ( أي بمرور الثوري ضمناً وتحت طبقة الفني ، وليس العكس ) هذه مقدمة ضرورية لإعلان إعجابي بكثير من الكتابات الصادرة في العشرين سنة الأخيرة غض النظر عن مواقع كاتبيها وسيرهم بنفس مستوي إنفعالي بالقصص القصيرة التي تتحفنا به صديقتي بيان في المنبر ، لم أقرأ للكاتب عبد الحميد البرنس ، لكن العبارة المقتضبة من نصه عودة تأخذك في رحلة خيال خاصة وفي مشوار مشابه لمشواره مشيته كم من مرة من قبل، وهذا مايحفزني لإغتناء المجموعة ، وقراءة الغربة في إحدي صورها العديدة ، وإكمال تداعيات هذا المشوار المثير.
                  

01-06-2005, 08:30 PM

elsharief
<aelsharief
تاريخ التسجيل: 02-05-2003
مجموع المشاركات: 6709

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: على قيد الإبداع : عن كتابات عبد الحميد البرنس الابداعية (Re: Amani Alsunni)



    وقفة

    تسللا . كان يتوسطهما طفل .انتحياجانب الباب " المغلق " . لم تكن المقاعد خالية . أطرقا. أخرج من جيبه عملات ورقية صغيرة . نظرت إليه . شرع يعدها. توقف "المترو" . استبقى ورقة واحدة . فجأة اعتصرت يده وبكت.

    -----------------------------------------------------------------

    فى قصة "وقفة" لعبد الحميد البرنس التى لا تزيد عن "بضعة" أسطر نلحظ أكبر قدر ممكن من الكثافة التى لا نستطيع خلالهاأن نميز سوى ان هناك رجلا يقف فى مقابل امرأة وبينهما طفل فى عربة المترو,بما يوحي( ربما) بأنهم يمثلون أسرة مكونة من زوج وزوجة وطفل. وعندما كان على أحد الأبوين أن يغادر العربة, وهو ماتوحي به عبارة "توقف المترو" أعطى الرجل كل ما معه ماعدا ورقة صغيرة للمرأة التى بلغ بها التأثر من فراقه مداه,وهناجاءت هذه العبارة كالقنبلة:" فجأة اعتصرت يده وبكت", حيث جاءت كلمة "فجأة" بعد توقف المترو,وهو ماأوحى بأن التوقف جاء مرتبطا بما ذهبت إليه من ضرورة الفراق..ومن ثم تصبح المفاجأة هى مفاجأة التوقف الذي فجر عواطف المرأة على هذا النحو(خاصة أنهما كانا يقفان بجوار الباب المغلق الذي يبدوأنه فتح فجأة) وليس فقط مفاجأة هذه العواطف. ومن هنا يصبح التوقف ليس خاصا بالمترو على وجه التحديد, ولكنه أيضا توقف لتيار حياة كامل كانا أو كانوا يعيشونه معا. وبدهي اننا لا نلمح أثرا للراوي,كمالا نلمح أثر الشخصية محددة الملامح من حيث الشكل الخارجي والصفات الأخلاقية وعالمها النفسي, حتى الاسم غير موجود,وإنما نتعامل مع مشهد يمثله بشر مجهولون لا يحملون أية سمات,فقط يحملون سمات الإنسان الضعيف الأسيان,فى شفافية.ورغم جهلنا بخلفيات الحياة الخاصة لهذه الشخصيات, إلا أن هذا الإبهام هو الذي يتيح كل التأويلات الممكنة,مماينتج لنا نصا مفتوحا في مقابل النص المغلق
    د.صلاح السروي
    -- الثقافة الجديدة/ مايو 1996

    ---------------------------------------------------------------------------------------
    الاخ الصادق الرضى
    لك تحياتى
    بحوزتى كتاب الاديب عبدالحميد البرنس "تداعيات فى بلاد بعيدة" سوف اقوم بانزال بعض النصوص القصصية وتقبل تحيات عبدالحميدالبرنس

    (عدل بواسطة elsharief on 01-06-2005, 08:32 PM)
    (عدل بواسطة elsharief on 01-06-2005, 08:53 PM)
    (عدل بواسطة elsharief on 01-07-2005, 10:18 AM)

                  

01-06-2005, 08:50 PM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: على قيد الإبداع : عن كتابات عبد الحميد البرنس الابداعية (Re: elsharief)

    الأخ الصادق السلام عليكم ورحمة اللة

    عزيزي اسال عن عاصم حنفى وعن حسن وجعفر اسماعيل وعن سميرة الغالى وسمية جيلانى اين هولاء بلغهم التحايا

    منصور عبد اللة
                  

01-06-2005, 10:28 PM

sympatico

تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: على قيد الإبداع : عن كتابات عبد الحميد البرنس الابداعية (Re: munswor almophtah)

    العزيز الصادق

    الاخ الشريف

    شكرا لكما على هذه الاضاءات القيمة عن كتابات المبدع البرنس
                  

01-07-2005, 02:12 AM

ابنوس
<aابنوس
تاريخ التسجيل: 04-19-2003
مجموع المشاركات: 1790

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: على قيد الإبداع : عن كتابات عبد الحميد البرنس الابداعية (Re: sympatico)

    العزيز الصادق الرضي
    شكرا لهذا البوست الذي هبش تجربة ما زالت واعدة بالكثير في مجال السرد القصصي ، وعبد الحميد البرنس هذا الولد المهموم بتجربته الى حد ان اختار صقيع مانيتوبا الكندي لمواصلة غربته الفريدة من نوعها والتي امتدت لسنوات طويلة كما ذكرا عقد كامل من عمره في القاهرة ومن ثم كندا بتلجها الذي اتوقع ان يترك وشمه على الكتابة القادمة لعبد الحميد البرنس

    ملاحظة : منذ عام مضي عبر عبد الحميد البرنس من هنا الى مدينة ( وينبق ) واستقر فيها وهو يدرس الان بتلك المدينة ...
    نجربة تداعيات في بلاد بعيدة كما ذكرت تخلقت في غربة عبد الحميد الطويلة ، ولكن وحسب معايشتي لهذا الولد الكتّاب جدا فأن هنالك تداعيات اخرى في بلاد ابعد ستجد طريقها للقاريئ ,
    لك وللبرنس كل التحايا
                  

01-09-2005, 07:47 AM

Alsadig Alraady
<aAlsadig Alraady
تاريخ التسجيل: 03-18-2003
مجموع المشاركات: 788

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: على قيد الإبداع : عن كتابات عبد الحميد البرنس الابداعية (Re: Amani Alsunni)




    Amani Alsunni: شكرا على المرور اولا ثم ان مداخلتك عميقة بالفعل وليس ثمة خلاف على الطرح فالمشهد السردي عندنا شهدفي الاونة الاخيرة قفزة نوعية في الانتاج ونحن نشدد على ان ما قراناه اقل بقليل مما لم تتح لنا فرصة التوفر عليه
    ونعود لبقية المداخلات

    (عدل بواسطة Alsadig Alraady on 01-09-2005, 07:52 AM)

                  

01-07-2005, 02:21 AM

lana mahdi
<alana mahdi
تاريخ التسجيل: 05-07-2003
مجموع المشاركات: 16049

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
التحية للبرنس (Re: Alsadig Alraady)

    التحية لاخي الحبيب عبدالحميد البرنس الذى أنار سموات الثقافة بمصر.والتحية عبره لشقيقته أمانى..
                  

01-07-2005, 07:57 PM

elsharief
<aelsharief
تاريخ التسجيل: 02-05-2003
مجموع المشاركات: 6709

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: lana mahdi)



    الاخ الصادق الرضى
    عبد الحميد البرنس يدرس الان فى احدى الجامعات الكندية ويعمل على جزء اخر من مشروعه الابداعى فى الوقت نفسه وقد قام بالتعليق على مقالك على النحو التالى:-
    الصادق الرضى قامة ابداعية سودانية اظهرت نبوغا فى سن مبكره, وشهادته فى حقى اضاءه فى طريق حياه لم يكن يسيرا... المره.

    كما يشكر المداخلين اللذين كللو هامتى بالثناء الجميل على حد تعبيره

    (عدل بواسطة elsharief on 01-07-2005, 07:58 PM)

                  

01-09-2005, 07:57 AM

Alsadig Alraady
<aAlsadig Alraady
تاريخ التسجيل: 03-18-2003
مجموع المشاركات: 788

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: elsharief)


    elsharief: شكرا على المعلومات عن المبدع عبد الحميد البرنس وسيثري البوست وعميقا نشر ما تيسر من اعماله الجديدة او حتى المنشورة ، اشكره على تحيته واتمني المزيد من التواصل على : [email protected]
    ونعود لبقية المداخلين
                  

01-10-2005, 04:32 AM

Alsadig Alraady
<aAlsadig Alraady
تاريخ التسجيل: 03-18-2003
مجموع المشاركات: 788

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: Alsadig Alraady)

    munswor: عاصم لا يزال بمستشفى ابن سينا بالخرطوم واظنك على علم بان الرجل قد تزوج حسن اسماعيل بالمملكة العربية السعودية وجعفر لايزال بالكلاكلة علي ما اظن وربما لا اعرف شيئا عن البقية
    فالخرطوم نفسها اصبحت لا تتيح فرص اللقاء بين الناس وهي غربة ومهجر ايضا ياصديقي
    SYMPATICO : نشتاق لك بحق ، فكيف الملتقى ؟
    لك التحية والتقدير
    ابنوس : الولد الكتاب البرنس انجز تجربة ابداعية قيمة كما قرأت في كتابه وننتظر منه الكثير ، شكرا على المعلومات والمداخلة
    LANA: التحية لك انت ايضا
                  

01-10-2005, 06:16 PM

elsharief
<aelsharief
تاريخ التسجيل: 02-05-2003
مجموع المشاركات: 6709

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: Alsadig Alraady)




    تداعيات في بلاد بعيدة

    ثمة أشياء في الحياة ، قد نقترب منها تزجيه لساعة فراغ ، أو لمجرد قتل الدقائق في مدينة لا يحدث فيها أمر ذو بال ، نفعل ذلك في العادة مبتسمين ضاحكين ، يغرينا بريق مرح زائف، يلتف حولها كهالة من الضوء ، حاجباً ما خلفه من عذاب ، قد ننفق العمر كله محاولين الخروج بلا جدوى من أسر ويلاته الحالكة.

    لو علمن ما يتبع ذلك السؤال ، لاعتصمن بحبل الصمت ، لما ألقت السائلة ما ألقت ، بل لتبدلت مصائر إلى غير ما ذهبت إليه أقدام أصحابها طواعية من شقاء ، ولست أدري حقاً يا أصدقائي إن كان ذلك ما يدعونه " الفخ "، أو سعي الضحية إلى حتفها راضية.

    ما زال أمامنا وقت طويل ، لتجف بحيرة الدمع في أعماقنا، لنرى جوانب الصورة الأخرى ، لنتعلم عبر سعير المحبة متى يكون التجاوز بديلاً لانتحار القيم ، ربما أبصرنا آنئذ الجمال داخل ما يبدو ظاهره من الدمامة بمكان ، ربما أدركنا أن في العمر متسع لغير النزاعات الصغيرة، أو لربما أعرضنا حتى عن العميان الخالدين " الذين ما كان ينبغي أن نضع في أيديهم مشعل النور السماوي".

    تلك إذن حكمة السنوات، عصارة التجارب ، وثمن المعرفة العتيق ، ومع ذلك ، لست على يقين من أن كل شيء كان لابد له أن يتم وفق ذلك النحو، الذي زلزل ثوابت مدينتنا الإقليمية الصغيرة الواقعة عند ضفاف النيل الأبيض مرة واحدة و إلى "الأبد"..... قد لا أخالني قلتها هكذا، دون غصة في الحلق، "الأبد!"، تلك الكلمة، ما إن أذكرها ، حتى يتغلغل في داخلي أكثر فأكثر ، جمرُ الأسى ، أو الشعور بزوال الناس والأشياء..... علىَّ الآن أن أدع أفكار الوحدة السوداء جانباً ، و أن أدلف إلى بيت الذكريات دون تردد ، أفتح نوافذه ، أبدد عتمة النسيان ، أكنس بأصابع الحنين ما تراكم من تراب الزمن ، أعيد للوجوه الغائبة رونقها القديم ما أمكن ، ولا أدري من أين أبدأ تفاصيل تلك الحكاية ؟!.




    " كما يشاع لم يكن للكلب غرة بيضاء على جبينه " ، هكذا أخذت تستعيد ذات نهار قائظ بعيد تفاصيل فضيحة أحمد حسن ، التي حدثت أيام مراهقته ، و لم يتبق منها شيء ، في أذهان معظم الناس ، سوى ذلك " الاسم " ، الذي رافقه بعد مقاومة قصيرة و محدودة من جانبه إلى يومنا هذا : مُسيلمة الكذاب .

    كانت الشمس تشتعل في منتصف سماء جرداء ، شجرتا النيم تقبعان على جانبي مدخل الدار ، تطلان على الشارع المقفر في هدوء ، لكأنهما سقطتا على حين غرة من لوحة رسّام أراد تصوير الحياة كبستان خال من الهواء ، و ثمة ديك حزين يرتفع صوته من مكان ما، أما أرض الفناء الترابية الكابية فكانت تلتمع بعشرات الشظايا الزجاجية الصغيرة المتناثرة هنا وهناك ، " إنه الصيف " ، علا صوت إحداهن لحظة صمت وهي تتأمّل العالم المحترق خلف النافذتين ، وبينما الحوائط تختزن الصَّهد لتنفثه بعد ساعات رئة المساء المعتمة ، ما كان بوسع أكثر الناس مقدرة على التوقع أن يتنبأ بما آل إليه مجلسهن من حوادث تبدو لي الآن مثل نغمة حزينة من أنين القوافل البشرية السائرة عبر القرون بلا توقف أو عزاء .

    آنذاك كن مجتمعات داخل إحدى الغرف، أمي وأختاي الكبريان وجارتنا فاطمة وعانس على مشارف الخمسين تُدعى " وكالة رويتر المحلية " ،كن صامتات أغلب الوقت ،و الحق كانت هي من النوع الذي يشد إليه انتباه مستمعيه بخيوط محكمة من المتعة والسكون وإثارة الأشواق الدفينة، تعرف جيداً متى تصمت ، كيف تستعين بأصابعها النحيلة أو الرقيقة أثناء الكلام ، بل و أين تلقي بالمغزى الكامن داخل الحكاية ... أية حكاية ! .

    لكأني أراها الآن ......

    كسنابل القمح أواخر الشتاء ، ذاك لونها ، ممشوقة القوام ، ذات شعر ناعم ينسدل إلى أعلى ردفيها بقليل ، لها ابتسامة تثير الذعر والمسَّرة في آن ، فمها يتخذ في مناسبات عديدة هيئات الوَدْع تُلقيه على الرمل يد العرَّافة ،لا تكاد عيناها الواسعتان تستقران طويلاً على حال ، ولا أحد يعلم على وجه الدقة متى وأين وكيف محا ذلك الاسم اسمها القديم .

    مازلت أتذكر توهج السعادة على وجهها حين يحدث في المدينة أمر ذو بال ، فذلك معول وحدتها ك " ابنة " وحيدة تعيش فيما يُشبه القصر ، أتذكر ذلك ، أتذكر حتى ما يُحكى عن موت أبويها الثريين في حادث غرق وقع قبل ولادتي بعام ، كل ذلك وغيره، مازلت أذكره بوضوح شديد ، لكنَّ أكثر ما يشيع الأسى في قلبي من هذه الذكريات ولا أدري لماذا هو علمي أن " وكالة رويتر المحلية " قد ماتت في منتصف العقد السادس من عمرها دون أن ينعم بستان جمالها الذابل لحظة بالماء المتدفق عبر قناة أحد أولئك الرجال ؟!.




    على غير العادة ، خرج الحاج محمود مبكرا ً، بعد أن رأى في المنام كلباً أسود يضع في فمه غليوناً يتصاعد منه دخان رمادي ، جلس داخل الفرندة على طرف السرير متصالب الساقين واضعاً رأسه بين كفيه ، يُقلب في ذاكرته ما قاله ابن سيرين عن الأحلام و عيناه ترنوان إلى شيء أبعد من العتمة و الفناء و ذكرى زوجته و بناته اللائى تزوجن تباعا و غادرنه مع أزواجهن إلى مدن بعيدة ، أخيراً طفق يتوضأ وقلبه يحدثه أن كارثة ما في طريقها لتقويض سلام المدينة، "اللهم لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه"، هكذا تمتم ملقياً بذلك الأمر كله على كاهل الخالق ونهض.

    لم يدم انتظاره طويلاً ، ما إن فتح باب الفناء الخارجي وسار خطوات في طريقه لرفع آذان الفجر ، حتى تجمد الدم في عروقه و توقفت أنفاسه دفعة واحدة ، إذ انشقت الأرض أمامه عن كلب أسود ، وقف على قائمتيه الخلفيتين لحظات ، ثم تلاعب بعينين متقدتين كعاشق قديم لا ينقصه الحياء ، قبل أن يمرق بذيل معقوف إلى أعلى في الاتجاه المعاكس كبرق ، حين التفت لم يكن ثمة شيء سوى السكون المخيم على امتداد الشارع الطويل المترب ، " اللهم اجعله خيراً " ، هكذا بالكاد خرج صوته ، ومع ذلك ، سرعان ما هدأ من روعه وغذى الخطى مواصلاً السير كمؤمن حقيقي .

    كانت تقترب من الثالثة بعد منتصف الليل، ما زال في الوقت مساحة للتأمّل في مخلوقات الله والسير بتؤدة، المصابيح مطفأة داخل المنازل، أعمدة الكهرباء الأسمنتية المتعاقبة أعماها عبث الصبية النهاري " و لم يكن للمحافظ الطيب يد في كل هذا " ، أما البدر فكان يطل من حين لآخر خلل السحب السوداء السارية ببطء صوب الشمال، يختفي فتعتم الأشياء آخذة من جديد أشكالها المخيفة الغامضة، "الناس غافلون عن غايتهم، الآيات واضحة، لكن الحكمة لا يبصرها المبصرون، وتلك لعمري ساعة يذكر فيها اسم الله كثيراً"، هكذا همس الحاج محمود، مبدداً وحشة الطريق و بقايا الرؤيا المشئومة في خشوع، فاركاً بين يديه مسبحة الصندل الحجازية، ومغالباً تلك الدموع الحارقة التي ظلت تملأ عينيه كلما استشعر في أعماقه عظمة الخالق سبحانه وتعالى .

    فجأة انتبه إلى حركة مريبة كانت تتناهى لاهثة من كومة الأوساخ المتراكمة أسفل سور المدرسة الأميرية الحجري القصير، في البداية، لم يخالجه الشك لحظة أن الشياطين تتناسل داخل تلك الخرابة في غفلة من عين الإنسان "الذي يمتلك مفاتيح السر منذ أن حمل الأمانة"، ثم، وبيقين تام و مثلما حدث مع الكلب الأسود توقف غير بعيد من الخرابة و قال : "بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم " ، ولكن "أي شيطان لا يفر إذا ما أطلق عليه اسم الجلالة"، تساءل الحاج محمود وبدا القلق يساوره ، إذ لم يتغير شيء ، وأكثر من ذلك ظل اللهاث يتفاقم شيئاً فشيئاً .

    شبحان غريبان من خيال العتمة، يلتحمان في وضع أكثر غرابة، لكأن القاذورات تحتهما سجادة حريرية يتمرغ فوق نعومتها جسدا عاشقين التقيا بعد طول غياب لم ينقطع خلاله نداء الشوق والوجد وظمأ رغبة لا رواء له، كان البدر محتجباً لحظتئذٍ وراء سحابة سوداء كثيفة، العرق يتصبب من جبينه وصدغيه مبللاً لحيته البيضاء المستديرة وقلبه يرتجف داخل صدره كأنف فأر حاصره قط في ركن ضيق، كان قد استنفد في تلك الدقيقة كل ما في جُعبته من آيات وأدعية مأثورة، وما إن قرر أخيراً مغادرة المكان بأسرع قدم لديه، وقد أدرك برعب مدى ضعف إيمانه الذي لم يصمد كثيراً إزاء "هذا البلاء الرباني اليسير"، حتى جاءه الغيث من السماء، حيث اندلق نور القمر المنير كاشفاً معالم الفصول الدراسية وتضاريس السور الحجري القصير و..... أدق تفاصيل الشبحين اللذين كادا منذ دقيقة واحدة أن يقلبا نظام العالم القائم في ذهنه رأساً على عقب .

    رويداً رويداً ، تنفس الصعداء ، لقد وضح له الأمر جلياً ، لبث ساكناً مسافة يلفه الغضب و الحنق و الذهول و تخاذل إيمانه في اللحظة الأخيرة ، أخيراً عقد عزمه فتقدم وسط الأوساخ شاقاً طريقه كثعلب يقترب من حظيرة الحملان بحذر وخفة، كان بينه وبين الشبحين خطوة واحدة، حين تبين وجه أحمد حسن على نحو شديد الوضوح، "ذلك الفاجر"، قالت "وكالة رويتر المحلية"، ثم رمت نظرة نافذة متناوبة على وجهي أختيَّ جعلت الكبرى تتأمّل أظافرها المطلية حديثاً بينما تغير وجه أمي قليلاً حالما رأت الأصغر تبادل "وكالة رويتر المحلية" نظرة الند للند بل صعدت إلى حصان جرأتها المعهودة حيث مدت عنقها إلى الأمام وقد خيل لي أنها قد تتحول في أية لحظة إلى أذن فيل ضخمة لا محالة ، أما جارتنا فاطمة فقد كانت لا تزال تبتسم بعينيها الجميلتين دون أن تنفك يداها من تهوية وجهها بكتاب : " ألف طريقة لصناعة الحلوى " !.

