غرفة عمليات للشعر الجديد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-14-2024, 06:20 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-28-2004, 08:14 AM

nassar elhaj
<anassar elhaj
تاريخ التسجيل: 05-25-2003
مجموع المشاركات: 1129

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
غرفة عمليات للشعر الجديد

    غرفة عمليات للشعر الجديد
    ناظم مهنا

    "غرفة القابون!..." المكان الذي أقمت فيه منذ 1978 حتى 1990. يقول البعض: إنه أجمل مكان. الواقع أنه أبشع مكان. ويمكنني أن أقول: إنه غرفة في قلب الجحيم!. حيث القابون، من ضواحي دمشق، المكان الأكثر بؤساً وجحيمية في البلاد. مع ذلك ومن جانب آخر، ووسط هذا البؤس، خلقنا حميمية وصنعنا أفقاً كونياً من الأفكار والشعر والصداقة والحب. على ضفة نهر يزيد بن معاوية الآسن، أحد فروع بردى، تقع هذه الغرفة ذات السقف الخشبي إلى جانب ثلاث غرف أخرى يشغلها مستأجرون عزاب. ضمن دار عربي له حوش مفتوح على السماء، وفيه عريشة عنب، وأمام الغرفة مصطبة كأنما شيدت خصيصاً لمؤتمراتنا العالمية الصاخبة. نهر يسرح فيه أكبر تجمع جرذان في جغرافيا الأرض. جرذان تغزو البيوت، وتتجول في الليل وفي وضح النهار، بين الناس، وتقتحم مجالسهم، وحيثما تحركت تقفز في وجهك أو تمر من بين ساقيك!.
    كان رواد هذه الغرفة كثر، يصعب عليَ تذكرهم جميعاً، حشد هائل من الأصدقاء الذين يهجسون بالأدب، قراءة وكتابة. أغلبهم معروفون، وبعضهم صاروا مشاهير، توزعوا في أرجاء الأرض، وفي مواقع عديدة، والبعض الآخر أخذتهم الحياة في سبلها المتشعبة، وقلة منهم رحلوا مع مشاريعهم وطموحاتهم التي لم ترَ النور.
    تركت فيّ هذه الغرفة أثراً لن يزول. فمعظم معارفي، من أصدقاء الكتابة والتشرد، عبروا فيها، وتركوا بصمات عبورهم في ذاكرتي، وذاكرة المكان، وذاكرتهم أيضا. وقد ذهب البعض من هؤلاء بعيداً في طوباويتهم، مطالبين بأن تكون الغرفة متحفاً للهامشيين والمارقين، لكثرة من عبرها منهم! ومن أراد، فليجعلها متحفاً في ذاكرته. من جهتي وأنا المعنيّ الأول في هذه الغرفة ، تكاد مجموعتي الأولى: "حراس العالم" تدور معظم قصصها في تلك الغرفة، وتسرب تأثيرها على مجموعاتي اللاحقة. وكذلك فعل الصديق الشاعر والروائي جودت حسن، إذ لا يخلو عمل من أعماله الشعرية والنثرية من ذكر لهذه الغرفة، حتى إنه كتب رواية، لم تطبع بعد، عن تلك الغرفة وزوارها بالأسماء الصريحة. وبشكل أقل فعل أحمد ونوس، وشعراء آخرون...
    في هذه الغرفة المفتوحة دائما للزوار، أحيينا الأممية الخامسة بالاشتراك مع الرصيفي الكبير رسمي أبو علي الذي كنت ألتقي به في مقهى الروضة. ثم السريالية الجديدة مع الشاعر جودت حسن المنبوذ من حزبه الشيوعي... نشرت وإياه نصوصاً مشتركة في جريدة النهار البيروتية، بإشراف الشاعر الكبير شوقي أبي شقرا. ثم انضم إلى الحركة شعراء، منهم: حسن وسوف، أحمد ونوس، فهد ديوب، والراحل المأسوي رياض أحمد. في تلك الفترة من ثمانينات القرن العشرين كانت تربطني صداقات مع معظم أبناء جيلي، وممن هم قبلي وبعدي، من الوسط الأدبي في دمشق، والقادمين إليها من المحافظات والأرياف، نلتقي في المقهى أو في الحانات... وصارت الغرفة ملتقى يومياً للأصدقاء وللمتطفلين أيضاً!..
    وعلى وقع المشاحنات والشجار حول قضايا الشعر والعالم كان البعض يعتقد أنه من هذا المكان يدار كل شيء، حتى لكأن هذه الغرفة هي مركز العالم!.
    من جبلة يأتي عماد الجنيدي، الشاعر الخطير بكل المقاييس، ومعه رهطه الساحلي، دائماً ودون موعد!... ويأتي السريالي العريق أسعد الجبوري، نخبوي في ربع الساعة الأولى فقط، والباقي صعلكة... وكريم عبد المرهف بحساسيته العراقية. وأحياناً الشاعر الصديق اسكندر حبش، الذي أجرى معي حواراً مبكراً، أعتقد في عام 1984، تحدث في مقدمته عن غرفة القابون... ثم كتب عنها مؤخراً في جريدة "السفير"، في معرض حديثه عن ترحيل أحمد جان عثمان.
    أما الصديق الصيني المنشق أحمد جان عثمان الذي أحييه في منفاه الجديد متمنياً له طيب الإقامة ومواصلة الكتابة، فهو مقيم يومي، يترك كل مساء مسكنه في المدينة الجامعية وغرامياته خلف ظهره متهيئاً للحوار والمشاكسة. كنا كائنات ليلية، تزهر رؤوسنا في الليل والعتمة... ما أكثر ما كانت تنقطع الكهرباء!... ونقضي ليلنا على ضوء الكاز الذي لا أزال أحتفظ به إلى اليوم. مرة بحضور الصديق الألماني غونتر وآخرين. مثل بدائي عريق، أشعلت مشعلاً من الأقمشة الممعوكة بالمازوت والملفوفة على رأس عصا، ونصبتها في الجدار، ما أشبهها بالشعلة الأولمبية، تضيء ليلنا لساعات!... وقد أوحى هذا الطقس لأحمد جان: بقصيدة "الكاهن البربري" التي نشرها في جريدة السفير مهداة لي... وفي هذا الجو اعتقد الألماني أننا سنقوم بتحضير الأرواح بعد قليل. كانت الطرافة والتهكم والصخب هي مظلتنا لمواجهة التهميش والبؤس المحيط بنا، والذي حولناه من عامل إحباط إلى حيوية وتفاعل. ووسط فوضى بدائية شاملة، كنا نعيش ترفا وتعالياً، ما يجعلنا نزعم متوهمين وعن قصد أننا "حراس للعالم"!... طبعاً لأننا شعراء... ألم يقل هايدجر ان الشعراء حراس الكينونة؟.. هذا ما جمعني مع الصديقين أحمد اسكندر وأسامة إسبر في ما بعد. لم نكن نحسد أحداً، وربما كان يغبطنا الرسميون على ذلك!...
    لو أطلقت شريط التذكر على هواه لمرت فيه صور الأصدقاء، كل حسب حضوره أو بشكل فوضوي: القاص العراقي جنان جاسم الحلاوي الذي ترك دمشق إلى بيروت أو صيدا؛ الشاعر صقر عليشي الذي اعتزلنا مبكراً واختط لنفسه طريقاً آخر؛ القاص وليد معماري؛ الشاعر أمير سماوي الذي سكن لفترة قصيرة في غرفة مجاورة؛ الشاعر محمد مصطفى درويش، والشاعر توفيق أحمد، وأغتنم الفرصة لأهنئه على منصبه الجديد (مديراً للتلفزيون السوري، حالياً) ومعه الصديق الشاعر عابد إسماعيل قبل أن يسافر إلى نيويورك للدراسة... ثم الصحافي الصاخب سمير الشيباني وصديقاته الماجنات... والخال أبو داؤود، صديق كل الشعراء، الوله بهنري ميلر، لأنه قرأ له جملة مجدّفة واحدة، وكان يردد هذه الجملة بعد الكأس الخامس أو السادس، كأنه يقرأ قصيدة كتبها. وأذكر الصديق البارع يونس أحمد مداوماً ومشجعاً لتلك الأمسيات. ولا يمكنني أن أنسى الدكتور إبراهيم الجرادي، وسليمان البوطي أيضاً.
    في غرفة القابون تعرفت على ابن منطقتي الصديق الأبدي أسامة إسبر ثم القاص الفذ أحمد اسكندر سليمان، والقاص والصحافي اللاذع نبيل صالح، والشاعر المتصعلك لقمان ديركي، وقد جمعتنا في التسعينات بشكل أو بآخر مجلة (ألف للكتابة الجديدة). ثم القاص المستنكف عادل حديدي. ومن الفنانين التشكيليين، أذكر الفنان أكرم حمزة، والسريالي، المخمور ليلاً نهاراً، معين لايقه. وممن لا تذهب ذكراهم هباء الشاعر (الشاب) الراحل عدنان قرشولي محام متقاعد، وكان قد تجاوز السبعين ويصر على أنه من شعراء الثمانينات!... قرشولي يشبه حكماء الهندوس، يتكلم ببطء، حتى إذا روى نكتة أو نادرة من نوادره القانونية يمكن للمستمع أن يأخذ غفوة ويستيقظ قبل أن تنتهي، جاء إلينا مع الفنان الراحل مصطفى الحلاج والقاص الستيني الغائب ملحم ملحم ، الذي لم أكن أسمع به ولم أقرأ له شيئاً في حياتي. هنا أتحفظ على ذكر السياسيين، يأتي إلينا بعضهم معتقدا أنه من الشلة، ولم يكونوا قلة، من دول عربية عديدة،جلهم من الناقمين على أحزابهم اليسارية الرسمية، وبعض أنصار تروتسكي ، وبعض الفوضويين،ومعظم هؤلاء من ذوي الميول الأدبية ومحبي الجدل... وربما هم أدباء فاشلون! ومن المؤكد أننا كنا نمقت في جلساتنا تلك الحزبيين والمخبرين.
    وتفادياً للحرج، أعتذر أيضاً عن ذكر الصديقات الرائعات اللواتي تركن عبقهن في مكان لا يليق، وبينهن من تجاوزن بالمكانة والشهرة دائرة الخوف والتحرج، مثل الشاعرة والإعلامية المعروفة هدى إبراهيم، ومن سوريا الأكاديمية سحر المقيمة حالياً في باريس، والأكاديمية الأمريكية ليزا المعجبة بميشال فوكو وتدرّسه لطلابها في جامعة بيركلي، وأيضاً الأمريكية الجميلة كرستين، صديقة أحد الأصدقاء، والتي كانت تحلم أن نكون جمعية عالمية.
    أذكر في إحدى المرات، فاجأتني صديقة عزيزة تحمل لي باقة ورد صغيرة وزجاجة خمر وبعض الأشياء، وجعلتني لأول مرة أنتبه إلى تاريخ ولادتي أو (عيد ميلادي) على حد قولها. ما أروع الصديقات وأبرعهن في ملامسة ما نغفل عنه أحيانا!...
    ومن بين الأصدقاء، أتحدث عن الروائي وكاتب السيناريو دون رينو الذي يشبه فلاحي حوض المتوسط، يدخن سجائر لف (غولواز)، وهو في الحقيقة أمريكي من أصل فرنسي. دون زوج السيدة ليزا، ولا بد أن ابنهما زاك قد صار شاباً. كان بيتهم في حي الجسر الأبيض، مقصدا حميما لي ولبعض الأصدقاء. أما الألماني غونتر عازف الكونترباص، الآلة التي تشبهه في الضخامة، وصديق القضية الفلسطينية ومضارب البدو في تدمر وبادية الشام، علمت أنه يدرس حاليا في اليمن. غونتر هذا، كان يرى في بيت القابون مكاناً غريباً وسحرياً، يديره كاهن وثني اسمه ناظم مهنا!... كان غونتر يتمنى لو يجعل كل أصدقائه الغربيين يأتون إلينا، وقد أتى بشقيقته الجميلة التي تحب الشعر وتحفظ قصائد لهولدرلن وريلكه وتراكل وآخرين... وصهره الفرنسي الخياط، الذي لا توجد فيه أي مأثرة سوى أنه يساري وصهر غونتر. بعد عودة غونتر إلى ألمانيا أرسل لي رسالتين وكان سعيدا بفوز نجيب محفوظ بنوبل... كتبت له الرد على الرسالتين، ولكن كعادتي في الكسل المزمن، بدلاً من أن أضع الرسالتين في صندوق البريد وضعتهما على الطاولة، وتراكمت فوقهما الأوراق، وبعد أكثر من سنة، باغتني غونتر ومعه ألماني آخر يرتدي لباسا لم ير مثله سكان القابون إلا في السينما أو التلفزيون. ولعله من المفيد هنا أن أعطي فكرة عن سكان القابون. الأصدقاء العراقيون كانوا يشبّهون حي القابون بحي الثورة في بغداد (مدينة الصدر) حالياً. حي كبير ومزدحم، سكانه الأصليون محافظون، وقد انزووا في حارتهم محاصرين بالغرباء، وصاروا قلة. يوجد حارة أخرى سكانها من فلسطينيي 48. والباقي من الوافدين إلى العاصمة من كافة أنحاء سوريا: عمال وعسكر وصغار كسبة ومهربين، عموماً، حي للفقراء فيه آسيويون وأفارقة: باكستانيون، هنود، إيرانيون، أفغانيون، سودانيون ومن الصومال وتشاد ومصر.. كل هذا الخليط البائس، حتى يخيل لك وأنت تراهم صباحا ساعين إلى أرزاقهم أنك في يوم الحشر! في تلك المرحلة كانت القابون مرتعا للأصوليين، وفيها تستهلك أكبر كمية كحول ربما في سوريا كلها، وتباع المشروبات الروحية في الشوارع علنا، ويتعايش فيها الشيوعيون والأصوليون، الطيبون والأشقياء، اللصوص وبيوت الدعارة، والمهربون من أبناء القلمون الذين يغرقون أسواق دمشق بالبضائع، مع الشرطة!. ألم أقل في البداية إنها قطعة من الجحيم على الأرض؟! في تلك البقعة الجحيمية كانت لنا تلك الغرفة الكونية، أقمنا فيها أجمل حواراتنا الشابة والمتحفزة لعناق الحرية والوجود، وصغنا فيها قصائدنا وتصورنا حول الشعر والكتابة. هل كنا أبالسة، أو طغمة من الأشرار يعيشون في عالم سري، ناقمين على البشر، يهيئون المخيلة للانقضاض عليهم؟ أم كنا حراساً للعالم، قلقين من غفوته، وهو يؤخذ كرهينة نحو الدمار؟. وهل كنا وحدنا من تصدى لحراسة الكينونة؟... لا بد أن هناك غرفا أخر وفي أماكن وأزمنة أخرى، قريبة وبعيدة...


    عن جريدة المستقبل اللبنانية
    http://www.almustaqbal.com/stories.aspx?StoryID=96452
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de