|
كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
|
|
 Re: سالم ود السّما (Re: omer almahi)
|
أحداث هذه الرواية تبدأ 1908 م بقرية ود الماجدي بالسودان وتقع هذه القرية على الضفة الغربية للنيل الأزرق وتبعد مائة وثمانية كيلومتراً جنوب الخرطوم العاصمة . وهي إحدى قرى الجزيرة التى تتخذ من الكاملين عاصمة لها .
أخذت القرية اسمها من مؤسسها الشيخ سالم حمد الماجدي الذي مر على موقع القرية في منتصف القرن السادس عشر الميلادي ،وكان في طريقة الى الأراضي المقدسة فأعجبه المكان فدفن فيه قطعة من الخشب . وبعد رجوعه من الحجاز وجد الخشبة على الحالة التى تركها فيها ولم تمسسها الأرضة فبنى الموضع مسجداً وخلوة لتحفيظ القرآنوداراً لأولاده وانقطعت صلته بشقيق المايدية مسقط رأسه . بدأ الناس يوفدون الى القرية الجديدة .إما للدراسة أو رغبة في جوار سالم الماجدي ، فالرجل عالم فقيه حفظ القرآن وحصل على الإجازة في مختصر خليل بعد أن تجاوز سن الأربعين . وأخذ الطريقة الشاذلية على الشيخ خوجلي أبو الجاز بالخرطوم . أما نسبه فهو ينتمي لقبيلة الجعليين ، وجده الخامس حمد أبو مرخة الذي ينتهي نسب هذه القبيلة عنده ، وحمد أبو مرخة هذا ينتهي نسبه الى الفضل بن العباس بن عبد المطلب (( رضي الله عنهم )) ويحتفظ الفقيه سالم الماجدي بشجرة نسبه وتوارثها عنه أبناؤه من بعده
لا يتجاوز سكان القرية في هذا العام 1908 مائتين وخمسين نسمة وينتمون الى عدة قبائل عربية كالمسلمية والرفاعيين والكواهلة المحس والصليحاب والفونج والشناقيط والبديرية باللإضافة لابناء الشيخ سالم الذين اصبحوا ينتمون إليه ويسمون أنفسهم بالماجدية .
| |
 
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: سالم ود السّما (Re: omer almahi)
|
يعتمد سكان القرية في معاشهم على مصدرين : الزراعة والرعي ، وكلاهما يعتمد على ماء المطر والنيل الأزرق ، وبالقرية نوعان من الاراضي الزراعية الشريط النيلي ، الذي يبلغ عرضه مائتين الى خمسمائة متر ، وهذه الارض يغمرها النيل الأزرق عندما يفيض في الفترة الواقعة بين يوليو وإكتوبر من كل عام . وعندما تنحسر مياه الفيضان يقوم الناس بزراعة الأرض التي رواها النيل ، ورسب فيها كميات من الطمي ، بشتى أنواع البقول والحبوب والخضر .
وهذه الأراضي تسمى الجروف (المفرد جرف ) ولا تحتاج الى ري بعد زراعتها التى تتم خلال شهري إكتوبر ونوفمبر وتحصد خلال مارس وأبريل .
أما النوع الثاني من الزراعة فيتم على السهل المنبسط الممتد بين النيلين الأزرق والأبيض الذي قام عليه فيما بعد مشروع الجزيرة ، أكبر مشروع زراعي في أفريقيا والشرق الأوسط وقتها ، والذي أفتتح في عام 1924 م والاراضي التي بها السهل يتم تنظيفها من الاشجار وتزرع خلال موسم الأمطار بين يونيو وإكتوبر من كل عام وتسمى بلدات (بكسر الباء وتسكين اللام ومفردها بلاد) تزرع البلدات ذرة وهو الغذاء الرئيسي لسكان وسط السودان الذي تقع فيه قرية ود الماجدي .
لكل واحد من سكان ود الماجدي بلاد وجرف ؛ البلاد تؤمن له الخبز خلال العام إذا كان موسم الأمطار جيداً ، والجرف يأتيه بشتى أنواع البقول التى يتأدم بها ؛ والخبز الذي يصنع من طحين الذرة إسمه ( الكِسْرَة) . والكِسْرَة نوعان ((عصيدة وشرائح)) .
الناس بخير ما دامت الأمطار تهطل والنيل الأزرق يفيض – كل شيء في حياتهم موجه للزراعة – فهم يقسمون العام الى ثماني وعشرون عِينة ، في كل عينة ثلاثة عشر يوماً ، ما عدا عِينة واحدة بها أربعة عشر يوماً لتكمل أيام السنة الى ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً . وعندما تكون السنة كبيسة فإنهم يطلقون على التاسع والعشرين من فبراير ((يوم الفرق)) ولا يدخلونه في حساب العين . والثماني والعشرون عِينَة هذه مقسمة على فصول السنة الأربعة بالتساوي . لكل فصل سبعة عين ، ويحددون بداية ونهاية كل عِينَة حسب التقويم الميلادي .والتقويم الدقيق هذا فرعوني الأصل ، والآثار الثقافية الفرعونية عند أهل الشريط النيلي هذا كثيرة وباقية الى يومنا هذا ؛ فالوعاء الذي يجلب به الماء من النيل اسمه ((القيروانة )) ومزود حفظ الجاف يسمونه ((الكَابدُولو )) ، ومجرى الساقية الذي يجلب به الماء من النيل يسمى(( النّقنيق)) والحبل الذي تربط إليه العلب التى تأتي بماء الساقية تسمى ((الألَس))وهذه كلها مفردات هيروغلوفية ؛ وحتى أسماء البلدان مثل ((فداسي )) (الأرض الطيبة) و((وبرنكو ومارنجان )) كلها ألفاظ هيروغلوفية
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: سالم ود السّما (Re: omer almahi)
|
...........الليلة يوم كم في شهر خمسة ؟
...........يوم ستة ...
...........النّطح دخل . كلّم الجماعة يحفروا البير ، بير النطح مويتو ما بِنقَطَ .
..........الليلة يوم كم في شهر سبعة؟
..........واحد وعشرين.
..........النترة دخلت .ازرعوا البلدات .
..........يوم عشرة .
.........مضت ستة يوم في سعد ذابح ، أغرسوا بَصَل الدُخري .لهم خبراء في هذا التقويم يحددون التوقيت الذي يزرع فيه كل محصول .
.........خالي الزبير ود الطيب !باكر ماشي أزرع البطيخ .
.........لا تزرع باكر .. اصبر خمسة يوم لا من تدخل عصاة الموية .. كان زرعت باكر بطيخك بطلع دَقَل (صغر الحجم )
........ جدي بله ود على ! بصلي بدا يعفن !