    كان نصفه الأسفل عارياً إلا من سرواله الساقط عند كاحليه، جلبابه يتكوم ما بين الصدر والعنق، عيناه شاخصتان في البعيد، بينما ينغرس فكه في الظهر المائل لحمارة أمينة الفراشة التي أغمضت عينيها نصف راقدة وأرخت أذنيها الكبيرتين وراحت تلوك شيئاً ما ببطء وتلذذ غريبين أثارا وزادا من غضب الحاج محمود الذي وطأ أثناء سيره الحذر داخل كومة الأوساخ على جثة فأر متفسخة، وبدا وكأن الحمارة قد تعودت على مثل هذه الممارسة الاستثنائية منذ زمان بعيد.

    كانت المنازل الساجية قبالة سور المدرسة شهود عيان، أوصدت الشماتة والخوف والدهشة آذانها، فبدت غير عابئة بضربات المسبحة المتساقطة على رأس أحمد حسن الذي انتزع نفسه وجذب السروال وأسدل الجلباب في ثانية متقهقراً نحو السور بما تبقى له من عقل، لكأن الحمارة التي لا تزال محافظة على هدوئها ، لم تسمع بدورها كل ذلك النداء الخافت المستغيث الحار: "الستر.. الستر الستر.... يا مولانا..... وربَّ الكعبة الشريفة.... لم أفعل هذا المنكر الشنيع بمزاجي....... كنت في عز نومي.... عندما خطفني الشيطان من سريري خطفا.. ثم........ ثم..... ثم أحضرني إلى هنا محمولاً على قرنه السابع" ، حالما أنهى بشق الأنفس مرافعته الدامعة المنكسرة حدَّ الرثاء ، زفرت الحمارة لأمر ما ، وبدا أن الحاج، الذي أنساه هول ما رأى أن يؤذن لصلاة الفجر، قد وجد داخل كومة الأوساخ متسعاً للحوار، فأخذ يتفكر في وجه المراهق الملتصق بالسور بينما صوت ديك ينطلق من مكان قريب قائلاً: "لماذا يا ابن الناظر نفسه!، لم يكن قرنه الرابع؟، أو حتى الخامس؟، لماذا قرنه السابع تحديداً؟!، وإذا كان للشيطان كما نعلم مائة رأس بالتمام والكمال، فإلى أي الرءوس كان ينتمي القرن الذي حملك إلى حمارة أمينة الفراشة؟!، أيها الفاجر، لماذا تصمت هكذا؟، ها أنت إذن تكذب أيضاً، خذ هذه ، و قسما بالله العظيم ثلاثاً، لأنت سيد الفحش، لا لا، أنت الشيطان نفسه في صورة إنسان ، لا بل ..... أنت مُسيلمة الكذاب ".

    كان في إمكان هذا الحوار أن يستمر بين كر و فر إلى ما بعد بزوغ الشمس، لولا أن فطن ابن الناظر الذي دأب على ركل عجيزة الحمارة بقدمه خفية إلى مراجعة موقفه، فأطلق العنان لساقيه الخفيفتين كساقي جواد، تاركاً الحاج محمود وسط نهيق الحمارة الذي علا على حين غرة ، ثم وبعد أن انغمسن في الصمت لدقائق، أضافت "الوكالة" باعثة نسمة أخرى من الضحك في خلايا ذلك النهار الذي بدا لغيظه بلا نهاية: "يا بنات!... سعيدة.... من تتزوج مُسيلمة الكذاب.....سعيدة حقاً ... فلو طلبني أنا شخصيا للزواج لوضعت ثوبي بين أسناني وركضت نحوه بلا تردد ...... لا تتضاحكن هكذا ... لابد أن مَن يفعل ذلك لديه مثل ما لدى الحمار " !.




    كانت ذرات الغبار الدقيقة تمرح سابحة على امتداد شريط الشمس العريض المتساقط عبر إحدى النافذتين، كن يرقبن ذلك دون سابق اتفاق راسمات على وجوههن بدرجات متفاوتة ذلك التعبير الأنثوي الحالم ،الذي ينم عن وجود رغبات دفينة داخل النفس تبحث خفية عن طريق ما للتحقق، وكان ثمة سرب من الذباب يتنقل في كسل بين أكواب الشاي الفارغة أعلى طبلية الخشب و أطرافهن شبه العارية في لهيب ذلك النهار ، وبدا بالفعل أن مثل تلك الحكايات القديمة لم يعد يحمل جديداً، حين بدأن في الاستغفار والتثاؤب تباعاً، عندئذ ، ألقت "وكالة رويتر المحلية" بصوت ناعس لا يثير ريبة ما حرَّك بـِركة الأنس الراكدة منذ فترة قائلة: "يا بنات...بحق الله....مَن هو مطربكن المفضل"؟.



    تحولت الأنظار نحو فاطمة آن استقر شريط الشمس المنسحب عند قاعدة النافذة ، كانت لا تزال تقلب في صفحات ذلك الكتاب الذي ظلت تحمله معها لأمر ما كلما أتت لزيارتنا، كان يرتسم على طرف فمها الأيمن طيف ابتسامة ساخر زاد من ألق عينيها الجميلتين اللتين رفعتهما فجأة نحو السقف قبل أن تمسح وجوههن القلقة بنظرة نصف مروحية بطيئة وامضة وتنكفئ مرة أخرى على كتاب "ألف طريقة لصناعة الحلوى" مؤججة بذلك نار الانتظار بلا طائل،وكن قد فطن إلى صمتها الملغز حين فرغن من إجاباتهن المتدافعة وشرعن في التطلع إليها متوقعات بنفاد صبر أن تُلقي باسم مطرب آخر ، ربما لتكتمل دائرة المقارنة الأنثوية القاتلة ، ربما ليأخذ الحديث مجرى مختلفاً ، وربما ليفتحن باباً يُفضي إلى خارج أتون الحرارة الذي لا يُحتمل .

    كانت أمي تتفرس في جارتها محاولة أن تحذر ما يدور في خلدها وفمها فاغر وعيناها مليئتان بالعجز والخوف والفزع من تحقق هواجس غامضة ، وقد تراقصت في ذاكرتها عفاريت هالة المجد الكاذبة التي أحاطت برفيقة طفولتها في زمان سابق لكم ودت أن يتلاشى من ذاكرتها دون رجعة ، وحين رفعت فاطمة رأسها أخيراً بدا ربما لكثافة صمتها وكأن لا وجود لـ "وكالة رويتر المحلية"..... البتة.

    كانت تلقي خطاب "طلائع المدينة"، وكانت في نحو الثالثة عشرة، حين مال الرئيس السابق برأسه أسفل الخيمة المنصوبة خلال زيارته الأولى و اليتيمة إلى المدينة نحو وزير "الموارد المائية" الجالس آنذاك إلى يمينه كمن يتأهب لدخول الحمّام في أية لحظة،وما إن همس في أذنه حتى رحلت علامات الملل عن وجهه فجأة وشرع ينصت لخطاب الحسناء اليافعة حالماً تارة ومُبدياً إعجابه عبر إيماءات عديدة تارة أخرى وإن بدا في كثير من الأحيان وهو ينظر إلى الصبية وفق ذلك النحو كمزارع يمعن النظر في أرض بكر إذا ما عُهد بها للرعاية ستنبت الكثير من الثمار الطيبة، لتنطلق فور انقضاء مهرجان الخطباء إشاعة قوية في المدينة يقال إن مصدرها المحافظ الأسبق نفسه تفيد أن الرئيس قرر تزويج فاطمة بعد عامين على الأكثر لوزيره "الشاب الأعزب الوسيم"، الجميع يذكرون كيف ازدحم بيت والدها إثر ذلك بأرباب المطالب وأصحاب الالتماسات الخاصة وكيف تقاطرت عليها هدايا ثمينة مجهولة المصدر قال رُسُلها إنها مجرد تعبير بسيط عن حب المدينة وتقديرها الخاص لابنتها "الواعدة "، كان الأمر من الجدية بمكان أن قام المحافظ وقتذاك بتعيين حراسة خاصة ظلت ترافقها أينما حلت ،وكان ذلك يقذف بأترابها من أمثال أمي في هوة سحيقة من ظلام الغيظ أو الغيرة، ذلك ما كان من أمر الأمس ، ولم يدر في ذهن أكثر الناس مقدرة على التخيل بعد ذلك أن ينتهي بها المطاف كزوجة لصلاح" بتاع الدكان "، لقد وُئد حلم فاطمة لحظة الانقلاب العسكري الذي أطاح بعالم الرئيس في ظرف أقل من عام من نهاية ذلك المهرجان ، وإن لم تغادرها حتى الممات نزعة التميز والشعور بالتفوق رغم ضيق ذات اليد والوسائل ، وكانت النتيجة أنها غدت متخمة بتطلعات نساء الطبقة الوسطى خلال الستينيات بدءاً من اقتناء الثلاجة "كولدير" ، مروراً بالنظر إلى عامة الناس من شاهق ، وانتهاء إلى مُناصرة جمعية " رائدات نهضة المرأة الحديثة ".

    هناك ، قبالة أمي و " وكالة رويتر المحلية " ، عند طرف السرير الموازي للحائط الخالي من النوافذ ، وبينما فاطمة التي توسطت مجلسهن توشك أن تتكلم ، كانت أختي الأصغر قد تحولت بالفعل إلى أذن فيل ، وهي تعلن بظهرها المشدود وصدرها اليافع المندفع إلى الأمام عن حرصها الشديد على متابعة أمر لا ترغب في أن يفوتها منه شيء، كانت الكبرى القابعة عند الطرف الآخر تجاهد في تلك اللحظة ما أمكن لطرد ذبابة خضراء لم تنفك طوال تلك الدقائق من الطنين حول رأسها والسير على صفحة وجهها كلما سكنت، "مطربي المفضل هو الموسيقار عثمان حسين"، قالت فاطمة بفخامة، وتهللت لسبب ما أسارير "وكالة رويتر المحلية"، في حين هبط على إناث الأسرة صمت ثقيل أمكن خلاله سماع صوت دبيب أقدام نظرات الحسد الخافتة، وما إن عادت أمي إلى رشدها، وأخذت تفكر في كلمة "موسيقار"، ككلمة عصّية على النطق، حتى هوى صوت الجارة، مزعزعاً بقسوة هذه المرة يقين الإجابات السابقة، كاشفاً في الوقت نفسه عن سعة إطلاعها على ما يستجد من أحداث داخل ما كان يحلو لها أن تدعوه في كثير من الأحيان: "عاصمة جمهورية السودان الديمقراطية"، قائلاً: "أحبه لأنه مطرب طلاب جامعة الخرطوم المفضل".

    كان الناس في تلك المدينة ينظرون إلى هؤلاء بوصفهم "ملائكة علوم الدنيا"، على حد تعبير ناظر المدرسة الأميرية، الذي تغيرت معاملته تجاه أمينة الفراشة بعد أن التحق ابن شقيقتها بكلية التربية، متناسياً بذلك وصمة العار التي أدركت ابنه "بسبب حمارتها"، وإن لم يتزحزح قيد أنملة "نكاية في الحاج محمود" كما يروج البعض عن اعتقاده الجازم في أن ما حدث " كان وراءه قرن الشيطان السابع ولابد ".

    تكهرب الجو داخل الحجرة تماماً، إذ كان من العسير على أمي أن تمضي إلى نهاية الشوط وهي تخفي استياءها من اختيار أختيَّ لمطربين "شعبيين" على الرغم من كونهما في "مقام" ابنة فاطمة الوحيدة "أمل" .

    قبل سنوات قليلة، أوصدتْ خلالها الغربة أبوابها أمامي، كنت أفتح صناديق الذاكرة الموصدة، أقلب بتفكر في تلك الأحداث، وشيئاً فشيئاً رسخ لدي وراء ستارة الدموع الضبابية أن اختيار المرء لمطرب ما تستجيب له أحاسيسه ما كان ينبغي له أن يحدث في نفس أحبائه الذين يتطلعون إلى رفعته كل تلك المعاناة! ، كنت أحكم على ما جرى بمقاييس الآن، لكنني بدأت أدرك حالما رأيت ذات مساء طفلاً في نحو الثامنة من عمره عند زاوية أحد الميادين وهو يرقب أقرانه بصمت وهم يتدافعون خلف الكرة أن الكون كله قد يتكاثف في لحظة بخيره وشره بمحيطاته وبحاره وأنهاره وأرضه وسمائه بأفراحه وأحزانه وصراعاته داخل ما يراه البعض شيئاً صغيراً تافهاً ثانوياً مثل أن يعكف ذاك الصغير في ذهنه كما بدا لي على استعادة الفرحة أو ساقه المفقودة بأسى .

    لكأن ذلك حدث في الأمس القريب...

    تثاءبت " وكالة رويتر المحلية "، وبدأت فاطمة تقرأ شيئاً ما من كتاب " ألف طريقة لصناعة الحلوى " ، وكأنها لم تدرك قوة الزلزال التي أحدثتها كلماتها تلك في نفوس " إناث الأسرة " اللائى أخذن ينظرن في اتجاهات الصمت المختلفة كطائر ذبيح ، ثم ما لبث صوت كليهما أن تناهى في وقت واحد إلى آذان أمي التي وضعت رأسها بين كفيها وراحت تنظر في شرود إلى ما فوق طبلية الخشب القصيرة طالبا الإذن بالانصراف ، هنا رمقت أختيَّ بنظرة معاتبة ، ثم نهضت بتلك الابتسامة الشائخة لامرأة في منتصف الثلاثين ، وشيعتهما إلى باب الحوش ، حيث عادت بخطوات أثقلها الصمت وذهنها منصرف إلى مكان بعيد لا يعلم إلا الله متى تعود منه ، ولم تظفر أختاي بكلمة واحدة منها طوال اليومين اللذين أعقبا ذلك المجلس ، وكان الأمر خارج حدود الاحتمال أو التفسير .

    قبل مغادرتها المجلس بوجه طافح فيما بدا لعيني أمي بـ "الأسرار والأخبار الطازجة المثيرة"، أثنت "وكالة رويتر المحلية" بدهاء على ما أسمته "ذكاء فاطمة الرهيب"، مؤكدة "في الحقيقة" أن "مطربها المفضل قد خطف بالحق قلوب بنات الخرطوم الراقيات "،و الجارة لم تصدق خبراً، وضعت رِجلاً على رِجل، ورويداً رويداً، شرعت في الانتفاخ مثل قاموس خال من كلمة "تواضع"، زارعة بذلك البذور الأولى لما سيقلب هدوء المدينة الصغيرة رأسا على عقب .

    كانت الأسرة قد استقرت في بيت جَديّ لأمي المغلق منذ ثلاث سنوات على وجه التقريب، آنذاك قرر والداي هذه الخطوة، بعد أن تقدمت أختاي في التعليم وصار لزاماً إلحاقهما بالمدارس الثانوية في المدينة، على أن يبتعث أبي كما ظلت أمي تردد في بعض الأمسيات أمام الجارات ضاحكة "حياة عزوبيته" كمفتش زراعي من الدرجة الثالثة "تضحية لمستقبل الأنجال" .

    ما أحزن أمي، ما أقض مضجعها، ما أحال ليلها إلى نهار وجعلها تختض من الغيظ، بل ودفعها إلى التفكير عميقاً طوال الأيام الثلاثة التي أعقبت ذلك المجلس في وسيلة مثلى للانتقام من جارتها "المدعية زوجة صلاح بتاع الدكان صاحب العينين الضيقتين اللتين تشبهان فرج السحلية"، أن ما اعتبرته " فضيحة حضارية " لا تليق أبداً بسمعة "عائلة كريمة" يُعتبر أحد مؤسسيها أول من بنى بيتاً من "الطوب الأحمر" في المدينة قد وقع تحت سمع وبصر "وكالة رويتر المحلية "، وهذا أمر "لا يُبشّر بخير على الإطلاق بالنسبة لمستقبل زواج البنات في مدينة بها عدد من طلاب جامعة الخرطوم الأذكياء"، أملت ذلك في رسالة عاجلة بعثت بها إلى أبي، معربة خلالها عن "عميق أسفي الشديد جداً لهبوط الذوق الحضاري لأفراد أسرتنا نتيجة النزوح معك يا سيادة المفتش الزراعي الثالث بين النجوع والكفور والقرى النائية طبعاً"، كاشفة بعبارات غامضة وكأنها تخشى من وقوع الرسالة في يد غريبة عن "خططي السرية الدائمة لتدارك ما يمكن إدراكه، لابد أن في أعماقها نزعة شكسبيرية ظلت حبيسة لعقود خلت فأفرج عنها مسار "تلك الفضيحة الحضارية الكبرى" حين ختمت رسالتها بكلمات جدُّ حاسمة وقاطعة مازالت أحرفها تتراقص أمام عينيّ: " لقد أصبحت الحكاية الآن مسألة حياة أو موت في هذه المدينة " .

    في سعيها المحموم لتغيير الصورة العائلية مرة واحدة وإلى الأبد ، لم تكتف أمي بتوبيخ أختيَّ على سوء اختيارهن "بفصاحة" لمطربين شعبيين مثل "القادمات من الريف حديثاً"، بل شرعت هي نفسها في إعلان رأيها "الشخصي الخاص جداً جداً جداً"، زاعمة أن مطربها المفضل لم يكن "في يوم من الأيام" سوى مغني البوب الأمريكي الشهير "الفيس بريسلي"، وكان ذلك وحده كافياً لتدمير سمعة فاطمة كمثقفة إقليمية إلى "الأبد" ، على من أنها ظلت تؤكد في دعاية مضادة ، وهي تقلل من شأن المعارف الجديدة لغريمتها ، أن أمي لا تستطيع التحدث بطلاقة إلا في أوساط جمهور "أغلبه.. من الأميات... اللائى.. وا... أسفاه... لا يعرفن حتى ذلك الفرق الواضح... ما بين البوظة التركية والآيس كريم الألماني" .




    بعد طول قطيعة، وصلت خلالها العلاقة بين الجارتين إلى طريق اللاعودة ، قبلت فاطمة ضحى ذلك اليوم دعوة أمي لحضور حفل عيد ميلاد أختي الكبرى التاسع عشر، حيث كانت في انتظارها وهي تفتح باب الحوش الخارجي لبيتها في شرود مفاجأة أن تمحو غريمتها ما جرى هكذا ..... بكل بساطة ! .

    أجلست ْ أمي داخل الفرندة ، إلى يسار الثلاجة " كولدير " ، وعلى ذات المقعد الذي سيشهد المأساة ، ثم وقفت أمامها إلى اليسار قليلاً ، تماماً مثلما ستقف قبالته عند بداية تلك المأساة، قبل أن تحضر مقعداً ، وتجلس غير بعيد متطلعة إليها في برود وترقب ، امتصت أمي كل ذلك ، وهي تستعيد من ذهنها مقاطع من كتاب : " فنون حرب المجتمع " ، وحين لم تحرّك فاطمة ساكناً من آداب الضيافة ، بل ذهبت إلى مدى بعيد في معاودة النظر إليها من أعلى إلى أسفل وبالعكس ، تيقنت لحظتها أن " العدو " ما ينبغي له أن يفرض على المرء مكان و زمان المعركة ونوعية السلاح ، هكذا ابتسمت وهي تكسر حدة الصمت المميت قائلة بلهجة مَن أدركه ولع الخبث على كبر : " و البنت طبعاً قطعت دراستها في الجامعة، جامعة الخرطوم طبعاً، ثم جاءت لتحتفل بيننا، من العيب طبعاً أن ترانا نحن الكبار مرة أخرى هكذا، ويعلم الله وحده كم تدين لك بالمحبة والفضل في قلبها".

    ألان الصوت الذي بدا نابعاً من الأعماق وجه فاطمة الذي أعمى بصيرته وقع الزيارة المباغتة التي حالت دونه وفهم لهجة أمي التي انطوت في ظاهرها المتسامح على ما هو أسوأ والذي ظل محافظاً على قسوته لفترة ، حيث لاح طيف الابتسامة الساخر على طرف فمها الأيمن أولاً، ثم وفي لحظة واحدة نهضتا وتعانقتا وذابتا داخل الفرندة كجارتين جمعت بينهما ذكريات طفولة بعيدة، وقد ألقتا عبء ما حدث على كاهل "الشيطان الذي يفرق حتى بين المرء وزوجه "، عيناي تدمعان الآن ، لقد كان ذلك للأسف العناق الأخير لهما كجارتين قديمتين في هذه الحياة..... "وكالة رويتر المحلية"، أشاعت أن فاطمة أعلنت في نفسها حينذاك عن "قبولي للتحدي" وأنها لا تخشى على الإطلاق من الدخول في ما أسمته "مواجهة فاصلة"، مؤكدة أن جارتها "محدثة النعمة الحضارية" بهذه الدعوة "وا... أسفاه....... تحفر قبرها بيديها" .

    كانت الأقاويل تترى من كل حدب وصوب إلى آذان الحاج محمود، الذي لم يعد يدهشه شيء "في دار الغرور" كما قال "بعد كبيرة مُسيلمة الكذاب" التي اعتبرها بمثابة النذير المبكر لما يحدث في "هذه الأيام"، وعلى الرغم من أن "مصادر خاصة" رفض تسميتها أكدت له أن فاطمة عانقت جارتها فقط من باب "لا ينبح في فراشه إلا كلب"، بل وأضافت ( نفس المصادر) لاحقاً أنها جاءت إلى الحفل مرتدية فستاناً ضيقاً من المخمل وافق اسم الموضة السائدة آنذاك باسم " دموع أم كلثوم "، إلا أن الخبر الذي اتسم ببعض الطرافة كان من نصيب "وكالة رويتر المحلية"، التي أشارت إلى أنها أقبلت خلال ذلك المساء الحار بعينين لم تنفكا قبل بدء فواصل الرقص من القول يمنة ويسرة: "يا أهل المدينة .. انظروا .... ها هي..... فاطمة نفسها .... انظروا إليها.... ما أحلاها.... حضارية جداً.... تخطر في بيت غريمتها هكذا..... هكذا هكذا ".

