خورخي لويس بورخيس

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-10-2024, 06:58 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-18-2004, 07:19 AM

محمد صالح علي

تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 524

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
خورخي لويس بورخيس

    لا تملك إلا أن تحب بورخيس حبا شديدا، أو تكرهه كراهية شديدة، هكذا يقول عنه كتاب ونقاد أمريكا اللاتينية. إنه كاتب يحيرك فلا تستطيع أن تأخذ منه موقفا متوسطا. معقد رغم بساطته الظاهرة، يلح من خلال أخيلته المعقدة على تمزيق الصلة بالعالم الخارجي ويقترح بدلا منه عالما مليئا بالاضطراب والشك إزاء الزمان والمكان واللا نهائية. مات أعمى تقريبا ولكنه كان قد رأى العالم كما لم يره أحد من قبله، ولد عام 1899 ومات عام 986 1 في مدينة بوينس أيرس عاصمة الأرجنتين. بدأ حياته بالشعر ثم انتهى إلى القصة القصيرة المركزة التي استوحى أبعادها الفنية من التراث العربي الذي عكف عليه طويلا فظهرت كلمات ألف ليلة وليلة في سطور حكاياته وشاكت خيالاته الكابوسية. له العديد من الدواوين والمجموعات منها "المتاهات" و"الألف" و"كتاب الرمل". حصل على جائزة "فومنتور" الأوربية عام 1961 بالمشاركة مع صمويل بيكيت. والعربي تقدم هذا الملف الموجز عن هذا الكاتب المهم من خلال مقالة كتبها أديب فرنسـا الشهير أندريه موروا وقصة قصيرة من حكاياته الغريبة.

    خ. ل. بورخيس
    بقلم: أندريه موروا

    عندما يتحدث كاتب كبير عن كاتب كبير آخر، يتصاعد حديث القمم نغما يتسامى وضوءا يغمر الروح ببهجة الفن. وفي هذا المقال عبق من حديث القمم.

    خورخي لويس بورخس كاتب عظيم لم يؤلف سوى القليل من المقالات والقصص القصيرة. لكنها تكفي مع ذلك لأن تجعلنا نصفه بأنه عظيم بفضل ذكائها المذهل، وثروتها من الابتكار، وأسلوبها المحكم، الرياضي تقريبا. وبوصفه أرجنتينيا بالولادة والمزاج، لكنه تربى على الأدب العالمي، ليس لبورخيس أي وطن روحي، فهو يخلق، خارج الزمان والمكان، عوالم خيالية ورمزية. وتتمثل واحدة من أمارات أهميته في واقع أنه لا يمكننا أن نتذكر، عندما نحاول تصنيفه، سوى أعمال غريبة وبالغة الإحكام. إنه صنو لكافكا، وبو، وأحيانا لهنري جيمس، وويلز، ودائما لفاليري، بالإطلاق المفاجئ لمفارقاته فيما صار يعرف "بالميتافيزيقا الخاصة به".

    ومصادر بورخيس لا تعد ولا تحصى، كما أنها غير متوقعة. فقد قرأ بورخيس كل شيء، وخاصة ما لم يعد أحد يقرؤه: القبلانيين، الإغريق السكندريين، فلاسفة القرون الوسطى. واطلاعه ليس عميقا- فهو لا يطلب منه سوى ومضات برق خاطفة وأفكار- لكنه هائل الاتساع. وعلى سبيل المثال: كتب باسكـال: "الطبيعة كرة لا نهائية مركزها في كل مكان، ومحيطها ليس في أي مكان". ويشرع بورخيس في تعقب هذه الاستعارة عبر القرون. ويعثر عند جيوردانو برونو (1584) على ما يلي: "يمكننا أن نؤكد بيقين أن الكون كله مركز، أو أن مركز الكون في كل مكان ومحيطه ليس في أي مكان". غير أنه كان بوسع جيوردانو برونو أن يقرأ عند عالم لاهوت فرنسي في القرن الثاني عشر، "آلان دو ليل"، صياغة مقتبسة من CORPUS HERMETICUM (مجموعة السيمياء "السحر الطبيعي ") (القرن الثالث): "الموجود كرة مدركة بالعقـل مركزها في كل مكان ومحيطها ليس في أي مكان". ومثل هذه الاستقصاءات، التي نعهد إجراءها بين الصينيين وكذلك بين العرب أو المصريين، تبهج بورخيس، وتقوده إلى موضوعات قصصه.

    وكثير من أساتذة بورخيس إنجليز. وهو يكن لويلز إعجابا لا حد له، وهو ساخط لأن أوسكار وايلد أمكنه أن يصنفه على أنه "جول فيرن علمي". ويبدي بورخيس ملاحظة فحواها أن قصص جول فيرن تتأمل الاحتمال المستقبلي (الغواصة، السفر إلى القمر)، فيما تتأمل قصص ويلز الإمكانيـة الخالصة (شخص غير مرئي، زهرة تفترس رجلا، آلة لاستكشاف الزمن)، أو حتى تتأمل الاستحالة (رجل يعود من العالم الآخر حاملا زهرة مستقبلية). وفيما وراء ذلك، تصور روايات ويلز تصويرا رمزيا ملامح جوهرية في جمع المصائر البشرية. ويرى بورخيس أن أي كتاب عظيم وباق لا بد من أن يكون مبهما، فهو مرآة تكشف ملامح القارئ، غير أنه لا بد من أن يبدو المؤلف غير مدرك لأهمية إنتاجه- وهذا وصف ممتاز لفن بورخيس ذاته- "الرب لا ينبغي أن ينشغل باللاهوت، الكاتب لا ينبغي أن يحطم بالاستنتاجات البشرية الإيمان الذي يتطلبه الفن منا".

    وبورخيس معجب بإدجار آلان وتشيستيرتون مثل إعجابه بويلز. كتب بو حكايات محكمة خيالية الرعب وابتكر القصة البوليسية، لكنه لم يجمع قط بين هذين النمطين للكتابة. أما تشيستيرتون فقد حاول بالفعل ونجح نجاحا رائعا في هذا العمل الفذ. وتطرح كل مغامرة من مغامرات الأب براون للتفسير، باسم العقل، واقعة تستعصي على التفسير. "رغم أن تشيستيرتون أنكر أن يكون "بو" آخر أو كافكا آخر، كان هناك، في المادة التي تشكلت منها ذاته، شيء ينزع إلى الكابوس". وكان كافكا سلفا مباشرا لبورخيس. وكان يمكن أن تكون القلعة لبورخيس، لكنه كان سيضغطها إلى عشر صفحات، وذلك في آن معا عن كسل مستكبر وعن حرص على الإحكام. أما أسلاف كافكا فمن دواعي سرور اطلاع بورخيس الواسع أن يجدهم يتمثلون في زينون الإيلي، وكيركجارد، وروبرت برانج: ففي كل مؤلف من هؤلاء شيء من كافكا، غير أنه لو أن كافكا لم يكتب ما استطاع أحد أن يلاحظ ذلك- ومن هنا هذه المفارقة البورخيسية للغاية: "كل كاتب يخلق أسلافه".

    التلاعب بالزمان والمكان

    هناك شخص آخر يلهم بورخيس هو الكاتب الإنجليزي جون وليام دن، مؤلف تلك الكتب الشائقة عن الزمن، والتي يزعم فيها أن الماضي والحاضر والمستقبل توجد متزامنة، كما تثبت أحلامنا. (ويلاحظ بورخيس أن شوبنهاور كان قد كتب قائلا إن الحياة والأحلام أوراق من الكتاب نفسه: قراءتها بتسلسل هي الحياة، تصفحها هو الحلم). وفي الموت سنعيد اكتشاف كل لحظات حياتنا وسنجمع بينها بحرية كما في الأحلام "الرب، يا أصدقائي، وشكسبير سيتعاونان معا". ولا شيء يسر بورخيس أكثر من التلاعب بهذه الطريقة بالعقل، والأحلام، والمكان والزمان. وكلما ازدادت اللعبة تعقيدا يغدو هو أسعد. فالحالم يمكن الحلم به بدوره. "كان العقل يحلم، وكان العالم حلمه". وفي كتابات سائر الفلاسفة، من ديمقريطس إلى اسبينوزا، من شوبنهاور إلى كيركجارد يقف بورخيس بالمرصاد للإمكانات الفكرية المنطوية على مفارقات.

    ويمكن العثور في دفاتر فاليري على ملاحظات كثيرة مثل هذه الملاحظة: "فكرة لقصة مفزعة: يتم اكتشاف أن العلاج الوحيد للسرطان هو اللحم البشري الحي. النتائج المنطقية". يمكنني حقا أن أتصور "قصة" لبورخيس مكتوبة حول موضوع كهذا. فهو عندما يقرأ الفلاسفة القدامى أو المحدثين يقف عند فكرة أو فرضية. وتومض الشرارة. وهو يتساءل: "إذا تم تطوير هذه المسلمة العبثية إلى نتائجها المنطقية القصوى، فأي عالم سيخلقه هذا؟ ".

    على سبيل المثال، يأخذ مؤلفو، بيير مينار، على عاتقه تأليف دون كيخوته- ليس كيخوته أخرى، بل الكيخوتة. منهجه؟ أن يتعلم الإسبانية جيدا، أن يعيد اكتشاف المذهب الكاثوليكي، أن يحارب المغاربة، أن ينسى تاريخ أوروا- باختصار، أن يصير ميجويل سير فانتيس. عندئذ سيكون التطابق كليا بحيث يقوم مؤلف القرن العشرين بإعادة كتابة رواية سير فانتيس حرفيا، كلمة بكلمة، وبلا رجوع إلى الأصل وهنا يقدم بورخيس هذه الجملة المذهلة: "نص سيرفانتيس ونص مينار متطابقان حرفيا، غير أن النص الثاني أغنى بصورة مطلقة تقريبا". وهو يثبت هذا ببهجة الانتصار، لأن هذا الموضوع، العبثي في ظاهر الأمر، يعبر في الحقيقة عن فكرة حقيقية: الكيخوتة التي نقرؤها ليست تلك الخاصة بسيرفانتيس، تماما كما أن مدام بوفاري الخاصة بنا ليست تلك الخاصة بفلوبير. ذلك أن كل قارئ من قراء القرن العشرين يقوم لا إراديا بإعادة كتابة روائع القرون الماضية بطريقته الخاصة. وكان يكفي إجراء استقراء لاستنتاج قصة بورخيس منه.

    وفي كثير من الأحيان يحدث لمفارقة من شأنها أن تربكنا تماما ألا تدهشنا في سياق الشكل المجرد الذي تتخذه لدى الفلاسفة. ويخرج بورخيس من ذلك بواقع ملموس. و"مكتبة بابل" هي صورة الكون، لا نهائية وتجري دائما بدايتها من جديد. وأغلب الكتب في هذه المكتبة تستعصي على الفهم، حيث إن الحروف تتلاقى بالمصادفة أو تتكرر بصورة خاطئة، غير أنه يحدث أحيانا، في هذه المتاهة من الحروف، أن يتم العثور على سطر معقول أو جملة معقولة. تلك قوانين الطبيعة، حالات ضئيلة جدا من الانتظام في عالم من الفوضى. وقصة "اليانصيب في بابل" تقديم بارع وذكي آخر لدور المصادفة في الحياة. وتذكرنا الشركة الملغزة التي توزع الحظ الحسن والسيئ "بالبنوك الموسيقية" في رواية Erewhon لصامويل بتلر.

    ومنجذبا إلى الميتافيزيقا، لكن دون قبول أي نسق من أنساقها على أنه صحيح، يخرج بورخيس منها جميعا بلعبة للعقل. ويكتشف في نفسه نزعتين: "واحدة هي تقييم الأفكار الدينية والفلسفية على أساس قيمتها الجمالية، بل حتى على أساس ما هو عجائبي في محتواها. وربما كان ذلك علامة على شك جوهري. والثانية هي الافتراض سلفا أن مقدار ما يستطيع خيال الإنسان إبداعه من حكايات رمزية أو استعارات محدود، لكن هذا العدد الصغير من إبداعات الخيال يمكن أن يكون كل شيء لكل شخص".

    التكرار الدائري

    ومن هذه الحكايات أو الأفكار ما يفتنه بوجه خاص: تلك الخاصة بالعود الأبدي، أو التكرار الدائري لكل تاريخ العالم، وهي فكرة عزيزة على نيتشه، وتلك الخاصة بالحلم داخل حلم، وتلك الخاصة بالقرون التي تبدو دقائق والثواني التي تبدو سنوات "المعجزة السرية"، وتلك الخاصة بالطبيعة الهذيانية للعالم. ويحب بورخيس أن يستشهد بنوفاليس: "سيكون أعظم السحرة ذلك الذي يسحر نفسه إلى درجة يحسب معها أوهامه أشباحا مستقلة قائمة بذاتها. ألا تكون هذه حالتنا؟" ويجيب بورخيس بأنها في الواقع حالتنا بالفعل: نحن الذين حلمنا بهذا الكون. ويمكننا أن نرى فيما يتمثل فيه، التفاعل المرتب عن روية بين مرايا ومتاهات هذه الفكرة الصعبة، مع أنها دائما حادة ومحملة بأسرار. وفي كل هذه القصص نجد طرقا تتشعب، وممرات لا تؤدي إلى مكان، إلا إلى ممرات أخرى، وهكذا على مدى البصر. ويرى بورخيس أن هذه صورة للفكر البشري، الذي يشق طريقه بصوره اللانهائية عبر سلاسل من الأسباب والنتائج بلا استنفاد للانهاية أبدا، ويدهشه ما ربما لم يكن سوى مصادفة غير بشرية. ولماذا الطواف في هذه المتاهات؟ مرة أخرى، لأسباب جمالية، لأن هذه اللا نهاية الراهنة، هذه "التناظرات المدوخة"، لها جمالها التراجيدي. إن الشكل أهم من المحتوى.

    وفي كثير من الأحيان يذكرنا الشكل عند بورخيس بالشكل عند سويفت: الوقار نفسه وسط العبث، الدقة نفسها في التفاصيل ولإثبات اكتشاف مستحيل، سيختار بورخيس نغمة الدارس الأشد تدقيقا، فيمزج كتابات متخيلة بمصادر حقيقية ومتبحرة. وبدلا من أن يؤلف كتابا بكامله، الأمر الذي قد يضجره، يحلل بورخيس كتابا لم يوجد قط. وهو يتساءل: "لماذا نستغرق خمسمائة صفحة لبسط فكرة يستغرق عرضها الشفوي دقائق معدودة؟ ".

    وهذا ينطبق، على سبيل المثال، على القصة التي تحمل هذا العنوان الغريب العجيب: "تيلون أوكبار، أوربيس تيرتيوس". وهذه القصة تتعلق بتاريخ كوكب مجهول، كامل "بفنون عمارته وحلياته المعمارية، برعب ميثولوجياته وصخب لغاته، أباطرته وبحاره، معادنه وطيره وسمكه، جبره وناره، مجادلاته اللاهوتية والميتافيزيقية". ويبدو أن هذا الابتداع لعالم جديد من صنع جمعية سرية من علماء الفلك، والمهندسين، وعلماء الحياة، والميتافيزيقيين، وعلماء الهندسة. وهذا العالم الذي خلقوه، "تيلون"، هو عالم بيركلي وكيركجاردي لا توجد فيه سوى الحياة الداخلية. ولكل شخص في "تيلون" حقيقته الخاصة به، والأشياء الخارجية تتمثل في كل ما يريده كل شخص. وتنشر الصحافة العالمية هذا الاكتشاف، وسرعان ما يمحو عالم "تيلون" عالمنا. ويحل ماض متخيل محل ماضينا الخاص. لقد حولت مجموعة من العلماء المنعزلين الكون. وكل هذا مجنون، ومرهف، ويقدم موضوعا لتأمل لا نهاية له.

    أسلوب نقي ومتمكن

    وهناك قصص أخرى لبورخيس هي أماثيل "حكايات رمزية"، ملغزة ولا تكون واضحة أبدا، وهناك أيضا أخرى هي قصص بوليسية على طريقة تشيستيرتون. وتظل حبكاتها فكرية تماما. ذلك أن المجرم يستغل اطلاعه الوثيق على أساليب البوليس السري. شيء من قبيل دوبان ضد دوبان أو ميجريه ضد ميجريه. وتتمثل واحدة من هذه "القصص" في البحث الذي لا ينتهي عن شخص من خلال الانعكاسات التي لا تكاد تلحظ والتي تركها على أرواح أخرى. وفي قصة أخرى يتخيل شخص محكوم عليه ظروف موته لأنه لاحظ أن التوقعات لا تتطابق مع الواقع أبداً: ولأنها صارت بذلك توقعات، لم يعد يمكنها أن تصير حقائق واقعة.

    وإبداعات الخيال هذه موصوفة بأسلوب نقي ومتمكن ينبغي ربطه بـ "بو"، "الذي ولد بودلير، الذي ولد مالارميه، الذي ولد فاليري "، الذي ولد بورخيس. وهو إنما بدقته البالغة يذكرنا بفاليري. "أن نحب يعني أن ننشئ ديانة ربها غير معصوم". وبنواقصه المتكدسة يذكر أحيانا بفلوبير، وبندرة استخدامه للنعوت بسان جون بيرس. "الصياح الذي لا عزاء له لطائر". على أنه حالما نوضح هذه العلاقات ينبغي أن نقول إن أسلوب بورخيس، مثل فكره، بالغ الأصالة. ويكتب بورخيس عن الميتافيزيقيين في "تيلون": "وهم لا يبحثون عن الحقيقة ولا عن قوة الاحتمال، بل يبحثون عن الدهشة. فهم يعتقدون أن الميتافيزيقا فرع من أدب الفانتازيا". والواقع أن هذا يحدد بالأحرى طبيعة عظمة وطبيعة فن بورخيس.


    خليل كلفت

    مجلة العربي أحد اعداد التسعينات
                  

11-18-2004, 07:26 AM

محمد صالح علي

تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 524

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خورخي لويس بورخيس (Re: محمد صالح علي)

    وسم السيف

    قصة الكاتب الأرجنتيني: خورخي لويس بورخيس

    أثر الجرح الذي يحزم الوجه فيقطعه من أول الجانب المقابل حتى الجانب الآخر، يكشف عن الغل الذي سددت به الطعنة: قوس رمادي يمتد بكامل طوله حتى شوه الوجه بدءا من الصدغ في ناحية حتى عظم الخد في الناحية الأخرى. ما من أهمية الآن لاسمه الحقيقي، إذ أن الجميع في تاكوارايمبو أطلقوا عليه اسم: الانجليزي القادم من الكولورادا . وكاردوسو مالك أراضي هذه الناحية لم يكن يريد أن يبيع له، ولقد سمعت أن الإنجليزي تحايل بطريقة لا يمكن أن تخطر على البال مبرهنا على أن له الحق فيما يطلب، بأن اعترف بالسر أمام كاردوسو: سر هذا الجرح. كان الانجليزي قد أتى من نواحي الحدود، من منطقة: نهر الجنوب الكبير. ولم يخطئ من قال بأنه- في البرازيل- كان مهربا- الأراضي التى اشتراها كانت مغطاة بالحشائش الضارة والنباتات الشائكة والمياه المخصصة لريها كانت غير عذبة ومالحة، واضطر الانجليزي لكي يصلح هذه الأرض ويعالج مشكلاتها أن يشتغل يدا بيد مع عمال الترحيلة الذين استأجرهم. يقولون أنه رجل شديد في معاملته حتى القسوة، إلا أنه دقيق وحقاني. لكنهم يقولون أيضا أنه يشرب كثيرا لدرجة السكر، وأنه في سنة حبس نفسه مرتين في الغرفة العلوية ذات الشرفة ثم خرج بعد يومين أو ثلاثة كما لو كان هاربا من الحرب أو من شيء أصابه بالذهول، كان شاحبا يرتجف. يسلك بشكل مرتبك، ومتسلط كما كان من قبل. أذكر نظرته وقد كما كان من قبل. أذكر نظرته وقد جمدت، وقواه الخائرة وشاربه الرمادي. لم يكن يولى أحدا حتى يساعده، وكان ينطق الاسبانية بطريقة بدائية في الحقيقة، تتخللها بشكل فظيع اللغة البرازيلية، وفيما عدا بعض المكاتبات التي تخص أشغاله، أو كتيبات ما، لم يتلق أية رسائل. آخر مرة سافرت فيها للمقاطعات الشمالية، أرغمني فيضان نهر كاراجوتا على أن أقضيى ليلتي في الكولورادا ولكني أحسست بعد ظهوري بعدة دقائق أننى جئت في الوقت غير المناسب.
    لذا سعيت بشدة للتقرب إلى الانجليزي علني أحظى بمودته، فلجأت إلى طريقة لا تحتاج إلى كثير من الفطنة إذ شرعت في مغازلة ميوله الوطنية. قلت إن وطنا وهبت له الروح التي لانجلترا هو وطن لا يمكن قهره. أمن محدثي على كلامي، لكنه أضاف مبتسما بأنه ليس إنجليزيا، بل هو أيرلندي، من "دونجاربان" (وهي مدينة في أيرلندا الجنوبية) صرح بقوله هذا ثم توقف عن الكلام كما أنه قد أفشى سرا. بعد العشاء، خرجنا، لنتطلع إلى السماء: كان المطر قـد انقطع، لكـن خلف التـلال في الجنوب دوى صـوت الرعـد وانبعـث وهـج البروق، وبدا كـما لو ان عاصفة أخرى تتكون وتتهيأ لأن تهب علينا. عـدنا إلى قاعة الطعام وكانت بحالة سيئة، حيث حمل إلينا الخادم الذي خدمنا على العشاء من قبل، زجاجة روم. وقضينا الوقت بطوله، ونحن نشرب، في صمت.
    عندما انتبهت إلى أنني قد سكـرت، لم أكن أعرف كـم كانت الساعة ولا أعرف إذا كان ما حدث كان بدافـع من الإلهام أم من نشوة السكـر أم من وطأة الشعور بالملل، ذلك الذي جعلني أشير إلى الجرح. وما أن أشرت إلى ذلـك حتى شحـب وجـه الإنجليـزي للحظـات فكرت أنه سوف يلقي بي خارج البيت، لكنه في النهاية قال لي بصوت أليف:
    سأروي لك حكـاية هذا الجرح ولكـن تحت شرط واحد: ألا تحاول أن تخفف عني أبدا وطأة هذا العار، أو ترجع هذه الفضيحـة للظروف. وافقت. وهذه هـي الحكـاية التي رواها لي بلغته التي هـي خليـط من الإسبانية والانجليزية والبرتغالية:
    كنا حـوالي 1922، في إحـدى مدن كنـاوت . وكنـت واحدا ضمن كثيرين ممن يدبرون ويعملون سرا على استقلال أيرلندا . بعض رفاقنا نجوا بحياتهم بأن حصروها في إطار الجهود السلمية، وآخرون ساروا على النقيض من ذلك فخـاضوا القتال في الصحـراء تحت العلم الإنجليزي أما البعض الآخر، وكانوا أكثرنا نبوغا ووعيا فلقد أعدموا في فناء إحدى الثكنات العسكـرية في الفجر، أطلق عليهـم الرصاص جنود كانوا ما زالوا مثقلين بالنعاس. وآخرون (وليسوا أكثرنا تعاسة)، فلقد لاقوا حتفهم في المعارك التي لم يعرف بها أحد والتي هي أقرب ما تكون إلى عمليات سرية في جحيم الحرب الأهلية. لقـد كنا جمهوريين، كاثـوليك. وكنا، كـما أعتقد، رومانتيكيين، إذ لم تكن أيرلندا بالنسبة لنا المستقبـل الطوباوي فقط والحاضر الـذي لا يمكن تحمله، بل كـانت أسطورة مفعمة بـالمرارة والحنان. لقد كانت الأبراج المستديرة، والمستنقعات الدامية، ونكران بارنيل ، وملاحم البطولات العظيمة التي تحكي عن سارقي الثيران، والتي تتجسد فتخرج علينا أبطالا مرة، وحيتانا وجبالا مرة أخرى. وفي ليلة لن أنساها أبداً، أتى إلنا رفيق من رفقاء حزبنا في مونستر . وكان هذا الرفيـق هو جون فتسنت مون نفسه. كـان في العشرين من عمره على الأقل، وكـان بالرغم من نحافته رخواً ويعطي المرء إحسـاسا بالانزعاج لكونه يبدو عديم الفقرات. كـان مجادلا صعب المراس كـان يجادل بحدة وخيلاء وبطريقة واحدة تقريباً كل الأوراق التي لا أعرف إن كـانت من كتيبات شيوعية أم مـن كتابات أخرى، مستخدما الماديـة الجدلية كسيـف مسلط للمقـاطعـة والتعميـة على الحقائق في النقـاش. إن الأسبـاب التي يمكـن للإنسان أن يتخذها كي يكـره إنسانا آخر أو يحبه أسباب لا تنتهي، ولقـد اختزل مون تاريـخ العالم إلى صراع اقتصادي أصـم، وانتهى إلى الزعم بأن الثورة أوشكت على الانتصار.
    أجبته باعتقادي أنه فيما يخص الإنسان النبيـل، فالقضايـا الخاسرة وحدها هي التي تحظى باهتمامه... وكنا ما زلنا بالليـل ونحن نواصل جدلنا في المدخل، وعلى السلالم ثم طوال تجوالنـا في الشوارع. والأثر الذي كانت تتركه آراء مون النهائية على تفكيري كان أقل من أثر لهجته غير القابلة للرد. إذ ينطقها بشكـل قاطـع. وهكذا فإن الرفيق الجديد لم يكن ليحاول أن يقنع أحداً بل يكتفي بأن يملي ما يراه بتعال ووجـه مكفهر يستشيط غضبا.
    عندما كنا نصعد الطريق نحو البيوت التي تقع في نهايته أوقفنا إطلاق نار مفاجئ (قبله أو بعده وكنا بمحاذاة سور مصمت بلا نوافذ ربما كان سور مصنع أو ثكنة عسكرية) عدنا ودخلنا في شارع مترب غير مرصوف. خرج علينا جندي هائل الحجم من كشك مضاء وهو يصرخ فينا ويأمرنا بالتوقف، غير أنني شددت الخطى بعيدا عنه، إلا أن رفيقي لم يتبعني في السير. التفت ورائي: ظل جون فينسنت مون بلا حراك، واقفا في حالة ذهول كما لو أنه قد تحجر من الرعب. حينئذ استدرت عائدا لهما، وبضربة واحدة طرحت الجندي أرضا. ثم جذبت مون، ووبخته وأمرته أن يتبعني. وكان لزاما علي أن آخذه من ذراعه، إذ جعله خوفه المريع عاجزا عن السير، فررنا في الليل الذي كانت تخترقه طلقات الرصاص، وابل من طلقات البنادق كان يترصدنا، وخدشت طلقة كتف مون الأيمن، وفي اندفاعنا لنتخفى داخل أشجار الصنوبر سمعته ينخرط في البكاء بصوت خافت.
    كنت قد عثرت في ذلك الخريف من عام 1922 على مكان أحتمى فيه، كانت فيلا الجنرال بيركلي وهو الرجل الذي لم أكن قد قابلته أبدا) إذ كان حينئذ في الخارج مكلفا من الإدارة ببعض المهام الخارجية في البنغال.
    لم يبلغ عمر المبنى قرنا من الزمان، ومع ذلك فلقد كان مبنى متداعيا، معتما وكئيبا. كانت له عدة مداخل يتوه المرء في ممراتها، وكانت قاعاته خاوية، أما المتحف والمكتبة فقد احتلا الدور الأرضي بكامله، كانت الكتب المثيرة للجدل حول ما تطرحه، ولم تكن مرتبة، تغطى بشكل ما تاريخ القرن التاسع عشر أما السيوف المقوسة من نيسابور وفي مضغها كأقواس في دائرة فلقد كانت تبدو كما لو أنها ظلت محتفظة بالعواصف واحتدام الحروب. أعتقد أننا دخلنا- على ما أذكر- من الأبواب الخلفية. كان مون يرتجف وشفاهه متيبسة. همس لي بأن أحداث الليلة كانت مثيرة عملت له الإسعافات الأولية وجئت له بكوب من الشاي، واكتشفت أن جرحه كان سطحيا. أسرع وهو يغمغم مرتبكا:
    - لكنك أقدمت على مخاطرة كشفت عن رقة قلبك. قلت له ألا يشغل باله (لأن طبيعة الحرب الأهلية كانت تدفعني بالضرورة لأن أفعل مثلما فعلت، وعلاوة على ذلك، فإن سجن رفيق واحد يعرض قضيتنا للخطر).
    في اليوم التالي استرد مون رباطة جأشه، تناول سيجارة ومارس علي ضغوطا شديدة وهو يستجوبني ويتقصى عن "مصادر تمويل حزبنا الثوري". كانت أسئلته سافرة تماما، أخبرته (وكانت تلك هي الحقيقة) بأن الموقف المالي متأزم لدرجة الخطورة، مع أن صوت رصاص بندقية واحدة يكفي لإثارة القلاقل في الجنوب وأبلغت مون بأن رفاقنا في انتظارنا. معطفي ومسدسي كنا بغرفتي، عند عودتي بهما وجدت مون ممددا على الكنبة وبعينين مقفلتين أبدى مخاوفه من أن تكون الحمى قد ألمت به، مشيرا إلى تقلصات مؤلمة بكتفه. أدركت حينئذ أن جبنه لا علاج له. وبتبلد أربكه بالتأكيد، طلبت منه أن يعتني بنفسه ثم ودعته، لقد أخجلني هذا الشخص بخوفه، كما لو أنني أنا الذي بدوت جبانا وليس فنسنت مون، فما يأتيه إنسان يصبح كما لو أتاه الناس جميعا، ولذلك فليس من الظلم أن وجود إنسان واحد شقي في حديقة ما يمكنه أن يلوث شرف الجنس البشري كله، وكذلك فليس من الظلم أن القيام بعملية الصلب لواحد من اليهود (*) يكفي ليخلص العالم. وربما لشوبنهاور الحق في أن يقول: "أنا هو الآخرون" أي أن كل إنسان هو كل الناس، وأن شكسبير هو على نحو ما: فنسنت مون الشقي.
    قضينا تسعة أيام في البيت الكبير للجنرال، وأما عن معاناتنا من ويلات الحرب، أو التباهي بأمجادها، فلن أفضي بشيء: إذ إن هدفي هو أن أروي حكاية هذا الجرح وأثره الذي يلحق بي المهـانة. وتلك الأيام التسعة حسبما أتذكرها، تكون يوما واحدا متصلا باستثناء اليوم قبل الأخير عندما اقتحم رجالنا إحدى الثكنات العسكرية، وتمكنوا من أن يثأروا، كما كـان يجب، لرفاقنا الستة عشر الـذيـن كـانوا قـد حصدوهم بالمدافع الرشاشـة في قريـة "إلفين" وكنت قـد تسللت عن البيـت حوالي الفجر، في غبشة الغسق، وعند حلول الليل كنت قد عدت. كان رفيقي ينتظرني بالدور العلوي إذ لم يسمح له جرحه بالنزول إلي في الـدور الأرضي. أتـذكـره وبيده كتـاب ما عـن الاستراتيجيـة في الحرب: ف، ن، مـا ودي. أو كـلا وشفيتر"، ولقد اعترف لي ذات ليلة بـ "إن السلاح الـذي أفضلـه هو المدفعية" ثـم بات يسألني عن خططنا في المعارك، وأنتقدهـا، ثـم أبـدى رغبته في تغييرها، واعتاد أن يشهـر أيضا بـ "وضعنا الاقتصادي الذي يرثى لـه"، وتنبأ بطريقته الدوجماتيكية الكئيبة بالنهاية المروعة التي تنتظرنا ثم غمغم بالفرنسية:
    (Cest une affaire flam lie)" إنها قضية خاسرة" ولكـي يبدي عدم اكـتراثه بطبيعـة الجبن فيه، والتي انكشفت أمـامي، أخـذ يتفاخر ويتباهـى بعظمة قدراته العقليـة الهائلة. لقـد انقضت على هـذا المنوال، وسواء أكـان ذلك خيرا أم شرا، تلك الأيام العشرة. وفي اليوم العـاشر سقطت المدينة بشكل نهائي في أيدي The Black and Tans) فوق الأحصنـة كان عسكر السـواري الطوال ساكتين فيما يقومون بدوريات حراسة ليلية في الطريق حيث تهب الرياح محملـة بـالتراب المثار ودخان الحرائق، وعند ناصية الشارع رأيت على الأرض جثة مرمية لصقت بذاكـرتي أقل مما حدث للمانيكان الذي كان العسـاكر يتدربون بإطلاق النـار عليه كهدف في قلب الميـدان العام بلا توقف.
    في الوقت الذي ملأ السماء فيه نور الصباح خرجت، وقبل أن ينتصـف النهار كنت قـد عدت، كان مون في المكتبة، وكان يتحدث إلى شخص ما، ونبرة صوته هي التي جعلتني أدرك أنه كان يتحدث في التليفون. بعد قليل سمعته يذكر اسمى، وبعد أن قال إننى- أنا- سأعود في السابعة مساء، أرشدهم إلى الكيفيـة التي سيتمكنون بها من القبـض علي عند اجتيازي حديقة المنزل.
    وهكذا فلقد كان صديقي العقلاني يبيعني وهو في أوج تعقله!... بعد ذلك سمعتـه وهو يطلـب بعـض الضمانات التي تخص سلامته الشخصية.
    وعند هذا الحد، فحكايتي تتعقد خيوطها، وتكاد تفلت مني. غير أن ما أعرفه جيدا أنني اندفعت وراء ذلك المخبر من عتمة الممرات الكـابوسية حتى السلالم الملتوية المنحدرة بشدة إلى أسفل حتى أصابني الدوار. واضـح أن مون يعرف البيت جيـدا، بل ويعرفه أكثر مني. إذ إنه نجـح في الإفلات مني مرة أو مـرتين، إلا أنني أدركته وحاصرته في أحد الأركان وقبل أن يأتي الجنود ويمسكـوا بي، خطفت مـن خزانـة أسلحـة الجنرال، السيـف المقوس القصير الثقيل، وبـذلك النصف قمر من الصلب وسمت وجهه للأبد، بنصف تمر من الدم، "بورخيس: هـا أنا قـد اعترفت لك، لرجل لا أعرفه وهكذا فإن احتقارك لي لن يضاعف من آلامي."
    توقف الرجـل عن حكـايته عنـد هذا الحد، ولاحظـت يديه ورأيتهما ترتجفان. سألته: "وماذا عن مون؟" أجابني: "تقاضى ثمن خيانته وهرب إلى البرازيل، فلقد فوجئ عصر ذلك اليوم بضرب نار في الميدان من جماعة سكارى على مانيكان." وعندئذ تنهـد بحرقة، ثم أخذ يريني برقة وعذوبة الجرح المقوس الضارب إلى البياض ثم قال وهو لا يكاد يبين:
    - "حضرتـك لا تصدقني؟" ألا تراني أحمل عاري هذا مكتوبا على وجهي؟ لقد حكيت لك هذه الحكاية يا سيدي بهذه الطريقة حتى تسمعها للنهايـة. لقد وشيـت بالرجل الذي منحني حمايته: أنـا فنسنـت مون. والآن لـك أن تحتقرني.



    مجلة العربي أحد أعداد النصف الأول من التسعينات
                  

11-18-2004, 08:25 AM

nassar elhaj
<anassar elhaj
تاريخ التسجيل: 05-25-2003
مجموع المشاركات: 1129

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خورخي لويس بورخيس (Re: محمد صالح علي)

    وهذه قصائد لبورخيس ترجمها عدنان المبارك :

    نشيد


    في ذاك الصباح رائحة لاتصَّدق
    تضوع في الهواء ، رائحة الزهور المتفتحة في الجنة.
    على ضفاف الفرات
    يكتشف آدم زفير الماء العذب.
    المطر الذهبي يسقط من السماء:
    إنه ُحب زيوس.
    من البحر تتقافز السمكة،
    في حين أن الإنسان من أغريغنتو Agrigento* يتذكر
    أنه كان في الماضي سمكة.
    وفي المغارة المسماة التاميرا Altamira**
    ترسم يدٌ بلا وجه ، قوس ظهر الثور .
    يد فرجيل البطيئة تمرعلى الحريرالذي
    جاءت به من دولة الإمبراطورالأصفر
    القوافلُ والسفن.
    العندليب الأول يغني في المجر.
    المسيح يرى عملة ً تحمل صورة القيصر الجانبية.
    فيثاغورس يكشف أمام يونانييه
    بأن شكل الزمن هو الدائرة.
    وفي جزيرة ما وسط المحيط
    تطارد كلاب السلوقي الفضيّة عبيداً ذهبيين.
    على السندان يطرقون السيف الذي
    سيخدم ، بوفاء ، زيغورد Sigurd. ***
    ويتمان يكتب الأشعار في منهاتن.
    هوميروس يولد في مدن سبع. عذراءٌ ما قبضت قبل لحظة
    على وحيد ِ قرن ٍ أبيضَ.
    الماضي كله يعود موجة ً.
    وكل هذه الأمور البالغة القدم تحدث من جديد
    ولأن إمرأة معيّنة قبّلتك.

    * إسم مدينة في صقلية تعود آثارها الى عصور ما قبل الميلاد.
    ** المغارة المشهورة في إسبانيا و التي عثر فيها على رسومات الإنسان القديم.
    *** بطل أسطورة جرمانية ترمز الى الصراع الدائر آنذاك بين روح الوثنية الجرمانية والرسالة الإنجيلية. و يسمى البطل زيغفريد أيضا.


    الشريك في الذنب

    إنهم يصلبوني . وعليّ أن أكون الصليب والمسامير.
    يقدّمون لي الكأس ، وعليّ أن أكون السمّ الزعاف.
    يخدعوني ، وعليّ أن أكون كذبا ً.
    يحرقوني ، وعليّ أن أكون جحيماً.
    عليّ أن اقدم المديح والشكر في كل لحظة.
    أنا أحيا بكل شيء ومهما كان الشيء.
    بعبء الكون ، بالإذلال ، بالحبور.
    عليّ أن أبرر الأمر الذي يجرح فيّ.
    ليست بالحسبان سعادتي و شقاءي.
    إني شاعر.



    كتبي

    (كتبي( وهي لاتعرف أنني موجود
    هي جزء مني مثل الوجه ،
    بصدغيه الأشيبين وزوج من عيون رمادية ،
    أبحث عنهما ‘ عبثا ً ، في عمق المرآة.
    وألمسهما بتقعّر راحة اليد.
    وليس بدون منطق مرّ
    أظن أن الكلمات الجوهر التي تعبّر عني
    تختبيء بين الصفحات التي لاتعرف من أنا ، وليس الأخرى من صفحات كتبي.
    وهذا أفضل الأمور.
    أما أصوات الموتى فتقول عني هذا كله على الدوام.



    المسيح على الصليب

    المسيح على الصليب. تلمس القدمان الأرضَ.
    ثلاثة أعمدة من خشب ولها الطول نفسه.
    المسيح ليس في الوسط. إنه الثالث.
    اللحية السوداء تكنس صدره.
    وجهه ليس ذاك الوجه من الصور القديمة.
    قسماته حادة . قسمات يهودية ، لكني لا أراه.
    سأظل أبحث عنه حتى اليوم الأخير من خطواتي على الأرض.
    الإنسان المحطم يتعذب ، إنه باق في الصمت.
    يخزه تاج الشوك.
    لاتطاله سخرية العوام الذين يرون مرات كثيرة ،
    كيف يموت. هو أو إمرؤ آخر. لافرق.
    المسيح على الصليب، يفكر وهو مشوش الذهن
    بالملكوت الذي قد يكون بإنتظاره.
    يفكر بالمرأة التي لم تكن له،
    لم ُيكتب له أن يرى اللاهوت
    أن يفقه الثالوث المقدس والغنوصيين *
    والكاتدرائيات وموسى أوكيم **
    وتغيير العقيدة بسيف غوتروم ***
    ومحاكم التفتيش ودم الشهداء
    والحروب الصليبية العاتية وجان دارك
    والفاتيكان ومانح البركة للجيوش.
    وهو يعرف أنه ليس ربّا ً وأنه إنسان
    يموت كاليوم. وليس هذا ما ينهكه
    بل الحديد القاسي ، حديد هذه المسامير.
    وهو ليس بروماني ولا يونانياً. إنه يئن.
    وأبقى لنا مجازات رائعة،
    ومعرفة عن المغفرة ( هذه الكلمات
    كتبها أيرلندي في السجن )
    الروح وصلت نهايتها، وهي تلهث.
    الذبابة تدّب على الجسد المنتفخ
    وأين العزاء في أن ذاك الإنسان
    قد تعذب كثيرا ًوحين أتعذب أنا الآن ؟


    * يسّمون أيضا بالعارفين. ومذهبهم جمعٌ وتركيبٌ لشتى الأنظمى الدينية – الفلسفية. ويعود هذا المذهب الى القرنين الثاني والثالث في زمن الرومان ، وقد جمع أيضا عناصرا من الديانات الشرقية والمسيحية وأخرى من العبادة اليونانية القديمة ، و إعتمد على مبدأ تدرجية حالات الوجود الروحي ، كما أعلن عن ثنائية الخير ( أي الروح ) و الشر ( أي المادة ) كذلك الإيمان بإمكانية تحرير الروح من المادة عن طريق المعرفة gnosis .
    ** يقصد بموسى أوكيم اي المبدأ القائل بعدم مضاعفة أحوال الوجود ومعناه رفض الحالات التي لانصل إليها عن طريق التجربة. وهذا المبدأ صاغه اللاهوتي الإنكليزي وليم أوكيم W. Occam من القرن الرابع عشر.
    *** قد يكون المقصود هنا غوتفريد ( 1061 – 1100 ) الأمير الجرماني أحد قادة الحرب الصليبية الأولى.



    السعادة

    هذا الذي يحضن المرأة هو آدم . والمرأة هي حواء.
    وكل شيء يحدث للمرة الأولى.
    رأيتُ شيئا أبيض في السماء. يقولون لي أنه
    القمر، لكن ما عليّ أن أفعله بهذه الكلمة ، بهذه
    الميثولوجيا كلها.
    الأشجار تثير خوفا فيّ. إنها بمثل هذا الجمال.
    الحيوانات الهادئة تقترب مني كي أسّميها بأسمائها.
    ليس ثمة حروف في كتب المكتبة. لكن حين
    أفتحها تبرز الحروف.
    وحين أتصفح الأطلس أختلق شكل سومطره.
    وهذا الذي يشعل عود ثقاب في الظلام ، يكون من إكتشف النار.
    في أعماق المرآة شخص آخر ، متربص،
    وهذا الذي ينظر الى البحر يرى إنكلترا.
    وهذا الذي يُلقي أبيات ليلينكرون *
    يبدأ المعركة.
    حلمتُ بقرطاجنة ، بفرق الرومان التي
    إذاقتها العذاب.
    حلمتُ بالسيف والميزان.
    مُبارك هو الحب الذي ليس فيه طرف مالك
    وآخر مملوك ، فكل منهما مخلص للآخر.
    مُباركة كوابيس النوم ، فبفضلها نصدّق
    بوجود الجحيم.
    هذا الذي ينزل النهر يغطس في نهر الغانغيس
    هذا الذي ينظر في الساعة الرملية يرى كيف
    تتقوض الإمبراطورية.
    هذا الذي يلهو بالخنجر يتوجس موت القيصر.
    هذا الذي ينام هو الناس أجمعين.
    في الصحراء رأيتُ أبا الهول فتيا ً إنتهى نحت هيئته قبل قليل.
    لا قديم تحت الشمس.
    كل شيء يحدث للمرة الأولى لكن وفق نموذج الأبدية.
    والذي يقرأني يخلق كلماتي.


    * ديتليف ليلينكورن Detlev Liliencorn وإسمه الحقيقي فردريك أدولف أكسيل ، شاعر غنائي ألماني 1844 - 1900 ) ) اشتهر بقصيدته الملحمية بوغفريد Poggfred .


    المنتحر

    في الليل لا تبقى حتى نجمة واحدة .
    لايبقى الليل.
    أموت ومعي الثقل كله،
    ثقل الكون الذي يصعب حمله.
    أدمّر الأهرام والنقود القديمة
    والقارات والوجوه.
    أدمرُ طبقات الماضي.
    أحيلُ التأريخ الى رماد ، والغبار الى غبار.
    أنظرُ الى آخر غروب للشمس الأخيرة.
    أستمعُ الى الطير الأخير.
    و أسّجلُ العدم لكن لغير أحد.



    العادلون

    إنسان ما يعمل في حديقته كما أراد فولتير.
    هذا الذي هو شاكر لأن على الأرض توجد الموسيقى.
    هذا الذي يرى المسّرة في إكتشاف الأثيمولوجيا *
    الموظفان لاعبا الشطرنج في مقهى صغيرة
    في ( شارع الجنوب ) ،
    الفنان – صانع السيراميك الذي يرى اللون
    والشكل في تصميمه.
    المطبعي الذي يعرف كيف يرتب هذه الصفحة
    رغم أنها قد لا تعجبه البتة.
    المرأة والرجل قارئا الفقرات الأخيرة
    من أنشودة معيّنة.
    هذا الذي يربت على الحيوان المُنوَّم
    هذا الذي يبررالظلم الذي لحقه أو يريد تبريره.
    هذا الذي هو شاكر لأن على الأرض كان ستيفنسن.
    هذا الذي يفضل أن يكون الآخرون محقين.
    جميع هؤلاء الأشخاص الذين لا يعرف أحدهم
    الآخر، هم من ينقذ العالم.


    * علم الإشتقاق ، مبحث أصول الكلمات ومصادرها.



    الرجل الثالث


    أوجّه هذا البيت من الشعر ( ولنأخذ الآن بهذه
    (الكلمة حسب)
    الى الرجل الثالث الذي عبر أمامي الطريق أمس.
    ولم يكن أقل غموضا من الآخر لدى أرسطو.
    في يوم السبت خرجتُ من البيت.
    الليل كان ممتلئا بالناس.
    أكيد أن هذا الرجل الثالث قد إجتازني.
    تماما كما إجتازني الأول والرابع.
    دخل هو ( شارع باراغواي ). أنا توجهت صوب
    ( شارع قرطبة ).
    وعلى وجه التقريب ولدته كلماتي،
    ولن أعرف أن هناك نكهة معيّنة ، نكهته المفضلة.
    انا أعرف بأنه حدّق طويلا في القمر.
    وليس بالأمرغير الممكن أنه مات.
    ويقرأ كلماتي ، وسوف لن يعرف
    أنني أكتب الآن وأفكاري صوبه.
    وفي المستقبل المبهم
    قد نكون خصمين يحترم أحدنا الاخر.
    أو صديقين يعزّ أحدنا الآخر.
    لقد فعلتُ شيئا لا رجعة عنه :
    خلقتُ وشيجة مع شخص آخر.
    وفي هذا العالم اليومي
    الشبيه للغاية بكتاب ألف ليلة وليلة
    ليس هناك من فعل لا يصير
    عملية سحرية ،
    وكل حقيقةِ الفرصةِ في أن تكون الأولى
    وفي صفٍ لا ينتهي.
    انا أسأل ، هل هناك ظلال
    لم تنبذها هذه الأبيات غير العَجلِة.



    عصا الخيزران


    كانت ماريا كوداما * من إكتشفها.
    إنها خفيفة بشكل غريب لكنها متسلطة
    ولاتخيب الآمال. وكل من يراها لن ينساها.
    ولكي ترسم المنطقة السحرية أنظر إليها ، و أحس أنها فلذة
    من تلك الإمبراطورية غير المنتهية التي بنت جدارها
    كي ترسم المنطقة السحرية.
    أنظرُ إليها. أفكرُ بتشوانغ – تسي الذي
    حلمَ بأنه فراشة وحين إستيقظ لم يعرف أنه
    كان رجلا قد حلم َ وأنه فراشة حلمت وأنه
    إنسان.
    أنظرُ إليها . وأفكرُ بالحِرَفي الذي عمل في
    الخيزران ولواه بالشكل الذي يمكن يدي اليمنى
    لا أعرف أما زال حيّاً هذا الحرفي أم مات.
    لا أعرف هل هو ( تاويّ ) أم بوذي أم
    يبحث عن المشورة في الكتاب في النجوم السداسية الأضلاع.
    لن نلتقي نحن الإثنين ابدا.
    لقد ضاع هو بين الملايين التسعمائة والثلاثين
    لكن هناك شيئا – يجذبنا إليه.
    وليس بالأمر غيرالممكن أن أحدهم فكرَ
    بهذه الصلة منذ قديم الزمان.
    وليس بالأمر غيرالممكن أن يكون الكون بحاجة الى هذه الصلة.

    * زوجة بورخيس.
                  

11-18-2004, 11:45 AM

محمد صالح علي

تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 524

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خورخي لويس بورخيس (Re: nassar elhaj)

    شكراً كثيراً يا نصار

    وأبقي معنا


    العمي
    بورخيس


    خلال مجرى العديد من المحاضرات ـ الكثيرة جدا ـ التي ألقيتها، لاحظت أن الناس يميلون إلى تفضيل الشخصي على العام، المجسّد على المجرّد. لهذا سأبدأ بالحديث عن عماي الخاص المتواضع، وهو متواضع لأنه عمى كلي في عين بينما هو جزئي في الأخرى. فأنا ما زلت قادرا على أن أميز بعض الألوان؛ أستطيع، حتى الآن، رؤية الأزرق والأخضر. وقد بقي الأصفر بشكل خاص، وفيا لي. أتذكر أنني في شبابي، كنت أطيل الوقوف أمام أقفاص معينة في حديقة الحيوانات في باليرمو: أقفاص النمور والفهود. كنت أطيل الوقوف أمام ذهبي وأسود النمور. الأصفر لا يزال معي، حتى الآن. لقد كتبت قصيدة بعنوان ( ذهبي النمور) أشير فيها إلى هذه الصداقة.

    الناس بشكل عام يتخيلون العميان مسجونين في عالم أسود. هناك، على سبيل المثال، عبارة شكسبير: (Looking on darkness which the blind do see). إذا فهمنا الظلام (darkness) على إنه السواد (blackness) فشكسبير على خطأ.

    أحد الألوان التي لا يراها العميان ـ أو على الأقل لا يراها هذا الأعمى الذي أمامكم ـ هو الأسود؛ وآخر هو الأحمر. الأحمر والأسود هما اللونان اللذان تنكرا لنا. لقد كنت لمدة طويلة، أنا الذي اعتدت النوم في ظلام مطبق، أضيق بالنوم في هذا العالم الضبابي، في الضباب المخضر أو المزرق، المضيء بشكل غائم، الذي هو عالم العميان. كنت أريد أن أستلقي في الظلمة. إن عالم العميان ليس هو الظلام الذي يتخيله الناس. (ينبغي أن أقول أنني أتحدث نيابة عني، وعن أبي وجدتي، اللذين ماتا أعميين كلاهما ـ أعميين، ضاحكين وشجاعين، مثلما أتمنى أنا أيضا أن أموت. لقد ورثا أشياء عديدة ـ العمى، على سبيل المثال ـ لكن المرء لا يرث الشجاعة. وأنا أعرف أنهما كانا شجاعين).

    يعيش العميان في عالم مربك، عالم غامض تنبثق منه بعض الألوان: بالنسبة لي، الأصفر، والأزرق (ما عدا أن الأزرق قد يكون أخضر)، والأخضر (ما عدا أن الأخضر قد يكون أزرق). الأبيض اختفى، أو أنه ملتبس بالرمادي. أما الأحمر فقد اختفى كليا. لكن آمل أنني يوما ما – إذ أنني أتبع علاجا ـ سأتحسن وأكون قادرا على رؤية ذلك اللون الرائع، ذلك اللون الذي يتألق في الشعر، والذي له الكثير من الأسماء الجميلة في لغات عديدة. لنأخذ scharlach في الألمانية، scarlet في الإنكليزية، escarlata في الإسبانية، ecarlate في الفرنسية. كلمات جديرة بذلك اللون الرائع. وعلى العكس يبدو Amarillo الأصفر، ضعيفا في الإسبانية. وفي الإنكليزية يبدو على نحو أكثر كـ (yellow) الأصفر. أعتقد أنه في الإسبانية القديمة كان يدعى amariello.

    أقيم في ذلك العالم من الألوان، وأنني إذ أتحدث عن عماي المتواضع، فأنا أفعل ذلك لأنه، أولا، ليس بالعمى المثالي الذي يتخيله الناس، وثانيا، لأنه يخصني. بيد أن حالتي ليست درامية على نحو خاص. الدرامية هي حالات أولئك الذي يفقدون بصرهم بشكل مفاجئ. أما في حالتي، فقد بدأ ذلك الإعتام البطيء، فقدان البصر البطيء، منذ بدأت أرى، واستمر منذ العام 1899 بدون لحظات درامية، إعتام بطيء استمر لأكثر من ثلاثة أرباع القرن. في العام 1955 حدثت اللحظة المؤسية عندما علمت بأنني قد فقدت بصري: بصر قارئي وكاتبي.

    في حياتي كُرمت بالعديد من المناصب التي لا استحقها، غير أن واحدا منها أسعدني بشكل أكبر من الأخريات: مديرية المكتبة الوطنية. فلأسباب سياسية أكثر منها أدبية، اختارتني حكومة Aramburu لهذا المنصب.

    عينت مديرا للمكتبة، وعدت إلى تلك البناية التي كانت لي معها ذكريات كثيرة جدا، والتي تقع في شارع Mexico في Monserrat، جنوبي المدينة. لم أكن قد حلمت يوما بإمكانية أن أكون مديرا للمكتبة. كانت لدي ذكريات من نوع آخر، من قبيل ذهابي إلى هناك ليلا بصحبة أبي، وهو بروفيسور علم نفس، كان يطلب كتابا لبرغسون أو وليم جيمس، اللذين كانا مفضلين لديه، أو ربما لغوستاف شبيلر. أما أنا فكنت، خجلا جدا من أن أطلب كتابا، أتطلع إلى بعض أجزاء موسوعة المعارف البريطانية أو موسوعتي بروكهاوس وماير الألمانيتين، آخذ جزءا لا على التعيين من الرف وأقرأ. أتذكر في إحدى الليالي أنني كوفئت بشكل خاص لأنني قرأت ثلاث مقالات عن the Druids، the Druses، and Dryden _ هبة الحرفين DR . الليالي الأخرى كنت أقل حظا.

    عرفت أن بول غروساك كان في تلك البناية. وكان يمكن أن ألتقي به شخصيا، لكنني كنت حينذاك على قدر كبير من الحياء؛ تقريبا كما أنا الآن. إذ كنت أؤمن وقتها بأن الحياء (Shyness) مهم جدا، ولكنني أعرف الآن أنه أحد الشرور التي على المرء أن يحاول تجاوزها، وأنه في الواقع لا يهم أن تكون ذا حياء ـ إنه مثل أشياء عديدة أخرى يعطيها المرء أهمية مفرطة .

    تسلمت المنصب في نهاية العام 1955. كنت مسؤولا، حسب ما قيل لي، عن مليون كتاب. لاحقا علمت أنها تسع مائة ألف ـ عدد كان أكثر من كاف. ( وربما تبدو التسع مائة ألف أكثر من مليون).

    شيئا فشيئا أدركت السخرية الغريبة للأقدار. فلطالما تخيلت الفردوس كنوع من مكتبة، بينما هي عند الآخرين حديقة أو قصر. في المكتبة، كنت على نحو ما مركزا لتسعمائة ألف كتاب في لغات مختلفة، لكنني اكتشفت أنني بالكاد أستطيع أن أتبين صفحات العناوين وظهور الكتب. لقد كتبت (قصيدة الهبات) التي تبدأ بـ:

    ليس لأحد أن يبخس بالشكوى

    والعتاب بيان جلال الرب

    الذي بسخرية مدهشة

    وهبني الكتب والظلام في آن واحد.

    الهبتان اللتان نقضتا إحداهما الأخرى: الكتب التي لا تحصى والظلام، أي العجز عن قراءتها.

    تخيلت كاتب تلك القصيدة هو غروساك، إذ أن غروساك كان كذلك مديرا للمكتبة وكذلك أعمى. بيد أنه كان أكثر شجاعة مني فبقي صامتا. مع ذلك عرفت أنه كانت هناك، بالتأكيد، لحظات تماثلت فيها مصائرنا، فكلانا كان قد أصبح أعمى، وكلانا أحب الكتب. لقد رفد هو الأدب بكتب أرفع مستوى بكثير من كتبي. لكن كلانا كان كاتبا، وكلانا مرَّ بمكتبة الكتب المحرمة ـ قد يسميها البعض، بسبب من عيوننا المطفأة، مكتبة الكتب الغفل، كتب بلا حروف. لقد كتبت عن سخرية الرب تلك، قصيدة، تساءلت في نهايتها أي منا كان قد كتب تلك القصيدة عن أنا جمع وظلام مفرد.

    تجاهلت آنذاك، حقيقة أنه سبق وكان هناك مدير آخر للمكتبة، وكان أعمى: خوسيه ميرمول. هنا يظهر الرقم ثلاثة، الذي يحسم كل شيء. اثنان مجرد مصادفة؛ ثلاثة تأكيد، تأكيد ثلاثي الترتيب، تأكيد إلهي أو لاهوتي.

    كان ميرمول مديرا للمكتبة عندما كانت تقع في شارع Venezuela. إن من المألوف هذه الأيام أن نتحدث بسوء عن ميرمول، أو ألا نتذكره مطلقا. ولكن يجب أن نتذكر أننا حين نتحدث عن عصر روساس، فنحن لا نفكر في الكتاب الرائع لراموس ميخيا (روساس وعصره)، وإنما بذلك العصر كما يرد وصفه في رواية ميرمول الفضائحية بشكل مدهش: La Amalia . إن نقل صورة عصر أو بلد إلى الأجيال اللاحقة ليس مجدا ضئيلا.

    لدينا إذن ثلاثة أشخاص تقاسموا المصير نفسه، وكذلك ـ بالنسبة لي ـ متعة العودة إلى فرع Monserrat في الجنوب. لأن الجنوب، كان بالنسبة للكل في بوينس ايريس، وبطريقة غامضة، المركز السري للمدينة، وليس المركز الآخر ذو الطابع شبه الاستعراضي، الذي نريه للسياح ـ في تلك الأيام كانت هناك أواصر اجتماعية ليست بالعادية تسمى الـ Barrio de San Telmo . ولكن حدث وأصبح الجنوب المركز السري المتواضع لبوينس آيريس.

    عندما أفكر ببوينس آيريس فأنا أفكر ببوينس آيريس التي عرفتها صغيرا: البيوت المنخفضة، الباحات، الشرفات، أحواض الماء بسلاحفها، النوافذ المشبكة. لقد كانت بوينس آيريس كل بوينيس آيريس. أما الآن فالقسم الجنوبي فقط لا يزال باقيا منها. لقد شعرت بأنني أعود إلى الحي الذي قطنه أسلافي.

    كانت هناك الكتب، لكن كان علي أن أسأل أصدقائي عن عناوينها. لقد تذكرت عبارة لرودولف شتاينر، في كتبه عن الأنثروبوسوفيا، وهو الاسم الذي أطلقه على الثيوبوسوفيا الخاص به. قال عندما ينتهي شيء لا بد أن نفكر بأن شيئا يبدأ. نصيحته مفيدة ولكن يصعب العمل بها، لأننا نعرف فقط ما فقدناه، لا ما سنحصل عليه. لدينا صورة محددة ـ صورة مخزية أحيانا ـ لما فقدناه، ولكننا نجهل ما قد يليه أو يحل محله.

    لقد اتخذت قرارا. قلت لنفسي: بما أنني خسرت عالم المرئيات الحبيب، لا بد أن ابتكر شيئا آخر. في ذلك الوقت، كنت بروفيسورا للأدب الإنكليزي في الجامعة. ما الذي كان بإمكاني فعله لتدريس ذلك الأدب اللامتناهي تقريبا، ذلك الأدب الذي يتخطى حياة إنسان واحد، وحتى حياة أجيال من البشر؟ ماذا كان بإمكاني أن أفعل خلال أربعة أشهر أرجنتينية حافلة بالمناسبات الرسمية والإضرابات؟ لقد قمت بما استطعت لتدريس حب ذلك الأدب، وأحجمت ما أمكن عن التواريخ والأسماء.

    بعض الطالبات جئن لمقابلتي، وكن قد أجرين الامتحان واجتزنه. ( كل الطلاب ينجحون لدي) قلت للفتيات ـ وكان هناك تسع أو عشر ـ: " لدي فكرة، الآن وقد اجتزتن الامتحانات، وأديت واجبي كبروفيسور، ألن يكون من الشيق أن ننكب على دراسة لغة أو أدب بالكاد نعرفه؟ سألنني: أية لغة وأي أدب. " حسنا، بالطبع اللغة الإنكليزية والأدب الإنكليزي. لنشرع بدراستهما، الآن ونحن في حل من عبث الامتحانات؛ لنبدأ من البداية.

    تذكرت أنه لدي في البيت كتابان، يمكن أن أعود إليهما. كنت قد وضعتهما على أعلى رف معتقدا أنني لن استخدمهما قط. كان الكتابان (Sweet's Anglo-Saxon Reader) و (The Anglo-Saxon Chronicle). كلاهما تضمن مسردا بالمصطلحات. وهكذا اجتمعنا صباحا في المكتبة الوطنية.

    قلت مع نفسي: لقد خسرت العالم المرئي، ولكنني الآن سأستعيض بآخر، هو عالم أجدادي القدماء، أولئك الذين جدفوا عبر البحار الشمالية العاصفة قبائل من البشر، من ألمانيا، والدانمارك والبلاد المنخفضة، أولئك الذين غزوا إنكلترا، وصرنا بعدهم نسميها (England) إنكلترا ـ بما أن (Angle-Land) وتعني أرض الملائكة كانت قبل ذلك تسمى أرض البريتون(Britons) الذين كانوا سلتيين (Celts)

    كان صباح سبت، حين اجتمعنا في مكتب غروساك، وأخذنا نقرأ. لقد كان جوا ملأنا بالرضا والخجل، وفي الوقت نفسه بشيء من الفخر. وقد أضفت حقيقة أن الساكسون، مثل الاسكندنافيين، استخدموا حروفا رونية (runic letters) لإبراز صوتي الحرفينth كما في thing و the، مسحة من الغموض على الصفحة.

    كنا نواجه لغة بدت مختلفة عن الإنكليزية ولكنها شبيهة بالألمانية. وقد حدث ما يحدث عادة عند دراسة لغة ما: فكل كلمة من الكلمات برزت كما لو كانت منقوشة، كما لو كانت طلسما. لهذا السبب تمتلك قصائد لغة أجنبية ما ميزة لا يستمتعون بها في لغاتهم الأصلية، لأننا نسمع، ونرى كلماتها، كل كلمة على حدة، نفكر في جمال الكلمات وقوتها أو ببساطة في غرابتها.

    كنا محظوظين ذلك الصباح. وقعنا على العبارة التي تقول أن (يوليوس قيصر كان أول روماني يكتشف إنكلترا) آلفين أنفسنا مع الرومان في نص عن الشمال، الأمر الذي أثارنا. يجب أن تتذكروا بأننا لم نكن نعرف شيئا عن تلك اللغة: كل كلمة كانت بمثابة طلسم استخرجناه من الأرض. لقد عثرنا على كلمتين، أصبحنا معهما سكارى تقريبا (صحيح أنني كنت عجوزا وهن كن شابات ـ وضع مثالي للسكر) شعرت: (أنني أعود إلى اللغة التي تكلمها أجدادي قبل خمسين جيلا؛ أعود إلى تلك اللغة؛ وبأنني أستعيدها. وبأنها ليست المرة الأولى التي أتكلمها؛ فهذه هي اللغة التي تكلمتها عندما كانت لي أسماء أخرى). الكلمتان كانتا أسم لندن Lundenburh، وأسم روما Romeburh ، الأمر الذي أثارنا أكثر ونحن نفكر بالضوء الذي كان قد نزل على تينك الجزيرتين الشماليتين. أعتقد أننا مضينا صارخين في الشوارع: (Romeburh…، Lundenburh ).

    هكذا بدأت دراستي عن الأدب الأنكلوـ ساكسوني، تلك التي وهبني إياها العمى. والآن لدي ذاكرة ملآى بشعر رثائي، ملحمي أنكلوـ ساكسوني.

    كنت قد استعضت عن العالم البصري بالعالم السمعي للغة الأنكلوـ ساكسونية. ثم اتجهت إلى العالم الأغنى للأدب الاسكندنافي: البطولات والملاحم. فكتبت (الأدب الألماني القديم) وقصائد عديدة قائمة على تلك الثيمات، ولكن الأهم أنني استمتعت بذلك. والآن أنا أعمل على كتاب حول الأدب الاسكندنافي.

    لم أسمح للعمى أن يخيفني، وإلى جانب ذلك، قدم لي محرري عرضا ممتازاً: قال لي إذا أنا أنتجت ثلاثين قصيدة في العام، سينشر كتابا. ثلاثون قصيدة تتطلب انضباطا، خصوصا عندما يكون لزاما على المرء أن يملي كل سطر منها، ولكن في نفس الوقت تسمح بحرية كافية، لأنه من المستحيل أن لا يكون في سنة واحدة ثلاثون مناسبة لكتابة الشعر. وعليه، فالعمى لم يكن بالنسبة لي محنة كلية؛ ولا يجب النظر إليه بشكل مأساوي. يجب أن ينظر إليه بوصفه طريقة حياة: وواحداً من أساليب العيش.

    إن للعمى حسناته. فأنا مدين للظلام ببعض الهبات: هبة الأنكلوـ ساكسون، معرفتي المتواضعة بالأيسلندية، متعة العديد من أبيات الشعر، العديد من القصائد، متعة إنجازي كتابا آخر معنونا بشيء من البهتان والغطرسة (في مديح الظلام).

    أود الحديث الآن عن حالات أخرى، عن حالات لامعة. سأبدأ بذلك المثال الواضح عن صداقة العمى والشعر، بذلك الشاعر الذي يدعى بـ: أعظم الشعراء: هومير. (نحن نعرف عن شاعر إغريقي أعمى آخر، تاميريس، الذي فُقدت أعماله. كان تاميريس قد هُزم في معركة مع آلهة الشعر التي كسرت قيثارته، وسلبته بصره)

    كانت لأوسكار وايلد فرضية غريبة، فرضية لا أعتقد أنها صحيحة تاريخياً، ولكنها مقبولة فكريا . إن الكتّاب، بشكل عام، يحاولون أن يبدو عميقين في ما يقولون؛ وايلد كان رجلا عميقا حاول أن يبدو سطحيا. أرادنا أن ننظر إليه كمجادل؛ أرادنا أن نعتبره كما اعتبر أفلاطون الشعر بوصفه (الشيء المجنح، المتقلب، المقدس). حسنا، إن ذلك الشيء المجنح المتقلب المقدس المدعو أوسكار وايلد، بيّن بأن القدماء، صوروا، وبشكل مدروس، هومير أعمى.

    نحن لا نعرف إن كان هومير قد وجد. وحقيقة أن سبع مدن تنافست؟؟؟ على حمل اسمه تكفي لحملنا على الشك في تاريخيته. ربما لم يكن هناك هومير واحد؛ ربما كان هناك عدد من الشعراء الإغريق الذين نقنعهم باسم هومير. فالآداب القديمة تشترك في أنها تقدم لنا شاعرا أعمى، ومع ذلك، فشعر هومير بصري، عادة بصري بشكل باهر ـ كما كان إلى درجة أقل بكثير شعر اوسكار وايلد.

    لقد أدرك وايلد بأن شعره كان بصريا جدا، فأراد أن يعالج نفسه من ذلك العيب. أراد أن يكتب شعرا يكون سمعيا موسيقيا ـ لنقل مثل شعر تينسون، أو شعر فرلين، اللذين أحبَهما وأعجب بهما أيضا. قال وايلد أن الإغريق ادعوا بأن هومير أعمى للتأكيد على أن الشعر لا بد أن يكون سمعيا، وليس صوريا. من ذلك جاءت مقولة فرلين والرمزية المعاصرة لوايلد: (de la musique avant toute chose) الموسيقى قبل كل شيء.

    من الممكن أن نصدق بأن هومير لم يوجد قط، لا أن يكون الإغريق قد تخيلوه أعمى للتأكيد على حقيقة أن الشعر، هو قبل كل شيء، موسيقى؛ وأن الشعر، قبل كل شيء، القيثارة؛ وبأن الصوري يمكن أو لا يمكن أن يوجد في شاعر. أعرف عن شعراء صوريين عظام وشعراء عظام غير صوريين ـ شعراء فكريين، شعراء ذهنيين ـ لا حاجة لذكر أسماء.

    لنأخذ مثال ميلتون. عمى ميلتون كان طوعيا. لقد علم منذ البداية بأنه سيكون شاعرا عظيما. ومثل هذا حدث مع شعراء آخرين: كولريدج ودكوينسي، عرفا، قبل أن يكتبا بيت شعر واحد، أن قدرهما سيكون أدبيا. أنا أيضا، إذا جاز لي ذكر اسمي، علمت دائما بأن قدري كان، قبل كل شيء، قدرا أدبيا ـ وأن أمورا سيئة وبعض الأمور الجيدة ستحدث لي، لكن، على المدى البعيد، كل ذلك سيتحول إلى كلمات. خصوصا الأشياء السيئة، بما أن السعادة لا تحتاج إلى تحويل: السعادة هي نهايتها الخاصة.

    لنعد إلى ملتون. لقد أتلف بصره في كتابة كراريس تأييد لإعدام البرلمان للملك. قال ملتون بأنه فقد بصره بإرادته دفاعا عن الحرية؛ تكلم عن تلك المهمة النبيلة ولم يشكُ عماه قط. ضحى ببصره، وبعد ذلك، تذكر رغبته الأولى، في أن يصبح شاعرا. لقد اكتشفوا في جامعة كامبردج مخطوطا يحضّر فيه ميلتون الشاب مواضيع متنوعة لقصيدة طويلة.

    فقد كتب يقول: " ربما أترك عملا ما مكتوبا بشكل جيد إلى المستقبل، بحيث يحفظونه من الزوال عن طيب خاطر"، مدرجا عشرة أو خمسة عشر موضوعا، غير مدرك بأن واحدا منها سيكون نبوءة، وهو موضوع شمشون. لم يكن يعلم بأن مصيره سيكون، على نحو ما، مصير شمشون؛ شمشون الذي كان قد تنبأ بالمسيح في العهد القديم، وكذلك تنبأ بملتون، وبدقة أكبر. ما أن علم ميلتون بأنه سيصاب بعمى دائم انكب على عملين تأريخيين هما مختصر تاريخ موسكو، وتاريخ إنكلترا، اللذين بقيا كلاهما غير كاملين. وبعد ذلك، القصيدة الطويلة (الفردوس المفقود). كان يبحث عن ثيمة يمكن أن تكون مثار اهتمام كل البشر، ليس فقط الإنكليز. الموضوع كان آدم، أبانا المشترك.

    قضى ملتون جزءاً كبيراً من وقته وحيداً، يقرض الشعر، وقد امتلأت ذاكرته. كان يحفظ أربعين أو خمسين بيتا عشري الوزن من الشعر المرسل في ذاكرته، ثم يمليهم على أي زائر يأتي. فبهذه الطريقة كُتبت القصيدة كلها. لقد فكر في مصير شمشون، شبيها جدا بمصيره الخاص، ففي هذه الإثناء كان كرومويل قد مات وعادت الملكية. كان ميلتون قد عُذّب وكان يمكن أن يحكم عليه بالموت لتأييده إعدام الملك. ولكن حين قدموا للملك تشارلز الثاني ـ إبن الملك تشارلز الأول (المعدوم) ـ قائمة بأسماء المحكومين بالإعدام، وضع قلمه جانبا وقال بطريقة لا تخلو من نبل (يوجد في يدي اليمنى شيء لا يسمح لي بتوقيع عقوبة إعدام). لقد أُنقذ ميلتون، وكثيرون معه.

    ثم كتب شمشون، محاولا تأليف مأساة إغريقية، حيث الفعل يجري في يوم واحد، هو آخر يوم في حياة شمشون. لقد فكر ميلتون بنقاط التشابه في مصيرهما، حيث أنه كان، مثل شمشون، رجلا قويا هُزم في النهاية، وكان أعمى. فكتب تلك الأشعار التي وفقا لـ لاندور، وضع علامات تنقيطها بشكل سيئ، إلا إنها في الواقع كان يجب أن تكون ( أعمى، في غزة، عند الطاحونة، مع العبيد) ـ كما لو كانت المحن تنصب جميعها على شمشون.

    لدى ملتون سونيتة يتحدث فيها عن عماه، تتضمن بيت شعر يمكن للمرء أن يعرف أن الذي كتبه أعمى. عندما توجب عليه أن يصف العالم، قال: ( في هذا العالم المظلم والواسع). هذا هو بالضبط عالم العميان عندما يكونون وحيدين، يسيرون وأيديهم ممدودة بحثا عن مرتكز. هنا لدينا حالة ـ أكثر أهمية من حالتي ـ عن رجل يتجاوز عماه ويقوم بعمله: الفردوس المفقود، الفردوس المستعاد، أفضل سونيتاته، جزء من تاريخ إنكلترا، من البداية حتى الغزو النورمندي. لقد أنجز كل ذلك وهو أعمى، وكان يجب أن يُملى كله على زوار عابرين.

    الأرستقراطي البوسطني بريسكوت كان قد استعان بزوجته. إذ أفقده حادث، عندما كان طالبا في هارفرد، إحدى عينيه وتركه شبه أعمى في الأخرى. فقرر أن يكرس حياته للأدب. درس وتعلم آداب إنكلترا، وفرنسا، وإيطاليا وإسبانيا. فقدمت له إسبانيا الإمبراطورية عالما توافق مع رفضه الصارم للعصر الديمقراطي. لقد تحول من دارس إلى كاتب، وكان يملي على زوجته التي كانت أيضا تقرأ له تواريخ غزو المكسيك والبيرو، وحكم الملوك الكاثوليكيين وفيليب الثاني. كان ذلك جهدا مبهجا، يكاد يكون متكاملا، استغرق أكثر من عشرين عاما.

    ثمة مثالان أقرب إلينا. كنت قد ذكرت الأول سابقا، بول غروساك، الذي كان قد نُسي ظلما. فالناس ينظرون إليه الآن كمتطفل فرنسي في الأرجنتين. لقد قيل بأن عمله التاريخي تم تجاوزه، وبأن المرء اليوم يلجأ إلى مصادر تفوقه أهمية. لكنهم ينسون بأن غروساك مثل كل كاتب، ترك عملين: الأول موضوعه، والثاني أسلوب إنجازه. لقد بعث غروساك الروح في النثر الإسباني. قال لي آلفونسو ريز، أعظم ناثر في الإسبانية في كل العصور: " لقد علمني غروساك كيف يجب أن تكتب الإسبانية". فقد تغلب غروساك على عماه وخلف أفضل ما كُتب من نثر في بلدنا. وسيبقى من دواعي سروري أن أتذكر ذلك.

    لنأخذ مثالا آخر، لشخص هو أكثر شهرة من غروساك. فمع جيمس جويس نحن إزاء عمل مزدوج. لدينا تينك الروايتان الضخمتان و ـ لم لا نقولها؟ ـ غير القابلتين للقراءة، يوليسيس ويقظة فينيغان. بيد أنهما تمثلان فقط نصف عمله ( الذي يتضمن أيضا قصائد جميلة والعمل الرائع: صورة الفنان شابا) والنصف الآخر الذي ربما هو أكثر الجوانب إيجابية (مثلما يقولون الآن) حقيقة أنه تصدى للغة الإنكليزية اللامتناهية تقريباً. تلك اللغة ـ وهي أكبر إحصائياً من كل اللغات الأخرى وتقدم الكثير من الإمكانات للكاتب، خصوصا في أفعالها المادية ـ لم تكن كافية له. لقد تذكر جويس، الآيرلندي، أن دبلن أنشأها الفايكنغ الدانماركيون، فدرس النرويجية ـ وكتب بها رسالة إلى إبسن ـ ثم درس اليونانية، واللاتينية.... لقد عرف كل اللغات، وكتب بلغة ابتكرها بنفسه، عسيرة على الفهم ولكنها موقعة بموسيقى غريبة. لقد جاء جويس بموسيقى جديدة إلى اللغة الإنكليزية، وقال، بشكل شجاع، (وكاذب) بأن " من بين جميع الأشياء التي وقعت لي، أعتقد أن العمى كان أقلها أهمية". إن جزءا من عمله الواسع كان قد أنجز في الظلام: كان يصقل الجمل في ذاكرته ـ عاكفا أحيانا يوما كاملا على جملة واحدة ـ ثم يكتبها ويصححها. كل ذلك في غمرة العمى أو خلال مراحل منه. وفي إطار المقارنة، كان العجز الجنسي لبويلو، وسويفت، وكانت، ورسكن، وجورج مور واسطة كئيبة للإنجاز الناجح لأعمالهم؛ ربما يقول قائل الشيء نفسه عن الشذوذ، الذي تأكد المستفيدون منه اليوم بأن لا أحد سوف يتجاهل أسماءهم. ديمقريطس اقتلع عينيه في حديقة حتى لا يلهيه مشهد الواقع: أوريجن أخصى نفسه.

    لقد عددت ما يكفي من الأمثلة. بعضها جد لامع إلى حد يجعلني خجلا إذ أنني تحدثت عن حالتي الشخصية ـ ما عدا أن الناس يأملون دائما بالحصول على اعترافات وأنا ليس لدي سبب لأحرمهم من اعترافي، ولكن بالطبع، يبدو من العبث أن أضع اسمي إلى جانب أولئك الذين ذكرتهم.

    لقد قلت أن العمى هو أسلوب حياة، هو ليس سيئا بالكامل. لنتذكر تلك الأبيات لأعظم شاعر إسباني، فيري لويس دي ليون:

    أريد أن أعيش مع نفسي

    أريد أن أتمتع بالخير الذي أدين به للسماء

    بلا شهود

    متحررا من الحب، ومن الغيرة

    ومن الكره ومن الأمل ومن الخوف

    لقد حفظ ادغار ألن بو هذا المقطع عن ظهر قلب.

    بالنسبة لي، يسهل العيش بلا كره، لأنني لم أكره أبدا. أما العيش بلا حب، فأعتقد أنه مستحيل، وهو لحسن الحظ مستحيل بالنسبة لكل واحد منا. لكن الجزء الأول (أريد أن أعيش مع نفسي\أريد أن أتمتع بالخير الذي أدين به للسماء) إذا سلّمنا بإمكانية أن يكون ثمة في خير السماء ظلام أيضا، إذن من يعيش مع نفسه أكثر؟ من يستطيع أن يسبر غور نفسه أكثر؟ من يستطيع أن يعرف أكثر عن نفسه؟ وفقا لعبارة سقراطية، من يستطيع أن يعرف نفسه أكثر من الأعمى؟

    إن الكاتب يعيش. مهمتك كشاعر مثلا ليست كاملة وفقا لجدول ثابت. لا أحد هو شاعر من الثامنة حتى الثانية عشرة، ومن الثانية حتى السادسة. كائنا من كان الشاعر هو دائما واحد، وهو وباستمرار عرضة لأن يهاجمه الشعر. أعتقد أن الرسام يشعر بأن الألوان والأشكال تحاصره. أو أن الموسيقي يشعر بأن عالما غريبا من الأصوات ـ العالم الأغرب للفن ـ يلاحقه، وبأن هناك تناغمات و تنافرات تبحث عنه. إن العمى، بالنسبة لفنان، ليس محنة كلية. قد يكون واسطة. فراي لويس دي ليون أهدى إحدى قصائده الغنائية إلى فرانسيسكو ساليناس، موسيقي أعمى.

    على الكاتب والإنسان بشكل عام، أن يؤمن بأنه مهما يحدث له إنما هو مادة؛ كل شيء أُعطي لغاية. وهذا يصدق بشكل أقوى في حالة الفنان. وكل ما يحدث، بما في ذلك الإذلال، والإحراج، والمصائب، كلها قد مٌنحت له مثل الطين، مثل مادة يستخدمها المرء في فنه، لذا عليه أن يقبلها. لهذا السبب أتحدث في قصيدة عن طعام الأبطال القديم: الإذلال، التعاسة، النزاع. هذه الأشياء منحت لنا كي نحولها إلى أشياء أخرى، حتى يمكن أن نصنع من الظروف البائسة لحيواتنا أشياء سرمدية أو هي تطمح لأن تكون كذلك.

    إذا فكّر الأعمى بهذه الطريقة فهو في أمان. إن العمى هبة. لقد أرقتكم بالهبات التي منحني إياها. وهبني العمى الأنكلوـ ساكسونية، وهبني بعضا من الاسكندنافية، وهبني معرفة أدب العصور الوسطى الذي كنت قد تجاهلته، وهبني فرصة تأليف كتب متنوعة، جيدة أو سيئة إلا إنها بررت اللحظة التي كتبت فيها. بالإضافة إلى ذلك، جعلني العمى أشعر أنني محاط بلطف الآخرين. فالناس يشعرون بالود إزاء العميان.

    أود أن أختتم بعبارة لغوته: ( Alles Nahe werde fern ) كل شيء قريب يصبح بعيدا. كان غوته يشير فيه إلى الغروب. كل شيء قريب يصبح بعيدا. هذا صحيح. عند الغروب الأشياء القريبة منا تبدو أنها تبتعد عن عيوننا. هكذا ابتعد العالم المرئي عن عيني، ربما إلى الأبد.

    ربما كان غوته يتحدث ليس فقط عن الغروب بل عن الحياة. كل الأشياء تختفي، مبتعدة عنا. قد تكون الشيخوخة هي العزلة القصوى ـ باستثناء أن العزلة القصوى هي الموت. و( كل شيء قريب يصبح بعيدا) أيضا تشير إلى الحدوث البطيء للعمى الذي كنت آمل أن أبين، خلال حديثي هذه الليلة، بأنه ليس محنة كلية. إنه وسيلة أخرى بين العديد من الوسائل ـ كلها غريبة جدا ـ التي يمدنا بها القدر أو الحظ.

    ترجمة كريم جواد
                  

11-19-2004, 05:47 AM

محمد صالح علي

تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 524

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خورخي لويس بورخيس (Re: محمد صالح علي)

    ليس لشجرات اللوز سوى ذكراك

    جورج لويس برخس

    (سبعة عشرة قصيدة هايكو)

    ترجمة : خالد النجار

    برخس شاعر ليس كالشعراء، وهو في متنه الذي يبدو غامضا، كأغلب الشعر الحديث يقول شيئا ما للقارئ؛ فهو لا يحترف الغموض المجاني، أي الغموض من أجل الغموض؛ ولا السريالية النافلة؛ وإنما يحاول، و من خلال متنه الشعري أن يقول التجربة الإنسانية الغامضة هي أيضا، يعبّر عنها في بعديها التاريخي، و الكوني..
    فكل حدث بالنسبة لبرخس مهما كان بسيطا، متضائلا؛ هو جوهري في المسار التاريخي العام، بل في المسار الكوني؛ وله ترجيعاته البعيدة... إن موت ذبابة وراء زجاج النافذة يستوي لديه مع أفول حضارة؛ أو انهيار أمبراطوريّة ..
    الحدث إذن لديه؛ ومهما ضؤل هو أساسي، وجوهري في التاريخ، له صداه الذي يظل يترجّع … وهكذا فكل احداث التاريخ من المتناهي في الصغر، إلى المتناهي في الكبر والخطورة، هي حدث واحد في عالمه.
    وهي متساوية انطولوجيا أي شعريّا :

    ضوء خفيف ينطفئ.
    أهي ممالك تنطفئ
    أم يرقة؟

    و هذا الحدث التاريخي، والكوني والروحي في الآن، أي الشعري؛ هولديه مفرد، فذّ، أي خارق..و لكنه و في الآن نفسه يشترك مع غيره من الحوادث في المصير النهائي الذي تئول إليه كل الأحداث ألا وهو الأفول : أفول الآشياء في الزمن.
    اذن، فكل الأشياء كذلك واحدة أمام المطلق.
    فالحدث مفرد، فذّ؛ ووواحد متكرر.
    بهذا الشكل المفارق يلتقي جورج لويس برخس بالفيلسوف الإغريقي هيراقليطس في شذرته التي يقول فيها : أنت لاتعبر النهر مرّتين : و التي تؤكد على فرادة الحدث، و أن العالم غير متكرر.
    ولكنّه و في الآن نفسه يلتقي بالنقيض أي بالفيلسوف الألماني فريدريك نيتشة الذي يقول بالعود الأبدي .. هناك تكرار كوني لأحداث فـذّة. يعود الحدث و لكنّه ليس نفس الشيء الذي يعود في كل مرّة; يعني أن هذه الأحداث تتأسس على مفارقة فهي واحدة، و كل حدث في الآن نفسه فذّ.
    و كل هذا معبّر عنه شعريّا.

    إنه الهلال
    هي أيضا تتملاّه
    من الباب الآخــر

    ولأنّ أحداث التاريخ هي جوهر غناءه فهي تشكل نسيج شعره. ان ذاك الاحتشاد لحوادث التاريخ، للحظاته، لرموزه الذي يتوارد في شعره هو ليس مجانيا، و ليس بلاغة خاوية، ولا هو نزوة لفظويّة.. تعني بأشياء هي في الذاكرة الانسانيّة ، أحداث ماصية و ديناميّة تشكل هويّة العالم,,
    هنا قصيدة اختار لها برخس نمط الهايكو الياباني كقالب شعريّ يصب فيه تجربته.

    النصوص

    1

    الجبل و الليل
    قالا لي شيئا
    لم أعد أعيه.

    2

    الليل الشاسع
    هو الآن
    عطر واحد.

    3

    أوجد أم لم يوجد،
    ذاك الحلم الذي أنساه
    عندما يعود الفجر؟

    4

    أيتها الأوتار الخرساء.
    إن الموسيقى تدري
    بما أحس.

    5

    ليس لشجرات لوز الحديقة،
    أي فرح.
    لاشئ سوى ذكراك.

    6

    و بشكل غامض
    هناك كتب، وررسوم غرافيكيّة، و مفاتيح
    تتبع مصيري.

    7

    منذ ذاك النهار
    ما لا مست قطعة
    من رقعة الشطرنج.

    8

    في الصحراء
    يصّاعد نور الفجر
    رجل ما يدري بذلك

    9

    السيف الذي لاهدف له
    يحلم بالمعارك
    أما حلمي فشئ آخر.

    10

    مات هذا الرجل
    لحيته لا تدري بذلك
    أظافره تواصل نموّها

    11

    هاهي اليد
    التي تداعب أحيانا
    شعرك.

    12

    تحت السقف
    لا تحاكي المرآة
    سوى القمر.

    13

    تحت القمر
    هذا الظل الذي يتمدد
    وحيدا.

    14

    ضوء خفيف ينطفئ.
    أهي ممالك تنطفئ
    أم يرقة؟

    15

    إنه الهلال.
    هي أيضا تتملاّه
    من الباب الآخر.

    16

    أيتها التي في البعيد
    أيدري العندليب
    أنّه يسلّيك؟

    17

    اليد القديمة
    ماتزال تخط بيت الشعر نفسه
    حدّ النسيان.

    ***
                  

11-19-2004, 06:16 AM

طلال عفيفي
<aطلال عفيفي
تاريخ التسجيل: 06-20-2004
مجموع المشاركات: 4380

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خورخي لويس بورخيس (Re: محمد صالح علي)



    محمد صالح ..
    بورخيس !
    تفتكر بيكون من الكافي إطلاق لقب شاعر عليه ؟

    الرجل من المفتونين بهذا العالم وتفاصيله أصغر حكاياه ..
    تقرأه وتحس كأنه عاش ألف مره .

    يكتب وكأنه يطرز سجادة فارسيه ينسل خيوطها عن بكرة عمره الممتد .
    إنه يطل على العالم ببصر نافذ وقلب طيب وعمر إحتمل التجربه .

    محمد صالح..
    شكرا لك وانت تأتي به الينا ,

    ...
    طلال
                  

11-19-2004, 01:16 PM

محمد صالح علي

تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 524

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خورخي لويس بورخيس (Re: طلال عفيفي)

    طلال

    سيبني من بورخيس
    بابك ده الستارة بتاعتو دي من بره ولا من جوه ؟
                  

11-20-2004, 10:05 AM

Osman M Salih
<aOsman M Salih
تاريخ التسجيل: 02-18-2004
مجموع المشاركات: 13081

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خورخي لويس بورخيس (Re: محمد صالح علي)

    موتورون وموتورات وأكلة لحوم بشر
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    تطفح في الصفحتين الأولى والثانية من هذا المنبر سخائم
    وصدأ أرواح يـرشح بلا توقـف مـن أقلام خصومي.

    من هم خصومي؟ : موتورون وموتورات لم أرهـم في
    حياتي ومع ذلك يطلقـون العنان لخيال البذاءة والإسـفاف.
    المؤسف حقاً أن الأصوات الطاغـية بينهم تنتمي لمن
    يرفعون زوراً وبهتاناً لواء الإستنارة ويزعـمون أنهم
    رواد غـدٍ مأمول!.
    حرم الإله أقلامهم من صفاء الأرواح ، ضاقـت بهم
    الأرض عـلى إتساعها فـصاروا يحصبون الآخرين.
    أطللتُ عـلى جهنم صدورهم المسكونة بالشـّر فصرتُ
    هـوسهم المقـيم ، باعـث هـستيريتهم، إنفلات هـلوستهم
    الجماعـية، مرمى بذاءتهم المستنيرة، هاجس صحوهم
    ومنامهم :
    أكلت نيران الأحقاد والضغائن أرواحهم وأذهانهم
    زمناً طويلاً فـقـرّروا في غـزوة هـمجية فاشلة
    إزاحتي من السكة بكل الوسائل والحيـّل .
    و صارت بوستات هـلوستهم الجماعـية ملتقـيات
    ومزارات وأسواق لبيع الكلام الرخيص و القـول
    الفاحش يتبارى فـي صنعه وتزيينه حملة شهادات
    عـلمية رفـيعة ومن نال حظاً من التعليم زهـيد ــ
    تجمع بين من لم يجمع بينهم في الماضي جامع
    أومعبد أو كنيسة : ( أتأمل كيف تنعقـد خيوط
    وتتقاطع خطى و تـُوقـظُ بوستات من سبات عميق
    وتـُـنسجُ أخرى ـ على عجل ـ إستجابةً لطلب
    السوق. الكل في سعي دؤوب للمساهمة ونيل
    أرفع درجات الرضا والإعجاب في عـيون
    آخرين! ).
    إن خصومي تجسيم ناطق للبذاءة جوادها
    كي بورد فاجر في الخصومة ودافعها نيّة
    مغرضة.
    خلا وفاض خصمائي تماماً ولم يتبق لهم سبيل
    لإزاحتي من السكة سوى القـول الفاحش وهـو
    سلاح يبرع في إستخدامه نيّرون ونيّرات أصاب
    أرضهم قحط فـقـرروا العيش عـلى اللحوم الآدمية .
    لا أقـتاتُ على لحوم الناس وأعـلمُ بأن المستـقـبل
    لا يملكه من يعتاش عـلى لحوم الناس، ويزجي
    وقـت فـراغه برجم الآخرين بباطل القـول، لكـّن
    أكلة لحوم البشر لا يدركـون!!!
                  

11-20-2004, 06:54 PM

محمد صالح علي

تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 524

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خورخي لويس بورخيس (Re: Osman M Salih)

    الأخ المحترم عثمان محمد صالح

    أعتقد أنك تداخلت في البوست الخطأ

    أما إذا لم يكن هناك خطأ فأرجو التوضيح
    لأنني لم أفهم ما تقصده



    أكن لك كل الإحترام
                  

11-20-2004, 07:41 PM

محمد صالح علي

تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 524

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خورخي لويس بورخيس (Re: محمد صالح علي)


    خورخي لويس بورخيس

    فن الشعر
    أن ننظر إلى النهر المصنوع من الزمن و المياه
    ونتذكر أن الزمن مهر آخر،
    أن نعرف أننا نكف عن الوجود، تماماً كالنهر
    وأن وجوهنا تتلاشى، تماماً كالمياه.
    أن تشعر أن اليقظة هي نوم آخر
    يحلم بأنه ليس نائم، و أن الموت
    الذي ترهبه أجسادنا، هو نفسه الموت
    الذي يعتادنا كل ليلة ونسميه نوماً.
    أن نرى في اليوم أو في السنة رمزاً
    لأيام النوع الإنساني وسنواته
    أن نترجم حنق السنين
    إلى موسيقى و إشاعة و رمز.
    أن نرى في الموت نوماَ، وفي الغروب
    ذهباً حزيناَ، فذلك هو الشعر
    خالداً معوزاً. لأن الشعر
    يرجع كالفجر والغروب.
    في أوقات الظهيرة، يطل علينا
    وجه ما من أعماق مرآة،
    لابد أن الفن مثل تلك المرآة
    التي تنجلي لنا عن وجهنا نحن.
    يروون كيف أن عوليس، وقد طوحت به الأعاجيب
    كان يبكي حباً، ليلمح الطريق إلى ايثاكا
    متواضعة خضراء
    الفن هو ايثاكا
    الأبد الأخضر تلك، وليس الأعاجيب.
    وكنهر لا نهاية له أيضاً
    يتقضى ويبقى، مرآة لشخص هيرقليطس القُلّب
    الذي هو نفسه وشخص آخر سواه
    مثل نهر لا نهاية له.

    من موقع البيت - بيت الشعر في المغرب
    اسم المترجم غير مذكور

    (عدل بواسطة محمد صالح علي on 11-21-2004, 07:09 PM)

                  

11-21-2004, 06:54 AM

محمد صالح علي

تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 524

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خورخي لويس بورخيس (Re: محمد صالح علي)

    السرداب


    قصة: خورخي لويس بورخس

    أريد أن أدع سجلا مكتوبا [وربما تكون هذه أول محاولة]، عن أحد الحادثات الأغرب في تاريخ الأرجنتين. أن أتطفل قليلا قدر الممكن في الحكي، أن أتمنع على تصور التفـاصيل أو ماهية الحدس الشخصي، يبدو لي أن تلك هي الطريقة الوحيدة لأدائي هذا.

    رجل، وامرأة، وظل غالب لديكتاتور هي شخصياتي الثلاث. الرجل باسم "بـدرو سلفادورز"، وقد رآه جدي أكفيدو أياما وأسابيع بعد سقوط الديكتاتور في معركة كاسيروس. ربما لم يختلف بدرو سلفادورز عن أي شخص آخر، لكن السنوات والمصير قد أمهلاه. كان مهذبا كآخرين كثيرين في أيامه. وقـد تملك [دعنا نفترض ذلك] مزرعة كبيرة بالريف، تصدى للطغيان، وكان في صف الوحدويين. وكانت عائلة زوجته باسم "بلانس"، وقد عاشا معا في شارع سوباتشا بجانب ركن المعبدالذي يقع الآن في القلب من بيونس أيرس. أما المنزل الذي شهد الحادثة فكان متشابها مع غيره، باب على الشارع، معبر للدخول طويل على شكل قنطرة، بوابة داخلية للشواء، حجراته صف من باحتين أو ثلاث باحات. وطبعا، كان الديكتاتور هو "روساس".

    في إحدى الليالي، حوالي عام 1842، تسمع سلفادورز وزوجته صوت حوافر أحصنة مكبوتة تتنامى في الخارج، بالشارع غير المعبدكان الراكبون سكارى يصرخون بحناجرهم "ليعش روساس" وهذه المرة لم يكن تابعـو روساس راكبين. بعدها أتت الصرخات طرقا مكرورا على الباب، وبدأ الرجال ينزعونه عنوة، أما سلفادورز فاستطاع أن يجذب مائدة الطعام إلى جانب، ويسحب السجاد، مخفيا نفسه بأسفل السرداب. وأعادت زوجته المائدة إلى مكانها في الخلف. انفجر صخب موسيقى المازوركا بالمنزل، لقد جاءوا للقبض على سلفادورز. قالت المرأة إن زوجها هرب إلى مونتفيديو. لم يصدقها الرجال، وجلدوها، هشموا كل الأواني الصينية الزرقاء [الأزرق لون الوحدويين]، وفتشوا جميع أركان المنزل لكن لم يفكروا في رفع السجاد. في منتصف الليل ركبوا راحلين، وأقسموا أنهم لا بد عائدون في القريب.

    كانت هذه هي البداية الحقيقية لحكاية بدرو سلفادورز.

    لقد عاش سنين تسعا في السرداب. ولأننا جميعا نخبر ذواتنا أن السنين تشتمل على أيام والأيام على ساعات فإن تلكم السنوات التسع ما هي إلا تعبير مجرد وكم محال، والحكاية شنيعة رغم ذلك. وإني أفترض بأنه في الحلكة، قد تعلمت عيناه إلى حد ما أن تتكشف الفراغ فما كانت له أي أفكار خاصة، ولا حتى كرهه أو الخطر الذي يعيش فيه. ببساطة كان هناك- في السرداب- بأصداء العالم التي تقطعت عنه وأحيانا ما كانت تصله فوق سقف رأسه: وقع أقدام زوجته، شخللة الدلو في شفة البئر، مطر غزير على الباحة. كل يوم في مسجنه، وكلما تعرف به، لربما كان الأخير.

    سرّحت زوجته كل الخدم، والمحتمل بإمكانهم التبليغ عنه، وأكدت لعائلتها أن سلفادورز يقيم بأرجواي. في هذه الفترة، كان يتكسب قوته لكليهما بحياكة ملابس موحدة للجيش. وفي هذه الأثناء، أنجبت طفلين، فتنكرت لها عائلتها، بظن أن لها عشيقا. وفيما بعد سقوط الطاغية، ركعوا لها راجين العفو.

    ما الذي كانه بدرو سلفادورز؟ ومن هو؟ هل كان في ذات خوفه، وعشقه، الحضور غير المرئي لبيونس أيرس؟ أو- في مخبئه الطويل- كان العادة التي أمسكته سجينا؟ وكي تحتفظ به معها، فإن زوجته اختلقت أخبارا لتبلغه عن هسيس تآمر وإشاعة نصر. ولربما كان جبانا وبولائها هي أخفت ذلك عنه حين عرفت به. أتصوره في سردابه ربما دون شمعة، دون كتاب. ويحتمل أن الحلكة قد أغرقته في النوم. أحلامه، في مستهلها، ربما دارت عن ليلة المباغتة، وعندما غاص النصل في حلقه، وعن الشوارع التي عرفها جيدا، وعن السهول الطليقة وبينما يمر في السنين لم يستطع الهرب حتى خلال نومه، ومهما كان يحلم بما سوف يدور في السرداب. في البدء، كان الرجل مطاردا، وحياته في خطر وفيما بعد [لن نعرف أبدا على وجه التأكيد]، حيوان في سلامة ملجئه أو نوع من إله غامض.

    ولقد انتهى كل ذلك في يوم من صيف عام 1852 عندما رحل روساس عن البلاد. عندها فقط أمكن لذلك الرجل السري أن يخرج في ضوء النهار، وقد تحدث جدي معه. رخواً كان سلفادورز، زائد الوزن، وفي لون الشمع، ولا يمكنه الحديث إلا بصوت واهن. لم يعد أبدا إلى أرضه المصادرة وأظنه مات فقيراً.

    وبينما يصدمنا مصير بدرو سلفادورز، فإنه رمـز لشيء ما كنا على وشك أن نتفهمه، لكن يبدو أننا لن نفعل أبدا.
                  

11-21-2004, 01:25 PM

محمد صالح علي

تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 524

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خورخي لويس بورخيس (Re: محمد صالح علي)

    هول المرايا

    في قصيدة بعنوان المرايا يمفصل خورخي لويس بورخيس عناصر تجربة الصنو، حيث يقول في مطلعها
    أنا الذي كابدت رعب المرايا

    كما يحكي في هذه القصيدة الأوتوبيوغرافية عن الخوف الذي كان ينتابه أمام المرايا الكبرى، وعن التجربة الرهابية و الفزع من كل ما يكرر الواقع ويضاعفه بشكل شجي حينها كان الكاتب يتضرع الى الله في كل مساء كي لا يحلم بالمرايا، وكان يرقبها في ضيق مخافة أن يراها تنزاح فجأة عن الواقع وكان خوفه هذا شبيها بخوف القدماء من التماثيل فقد كانوا يخشون المباعدة بين ساقي التمثال حتى لا يهرب، كما جاء في بعض الأساطير وفي أسطورة بيجماليون

    ويقدم بورخيس في نص قصير بعنوان المرايا المغطاة اعترافاً يصعب الحسم في ما إذا كان حقيقياً أو مختلقا إذ يحكي أنه في العام 1927 تعرف الى فتاة كئيبة وعيناها مخيفتان من شدة الاتساع لم يكن بينهما حب ولا ما يوهم بذلك، غير أنه كان يتوسم فيها قوة لا علاقة لها بالشهوة الجنسية، وهذا ما كان يفزعه، ويبدو له نذير حمق ولكي يكسب ودها قرر ذات يوم أن يحدثها عن خوفه من المرايا

    حكيت لها سنة 1928 عن هلوسة ستتضخم سنة 1931 وقد علمت مؤخراً أنها أصيبت بالجنون فهي تغطي المرايا في غرفة نومها لأنها ترى فيها انعكاسي يغتصب انعكاسها، ولا تملك إزاء ذلك إلا الارتجاف والصمت تقول إني أُلاحقها بشكل سحري

    وبورخيس ماهر في اللعب بموضوعه المفضل وجوده الشخصي المتخيل يقول أنا حلم شخص آخر لأن الانعكاس الذي يغتصب انعكاساً آخر في المرآة هو بمثابة هوية تذوب في حال من الجنون كما أن سحر المرايا والتطير منها وتغطيتها في أوقات الحداد، كل ذلك من مؤشرات الجنون

    ومن الثيمات البارزة في قصيدة المرايا تكاثر الكائن المتخيل وما ينجم عن ذلك من اختلال في عدد الناس ثمة كائن يشغل فضاء مستحيلا فيكرر العالم ويضاعفه ورغم أنه من المفروض أن يكون خارج العالم بما أنه يكرره إلا أنه يبقى جزءاً منه هكذا يصير التكرار جزءاً لا يتجزأ من المكرَّر

    من كل هذا التموج والتعاكس الشائه في المرايا، وفتنة الانشطار، والتباس الحقيقة بالوهم، ودوخة التبادل اللامتناهية، والقلب التناظري لكل الأشياء، وانعدام الثبات، والتطواف المزوبع، من كل هذا التناظر السائد يتشكل العالم الباروكي ذلك أن عالم الباروك ليس أحادي الجانب بل هو تناظري ومتأثر بذلك الخط الذي ينبثق منه الانعكاس لقد ظهر الباروك في عالم متروك لفوضى المحاكاة، ولم يتمكن العصر الكلاسيكي من احتواء هذه الفوضى إلا بتخيل نقطة مطلقة لا متماثلة، نقطة أرخميدية، هي كوجيطو اليقين الرياضي ومع ذلك فإن الرؤيا الباروكية لعالم تناظري، مأخوذ بقوة التقليد، تتطور تطوراً طبيعياً والخط الذي ينطلق منه الانعكاس هو خط المرآة

    المرآة العصية على الاختراق

    فيها ينتهي ويبدأ مهجوراً

    الفضاء المستحيل الآهل بالانعكاسات

    إنه فضاء مستحيل لأنه يبدأ وينتهي من نفس النقطة الهندسية فضاء بدون سُمك هو في غير متناول أيدينا لكنه يتحدانا فضاء بدون أي امتداد حقيقي، مأهول بكائنات عجيبة ومزعجة قادرة على سكن ما لا يسكن هذا الفضاء العصي على الاختراق، والذي تسكنه الانعكاسات، ينعته لا كان Lacan بـ الحاجز الزجاجي وهو حاجز وهاوية في نفس الآن بحكم أنه يجعل الكون لا متناهيا يكتب بورخيس

    يدهشني وجود الأحلام والمرايا

    وذلكم الرصيد المعهود المنهوك

    الذي يحتوي الكون في كل يوم

    عميقاً وهمياً

    منسوجا من الانعكاسات

    هو ذا مصدر كل حيرة فبورخيس يقول إنه يندهش لكن هذا الفعل ضعيف جداً وهنا ينضاف الرعب الرهابي والدوخة الذهنية، لدى هذا الميتافزيقي الذي ينزعج من الحقائق المتخيلة، الى الرعب اللاهوتي المقدس الذي يستفظع أعمال الشيطان ويرى في المحاكاة عملا شيطانياً

    كيف يعقل أن يحتوي الكون صنوه؟ وكيف له أن يسع تكراره الخاص؟

    الكون لا متناه بإمكاننا أن نضاعفه دون أن ننميه وهذا كما يقول راسل عمل شائن بالنسبة لعاداتنا الذهنية ذلك أن عالم الانعكاسات المستحيل والثابت يضاعف العالم الواقعي دون أن ينميه ثم إنه هو نفسه جزء من هذا العالم ما دامت هناك انعكاسات للانعكاسات وفكرة وجود حقائق متخيلة تشكل نظائر لكائنات واقعية هي بدورها أجزاء من مجموع الكائنات الواقعية ­ هذه الفكرة تبعث على القلق

    ربما كانت الحيرة المنطقية ترتبط في العمق برعب رهابي أو مقدس نابع من البشاعة الفائقة فهل من قبيل الصدفة أن يتم تحديد كل مفارقة يصعب إلغاؤها، في مجال المنطق، بهذا المصطلح (monstrousit)؟ إن الطبيعة القربانية للاستعارة واضحة وشفافة والحيرة المنطقية والميتافزيقية تضاف الى تراجيديا الأنداد في مضمار اللامعقول حيث ينتفي مبدأ الهوية والمحاكاة تفحم الهوية هنا مبعث الرعب ومكمن السر ولذلك لا موجب لأن نكون نحن أيضا انعكاسات

    وتبرز المحاكاة الحقيقية لا الاستشباحية في تلك الأسطورة الصينية التي يوردها بورخيس في كتيب علم الحيوان العجيب حين يقول

    في ذلك الزمن البعيد لم يكن عالم المرايا وعالم البشر معزولين عن بعضهما كما هو الحال في أيامنا هذه وكانا فضلا عن ذلك مختلفين جدا لم تكن الكائنات والألوان والأشكال تتطابق في ما بينها كانت كل من مملكة المرايا ومملكة البشر تعيشان في سلام وذات ليلة اجتاح سكان المرايا الارض كان بأسهم قويا لكن بعد معارك دامية انتصرت فنون السحر التي سخرها الامبراطور الاصفر فبعد أن دحر الغزاة وسجنهم في المرايا فرض عليهم أن يقلدوا، كما لو أنهم في حلم، كل أفعال البشر، وجردهم من قوتهم ووجوههم، وجعلهم مجرد انعكاسات حقيرة ومع ذلك فإنهم في يوم ما سيزعزعون هذا السبات السحري وستكون السمكة هي أول من يستفيق منهم بعد ذلك ستأخذ الاشكال الأخرى في الاستيقاظ لن يختلفوا عنا إلا قليلا، وشيئا فشيئا سيكفون عن تقليدنا سيحطمون حواجز الزجاج والمعدن ولن يهزموا هذه المرة

    إنها طريقة أخرى لفهم انزياح المرايا وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال تكاثر الصور بمجرد أن تغدو المرايا غير متوازية بل يعني انعتاقها وتحررها لأن المرايا هي مصدر كل تهديد مداهم فهي آهلة بكائنات أسيرة جمال ساحر، محكوم عليها بالتقليد غير أنها ستظهر في عالمنا بعد أن تحطم المرايا وهذا ما تعبر عنه الأسطورة ­ الصينية ­ بكيفية ملتوية لأن الانعكاس حالة تخضع لها الغيلان بواسطة سحر آسر، قبل أن تشرع لا شعوريا في الاختلاف والانعتاق الذي يوقفها عند تخوم الحاجز الزجاجي، وآنذاك سينكشف الغول من خلال حركاته الإيمائية لكننا كلنا إيماءات وغيلان معوقة تحت تهديدات خفية وكائنات متخيلة مثل كل الانعكاسات يكتب بورخيس

    لقد خلق الله الليالي التي

    تنجب الأحلام وأشكال المرايا

    حتى يشعر الإنسان

    بأنه هو الآخر انعكاس وتباه

    وبهذا نحن منذرون

    إن الدمج المدوخ اللانهائي للكائن المتخيل انعكاس المرآة في العالم الواقعي هو مبدأ كل ما يذوب في الإبعاد القرباني إذ يكفي أن ينضاف كائن آخر ليصبح كل شيء خيالياً لأن هذا الكائن الإضافي يجعل من الكل، بحكم أن مبدأه قائم على انعدام الحدود، كائنات إضافية كما أن التخيل هنا يجعل العالم الذي يحتويه خياليا إذن من واجب العالم أن يبعد التخيل لأنه كلما تمادى في ذلك تضاعفت تهديدات الصنو كما أن تخيل فضاء مستحيل يساهم في عزل العنصر اللاواقعي ويعمل على دمجه في نفس الوقت كما لو أنه سند العالم

    وحين يشتد الرعب من عدم القدرة على تمييز الصنو يستعمل بورخيس المصطلحات الشرعية canoniques التي تعكس الرعب المقدس واللعنة والغضب اللاهوتي من قبيل رجس ­ عار ­ مكروه الخ

    وهذا قاموس متداول في نصه، ويبرز الصلة القائمة بين مصادرة مبدأ التخيل العجيب وأساس اللاهوت

    لقد كان اللاهوت خطاباً مفارقاً على الدوام، وإبعاداً قربانياً للمقدس، أي إبعاد الإبعاد، ومازال في العمق مرتبطاً بتناقض يتضح فيه حد المفارقة من خلال الهرطقات الصوفية كما أن لاهوت السر هو مصدر المفارقات بالنسبة للفكر والخلط المثير في محكيات بورخيس، بين المنطق واللاهوت، ناشئ عن ارتباطهما معاً بالمفارقة

    وإذا كانت الأشياء السحرية مثل المرآة قبل أن تصبح رمزاً أدبياًَ قد تصلح ثيمة عجيبة، فذلك لأنها من الطرائق المفضلة لعرض آثار المحاكاة غير أن المحاكاة، لا المرآة، هي منبع السحر والعجيب الذي تعبر عنه الثيمات العجيبة بشكل رمزي

    المصدر بتصرف

    Raphael lellouche, (Borges ou l'hypothse de l'auteur)

    Ed: Balland - Paris . 1989.

    رافائيل لولوش
    ترجمة عزيز الحاكم
    الجريدة اليومية - العلم - المغرب

    (عدل بواسطة محمد صالح علي on 11-21-2004, 07:16 PM)

                  

11-22-2004, 08:28 AM

محمد صالح علي

تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 524

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خورخي لويس بورخيس (Re: محمد صالح علي)

    " استدراج "

    بورخيس الحالم

    (1)

    ربما كان من المناسب عندما تفكر ببورخيس أن تكون بين الحلم واليقظة ، هذا ما يقوله ويليس بارنستون مؤلف كتاب (بورخيس ، مساء عادي في بيونس آيرس). ذلك أن بورخيس قد تأثر منذ بداياته بالفيلسوف التاوي شوانغ تسوالذي حلم يوما بأنه فراشة، وعندما استيقظ لم يعد متيقنا ما إذا كان هوشوانغ تسويحلم بأنه فراشة، أم أنه فراشة تحلم بأنها شوانغ تسو، فيقول بورخيس في قصيدة (حلم)

    (أنا كل الآخرين وربما لا أحد.أنا الآخر الذي لا يعرف من أنا، الذي نظر الى ذلك الحلم الآخر، إلى يقظتي)

    يؤكد بورخيس على أهمية الحلم بالنسبة له ويقول في إحدى المرات انه قد أصبح عادة، ثم يعود فيؤكد (لقد أصبح الحلم مهنتي). لذا فقد اخترع لأحلامه شخصيات مثل ديكارت في بحثه عن الحقيقة، إذ يتداخل ديكارت الفيلسوف مع بورخيس ، ليثير شكوكه.

    (ربما لم يكن لدي أمس، ربما لم أولد.

    ربما أحلم بأني حلمت.

    أشعر بالبرد قليلا،قليلا أشعر بالخوف، إنه الليل على الدانوب،

    سوف أستمر حالما بديكارت)....

    وعلى الرغم من أن بورخيس كان يعتبر الأحلام عملا جماليا - ربما من أكثر الأعمال الجمالية قدما- إلا أنه لا يميل إلى الأعتقاد بأنه يمنح في الحلم أزلية صغيرة تسمح له برؤية الماضي القريب والمستقبل القريب ، إذ يفضل اعتبار الحلم عملا دراميا ، يكون الحالم فيه المسرح والمتفرجين والممثلين والقصة.

    وقد اشتغل بورخيس على الأحلام كثيرا ، ليس في قصائده فقط ، بل وفي قصصه حيث كتب قصصا مبنية تماما على الحلم ، ربما كان من أكثرها مثارا للرعب - بالنسبة لي- قصة راغنا روك في كتابه (الصانع)، التي يبدأه بمقولة كوليرج عن أن الأحلام تمثل الصور في الأحلام الأحاسيس التي نتصور أنها تبعثها، والقصة تروي حلما عن آلهة غابرين يعودون للحياة، لكن الجموع تكتشف أنها آلهة مزيفة، شريرة، فتبدأ باطلاق النار عليها.

    (2)

    ربما كان لعمى بورخيس دور في تشبثه بالحلم ، إذ أنه وظف الرؤية في غياب البصر، ومنحه عماه الخلوة، ومعنى آخر للوقت، وشوش عنده التمييز بين مستويات الوعي،وأدخله في مدارات متداخلة من الحلم واليقظة، حتى أنه كان يكرر عندما يكتب إحدى قصائده أنها جاءته في الحلم وأنه مجرد ناسخ لها.

    (ربما لم يكن لدي أمس ، ربما لم أولد.

    ربما أحلم بأني حلمت).

    فقد عانى الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس المولود في بيونس آيرس في 24/8/1899 وتوفي في جنيف 14/6/1986 ، من ضعف في البصر منذ الطفولة ، وأصيب بانفصال في الشبكية في الخمسينيات مما أدى إلى فقدانه البصر في عينه اليسرى، بينما ظل محتفظا بتموجات من اللون الأصفر تكفيه لقراءة ساعته من مسافة قريبة في عينه اليمنى.

    وعلى الرغم من عماه، وعدم قدرته على التمييز بين الألوان إلا أنه يقول أنه (يحلم بالألوان ، ألوان عميقة للغاية).

    لذا فقد ظلت أحلام بورخيس خالدة تماما كأعماله التي أنتجها ولعه بالحلم، الحلم ذلك الذي ظن أنه إذا ما أعاد سرده فانه لا شيء.

    بشرى خلفان

    عن موقع صحيفة الوطن
    الوطن.كوم

                  

11-22-2004, 12:34 PM

طلال عفيفي
<aطلال عفيفي
تاريخ التسجيل: 06-20-2004
مجموع المشاركات: 4380

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خورخي لويس بورخيس (Re: محمد صالح علي)



    محمد صالح ..

    ها هو نوفمبر,
    وها هي الاسكندريه توحشني .

    فيها عرفت أن في العالمين رجل اسمه بورخيس , فاحببته
    وسكن خيالي .
    قرأته والبرد يستدير حول جسدي والى أنفي تتصاعد رائحة
    النعناع والشاي .
    كان عمري حالما والبحر كان كبيرا زي نافذه أسطوربه .
    كنت أحلم بالسفر الي اليونان وأن أرتدي قميص أبيض
    كم طويل وأتزوج يونانيه .

    أيامها كنتم حولي : أنت ومحمد السر والريح كودي وطارق
    خوجلي وماهر , وكان عمري شديد الاخضرار ..

    ترى كيف حال المدينه الطيبه .
    ما أخبار البحر والساحل ,
    زالمطر الشتوي ,
    والحزن الخفيف زي الشاش .

    محمد ..
    عمري عندكم ..
    فاحفظه لي .


    ...
    طلال
                  

11-23-2004, 07:25 AM

محمد صالح علي

تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 524

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خورخي لويس بورخيس (Re: طلال عفيفي)

    هي الاسكندرية يا طلال .. عرفت فيها بورخيس
    والمركز الثقافي الاسباني
    ومركز دانتي الجيري وجوته والبريطاني و الالماني
    والجوزويت والروسي والاتيليه وقاعة المؤتمرات
    والنادي النوبي و مسرح الأنفوشي ومكتبة الاسكندرية
    وقهوة البوابين والكرستال وثقافة الشاطبي وثقافة سيدي جابر
    والفرنسي ومسرح سيد درويش ( صار الاوبرا الآن يا طلال )
    والمسرح الروماني وكتب شارع النبي دانيال الرخيصة
    وجماعة المسرح البديل
    عرفت كل هذا و بالمجان
    عرفت نفسي والاصدقاء المصريين ...وعم حجاج ...ماهر ... ايهاب
    محمد السر ... الريح ... ايهاب علي ... طارق ...قاسم ... أمين اسماعيل
    سيد عابدين (عليه الرحمة ) ... طارق داؤود ... الصادق ... عاصم جريس
    وكامل ... أولاد هندسة ( امين اسماعيل كان يقول لهم دائما : بسحروكم )
    والكثير من الاصدقاء والصديقات ...و كلهم علموني ... لهم الحب
    وعرفتك أنت يا طلال
    لك الحب

    الاسكندرية مازالت صبية
    ونوسه هنا ... أصاب المدينة ما أصابها ياطلال
    ولك أن تتخيل التسكع فيها ويدك علي خصر الحبيبة
                  

11-28-2004, 07:01 AM

sympatico

تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خورخي لويس بورخيس (Re: محمد صالح علي)

    محمد صالح

    شكرا على هذا البوست الجميل

    وهذه واحدة من جكاياه استوحاها من السودان

    مرآة الحبر - حكاية من السودان كتبها بورخيس


    مرآة الحبر
    للكاتب الارجنتيني
    خورخي لويس بورخيس
    ترجمة ابراهيم الخطيب

    يعرف التاريخ أن أشد حكام السودان قسوةً كان يعقوب العليل، الذي سلم بلاده لظلم جباة الضرائب المصريين، ومات في إحدى غرف القصر في اليوم الرابع عشر من شهر برمخات سنة 1842. يلمَح البعض إلى أن كاتب الرقي عبدالرحمان المصمودي أجهز عليه بخَنْجر أو دس له السم، بيد أن الموت الطبيعي هو ما يبدو محتملا – إذا كان الرجلُ يعرف بالعليل. ومع ذلك فقد تحدث النقيب ريتشارد فرانسيس بورتون إلى كاتب الرقى المذكور سنة 1853 وحكى بأنه روى له ما أنقله هنا:
    "حقيقة عانيت الأسر في قصر يعقوب اللعيل، بسبب المؤامرة التي دبرها أخي إبراهيم، والنجدة الخادعة الباطلة التي قدمها زعماء زنوج كردفان، الذين وشوا به. مات أخي ضرباً بالسيف، على جلد دم العدالة، بيد أني ارتميت عند قدمي العليل البغيضتين وقلت له بأني كاتب رقي وأنه لو أبقاني على قيد الحياة لأريته أشكالاً وأطيافاً أشد روعة من تلك التي تصدر عن فانوس الخيال السحري. طالبني ببرهان في الحين فالتمست قلماً من قصب، ومقصاً، وورقة كبيرة من ورق البندقية، وقَرْنَ مداد، ومجمرة وبذور كزبرة، وأوقية من لبان الجاوي. قطعت الورقة إلى ستة سيور مستطيلة، فكتبت طلاسم وأدعيةً في السيور الخمسة الأولى، وكتبت في السير الباقي هذه الكلمات التي وردت في القرآن الكريم: "وكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد". بعد ذلك رسمتُ مربعا سحرياً في يمين يعقوب وطلبتُ منه أن يجوِّفها ثم صببت دائرة من الحبر في وسط المربع. سألته عما إذا كان يبصر رسمه في الدائرة بوضوح فأجاب مُنعماً. قلت له بألاَّ يرفع عينيه. أشعلت لبان الجاوي والكزبر ثم أحرقت الأدعية في المجمرة. طلبت منه أن يسمي الهيأة التي يريد رؤيتها ففكر ثم قال لي بأنه يريد رؤية فرس متوحش من أجمل ما يرعى في المراعي المتاخمة للصحراء. نظر فرأى الحقل الأخضر الساجي ثم أبصر فرسا يدنو، خفيف الحركة مثل فهد، وعلى غُرته نجمةٌ بيضاء. طلب مني رؤية قطيع أفراسٍ في كمال الفرس الأول فرأى في الأفق سحابة غبار مديدةً ثم القطيع. أدركت إذ ذاك أن حياتي أصبحت في مأمن.
    "بمجرد ما بزغ ضوء الفجر، دخل جنديان إلى زنزانتي وقاداني إلى غرفة العليل، حيث كان البخور والمجمرة والحبر في انتظاري. هكذا شرع يطالبني وأخذت أعرضُ عليه جميع أطياف العالم. لقد كان في يد هذا الرجل الفاني، المبغض إليَّ، كل ما رآه الرجال الأموات وكل ما يراه الأحياء: المدن، والمناخات، والممالك التي تنقسم الأرض إليها، والكنوز المخبأة في المركز، والسفن التي تعبر البحر، وعدة الحرب والموسيقى والتشريح، والنساءُ المليحات، والنجوم الثابتة والكواكب، والألوان التي يستعملها الكفار في رسم لوحاتهم الدنيئة، والمعادنُ والنباتات التي تنطوي على أسرار وفضائل، وملائكةُ الفضة الذين يقتاتون من مدح الله وتسبيحه، وتوزيع الجوائز في المدارس، وتماثيل الطيور والملوك الموجودة في قلب الأهرامات، والظلُّ الذي يصدر عن الثور الذي يحمل الأرض وظلُّ السمكة التي أسفل الثور، وصحارى الإله الرحيم. رأى أموراً يعجز عنها الوصف، مثل الشوارع التي تضاء بالغاز ومثل الحوت الذي يلقى حتفه إذا سمع صراخ الإنسان. ذات مرة أمرني بأن أريه المدينة التي تدعى أوروبا فأريته الرئيسي من شوارعها وأظن أنه في خضم نهر الرجال ذاك، وكلهم تزين بالسواد وبعضهم حمل منظاراً، أبصر وجه المقنَّع للمرة الأولى.
    "منذ ذلك الحين، تسربت تلك الصورة إلى المرئيات، تارةً في زي سوداني، وتارة في بدلة موحدة، وفي جميع الأحوال كانت تتدلى على الوجه قطعة ثوب. لم يكن يتخلفُ، ولم نخمن من يكون. ومع ذلك فأطياف مرآة الحبر، التي كانت موقوتةً وثابتة في البداية، غدت الآن أكثر تعقيداً. لم تكن تتأخر في تنفيذ أوامري وكان المستبد يتتبعها بوضوح.
    من المؤكد أننا كلانا تعودنا على الإرهاق الذي يعقب ذلك، وكانت الخاصية الفظيعة للمشاهد منبعاً آخر للتعب فلم تكن غير عقوبات، وحبال، وعمليات بتر، ملذات للجلاد والقاسي.
    "هكذا نصل إلى فجر اليوم الرابع عشر من شهر برمخات. لقد رُسمت دائرة الحبر في الكف، وألقي لبان الحاوي في المجمرة، وأحرقت الأدعية. كنا بمفردنا. وأمرني العليل بأن أعرض عليه عقاباً عادلاً متعذر الاستئناف، لأن قلبه كان، في ذلك اليوم، يتشهى رؤية موت. أريته الجنود بطبولهم، وجلد عجل ممطوطاً، والأشخاص الذين يسعدهم النظر، والجلاد بيده سيف العدالة. تعجب عند رؤيته وقال لي: "إنه أبوقير منفذُ حكم الإعدام في أخيك، وخاتم مصيرك عندما يُوهب لي علم استدعاء هذه الهيآت دون معونتك". طلب مني استقدام المحكوم عليه، وعندما أحضروه بهت، إذ كان عين الرجل المتعذر الشرح ذي الثوب الأبيض. أمرني أن يُنزع قناعه قبل قتله فألقيت نفسي عند قدميه وقلت: "آه يا ملك الزمان وجماع العصر وجوهره. ليس هذا الوجه مثل بقية الوجوه، فلا نعلم اسمه ولا اسم أبويه ولا اسم المدينة التي هي وطنه، لذلك لا أجرؤ على مسه حتى لا أرتكب جريرة يجب أن أحسب حسابها".ضحك العليل ثم أقسم، بحق السيف والقرآن، أنه سيحتمل تبعات الإثم، إن كان هنالك من إثم. عندئذ أمرت بأن ينُضى المتهم من ملابسه ويربط إلى جلدالعجل الممطوط وينزع قناعه. نفذت هذه الأوامر فتمكنت عينا يعقوب المرتعبتان من رؤية ذلك الوجه أخيرا – فكان وجهه هو. تلبسه الخوف والجنون، فأمسكت يمينه المرتعشة بيميني التي كانت ثابتة، وأمرته أن يواصل التحديق إلى طقس موته. كان قد أصابه مس من المرآة، فلم يحاول حتى رفع عينيه أو بعثرة المداد. وعندما انهال السيفُ في المشهد على رأس الجاني، انتحب بصوت لم يُثِر شفقتي ثم تدحرج على الأرض، ميتا.
    "فسبحان الحي الذي لا يموت، من بيده مفاتيح الغفران اللامحدود والعقاب اللامتناهي".

    من مجموعة " الدنو من المعتصم " لبورخيس "
    ترجمة ابراهيم الخطيب
    منشورات نجمة 1992م طبعة اولى

    جدير بالذكر أن " مرآة الحبر " هي ايضا عنوان لمجموعة قصص لبورخيس ترجمها محمد عيد ابراهيم.وصدرت عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بمصر 1996م
                  

12-02-2004, 10:44 AM

محمد صالح علي

تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 524

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خورخي لويس بورخيس (Re: sympatico)

    شكراً لك ايضاً ياسيمباتيكو

    مثلك أري أن بورخيس يستحق أن يُعرف أكثر
    (أقصد في ترجمته العربية )

    لك الود
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de