.........لأنك زرعتو قبال سعد الأخبية . طلع كبار لكن ما صبر .ودية . السوق وبيعو بما فتح الله !
........عمي مصطفى ود جمعة ! بقرتي جابت ليها عجلة ميتة !
لأنك عشّرتها في عريج وولدت في النطح .البهم ما حمل الحر ومرق ناقص الله يعوضك ، الجاتك في مالك سامحتك .
استشارات هؤلاء الحكماء لا تخيب أبداً ، وحتى بعد قيام مشروع الجزيرة ومجيء الخبراء الزراعيين فإنهم كانوا حريصين على ألا يختلفوا معهم .
..........يا حاج ! أزرع الذرة بين صفوف الطامطم عشان يوقيها من حر الشمس .
...........يا افندينا .... حر الذرة أكعب من حر الشمس . بالإضافة لي كدي الذرة بينقل للطماطم مرض العسلة والبياض !
.........يا حاج كلامي دا كلام عِلِم وكلامك دا جرّب تخرب !
..........عشان خاطرك يا ولدي بسوي كلامك .. لكن اكان تجيب ليها حبة طماطم دي تسوي المريسة في الإنداية . وأمسك الشيخ بلحيته التيسية البيضاء الخفيفة بيده اليسرى .
المريسة نبيذ يصنع من الذرة والإنداية هي مكان صُنع وبيع المريسة .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: سالم ود السّما (Re: omer almahi)
|
عند نهاية موسم الامطار في نوفمبر يقوم المزارعون بحصد محصول الذرة .
يقطعون السنابل بمدي تسمى (القطاعات ) ثم يجمعونه في أكوام كبيرة ويدرس بعصي غليظة تسمى (المداقيق) (المفرد مدقاق) ثم يذرونه بذرايات خشبية تسمى (المُضراية) افصل الحب عن التبن : ويدفنون الحب في حفر عميقة تسمى (المطامير) ومفردها مطمورة . لكل رب أسرة مطمورتان ، واحدة لمحصول الموسم الجديد. وأخرى لمحصول الموسم الذي سبقه . وعندما يدفن المزارع المحصول الجديد يقوم بحفر مطمورة العام الماضي ويخرج الذرة التي كانت بها لإستخدامها في قوت أولاده ، وإذا فاض الذرة عن حاجة أسرته يبيع الفائض أو يسلفه لمن لم تمكنهم ظروفهم من الزراعة أو زرعوا وفشل محصولهم على أن يردوا ما استلفوه من ذرة من محصول العام المقبل أو حتى العام الذي يليه ..
عندما يحل بالناس عام ممحل لا تهطل فيه أمطار تكفي لإنبات الذرة ولا يجنون شيئاً مما زرعوا فإنهم يلجأون للمطمورة الثانية.وهذه أعوام صعبة ، خاصة بالنسبة للذين يحترفون أعمالاً أخرى خلاف الزراعة كالنجارين والخياطين والإسكافيين ومدرسي القرآن ؛ فالمحظوظون الذين يمتلكون مطامير إضافية لا يحبذون بيع أو تسليف ما فاض عن حاجتهم من الذرة وذلك خوفاً من عام ممحل ثان يترك اسرهم بدون حب يقتاتون به ، فالذرة عندهم كل شيء ، إذا كان في بيتك ذرة فليس ثمة ما يجعلك تخاف على أولادك . فالحليب متوفر على مدار العام ، والابقار والأغنام والجمال موجودة بأعداد وفيرة ، وتربيتها لا تحتاج وعناء كبير ، والعلف متوفر طيلة العام . فالأرض البور أضعاف الأرض المزروعة والعشب الذي ينبت عليها يفيض عن حاجة الحيوان ويبقى حتى تفسده الأمطار التي تنبت العشب الجديد .
والغبات المطرية والنيلية لا حصر لها ، فكل شبر غير مزروع تنبت عليه شجرة . وكل أنواع الاشجار تؤتي ثماراً تصلح علفاً للحيوانات ، فمن الحراز يأتي الخُرّيم ،وهو غذاء جيد للحيوان ، القطعة الواحدة منه تكون بحجم الكعكة الضخمة وهي جميله ولنها أحمر أو برتقالي،ومن السدر يأتي النبق ، ومن السيال قرن العتود ومن الطلح البرم ومن الهجليج اللالوب وكلها أعلاف ذات ذات قيمة غذائية عالية للحيوانات .
الحليب مصدر أساسي ، فالناس يشربونه طازجاً ويتأدمون به ويصنعون منه الروب والسمن وإذا ذاد حليبك عن حاجة أسرتك فلربما لا تجد سبيلاً للتخلص منه لأنه لا يوجد من يشتريه أو حتى من يقبله هدية ، حتى الكلاب والقطط تأبى أحياناً أن تشربه فيتعفن داخل أوانيه .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: سالم ود السّما (Re: omer almahi)
|
هذا هو الحال في الظروف العادية ، ولكن هناك ظروف غير عادية ؛ يصيب البلاد محل يدوم عامين أو ثلاثة ، فلا تهطل أمطار ولا يفيض النيل ولا يتمكن الناس من زراعة الجروف والبلدات ، فينفذ مخزونهم من الذرة والبقول وتنفق الحيوانات وينعدم الحليب ويصاب الناس بضيق شديد .
........خالتي بت المِنَى ! أمي قالت ليك مافضلت ليكم لُقمة كِسرة ؟
........يَخَربني يا بِتِي . أولادي أتعشوا ببليلة لوبيا ! و(البليلة ) نوع من البقول تغلي على القدر حتى تنضج ويضاف له ملح وتقدم طعاماً للناس .
........حبوبة هيف الجنان ! أمي قالت ليك ما فضلت لُقمة كِسرة ؟
.......يمرقوها في قفاي يا بنيتي .. أولادي البارح عينهم مالاقت حتى الصباح من الجوع !
.......عمتي خير مِنوّ
...... لا وحاة ود بدر ماسويت لي كِسرة . سويت لي بقنية ... كان بدورها جِيبوُاِليكم ماعون .
والبقنية نوع من المريسة مخففة الكحول ، يشربها الأطفال والمتدينون فلا تسكرهم .
سنة الجفاف والقحط هذه مشهورة في تاريخ السودان ، خلال أعوام 1887 ، 1888 ، 1889 حل بالبلاد جفاف دام ثلاث أعوام وبلغ أوجه في عام 1890 الذي واكب العام الهجري 1306 فاصابت البلاد مجاعة شديدة سميت مجاعة (سنة ستة) نسبة للعام الهجري الذي حدثت فيه وقضت تلك المجاعة على نصف تعداد سكان السكان .
كان السودان آن ذاك تحت حكم دولة المهدية (1885- 1898م) التى أسسها محمد أحمد المهدي بعد أن ألحق الهزيمة العسكرية بالحكم التركي الفاسد المتهالك . وكانت ثورة المهدي أول حرب عصابات في العام تسقط حكماً مؤسساً وتقيم على أنقاضه دولة . التف الناغمون على الوضع حول المهدي وأخذ يحاصر بهم المدن التركية والحاميات والعسكرية فسقطت الواحدة تلو الأخرى
وفي يناير من عام 1885 م فتح الخرطوم وقتل الحاكم العام غردون باشا البريطاني الأصل الذي عينه الخديوي توفيق حاكماً عاماً للسودان بأمل إنجاحه في إفشال ثورة المهدي .توفي المهدي نفسه بعد ستة اشهر من سقوط الخرطوم بمرض التيفويد الذي تفشى وسط جنوده ، ولم يتجاوز سن الأربعين ، وخلفه على الحكم الخليفة عبد الله ود تورشين من قبيلة التعايشة الصغيرة بغرب السودان ، وكان المهدي قد سمى عبد الله هذا خليفة له في منشور مشهور من منشوراته عرف بمنشور (الشّعَرَة) .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: سالم ود السّما (Re: omer almahi)
|
وكان إختيار الرجل لذلك المنصب الرفيع خطأ فادحاً مازال السودان يدفع ثمنه , فالولاية في السودان لاتكون إلا لواحد من رجلين رجل متفقه في الدين , وذو حسب ونسب , وأتباع يوفرون له الدعم البشري والمادي مثل المهدي نفسه أو محمد عثمان الميرغني الأسبق الذي وفد إلى السودان عام 1816 من مكة المكرمة وتزوج من إمرأة من قبيلة الركابية ببارا فولدت له السيد الحسن الميرغني مؤسس مدينة كسلا والجد الثالث للسيد على الميرغني والد محمد عثمان الميرغني الزعيم السياسي السوداني المعروف , وينتهي نسب الرجلين , المهدي والميرغني , الى السيدة فاطمة بنت النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام .
ولربما تكون الولاية أيضاً لزعيم قبيلة كبيرة يتمتع بالحكمة والدراية وتأتمر قبيلته بأمره وتنفذ رغباته مثل مادبو زعيم الرزيقات الذي أحتج على إختيار المهدي ذاك فقتله الخليفة عبد الله عقب سقوط مدينة الأبيض , ومثل أبو سن زعيم الشكرية وعلي التوم زعيم الكبابيش ويوسف العجب زعيم الرفاعيين ويوسف هباتي زعيم الحسانية وذاكي الدين زعيم البديرية وكثيرون غيرهم .
أما عبد الله التعايشي فلم يكن له في الإعتبارين نصيب : فقد كان رجل شبه أمي ينتمي الى قبيلة عربية صغيرة بغرب السودان هي قبيلة التعايشة وكان أبوه خطاطاً وأخبره مرة بأنه سيصبح خليفة لرجل عظيم أسمه المهدي يحكم السودان من أقصاه الى أقصاه وأعطاه أوصاف المهدي .
حفظ عبد الله المقولة ولما علم أن رجلاً من أهل البحر (سكان المناطق النيلية) جاء بجيش جرار من الخرطوم وفتح به دارفور وقتل سلطانها إبراهيم , ذهب إليه ظاناً إنه المهدي .
..........مبروك النصر يا أخوي ...راجل أمك كلو أبوك ..علينا السمع والطاعة .
........الله يبارك فيك .وكتر خيرك , لكن أمك المرّدة دي تزوجت ملك الجن .
لا يموت ولا يطلق .
........الطلاق قدر والأعمار بيد الله .
.......والأسباب عندنا .
.......إنت محمد أحمد المهدي .
.......لا ..أنا الزبير ود رحمة . موفد من قبل حكومة الخديوي .
وكانت دارفور مسرحاً للغزاة والمغامرين من الشمال والشرق , وكلما تغلب فاتح سلطاتها جاءه وفد من الأعيان مهنئين بعبارة (راجل أمك كلو أبوك) أي أننا أذعنا لك مكرهين بعد أن أستنفذت كل طاقاتنا . والعجيب في الأمر أنه ما أستقبل فاتح بهذه العبارة إلا وحلت به كارثة حرمته الإستمتاع بثمرة غزوه .. وكان الزبير باشا عارفاً للمقولة مدركاً فحواها وأراد بردّ ه الجاف هذا أن يؤكد تصميمه على كسر النحس وإفساد الخرافة , ولم يكن له ما أراده , إذ سرعان ما نفاه الخديوي الى القاهرة التى بقي بها حتى نهاية دولة المهدية .
بعد فترة من ذلك أخبره أبوه أن الرجل الذي أخبره عنه قد ظهر في منطقة البحر (الشريط النيلي) فركب عبد الله التعايشي حماراً أسوداً وترك داره بحثاً عن السلطة والمجد ؛وبعد رحلة شاقة وعناء شديد وصل الى منطقة الجزيرة وأخذ يسأل عن محمد أحمد المهدي مستخدماً الأوصاف التى أعطاها له أبوه فتطابقت مع أوصاف واحد من تلامذة الشيخ القرشي ود الزين بطيبة المجاورة لمدينة الحصاحيصا . والشيخ القرشي هذا كان آخر أستاذة المهدي وآواه بعد أن طرده الأستاذ محمد شريف نور الدائم أثر خلاف شب بينهم . والرجلان , محمد شريف والقرشي من مشائخ الطريقة السمانية .
كان المهدي وبقية تلاميذ الشيخ القرشي وقتها يقومون ببناء قبة على قبر شيخهم الذي توفى حديثاً , ولم يكن محمد أحمد قد أفصح عن مهديته وقتها , وما أن رآه عبد الله ود تورشين تى أخذ يصيح كالمجنون :
.....بي الله كي انت المهدي ..! بي الله كي أياك المهدي ! وأغمى عليه في الحال . وعندما فاق أستدعاه محمد أحمد وسأله عن أمره فحكى له نبوة أبيه .. ويقال أن محمد أحمد بدأ يفكر في أنه المهدي بعد تلك المقابله مع عبد الله التعايشي .
مات المهدي وأصبح عبد الله ود تورشين خليفة له على المسلمين مقتفياً بذلك خطى الرسول صلى الله عليه وسلم عندما أشار على ابن أبي قحافة (أبو بكر الصديق) أن يصلي بالناس أثناء مرضه فتأهل بذلك لخلافته .
ودب الخلاف وأشتعلت الفتن وأنفض أهل البحر من حول الخليفة الجديد وحيكت المؤامرات ضده وبلغ الأمر أشده عندما سجن الخليفة عبد الله الخليفة شريف ابن عم المهدي وخليفته الرابع , والذي يأتي ترتيبه بعد السنوسي الليبي الذي سماه المهدي خليفة الفاروق وعلي ود حلو خليفة ذي النورين .
وكان المهدي ينوي إقامة دولة ينضوي تحت لوائها كل العالم الإسلامي وتكون عاصمتها مكة . وكان ذلك واضحاً عندما نزل ضيفاً بجيشه على الشيخ برير بشبشة شمال الدويم وكان وقتها في طريقه الى الخرطوم لتشديد الحصار على الذي يضربه حولها قائده أبو قرجة . وبينما كن الشيخ برير يودع المهدي خارج شبشة دار بينهما حوار طريف :
.....محمد أحمد ولدي , المقدم موموصل , فكني عشان أرجع . وودعتك الله .
......الفكة في مكة .
......محمد أحمد ولدي . مكتي أنا سيّال خالي ود عريض داك . ومكّتك إنت مقرن البحرين .
وواصل الشيخ المسن رحلته مع القائد المظفر وبعد خمسة كيلومترات من شبشة أعتل الشيخ برير فأمر المهدي بإرجاعه الى داره حيث توفي ودفن بسّيال ود عريض بشبشة حيث تقوم قبته حتى يومنا هذا , وتم للمهدي فتح الخرطوم وتوفي بعد ستة أشهر ودفن عند مقرن النيلين بأم درمان .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: سالم ود السّما (Re: omer almahi)
|
عندما شعر الخليفة عبد الله بالعزلة التي ضربها حوله أهل البحر لم يكن أمامه خيار سوى اللجوء لأهله من غرب السودان , فاستقدم كل القادرين على حمل السلاح الى حاضرته أم درمان للإستعانة بهم في تثبيت أركان حكمه ولم يترك بغرب البلاد من يفلح الأرض أو يرعى الحيوان .
وعندما حلت مجاعة سنة ستة فتكت بأهل أمدرمان فتكاً شديداً . فالبلدة الواقعة على أطراف الصحراء الكبرى لم تكن زراعية . وقد اكتظت بالجنود الذين أسماهم الخليفة الجهادية (المجاهدين) وأسرهم التي أحضروها معهم من غرب السودان , ولم تتمكن الحكومة من توفير الغذاء لهم فلجوا للسلب ولجأ الخليفة الى زعماء العشائر والطرق الصوفية الذين أستدعاهم جميعاً الى أمدرمان ووضعهم تحت الإقامة الجبرية وسماهم (الملازمين) ولكن لم يجد منهم سوى الخداع والتسويف .
........وَلد أبو سن . الجهادية جاعوا ..بِندًُورك تجيب لينا ألف بعير من الشكرية لِمُونة الجهاد .
........أمرك يا خليفة المهدي .. خليني أمشي أجيبهم وأجي .
.......لا ,لا , لا أنا ما بستغنا عنك هنا , رسل ليهم .
.......جيب لي المرسال أوصي قدامك .
فجاءه بمن يبعثه الى قبيلة الشكرية كي يدبروا ألف بعير ويرسلوها إلى الخليفة بأم درمان ..
......أسمع يازول عندك جملاً لاحق يوديك ليعن رفاعة ؟
......أيوا عندي .
.....بتعرف الشكرية زين ؟
.....أيوة بعرفهم .
.....امشي لأولاد الدباي وأولاد محيريق وأولاد جبرين وأولاد أبو تريمة ....
عشرين خشم بيت . كل بيت خمسين بعير .. الحسبة كم ؟
......ألف بعير (قالها الخليفة) .
يختاروا عشرين ولد فوق العشرين وتحت الثلاثين . يسوقوا الجمال بسراعهم . قول ليهم كان شرقت فوق رقابهن . وكان غربت فوق جعابهن .. خليفة المهدي متضايق وداير الجمال بسراع .
ثم ألتفت الى الخليفة :
...... سيدي خليفة المهدي أنا قصرت .
......حاشاك التقصير يا ولد أبسن .
ولم يفهم الخليفة الشفرة التي أرسلها هذا العربي الذكي المخادع لقومه . فقد أمرهم أن يجمعوا أفضل بعير عندهم ويهربوها الى الحبشة وحددها هنا بحركة الشمس . فعندما تشرق تكون أشعتها على رقاب الجمال وعندما تغرب تكون على عراقيبها , أي إن الجمال تتجه شرقاً بينما تقع أم درمان شمال غرب مدينة رفاعة مركز تجميع الجمال .
نفذ الشكرية وصية زعيمهم الأسير وهربوا الجمال الى الحبشة ولم ترجع إلا بعد سقوط دولة المهدية على يد كتشنر باشا عام 1897 م ومقتل الخليفة عبد الله عام 1898م على يد ونجت باشا ضابط الإستخبارات الذي أصبح فيما بعد حاكماً عاماً على السودان ..
كان معظم ضحايا مجاعة سنة ستة من سكان أم درمان التى اكتظت بجنود الخليفة عبد الله ومن منطقة غرب السودان التى أخليت من القوة المنتجة للغذاء .
أما ود الماجدي وبقية قرى منطقة الجزيرة فقد تأثرت بالمجاعة , ولكن لم يمت أحداً منها جوعاً .
والذي يزور مقابر القرية حيث تحرص كل أسرة على تزين قبور موتاها بشتى أنواع الشواهد من آجر وصدف وزجاج وأواني مختلفة وحجارة ينقش عليها إسم الميت وتاريخ وفاته لا يلاحظ إرتفاعاً في معدل الموتى عام 1306 ه .
......كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام .. ها قبر أحمد أبو صباح المتوفي عام 1306 ه .
.......يا ماراً بقبري سألتك الفاتحة على روحي .. هذا قبر المرحومة الكشّافة حاج نصّار المتوفية عام 1306 ه .
.....ألا كل شيء ما خلا الله باطل وكل نعيم لا محالة زائل .
هذا قبر الفكي محمد حاج رحمة المتوفي عام 1306 ه
إلا أن الناس عانوا معاناة شديدة حتى أكلوا القطط البرية وصنعوا العصيدة من بذرة القطن (الغلغل) بل أن بعضهم قام بتطرية جلود البقر التى نسجت منها السرائر الخشبية وطبخوها وأكلوها .
سنوات القحط هذه مشهورة عند أهل السودان الأوسط , ولكل سنة إسم تعرف به . وبلغت شهرتها حد جعل الناس يؤرخون بها .
ولدوك سنة كم يا حاج عبد الغني ؟
......سنة كتلة ود حبوبة .
ولدوك سنة كم يا ود عبيد ؟
....سنة النجمة أم ضنب .
ولدوك سنة كم يا الزبير ؟
سنة أم دقنوس .
ولدوك سنة كم يا الشريف المأمون ؟
سنة أم خمسين .
كل هذه سنوات قحط . سنة كتلة ود حبوبة (190 كانت سنة صعبة بسبب الإضطرابات التي نجمت عن تمرد عبد القادر ود إمام على الحكومة الإنجليزية وتكفل أهالي المنطقة بدفع دية البريطاني والمصري الذين قتلهما كشرط لرفع حالة الطواري عن المنطقة . وسنة النجمة (أم ضنب) هي عام 1912 الذي ظهر فيه المذنب هالي وشاهده كل الناس بوضوح شديد وسنة أم دقنوس هي عام 1914 عام بدء الحرب العالمية الأولى حيث انشغلت بريطانيا عن مستعمراتها بدرء الخطر في عقر دارها وأخذ العام إسم إمرأة مختلة العقل (ود الدقنوس) رأس المرآة الذي لا شعر فيه , وهو إستعارة لوصف المحل , وسنة أم خمسين ريالاً (خمسة جنيهات أسترلينية) . وتزامن الضيق وشظف العيش في هذا العام مع وباء الإنفلونزا الذي عم جميع أرجاء العالم . وسموها في أوروبا وأمريكا (خليلة العجوز) (The old man s friend) إذ فتكت بالمسنين فتكاً شديداً !
(عدل بواسطة omer almahi on 12-10-2004, 09:15 AM)
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: سالم ود السّما (Re: Abdel Aati)
|
........ يُمّ أنا بطني تُوجعني قُومي أمشي نادي لي الداية بت الفكي .
........سجم خشمي يا بتي إنتِ ما تميتِ شهرك التاسع ..امكن عندك وجعة ساكت .
....... يُمّ أنا عندي وجع ولادة قومي نادي بت الفكي ..
.......أكان كدي خليني أصحي حاجة عرفة تمشي معاي . الواطا ليل والناس ناموا .. يا حاج عبد الله .. يا أبو كتيرة , حاجة عرفة صاحية ؟
...... أصحيها ليك يا سليمة .... سالمة بطنها توجعها ؟
وسالمة التي تهم بوضع مولود جديد شابة في العشرين من عمرها وسليمة أمها قد تجاوزت الأربعين وحاج عبد الله أبو كتيرة هو مولاها السابق وحاجة عرفة زوجته .
فقد ألقى الرق في السودان عام 1897 , عند سقوط دولة المهدية وقيام الحكم الإنجليزي المصري في السودان , وكان أول قرار للحكومة الجديدة هو تحريم تجارة الرق وتحرير الأرقاء ومنع إستعمال كلمتي ( عبد) ( وخادم ) في مخاطبة الأرقاء المحررين .
وإن تجرأ أحد وأستخدم أياً من العبارتين فعقوبته الحبس لستة أشهر مع الغرامة . ولكن ظل معظم الأرقاء المحررين يعيشون في كنف أسيادهم السابقين إذ لم تكن لديهم المقومات الإقتصادية للإستقلال والتحرر .
فالأرض يملكها السادة وغيرهم من العرب الأخرين الذين لم يكن لديهم أرقاء . والبيوت التي يسكنها العبيد والأرض المقامة عليها هي الأخرى ملك لاسيادهم .
فالرجل من هؤلاء كان يعمل في فلاحة أرض مولاه أو يرعى له حيواناته , والزراعة والرعي هما الحرفتان الوحيدتان لرجال سواء كانوا عرباً أو أرقاء . أما فيما خلا ذلك فهناك مهن هامشية لا يعتد بها ولا يكفي الدخل الذي تحققه لإعالة أسرة ,فلكل قرية نسّاج يأخذ الغزل من النساء ويصنع منه الملابس , وقد كسدت تجارة هؤلاء بعد أن إستورد الحكام الجدد المنسوجات القطنية من مانشيستر ببريطانيا , وهي أجود صناعة وأرخص ثمناً , ولكل قرية نجار يقوم بعمل العناقريب (أسرة النوم) والبنابر (المقاعد) وبعض الأدوات المنزلية والزراعية وأسكافي يصنع ويرمم الأحذية (وجلاد) يقوم بتغليف الأحجبة والتعاويذ بالجلد . ولكن لم يكن أي من هؤلاء متفرغاً لعمله , فكلهم مزارعون ويمارسون حرفهم هذه بعد زراعة وحصد الذرة .
وبالطبع لكل قرية تاجر يوفر لسكانها السلع الضرورية , ولكن هذه مهنة لا يحلم بها عبد لأنها تحتاج لرأس مال ؛ لذا فقد فضّل العبيد المحررون الإستمرار في كنف أسيادهم السابقين .
أما النساء من الرقيق فقد كُنّ أوفر حظاً من الرجال ؛ فقبل التحرر كن يقمن بخدمة زوجة السيد وذلك بجلب الماء لها من النيل أو الآبار وإحضار حطب الحريق من الغابة . وطحن العجين وعمل الخبز وغسل الملابس , والإشراف على الأطفال .
وكانت الواحدة منهن مقيدة بأنماط سلوكية معينة يفرضها السيد ؛ فعندما تكون قائمة على خدمة سيدها أو زوجته داخل البيت تسير حافية القدمين حاثية الراس , وإن كانت على قدر من الجمال تصبح محظيته , وإن حبلت منه وأقر بذلك فإن الولد الذي تلده يكون إبناً شرعياً له يتمتع بجميع حقوق أبنائه الآخرين , إلا أن الأم لا ترث زوجها إذا مات قبلها , بينما تنطبق عليها العدة فتعتكف بعد موته أربعة أشهر وعشرة ايام !
وإذا لم تكن الخادمة جميلة ولم يبد أموالها رغبة فيها فإنه يغض الطرف عن ممارساتها الجنسية . وتقيم علاقات مع رجال آخرين , عبيداً كانوا أو عرباً , وإن أنجبت أطفالاً فهم عبيد للسيد ويأخذون بإسمه ؛ فسليمة هذه هي سليمة أبو كتيرة , وسالمة إبنتها هي سالمة أبو كتيرة والطفل الذي ستلده سالمة سيكون إبن أبي كتيرة .
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: سالم ود السّما (Re: omer almahi)
|
سالمة نفسها إبنة أبي كتيرة ولكنه لم يقر بأبويته لها لأن رجالاً آخرين كانوا يغشون سليمة . فقبل عشرين عاماً من الآن وبينما كانت سليمة تقوم على خدمة حاجة عرفة عندما وضعت بنتها الكبرى كتيرة , أحضرت العشاء لمولاها . وبعد ان فرغ من الأكل صبّت له الماء فغسل يديه وأعدت فراشه للنوم لكنها لم تنصرف ..
....... تاني داير حاجة يا حاج عبد الله ؟
....... أيوا داير .
وتبسم وتلفت يمنة ويسرى ثم سألها :
عبد التام نام ؟
....... أيوا نام ... ألحقني على المطبخ .
وعبد التام هذا هو الرجل الذي يعيش معها بعلم وموافقة أبي كتيرة , ولم يكن واحداً من عبيد أبي كتيرة لكنه شلكاوي وكان إسمه كاجيك , وغير أسمه الناظر يوسف ود جبارة وعينه حارساً لغابة الحكومة (صاحب )سليمة أي أتخذها عشيقة له , وبما أنه ليس زوجاً شرعياً لسليمة فبامكان أبو كتيرة أن يطرده متى أبدى إعتراضاً على مسلكها مع مولاها .
تم لقاء المطبخ أو (التُكل) وبعد تسعة أشهر أنجبت سليمة بنتاً بيضاء اللون أنفها طويل وحاد , وشعرها أسود ناعم , تماماً كأنف وشعر أبي كتيرة وأسمتها سالمة .
...... أبو كتيرة , البنية دي هيلتك ؟
....... الله ورسوله أعلم .
........ كيف ؟ البنية قطعة منك !
....... يا خوي سليمة رِمة مرمية في الخلاء . أكلت منها عشرة كلاب .. كيف .
نعرف الكلب الأكل القلب ؟
أما سليمة نفسها فلم تفصح عمن يكون والد الطفلة , ولم تخبر أبا كتيرة بأنها ثمرة ذلك اللقاء الذي تم في المطبخ بينما كان عبد التام يغط في نوم عميق .
....................
........ الحمد لله على السلامة يا سليمة ... سالمة جابت ولد .
........ الله يسلمك يا بت الفكي .... أيوي ... أيوي ...... يوي
وتعالت الزغاريد تشق صمت الليل وشاركت فيها كل الحاضرات ما عدا إمرأة واحدة بت الوِد , ولها مشاكل مع سليمة لأنها طعنت مرة في نسبها .
فبن الوِد من قبيلة الجابرات وتدعى إنها بنت الوِد ود محمد ود غلام الله ود الرسول عليه الصلاة والسلام !
ولما قالت لها سليمة أن الرسول لم يلد ولداً أسمه غلام الله ناصبتها العداء .
وقفت بنت الود وصفقت لتسكت النساء وتقدمت نحو سليمة :
....... الوليد دا أبوه منو ؟
فصمتت سليمة كما صمتت جميع النساء فرفعت سالمة رأسها من الفراش ومدت يدها الى سقف القطية حيث مازال الحبل الذي كانت تمسك به خلال الطلق متدلياً ؟, وقالت :
....... أبوه السما داك عجبك ولا غلبك ؟
...... لا خلاص ! وسميتيه منو ؟
...... سميته سالم , علي ود الماجدي , ود الرسول الماملصوق ولا ملتوق .
وأعادت راسها الى المسندة وهي تتلوى من آلام ما بعد الوضع . ونهضت سليمة :
....... شطّفي البنية يا بت الفكي على بال ما أمشي أكلم أبو كتيرة .
كان أبو كتيرة قد عاد للتو من المسجد بعد أداء صلاة الفجر فيه .
فهو يؤدي الصلوات الخمس في المسجد , وبعد الصلاة جلس لقراءة الراتب مع الخليفة حمد والطيب ود المنصور والصديق ود الفكي أحمد والشيخ البشير ود أبتر والشيخ الأمين ود الجبارة , وحاج عبد الله ود محمد أحمد , وبعد أن عاد الى بيته أخرج مصحفه من الجراب وبدأ يتلو بعض الآيات , كان المصحف مخطوطاً باليد على ورق سميك أصفر
(عدل بواسطة omer almahi on 12-12-2004, 01:00 AM)
(عدل بواسطة omer almahi on 12-13-2004, 00:26 AM)
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: سالم ود السّما (Re: omer almahi)
|
........... البنية أنحلت يا حاج عبد الله .
...........الحمد لله على السلامة . جابت شنو ؟
...........وليد سميناه سالم , والله الوليد قطعة منك .
..........ربنا يبارك فيه ويكفيه شر خلقه .
.........آمين .. لكن خلقه سوّينا ليهم شنو ؟
ولما لم يجيب على سؤالها واصلت حديثها :
......... بعد تتم القراية ألحقني عشان تريّق الولد .
........سمح ... سوقي الخروف الأشقر من الزريبة واضبحوه للبنية عشان تملا بطنها مِنو .
........كتر خيرك وبارك الله فيك .
ثم أخذ قلماً من البوص وغمسه في الدواة التي كانت على المنضدة الصغيرة التى وضع عليها المصحف , وكتب على الصفحة التي كان يقرا منها ( سالم أبو كتيرة ولد سنة كتلت ود حبوبة ). وخرج لكي(يريق) المولود وذلك بمضغ تمرة وصبها في فمه .
ويعتقد الناس أن الطفل يرث صفات الشخص الذي (يريقه) . والناس يتوخون الدقة الشديدة في إختيار من يقوم (بترييق) أطفالهم . فالولد يختارون له أفضل الرجال خصالاً والبنت يختارون لها أوفر النساء جمالاً وأنقاهن سيرة .
......... الولد خُلقه ضيق ......تقول مريقه نمر
......... البنت دي أكاله ....تقول مريقاها بقرة
......... الولد مكار ويحب حق الناس تقول مريقه ثعبان .
أما ود حبوبة الذي أرخ بمقتله لمولد سالم فهو واحد من أنصار محمد أحمد المهدي . وكان ضمن الجيش الذي ارسله الخليفه عبد الله التعايشي لمحاربة الإنجليز المرابطين على الحدود الشمالية للسودان مع مصر بإنتظار قرار من مجلس العموم البريطاني بإعادة فتح السودان وضمه للمستعمرات البريطانية , وكانت الحكومتان البريطانية والمصرية تفرضان حصاراً محكماً على السودان حتى لا تتسرب إليه مواد يمكن أن تساعد الخليفة عبد الله في صنع الاسلحة أو الذخيرة , فهم يعلمون أن كل الاسلحة التى يستخدمها جيشه غنمت من الجيش التركي الذي ألحق به المهدي هزائم مهينة وقتل قواده , وكان أثنين منهم جنرالين بريطانيين مرموقين هكس باشا حاكم عام الهند السابق وغردون باشا حاكم الصين السابق .
