|
محنة المثقفين العرب -محاضرة لبروفسور عبد الله الطيب بنادى الجسرة بقطر
|
أستأذن الاخ الأستاذ تبلدينا في اعادة نشر هذا البوست في الذكرى الأولى لرحيل البروفسور عبدالله الطيب ، تعميما للفائدة رابط البوست الاصلي
النادى السوداني - Sudanese Culb
محنة المثقفين العرب
محاضرة لبروفسور عبد الله الطيب بنادى الجسرة بقطر ---------------------------------- بسم الله الرحمن الرحيم
(2) سعادة السيد رئيس هئية الشباب والرياضة ، سعادة السيد / رئيس نادى الجسرة ونائبه وزملائه، السادة السفراء ، السادة الحضور ،السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، احمد الله اليكم حمدا كثيرا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ... وبعد ،
فاول مرة زرت فيها الدوحة وقطر كان ذلك فى سنة 1973 كنت فى وفد جاء هذه البلاد وزار بلاداً عربية اخرى بغرض انشاء معهد للغة العربية لغير الناطقين بها تشترك فيه بلاد العربب جميعاً فى الخرطوم وكان يرأس ذلك الوفد السيد الوزير سابقاً الدكتور محمد خير وكان احد تلاميذى ببخت الرضا فى زمانه السابق فكان فى صحبته شرف عظيم ، وفى تلك الزيارة تشرفنا بلقاء السيد الامير مع سادة من عاليه رؤساء هذا البلد الكريم واكرم وفدنا اكراما عظيما واكرمنا نحن افرادا فى ذلك الوقت ، وكان السيد السفير انذاك الاستاذ شندى رحمة الله عليه ، والمرة الثانية التى زرت فيها هذه البلد الكريم كان ذلك سنة 1981 ، وكان بدعوة من الجالية السودانية الكريمة ، وارى منهم ملى حضورا كريما هاهنا ، وقد استدعونا واكرمونا ، وقد تلقتنا جامعة قطر احسن تلقّ ومنتدياتها وكان معنا من اخواننا السودانيين الكرام فى ذلك اللقاء الكريم الاستاذ الشاعر الكبير محمد المهدى المجذوب ، اذكره الآن وهو عند مولاه رحمة الله عليه ، وكان معنا سواه من الاخوان الادباء المحسنين ، وقد جيت هذه المررة بدعوة من نادى الجسرة وهو نادى حدب على الادب ،وهذه الدعوة لم تاتينى مفأجاة ، وان جاتنى مفأجاة ، وذلك ان احد اعضاء الجسرة لقيينى، منذ عامين وذكر لى انه سيدعوننى ، فللما تلقيت الدعوة منه علمت ان ذلك منهم وفاء زيادة على ذلك عجت على العنوان الذى اقترحوه على وهو " محنتة المثقفيين العرب" اذا لا تكون محنة وفى منتدات العرب كمنتداهم يدعو ادباءهم ويكررمهم ويتلقاهم ، فجزاهم الله عن ذلك خير كثيرا ، وما اقول هذا ثناءاً ورياء ، وانما اقوله عن صدق وعن تبليغ ،هذا وقد نظرت فى هذا العنوان " محنتة المثقفيين العرب" وللمحنة معانى كثيرة منها الامتحان ، وافضل ان اخذها بمعنى الامتحان ، لانى لو سلمت ان الادباء فى محنة بطل الكلام بالكليه فهم فى امتحان وآمل ان يجتازوا الامتحان ، والامتحان محنة ، لانه يضع صاحبه فى قلق عظيم ومن هذه الجهة لعلى التقى معهم عند بعض العنوان كما ارادوه ، والمثقف معروف هو الذى بلغ غاية الذوق والتهذيب الادبي وما الى ذلك ، وهؤلاء كما نزعم هم المتعلمون ولكن نقصد بهذه الكلمة المتعلمون تعليما حديثا ، والمتعلمون تعليم المدارس الحديثة بما فيها من علوم عصرية ومن ضروب المعارف التى تتصل بحياة هذا العصر واكثر ما يطلق هذا اللقب على من انهوا التعليم الجامعى ، او اتموا مرحلة تصل به للتعليم الجامعى او زاد على ذالك او قارب ، وقد يتثقف المرء من داره بهذه الثقافة ، فكل هؤلاء يسمون مثقفين ، وناتى للكلمة الثالثة وهى محنة المثقفين العرب ، فاخذ العرب هاهنا بمعنى الذين يتكلمون العربية ، ويحبونها ويقبلون عليها ويؤمنون بها ، وقد يوخذ من معنى العرب انه مراد بذلك من ينتمى الى البلاد العربية والببلاد العربية لاحد لها ، وهذا حد ينبغى ان اقرره هاهنا لانى سافرت الى اواسط اسيا فى بلاد او######ستان ورايت ثمة عرباً ولدتهم امهاتهم المتكلمات بالعربية وهم يتكلمون العربية ، وقيل ان هؤلاء العرب جاؤؤا من الشام فى عهد تيمور لينك وقيل جاؤؤا قبل ذلك وقيل جاؤؤوا مع قتيببه بن مسلم ، والمهم انه يوجد عرب فيما بين خيوا وبخارى يتكلمون العربية فيما وراء النهر وفيما وراء بلاد ايران ، ويوجد عرب يتكلمون العربية فى اعماق القطر المسمى نيجيريا يبلغون مليون نسمة يتحدثون العربية لا ريب فى ذلك ، ويوجد وراءهم عرب يتخدثون العربية لا ريب فى ذلك ، فبلاد العربية لا حد لها واقصد البلاد التى ينطق اهلها العربية وقد تعلموها من امهاتهم واباءهم على ان العربية التى ينطقها هؤلاء جميعا متعلميها من اباءهم وامهاتهم وليست هى العربية الفصييحة وانما هى عربية دارجية ، فهذا المعنى يعطى العروبة معنى واسعا ،ولذلك ينبغى ان نحصره فى اولاء للعربية وللعرب ، وبهذه المناسبة الاحظ ان كثيرا من الآداب التى تكي بالعربية ، فى بلاد بعيدة عن الاقليم الاوسط العربي ، لا تؤخذ فى الاعتبار وهذا خطا ، والآن بعد ان عرفت هذا التعريف الشامل اقدم على الموضوع ، واول ما اساله ما مفتاح هذا الموضوع ؟ ما هو اهم شى و اهم غرض ينبغى ان يهدف اليه عندما نتحدث عن المثقفين العرب وامتحانهم او محنتهم او ما يتعلق بكينونتهم عامه ؟
اول شى عندى هو اللغة العربية ، هذه اللغة العربية اول امتحان لها فيها هو هل نحن نحترمها ؟ هل نحن لنا ثقة فيها واكراما لها ؟ ان كان ذلك فنحن بخير وان عدلنا عن ذلك فقد سلك بنا طريق ثغرة وهلاك.
اللغة العربية كانت محترمة محبوبة فى جاهليتها نعم ذلك من الاخبار التى وصلتنا من انه كانوا يقيمون لها الاسواق وينصبون لها الحكام ويتبارون فيها عند الحكام ، بل كانوا يدرسونها درسا حتى انهم كانوا يعرفون اوزانها ، بل لعل منهم من بدا نحوها ، وفى اخبار القراء ما يشهد ان ابا الاسود الدولى كان يسأل عن مسائل فى العربية قبل ان يوجه الى تاليف النحو ، فالعرب كانوا يكبرون لغتهم ويحترمونها فى جاهليتها واستمر هذا الاحترام لما انعم الله عليهم بنعمة الاسلام والقران وامر ذلك معروف ، ثم ان اللغة العربية قد استوعبت علم الامم وصارت هى لغة العالم او لغة العالم المتحضر ، او لغة العالم المتمدن واحترمها العالم ، واول من اقبل على احترامها واكبارها هم الذين اعتنقوا الاسلام ، او نزلوا تحت ظله ، وتاثروا بها تاثرا عظيما ،ويخبرنا ابو حاتم الرازى فى كتاب الزينة ، ان الفرس لم تكن لهم اوزان متقنة ولا اسجاع ، وانهم اخذوا ذلك عن العربية ، وعن الفرس اخذ الاتراك وامم اخرى ، والذى حدث فى اللغة الفارسية فيه درس لنا جميع طلاب الادب ذلك ان اللغة الفارسية اقتبست من العربية ، ثم جعلت تنهض حتى صارت لغة ناضجة مكتملة ولكنها فيما نخبر عنها حتى حين بلغت هذا الشأن كانت تستعير وتاخذ من العربية وذكر بن الاثير ان الفرس يؤلفون القصص الطوال وان " شاهناما" نزلت عنده فى البلاغة منزلة عظيمة وان العرب ليس لهم شان من ذلك ، وهذا مما يستدرك عن ابن الاثير ذلك بان اللغة الفارسية كانت تعد نفسها لغة الدنيا والثقافة وتعد العربية لغة الدين ولغة القداسة واستمر هذا الامر بين كثير من المسلمين فى اقطار اسيا غير العرب ، اللغة العربية كانت فى المنزلة القدسية ثم فى منازل الثقافة اللغات الاخرى ، وكانت تنظر الى العربية كما تنظر الى الفارسية ، مثل هذا الامر بعينة حدث فى اللغة العربية نفسها بالنسبة الى فصيحها وعاميتها ، اللغة الفصيحة صارت لغة التاليف الدينى ، ولغة التاليف زى القداسة حتى انه تقريبا منذ القرن الثامن الهجرى الى الثانى عشر هجرى كان اكثر التاليف فى الشعر باللغة الفصييحة فى دائرة المديح النبوى ، وكان اكثر العلماء هم علماء الفقه والحديث وعلماء اصول الدين وما اشبه ذلك ، فى نفس الوقت كانت فى العربية تاليف عامى وشبه عامى ، الف ليلة وليلة ، التى يلهج بها وتعد من مفاخر العربية اسلوبها فى الواقع وسط بين العربية والفصيحة وقد الفت اقاصيصص واخبار كثيرة باسلوب مشابهه لعامية او مقارب لها او هو منها حتما ، ومن ذلك اساليب سيرة عنترة واساليب السير المختلفة التى تجرى مجرى الاساطير فى العاميات العربية كانت لغات مكرمة مقبلا عليها ومؤلفا فيها حتى ان السيرة النبوية والمدايح نظمت بالعامية ولكنها كانت فى مرتبة دون قداسة الفصحى التى كانت اللغة المقدسة الرفيعة لانها لغة القران ولغة الحديث ومنها يوخذ الدين . هذا بين الامم الاسلامية عربها وغيرة . واوربا اقبلت على اللغة العربية اقابل اعجاب واقبال تلق . ترجم القران الى اللغة اللاتينية فى القرن الحادى عشر الميلادى ، وترجم بعد ذلك عدة مرات وقد اقبل الاوربين اقابل عزم شديد على درس العربية حتى انه لم يحتلف فارس ضخم من معرفة العربية ، ونجد الآن ان قليلا من يذكر ان العرب قد اعطوا اوربا شئيا من علم الجبر ، شئيا من الارقام ، شئيا من الكيماء ، اشياء فى الفلسفة ، اشياء فى الطب ، ويسكت عن دورهم فى الادب ، والدور الذى اعطوه اوربا فى لغاتها دور عظيم جدا من شواهدة مثلا ، وهذا امر نحن نعرف خبره من الكتاب الذين كتبوا عن علم ، كتب الفارابى فى الكتاب الموسيقى ما خلاصته ان القافية شى انفرد به العرب ، كان يعرف اليونانيه وقال لا يعرفه فى اليونانية ولا غيرها ولا فى غيرها من الامم التى عاصرناها او رايناها ، وهذا الامر اكده كتاب بعد ذلك ومع هذا خصلت القافية لاشعار اوربا ، وفى القرن الاثمن عشر الميلادى كان كل الشعر فى فرنسا وبريطانيا من قافية البيت الاول والبيت الثانى ووهذا ماخوذ من المذدوجات العربية ، واخذت اشياء كثيرة من قبل ، مثلا : شى يسمى قافية الاول ، اخذ هذا عن العربية وبعض الجهلاء ظنوا ان هذا امر اخترعه الافرنج ، ويريدون ان يقلدوه بشى يسمى الجناس الداخلة وهو شى عربي اخذ من العرب لان العرب فى فترة متاخرة من فترات المدايح النبوية استحدثوا الوترييات والشفعيات وما الى ذلك ، يبتدى البيت بالحرف وينتهى به مثل:
سلام لا يحدو انتشارهم على من له نورا يزيد على الشمس.
فقد ابتدى البيت بالسين وانتهى بالسيين وفى القرن الثالث عشر الميلادى وما حوله ظهر شعر عند الافرنج يبتدى بحرف ويحافظ على الحرف مرتين او ثلاث فى البيت الواحد ، وسمى هذا القافية الداخلية او الجناس الداخلى واصله من العربية ، ثم بعد ذلك طور الى القافية المزدوجة وهذا باب لا اريد ان اطيل فيه لانه واسع وانما اردت فقط ان اشير الى ان اساليب العربية قد اثرت فى الافرنج ، وهذا امر لا نقوله حدثا وظنا فقد ذكر الصفدى ان المقامات العربية للحريرى كانت تقرا ويلعب بها امام احد ملوك الافرنج على زمانة ، مقامات الحريرى كانت بالنسبة للعلماء المسافرين فى ذلك الزمان كصك السياحى الآن ، يجلس العالم ويكتب المقالات ويذهب والمقالات فى رحلة ولا يتعدى عليه اللصوص لانهم يحافون من المكتوب ويخافون ان يعتدوا على عالم ، فاذا بلغ بلداً اهدى الكتاب لاميرها ولاشياخها العلماء وتلقوه بالقبول واقام معهم واحسنوا اليه ، وكتب مرة اخرى استعدادا لرحلتة الاخرى وهكذا وهلمجرا، فاللغة العربية كانت مكان احترام عظيم فى اوربا ومكان اخذ شديد وقد اخذوا منها اكثر من باب واحد بل قلدت قصائد بأعيانها بل ترجمت القصائد وولدت منها ، وهذا باب لا يتسع له المجال هاهنا ، ثم بعد ان استوعب هذا كله ، حدث له جحود وتنكر ، وفى فترات الصليبية الصارخة حرقت الكتب تحريقا ، وقد احتفظ ببعضها وحرق اكثرها ، حرقت مكتبة قرناطة ، وحرقت مكتبة قرطبة ، وحرقت سواء ذلك من الكتب ، ولعل التحريق الذى حدث فى اوربا كان اكثر من التخريب الذى خدث على ايدى التتار والمغول فى بغداد ، هذا ما كان من امر العربية فى اوربا ، عيد اليها بنوع من الاحترام والتقدير مرة اخرى لانها ما زالت تحتوى كنوزا وهذا امر مستمر الى يومنا هذا ، وساعرض لبعضكم انشاء الله فيما بعد.
استمر احترام العربية وتقديسها فى بلاد العربية والاسلام الى ان ظهرت اوائل العصر الخديث ، وهذا يقترب بنا من موضوعنا ، فى اوائل العصر الحديث خدثت ثورة خفيه على العربية وعلى اساليبها عامة ، كانت اول الامر نوع من الغير لما راى من تفوق اوربا ،فاقبل العلماء والادباء على استدراك ما فات العرب وما فات ادباءهم باشياء يرون انها من التجديد وهذا كان فى بابه عملا خلاقا مفيدا نافعا وقد بلغ الذروة فيهم جماعة على راسهم احمد شوقى ، فانه قد استدرك اشياء ظن انها قد فاتت العرب وقد تكون فاتتهم ، وعمله الذى قام به كان عملا مبدعا خلاقا وخاصة فى ميدان الاقاصيص والمسرح وبعض معالجة كبار موضوعات الشعر ، ومن غير الشعراء قام جماعة بالتجديد وعلى راسهم المجدد الكبير محمد عبدو ، ولكن كل هذا التجديد كان يحتوى على نوع من النقد الخفى للاساليب القديمة وللمحافظة التى كانت عليها ، ومن باب الاستطراد اذكر فى هذ الباب ان الشيح محمد عبدو لفت الانظار الى مقامات بديع الزمان الهمذانى ، وقد كان من آيات البلاغة ولكن مقاماته دون مقامات الحريرى بلا ريب ، وهذا امر قد سجلة كبار البلغاء والعلماء وقد سجلة الزمحشرى فى ابياته المشهورة اذا يقول:-
اقسمت بالله وآياته ومشعر الحج وميقاته
ان الحريرى حري بان نكتب بالتبر مقاماته
فهذا الاعراض عن الحريرى كان فيه نوع من النقد الخفى لاساليب القدمات ثم صرح بهذا النقد فيما بعد فى منهاج المدارس واول من انتقد فى اساليب القدماء انتقد الحفظ واقبلت المدارس على تجنب الحفظ ولا اريد ان ابسط فى مدار فى هذا الباب ولكن اريد ان الخص الى نهايته ، ترك الحفظ من الحفظ ومن المؤسف ان استبدل بحفظ آخر ، الحفظ قديما كان حفظا لنصوص ذهبية اساسية كأن تحفظ القران ، وان تحفظ جياد المتون من شعر ونثر . الحفظ الذى حل مكانه ان تحفظ نتف يحضرها مدرس مستعجل ليدرس كذا حصة فى اليوم ويستخلصها من كتب كثيرة ، والتلاميذ لانهم يريدون ان يتجاوزوا الامتحان يكتبون ما القاهو الاستاذ وليس لهم سبيل الى زيادته ، الا بحفظه عن ظهر قلب ، ويحفظون ما كتبوه ولم يصححهو تصحيحا جيدا ، ولا ريب ان هذا يقود فى نهاية الامر الى انخفاض فى المستوى والى جهل عظيم ، الجهل يمكن ان يصحح ويستدرك فيما بعد ، ولكن الكارثة التى وقعت هى ابطال المنهج القديم بالكلية ونقل منهج اوربى ، احضر عن طريق اوربا مباشرة او نقلا من اجل اعداد جيل ممن يباشرون الادارة فى مكاتب الحكومة ومكاتب العمل الجديد ، فلم يكن الدافع من الاول ان يطلبب العلم ، فهذا احدث اتجاهات جديدة وبلبله جديدة فى مستوى الفكر والعلم ، وخرجت الثورة من الخفاء الى الظهور ، فهو جمت العربية نفسها وجمت الاساليب القديمة جميعها وظهر هذا على ايدى طبقة من الادباء الى ان صرنا الآن الى مشاهدة من عدم احترام العربية ، واذا كان الناس يريدون ان يعدوا مثقفين منتسبين الى العربية فقد قدمت اولا ان مفتاح ذلك وهو احترامها فمتى نزلت منزلتها عندهم فقد نزلت منزلتهم هم من حيث يشعرون او لا يشعرون فمن اوائل مظاهر عدم احترام العربية الاعتداء على اساليبها بجراة ولا رغبة فى التصحيح والخطأ يقع من الناس وابنو آدم مظنة الخطا ، وكبار البلاغاء لم يسلموا من ماخذ عليهم واخطاء ، وهذا امر لا يؤاخذ به كثيرا ، وانما يؤاخذ بالمتعمد والجراة على الخطأ وباستساغته وبالدعوة اليه ، ويشاهد فى الصحافة الآن استعمال عبارات لا تمت الى صحة العربية بصلة مع اصرار مستعمليها الى ذلك وترويج بين طبقات الناشئة وينشأ عن ذلك استساغة لعربية ليست بعربية ولا شى جديد يباعد الناس عن اصول بيانه وبلاغة مع تنكر للبلاغة والبيان ، لا تخلو جريدة الآن من كلمة " مدراء" ولا اعلم من اين جيء بها ؟ الذى يجمع مدير على مدراء لا يجروا ان يجمه كلمة مان "مانس " لانه يحترم نحو اللغة الانجليزية ، ولكن لا يحترم نحو اللغة العربية ، وتوجد اخطار صيغت واستحدثت من الاخذ من اللغات الاجنبية مثلا :- لا تخلوا رسالة جماعية احيانا من قولهم كلما حدث كذا ... حدث كذا والكلام لم ينتهى بالنسبة للعربية .. كلما حدث كذا ..خدث كذا وكلما لا تتكرر وهذا خطأ يسير بالنسبة للاخطأ المتعمدة ،فلما تقرأ جريدة الآن ولم تجد فيها :- فيما هو يتحدث اليهم قال فلان كذا ....، وهذه تحتاج الى تاويل بعيد لتصح ، لماذا لا يقولون.. بينما هو يتحدث اليهم حدث كذا ، السبب فى ذلك ان الذين ترجموا الانجيل فى اواخر القرن الماضى قيل لهم تنكبوا اسلوب القران فاتبعوا اساليب لا تاخذ من العربية بسبب مع الانجيل فى لغته بليغ ،ولكن الاساليب التى اتبعت ليست باساليب العربية الناصعة ، وفيما اشبهاهها من لغة الانجيل وجعلت تروج فى العربية ، واللغة العربية مصدر بلاغتها ليست الانجيل المترجم فى القرن الثالث عشر والرابع عشر الهجرى او التاسع عشر الميلادى ، اساس بيان اللغة العربية هو القرآن الكريم وبلاغة العرب ، ومن اسباب النكبة ايضا شى يسمى الحداثة . هذه الحداثة مبنية على نظرية فيها كثير من الباطل مع ان منطلقها يبدو كانه صواب هذه النظرية تقول ان اللغة العربية كسائر اللغات لغة حية ينبغى ان تتطور وينبغى ان تساير العصر ، وهذه قضية مقبولة فى ظاهرها ، مسموعة فى باطنها ، واول شى يسأل عنه عن اى اللغتين العربيتين تتحدث ؟ عن العامية او عن الفصيحة ؟ اما الفصيحة فينبغى ان يعترف الناس بذلك اعترافا واضحا ، العربية ليست لغة امة من امم العرب الآن فى حديثنا اليومى او فى حياتها اليومية ، العربية الفصيحة هى لغة حضارة العرب ، ثقافة العرب ، علم العرب ، وهى لغة القران والحديث ، وهى لغة السلام ، ومن اجل ذلك فالمحافظة عليها واجبة لانها محافظة على الاصل وعلى التراث ، ثم لعل لها فايدة فى هذا العصر ، اننا ان زودناها استطعنا ان نتفاهم ونتعامل من اقصى بلاد العربية غربا الى اقصاها شرقا ، لانه لا ينكر ان اللغات العامية مختلفات اختلافات كبيرة بحيث احيانا من يسافر من بلد عربى الى بلد آخر قد لا يفهم كلام البلد الآخر بالكلية ، ويحتاج على ان يتدرب عليه وان تمرن اذنية عليه ، فمن اجل هذا ينبغى ان يعتقد ضرورة المحافظة على العربية الفصيحة ، هذا لا يعنى تعطيل اللغات العامية ، وفى اللغات العامية فى كل بلد مزايا كبيرة لان كل لغة عربية عامية متصلة باصول بداوة البلاغة فى ذلك البلد واللغة العربية فى قوة بيانها لون بدوى قديم ، هذا اللون البدوى القديم يرجع الى بداوة العقل وبداوة الفطرة ، وهذا امر تحدث عنه ابن خلدون فى مقدمتة اذا ان الفطرة الاولى بدوية المنحى وفيها كثير من الخير وفيها قوة ، هذا العنصر موجود فى كل اللغات العامية العربية حتى فى مدينة مزدهرة عريقة فى الحضارة كالقاهرة تسمع من العامة فى عنفوان مكانة بلاغة وبيانا وبداوة فى التعبير ، هذا العنصر لابد من وجوده ليغذى العنصر الفصيح ختى لا يدخله اللين ولا يدخله الضعف . فى كل بلد تتغذى اللغة الفصيحة من اختها العامية الموجودة فى ذلك البلد ، وهذا الامر قديم فى العربية والدليل عليه ان سيبويه لم ياخذ العربية من كل عربي وانما اخذها ممن يعقل وممن هو من اهل الفصاحة ، وهذا منصوص عليه فى الكتاب ، وهذا الامر مهم ومن اهميته ينبغى ان ننسبه الى ان المسلمين عندما كتبوا القران حافظوا على ان يكتبوه بلغة قريش ، مع انه نزل بسبع احرف ، وذلك حفاظا على الاصل وعلى النور الاول ، ثم بعد ان كتبوه حافظوا على رسمه العثمانى حتى بعد ان طوروا اساليب الكتابة وما يزال الرسم العثمانى معمول به الى الآن ، ثم ان علماء المسلمين فى اقطار العالم كانت لهم ممدوحه ان يترجموا ولكنهم اثاروا ان ياخذوا الى النص وان يتعلموا النص وان يتقنوه لانه مرجع دينهم، وقد اتقنوا ذلك كل الاتقان ، وقد تعرض الزمحرى لهذه المسالة فى تفسير صورة ابراهيم ، واجاد فى بعض ما ذكر ، وخلاصة الامر ان المسلمين وقع منهم اجماع على ضرورة تعلم العربية من اصلها والرجوع اليها فى اصلها لمعرفة دينهم حتى انهم اجمعوا فى مذاهبهم المشهورة على ان لا تكون الخطبة فى الجمعة بغير العربية ، واذا سافرت من مشار ق البلاد الاسلامية الى مغابرها وجدت من لا يعرفون العربية يخطبون يوم الجمعة باللغة الفصيحة ، واقول هذا لخروج بدعة كانت خفية ثم جهر بها فيما بعد ادت الى كارثة من اوائل الكوارث التى حلت بالعربية وهى استعمال الخط اللاتينى فى بلد مسلم مكان الخط العربي ، وفى هذا مباعدة عن الاصل وهو القران وقد حدث ذلك فى تركيا ، وكبار المفكرين من الاتراك الآن يعترفون ان استعمال الحرف اللاتينى ابعدهم من النطق الصحيح للغتهم فى كثير من الاحوال ، وجعلهم يغيرونها ، وانتقلت البدعة الى بلاد اخرى ، ففى بلاد الشرق الاقصى استعملت اللاتينية فى ماليزيا وفى اندنوسيا ففرقت لغة واحدة لغتين حتى صارت اللغة الاندنوسية غير اللغة الماليزية ، وفى افريقيا كتبت " الاوسا " باللغة اللاتينية ولله در شعراء "الاوسا " رفضوا ان يكتبوها بالحرف اللاتينى لانهم لم يريدوا ان يغيروا اوازانهم ولا ان يغيروا بديعهم الذى يظهر فى الرسم كما يظهر فى النطق ، ومع هذا قد حدث ضرر عظيم باستحداث هذا ، ومن اكبر الاضرار التى حدثت فى بلاد الاسلام ترجمت كتب الاسلام الى لغات العجم واعنى بالعجم الافرنج ، اما استعمالها فى بلاد العجم المسملين فهذا لا باس به لانه نوع من التفسير ، لانهم يطلبون الاصل ، وقد وقع هذا الخطا اول الامر على حسن نيه كالذى كان يقع حول التراجم فى مجلة نور الاسلام التى كان يصدرها الازهر ، ثم ما هو الا قليل حتى استشعر الناس اهمية اللغات االفرنجية فترجم القران الى الافرنجية ثم جعلت تشرح نصوص الدين بالافرنجية ، وفى هذا ما لا يخفى من المباغته ، ومن اجود تراجم القران الترجمة التى ترجمها الاستاذ " مارمليوك بكثرون " وهو من علماء العربية الافرنج ومسلم ومخلص فى اسلامه ومتقن للعربية مجيد ، وقد ترجم قولة تعالى " وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين " فقد ترجمها ترجمة جيدة ولكنها تعطى معنى واحدا من معانى " ذكر" هو حذر ، ولكن ذكر التى تفيد الرجوع بالذكر الى ما فات واستحضاره فهذا غير موجود فى هذه الترجمة ، وهذا النقص يحدث فى كل ترجمة ، وليه نقص كبير آخر وهو ان الحديث والقرآن اسلوبه عالى مبين له رنة وايقاع ، حتى ان المشركين لما ارادوا ان يشوشوا اول الامر زعموا ان القرآن شعر حتى صححهم علمائهم بانه ليس شعرا ، الايقاع فيه احداث معانى فى النفوس من غير طريق البيان ، والدليل على ذلك انك تستمع الى صوت القمرى فتسمع نه معانى لا تستطيع ان تفسرها الكلمات ، ومثل ذلك يحدث فى الموسيقى فهذا من الحديث ومن القرآن لا تستطيع ترجمته وتفهمه القللوب ، ومن اجل ذلك برع علماء من غير العرب فى علوم الدين براعة فوهبهم الله المقدرة على الفهم وفسروا لقومهم واقبلوا على العربية واتقنوها ونظموا فيها ، فنهج البردة كتب عنه من مغارب الارض الى مشارقها فى بلاد العرب وغيرها وهذا باب واسع ، ومن واجب المثقف بل اكبر واجب عليه ان يعسى الى احلال العربية محلها من الاحترام والتقدير فى النفوس ، وذلك لا يجى بالمتمنى وانما يجى بالعمل ، واول عمل يعمله المثق الاديب ان يدعو الى تصحيح اوضاع التعليم ومن هذا الباب اقترح اقتراحات مبدية ولكنها تحتاج الى ان يفرع عليها وان تدون ، وينبغى ان يبكر بالتعليم ، فى كثير من بلاد الاسلام وبلاد العربية يوخذ التعليم الى سن السابعة والثامنة ، ولكن ينبغى ان نبتدى قبل ذلك لان العلم فى الصغر كالنقش فى الحجر ، وينبغى ان يبتدى بالقرآن وينبغى ان يبتدى بعد القرآن واثناء تعليم القرآن بالتحفيظ ، ومن الاشياء التى تضلل الناس كثرا انهم يعتقدون ان الحفظ يقتل ملكة الفهم ، وهذا ليس صحيحا ، كنت استمع مرة الى بعض الاحاديث فى الاذاعة البريطانية فى الاذاعة الثالثة وهى تختص بمواضيع تدون ، وكان المتحدث من القسس يدعو قومه الى حفظ الانجيل فى العهد الحديث قال : لانى حفظته ووجدت الحفظ يزيدنى معرفة واكتشفت معنى كل مرة هو لم ياتى بجديد لهذا الباب وكل ما اراد ان يقوله : خذوا من المسلمين طريقتهم التى تركوها ، وكثير ياخذ من المسلمين طرقهم التى تركوها ومما اذكر فى هذا الباب اوانبه عليه ان علوم العربية كانت تكتب باسلوب العلماء واسلوب سيستفاد من درس كتب العلماء منذ الصغر ، فالذين كانوا يدرسون الاجرومية بشرح الكفراوى او يدرسون الجوهرة بشرحها او يدرسون ما شئت من الكتب بشروحها المختلفة كانوا يتعودون على نوع الاسلوب الذى تكتب به هذه الشروح ، هذا الاسلوب كانت تكتب به المعلومات الاخرى اذا كتب عن النبات ، اذا كتب عن الارض ، اذا كتب عن اشياء مختلفة من اساليب الحياة ، كان هذا الاسلوب على اختلاف اساليب العلماء والادباء كان هو الاسلوب المفضل، لذك مقدمة ابن خلدون التى يلهج بها الناس انها عمل عظيم من اعسر الكتب على طلاب المدارس الثانوية والجامعية عندنا ، واشك ان كان معظم الطلبة يفهمون معظم المقدمة او نص المقدمة ، ومع ذلك فان هذه المقدمة ترجمت الى اللغة الانجليزية ترجمة كبيرة وصغيرة ، كتب اخرى فى مشارق بلاد المسلمين ومغاربها تكتب فى اصناف الفنون ، وتكتب فى طبيعة العمران، وتكتب عن حيوانات البلد ، عن نباتاتها ، لو قراها متعلمون الآن لا يفهومنها لانه متمسك بما يسمونه الحداثة وهذه الخداثة لا تذهب به اكثر من ان يقرا " الشرق الاوسط " او احدى الجرايد المعاصر او احدى الاطروحات التى تكتب الآن ، ولكنه اذا قدم له كتاب كتب فى علم فى بلد من البلاد الاسلامية ، يتبعه جدا فينفرد منه ولا يقبل عليه ، ويجي المستشرق الشاب فيشترى المخطوطة ويقبل عليها ويستخرج ذخائرها لانه يريد ان يتعب ويستخلص الفائدة فينتفع بها فى النبات والطب ، وفى علم الحيوان ثم يشكو المثقفون العرب من ان المعاصرين يتقدمونهم فى التقنيات وفى نفس الوقت يريدون ان يكونوا معاصرين وصدق الشاعر الذى قال :-
أأبيت سهران الدجى وتبيته نوما وتبقى بعد ذلك لحاقى !؟
وهذا لا يمكن ، وواجبنا ان نرجع الى لغتنا والى علومنا وان نتعب فى تحصيل ذلك ، هذا واجب الافراد منا كما هو واجب الحكومات ، كما هو واجب الاجيال ومع هذا يشكر للمثقفين العرب انهم يفكرون وانهم يتوقون الى ان يتساوى مثقف العرب بغير العرب ، ولكن ينبغى ان ينتبه ، آخذُ على بعض الجرايد الآن مثلا انها تكتب كلمة "انجمينا " وهى عاصمة بلد افريقى " اند جمينا " لماذا ؟ لان الفرنسى كتبها هكذا ، والفرنسى لا يستطيع ان يقول " "اج" الجيم الشجرية لا ينطقها الفرنسى ، ولكن يعرف انها تتكون من الدال + الجيم غير العربية التى تتداحلها الزاى والتى هى ادج ، فاذا داحلت الجيم والدال جات الجيم الشجرية فهو يكتب دج ، والعربى عنده الحرف فلماذ يكتب مثل الفرنسى دج ، وينبغى ان يكتبها " انجمينا" اى استرحنا ، اى حدث لنا جمام والكلمة عربية والذين قالوها عرب . وقد ضربت هذا مثلا عن الاخذ العامى المقلد عن كل شى يخرج من اوربا حتى شعراءونا يريدون ان يكونوا خواجات بالشعر وانا اعذرهم فى امر واحد هو ان الامة لما كانت امى كان الشعر ينشد ويتغنى به ، وكان الناس ينشدون المدايح النبوية ، يعلمون مثلا ان نغمة الوافر هكذا وان نغمة الطويل هكذا ، وان نغمة البسيط كهذا.. لا يحتاجون الى درس العروض ، والنغمة تعلموهم الوزن ولذلك تجد شوقى وتجد البارودى وتجد حافظ وتجد غيرهم تاثروا بالمذاهب ونظموا مذاهب ، عمرية حافظ ما هى الا مدحة نبوية فى وزن :-
بانت عن العدوى القصوى بواديها عبثاً كان خوافيها بواديها
وكذلك همزية شوقى :-
همت الفلك واحتواها الماء فى وزن القصيدة النبوية المشهورة :-
كيف ترقا رقيك الانبياء ، وكهذا نظموا لانهم استوعبوا الرنة ، هذه الرنة ذهب الآن ، والرنة التى تسمع هى رنة الجاز ، ولا يوجد فى العربية الفصيحة شىء من ذلك ولا فى العامية ، ولما ظهرت هذه الاوزان المستحدثة كنت اقول لبعض طلبتى عندما تاحذهم الحماسة ويضربون ويخرجون فى مواكب ، لماذا عندما يستحدثون نغمة فى موكب لا تتبعون اللا اوزان التى فى الشعر الحديث ، لماذا ترجعون الى اوزان ورنات تسيرون عليها ، فالامر يحتاج الى مجهود الى ايمان والى ثقة بالله ، تعطينا الثقة بانفسنا لانه قد فقد مقدار كبير من الشعور بالعزة والشعور بالثقة بالنفس ، جعل الناس يحاول احدهم ان يكون غيره ، واذا حافظ الانسان على تراثة كان له فى ذلك الخلاص ، وقد اطلت عليكم الحديث فاكتفى بهذا القدر ، وان كان ثمة اسئلة آمل ان اتمكن من االجابة على بعضها .
|
|
|
|
|
|