|
عن مبارك الفاضل.. الشراكة وتداعياتها إلام تقود؟
|
التداعيات التي رافقت إقالة الأستاذ مبارك الفاضل المهدي من منصبه كمساعد لرئيس الجمهورية تستدعي وقفة تحليلية لمجمل الحراك السياسي المصاحب لعملية الإقالة وتقتضي بحثا في كواليس الأزمة التي تبدو أكبر من مجرد أزمة عابرة بين حزب المؤتمر الوطني وأحد شركائه في الحكم. وعوضا عن الشماتة التي سيظن بعض أنني سأحملها لمبارك بحكم خلافات سابقة عندما كان الحزب موحدا، سأحاول قدر جهدي أن أكون أمينا في تلمس جوانب الأزمة وتحليلها لأنها تنضاف إلى إشكالات شبيهة لطالما رافقت مسيرة نظام الإنقاذ وطبعت تحالفاته مع بعض القوى بطابع براغماتي صارخ يجعل من الصعب شق طريق تفاوضي بين الخرطوم ومناوئيها إلا برقابة دولية خصوصا أن التجمع الوطني المعارض يحضّر لجولات مباحثات قد تنتهي بتحقيق تقدم ملموس. لا شك أن حزب الأمة (الاصلاح والتجديد) ارتكب أخطاء لا تغتفر أكبرها على الاطلاق الشراكة مع المؤتمر الوطني. فالخطوة التي باعدت بين هذا الحزب وحزب الأمة بقيادة السيد الصادق المهدي قد تكون مسوغة ومقبولة فكريا وسياسيا، لأن عثرات حزب الأمة وأخطاءه وخطاياه لا تحصى (ولا يمكن تبرئة الأستاذ مبارك أيضا في هذا السياق كونه كان قياديا بالحزب). ومن حق الكثيرين الاختلاف مع قيادة حزب الأمة التي وقعت هي الأخرى في أخطاء (قاتلة) في السنوات الأخيرة. بل ومن الممكن تبرير الخروج من الحزب وتشكيل حزب جديد وفقا للمعادلات السياسية القائمة حاليا داخل حزب الأمة، وهي معادلات تجعل من أي توجه اصلاحي مهمة شبه مستحيلة. لكن الأستاذ مبارك عوضا عن اتجاهه لتشكيل تيار اصلاحي حقيقي وتأطير دعوة "ناضجة" للتجديد والتغيير، اختار أيسر الدروب وأسهلها. فطريق الاصلاح الذي اختصره مبارك ومشايعوه في لافتات "براغماتية" حملتهم دفعة واحدة إلى أروقة القصر الجمهوري، يتسع لجدل فكري وحوارات سياسية هي أبعد ما تكون عن مشروع سياسي يتقاطع مع أي مشروع للإسلاميين السودانيين. وهذه هي سقطة مبارك الكبرى، كما أنها كبوة ستظل عالقة بالأذهان لفترة طويلة بحق سياسيين شبان كان الطريق ممهدا أمامهم لاحداث تغييرات جذرية في حزب الأمة. دفع حزب الأمة (الاصلاح والتجديد) فاتورة الخلافات داخل المؤتمر الوطني، ورهن مصيره السياسي بالنزوات الشخصية لكبار المسؤولين في الحكومة. وكان يتعين على الأستاذ مبارك قبيل اقتحامه المستنقع الحكومي ألا يحرق أوراقه السياسية كلها، وألا يعتمد على "صدقية" الحكومة المنخفضة أصلا. وكان عليه أن ينظر مليا فيما حل بحلفاء المؤتمر الوطني السابقين، إذ لم تخل الشراكات السياسية كلها التي عقدتها الانقاذ مع منظومات سياسية من مزالق عرضتها لاحقا لشبهات تحيط حاليا بموقف (الاصلاح والتجديد) بعد أن فقد صدقيته وسط القوى المعارضة ولم يحتفظ بـ"مكاسبه" في شراكة الانقاذ. وللمراقب المعني أن يتساءل .. ما الذي كسبه الفاضل من هذه الشراكة التي تأسست على قصر نظر سياسي من جانبه، وعلى رغبة في الافادة من شق صف حزب الأمة من جانب الانقاذ؟ وماذا كسب هؤلاء الشباب الذين انتقل بعضهم لأسباب غير ذاتية ولا تمت بصلة لمبدأ "دعوني أعيش" المتهم به عدد من أقطاب الحزب الجديد، وإنما ساقتهم أسباب يلمس فيها المرء "بعض الموضوعية" خصوصا لدى التدقيق في دعاواهم حول المؤسسية في الحزب. لم تكن المساومات السياسية التي أفضت للشراكة بين الطرفين ذات أسس قوية، وأفتقرت تماما لوضوح الأهداف، كما أنها خلت من المقومات الموضوعية لعلاقة سياسية بين "حزب معارض" و"نظام ديكتاتوري"، لذا كان من الطبيعي أن يقع حزب الأمة (الاصلاح والتجديد) في سلسلة من الأخطاء القاتلة بدفوعاته غير المبررة عن استمرار الديكتاتورية والتسلط. وبدلا من أن يؤثر الحزب في أداء الحكومة خصوصا لجهة تحقيق انفراج في جانب الحريات العامة، أضحت المسوغات التي تبرر بها الحكومة أفعالها مذيلة بتوقيعه. ونشطت "بعض كوادر الحزب" في جني أقصى أرباح اقتصادية من الشراكة، في حين راح الأداء السياسي يتراجع بشكل كبير وسط خلافات عصفت بلحمة الوحدة والتماسك الداخلي. ببساطة، لم يزد الحزب عن أداء دور "ديكوري" لم يفلح حتى في صد تهمة الديكتاتورية التي ظلت تلاحق الانقاذ، بل وأضاف لها تهمة أخرى تتمثل بالاستراتيجية الواضحة للعيان في تحطيم القوى المعارضة من قبل الحكومة. وطيلة عامين لم يحقق الحزب تقدما في المسار الفكري حيث ظلت فكرة "الاصلاح" بحد ذاتها هلامية غير ذات معنى ولم تعن كوادر الحزب برفع السقوف الفكرية والاجتهاد في هذا الجانب. واجتهد مثقفو الحزب قدر استطاعتهم في نقد حزب الأمة بقيادة السيد الصادق المهدي ومماحكته في وقت كانوا معوزين لجهد خلاق في الاطار الفكري. ويواجه (الاصلاح والتجديد) حاليا سلسلة من الأزمات يمسك بعضها برقاب بعض، فقضية تخلي كوادر الحزب عن المناصب الحكومية لا زالت محل نقاش بل وممانعة من قبل بعضهم مما يهدد فعليا بشق صف الحزب. وفي كل الأحوال فإن الحزب مطالب بالاجابة على أسئلة جوهرية تتعلق بموقعه الجديد بعد أن أحرق معظم أوراقه مع المؤتمر الوطني ولم يفلح في المقابل في الإبقاء على "شعرة معاوية" مع معظم القوى المعارضة التي تنظر إليه بوصفه حزبا "تابعا" للحكومة وإبنا شرعيا لكواليسها. كما أن الحزب سيواجه إشكالا من نوع آخر، إذ لم ينتبه مؤسسوه لمعضلة "الانتماء" الذي إنبنى على "المصالح" الوقتية وستدفع عددا مقدرا من أعضاء الحزب للالتحاق بالمؤتمر الوطني بعد فض الشراكة التي كانوا سعوا من خلالها لكسب أوضاع جديدة. وسيخفق الحزب في لم شمله والتوحد تحت برنامج سياسي واضح وموضوعي أخفق مثقفو الحزب في التواضع على بلورته طيلة الفترة التي أعقبت انشقاقهم وإلى غاية الآن. ولن يعوزنا التأكيد على هشاشة البرنامج السياسي الحالي الذي وضع على عجل وقصد منه القول "نحن هنا" فحسب، ولم يكن محسوسا أبدا حجم تأثير هذا البرنامج على شرائح المجتمع فيما لو تم طرحه بعيدا عن المؤثرات المحيطة وأقواها "مائدة معاوية". وسيتعين على (الاصلاح والتجديد) أن يثبت حسن نواياه للمعارضة بألوان طيفها المختلفة وهذه مهمة شاقة، كما أن عليه أن يبرهن قدرته على البقاء موحدا ومتماسكا وحاضرا في المشهد السياسي بعيدا عن ظلال السلطة. وهذه أيضا مهمة تحتاج دأبا وقدرات "بشرية" و"مادية" كبيرة لا أخال الحزب مالكا للأولى إذا فرضنا جدلا إنه أفلح في الثانية. لا شك أن خطوات (الاصلاح والتجديد) كانت غير محسوبة، لكن فرصة أخيرة ربما تكون قد سنحت بالفعل لقياداته لتصحيح كثير من الأخطاء في مشهد سياسي يمور بالأخطاء القاتلة من كل الأطراف، وتلوح فيه دائما فرص "النسيان" و"التغافل" من قبل شعب ذاكرته "كسولة"!!
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: عن مبارك الفاضل.. الشراكة وتداعياتها إلام تقود؟ (Re: Omar)
|
الأخ عمر أتفق معك تماما في أن القيادات التي تبدي ممانعة حاليا بخصوص (فض الشراكة) لا تستند إلى ركائز سياسية أو جماهيرية تخولهم الاستمرار خصوصا مع اقتراب انتهاء مفاوضات الحكومة مع الحركة الشعبية المفضية إلى تشكيل حكومة جديدة. والمتوقع بداهة أن تتخلى الحكومة عن مجموعة مبارك التي ستبقى في السلطة لأن "قسمة" السلطة بين المؤتمر الوطني والحركة لن تتيح لهم استمرار في ظل وزنهم السياسي الضئيل خصوصا بعد خروج مبارك نفسه. ملاحظتك بخصوص الشريف الهندي صحيحة مائة بالمائة، إذ كان الأجدى لمبارك أن ينأى بنفسه عن المناصب التنفيذية إن ما يسود حزب الأمة (الاصلاح والتجديد) حاليا هو حالة من التوهان والتخبط لا مبرر لها، فالأفضل للحزب أن يحسم ويحزم أمره ليتجه إلى المعارضة عوضا عن حالة التردد و(التردي) السياسي التي ينحدر لها
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عن مبارك الفاضل.. الشراكة وتداعياتها إلام تقود؟ (Re: خالد عويس)
|
تحليلك في الصميم يا أستاذ خالد.. قولك:
Quote: تلمس جوانب الأزمة وتحليلها لأنها تنضاف إلى إشكالات شبيهة لطالما رافقت مسيرة نظام الإنقاذ وطبعت تحالفاته مع بعض القوى بطابع براغماتي صارخ يجعل من الصعب شق طريق تفاوضي بين الخرطوم ومناوئيها إلا برقابة دولية خصوصا أن التجمع الوطني المعارض يحضّر لجولات مباحثات قد تنتهي بتحقيق تقدم ملموس. |
قولك هذا هو مربط الفرس.. طالما كانت السلطة تمتلك شيئا لا يملكه الآخرون المناوئون لها، وبالتحديد امتلاك القوات المسلحة والثروة، فإنها يمكن أن تنقلب على أي حليف في أي وقت.. الحل بالطبع ليس أن يسعى المعارضون لامتلاك السلاح والقوة المسلحة، وإنما يسعون إلى إشراك الأمم المتحدة ومجلس الأمن، في فض النزاع السياسي في السودان.. التجمع المعارض، في تقديري، واقع تحت تأثير جمهورية مصر العربية، وهذه الأخيرة يمكن، لجهلها بالأمور على حقيقتها، أن تعمل ما بوسعها لتمنع إيجاد ديمقراطية وفيدرالية حقيقية في السودان.. لاحظ قصة الحريات الأربع التي أجيزت غداة اتفاقية نيفاشا!!! وكثير من المسائل الأخرى..
| |
|
|
|
|
|
|
|