    "وكالة رويتر المحلية" نفسها أكدت للمحافظ الذي جاء إلى حفل عيد الميلاد متأخرا بعض الشيء و الذي بدا لسبب ما حريصاً على متابعة تطورات العلاقة بين الجارتين منذ أحداث المجلس البعيد الذي شهد وقائع "هزيمة الأسرة الحضارية" أن أمي همست في أذن رئيسة تحرير مجلة " نهضة المرأة " المحلية قائلة بصوت تردد صداه بين جنبات السكون الشامل الذي ران لحظة دخول فاطمة فجأة: "هذا الفستان لا يصلح لرقصة السامبا " !.

    الحق ، "الحق أقول لكم" يا أصدقائي إنها جاءت في ذلك المساء مرتدية "رموش شادية"، لا "دموع أم كلثوم" ، فستان من الساتان الأسود اللامع أبان أدق تفاصيل جسدها اللدن المشدود حتى وهي تعبر عقدها الرابع بنحو العام ، كان بلا أكمام ، تلتف حوله خطوط فضية متباعدة ذات حواف مشرشرة ، وبينما تراءى فوق كتفيها فرو ثعالب أصفر باهت تفوح منه رائحة "النفتالين" ، بدت في ذهن الحاج محمود الغائب كما تخيل عدد من الخبثاء بالنيابة عنه مثل حورية خارجة للتو من كتاب "فضائل الجنة" ، كانت تخطر بخيلاء على أرض الفناء المرصوفة حديثاً بالأسمنت و كسار الآجر فوق حذاء أصفر ذي كعب عال أطلق عليه الحمّالون في الميناء النهري اسم " سفينة الشيطان " ،على الرغم من أنه قد اتخذ لدى الصفوة اسماً أكثر جاذبية : " أتهادى نحو أحلام قلبك الوردية " .

    كانت أضواء قوية تتلألأ على هامة الفناء كتاج أميرة ، نسائم واهنة منعشة لها رائحة التربة تراقص فروع شجرتي النيم بنزق، السماء خالية تماماً وراء الهالة الفضية، لابد أنها أمطرت خلف تخوم النهر حيث الأجمة المتناثرة من أشجار السنط تنحدر من جبال العاديات قبل أن يبدأ عشب السهل الأخضر الكثيف ذو الفجوات الحجرية الواسعة ، كان ثمة موسيقى تخللها آذان العشاء تطغى على لغط المدعوين الملتفين حول الموائد الصغيرة المتقاربة ، التي جُلبت نهارا من محلات " كزام للأفراح " ، و التي تراءت فوق مفارشها الزرقاء زجاجات المياه والكولا وأطباق الحلوى وسلال الفاكهة، كانت تنبعث من مكبرات الصوت على جانبي منصة خشبية قصيرة أخفتها سجادتان من الصوف الفارسي ذي التشكيلات الوردية الملونة منصوبة غير بعيد من منضدة طولية لاحت أعلى مفرشها الأبيض النظيف تلال من الأواني الصينية اللامعة، فضلاً عن تورتة المحتفى بها بطوابقها الخمسة الصاعدة في شكل هرمي علت قمته المزدانة بكريمة الشوكولاته السمراء شمعة منتصبة وحيدة، حالما أُشعلت توقفت الموسيقى وعم الظلام و راحت تتشكل على مرأى من عيون السماء النجمية الحلقة باعثة الأمنيات القلبية والهدايا ، قبل أن تُنهي الحناجر أغنية عيد الميلاد في تزامن عكس مدى الإلفة الذي عمّ المكان حينذاك ، "لماذا شمعة واحدة"، هكذا تساءل المحافظ بقامته البارزة وسط الحلقة لحظة أن عاد النور، وبينما تغضن وجه رئيسة التحرير الجاد في نشاز كاد أن يفسد الطابع المرح لسؤال المحافظ ويحول الحفل إلى حلقة نقاش ساخنة حول " الطابع الذكوري للسلطة " حسبما ظل يتردد في سياق الندوات الأسبوعية التي تقيمها في دارها مجلة " نهضة المرأة " ، اندفع في خضم الهمهمة المتصاعدة التي أثارها سؤال المحافظ والوجه الصارم الجاد لريئسة التحرير صوتُ أمين حزب التقدم معيداً الأمور إلى مجراها القديم : " تقول لماذا!... ها ها ها... تكتيكات السيدة السرية..... يا رفيق " .

    هكذا عاد المحتفلون إلى موائدهم، وبدا في ذلك المساء وكأن الكون برمته ضحكة مغناة يعزف لحنها رنين التعليقات المرح السعيد، إلا أن نمل الغيرة أخذ يأكل في قلب فاطمة ببطء وتلذذ متزايد سعيداً بالخفاء الذي ضربه الضجيج من حولها ، كانت ترقب الأنظار تنصرف عنها تباعاً غير عابئة بالمرة بزينتها الفريدة والمكتملة أمام بهجة حفل لم تشهد المدينة مثله قطُّ، ناظرة من مقعدها بين الحين والحين إلى "وكالة رويتر المحلية" التي كانت تتنقل بين الموائد تحت أنظار عيني أمي الفخورتين مثل فراشة قمحية في الربيع، إلى تناهى إلى مسامعها مثل طلقة الرحمة، صوت أختي ذات السبعة عشر عاماً، وهو يعلن من فوق المنصة عن بدء الحفل الراقص، وقد نشبت في أعقابه موجة من الصفير والتصفيق الحاد المتصل فيما بدا بلا حدود لانتهائه .

    مدت ذراعاً من داخل بلوزة بيضاء ذات أكمام قصيرة واسعة، كانت محشورة داخل بنطال من الجينز أزرق اللون ذي مقدمة مثلثة منتفخة قليلاً ومسحوبة إلى أسفل بشدة ، أزاحت الهواء الذي حبس أنفاسه فجأة بحركة نصف دائرية بطيئة متكسرة لامست الحلمة اليسرى النافرة خطفاً، قبل أن تأخذ رأس البنصر وضعاً مستقيماً شق طريقه بين الموائد متخطياً بلا هوادة المحافظ ومدير بنك الوحدة ورئيسة التحرير مشيراً بلطف ومحبة يعلم الجميع مقدار ما فيهما من زيف إلى عيني فاطمة الشاخصتين كعيني غريق بلا أمل في النجاة .

    في هذه اللحظة ، في هذه اللحظة تحديداً، يمكن للمرء وفق رواية "وكالة رويتر المحلية" لاحقاً أن يسمع "رنين إبرة الخياطة" إذا ما أُلقيت في "مكان ما داخل الحفلة"، حتى أن المحافظ نظر إلى عطسة مدير البنك المباغتة نظرته إلى رجل طرق باب بيته "أثناء الجماع"، ثم سرى صوتها الحاد الرفيع ذو المنحنيات المبحوحة عبر مكبرات الصوت أخيراً: "سيداتي آنساتي سادتي.. مشاعل حضارة هذه المدينة الواعدة... مساء الخير وبعد.... وإنه ليسُر الأسرة الكريمة تشريفكم لها بالحضور... بمناسبة حفل عيد ميلاد أختي الكبرى... وبسبب صداقة الأسرة لطيار ماهر يعمل في خطوطنا الجوية الحبيبة... أزفُّ لكم ذلك الخبر الجميل... خبر وصول أخر أغنيات فتى أسبانيا الذهبي "خوليو" وأنشودة الحبّ الفرنسي الساخن "جيلبير"... وأعتقد أمام هذين الرائعين لا مجال لمطرب متواضع آخر مثل عثمان حسين ...

    - "برافو... برافو برافو" .

    هكذا في الوقت الذي اتجهت فيه أنظار الجميع إلى فاطمة التي لم تحتمل أكثر وحمل وجهها من علامات الغيرة ما يكفي لإشعال غابة من أشجار السنط الغضة اقتحمت المشهد صيحة مدير البنك الذي نال درجة الماجستير في " اقتصاد الدجاج " من جامعة "السوربون "، والذي لم يستطع أن يتمالك نفسه فيما بدا أكثر من ذلك فأجهش في البكاء بغتة ، آنئذ ربت المحافظ الجالس إلى جواره على كتفه كمن أراد أن يعتذر بعد أن تسبب في أذى روح طيبة كان ذنبها الوحيد أنها عطست في موقف لا يحتمل سوى الصمت التام ، بينما أمكن للمقربين سماع صوت رئيسة التحرير وهي تهز رأسها كمن يتفهم عذابات الروح الخفية للإنسان .. أي إنسان وهو يقول : " البكاء ليس عاطفة نسائية فحسب "!، مثل تحية صادرة عن قلب ملء نبضه الحبّ والأسى والحنين، مثل نسمة أوروبية تلثم مدارات خطّ الاستواء القائظة، انساب حالماً مترعاً شفيفاً مطعماً بالأمل كيد المطر الخفيف الحانية ، لحنُ رائعة جيلبير: "إيه مينتونان"؟!.

    "وكالة رويتر المحلية " ، التي سبق لها وأن ذهبت إلى البنك ذات نهار قائظ بعد أن تزايد الجدل في المدينة حاملة في يدها مجموعة من " الطيور المريضة " قبل أن تدرك " الفرق " أو " الاختلاف القاطع " ما بين " اقتصاد الدجاج " وذلك المدعو " طبّ الدجاج "، سألته باسمة عن سر "تلك الدموع الغزيرة تفيض من عينيك أثناء الحفلة "، قال إنه تذكر وقتها " ليلة باريسية بعيدة "، و لم يُزد.




    هذا التحول في "ثقافة إناث الأسرة"، الذي أزعج عند بدايته "وكالة رويتر المحلية"، بل وجعلها بكلماته "العصّية" تنظر إلى نفسها في كثير من الأحيان كـ "هاتف بلا حرارة"، لم يكن وليد يوم وليلة، فما إن حلت إجازة ذلك العام الدراسي، حتى أرسلت أمي أختيَّ إلى الخرطوم، حيث يعيش خالي الفنان التشكيلي وبناته الثلاث المنحدرات من أم إنجليزية، وحيث كانت عمليات غسيل المخ تجري تحت شعار ورد أيضاً في رسالة أخرى رافقتهما إلى شقيقها الوحيد: "إنقاذ ما تبقى من شرف العائلة الكريمة"، بينما كاد مؤشر الراديو في غيابهما أن ينسى داخل البيت ملامح "هنا.. أم درمان"، وقد أدمن التجوال حتى خلال الإجازات الدراسية اللاحقة بين الأقسام العربية لإذاعات "موسكو" و "مونتي كارلو" و "صوت أميركا"، ولم يكن ميالاً للوقوف طويلا ًعند الطابع الإخباري المتكرر لهيئة الإذاعة البريطانية.

    والحق كانت أختاي من الذكاء بمكان أن أجادتا الأكل بالشوكة والسكين في وقت وجيز، فضلاً عن ارتداء البناطيل الضيقة، التي أدخلت أمي لفترة من الوقت في دوامة من المتناقضات الداخلية العميقة، "يا الله ... ما الفرق إذن ما بين العهر والحضارة"، هكذا تساءلت ذات أصيل أعقب عودتهما الأولى من الخرطوم بأيام ، وهي تراقب ظهريهما في حيرة وهما تسيران عبر الفناء إلى زيارة ما كعارضتي أزياء هبطتا للتو من سياق أحد أخبار الموضة الأوروبية المتلفزة، لكن الرغبة في الانتقام من غريمتها فاطمة كانت تطغى آنذاك على كل احتمال ينشأ داخل مركز تفكيرها المستثار منذ أن نطقتا باسم ذينيك المطربين الشعبيين تحت سمع وبصر "وكالة رويتر المحلية"، لكن ما بدا في أول الأمر شاذاً وغريباً، بل ومستهجناً من قبل ما أطلق عليهم المحافظ في إحدى خطب عيد الاستقلال اسم " ( بُقع ) الرجعية في ثوب المدينة الحضاري الأبيض الناصع"، سرعان ما تحول إلى حمَّى اجتاحت على فترات متقاربة "شبيبة المستقبل المشرق"، وهي عبارة ذكرت "الوكالة" أن أمي تقالتها أول مرة عند بدء سلسلة حفلات "الديسكو"، التي ظلت تقيمها في نهايات الأسبوع عادة ، غير عابئة بتحذيرات "البُقع" المتكررة من عواقب الاستمرار في: "أعمال الفجور جالبة البلايا والأهوال"، إذ كانت مشغولة وقتها بجهود "الصفوة" الحثيثة لإشاعة لُعبة " الكريكت " في مدينة لا تعرف "للأسف الشديد" على حد قولها سوى " كرة القدم وسباق الحمير " !.

    حين بدأ جمع التبرعات لبناء " مسرح يليق بسمعة المدينة الحضارية "، على حد تعبير أمين حزب التقدم النشط ، قالت أمي و هي ترجع بظهرها إلى مسند الكرسي وقد ظهرت عليها إمارات التعب جلياً إنها بدأت تشعر كمن يحلق في الفضاء بجناح قوي وحيد .

    أدرك أبي مغزى الرسالة فتقمصت روحه الرغبة الصادقة لتقوية الجناح الآخر طواعية، قائلا كمن يهب للقيام بإحدى المهام التي تتطلب استعدادا خاصّا : " لابد أن تحتفظ الأسرة بموقع الصدارة الحضاري "، هكذا اندفع بحماس "منقطع النظير" إلى المشاركة في "الأعمال المنزلية"، كأن يقوم بتنظيف الحمامات والمراحيض ليلاً، كان يفعل ذلك "إسهاماً شخصياً من جانبي" كما كان يحلو له أن يقول لحظة الانتهاء من تقطيع حزمة البصل إلى حلقات صغيرة في " دعم مجهود والدتكم الحضاري ".

    "وكالة رويتر المحلية" التي تكاد تشرف حتى على "تلاقح الضفادع في الخريف" وفق ما جاء على لسان ناظر المدرسة الأميرية "الذي غدا عصبياً على نحو واضح بعد كبيرة مُسيلمة الكذاب" أشاعت أن أبي كان يفعل ذلك "في واقع الأمر" مخافة أن يُدرج اسمه ذات يوم في "القائمة السوداء"، التي تنشرها من وقت لآخر مجلة "نهضة المرأة " بدعم شخصي من المحافظ كما يُردد في الخفاء عادة ، وهي قائمة تضم " أسماء الأزواج الذين يمارسون التمييز ضد المرأة داخل المنازل سراً " ، على الرغم من مظهرهم "الحضاري المُخادع"، حسبما ورد في إحدى افتتاحيات رئيسة التحرير، فيما هي تقدم لـ "السيدات القارئات/السادة القراء" باباً جديداً حمل عنوان: "نحو تعليم الرجال فنون المطبخ العصري"، وترد في الوقت نفسه على رسالة مطولة " موقعة بالأحرف الأولى فقط "، كانت قد بعثت بها "إحدى السيدات الثائرات "، تمنّت خلالها أن تتحرر المرأة في "القريب العاجل" وأن تشهد بنفسها "ذلك اليوم الذي تُفرغ فيه المرأة مثانتها على قارعة الطريق مثل رجل عادي "!!!.

    هكذا على خلاف صلاح "زوج فاطمة" الذي ظل لوقت طويل كمن يتأرجح على الهاوية، أدرك أبي من خبرة أسلافه التجار أن المسئولين أصحاب الحل والعقد في المدينة كانوا "وراء نماء شجرة المحصول الحضاري"، فبدأ مبكراً في إخماد نار التقاليد التي بدأت تشتعل خلف مظهره كمفتش زراعي من الدرجة الثالثة، متغاضياً عن انتهاك أشياء كان يراها من "الثوابت"، كأن يبارك رغبة أختي الكبرى في أن تعمل كـ "موديل" لطالب "موهوب" كان يدرس في "كلية الفنون الجميلة" أثناء دراستها في الجامعة ، "إسهاماً مني" كما كانت تقول متأثرة بآراء خالي التشكيلي في " استكشاف جوهر جماليات الجسد الأنثوي الذي أخفاه الثوب التقليدي لقرون خلت " .

    لربما... أو لهذا "الوفاء الحضاري"، حسبما أوضحت "وكالة رويتر المحلية" مخففة من شواظ ظهيرة ألمت بمدير البنك في إحدى لحظات انقطاع التيار الكهربائي المتكرر، مُنح أبي ترقية استثنائية داخل "الهرم الوظيفي" مهدت له الطريق إلى العمل في المقر الإداري للمؤسسة الزراعية بعيداً عن الريف بمياه شربه "الراكدة" وهيئة سكانه التي كانت تذكره دائماً بحظه "العاثر" في الحياة، "أيها السادة زارعو الحضارة من قال قبلي أنا إن حقول السعادة بلا أعشاب ضارة "، هكذا شرع أبي يتفلسف في عمله الجديد، مستشعراً وطأة الفراغ بين جدران مكتب فخم به ثلاجة صغيرة "فاضت قنواتها بُعلب المياه الغازية" تدخله فقط وعلى فترات متباعدة وجوه حليقة "معنوياتها لا تشبه نضرة الأزهار"، حتى أن أفكاراً غامضة حول الحياة والموت بدأت مثل الجراد " تُـداهـم تلك الحديقة المُبهجة في الربيع "، الأمر الذي لم ينقذه منه شيء سوى زيارة الأسرة إلى بيت مدير عام المؤسسة الزراعية في "عيد الحبّ" .

    كانت سانحة طيبة أهداه خلالها المدير مجموعة أعداد "نادرة" من مجلة " مودة " اللبنانية، حيث بدأت تتكشف لديه شيئاً بعد شيء تلك "الموهبة"، التي ظلت مطمورة مثل كنز "تحت تربة بستاني" لسنوات قضاها "يا لضياع حصاد شبابي..... بين ضراط بهائم الفلاحين"، لقد بدأت تتكون لديه كما قالت أختي الأصغر التي كانت بدورها تستعد لدخول الجامعة "ثقافة حضارية رهيبة"، انصبت بدرجة أساسية على معرفة مختلف "أنواع وخصائص وأسماء العطور العالمية"، كان ينتهز في مجالسه أدنى بادرة، كأن تقول أنت لا قدر الله "إن الهواء منعش ولطيف هذا المساء"، حتى يمطر آذانك بأسماء عطور لا يعلم إلاّ الله ما هي، ثم لا يهم وهو يشرع في بيان مميزات عطره المفضل نظريا إن كانت لديك وقتها الرغبة الأكيدة و الملحة في الدخول إلى المرحاض بأسرع قدم لديك!.




    بالمقابل ، كان لهذه"الحضارة" دموع قلّما رآها عالم المدينة الضيق ، وإن سمع عنها حدَّ الرثاء والشماتةً أحيانا، تلك كانت دموع الجارة ... أو أحزان فاطمة ، التي كاد أن يفضي بها "نجاح ماما المذهل" إلى "جنون لا عودة منه"، على حد تعبير أختي الكبرى التي عادت ذات إجازة بوجه مستثار حاملة لأمي أنباء عن أهمية قيام مظاهرات طلابية في " العام التالي " تطالب الحكومة بإصدار قوانين صارمة تتيح للزوجة أن ترفع ضد الزوج قضية طلاق وتعويض مالي ضخم في حالة ما إذا " ركب رأسه وصمم على ختان البنات " ، لكنها أبداً لم تحدثها عن الخطط السرية لتلك المظاهرات بشأن " المثليين " ! .

    زاد الأمر تعقيداً أن زوجها صلاح عاد في ذلك الصباح إلى البيت يشمله حزن ثقيل، دلف صافقاً باب الحوش وراءه، و "سيبقى صدى هذه الصفقة المدوي يتردد طويلاً " في أنحاء المدينة! ، حدث ذلك بعد ذهابه إلى الدكان بنحو الساعة أو أكثر قليل اً، كانت وقتها داخل المطبخ، تعد " طعام الغداء "، ظنت في البداية أن ابنتها الوحيدة "أمل"، التي غادرت منذ دقائق إلى مدرستها، قد نسيت شيئاً ما، ثم عادت لتسترده على عجل، لكنَّ هاجساً غامضاً دفعها إلى الخروج ...... "المسكينة... لم يرد إلى ذهنها... حتى تلك اللحظة.... أن المرحوم والد صلاح... الذي كان يمتلك نسخة أخرى من مفتاح باب الحوش... قد يعود غاضباً ذات يوم... وقد أضجرته رقدة المقابر الطويلة"، هكذا خرج الكلام من فم "وكالة رويتر المحلية"، وهي تحاول جاهدة أن تضع بعض التوابل على حكايتها في محاولة لتبديد ما تبقى من كرب ارتسم على وجه المحافظ عقب "زيارة ذلك الوزير المتعجرف التفقدية... المفاجئة"، و لاحظ لأول مرة الشُعيرات البيضاء التي غزت رأسها في وقت وجيز عندما قالت : "وذلك المسكين أيضاً... يا سيادة المحافظ... بعد أن قفل باب الحوش... مشي ببطء ... وقد أحنى رأسه... حتى أنه تجاوزها... دون أن يُلقي عليها نظرة واحدة... و "قسماً بالله ثلاثاً"... كما يقول الحاج محمود... لو بُعث والده من القبر حياً ... لما تعرّف عليه داخل تلك الملابس... التي فرضتها عليه فاطمة... كما تعلم... بعد عودة بنتي جارتها من إجازتها الأولى في الخرطوم".

    كان يرتدي بنطال "كوردرايت" أزرق ذا نهايات واسعة يعلوه قميص أحمر ذو أكمام جدُّ قصيرة أُطلقت عليه عبارة دراجة طويلة مفادها: "ذراعاه المشعرتان تحتضنان صيف حبيبة حضارية ماطر"، منتعلاً حذاء من "الكموش" الأخضر الباهت ذا قاعدتين مرتفعتين تحدثان لدى ملامسة الأرض "صوتاً مكتوماً"، ولربما... أو لهذا الصوت تحديداً، كان الرجال يقبلون على شرائه ، "صوت" أطلق عليه سادة الموضة في الخرطوم عبارة لا تقل اشتعالاً في جيشانها العاطفي عن سابقتها : "مشية الحضاري الرصينة المُتقنة"، لقد تبدلت أسماء أشياء عديدة في تلك الأيام ، حتى أن الحاج محمود تساءل ذات يوم بغرابة شديدة : "يا وكالتنا... من أين يأتون بأسماء الشيطان هذه " .

    سارت وراءه ، وقد وافقت خطاها إيقاع خطواته البطيئة المثقلة ، "لابد أن كارثة أخرى في طريقها إلى تدمير ما تبقى من سلام المنزل"،هكذا حدست فاطمة، وهي تتابع تطاير ورقة صفراء نُزعت على نحو من الأنحاء من كتاب "ألف طريقة لصناعة الحلوى"، حقا ما عادت الأشياء هي الأشياء ، كانت "الهزائم الحضارية المتتالية"، على حد تعبير ناظر المدرسة الأميرية المعني بتدريس "تاريخ حروبات المهدي"، قد حفرت في نفسها عميقاً، لقد أصابتها بنوع من "اللامبالاة"، كان ثمة ريح شمالية جافة واهنة شيئاً ما، تزيل ما تبقى من نداوة ذلك الصباح، وهي تتخلل أغصان شجرة الليمون في أقصى الحوش، ثم تدفع بأوراقها المتساقطة الجافة نحو "مشية الحضاري المتقنة" البطيئة الحزينة هذه المرة، أخيراً تهالك على مقعد داخل صالة المعيشة، غائم النظرات، مشبكاً يديه فوق رأسه، ماداً ساقيه الملتفين نحو طرف سجادة فارسية شديدة الحمرة، بينما علا أزيز الثلاجة "كولدير" الجاثمة على يمينه في تزامن مع صوت الريح التي أخذت تولول في الخارج على حين غرة، كانت لا تزال واقفة إلى يساره داخل "قميص النوم الوردي الشفّاف"، تنظر إليه بعينين واجمتين، ولا تدري أية مصيبة ستقع على رأسها الآن ، "يا ترى.. بعد مرور كل هذه السنوات... ألا تزال ذكرى والده تؤلمه إلى هذه الدرجة ! ... أخبرني بالأمس فقط أنه ظل يزوره في المنام كثيراً... قال إنه يسأله بنصف لسان دائماً... يقول له... يا صلاح... يا ولدي العاق... لماذا تفعل هذا من بعدي.... ثم يؤنبه بوجه يسيل منه الدود... يا صلاح... يا ولدي... أمركم الآن لا يعجبني"، عندما أتت "وكالة رويتر المحلية" للمرة الثالثة على ذكر الموت " على هذا النحو المقزز " ، تلاشت ابتسامة المحافظ، وتقبض وجهه، فطفق ينظر مشمئزاً عبر نافذة مكتبه الزجاجية المطلة على ميدان الحرية الواسع، قبل أن يعود كما كان متابعاً مجرى الحكاية " الشهيرة " كبوصلة .

    في تلك اللحظة ، حين تراءى أمام عينيها مثل طيف حبيب آخذ في الذوبان والتلاشي شيئاً بعد شيء ، اقتربت منه خطوة ، ثم بصوت مرتعش خفيض ، خرج من بين شفتيها المرتجفتين ، السؤال الذي ظل يغلي في داخلها طويلاً كمرجل :

    - " ما بك ... يا (أبو أمل)" ؟!.

    وقد تدحرجت دمعته الخرساء أمام عينيها لأول مرة:

    - " لاشيء " .

    ما إن اقتربت منه أكثر ماسحة على رأسه براحتها التي كانت تعبق برائحة خليط الثوم واللحمة وشرائح البطاطس الطازجة، حتى حدث ما لم يخطر من قبل على ذهن امرأة ظنت نفسها إلى ذلك الحين أنها "قطعت في سباق الحضارة خطوات".

    هب واقفاً دافعاً إياها نحو السجادة بقوة أسقطتها أرضاً، ثم استدار بجزعه كله وأخذ يدق حائط الصالة بقبضتيه ناشجاً منتحبا، قبل أن يمزق على التوالي القميص الأحمر وبنطال "الكوردرايت"، قاذفاً بحذاء "الكموش" كيفما اتفق لتستقر إحدى فردتيه فوق رأس الثلاجة كولدير كما بدا لعينيها المذعورتين في " كآبة " ، كانت تحاول جاهدة أن تلملم ما تبقى لها من أعصاب، وهي تزحف نحو ركن بعيد وتراقب بعيني فأر بركان الغضب الذي تفجر داخل زوجها ..... بغتة ، كانت قسوة الحائط تضغط على ظهرها، المسافة القصيرة تضيق ، وكثيرة هي الدموع التي سالت على وجنتيها قبل أن يتوقف أخيراً و يُحكم قبضته على ذقنها المرتعش ، هكذا ، عوضاً عن تحقق كل تلك المخاوف، وجدت نفسها منطرحة فوق السجادة، عارية تماماً، ساقاها معلقتان على كتفيها، مسامها تتشرب ذلك الخدر اللذيذ الحارق، يداها تنقبضان وتنبسطان ثم تمسدان ظهر الثقل الجاثم فوقها بذهول ، بينما كان يعلو ويهبط بين أحضانها مثل ثور .

    هنا، هنا فقط، خطر على ذهن الحاج محمود ذلك السؤال: "كيف يتسنى الكلام لعانس.. لم تذق طعم الرجال قطّ... وتصف مثل هذه المسائل.... بمثل هذه الفصاحة والدقة التي يسيل لها لُعاب المراهقين"، عبر تلميحات غامضة وطرق ملتوية عديدة، طرقت النميمة في الأخير أذن "وكالة رويتر المحلية"،لم تغضب، أو تحاول نفي التهمة المبطنة عنها، بل ردت على السؤال بسؤال مضاد بعد أن وضح لها مصدر الهجوم الحقيقي عليها، قائلة بذات التهكم : " وكيف يتأتى لمُسيلمة الكذاب أن يعرف ما دار في ( ذهن) الحاج وقتها"؟!.

    في أماكن أخرى أشاعت "وكالة رويتر المحلية" أن "مصادر لا تكذب أبداً"، أخبرتها أن أبي "الذاهب إلى عمله في مكتبه المزدحم بنباتات الظل والمزدانة شرفاته بزهور الياسمين البيضاء" قد قضى في ذلك الصباح على صلاح "زوج فاطمة" بلكمة "حضارية معتبرة"، موضحة أنه كان يبيع شيئاً "لم تذكر المصادر اسمه" لمجموعة من "الشابات الحضاريات الذاهبات إلى عملهن في مجلة نهضة المرأة"، عندما توقف أبي "الذي بدا وكأن الأرض انشقت عنه فجأة" أمام الدكان، مخاطباً جاره من وسط الشارع بصورة "أثارت ضحك الحضاريات الساخر"، قائلاً: "أيها الجار الطيب.... ثم لندخل في موضوع الساعة الحضاري مباشرة... لقد شكا لي شباب المستقبل النابغة... مرير الشكوى طبعاً... أن البضاعة خاصتكم خالية من العطور الحديثة... وطبعاً أنا أعتقد جازماً منطلقاً من موقعي كحضاري نافع... أن لإصراركم على بيع عطور "بنت السودان"... ثم "خيول جيش المهدية"... وحتى طبعاً "كولونيا خمس خمسات المصرية"... لهو طبعاً أمر معيق لعمل المسئولين الكبار من أجل التقدم"، وأضافت "الوكالة" نقلاً عن "المصادر" أن صلاح لم يفعل شيئاً وقتها "سوى أنه فتح وقفل.. ثم فتح وقفل... ثم فتح وقفل فمه في بلاهة تسببت في بعث موجة أخرى من ضحك الحضاريات"، لكنَّ تلك بأية حال لم تكن مأساة فاطمة الأخيرة، على الرغم من أنها بحسب ما جاء في أحد المجالس قد "عادت عليها بفائدة ما"، وهو ذات المجلس المنعقد وقت الظهيرة داخل الميناء أثناء راحة الحمّالين أسفل إحدى أشجار الكافور الضخمة العائدة إلى أيام الإنجليز، حيث أشاد أحدهم آنذاك بما أسماه "شياطين وكالة رويتر المحلية" الذين "يخبرونها في الليل والناس في سابع نومة بأدق أسرار المدينة حتى لقد جاء أحدهم إلى الحاج محمود في هيئة كلب أسود ليُشهده على مُسيلمة الكذاب ويخبره بذلك عما يخجل هو نفسه من فعله حتى لا يصب بعد ذلك اللعنة عليه وحده".




    شيئاً فشيئاً أحياناً، وعبر قفزات نوعية أحياناً أخرى، بدأ "البون الحضاري" في الاتساع بين الجارتين، سوى حروب النميمة والشائعات، سوى تبادل الهجاء صراحة وضمناً عبر الجدار الفاصل من حين لآخر، لم يعد ثمة ما يصل بينهما خلال الآونة الأخيرة، عدا شخص واحد، لعلكم قد عرفتموه الآن يا أصدقائي ، أجل..... "وكالة رويتر المحلية"، التي ظلت تحتفظ على نحو ما وفي أحلك الظروف بعلاقات طيبة مع جميع الأطراف، وهو أمر توضح لاحقاً، حين ماتت أثناء النوم ورأى الناس: كيف سار أبي وصلاح وأمين الحزب والمحافظ وأعداء كـُثر خلف نعش واحد، حتى أن الحاج محمود توكأ على كتف مسيلمة الكذاب ومضيا هكذا متقاربين متأثرين، لكأنهما في طريقهما لدفن عداوات قديمة، أو لكأن قانوناً آخر كان يحكم تلك اللحظة العصيبة من حياة المدينة.

    فبينما موسيقى "البيتلز" و "جون ترافولتا" الصاعد بقوة آنذاك أو لربما كان ذلك "جيمس كليف" فضلاً عن أسطورة الغناء الفرنسي "أديث بياف" تصدح خلال حفلات "الديسكو" من جهاز أهدته المحافظة إلى أمي في أحد مهرجانات "عيد الربيع" - "تقديراً لجهودها الحضارية الرائدة"، كانت فاطمة تسعى في نفس التوقيت إلى إقامة "طقوس السحر وشعائر الزار البائدة" حسبما أشارت إليه مجلة "نهضة المرأة" أثناء حملة صحفية استهدفت "جيوب التخلف" ، إلى أن جاءت "قشة الغريق" في ذلك اليوم وتراقصت أمام عينيها كتراقص البرق أمام مزارع حرث الأرض وبذر ثم تسمّرت عيناه قبالة الأفق الشرقي في انتظار المطر بعد طول غياب أو محل طال الأخضر واليابس ولم يذر .

    "وكالة رويتر المحلية" أشارت إليها آنذاك بشيء قال عنه الحاج محمود: "هذه فكرة خارجة من رأس شيطان ما ولا ريب "، وفي مثل تلك الظروف، ما كان لقوى أن تمنعها من "تذوق طعم الانتصار الحضاري" مرة أخرى، حتى لو تعلق الأمر هنا بتنفيذ "فكرة خارجة من رأس شيطان أحمر"، وبدا أن مجتمع "الصفوة" وهو يتقبلها في صفوفه مرة أخرى كأب يفتح ذراعيه أمام "عودة الابن الضال"، إذ بلغها أن "رئيسة التحرير" الولود أخذت تديُر القلم من طرفيه، وهي تتلقى "نبأ انبعاثها" من جديد، وما إن تيقنت من "عناصر النبأ"، وكانت تضع هذه المرة رأس القلم بين شفتيها، حتى ابتسمت داخل مكتبها لأول مرة، وتساءلت : "وهل يمنع عُسر الولادة من تكرار المحاولة مرة ومرة "؟!.

    راقت صلاح فكرة " الانتقام التاريخي "، والحياة عادت تدب شيئاً بعد شيء في عروق شجرة الليمون، التي لم يذق حوضها المُزدان حديثاً بالطلاء الجيري وعلى مدى عام كامل شحَّ خلاله المطر سوى دم القرابين المقدمة أسبوعياً أثناء شعائر الزار وتلك الطقوس، وصورة والده المعاتبة، لم تعد تقلق منامه، حين عاد إلى ارتداء "الملابس الأفرنجية" طواعية، لكأني أراه الآن، يقتني موضة ذلك العام، مفاخراً على أبواب الستين بقميصه الوردي الذي أطلق عليه سادة الموضة في الخرطوم عبارة ساحرة مفادها "هاهنا.. حبيبتي..... مستقر حلمتيك"، مجادلاً الحاج محمود بين الحين والحين في "حرمة الذهاب به إلى صلاة الجماعة"، مؤكداً على الدوام أن: "النجاسة يا حاج.. ليست في التسمية.... بل في الملابس"، فانياً في عشق بنطال التيل البني ذي الجيوب الجانبية المنتفخة "مرحباً تكساس"، وأي صوت كانت تصدره قدماه عندما ينتعل في المناسبات الخاصة "حذاء خروتشوف الأممي الرهيب" ! .



    آنذاك، وقد لاحظتْ أن "السباق الحضاري" لم يعد "مثيراً" كما كان من قبل، أشارت "وكالة رويتر المحلية" قبل رحيلها بشهور معدودة إلى ضرورة أن تسافر ابنتهما الوحيدة "أمل"، كانت تتحدث بكلمات هزت نبرة الصدق فيها شغاف قلب فاطمة، موضحة بهيئة "الناصح الأمين" نفسها أن في" لندن " يمكنها أن تتعلم "النجاح الحضاري من منابعه الأصلية". هكذا، دون أن يدري، وقع صلاح تحت وطأة مطالب قادته في ظرف عام واحد إلى إعلان إفلاسه كتاجر صغير، بينما انقطعتْ أخبار ابنتهما بعد سفرها بنحو ثلاثة أشهر، وحتى الآن،يا أصدقائي، مازلت أتساءل: كيف ستقف " أمل "، إذا عادت في يوم ما، على قبر والدتها، الذي محتْ الأمطار معالمه منذ أمد بعيد؟!.
                  

01-10-2005, 08:15 PM

elsharief
<aelsharief
تاريخ التسجيل: 02-05-2003
مجموع المشاركات: 6709

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: elsharief)

    Quote:

    القاص السودانى عبد الحميد البرنس: الهيئة المصريه احتفت بالتجانى يوسف بشير بينما ظلمه ذوى القربى !


    احمد ضحية
    [email protected]
    الحوار المتمدن - العدد: 728 - 2004 / 1 / 29



    هذا العمل بمثابة الكارثة ان لم يضف اليه جنون الشعر وكيمياء الحنين !
    فى الشقة الصغيرة بحارة الصعايدة ( باب الخلق ) سالت صديقى عن المجموعة التى اقلبها بين يدى بعد ان قراتها بتمعن ( كيف يمكن لقاء هذا الشاب ) رد بتمتمة ثم نسينا الامر بعد ايام فى مجلة حضارة السودان اخبرنى صديقى الصحفىماجد : ( حددت لك مواعيد مع البرنس كما طلبت السابعة مساء الخميس ) بعدها باسبوع كنت مرهقا من القراءة والكتابة والسهر حتى الباح امام واجهة مستشفى جمال الدين الافغانى ( مصر الجديدة) وكانت مواعيد الحوار تقترب وانا منهك لا يمكننى ان انام ولدى كثير مما ينبغى عمله بعد اجراء العملية للصديقة التى حملناها للبيت . كانت الساعة وقتها الثالثة ظهرا فى شتاء القاهرة القارس حد الحصار اذن لم يتبقى لدى سوى ثلاث ساعات يجب ان اصل خلالها الى وسط البلد واكل شيئا وارتاح قليلا ثم اخذ دشا دافئا يزيل عنى اثر النعاس والارهاق وينعش ذاكرتى قليلا قمت بالاستعداد للخروج بعد ان شربت قهوة مركزة وعندما وصلت عابدين وتوقفت امام باب الشقة كانت الساعة قد اعلنت تمام الثامنه تاخرت ساعة فقط , كما لم اتوقع ؟!....
    استقبلنى البرنس بترحاب شديد ومودة غامرة دون لوم او عتاب شرحت له ملابسات التاخير . قال( حضرت لاجلك انت وليس لاجل الحوار) ولاكثر من ساعة جلسنا نستعيد ذكريات مشتركة فى رابطة الاصدقاء الادبية بكوستى , تعود الى منتصف ثمانينيات القرن الماضى . سال عن النيل الابيض وكوستى وملامح المدينه وذاكرة المكان والناس والاشياء والصديقات الايامى والاصدقاء الرائعين , عن كل شىء سال بنهم ولم يشبع وجدانه ابدا ؟!............
    كانت الملامح تعبر عن نفسها فى التواءات الذاكرة واثواءات الوجدان وتنقب عن كل ما انزوى خلال ثلاث عشرة عاما من نوستالجيا الحنين .. انها الغربة والاغتراب افضت بنا الى لحظة حاضرة تداولنا خلالها الرؤى وابتدا الحوار......... وعندما انتهى كنا قد اكملنا ارتشاف كوب القهوة السادس وتدخين اكثر من اربعين سيجارة وتسجيل ثلاثة كاسيتات كانت الساعة وقتها تعلن تمام الرابعة صباحا ودعنا الصديق ماجد وذهبنا نسعى الى غرفة البرنس البعيدة فى مدينة نصر لنكمل حديث الذكريات من اللاد البعيدة فى وحول بلاد بعيدة تنهض فى الالم والتمزق مزكومة بمناخ التحولات الغامضة ............
    نص الجزء الاول من الحوار
    احمد ضحية

    وقفة
    س: يقول دكتور صلاح السروى عن قصتك القصيرة جدا (وقفة) ( اننا لا نلمح اثرا للراوى ) ويشير الاستاذ عيسى الحلو للالتباس الذى يحدثه موقع المؤلف من الراوى او البطل ( اذا كان كل هؤلاء هم واحد ) ولفك الالتباس حتى لا يبدو النص كانه يروى نفسه يؤكد الحلو ان هناك مسافة بين الراوى وبطل القصة وقفه .. كيف تنظر استاذ عبد الحميد البرنس لهذين الموقفين فى القراءة النقد لهذه القصة ؟
    ج: وفقا لفهمى اشارة صلاح السروى تعنى ان الابهام داخل النص يتيح كل التاويلات الممكنه مما ينتج لنا نصا مفتوحا فى مقابل النص المغلق على حد تعبيره لكن عبيسى الحلو فى حدود فهمى اشار الى شىء اخر الا وهوجود مسافة بين الراوى والمؤلفلا انتفاء وجود هذه المسافه وتعليله ذلك(حتى يتحول الراوى الى شخصية خفية )على حد تعبيره وبمعنى اخر : للنص حديثه ايضا ..( حتى تبدو القصة هنا كما لو كانت تكتب نفسها بنفسها ) وعيسى الحلو هنا يستند الى نظرية باختين لمدار العلاقة بين المؤلف والبطل وهى علاقة تقوم كما يستشهد عيسى الحلو بميخائيل باختين اجمالا على القول ان معنى الحياة يصبح مقوما ممكنا فى البناء الجمالى فقط اذا ما نظر للحياة من الخارج ككل .. ولهذا لا يمكن الاحاطة بها الا اذا احيطت بافق شخص اخر ولعل ضمير الغائب الذى تم خلاله السرد يفك هذا الالتباس وعموما ينجح العمل الادبى كلما ابتعد عن الذاتى او الشخصانى .
    مشكل الوسط الثقافى:
    لكن سؤالك يثير من جهة اخرى الجدل حول وجود اشكالية فى الوسط الثقافى بالغة الخطورة يجب الانتباه اليها سواء على مستوى الوصف او التحليل الا وهى مطابقىة البعض بين شخصيات المؤلف الحقيقية والراوى او بطل عمل ابداعى ما وهو امر عانى منه الطيب صالح بل واشار اليه حين نظر اليه البعض بوصفه مصطفى سعيد ( بطل رائعته موسم الهجرة الى الشمال ) شخصيا ولا ادرى ما الذى كان سيفعله الطيب صالح اذا كان مصطفى سعيد مثليا ؟!..فالربط بين الكاتب واحدى شخصياته يشكل على الدوام الية من اليات القمع تعمل على ان يتجنب الكاتب رسم شخصية من الشخصيات حتى لا يتم اتهامه شخصيا بممارسة هذا الفعل اوذاك وهى تهمة تؤدى بطريقة او اخرى الى موت الكاتب معنويا على الاقل فى مجتمع ابوى بالغ الصرامة وفى امريكا اللاتينية على سبيل المثال ليس للكاتب من سقف يحده سوى ضميره وقدراته الفنية وهو ما حدث بالنسبة لماركيز حين شرع فى كتابة حكاية موت معلن التى اراد من خلالها سرد وقائع اغتيال احد ادقاء طفولته فطلبت منه والدته وقتها الا يفعل لاسباب تتعلق بمشاعر اهل الضحية وماركيز نفسه الذى عمل على اعادة كتابة هذه الرواية قال كان من الممكن ان ان يكون هذا العمل بمثابة الكارثة ان لم يضف اليه جنون الشعر وكيمياء الحنين وذلك يعنى ان العمل الفنى حتى اذا تعلق احيانا باحداث هى جزء من سيرة الكاتب الذاتية فانه قد يكون من جهة
    حافلا بالاحداث بالاحكام الذالتية والعاطفية ومن جهة اخرى مجرد تعبير فوتغرافى عن التجربة فى غياب الخيال الذى يعمل دائما على ثراء الواقع وتوسيع ابعاده نرى من كل ذلك صعوبة المطابقة وخبثها احيانا واذا كان تشيخوف يعمل فى احدى مسرحياته على تعريف الموهبة بوصفها الجراة والعقل الحر وسعة الاطلاع فعلى الكتاب فى السودان ان يتناولوا قضايا هذا الواع كيفما اتفق ومهما كلفهم الامر من ثمن فقط علينا الوفاء بالشروط الفنية وعدم الوقوع فى اسر الخطابية والتقريرية والمباشرة وهو امر عمل على تجاوزه ابو الطيب المتنبىء حين قال ( انام ملء جفونى عن شواردها
    ويسهر الخلق جراها ويختصم) بمعنى انه يقول قصيدته ولا يشغل باله بعد ذلك ماذا يقول عنها اهل الكوفة او البصرة ....
    س: استكمالا لسؤالنا السابق .. هل تكتب عن شخصيات حقيقية بمعنى اخر كيف تعمل على بناء شخصياتك القصصية ؟
    الضعف الانسانى
    ج: ذلك يتم من خلال مصادر عديدة منها الواقع والخيال والقراءة لكتب الاخرين والاستماع الى الغير زومحاولة دراسة النفس البشرية فى المكان وكل ذلك يتم عبر مصفاة التامل ووضع الذات مكان الشخصية لمعرفة كيف تتصرف فى هذا الموقف اوذاك وذلك دون احكام قيمة مسبقة وبحب ايضا ولهذا السبب الاخير قمت برسم شخية( وكالة رويتر المحلية) فى قصة تداعيات فى بلاد بعيدة على تلك الشاكلة ربما كيما اتجنب الاراء الجاهزة التى من الممكن ان تعمل على تفسير عشقها للنميمة بوجود مركب نقص لديها فعلى الرغم من انها عانس الا انها حسب الراوى قمحية وممشوقة القوام وثرية وذات شعر ناعم ينسدل الى اعلا ردفيها بقليل وعيناها واسعتان وباختصار جميلة حتى ان الراوى نفسه يتساءل (..كل ذلك وغيره ما زلت اذكره بوضوح شديد لكن اكثر ما يشيع الاسى فى قلبى من هذه الذكريات ولا ادرى لماذا هو علمى ان وكالة رويتر المحلية قد ماتت فى منتصف العقد السادس من عمرها دون ان ينعم بستان جمالها الذابل لحظة بالماء المتدفق من قناة احد الرجال ؟؟..) وذلك يعنى ان السلوك الانسانى اكثر تعقيدا من تفسيره على هذا النحو او ذاك وان علينا ان نتعاطف مع الضعف الانسانى ونتجاوزه وربما لهذا شكل موت وكالة رويتر المحلية عامل توحيد لمجتمع تلك المدينه الذى تفجرت تناقضاته عقب سؤال المطرب المفضل فبناء الشخصية فى العمل السردى يتم من خلال مصادر عديدة فنموذج وكالة رويتر المحلية نفسه او نموذج الراوى الذى يمثل الناس الصاعدين فى الهرم الاجتماعى تحت شعار الغاية تبرر الوسيلة او نموذج جارة الراوى فاطمة كشخصية طموحة تفتقر الى الوسائل اللازمة والواقعية لتحقيق حلمها كل هذه الشخيات وغيرها لن تستوعبها شخصية واقعية حقيقية واحدة كيما تصبح نمطا قصصيا او روائيا دالا ..
    ابراز الشخصية
    بمعنى اذا اردنا رسم شخصية نمط الناس الذين يعشقون النميمة لسبب او اخر مثل وكالة رويتر المحلية فحتى يكون نموذجا بالغ الدلالة لا شك اننا سنتلفت حولنا وعندها سنرى عشرات الاشخاص الواقعيين ممن سمعنا عنهم او عايشناهم عن قرب هناك من تطرف عينه عند سماع او رواية خبر ذى فرقعة اجتماعية وهناك من ترتجف يداه من فرط اللذة لما يسمع او يقول وهنالك من يغدو فور سماع النبا او معايشته مثل ام العروس يقوم ويقعد ويتلفت يريد ان يرى وقع النبا فى مكان اخر وهكذا ان اخذ هذه السمة البارزة من هذا وذاك من شانه ان يعمل على ابراز الشخصية القصصية الممثلة لنموزج من السلوك الانسانى وكذا الحال بالنسبة لمفاهيم اخرى مثل الحب والكراهية والخيانه وغيرها ......
    نواصل الحوار فى الجزء الثانى


                  

01-10-2005, 08:16 PM

elsharief
<aelsharief
تاريخ التسجيل: 02-05-2003
مجموع المشاركات: 6709

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: elsharief)

    Quote: القاص السودانى عبد الحميد البرنس : الطيب صالح لو عاش فى السودان لوجد مصيرا مشابها !!!!


    احمد ضحية
    [email protected]
    الحوار المتمدن - العدد: 743 - 2004 / 2 / 13



    عبد الحميد البرنس قاص و صحافى سودانى شاب سودانى شاب . لاكثر من ثلاث عشرة سنه يعيش بالشقيقة مصر حيث تعاطى مع منابرها المتعددة ووجد مجالا حيويا لانضاج تجربته فى الكتابة .... قبيل هجرته الى كندا التقيناه وكان لنا معه هذا الحوار( الجزء الثانى )

    حوار : احمد ضحية
    حيرة
    بالاحالة لما سبق وبعيدا عن التقنية حول السياق التعبيرى اعنى .. هل يعد ما لاحظه النقاد تطويرا, فى اطار ما تقول به يمنى العيد حول ديموقراطية التعبير (الراوى الموقع والشكل ) او ما اسمته بموقع الراوى المنفتح على المواقع الاخرى ؟؟
    ج: فاتنى ان اقرا هذا الجزء من نتاج الناقدة المتميزة يمنى العيد . وقد اكون قرات لها ذلك فى فترة مبكرة ورسخ فى اللا وعى لكن ما اسميته نقلا عنها بديموقراطية التعبير مسالة بالغة الاهمية بالنسبة للكثير من الكتاب . فالكاتب المصرى ابراهيم اصلان مثلا يدعو الى ذات المضمون ولكن بتعبير اخر : الكتابة بعدل .. وحتى انا فى معرض نقدى لعبد الخالق محجوب فى مجلة ادب ونقد ( الاصولية والماركسية السودانية ) ذكرت مصطلح ديموقراطية تالكتابة اثناء تحليل النزعة الاصولية التى يستبطنها خطاب الحزب الشيوعى السودانى . فيما هو يسعى ظاهريا الى نقضها وتجاوزها نحو عقلانية مثل النسبية والحرية والتقدم وغير ذلك من القاموس المميز لخطابه تاريخيا !!....
    ديموقراطية الكتابة
    اقول بالنسبة لديموقراطية الكتابة كما يلاحظ الكثيرون معك هنا قصص : ( تداعيات فى بلاد بعيدة ) لا سيما القصص الثلاث الاخيرة . اقول فى هذا العدد ان ما يميز نتاج الكاتب الانجليزى الكبير وليم شكسبير انه داخل العمل الواح د نجح فى تخليق اكبر عدد ممكن من الانماط البشرية ذات الشخصيات المستقلة والمتباينه ودونك عطيل على سبيل المثال وهذا يعنى انه كلما تلاشت شخصية الكاتب واقتصر دورها فى اللاوعى على التنظيم والتدوين كوسيط محايد كلما اخذت شخصياته ملامحها التى تخصها فلا يكون هناك اقحام قسرى لاراء ومواقف الكاتب الذاتية عليها وهذا ما يعطى النص قوته وهذا ما نجده على سبيل المثال فى قصة حيرة التى تصور ما ساة الحرب الدائرة الان من زاوية تاثيرها على الراوى ووالدته فى مدينة امنه بعيدا عن جبهات القتال كذلك الامر ينطبق حتى فى اتساع رقعة المنولوج الداخلى فى قصة خليفة الاخ الوحيد للشقيقات الثلاث ..........
    تحرير الجسد الانثوى
    لكن اقصر القصص دلالة على هذا البعد وربما لطولها وتعدد شخصياتها هى بلا جدال القصة التى حمل الكتاب اسمها واعنى بالطبع هنا ( تداعيات فى بلاد بعيدة ) فمثلا نجد ان شقيقة الراوى الكبرى ارادت ان تعمل كموديل فى ذروة التغير الذى طرا على المدينة لطالب موهوب على حد تعبيرها يدرس فى كلية الفنون الجميلة وهى بذلك تعمل على خد تعبيرها على استكشاف جوهر جماليات الجسد الانسانى الانثوى الذى اخفاه الثوب التقليدى لقرون خلت.. والفتاة رغم انها تدرس وقت وقوع الاحداث فى جامعة الخرطوم ايام مجدها
    الا ان جملتها الاخيرة لن تكتسب صدقها وواقعيتها بعيدا عن تاثير الكاتب مالم يسبقها الراوى بعبارة : متاثرة باراء خالها الفنان التشكيلى الذى نعلم انه فنان ذهب الى الغرب وتزوج وانجب من سيدة انجليزية ثلاث بنات وكذا بالنسبة لوالد الراوى المفتش الزراعى الذى يستخدم فى لغة اليومىتعابير زراعية ويبنى مواقفه على خبرة اسلافه التجار على خلاف صلاح زوج فاطمة ذى التنشئة المثالية التى تتضح لنا من خلال كوابيسه الليلية وبعض مواقفه العنيفة المباغته .. هكذا نجد ان الديموقراطية فى النص تتمثل فى ان تتركالشخصيات تحدد هويتها وان تتصرف ككائنات مستقله لا كحوامل ايديولوجية باهته اذكر اننى دفعت بقراءة لمجموعة الكاتب المصرى احمد الشريف ( مسك الليل ) الصادرة عن دار ميريت الى جريدة الحياة اللندنية وحين نشر المقال تبين لى اننى حذفت من جانبى وبلا وعى كلمة العفن من هذا المقتطف : لم يبق لى سوى صديقى القديم الذى ترك بيته ومصنعه وحقوله وارثه العفن وتجرد من ملابسه وسار نحو الصحراء .. فكلمة العفن هنا هى ايديولوجيا بامتياز حكم قيمة مجانى ان الايديولوجيا تلزم الناس دائما برؤية العالم من زاوية واحدةوهنا تكمن خطورتها كرؤية قسرية بمعنى انها معرفة قبلية وليست معرفة بعدية قائمة على التجريب ... ونسبية الوقائع التاريخية والاجتماعية وفى مقابل موقف الراوى فى المقتطف السابق الماخوذ من احدى قصص الكاتب المصرى احمد الشريف نجد ان الراوى فى تداعيات فى بلاد بعيدة يذكر لنا ان شقيقته الكبرى لم تحدث والدته ابدا بشان الخطط السرية لتلك المظاهرات بشان المثليين اى انه لم يستخدم العبارة الشائعة بوصف هؤلاء : الشواذ جنسيا ...ان الايديولوجيا تنفى على الدوامالاخر المختلف وتستبعده وتعمل على تحقيره وتحرمه من حق الحياه سواء اكان ذلك ماديا او معنويا
    س: ماهو تاثير الغربة على عبد الحميد البرنس ؟


    ج: هذا سؤال يبعث على رثاء الذات للذات ولكن لا باس من تجديد الاحزان .. اتدرى اننى فى السنوات الاولى من )غربتى المتصلة اثناء اشتداد المرض : مرض الحنينالى الوطنكنت كنت انام فارانى اسير فى شوارع كوستى احادث الوجوه التى احببتها واحبتنى بصدق لكننى سرعان ما اصحومن نومى واجدنى مثل كائن غريب يعيش فى مدينه مصريه مزدحمه مثل القاهرة وامام سيل الخيبات المتكررة هذه شرعت فى التاكد داخل الحلم نفسه ان ما اراه ليس حلما بل الحقيقة ولكن هيهات فتلك لم تكن امى ولكن طيفهاوهذا لم يكن صديقى ... وهكذا ورغم ان هذا الجو انعكس بصورة او اخرى على قصتى : ليل زفاف نهلة الجميلة التى يحمل كتابى الثانى اسمها .. الا اننى اقول لك لا عزاء فى الغربة حتى ان كاتبا مثل ميلان كونديرا يجرى على لسان احدى الشخصيات فى خفة الكائن التى لا تحتمل ما نصه ان من يعيش فى الغربة يمشى فوق فضاء خاو مجرد من شبكة الرعاية الاجتماعية التى تحيط به كل كائن بشرى بلاده الام حيث توجد عائلته واصدقائه وحيث يستطيع ان يتحدث باللغة التى تعلمها منذ طفولته من دون اى مشقة وحين يفقد الانسان عالمه الاول لابد ان يصنع عالما اخر تحت تهديد دائم بالفقدان ومن ثم لا يسعه هنا سوى الترديد باسى مع بورخيس : اكتب لمجرد ان يخف مرور الزمن ان معنى العالم على هذا النحو اثقل من ان يحتمل هكذا تعمل الغربة على تضخيم هذه الحقيقة : زوال كل شىء ان الغربة تجعلك تجعلك تحس بوطاة الكلمات وانت تلمس جوهر رالاشياء وتبكيك اشياء اخرى ولقد جعلتنى بما اتاحته لى من مساحات للتامل ان اتوقف طويلا عند النماذج البشرية التى تمتلك مواهب ثريه فى واقع شديد الفقر مثل معاوية نور والتيجانى يوسف بشير ومحمد عبد الحى وصلاح محمد ابراهيم وغيرهم ولا انسى على عبد اللطيف ومن نبغ فى مجالات اخرى ...
    الموهبة المهدرة
    فمعاوية محمد نور الذى طارده الانجليز وحرموه الاستقرار فى السودان حسبما جاء فى كتاب مختار عجوبه خذله ابناء وطنه ولم يتيحوا له فرصة النمو داخل بلده بل انهم كانوا يتجاهلون ادبه وصدقه لقد كانوا دونه طرا فحسدوه وحقا بالله عليك يا احمد ما ذنب معاوية ان كان ذكيا فيكتب عنه احد الحكام الانجليز بانه ذكى جدا لا يصلح !!!.. مع ذلك يدرك كاتب مثل عباس محمود العقاد قيمة هذه الموهبة وتميزها ... اما اخى التجانى يوسف بشير فهو نموذج للموهبة المهدرة الاخر على حد تعبير عبد الله على ابراهيم واتصور انت الطيب صالح لو عاش داخل السودان لوجد مصيرا مشابها ودونكم كيف استقبله الناقد حامد حمداى حين وصلت اولى قصصه (نخلة على الجدول ) الى مجلة القصة التى كان يصدرها عثمان على نور وهو ما جاء تفصيلا فى كتاب محمد بدوى الهام : الطيب صالح : سيرة كاتب ونص .. ان ما اردت بيانه من وراء كل هذا هو ايلاء اهتمام اكبر بالمةاهب الناشئه فى السودان ورعايتها ما امكن تحت شعار : دعه يعمل دعه يمر وان نتجنب عادة واد المبدعين والسير وراء نعوشهم بدموع التماسيح ولا اريد ان اذكر بعض ما يتعلق بسيرة الفنان الراحل مصطفى سيد احمد خاصة فى القاهرة وهو ما لن يتحقق عبر طريق القمع المادى والمعنوى والصراع التناحرى ولكن عن طريق الحوار والنقد والتسامح ( الصراع الخلاق ) علينا فقط ان نتذكر ان ان احفاد الطيب صالح ومعاوية نور والتيجانى يوسف بشير وعامر مرسال وعلى عبد اللطيف وغيرهم يعيشون بيننا فى بقاع السودان المختلفة فقط علينا ان نكتشفهم ولكن ليس بعد فوات الاوان
                  

01-11-2005, 04:22 AM

Alsadig Alraady
<aAlsadig Alraady
تاريخ التسجيل: 03-18-2003
مجموع المشاركات: 788

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: elsharief)


    elsharief: طوقت عنق هذا البوست ، وعنقي خاصة بجميل ما تمدنا به من "مادة " ابداعية للبرنس ، وقد شكل حوار الزميل احمد ضحية معه اضافة قيمة شكرا لك وله وفي انتظار ما تيسر من الاضافات
                  

01-11-2005, 08:18 PM

elsharief
<aelsharief
تاريخ التسجيل: 02-05-2003
مجموع المشاركات: 6709

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: Alsadig Alraady)



    خليفة






    مع علمه أن المنزل خال من بقية سكانه، إلا أنه واظب بُعيد منتصف ذلك النهار على ممارسة عادته السرية بتكتم شديد، فإذا مضت دقائق تناهت إليه خلالها زغاريد عرس ابن الجيران، عابرة أثير الشارع الصغير المترب، كان يغالب للمرة الثانية حرقة الصابون تسري في تجويف عضوه المنتصب دون تأوه.

    لم يغادره إحساس النشوة بعد،حين رآه على ضوء الشمس المتسرب من خصاص الباب،يميل ببطء مترنحاً مثل رجل ثمل يسير علي سطح أملس غمرته مياه الغسيل الرغوية ، ينكمش نحو منبت الساقين ، ينزلق دافئاً متقافزاً على فخذه الأيسر المنبسط فوق أرضية الحمّام الأسمنتية الرطبة، بينما لا يزال غناء البنات يهب من الخارج ، شاكياً جفاء الحبيب تارة ، و مُبدياً مخاوف من غيابه المحتمل دون وداع تارة أخرى :

    الليلة ْ... مُسافِرْ
    .....
    أنا أنا
    .....
    ما جَبَرَ الخَاطِرْ
    .....
    .....
    دي كم سنة ؟!.




    لا ريب أن جَدّه أورثه "فراغ العين"، ذلك تعبير تناهى إليه لأول مرة من حكايات عمّته "الأرملة العاقر"، التي ظلت تشاركه الحجرة منذ أن مات زوجها الثالث " بين أحضانها " كما يشاع داخل الأسرة في الخفاء قبل ثلاثة أعوام ونيف ، "رحمه الله... يا ولدي"، أربع كن في عصمته على الدوام، الخامسة تحل بسلاسة في مكان الأولى أو الراحلة، لكأن سحراً كان يدفعهن لقبول مصيرهن اللائى كن يعلمنه مسبقاً دون تذمر، فتلك كانت " يا ولدي " عادته، يرمي يمين الطلاق ثلاثاً، ثم يقودها في موكب الهدايا الطويل إلى أهلها محملة بالمال، قبل أن يطرق باب بيت آخر يعرف كنوزه المخبوءة وتعرفه جيداً، فإذا أشرف على الموت ذات ليلة شتائية دامسة أكثر من الدعاء ، طالباً من الله بمقلة باكية أن يورثه في الجنّة من بنات الحور العين ما لذَّ وطاب ، كذلك تضحك عمّته التي تركها جده حين غادر العالم رضيعة ، و هي تسافر مرة أخرى ، في ثنايا ذلك " الماضي الجميل " ، قائلة : " رحمه الله … يا ولدي لقد كان فارساً .. يقتلع الشجرة من جذوعها دون معونة من فأس أو أحد ......... لم يكن من رجال هذا الزمان .. وما فعله كان برضاهن وفي الحلال " .

    كان كالطفل في بستان المانجو ، بالكاد يتذوق ثمرة ، يده اليسرى تضغط على أخرى ذات قوام ناعم لدن ، وعيناه لا تنفكان من قضم صدور الأفرع البعيدة " الناهدة " ، يا لها من فحولة، بددتْ الثروة ، ولم تـُنجب ، على مدى أعوامها التسعين ، سوى والده وعمّته عند الزيجة الحادية عشرة والأخيرة .

    لكنه على خلاف جدّه، لا يدري على وجه الدقة، كم طيف امرأة من معارفه ونجمات السينما، جأر باللذة فوق سرير خياله منذ أن بلغ الحلم قبل عام أو يزيد، ما إن يتوغل في ثنايا دهليز ضيق يتوسط ملتقى ساقين بيضاوين يُشبه مدخله المُشعر بقعة العسل تكاد تغوص في كوب الحليب الطازج، أو يشد إليه عجيزة خلاسية أبصرها ذات نهار قائظ تروي ظمأ العيون على امتداد شارع تحف جانبيه واجهات المحلات الزجاجية، حتى يدفن رأسه في صدر أبنوسية غادرت الأدغال للتو .

    يظل على هذا المنوال من ضروب الشراهة، لا يلوي على شيء ، إلى أن يقذف ماء الحمام في رحم البالوعة بآخر دفقاته، عندئذ فقط يداهمه إحساس بالذنب لا يطاق، ومع أنه استعاذ بالله في سره من همزات الشياطين آلاف المرات، إلا أنه ما برح يراوده فور أن يخلع سرواله ويشتم رائحة الصابون، الصفيرُ يطلقه فم الراعي حين يرفع البعير عنقه ناظراً إلى حوض الماء في حذر، أو أنين الأنثى ساعة يلهث في خصومة ساقيها طالباً المزيد من الرواء.




    كان غناء الصبايا المصاحب لإيقاع "الدلوكة" لا يزال ينساب فوق لغط المحتفلين أسفل السرادق الضخم الذي أقيم منذ الصباح الباكر أمام بيت الجيران، والصقور تحلق في قبة السماء الصافية التماساً للبرد أو احتماء من شواظ الشمس التي بدت في ميلانها المحدود نحو الغرب وكأنها غاضبة من أفراح البشر الصغيرة، عندما خرج أخيراً من الحمَّام متجهاً عبر أرض الحوش الترابية الحارقة إلى حجرة شقيقاته الثلاث، حيث درج في غيابهن منذ مدة على تصفيف شعره الماعزي قبالة " تسريحة الخشب العتيقة "، تلك القطعة من الأثاث ذات المرآة المصقولة والنقوش الذهبية الباهتة التي صاغتها بعناية أيدي الحرفيين خلال الربع الأول من القرن العشرين في روما، كانت الأثر المادي الوحيد الذي دلَّ الأحفاد فيما يبدو على وجود ثروة الجدّ الآفلة.

    وكعادته في مثل هذه الأوقات التي يكون فيها وحيداً ، شرع يتخيل بنوع من الفخر نساء جدّه ، وهن يتعاقبن على الجلوس أمام المرآة نفسها، وحين انتهى تماماً من تنظيف المشط من خصلات شعر الشقيقات العالقة بأسفله ، وكان عليه حسب أوامر والدته أن يشارك الجيران أفراحهم منذ وقت مبكر ، توقف قلبه وجمد كتمثال من الفرحة، حتى أن دوي البنادق الذي مازج الزغاريد في الخارج فجأة لم يُحرِّك فيه خلجة واحدة ، و لو أن أحداً من الناس سئل عن معنى السعادة وأبصره على تلك الهيئة لأشار إليه دونما تردد، حدث ذلك عندما رآه هناك، كان يطل من جوف المرآة نصف المُترب على استحياء، شارب خفيف نابت، لا تكاد تلحظ وجوده عينا خاطبة " شَبـِمه "، لكنه بدا له في تلك اللحظة ولسبب ما أكبر حجماً من شارب جدّه القابع في وضع الأبد بين برواز الخشب الباهت المعلق على جدار الديوان منذ أن تفتحت أزهار وعيه الغضة على الحياة.

    هكذا في ظرف أقل من ثانية أخذت حجرة الشقيقات تشهد ما يُشبه طقوس الاحتفال العفوي الحار ، إذ فرد ذراعيه كطائر ، ودار حول نفسه بحركة لا شعورية ، ثم قرَّب وجهه من سطح المرآة أكثر فأكثر ، رفع يده محاولاً كتم أنفاسه اللاهثة متحسساً متلمساً جاذباً برفق الزغب الخفيف المتقوس أسفل منخريه ، قبل أن تنهار وتغرق جبال أفراحه كما طفت في بحر عواطفه المتلاطم دفعة واحدة ، لكأن طلقة من بنادق المحتفلين ضلت طريقها في الفضاء إلى قلبه ، إذ خُيل إليه على حين غرة أن بعض ثياب شقيقاته الداخلية يمد لسانه ساخراً من فرحة دخوله " المباغتة " إلى "عالم الرجال" ، ما يثير حنقه ، ما يحرق شغاف نفسه ، ما يتلف أعصابه حقاً ، هو عدم اكتراثهن أحياناً بإخفاء مثل هذه الملابس " في مكان حصين لا تطاله عين الغرباء " .

    يمكن تخيل أبعاد الفجيعة جيداً ، "لا قدر الله ذلك البلاء" ، لو نشب خلاف وصل إلى حد الاحتراب بينه وبين أحد أصدقائه ممن يزورونه في البيت من وقت لآخر ، لا شك أن الأمر لن يتوقف عند حدود اللكم والرفس وتبادل القذف بالأحجار الصغيرة ، بل سيقف على قارعة الطريق، ويسبه أمام الملأ بأعلى صوته قائلاً : " يا شقيق ذات اللباس الأخضر "، وعندئذ هل يوجد صاحب ضمير من بين أولئك المارة أو الجيران يمكنه أن يتحرّى الدقة عن حق لمعرفة متى وأين وكيف رأى الصديق ذلك اللباس "اللعين"؟!.




    واصل التحديق في الشارب على مضض ، متظاهراً كأن شيئاً لم يكن من "سفاهة النساء"، وقد عقد العزم على أن يلقنهن درساً آخر في "مبادئ الحشمة"، على الرغم من أنهن يكبرنه بسنوات متفاوتة، على أن ذلك سيكون في الغد لا محالة ، عقب انتهاء آخر مراسم عرس ابن الجيران مباشرة، أما الآن، الآن الآن، فلاشيء يمكنه أن يفسد عليه فرحة دخوله "المباركة" إلى عالم الرجال.

    للأسف، ومع سبق الإصرار والترصد هذه المرة، أخرج اللباس الأسود القاتم لسانه من جوف المرآة، ذلك المستلقي على ظهره فوق صدر السرير وراءه، ما لبث أن باعد مابين ساقيه السمراوين متسائلاً: "ما الذي تفعله الآن في حجرة النساء أيها الصبي"، لكأن قطعة من الحديد هوت على رأسه، فقبل أن يستوعب كم "الوقاحة"، فطن إلى ثرثرة اللباس الأحمر القاني، الذي ظل بدوره يحرك لسانه القرمزي يمنة ويسرة، مقتحماً في غارات متتالية أقصى حدود الجانب الأيسر من مجاله البصري، مطلقاً مثل طائرة "أف 16" قذائف تساؤلاته الموجهة نحوه بلا رحمة أو شفقة: "عجباً عجباً، يا ذا الشارب، لماذا لا تريد أن تذكر لنا كم عام مضى على يوم ختانك القريب".

    "الدم... الدم الدم"، "الصمت أضعف الإيمان"، "القضاء على سفاهة النساء"، هكذا أيقظ شعارات حربه "المقدسة"، وهو يُشير بحزم إلى "حامل لواء الفضيلة" الذي أخذ وضع الاستعداد في أعماقه السحيقة أن "سِر إلى الأمام قدماً"، كانت طبول المعركة الوشيكة تشق فضاء صدره المستعر بآلاف الضربات الرعدية، والعروق تدفع إمدادات المؤن والذخيرة صوب جموع كتائب الشرف المتأهبة داخل رأسه، عندما استدار بقوة لم يعهدها في نفسه من قبل، ساحباً ملاءة السرير على الأسود، واضعاً وسادتين فوق بجاحة الأحمر القاني، عائداً مثل فيلق إلى حيث استأنف منذ ثوان ثورته التصحيحية "الدائمة".

    منذ ساعة ، قبل أن يشتم رائحة الصابون داخل الحمّام، كان قد تفقد لأمر ما المطبخ والديوان وحجرة والدته ناظرة المدرسة الابتدائية وتلك في صدر الحوش يتقاسمها وعمّته "الأرملة العاقر"، أثناء ذلك تغاضى عن رؤية لباس أمه الحائل وهو يتدلى من إحدى زوايا سرير الخشب العريض في هدوء ، هو في واقع الأمر لا يكره والدته وشقيقاته الثلاث ، بل يحب عمّته مثل امرأة " تراعي التقاليد، وتحفظ ذكرى الزوج الراحل ، وفوق هذا وذاك ، لا تضع ملابسها الداخلية في مكان يمكن أن تطاله عين الغرباء " .

    أخيراً أتم تصفيف شعره الماعزي، كان إذ ذاك يرخي أذنيه باحثاً عن أصوات الجوقة النسائية التي توقفت منذ مدة ، عندما مرر إصبعه في شرود على حواف "تسريحة الخشب العتيقة" ، و أخذ يتطلع في أنحاء الحجرة بحزن و وجوم غامضين ، وما إن فعل ، حتى كادت أن تسقطه أرضاً، فوهة ُ لباس أزرق واسعة الغور، ذلك "اللعين... اللعين اللعين"، بينما هواء خفيف يؤرجحه على مقبض إحدى النوافذ ذات اليمين وذات اليسار، أخذ يُبادل وميض الغضب الصادر من عينيه بنظرة سافرة استقرت عند شاربه الوليد على وجه الخصوص، لكأنه يتساءل مثل سابقيه الأسود والأحمر القاني: "هل لي بدرس آخر في مبادئ الحشمة أيها القائد".






    كن مستغرقات في النوم أسفل نور الظهيرة الأبيض الكثيف المتدفق عبر النوافذ الخشبية المشرعة، ساعة اقتحم الحجرة عليهن مثل إعصار، مقتلعاً شجر الأحلام الذي نما في أعقاب حفل العرس الساهر، وما تبقى من طمأنينة الأسرَّة الثلاثة كانت ركائزه تتهاوى في قاع بئر من الفزع الأخرس الذي ارتسم بدرجات متفاوتة على وجوههن الجميلة المجهدة التي أخذت تطلّع إليه من رقدتها الخامدة في ذهول.

    لم يستغرق الأمر سوى لحظات، حتى أدركن من هيجانه غير المبرر على الدوام مغزى "الدرس القديم الجديد"، دمعت عينا ذات الأزرق الغامق ، وهي عادة تصاحب عندها كبت ضحكة لا سبيل إلى حبسها طويلاً ، أما ذات الأسود، التي تلقت منه لكمة قبل أيام، وكانت صغراهن، فقد ظلت لائذة بالصمت، وقد اعتدلت جالسة قبالة وقفته المتوعدة أمام "تسريحة الخشب العتيقة" بوجه خال تماماً من آثار النوم الهاربة فيما بدا بلا عودة ، بينما دفع الغيظ ذات الأحمر القاني إلى أن تغرس أصابعها في لحم الوسادة دون أن تسحب الفستان الذي انحسر أثناء النوم إلى أعلى فخذيها.. حتى! .

    كان يتحدث بصوت مبحوح أغلب الوقت، مرسلاً إصبعه في وضع مستقيم تارة، ضارباً قبضته اليمنى على باطن يده اليسرى تارة أخرى، مشعلاً النار داخل عينيه الضيقتين تارة ثالثة، إلى أن شرع يتساءل مثل ثائر أعياه إصلاح الخطأ بين الجماهير : "وهذه عمّتكم.. يالها من قدوة صالحة... فمنذ استقرت معنا في هذا البيت..... هل رأيتن أبداً كيف تحرص على إخفاء مثل تلك الملابس".

    هكذا كمن حبته الأقدار قدراً من التجارب في وقت وجيز أنهى خطبته ، ثم همّ بالخروج ، وقد بدا له أنه قد أدى واجبه على خير وجه ، وإن لم يبرح الشعور بالامتعاض صفحة وجهه بعد ،عندما لاحقه صوت ذات الأحمر القاني، ناشباً لسانه في عنقه المحنية إلى الأمام ، قائلاً بكل ذلك البرود القاتل :" ذلك لأن عمّتي لا ترتدي الملابس الداخلية أصلاً ".

    لو قيل له في تلك اللحظة إن الشمس أشرقت من مغربها لما أثار الأمر دهشته ، و في وقفته تلك، قدم داخل الحجرة وقدم خارجها، وقد أُسقط في يده مثال القدوة الصالحة دفعة واحدة ، لم يكن يدري أي الطرق الحكيمة يسلك : أ يعود أدراجه صافعاً أكاذيبها، أم يمضي كمن لم يطرق أذنه شيء من "سفاهة النساء" قطُّ ؟!.

    أكثر منه، لا أحد يمكنه أن يتنبأ بما يمكن أن تذهب إليه ذات الأحمر القاني، فإذا ما دخل معها في مغالطات من أي نوع، لأحكمتْ يدها حول معصمه، و قادته إلى العمّة رأساً، في محاولة عملية لإثبات دعواها …..

    أخيراً تطارده ضحكاتهن الصاخبة ، اقتلع قدمه ، سار عبر الحوش دون هدى منصتاً بألم وعجز بالغين لدوي قنابل الحنق الحبيسة وهي تتفجر بداخله ، ثم جلس بصعوبة تامة في ظل الديوان القصير كقائد مضى على أوراق استسلامه وتم تجريده من أكثر أسلحته دماراً وفتكاً ومضاء ، ومن هناك رأى عمّته وهي تخرج من حجرتهما في طريقها إلى المرحاض ، كان الوقت كافياً ليُدير وجهه إلى الناحية الأخرى ، ويواصل التفكير بعمق في هذه " المصيبة الجديدة " ، وقد أدرك على نحو شديد الغموض أن من العبث استمرار المرء وحده في "حرب متعددة الجبهات ".

                  

01-12-2005, 01:56 AM

Alsadig Alraady
<aAlsadig Alraady
تاريخ التسجيل: 03-18-2003
مجموع المشاركات: 788

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: elsharief)

    الشريف : مزيد من الجمال والغواية
    ننتظر
                  

01-13-2005, 06:24 PM

elsharief
<aelsharief
تاريخ التسجيل: 02-05-2003
مجموع المشاركات: 6709

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: Alsadig Alraady)



    القاص عبد الحميد البرنس


    طريق

    تمهل أبي في مشيته قليلاً ... قال: "السلام عليكم" . رفع رجل يده اليُمنى ، قائلاً:"وعليكم السلام" . ثم تابع خطواته البطيئة الصاعدة في الاتجاه المعاكس . " مَن هو " ، سألته . "عابر سبيل"، أجابني . حانتْ مني التفاتة . كان يختفي عند منحنى الشارع المُترب في هدوء.
    -------------------------------------------------------------------------------------------------------

    عودة

    قالت دقات قلبي المُتسارعة : " أنا ... قادم ..... من مكان بعيد ". و كي أُحقق المفاجأة كاملة ، وضعتُ الكفَّ المرتعش أمام " العين السحرية " ، وقلت : " أخيراً ". لكنَّ امرأة ، فوق الأربعين ، تفتح باب الشقة المقابل ، وتقول لي : " لا..أحدَ...هناك ".
    -----------------------------------------------------------------------------------------------------
    غُلام


    وهبني قطعة حلوى . شكرته . " لدي منها الكثير " ، همس . تبعته . توقف أمام منزل غريب . التصقتُ به . أدخل المفتاح . لاحتْ عُلبة مذهبة . نظرت إليه . ابتسم . ملأت جيوبي . اقترب وتلاحقتْ أنفاسه . كان لون الوسادة أبيض .

    -------------------------------------------------------------------------------------------------------
    صديق

    وتسمَّرتْ نظراتي على شاشة " التلفاز ". أشعركأن بـِركة من الأسى تندلق على قلبي . منذ ساعة ،ساعة واحدة ، لا أكثر ، هاتفني صلاح . " أنا في انتظارك "، قلت له . وأفقت ، آخر الليل ، على نهاية " الإرسال " ، وعلى وقع طرقاته المتتالية . " ها... قد وصل "، تمتمت عبر الممر المُفضي إلى الصَّالة في شرود . و فتحت الباب . " إزيك "، قلت له . وأخذته برفق إلى الداخل .و هناك ، في الخفاء ، بين جدران الغرفة الأسمنتية الباردة الرطبة ، ارتمى على صدري ، وشرع مثل طفل وليد في البكاء . " ما بك " ، سألته . لم يُجب . آنئذٍ خرجت إلى البلكونة ريثما يهدأ قليلا ً... كان بكاؤه يأتيني خافتاً مُتقطِّعاً على فترات ..... كنت أنظر إلى أعلى ........ كانت السماء النجمية الداكنة بعيدة ونائية تماما ً.

    (عدل بواسطة elsharief on 01-13-2005, 06:28 PM)

                  

01-14-2005, 06:40 PM

elsharief
<aelsharief
تاريخ التسجيل: 02-05-2003
مجموع المشاركات: 6709

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: elsharief)



    حيْرة






    عند زوال الشمس ، ولمدى ثلاث سنوات متصلة ، كانت تذهب إلى قائد العسكر ، الذي يمِتُّ إلينا بصلة قرابة بعيدة ، لتسأله نفس السؤال :

    - " أقتيل هو...
    أم أسير " ؟! .

    أغلب الوقت ، كان يزجرها... وأحياناً ، أحياناً جدُّ قليلة ومتباعدة ، كان يشفق عليها.. يُطمئنها : "بنتَ العم طاهر.. أنا رجل مباديء.. كيف تطلبين مني الكتابة في أمر عودته؟!... ثم .... هو بخير.. وشرفي العسكري .. هو كذلك .. ألا تصدقين ؟! ... هاهو التقرير أمامي ... لم نُصب بضرر جسيم .. إذن ..... ألا تسمعين الراديو يا..... امرأة ؟! ... فبالأمس فقط..... تعرَّض جيش العدو لخسارة موجعة ".

    كانت تخبرني، آخر الليل، بما دار بينهما ..وكان يُصادف، حين تعود من رحلتها الليلية، أن يمر بها عدد من الجنود العائدين لتوهم من الجبهة لسبب أو آخر... كانت تستوقف مَن تراه مناسباً..وكانت تشعر، في كل مرة تفعل فيها ذلك ،وكأن اتفاقاً خفياً قد نشأ بينهم...كانت تقول للواحد منهم:" من قبيلة الأشراف...فرع بني العباس...ذاك اسمه.....وتلك أوصافه ... حسناً...أقتيل هو...أم أسير ؟!.. قل .. فأنا أمه.....ألم تقابله هناك... لا تصمت هكذا !... قل لي... تكلّم يا ولدي.. الموت علينا حق .. قل لي.. لا تخش شيئاً.......

    كانوا يكتفون بهز أكتافهم.. بالصمت.. وبمواصلة أغنيات تتوسل إلى حبيب له فخدان مستديران ومصبوبان كدوائر نداء خافت بعيد..إذ ذاك.. إذ ذاك فقط.. كانت تلعنهم.. وتعاتبهم بصوتها المترع الحنون: "الحرب اللعينة... أكلت عقولكم..... ثم ما هذا الغناء الفاحش... لقد أصبحتم مجانين.. لا تراعون حتى حرمة الطريق.. وامرأة في مثل سنّي... احمدوا الله أن عاد بكم سالمين".

    لكنَّ واحداً منهم... (واحد فقط.. مازال يرتدي بزّته؟!... ويتوكأ على عصا مقوسة ومصنوعة من خشب السنط المتين)... قد ربت ذات مساء على كتفها.. وقال:


    - "ليس هناك
    سوى الانتظار...
    يا خالة".


    هناك، أسفل عامود النور، حيث كان يتمايل في وقفته بُعيد قدميها الواهنتين، وقفت تتأمل آثار السنط المتناثرة في غير مكان ...كانت تقاوم .. تنحني على نفسها.. تغالب سقوط دمعة بدت قريبة إلى درجة الإعياء والتشظي... وأخيراً رفعت رأسها... ونظرتْ ناحيته... "لقد اختفى" ! ……. لم يعد له من وجود ! …….. قبلها ، كان يوغل في قلب العتمة بساق واحدة... " المسكين " ، قالت.... ثم استدارت عائدة في هدوء.. بينما لا يزال صدى كلماته الأخيرة يرن داخل أذنيها المسحوبتين للوراء :

    - "ليس هناك..
    سوى الانتظار...
    يا خالة".

    منذ تلك اللحظة، لم تعد تغضب من مرح الجنود العائدين... "المساكين.. لقد واجهوا الأمور الصعبة هناك... كما أن ما عيب الغناء ! .. لو أن قريبي القائد.. ذهب إلى هناك ليوم واحد ! ... (تضحك).. لكن صاحب الكرش السمين... لا يذهب..... يشرب الماء البارد فقط.... ويتثاءب " .

    كنت، أثناء غيابها، أعيد قراءة الصحيفة... وفي الوقت نفسه، أستمع لما يردده عادة المذيعون على رءوس الساعات : "هذا... وما زالت قوات المشاة الباسلة تمشّط المناطق المتاخمة للحدود الإثيوبية... بحثاً عن فلول المتمردين الهاربة... هذا.. وسنذيع عليكم تفاصيل العمليات عقب انتهاء هذه النشرة الإخبارية..... مباشرة".

    هكذا كنت أنقل إليها البشائر.. "بشائر النصر المبين".. متطلعا من آن إلى آن إلى بريق عينيها الغائب منذ أمد بعيد.. لكنها، و لدهشتي الشديدة، كانت تـُغير مجرى الحديث... لتغرق نفسها في تفاصيل الاحتفال الذي ستقيمه بمناسبة العودة.. لقد خططتْ و أعدت وهيّأت نفسها لكل شيء.. عدا شيء واحد.. ظل قابعاً هناك...في مساحة الصمت القائمة بيننا أحياناً... شيء لا يريد كلانا النطق به..كانت تقول : "ماذا لو أقمنا ليلة عُرسه في ذات الليلة الميمونة ... قل لي ....... ألا يكون ذلك جميلاً ... ما رأيك"؟!.

    كنت أوميء موافقاً.

    وكان، حين تغلق على أمل عودته جفون عينيها المتعبتين ، يعنُّ لي هذا السؤال : "أيعود أخي الليلة... من رحى الحرب الأهلية.. البعيدة.. الدائرة هناك.. ويطرق.. كعادته.... باب غرفتي المكدسة بالأوراق.. أم سيظل.. قبالة صورة أبي... مُعلقاً على جدار الصَّالة... مثل نور نافذة بطابق معتم آخر الليل " ؟! .


    أدب ونقد / يوليو 1999


                  

01-15-2005, 03:51 PM

elsharief
<aelsharief
تاريخ التسجيل: 02-05-2003
مجموع المشاركات: 6709

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: elsharief)

    .
                  

01-27-2005, 07:47 PM

elsharief
<aelsharief
تاريخ التسجيل: 02-05-2003
مجموع المشاركات: 6709

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: elsharief)

    Quote:
    شبكة ثقافية عربية حرة

    آفاق

    لتحديث الموقع أضغط هنا

    ساهم معنا في بناء عالم أفضل بالفن والجمال والإبداع ..

    احتفاء بعشرين سنة على صدور "أدب ونقد"

    عندما بدأ الاحتفال, كان المشهدُ مدهشاً. مناسبة الحفل: مرور عشرين عاماً على صدور مجلة "أدب ونقد". المكان: حزب التجمّع الوطني التقدميّ الوحدوي. الحضور: وجوه حاشدةٌ من الشعراء والأدباء والمثقفين العرب والمصريين.

    كنتُ أستهلُّ اللقاء بطلب الوقوف تحيةً للروائي السعودي الكبير عبدالرحمن منيف, الذي كان رحل قبل أيام. وكنتُ أستمعُ إلى كلمات: محمد برادة وأحمد عبدالمعطي حجازي ومحمد علي طه وفتحي عبدالفتاح وأنيس البيّاع, ثم أتصفّحُ وجوهَ الأحبة من الحاضرين, شعراء ومثقفين من شتى الأجيال والأقطار العربية, بينما تناوشني الخواطرُ المتضاربة والمشاعرُ المتلاطمة.

    قلت لنفسي: ما كلُّ هذا الحبّ لهذه المجلة الفقيرة الشظفة؟ ما هذه المسؤولية الثقيلة التي يضعها هذا الالتفاف الحميم في أعناق محرري المجلة؟

    تجيشُ بي الخواطر, فأعيد تذكير نفسي بأن "أدب ونقد" هي المجلة الأدبية الوحيدة التي يصدرها حزبٌ سياسيٌّ مصري, من بين العشرين حزباً, بما في ذلك الحزب الوطني الحاكم!

    وحين كان المثقف الفلسطيني محمد علي طه يقول إنهم في فلسطين يعتبرون "أدب ونقد" جزءاً من النضال الفلسطينيّ, مرَّ أمام ناظريّ شريطٌ طويلٌ من صور أولئك الذين تحملّوا العبءَ الباهظ (بأقساطٍ مختلفة) طوال الأعوام العشرين من المسيرة الشاقّة الجميلة: الطاهر مكي أول رئيس تحرير لها, عبدالمحسن طه بدر, لطيفة الزيات, أمينة رشيد, عبدالعظيم أنيس, صلاح عيسى, محمد روميش, إبراهيم أصلان, ملك عبدالعزيز, كمال رمزي, طلعت الشايب, ماجد يوسف, ناصر عبدالمنعم ( أول سكرتير تحرير للمجلة, الذي صار الآن واحداً من المخرجين الشبان اللامعين), إبراهيم داود, صلاح السروي, مجدي حسنين (سكرتير التحرير الذي أبهظه قلبه الغض فمات عن ثلاثة وثلاثين عاماً), إيمان مرسال, مصطفى عبادة.

    كان أحمد عبدالمعطي حجازي يقول: فلنتضامن مع "أدب ونقد", ففكرتُ في الملفات الكثيرة الساخنة التي نشرتها "أدب ونقد", والمناطق المحرّمة التي اقتحمتها كما لم تقتحمها مجلة رسمية أخرى, ودفاعها المستبسل عن حريّة الفكر والاعتقاد والإبداع ووقوفها الجريء في مواجهة وقائع المصادرة (باسم الدين أو باسم السلطة) التي عصفت بحياتنا الأدبية: نجيب محفوظ, فرج فودة, نصر حامد أبو زيد, محمد عبدالسلام العمري, علاء حامد, وليمة لأعشاب البحر, الروايات الثلاث, أحمد الشهاوي, سعيد العشماوي, ناجي العليّ, وغيرهم وغيرهم.

    وحين كنت أتصفحُ بين الحاضرين وجوهَ: قاسم حداد, عبدالناصر صالح, سيف الرحبي, أمين صالح, فاتحة مرشيد, حمده خميس, فاطمة ناعوت, زهيرة الصباغ, سهير متولي, عبد العال الباقوي, محمود الشاذلي, تركي عامر, ماجد أبو غوش, وسعيد الكفراوي, برقت في نفسي أسماء الأدباء الشباب الذين كان ميلادهم الأدبي الأول بين يدي "أدب ونقد", أولئك الذين سميناهم مرةً "الورود التي سقيناها": طارق إمام, سمية رمضان, مدحت منير, نورا أمين, عزة رشاد, شيرين أبو النجا, إبراهيم فرغلي, عبدالحميد البرنس, محمد بركة, الطفلة خلود, أحمد أبو خنيجر, أحمد زغلول الشيطي, محسن يونس, وغيرهم وغيرهم ممن صار معظمهم الساحق في ما بعد في مقدم الحياة الأدبية المصرية والعربية.

    كانت اللحظة كلها أدفأ من الدفء وأبهى من البهاء. ساعتها تذكرت كم من التهم المتنوعة واجهتها "أدب ونقد" طوال العقدين, بصبر وشجاعة وعمل: بدءاً من تهمة انحيازها الى الأدب الأيديولوجي الزاعق, وانتهاءً بتهمة انحيازها الى الأدب الشكلاني الحداثي وما بعد الحداثيّ, مروراً بتهم الشللية والمصلحية والعلاقات الشخصية, وتهمة التراثية الزائدة تارةً, وتهمة المعاصرة الزائدة تارةً أخرى. كنا نقول لأنفسنا: وهل ثمة شجرة مثمرة بغير طوب يقذفها؟ ونعمل, لكي يتكلم العمل (حتى ولو حفل ببعض الأخطاء التي تشوب كلّ عمل جاد.

    وحينما تكلم العمل انقشعت الاتهامات كفقاعات الصابون العابرة, وساعتها كنا نردد لأنفسنا كلمات علي قنديل التي نشرناها في أحد "الدواوين الصغيرة":

    "وهناك/ يمــكن أن تقابلَ كلَّ من أحببتــهم/ أما الذيــن تودَّ قتــلهم فهم في الخلف/ لا تنظر وراءك/ ومن الأمام يجيء رهط الأنبياء/ ويقرأون قصائد في الناس ثم يهرولون/ لا تستمع/ أنصت/ ولا تغبْ/ اندهش/ واركض وقلْ "لا"/ قــاتــل الله الذين استنعموا/ ما الفرق بين شجيرة والحبِّ؟/ ماذا يفصل الأحلام عن مستفعلن؟/ أو يفصل الإيقاع عن جسد الزمان؟/ في الإمكان أبدع مما كان/ في الإمكان الأبدع/ أبدع مما كان/ في الإمكان". وحين كانت فريدة النقاش (رئيسة التحرير التي سميتها السيدة التي حربها حربان) تقول: "أحلم بأن يصبح جمهور الثقافة الجادة في حجم جمهور كرة القدم", كنت أسترجع علاقتي بـ"أدب ونقد".

    عرفت "أدب ونقد" منذ عام 1987. وطوال عقد ونصف العقد كنت أساهم في صنعها, وهي تساهم في صنعي, حتى غدوتُ جزءاً منها وغدت جزءاً مني. ربما مرّت لحظةٌ غضبت منها وغضبتْ مني, شأن كلِّ حبيبين, لكننا سرعان ما تواعدنا: سامحتها وسامحتني.

    عشرون عاماً. نعم. إنها شابةٌ يافعةٌ, تستحق العرسَ وتنتجه.

    الحياة

                  

02-21-2005, 10:18 AM

elsharief
<aelsharief
تاريخ التسجيل: 02-05-2003
مجموع المشاركات: 6709

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: elsharief)

    .
                  

02-21-2005, 06:54 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: elsharief)

    مرة أخرى..

    شكرا لك كمبدع أصيل.. أخي الصادق!.
                  

02-23-2005, 07:22 PM

elsharief
<aelsharief
تاريخ التسجيل: 02-05-2003
مجموع المشاركات: 6709

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: عبد الحميد البرنس)

    يرفع للضرورة
                  

02-23-2005, 09:35 PM

abuguta
<aabuguta
تاريخ التسجيل: 04-20-2003
مجموع المشاركات: 8276

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: elsharief)

    عظيم يابرينس
                  

05-29-2005, 08:28 AM

عصام دهب
<aعصام دهب
تاريخ التسجيل: 06-18-2004
مجموع المشاركات: 10401

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: abuguta)

    مثل هذا الإبداع يجب أن يظل دائماً ..
    فوووق ..
                  

05-29-2005, 09:57 AM

فضيلي جماع
<aفضيلي جماع
تاريخ التسجيل: 01-02-2004
مجموع المشاركات: 6315

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: عصام دهب)

    الشاعر حقاً/الصادق الرضي

    أفتقد كثيراً ضحكتك الصافية. الإضاءة التي تكرمت بإتحافنا بها عن عبد الحميد البرنس تستحق الإشادة. وعلى الرغم من إنقطاعي -غصباً عني- من السياحة الممتعة في هذا المنبر منذ بعض الوقت إلا إن حديثك وبعض الإخوة والأخوات عن هذا المبدع كان حافزاً لأقول كلمات قليلة.

    حسنة الصحافة الإليكترونية أنها منابر طوع البنان وسريعة الإنتشار‘ إضافة إلى أنها منابر مجانية تدفع أعمال المبدعين إلى داخل البيوت والمكاتب دون استئذان الرقيب. وعبد الحميد البرنس -مع آخرين وأخريات- أعدهم في رؤؤس الأصابع منحوني الدهشة وأيقظوا في داخلي أملاً بتواصل الإبداع السوداني وتفرده ، رافعاً عصاالطاعة على كل أنماط التيه. أقرأ وأتابع منذ أمد عطاءً مميزاً في القصة القصيرة وفي الشعر وفي الرواية وفي النقد الأدبي. هنالك مساجلات تصل حد بذر الخصومة المعافاة ولكنها تشي بميلاد ثورة إبداعية هي نتاج تلاقح أكثر من ظرف قاس في تاريخ أمتنا المعاصر. أتابع بالإنجليزية لكاتبين سودانيين من الشمال والجنوب. أدب في غاية الرفعة والسمو..وإن شئت فقل أدب في غاية الأدب.

    من بين القلة ممن قرعت أجراس حروفهم طبل أذني حتى أفيق على روعة كلماتهم عبد الحميد البرنس. قرأت ـ له أكثر من مداخلة - شاهد إثبات - في غلاط نقدي ( كالذي يدور بين المبدعين: بشرى الفاضل وأسامة الخواض). تجيء تعقيبات البرنس في لغة حسنة العبارة ، خالية من التكلف والإدعاء، مفصحة في تواضع جم عن زوادة معرفية حقة.ناصعة البياض، أشبه ما تكون بابتسامته التي أراها في الصورة.

    سعدت كثيراً وأنت تزيح الستار عن هذا المبدع الشاب وتقدمه لنا عبر هذه الصحيفة الجامعة. أحييه من هنا وأشد على يده وأهمس في أذنه بصدق تام أنني أرى في أمثاله عافية الإبداع السوداني في وطن نحلم أن يكون.
                  

05-30-2005, 03:35 AM

فضيلي جماع
<aفضيلي جماع
تاريخ التسجيل: 01-02-2004
مجموع المشاركات: 6315

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: فضيلي جماع)

    up
                  

05-30-2005, 09:42 AM

حيدر حسن ميرغني
<aحيدر حسن ميرغني
تاريخ التسجيل: 04-19-2005
مجموع المشاركات: 27703

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: فضيلي جماع)

    الرائع جدا / فضيلي جماع

    تحية طيبة

    لعل من فضائل هذا الزمان الاغبر ان من الله عليا بكائنات ملائكية من امثالكم

    و امثال النورس البرنس الذي نعشق تجلياته الابداعية ايما عشق بنفس القدر

    الذي نرتاد فيه ذرى الجمال و حسن الكلم حين يكون الكلام كلامكم

    لما كتبت (تاشيرة دخول الي الوطن )طوفت بتلك الكلمات الشجية اركان كولومبو

    عاصمة سريلانكا التي كانت محطة من محطات شقيقكم الاممي الاساذ/ علي جماع متعه

    الله بكمالات الصحة والعافية وهانذا الان اهتف ان بورك فيك وانت تجارينا في

    عشق البرنس وتؤكد اعجابك به

    فهنيئا لهذا النورس بهذه الاشادة الشفافة التي لايداريها الا مكابر

    وهنيئا لنا بكم وبابداعكم

    الحنين
                  

05-30-2005, 11:51 AM

فضيلي جماع
<aفضيلي جماع
تاريخ التسجيل: 01-02-2004
مجموع المشاركات: 6315

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: حيدر حسن ميرغني)

    أخي حيدر

    شكراً على كل كلمة خطهاقلمك وأنت تثني على مداخلتي بحق الأديب عبدالحميد البرنس. يستحق هذا الكاتب السوداني أن يحتفى به. ولا أريد أن أعيد موسيقى أن أنبياء الإبداع عندنا يطويهم النسيان..علينا جميعاًأن نحذق لعبة تقديم مبدعينا للآخرين. في صحاف مائدتنا ما يدهش الآخرين فلماذا إذن نستحي من عرض بضاعتنا راجين من أمم أخرى أن تنصفنا؟ لن ينصرف الكاتبون العرب ولا الإعلام العربي - الذي أعرفه تماماً- إلى أديب سوداني بهدف الإضاءة إلا ما ندر. ومعظم ما كتبته بعض أقلام عربية عن أدبائنا كان من قبيل العلاقات العامة أو بهدف إزالة الغطاء عن غرائبية جغرافيا ثقافية لأمة تنام على الهامش! أشك كثيراً في أن يجد كاتبونا وشعراؤنا الذين يكتبون بالإنجليزية بريقاً في الساحة الأفريقية إن لم نتصد نحن لنقد وتقديم بعضنا البعض. الكتابة عن أمثال عبدالحميد البرنس وغيره من الأقلام الجادة التي نطالعها هنا وفي مواقع أخرى تأتي كفرض عين وليس من باب المجاملة.

    صديقكم علي جماع (الأممي كما تقول) هبط أرضاً لو تعلم طيرها أعجمي جداً..فهو الآن نائب الممثل المقيم لمكتب الأمم المتحدة في تيمور الشرقية. والفرق الشاسع في التوقيت بين الديار التي يسكنها كل منا(حوالي تسع ساعات) يجعل تواصلنا كمن يؤذن في مالطة !!

    شكراً مرة أخرى يا حنين على الكلمات العسل.
                  

05-31-2005, 02:59 AM

فضيلي جماع
<aفضيلي جماع
تاريخ التسجيل: 01-02-2004
مجموع المشاركات: 6315

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: فضيلي جماع)

    up
                  

05-31-2005, 03:00 AM

Osman M Salih
<aOsman M Salih
تاريخ التسجيل: 02-18-2004
مجموع المشاركات: 13081

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: فضيلي جماع)

    تحية
    قـررت تمديد اقـامتي هـنا
    و هذا كل ما فـي الأمر
    عثمان
                  

05-31-2005, 05:00 AM

فضيلي جماع
<aفضيلي جماع
تاريخ التسجيل: 01-02-2004
مجموع المشاركات: 6315

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: Osman M Salih)

    طاب مقامك يا اب عفان!
                  

05-31-2005, 07:52 AM

Alsadig Alraady
<aAlsadig Alraady
تاريخ التسجيل: 03-18-2003
مجموع المشاركات: 788

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: فضيلي جماع)

    الاستاذ الفاضل والصديق الحميم
    فضيلي جماع
    أضفى حضورك الساخن والعميق على البوست حضورا خاصا ، وعلى الرغم من غيابي ، الذي أنوي ان اعلق عليه في مكان آخر ، الى أنني حضرت بالفعل الان وسعدت بمداخلاتك وبقية الزملاء الافاضل

    بلا شك عبد الحميد البرنس من الاصوات المبدعة ، من واقع انتاج تمكنا من مطالعته رغم كل شئ
    ولكنني اتسائل ، كما اشرت في " على قيد الابداع " حول هذه الهجرة/ات ، التي انخرطنا فيها بالداخل والخارج وهل هي ذات ثمار وإن كانت مرة في حقول الابداع المختلفة ، هذا الموضوع / الجمرة ، كما اتصور شغل حيزا من تفكيرنا اثناء عملنا الثقافي والصحافي وكان مثار مقالات وتحقيقات وحوارات عديدة واتمنى ان الفت اليه الانتباه مجددا

    كم من المبدعين من اجيال مختلفة ، في هذا " الشتات " الذي منينا به مؤخرا ، نجهل إبداعهم ، بل وحتى اسماءهم ؟
    ارجو مجددا ان الفت الانتباه الى هذا الامر
    وشكرا
                  

05-31-2005, 01:06 PM

فضيلي جماع
<aفضيلي جماع
تاريخ التسجيل: 01-02-2004
مجموع المشاركات: 6315

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: Alsadig Alraady)

    أخي الشاعر /الصادق الرضي

    شكراً على التعقيب المفيد والذي أثار هو الآخر موضوعاً في غاية الأهمية كما تفضلت ونوهت. إنّ حصيلة الإبداع من الهجرة التي نعيشها منذ عقود-في الداخل والخارج - كما جاء في تعقيبك تستحق الوقوف عندها وقراءتها بعمق. أدب الدياسبورا السودانية (وأحسب أنّ هذه التسمية أكثر إتساعاً ومدلولاً من "الهجرة") يجب ألا نقصره على حصة التيه الأخيرة في تاريخ أمتنا‘ بل إنه-ولكي نكون منصفين- قد بدأ منذ أكثر من ستة عقود [طالع أشعار الأربعة الكبار: جيلي عبدالرحمن‘ محمد مفتاح الفيتوري، محي الدين فارس وتاج السر الحسن وإلى جانبهم معاوية محمد نور والناصر قريب الله و...التجاني يوسف بشير وإدريس محمد جماع - والأخيران أنموذج لهجرة الداخل]. والباحث في أطروحة إبداع الدياسبورا السودانية عليه أن ينظر بعمق في شتى الأجناس الأدبية والتيارات الفكرية على مدى ستة عقود على الأقل، وأن تكون قراءته للحصيلة الإبداعية شاملة لما هو مكتوب بالعربية والإنجليزية. إنّ البحث العميق في كتابات بروفيسور تعبان لو ليونغ وجمال محجوب وليلى أبوالعلا وفرانسيس مدينق دينق وإدوارد لينو يجب ألا يقل في الجهد والحجم عن التعاطي مع ابداع الدياسبورا المكتوب بالعربية والموزع في أصقاع الدنيا. بل إن كتابات هؤلاء الأخيرين جاءت نتيجة معطيات من بينها الحرب (كما في حال بروفيسور تعبان وإدوارد لينو وآخرين).

    أشاركك الهم أيها الصديق ..لذا تجدني أفرد هذا الوقت لأحييك على تقديم الكاتب الجاد عبدالحميد البرنس..هذا النورس الذي شد انتباهي ومعه قلة من أصحاب وصاحبات الموهبة المشحونة بالإضطلاع الجاد. إننا دون شك موعودون بعطاء متنوع وشديد الإدهاش والروعة..أشبه ما يكون بوجه أمتنا.
                  

05-31-2005, 01:40 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: فضيلي جماع)

    أخي الشاعر المبدع فضيلي جماع:

    ليس كسرا آخر لموقفي من الكتابة هنا لأسباب أشرت إليها في بوست (بيدي لا بيد عمرو هذه المرة). لكنه إستاجبة لفرحي بشهادتك العظيمة فيما أحاول قوله هنا وهناك رغم (العراقيل) أحيانا. وهي شهادة أعتز بها. مع أن الكتابة أخذت تشكل بنسبة لي ومنذ أمد بعيد موقفا من العدم. وأنا هنا أشير بأسى إلى ثقل الإحساس بزوال الناس والأشياء الذي تخلل مني العظم. لعل ذلك مرده إلى غربة أشبه بغربة أخي الأعظم التجاني يوسف بشير. إنه إشكال الوعي الشقي في ظل وعي سائد بالغ الجهامة. ومع ذلك لمغادرة المكان آثارها التي لا تمحى. محبتي لك ولجميع المتداخلين هنا. هذا إلى إشعار آخر من (صاحب المنبر) المهندس بكري أبوبكر.
                  

05-31-2005, 01:54 PM

Tumadir
<aTumadir
تاريخ التسجيل: 05-23-2002
مجموع المشاركات: 14699

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: عبد الحميد البرنس)

    شكرا لهذا المكان لانه بعرفنا بكاتب بضخامة عبد الحميد البرنس

    وشكرا للصادق الرضى وهو يشرح جماله ويوقع لحنه فى كلماته الجزلى ..وشكرا لكل الاقلام العارفة التى وقعت بعده لنستنير..بهذه العافية الجديدة ..كتابة عبد الحميد البرنس..

    له منى كل الرضا..والتشوق التام للمزيد مما ينزف هذا القلم...

    ولنا جرح القراءة الذى لا يندمل
                  

05-31-2005, 03:10 PM

ابوبكر الامين يوسف
<aابوبكر الامين يوسف
تاريخ التسجيل: 04-27-2005
مجموع المشاركات: 1051

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: Tumadir)

    الرائع..الصادق الرضى...
    السامق..عبدالعزيز البرنس...
    لكم التحية..لايسعنى الا الوقوف امامكم احتراما وودا وانتم تتدفقون ابداعا والقا...لكم التحية ايها الشوامخ...لكم التحية..
                  

05-31-2005, 03:15 PM

فضيلي جماع
<aفضيلي جماع
تاريخ التسجيل: 01-02-2004
مجموع المشاركات: 6315

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: عبد الحميد البرنس)

    أخي الأديب/ عبد الحميد البرنس

    الإحتفاء بأمثالك فرض عين، وشكراً للشاعر الصادق الرضي الذي عرف - بحاسة الصحافي فيه- أن مثل هذه الإضاءة ضرورية وناجعة. عرفتك من خلال مداخلات معدودة على رؤؤس الأصابع ولكن حضور لغتك ونضج خطابك وتواضع جم يحجب الأنا فيك - كلها أبقتك في ذاكرتي حضوراً مميزاً..حتى إذا تكرم الصادق الرضي وبعض الرائعين هنا بتزويدنا ببعض قصاصات من أعمالك حمدنا لهم هذا الجهد وقلنا من الأفضل أن نقوم بواجب الترحاب. أوصيك بنفسك، وحين أوصيك أشهد الله أنني أعرف بؤس وضآلة زوادتي من المعرفة..ولكنه الحرص على ثمر نافع نرجوه منك لأمتك ما دفعني لأقول لك: إقرأ واقرأ..ثم إقرأ...ثم اكتب ما يعن لك دون وجل أو ارتياب. لم يرجف طواغيت العالم عبر التاريخ مثلما رجفوا من قلم لا يهاب! كلما رأيت الطغاة يصنعون الذرائع لشراء أو كسر القلم الموقف كلما انحنيت لأقرأ من جديد قسم الله عز وجل بالقلم:"ن* والقلم وما يسطرون"!

    أحييك وأطمع أن أقرأ ما رفدت به المكتبة من نزيف معافى.

                  

05-31-2005, 04:36 PM

mutwakil toum

تاريخ التسجيل: 09-08-2003
مجموع المشاركات: 2327

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: فضيلي جماع)

    الشاعر العبقري . الصادق الرضي .
    والاستاذ الشاعر . جماع .
    حضوركما جذبني لهذا المكان..
    وبما اننا لا نحتفي بالنقد الآخر فانا ادخل هنا على استيحاء ..
    ما اراه هنا تضخيم لا يستقيم والانتاج المطروح لا اضافة هنا لروح القص .
    عادية وتقليدية في اللغة. ورتابة في القص
    عيسى الحلو له طريقة - ربما بحسن نية - مضللة ، او هي
    طريقته باللاحتفاء بالجديد لتضخيم الاشياء .
    ولي تجربة معه - بشكل اخر- حول ذلك .

    اعتذر على وضوحي
                  

06-01-2005, 03:03 AM

فضيلي جماع
<aفضيلي جماع
تاريخ التسجيل: 01-02-2004
مجموع المشاركات: 6315

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: mutwakil toum)

    أخي الأستاذ/ متوكل توم

    لا مبرر للإعتذار ‘ فقد وجدتني أقرأ وأعيد ما كتبت ، ودلفت من بعدئذ - رغم ضيق الوقت عندي - إلى مداخلاتي القليلة في هذا البوست خشية أن أكون قد غاليت في ترحابي بهذا القاص الشاب. وأستأذنك في تبرير كلماتي على قلتها في ترحابي بالقاص عبد الحميد البرنس (لاحظ أنني لم أقدم دراسة نقدية لأعماله، بل الأمر عندي لم يتعد الإشادة بموهبة جديدة جذبت انتباهي من مطالعتي للقليل جداً مما خطه هذا القلم الجديد). وأظنني قلت ذلك في مستهل تعقيبي على كلمات قليلة أطلقها على هذا الموقع مبدياً شعوراً نبيلاً بترحابي به..وهو أمر عادي في السجال الذي هو طبيعة مثل هذه المنابر الإليكترونية؛ فقد قلت له
    :عرفتك من خلال مداخلات معدودة على رؤؤس الأصابع ولكن حضور لغتك ونضج خطابك وتواضع جم يحجب الأنا فيك - كلها أبقتك في ذاكرتي حضوراً مميزاً..حتى إذا تكرم الصادق الرضي وبعض الرائعين هنا بتزويدنا ببعض قصاصات من أعمالك حمدنا لهم هذا الجهد وقلنا من الأفضل أن نقوم بواجب الترحاب.

    بعدالمطالعة لبعض نصوص عبد الحميد البرينس (قصة حيرة) وبعض مداخلاته في التعقيب على سجال احتدم بين الأستاذين أسامة الخواض وبشرى الفاضل ومن رصدي لبعض مداخلاته في هذا المنبر كتبت ما كتبت من ترحاب بقلم ألتمس أن يرفد ساحتنا الأدبية مستقبلاً بعطاء جيد، ذلك لأني بصرت في ما يكتب مقدرة في التعاطي مع اللغة - ماعون وأداة النص. كما إنني رأيت في أكثر من واحد من نصوصه القصصية( على قلة ما اطلعت عليه) محاولة للخروج من النمطية وتقليد الآخر. هذه مجرد ملاحظات عابرة قد تبدو في نظرك مغالاة وتضخيم كما ذكرت أنت!! دعنا نتفق على أن ذائقتينا قد أخذتا اتجاهين معاكسين ونحن نطعم من مائدة البرينس.. لكن أرجو ألا نختلف في أمرين: سطوع الموهبة لهذا الكاتب الشاب ، وكون الترحاب به وبأمثاله هنا من باب الواجب.

    لك محبتي، ولك العتبى حتى ترضى !!
                  

06-01-2005, 05:19 AM

mutwakil toum

تاريخ التسجيل: 09-08-2003
مجموع المشاركات: 2327

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: فضيلي جماع)

    الاستاذ الشاعر: جماع ..
    رجل بقامتك لا اجرؤ على مناكفته الكتف بالكتف ( وهذا اعتراف صادر تحت توقيعي دون شبهة تواضع) ..
    وما كتبته تحت الخطوط يملاء مواعين غروري لاجل غير مسمى ..
    ***
    اهتمامك بالاقلام الشابة ..تشجيعها.. تفنيدها .. وقراءة لها بقدرة ما فوق البنفسجية .هو ما دفعني لاقتحام هذا البوست
    (رغم ان اهتمامك منصب حول الشعر والشعراء -عفوا ان كنت مخطئاً- ) ولان ذائقتك مدعومة بالعلمية فقد تضخمت توقعاتي
    بان استمتع بتكنيك عالي في االقص ..
    القصة القصيرة تجاوزت مرحلة الحكي الي التكثيف ثم الي التكثيف و التصوير معاً ..
    ولكن مااراه هنا قص في طور الحكي الذي لايمكن ان يؤسس لمشروع قصة قصيرة خلافي موسوم بالتميز في زمن القصة التصويرية
    وهو يشبه مقاومة شاعر لتيار الحداثة بمجداف الحقيبة ..
    ، لكنه -ربما- ينجح ان يكون مسودة لرواية .
    * * *
    الساعة الان (بدري) صباحا وانا في طريقي لاخذ موقعي كترس في الماكينة الراسمالية ..
    كل الود
    دمت
                  

06-01-2005, 10:50 AM

mutwakil toum

تاريخ التسجيل: 09-08-2003
مجموع المشاركات: 2327

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: mutwakil toum)

    استاذي : جماع
    عفوا ..
    بترت الجملة في السطر التاني والتي تخص ماعون غروري بك كسوداني في اهتمامك بالاقلام الشابة وو ..الخ

    هذا ما تفعله اليقظة المشوهة بالنوم .
    دمت
                  

06-01-2005, 01:12 PM

فضيلي جماع
<aفضيلي جماع
تاريخ التسجيل: 01-02-2004
مجموع المشاركات: 6315

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: mutwakil toum)

    أخي الأديب/متوكل توم

    توقيعك المكتنز بالتواضع مدعياً أنك لا تطمع أن تجاريني الكتف بالكتف عددته حالة "مكرٍ" لا تخلو من براءة!! واعلم أن ما جعلني أحرص على الرد عليك مرة وثانية أنني وجدت في تعليقك ما ينبئني أن في جعبتك من ثعابين السحر في فن النقد والقصة ما تخفيه. إفرغ جرابك أيها الأديب الساحر ، ولا يغرنك مني السياحة في هذا المنبر فليس بيمناي عصا موسى. وإن شئت أعترف لك وبمنهى الصدق أن جرأتك في تناول الموضوع من الجهة المعاكسة أعجبني واستفز طيش غروري.

    بقي في كنانتي سهم واحد..أرمي به كبد الكلام عن تجاوز القصة القصيرة مرحلة الحكي إلى التكثيف ..ثم إلى التكثيف والتصوير معاً.. (ما تحته خط مقتبس منك).

    منذ أن طرق الرواد الأوائل باب القصة القصيرة في القرن التاسع عشر-فيما أحسب- وحتى يومنا هذا فإن هذا الجنس الأدبي ما فتيء يتحور صعوداً وهبوطاً في أكثر من شكل..وما فتئت اللغة منذ عهد بونين وتشيخوف وألان روب غرييه حتى وقتنا الحاضر هي ماعون السرد مهما تحور الشكل..تارة تكون مشحونة بالرموز وأحيان أخرى تستعير قوالب فنون أخرى مثل السينما والشعر والتشكيل! بيد أن معطى واحداً لم يتغير وهو أن القصة القصيرة في المحصلة النهائية حيلة من حيل السرد القصصي Narrative fiction..(أوافقك أنها جنس أدبي ثالث بين الرواية والشعر..فالشعرية أيضاً صفة ملازمة للقصة القصيرة)!! لذا فإنك وأنت تصف نماذج البرنس بأنها لا تعدو كونها "..قص في طور الحكي" كأنما تدعوه بأن يأتينا بلعبة تحرم فن الحكي، ثم تطلب منامن بعد هذا كله أن نسميها "قصة قصيرة" !!!

    أكثر ما أخشاه أن يقع أديب مثلك (واعطيك هنا شهادة هي لك..فأنت أديب لا ريب)..أخشى سقوط أديب مثلك في وحل التنظير والأدلجة والتراجم مما يجعل المرء في الختام مسكوناً بهاجس مدارس قدر شعر الرأس..إنزوى جلها وبقيت الموهبة.

    دعنانحتفي بأمثال البرنس قبل أن يقضي على موهبته الإحباط - لا أراد الله. وقد يصدق عليه رأيك الأخير بأنه مشروع روائي. فليكن..عندها يصبح ذلك تطورًاً طبيعياً وحالة استكشاف ذاتي قادت صاحبها عبر الممارسة الجادة إلى جنس أخر من أجناس السرد القصصي..الرواية كما تفضلت!

    أحيي فيك قدرتك على تحريك الموضوع كله من جانبه المعاكس.. لك محبتي.
                  

06-01-2005, 08:07 PM

mutwakil toum

تاريخ التسجيل: 09-08-2003
مجموع المشاركات: 2327

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: فضيلي جماع)

    استاذ : جماع ..
    مساءك طيب
    لا اود تـقـيـيدك بدائرية الرد على مداخلاتـي فمشاغلك -لاشك- تدفعك
    عكس البورد ، رغم ان شفافيتك تجرك نحو الكي بورد للرد على المتداخلين عليك ..
    ما كتبته انت من هبوط وصعود للقصة القصيرة هو ما كنت انوي كتابته ، لكن فعل
    التراكم الذي الذي طراء عليها لا يعطي مساحة
    مناسبة للهبوط اذ ان الهبوط محكوم بدرجات عليا حتى كادت ان تتبدل المقولة
    من هبوط وصعود الي صعود وصعود ،(وبالمناسبة انا هنا لا اشير للبرنس فما
    اوردته عن احتمالية احباطه اصابني باحباط ، عموما ارجو ان لا يسي فهمي.. له العتبى) ..
    ما اعنيه عبورها طور الحكي الي التصوير ، هو تجاوزها سرد الوقائع والاحداث
    لرسم رد فعل هذه الاحداث داخل الانسان المتعدد التعقدات بالاشارة فقط للاحداث اي دون حكيها وهذا - نظريا- قديم (اورده هيلمان هيسة في شهيرته Game of the crystal palls ولكن تطبيقيا اورده ماركيز وبورخيس في اعمالهم .. (اشعر فعلا انني وقعت في مصيدة التنظير ..).. دعني اعلن انسحابي..(رغم رغبتي في التعقيب علي كلامك حول اللغة)

    الود لك
    الحب لك

    (تجدر الشطارة الي ان اشير ان صفة اديب لي من اكاديمي ومثقف واديب مثلك تصيبني بالسكون ، وقبل ان اقع طريح وابل من الوسواس
    ساقنع نفسي فيما تبقى من يوم انها قيلت في صيغة منتهى المجاملة )..
    دمت
                  

06-01-2005, 09:45 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: mutwakil toum)

    أخي المبدع الجميل:

    متوكل توم..

    لا عليك. لكم سرني نقدك لما (أحاول) كتابته. ذلك أنه أقلقني (حقا) إحتفاء الناس بالمجموعة فور صدورها في أكثر من منبر مثل "الحياة اللندنية".. "الشرق الأوسط".. "الجمهورية".. "الخليج".. "أخبار الأدب".. "الأهرام".. "الحرية".. "الأهرام العربي".. "عيسى لحلو في الرأي العام".. وغيرهم.. ومن نافل القول أن أغلب المساهمات ركزت تحديدا على النصوص البالغة الكثافة بوصفها إضافة لشكل القص في العربية أو محاولة تفتقر إلى الشروط التقليدية لكتابة القصة القصير. ومن متابعتي لما يكتب في "أخبار الأدب" منذ فترة أرى أن هذا الشكل في القص قد أخذ ينتشر أكثر فأكثر. وهي مغامرة قمت بها ليس من عدم. إذ أن هنالك محاولات سابقة في هذا الإتجاه (قد) تقع على نحو أو آخر عند تخوم مفهوم "الخاطرة". ولعل كتابة نصي المطول " تداعيات في بلاد بعيدة" محاولة في اللاوعي لإعطاء المشروعية لمثل تلك النصوص بالغة القصر. كما أنني تأثرت أيضا بقراءتي أثناء المراهقة بما نشرته مجلة "الكرمل" من قصص مترجمة بالغة التكثيف للكاتب الجنوب أميركي الفذ إدواردو غاليانو. على أية حال.. أنا الآن أشعر بنوع من (الحياء) على تقديم هذه المجموعة مقارنة بمسودة روايتي (إنسان المكان) التي نشرت الفصل الأول منهاعام 2000 في القاهرة في مجلة "العصور الجديدة". وما أحاول قوله هنا إن الإحباط لا يصيبني جراء نقد يحمل رؤية سلبية تجاه ما (أحاول) كتابته.. ذلك أني أحاول دائما أن أبحث عن خلاصي الروحي أو النفسي في المقام عن طريق الكتابة.. ولا أسعى مطلقا إلى مفاهيم بائسة مثل "الشهرة".. واضعا أمام عيني سؤال لوكاتش المزدوج: ماذا قال و"كيف" قال ذلك.. وكذلك فرضيته الجوهرية القائلة: كان سؤال الأدب الجوهري ولا يزال: "ما هو الإنسان". وأذكر.. في هذا السياق.. أن كتابتي قد يشوبها القصور هنا وهناك.. بيد أني أحاول دائما تجسير الهوة مع الوقت ما بين الكتابة ك"تصور" والكتابة ك"منجز متحقق".. ولعل هذا ما دفع بماركيز إلى القول: "إن كتابة شيء ما تكاد أن تكون في صعوبة صنع طاولة.. كلاهما مادة قاسية كالخشب.. ليس أمامك سوى العمل الشاق.. أكاد أتفق مع بروست (مارسيل) أن 10% موهبة و90% جهد وعرق". وأشير أيضا هنا إلى حميمية وعمق وعي الشاعر الفذ فضيلي جماع حين نصحني هنا بضرورة الحفاظ على نفسي في عالم وصفه العبقري صلاح عبدالصببور بزمن "لا يعرف مقتول من قتله" ولماذا. له عمق تحية أخوية مني. وللصديقين زميلي الدراسة عصام دهب وحيدر حنين وللصادق وتماضر كل الحب ولك. مع أمل أن يأخذ سؤال الصادق حقه فيما يتعلق بما أسماه الهجرة/الهجرات. هذا ولا يزال تساؤلي للمهندس بكري أبوبكر قائما في بوست "بيدي لا بيد عمرو هذه المرة"!!!!!!!!.
                  

06-02-2005, 02:43 AM

فضيلي جماع
<aفضيلي جماع
تاريخ التسجيل: 01-02-2004
مجموع المشاركات: 6315

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: mutwakil toum)

    متوكل توم أيها الأديب شديد الشفافية‘ لا حرمنا من مداخلاتك العميقة والثرة. وأريد قبل أن نغلق هذا الباب أن أؤكد لك ودون أدنى مجاملة أن العمق الذي طفحت به مداخلاتك هو الذي أبقى الثرثرة لسان حال قلمي. وأضيف بأن الرابح من وراء ما قلنا هو القاص البرنس! أحييك وفي أعماقي كل المودة والإحترام لك أيها الصديق.
                  

06-03-2005, 04:12 AM

mutwakil toum

تاريخ التسجيل: 09-08-2003
مجموع المشاركات: 2327

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: فضيلي جماع)

    البرنس ..
    لطفك - يا صديقي- لوى يد وقاحتي ومد اصبع سبابي في
    عينيها (انا الان ارعى في حقل وريف من صوابي)..لك الفضل .
    لكن دعنا قبل ان ننتقل الي ما يخص المهجر ان اوضح ان
    ما وصفته طور الحكي هو قالب اولي في عجينة القصة
    القصيرة وللتدليل على ان هذا الوصف او التصنيف لا يمس
    موهبتك بسوء فان نجيب محفوظ (الرجل النوبلي) يقع
    تحت هذه الـCATEGORY . ..
    برنس ..
    دعني اتطفل على بعض نصوصك وارجو ان تحتملني ما امكن ..

    آنذاك كن مجتمعات داخل إحدى الغرف، أمي وأختاي الكبريان
    وجارتنا فاطمة وعانس على مشارف الخمسين تُدعى " وكالة
    رويتر المحلية " ،كن صامتات أغلب الوقت ،و الحق كانت هي
    من النوع الذي يشد إليه انتباه مستمعيه بخيوط محكمة من
    المتعة والسكون وإثارة الأشواق الدفينة، تعرف جيداً متى
    تصمت ، كيف تستعين بأصابعها النحيلة أو الرقيقة أثناء
    الكلام
    * * *
    تلك إذن حكمة السنوات، عصارة التجارب ، وثمن المعرفة
    العتيق ، ومع ذلك ، لست على يقين من أن كل شيء كان لابد
    له
    أن يتم وفق ذلك النحو، الذي زلزل ثوابت مدينتنا
    الإقليمية الصغيرة الواقعة عند ضفاف النيل .

    مقاسات ومساحات القصة القصيرة دقيقة لا تري بالعين
    المجردة ، ما تحته خط يساوي سنوات ضوئية بمفهوم
    الاختزال والتصوير ، مط الحكي - حتى في اوج
    حرفيته - يصيب القصة بالفتور ، بالاضافة الي تراكم
    حروف الجر والضمائر يسبب خفوت في بهرجة اللغة
    ( و مع ذلك ، لست
    على يقين من أن[/U] كل شيء كان
    لابد له أن) .. كاتب في حنكتك
    لا يصعب علية الاستغناء
    عن كل هذه الحروف والضمائر واستبداها بواحد ..
    ابتدر صحفي امريكي مقاله عن ماركير العام السابق ، وذلك
    بمناسبة وجود ماركيز في مستشفى بسان فرانسيسكو قائلا ..
    ان احد قراء ماركيز الكولمبيين قال انه حينما كان يقراء
    الجنرال في متاهنه حاول الجنرال وهو يجلس خارج المنزل
    قتل بعوضة تتلكاء على عنقه من الخلف فرفع يده وضرب خلف
    عنقة ، نظر الي يده راي دما ، اطماءن ، انصرف الي هواجسه
    .. يقول القارئ احسست ببعوضة تتمشى خلف عنقي ، رفعت
    يدي ، ضربتها ، نظرت اليها لم اجد دما ، استيقظت .
    (وهو ما اعنيه بالتصوير)

    يقول محمد شكري في كتابه غواية الشحرور الابيض
    (الكاتب هو من يصنع من بشر عاديين . اساطير . كما هو
    حال ماركيز والطيب صالح)
    ما تحت الخط منقول من الكتاب ..
    واسطورية الانسان تتأتى بتسليط Ultrasound عليه رصد هواجسه
    وتوجساته ماركة القلق التي تتقمصه نوع الفرح ..حجم الغضب .
    الفنان يرصد الهاجس والتوجس الداخلي الذي لايرى بالعين
    المجردة وويعمل على تضخيمه فحركة الانسان الخارجية
    لا تصنع منه اسطورة ..خاصة وانه - في زمن الالة
    والمادة - يتحرك الحدث بمتواليه عددية والهاجس
    والتوجس بهندسية .

    البرنس.. اتوقف لان علاقتي بالزمن متوترة، اعتاد مضايقتي .
    لا اعلم جهة مناسبة للشكوى والمقاضاة .
    ان استطعت مراوغته خلال اليوم . اعدك. اعود
                  

06-03-2005, 04:21 AM

mutwakil toum

تاريخ التسجيل: 09-08-2003
مجموع المشاركات: 2327

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: mutwakil toum)

    الاستاذ النبيل : جماع

    شكرا جديراً على استجاباتك ..
    واغفر لي ما تقدم من ثرثرة وما تأخر ..

    دمت ..
                  

06-03-2005, 11:18 AM

mutwakil toum

تاريخ التسجيل: 09-08-2003
مجموع المشاركات: 2327

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: mutwakil toum)

    يا صديقي
    الخطوط اعلاه تشربكت مع المداخلة . صارت المداخلة تشبه يقظتي التي
    كتبها بها .
                  

06-03-2005, 09:03 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التحية للبرنس (Re: mutwakil toum)

    أخي الجميل متوكل:

    أشكرك بمحبة وبعد قراءة دقيقة لما كتبت على هذا النقد. "وأرقد عافية" كما يقول صديقي الحميم أسامة. ودمت.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de