يقود الجيش الذي وجه الى مصر عبد الرحمن ود النجومي , أحد أبرز قادة المهدية وهزم الجيش بمعركة توشكي بصعيد مصر وقتل ود النجومي واسر من نجا من الموت من جنوده ومن بينهم عبد القادر ود إمام الملقب بعبد القادر ودحبوبة . وحبوبة أمه , وهو من قرية صافية بالحلاوين بالجزيرة .
وبعد ان تم فتح السودان بواسطة جيش كتشنر باشا عام 1897 واصبحت البلاد جزءا من الإمبراطورية البريطانية في أفريقيا أطلق سراح أسرى توشكي ورحلوا بالبواخر الى الخرطوم ومن بين من عادوا عبد القادر ود حبوبة .
عندما خرج عبد القادر ود الحبوبة من الباخرة وجد كل شيء تبدّل .
زالت دولة المهدية وقُتل الخليفة عبد الله والخليفة علي ود حلو والخليفة شريف وأبنا المهدي الكبار الفاضل والبشرى . لم يبقى للمهدي من عقب سوى صبيّ يافع أسمه عبد الرحمن , وهو أصغر أبنائه وولد عقب وفاته ونجا من القتل بفضل ذكاء وحكمة أمه التي هربت به من أم درمان عشية موقعة كرري عندما أدركت ان الأمر قد ادبر وأختبأت به عند أقارب لها بجزيرة الفيل بود مدني ؛ ويا لها من إمرأة صالحة ترى المستقبل من وراء ستار شفاف !
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: سالم ود السّما (Re: omer almahi)
|
فالتعليمات السرية التي صدرت لونجت باشا قائد الجردة التى قضت على الخليفة عبد الله بأبي ركبة كانت صارمة وقاسية (لا تترك احد من أبناء او خلفاء المهدي حياً ليكن نواة لثورة مهدية أخرى) لذا فقد قتل جميع آل المهدي وابنائه وأقربائه وكان بعضهم على خلاف مع الخليفة عبد الله واخرجهم من الحبس قبيل معركة كررى بقليل في محاولة أخيرة لتوحيد الجبهة الداخلية لمجابهة العدو الخارجي .
نجا عبد الرحمن من القتل وما أن أستتبت الأوضاع للإنجليز حتى تنبهوا للخطر المتمثل في السيد على الميرغني الذي كان ابوه محمد عثمان الحسن الميرغني أحد سجناء الخليفة عبد الله الذين سماهم بالملازمين , وتمكن من الهرب الى مصر فأخذ معه إبنه علياً , فمات الأب في الطريق ووصل الإبن الى القاهرة .
بعد إعادة فتح السودان عاد السيد على الميرغني الى السودان وأستقر بدار أبيه بالخرطوم وتقاطر عليه أتباعه من الختمية ويمثلون نصف سكان السودان آنذاك , وكلهم من أهل البحر أوفر أهل السودان وعياً وأكثرهم إستقراراً أفلا يحتمل أن يطمع هذا الرجل في الحكم , ولديه كل مقوماته , الجاه والمال والرجال ؟ ولهذا بدا التفكير في خلق قوة مضادة تخلق توازناً وتكون في صراع دائم مع السيد علي وختميته , ووجد الإنجليز ضالتهم في إبن المهدي الذي نجا من القتل , فأرسلوا في طلبه لمساومته . وفي عام 1901 م كان السيد عبد الرحمن المهدي رديف محمد ودشقدي , الرجل الذي حماه وأواه , على حمار أبيض في طريقهما الى الخرطوم .
والسيد عبد الرحمن وقتها كان صبياً لم يبلغ الحلم , ونزلا ضيفين على خلف الله ود تاتاي بأم دقرسي المجاورة لقرية ود الماجدي .
.......... كيف حالك يا ود تاتاي ؟
.......... أريت حالك زين يا ود شقدي
......... من وين وعلي وين يا أخوي ؟
......... من ود مدني وقاصد البقعة , وقلت أغشاك أقيل عندك على بال ما يبرد النهار والحمار يرتاح .
.......الوليد المعاك دا وليدك ؟
....... لا ما ولدي , دا عبد الرحمن ود سيدي المهدي , طلبوا الإنجليز في الخرطوم .
.......... عبد الرحمن ود سيدي المهدي ؟
.......... وأطرق الرجل برهة ثم واصل :
......... لا حول ولا قوة إلا بالله لا حول ولا قوة إلا بالله , ود المهدي مردوف على حمار ؟ لا حول ولا قوة إلا بالله !
وبكى الرجل حتى بللت الدموع لحيته ... وبعد الغداء ودع ضيوفه وأهداهم حماره كي يكمل السيد عبد الرحمن الرحله على ظهره .
وفي الخرطوم عرض الحكام على الصبي أن يسمحوا له بإعادة بناء دار أبيه ورعاية شؤون أنصاره إذا وافق على ألا يستخدمهم في شن حرب على الحكومة وما كان أمامه خيار سوى قبول العرض . فأنى له محاربة أكبر قوة في العالم قضت عل جيش الخليفة عبد الله في معركة كرري في خمس واربعين دقيقة فقط . كان أبوه يعتمد في حربه ضد الأتراك على التفوق العددي الذي يتميز به .
فعقب صلاة الفجر ينقض جيشه على جيش العدو التركي الذي يعتمد على على المدافع الثقيلة التي تعبأ بطلقات الواحدة منها بحجم كرة السلة , يقوم جنديان بحشو الطلقات بينما يقوم جندي ثالث بالتشغيل , وتحتاج تعبئة المدفع لعدة دقائق , فكانت جيوش المهدي تتلقى الضربة الأولى من مدفعية الأتراك ويموت منهم من تصادفه النار , وقبل أن يعبأ المدفع مرة ثانية يكون الأنصار قد وصلوه وذبحوا من يقومون بتشغيله واستولوا عليه .
وعلى اساس هذا التصور لسلاح العدو أصر الخليفة عبد الله على ملاقاته في كرري ورفض كل إقتراح آخر واصفاً إياه بالجبن وقصر النظر , ولم يكن يعلم أنه في عام 1892 اخترع في ألمانيا مدفع سموه المدفع الرشاش , له عجلات تحركه ويرسل طلقاته بصورة متصلة ويعبأ أتوماتيكياً ومداه طويل جداً ويتحرك بحرية في مدي مائة وثمانين درجة , لذا لم يتم إلتحام بين الجيشين في كرري وسقط أشجع جنود المهدية على بعد خمس وأربعين متراً من مدفعية العدو , وقتل وجرح من جيش المهدية عشرون الف حتى ان كتشنر نفسه فقد صوابه وأخذ يصيح :
Cease Firing ! Cease Firing ! This is not abattle !It s a massacre!
........ (أوقفوا إطلاق النار ! أوقفوا إطلاق النار هذه ليست معركة ! إنها مجزرة !)
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: سالم ود السّما (Re: omer almahi)
|
السيد عبد الرحمن المهدي مدرك لهذه الحقائق ولكن عبد القادر ود حبوبة لم يكن مدركاً لها , فهو لم يشهد كرري , وترك السودان عندما كانت دولة المهدية تحتفظ بفضلة من فتوتها , وإذدادت صدمة ود حبوبة عندما علم أن الحكومة تخطط لبناء سد على النيل الأزرق بمنطقة سنار وأن بن المهدي ربما يمنح مناقصة توريد الوقود لتوربيناته ثم يستخدم قيمة المناقصة في إعادة بناء قبة والده ويصرف منها على أنصاره .
كانت هذه الأخبار صدمة عنيفة لود حبوبة , فهو لا يريد مهادنة مع (الكفار أعداء الدين والوطن) لذا فقد عقد العزم على بدء ثورته من منطقة الحلاوين .
قطع ود حبوبة المسافة من الخرطوم الى الحلاوين مشياً على الأقدام وكان يسير بمحاذاة النيل الأزرق حتى لا يضطر الى حمل الماء أو طلبه , وعانى كثيراً خلال الرحلة , فجسمه الضخم لم يمطتي صهوة جواد منذ أن أسر وماشاهده خلال الرحلة زاده ألماً على ألمه ولم يكف عن البكاء , وما أن وصل الى التّقًر حتى أصيب بخيبة أمل كبرى , فأخوه محمد ود إمام الذي كان يعوّل على مؤازرته له في تدبيره الجديد هادن الحكومة أيضاً ونصبه الإنجليز زعيماً على قبيلة الحلاوين , لذا لم يبقى له معين سوى ربه وعزيمته فبدأ في تجميع أنصار المهدي القدامى من الحلاوين ويشتري السلاح الأبيض ويقرأ معهم راتب المهدي ويذكرهم بإنتصاراته ويحرضهم على الجهاد في سبيل إعلاء كلمة الإسلام .
كانت للإنجليز عيون في كل مكان توافيهم بأخبار وتحركات من يشكون في نواياهم , قبل مدة من ثورة ود حبوبة وصلتهم أخبار تفيد أن رجلاً يدعى المكاشفي أبو عمر يقوم بتجميع دراويش من أنصار المهدي بمنطقة المناقل , غرب الجزيرة ويحرضهم على التمرد على الحكومة , ولما كان المكاشفي هذا أبن أخ لأحد قادة الثورة المهدية المشهورين , فقد أولت الحكومة إهتماماً خاصاً وأرسلت في طلبه .
........ من هذا الرجل الذي يجلس معنا يا سعادة الحاكم ؟
........ هذا مترجم شامي يشرح لي ما تقول ويفهمك ما أريد .
........ لست بحاجة له دعه ينصرف .
....... لماذا ؟
....... سوف أخاطبك بلسانك ؟
....... أنت تتكلم الأنجليزي ؟
....... أولا تسمعني ؟
....... من علمك اللغة الإنجليزية ؟
فرفع يده الى الأعلى :
.....علمني ربي ...
ولو أن أحداً أخبر هذا الضابط الأسكتلندي المتغطرس أن الرجل القصير الأسود الذي يوحى منظره بالبؤس والجهل يتحدث اللغة الإنجليزية بطلاقة لحسبه مجنوناً فلماذ لا يواصل معه الحوار على إنفراد كما طلب ؟ وصرف المترجم , وبدأ التحري :
That s a nation that has passed away . There …….awaits them that they have earned and there awaits you what you have earned . You shall not be questioned concerning what they did .
وكان ما قاله المكاشفي ترجمة للآية الكريمة (تلك أمة قد خلت لها ماكسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون)
........ هل تتكلم لغات أخرى ؟
....... عند الضرورة أتكلم أي لغة أشاء إن شاء الله .
فأخلى سبيله ولم يسأله أحد بعد ذلك .
عندما علمت الحكومة بتحركات عبد القادر ود حبوبة أرسلت مسؤولين أحدهما بريطاني والآخر مصري للتحقق من أمره , ولما أجتمعا به أمر أتباعه بقتلهما فنفذوا أمره , وما أن وصل أمر مقتل الرجلين الى الخرطوم حتى أرسلت جردة قضت على أتباعه وهرب هو عندما ايقن أنه سيقع في الاسر وبعد ايم قبض عليه نائماً تحت شجرة في سوق حلة مصطفى عام 1908 م فأصبحت الواقعة معلماً تاريخياً يؤرخ الناس به وسالم ود السما من مواليد سنة كتلة ود حبوبة ...
.......الله يهون القواسي يا محمد ود إمام .
.... يهون ياتا يا التاي أخوي ! الفي صافية ولاّ الفي التقّر ؟
وأصبح رد ود إمام هذا على مؤاساة التاي ود سعيد ناظر الهلالية له في مصيبته مثلاً شعبياً في منطقة الجزيرة ..
في اليوم السابع لميلاد سالم أحضر ابو كتيرة خروف (السماية) فذبح وقسم الى ثلاثة اقسام . أحى رجليه الخلفيتين لبت الفكي القابلة التي اشرفت على الوضع وهي عادة جارية . والرِجل الأخرى لأم الطفل , أما النصف الآخر فقد قطّع وقسم الى أكوام صغيرةووضعوها على صوان كبيرة ليقوم الأطفال بتوزيعها على جميع الأسر لكل اسرة كوم .
........عمتي بت كرتلي ! قالوكم هاكم كوم السماية .
...... سموه شنو ؟
....... سالم .
..... بري كُر , حرمان علي أولادي . سالم جيب خيران ؟
...... خالتي بتول بت حمد قالوكم هاكم كوم السماية .
..... سموه منو ؟
... سالم .
..... قادر الله ! ود بياع مريسة رجعيه ليهن .
.... حبوبة المُقُد . قالوكم هاكم كوم السماية .
سموه شنو ؟
......سالم .
تقطع ضكرن ! سالم أمه خادم ؟ ماعايزاه .
وعند المساء عادت الصواني الى سليمة بلحمها كاملاً , وعقب صلاة العصر جلس بعض الرجال في ساحة المسجد بإنتظار صلاة المغرب .
| |
|
|
|
|
|
|
| |
omer almahi
Abdel Aati
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست