|
|
 الفظيع.. والفظيع جدا في تلفزيون الكويت
|
سليم عزوز
الموت يلغي الخلافات، وينهي البغضاء، والميت لا تجوز عليه سوي الرحمة، وهذه من شيم العرب، التي تميزهم عن العجم، ولو حدث واستجاب الله لدعائي ورقد صفوت الشريف علي رجاء القيامة، فسوف أدعو له بالرحمة، ولو لم يكن مصدقا ذلك فعليه أن يجرب ويموت!.
لكن من الواضح أن (بعض) الأشقاء في الكويت، لم يعودوا يتحلون بهذه الخصلة الحميدة، التي تميز العرب العاربة والمستعربة عن الفرنجة، ربما بسبب حب هؤلاء (البعض) وهيامهم بالفرنجة، واحتكاكهم بهم، إلي درجة أن أحدهم أنجب طفلا فسماه بوش، ولا تثريب عليه، وعلي هؤلاء (البعض)، فالناس فيما يعشقون مذاهب، وقد يختلف الكثيرون معهم، ويرون فيما فعله صاحبنا شيئا أمرا، لكن من يطلع علي الأغنية التونسية الشهيرة: لاموني اللي غاروا مني، سوف يستوعب الأمر، تلك الأغنية التي نقلها إلي خارج حدود تونس لطفي بوشناق، والذي عرف بها وعرفت به، ثم وقفنا علي أنها تنتمي إلي التراث التونسي. وملخص هذه الأغنية وتفسيرها أن المرء قد يعشق قرد قطع، ويحب واحدة في هيئة كونداليزا رايس، ومن النوعية التي لا يكاد المرء ينظر إليها حتى تتملكه العفة، ويفقد الرغبة في بنات حواء، لكنها تكون، ومع ذلك، في نظر العاشق حورية من الجنة، أو في جمال ديانا عليها رحمة الله!
العاشق التونسي حل هذه الإشكالية، بأن طالب لائميه في الهوي، بأن يأخذوا عينه لكي يروا بها، لأنه علي ثقة من أنهم إذا فعلوا هذا، فسوف يرون ما يراه، وسوف ينظرون إلي القرد الذي أمامهم علي أنه غزال، فعين المحب تختلف عن أي عين، وليس عينه فقط، بل كل حواسه، وقديما قال القائل إن بصلة المحب خروف.
لا تثريب علي (بعض) الأشقاء في الكويت، أن عشقوا بوش الأب وبوش الابن، وذابوا وجدا وصبابة في الأمريكان، فهم لهم عذرهم، لكن المشكلة أو الإشكالية كما يقول أهل التنظير الاستراتيجي، الذين تزخر بهم شاشات الفضائيات العربية، في أن تنتج عن الحب، والهيام، والاحتكاك، حالة من التوحد تجعلهم يتخلصون من عاداتنا العربية الأصيلة، وأهم ما يميزنا عن الفرنجة الأمريكان والفرنجة في أي زمان ومكان، ومن بينها إجلال الموت، والنظر إليه بحسبانه يلغي ويشطب بأستيكة الخلافات والنزاعات ما ظهر منها وما بطن، ويذيب الخصومات، علي أساس أن الميت لا تجوز عليه إلا الرحمة، حتى ولو كان الميت هو المشلوح صفوت الشريف، وكان الحي هوانا مع ما احمله من حقد دفين علي المذكور، ليس لأنه في كل هذه الاملة، وكل هذه اليغمة متمثلة في متع الحياة الدنيا التي يرفل فيها، ولكن لأنني حاقد عليه لشياكته، وإقباله علي الملابس الفاقع لونها، وتصابيه، مع انه في عمر جدي عليه السلام!
أصل الحكاية هو ما قالته قناة العربية من أن هناك أزمة في الكويت بسبب عرض التليفزيون الكويتي (الرسمي) تقريرا عن الرئيس عرفات بعد إعلان وفاته، حيث هز أحد النواب طوله وصال وجال، وهاجم وزير الإعلام، ووصف التقرير بأنه مستفز. وواضح أن النائب لم يكن وحده، وإنما كان معه آخرون، في جلسة للبرلمان لم نتمكن من مشاهدتها، والاستمتاع بسماع النواب البواسل، وهم يديرون حرب داحس والغبراء، علي زعيم هورمز للقضية الفلسطينية وبحجم ياسر عرفات، فضلا عن أن الحرب كانت وهو بين يدي ربه، وتقاليدنا العربية ـ كما ذكرت ـ تذيب الخلافات وترفع الخصومات، في مثل هذه الحالة لما للموت من جلال!
قناة العربية نسبت ما حدث إلي أعضاء في مجلس النواب، رفضوا أن يصف (تليفزيون الكويت) عرفات بالقائد العظيم المناضل، بينما هو في الواقع وحسب رأي هؤلاء النواب وجه آخر للديكتاتور (البائد) صدام حسين. احد النواب ـ والكلام للعربية ـ طالب وزير الإعلام بالاعتذار (فورا) للشعب الكويتي، ووصف (تليفزيون الكويت) بأنه استخف بعقول المشاهدين، ولم يراع مشاعر أهالي (الأسري) الذين طالتهم يد الغدر بمباركة عرفات، وطالب سمو النائب الوزير بالاعتذار عن هذا الخطأ الفظيع، حسب وصفه، والفظيع جدا حسب رأينا!.
وقلت في عقل بالي لا بأس فصاحب الحق قوي، والمذكور هو نائحة ثكلي، وليس من النوع المستأجر الذي تزخر به الساحة الإعلامية من المحيط الهادر إلي الخليج الثائر، وظننت ـ يا قراء ـ أن الحدة في الرد، فضلا عن الدموع الموسمية التي تنزل كما السيل الجارف أمام عدسات المصورين، والمطالبة المؤثرة: لا تنسوا أسرانا .. ظننت لهذا أن موضوع الأسري جد وليس بالهزل، لكن بعد دخول قوات الغزو بغداد، ثبت أنه فيلم من النوع سالف الذكر، فقد سكت أشقاؤنا في الكويت عن الحديث في موضوع الأسري، ولم نعد نطالع الإعلانات مدفوعة الأجر في الصحف، ولعل احمد الجلبي هو أول من تنبه لذلك، فصرح ذات مرة، في إطار فيلم المقابر الجماعية، انه تم العثور علي مقبرة جماعية لأشخاص يضعون الدشداشة علي الطريقة الكويتية، ويحتمل أن يكونوا من الأسري الكويتيين، لكن أحدا لم يهتم بما قال، ربما لأن الاستعانة به من اجل إخراج هذا الفيلم مكلفة للغاية، فكان الصمت هو الخيار الاستراتيجي، وربما لان القوم لم يكن يعنيهم شيء بعد سقوط صدام حسين، حتى وأن ثبت أنهم شغلوا الدنيا بقضية فالصوا! لكن النائب الكويتي ذكرنا من جديد بفيلم الأسري، عندما قال إن التقرير الذي عرضه التليفزيون الرسمي في بلاده لم يراع مشاعر أهالي الأسري. وكأنه كان نائما طوال الفترة التي تلت سقوط بغداد، والتي ران فيها صمت عميق علي هذا الفيلم، وعاد سموه من جديد ليتحدث عن الأسري وأهاليهم ومشاعرهم النبيلة، وأخشي أن نطالع إعلانات في وسائل الإعلام من جديد تشحتف قلوبنا علي الأسري.
وإذا كان لا يغني حذر من قدر، فإنني ألفت الانتباه إلي ضرورة البحث عن عبارة أخرى غير عبارة لا تنسوا أسرانا ليجعلوها شعارا لحملتهم، لأن هذه العبارة تحولت إلي نكتة، ويتم استخدامها كـ (قفشة)!
أنني أخشي أن تتحول قضية غزو الكويت إلي محرقة كتلك التي حدثت لليهود في الحقبة النازية، تدفع الإخوة في الكويت إلي مطالبة الدول باستحداث تهمة والنص علي عقوبة لها اسمها معاداة الكوايتة علي وزن معاداة السامية.
ففضوها سيرة والنبي، ليس في موضوع الأسري، ولكن في ملف الغزو برمته، ومن لم يستطع النسيان، فمستشفي أبو العزايم يمكن أن يقوم بالمهمة.
* نقلا عن جريدة "القدس العربي" اللندنية
|
|
 
|
|
|
|
Adrob wad Elkhatib
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست