كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
|
|
 المغرب: شهادات علنية لضحايا التعذيب وملف المهدي بن بركة أولا ... هل يحدث هذا في السودان؟
|
بيروت (العربية.نت) - بولا حريقة
تعود إلى صدارة الاهتمامات المغربية وبقوة هذه الأيام قضية الانتهاكات الواسعة لحقوق الانسان التي حفلت بها حقبة طويلة من تاريخ المغرب الحديث. وسيتسنى لهؤلاء الذين جرت بحقهم عمليات القمع والتعذيب في سجون المغرب نتيجة آرائهم السياسية أو خلافاتهم مع النظام المغربي أن يتحدثوا بحرية عن تجاربهم. ففي مبادرة تهدف لرسم ملامح حقوقية جديدة لبلده سمح الملك محمد السادس لضحايا نظام والده الملك الحسن الثاني بالحديث عن معاناتهم في شهادات علنية من المقرر أن تنقلها وسائل الإعلام المرئية والمسموعة في المغرب قريبا.
وسيشاهد المغاربة على الأرجح شهادات عن الكيفية التي قتل بها المعارض المغربي البارز المهدي بن بركة بالاضافة لشهادات أخرى عن أشلاء مدنيين كانوا أوقفوا عشوائيا وأمضوا ما يزيد على 10 سنوات محشورين في زنزانات ضيقة مكبلي الأيدي وأعينهم معصوبة. وسيعرف هؤلاء أيضا عن العسكريين الذين اتهموا بالمشاركة في محاولات الانقلاب المتعددة ووضعوا على إثرها في السجون لأكثر من 18 عامًا في ظلام دامس وفي ظروف أسوأ من الموت، كما ذكرت صحيفة "لوموند" الفرنسية.
وأشارت يومية " لو كورييه إنترناسيونال" الفرنسية في سياق تقرير لها عن التحضيرات الجارية هناك لفتح هذه الملفات، أن العاهل المغربي بات أكثر قناعة بأن إظهار الحقائق وتعويض الضحايا وعائلاتهم وإعادة الاعتبار لهم، خطوة في مسيرة الألف ميل الهادفة إلى بناء المغرب الجديد، الأمر الذي اعتبرته منظمات حقوق الإنسان تحولاً مفصليا في السياسة المغربية الداخلية والخارجية، لا سيما وأن صدور قرار العفو عن السجناء السياسيين والسماح بعودة المنفيين يساهم في وضع نهاية للاحتقان الذي يخيم على الجو السياسي في البلاد على حد ما جاء في صحيفة "اليوم" المغربية التي تصدر باللغة الفرنسية.
و اعتبر عبد الحي مومدن، عضو حركة العدل والمصالحة المغربية هذه الشهادات العلنية تهدف أيضًا إلى تعليم الشعب المغربي مفاهيم جديدة لم يعهدها من قبل وهي احترام حقوق الإنسان والحريات الفردية.
ومن ضمن الشهادات التي سيشاهدها المغاربة واحدة لأحد المحررين بأنه كان يتم تعليقه من يدَيه إلى السقف لساعات طويلة يُمعن السجانون في أثنائها بضربه على أصابع يديه ورجليه بشكل وحشي، ليعودوا إلى إجباره على الركوع لساعات على ركبتيه وقد كبلت يداه خلف ظهره، ثم يبدأ أحد السجانين بالضغط الشديد على معدته في الوقت الذي يُدخل سجان آخر أصابعه في البلعوم ويضغط بعنف. واعترف محرّر آخر بأنه تعرض للتعذيب نفسه لكن السجانين كانوا يتلذذون بإطفاء أعقاب السجائر في ظهره عقابًا له على مشاركته في التظاهرات.
مبادرات حقوقية في اتجاه المغرب الجديد
ويعتبر مراقبون أن مبادرة العاهل المغربي بتعيين إدريس بن زكري، الذي أمضى 17 عامًا في السجن ما بين 1975 و 1991، على رأس حركة العدل والمصالحة المغربية في يناير/كانون الثاني 2004أتت بمثابة تأكيد على سياسة جديدة قائمة على احترام حقوق الإنسان في بلاده، سيما وأن بن زكري يتولى أيضًا رئاسة حركة "حقيقة وعدالة" التي عملت منذ تأسيسها على تسليط الأضواء على انتهاكات حقوق الإنسان في المغرب.
ويقول بن زكري إن لاختيار هذا الإسم معانيه أيضًا، "فالحقيقة أساسية لئلا ننسى، والعدالة تعني تقدير المسؤوليات قبل المسامحة"، من هنا فإن "طي صفحة سنوات الماضي الأسود لا يتم إلا بعد كتابتها تاريخًا يتعلمه أطفالنا". ومنذ توليه منصبه في حركة العدل والمصالحة المغربية تمكن بن زكري من جمع 22 ألف ملف عن انتهاك حقوق الإنسان في السنوات الممتدة ما بين 1956 و 1999، واستقبل ما يزيد على 4200 من ضحايا النظام السابق، واختار من بينها 200 حالة اعتُبرت الأكثر فظاعة لما تضمنت من تفاصيل مهمة توضح حقيقة معاناة الشعب، ابتداءً من ثورة الريف عام 1958 مرورًا بإخماد الثورات الشعبية ما بين 1981 و 1990، وصولاً إلى الاعتقالات التعسفية في الصحراء الغربية.
وطبقا لمعلومات الصحيفة الفرنسية فإن الشهادات العلنية ستستمرزهاء شهرَين يتحدث من خلالها كل شاهد، على مدى 20 دقيقة، عن تفاصيل معاناته باللغة التي يريدها وبأسلوبه الخاص وبوجود أفراد عائلته إذا أراد ذلك، على أن يراعى في الحالات الاستثنائية التي تتطلب تفصيلات إضافية زيادة مدة الشهادة إلى 30 دقيقة، مع التشديد على عدم التعليق على مضمون الشهادات.
في هذا السياق قال إدريس بن زكري إن هذه الخطوات لا تهدف فقط إلى إظهار الحقائق بل أيضًا إلى وضع تسلسل تاريخي للأحداث التي هزت المغرب. وتهدف الخطوة أيضا بحسبه إلى تخطي هؤلاء الضحايا حاجزهم النفسي من خلال منحهم فرصة الحديث عما تعرّضوا له من تعذيب وقهر وتعسف بعدما يتأكد لهم أن تصريحاتهم ستصل إلى مسامع المنظمات المهتمة بالدفاع عن حقوق الإنسان. وهذا ما أكدت عليه صحيفة "إيكونوميست" التي تصدر في الرباط باللغة الفرنسية التي اعتبرت أن الشهادات العلنية باتت حاجة ملحة لإظهار الحقائق أمام الرأي العام المغربي والعالمي لئلا تتكرر المأساة التي ألمت بالمغاربة والتي تعانيها معظم الشعوب الأخرى.
ملف المهدي بن بركة أول الغيث
وبحسب صحيفة "تيل كيل" فإن ملف المهدي بن بركة سيكون أول الغيث نظرًا للظروف الغريبة التي أحاطت بعملية تصفيته داخل الأراضي الفرنسية على يد العسكريين المغربيين محمد أوفقير ودليمي، بمساندة عنصرَين من الشرطة الفرنسية كان الجهاز السري المغربي قد جندهما للمساعدة في القضاء على بن بركة. وكانت صحيفة "لوموند" ومجلة "لونفيل أوبسرفاتور" الفرنسيتان قد نشرتا أنه بعد 4 سنوات على تولي العاهل المغربي الحسن الثاني العرش ظهرت إلى العلن حقائق كانت مخفية عن الوجه الآخر لذلك الملك الشاب الذي يحكم البلاد بيد من حديد ليضمن سلامة العرش بمساعدة رجل الثقة الأوحد في المملكة محمد أوفكيربحسب ذينك المصدرين، يسانده بوليس عسكري سياسي منتشر في كل زاوية من البلاد يمعن بأهلها وحشية وقمعا.
وتبلور هذا الوجه في الخطة التي وضعها الملك لتنفيذ عملية تصفية أحد أهم رموز المعارضة المغربية هو المهدي بن بركة. وذكرت صحيفة لوموند أنه في اليوم الثالث والأخير للثورة التي اشتعلت في الدار البيضاء وأُخمدت بقمع دموي أوقع مئات الضحايا، اتخذ العاهل المغربي الحسن الثاني قرار التخلص من بن بركة في أثناء اجتماع مع قيادات الأمن في 25 مارس/آذار 1965، ورصدت مبالغ مالية ضخمة آنذاك لتنفيذ الخطة بالاضافة لـ30 عميلاً لتعقب "المسافر الثائر" والقضاء عليه.
وكلف عملاء من الشرطة السرية بمهمات خاصة لإنهاء حياة المهدي بن بركة، الذي وُضعت مقراته في القاهرة والجزائر وجنيف تحت المراقبة 24 ساعة ، وتمت مراقبة اتصالاته الهاتفية، وتم اعتراض بريده الشخصي وفضه، إلى أن ألقي القبض عليه في فرنسا في وضح نهار 29 أكتوبر عام 1965 بواسطة عسكريين فرنسيين متعاونين مع الجهاز السري المغربي، ليلقى بعد ذلك أشد أنواع التعذيب في منزل فخم يقع في فونتوني لا فيكونت على يد محمد أوفقير والقائد دليمي.
وذكرت لوموند أن صمت بن بركة المطبق في خلال الاستجواب أثار غضب القائد دليمي فانهال عليه العسكريون بالضرب المبرح إلى أن فقد دليمي السيطرة على أعصابه فعلق الأسير الصامت إلى حبل يتدلى من السقف، وكبل يدَيه خلف ظهره، فيما كان بن بركة يتصبب عرقًا وعاجزًا عن التنفس نتيجة الضرب الشديد على معدته، في الوقت الذي كان أوفكير يشرب قهوته بهدوء، قبل أن يهب واقفا ليصفع بن بركة.
وفي آخر المطاف كان المهدي بن بركة جسدا دون روح عندما راح دليمي يحشر اسفنجة مبللة بماء متسخ في فم المعارض المغربي، ولم تجد نفعا بعد ذلك محاولات الإنعاش التي أجراها ممرضون لإفاقة بن بركة، ومن ثم بدأت مشاروات الجنرالات المغاربة للتخلص من الجثة التي لم يعرف مكانها إلى غاية الآن.
|
|
 
|
|
|
|
|
| |
NAZIM IBRAHIM ALI
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست