|
أزمة خجل سودانية السودانيون في الخارج: أقل من سلطة وأكبر من حركة
|
كاتب سوداني [email protected]
المهاتما غاندي حرر الهند ومارتن لوثر كينج قاد ثورة الحقوق المدنية الأمريكية ونيلسون مانديلا فك أسر بلاده من أقسى أنواع التمييز العنصري على مر التاريخ.. وآخرون زهدوا في حياتهم وشكل زهدهم سببا مهماً لنجاحهم، مما دفع شاعر الهند طاغور للقول عن غاندي: (لقد جاء المهاتما غاندي فوقف على عتبة الأكواخ التي تضم الملايين من أبناء الانسانية المحرومين، مرتدياً مثل لباسهم ومحدثاً اياهم بلغتهم، مَنحتهُ شعوب الهند لقب المهاتما "القديس" بعد أن استطاع بفلسفته البسيطة أن يجعل شبه القارة الهندية قادراً على رؤية الحق). أجدني متعجباً في فهم مشكلات السودان التي احتار معها العالم كله، خاصة بعد أن حدثني أحد الذين اختاروا موقفاً وسطاً في معادلات الحكومة والجنجويد وشقها الآخر حملة السلاح والأمم المتحدة من جهة أخرى لأزمة دارفور. و قال لي: الحكومة السودانية اذا ارادت أن تكسب مفاوضات ابوجا ضد حملة السلاح عليها إطالة أمد أيام التفاوض. سألته متعجبا: عن ماذا تتحدث؟.. إطالة أمد التفاوض و الحصول على أكبر قدر ممكن من مبالغ بدل مخصصات السفر؟ ضحك مجيباً: طرفة سخيفه ولكنها الحقيقة!.. دعني أذيعك سرها.. سألته محتاراً: ماذا إذاً؟ قال: اذا استعملت الحكومة تكتيك الصبر وكسب أكبر عدد من الأيام في عملية تفاوض صوري في أبوجا فإنها ستكتسب المعركة السياسية شاء من شاء وأبى من أبى.. قلت: كيف؟.. قال: صدقني سيتساقط المفاوضون باسم الحركات الواحد تلو الآخر مهرولين الى لندن. سألته: لماذا الى لندن؟ أجاب: قوانين السكن و الضمان الاجتماعي؟ قلت: كيف؟ قال: لا تخدعك "الحركات" التي يقوم بها أهل الحركات، انهم لا يسكنون الا فنادق صغيرة وبيوت ضيافة ضيقة تمتلكها المجالس البلدية في بريطانيا والقانون لا يسمح بالغياب عنها أكثر من أسبوعين. أضف الى ذلك أنهم يتلقون اعانات للعاطلين عن العمل من الضمان الاجتماعي. و القانون يستوجب من المستفيدين التوقيع بصورة دورية كل نصف شهر ومن لم يلتزم الشروط تسقط عنه الأحقية. عجباً.. قلت له: إنه حق يكفله القانون في دول الغرب "المتحضر"، توسماً في مساواة بين عامة الناس في بلاد تتسيدها قوانين الحقوق المدنية وتتعدد فيها الاثنيات والعرقيات.. الا أنني أؤكد لك "يا صديقي" أنه لا حرج في تعاطي من تجبره ظروف الحياة الاستفادة من هذا الحق المشروع بنص القانون. مرت على المفاوضات مدة ليست بالقصيرة.. و نسيت القصة وفحواها.. هاتفني صديقي ضاحكاً متسائلاً: هل قابلت "فلان" المفاوض؟ أجبته: بالطبع لا قال: انه موجود في لندن وأن الاسرّة الوثيرة لفندق مريديان أبوجا لم ترق له! قلت: كيف والمفاوضات على أشدها.. ملفات انسانية وأخرى أمنية وأصوات جانبية تطالب بضمها الى مائدة التفاوض ومعادلة الحل السياسي الشامل! قال: أنسيت قوانين السكن والضمان الاجتماعي ضحكت هذه المرة بدلاً عنه وتذكرت قصة الكاتب العراقي كاظم الأحمدي (لأنهم فقراء أحلامهم مشروعة)، وتداعى الى مخيلتي حديث شاعر الهند طاغور عن غاندي. الا انني عجبت لأناس يتجسد ولاءهم لقوانين الاعاشة والسكن و "بدل مخصصات السفر" بقدر يفوق مضموناً قضايا الوطن المصيرية. وقلت لصاحبي: لماذا إذا ملأوا الدنيا ضجيجا، أليس من الأفضل لهم والحكومة أن يبقوا محليين ويتغنون بأنشودة الوطن للجميع، نخلد اليه وقتما نشاء (و دونما قيد أو شرط!).
|
|
|
|
|
|