النزاع السوداني نموذجاً للتناقض بين الدولة والثقافة- عثمان سعيد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-06-2024, 11:19 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-07-2004, 03:40 PM

sympatico

تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
النزاع السوداني نموذجاً للتناقض بين الدولة والثقافة- عثمان سعيد

    النزاع السوداني نموذجاً للتناقض بين الدولة والثقافة (1 ــ 2):


    انانية المثقفين وسعيهم وراء المكاسب الشخصية. وديكتاتورية النظام افشلت مشروع بناء الأمة

    مطالبة التجمع الديمقراطي إيقاف المساعدات الخارجية للضغط علي الحكومة نتيجته الوحيدة تجويع الشعب

    انانية المثقفين وسعيهم وراء المكاسب الشخصية.. وديكتاتورية النظام افشلت مشروع بناء الأمة



    عرض وتقديم د. حامد فضل الله



    تقوم الجالية السودانية في برلين/ براندنبورغ بعقد حلقات نقاش كتقليد جديد للاطلاع ومناقشة الأطروحات الجامعية التي يتقدم بها السودانيون للجامعات الألمانية للحصول علي الدرجات العلمية. وتقوم الجالية أحياناً بأعداد هذه المناقشات للنشر مثلما حصل مع هذه الورقة. والموضوع رسالة (أطروحة) دبلوم تقدم بها عثمان سعيد لقسم الفلسفة والعلوم الاجتماعية/ جامعة برلين الحرة/ ألمانيا في شباط (فبراير) 2002. ينقسم البحث إلي تسعة فصول ويحتوي كل فصل علي مجموعة من الموضوعات. هذه قراءة يقدمها حامد فضل الله.
    القدس العربي


    جاء في الفصل الأول ( المقدمة): تتميز أفريقيا منذ عشرات السنين، وحتي الوقت الراهن بتعرضها إلي أزمات اجتماعية / اقتصادية، سياسية وبيئية متنوعة، وكذلك إلي عنف دموي وحروب. وتـُظهر هذه الأزمات والصراعات عدداً من السمات المشتركة لكثير من الأقاليم والدول داخل القارة الأفريقية والبلدان النامية وهي ليست ظواهر داخلية فحسب بل تتعدي الحدود السياسية للدول المعنية أيضاً. لا شك إن جزءاً من هذه الصراعات والأزمات يقع علي عاتق التطورات الراهنة للأقاليم والبلاد المعنية ولكن في الوقت عينه ينبغي أن لا يغيب عن الذاكرة بأن الجزء الأكبر من أسباب المشكلة المركبة يجب أن نبحث عنه في عمق التاريخ.
    ويشير الباحث إلي مشاكل منطقة القرن الأفريقي المتعددة والمعقدة التي يصعب حصرها في سياق واحد لتشعبها. ويشير إلي أهمية الموقع الجغرافي والسياسي وتعدد الثقافات والاقتصاد إلي جانب الهجرة والتطورات السياسية داخل كل بلد وكذلك العوامل المناخية والبيئية وعلاقات ذلك بالتدخلات الخارجية العالمية والتي يرتبط جزء منها بالاستعمار وصراعاته علي حساب شعوب هذه المنطقة ومصالحها التي دفعته إلي ترسيم الحدود وضم أو عزل مجموعات عرقية أو أثنيه مختلفة بطريقة اعتباطية وأحياناً قسرية داخل وخارج حدود الدول المصطنعة مما أدي إلي نشوء عواقب وخيمة علي التطور الاقتصادي والسياسي والثقافي والبيئي.
    أن النزاع السوداني، كنموذج للتناقض بين الدولة والثقافة يظهر مدي تعقيد وتعدد الأسباب التي أدت إلي رفع وتيرة الصراع وعواقبها المدمرة. أن التبسيط المخل بحصر المشكلة بين الشمال العربي المسلم والجنوب الأفريقي المسيحي يخفي أسباب النزاع المركب ولا يعكس صورة الواقع.
    إن المفتاح لفهم الأزمة السودانية يرتبط بثلاثة عوامل متداخلة تؤثر في بعضها البعض:
    ہ عامل سياسي / سلطوي.
    ہ عامل ثقافي / ديني
    ہ عامل اقتصادي / بيئي.
    وبدون تحليل علمي لهذه العوامل لا يمكن فهم جذور الأزمة واستخلاص النتائج والبحث عن الحلول الممكنة. ويشير الباحث بتواضع إن هذه المساهمة مثل مساهمة آخرين من أجل تحقيق سلام دائم وعادل في السودان.
    تحتوي الفصول ـ الثاني والثالث والرابع ـ وصف وتحليل علمي مختصر للنزاعات في أفريقيا و العالم الثالث وعلاقة السودان بدول منطقة القرن الأفريقي. ففي الفترة بين عامي 1960 إلي عام 2000 حدثت 25 حرباً أهلية لا تزال 12 منها مستمرة راح ضحيتها 7 ملايين بجانب الملايين من المعوقين والنازحين.
    إن الافتراض التاريخي الذي له مكان الصدارة بان النزاعات الدموية في أفريقيا هي صراعات هويات متنافسة علي أساس اختلاف عرقي وديني وثقافي يعتبر افتراضاً منقوصاً ومحدوداً، فالانقسامات العرقية تبدو نتيجة أكثر منها سبباً لقيام هذه النزاعات.
    كلما أستمر النزاع طويلاً، اختفت مسبباته الأساسية وتداخلت عوامل التأثير، سواء أكانت قصيرة أم متوسطة أم طويلة المدي، مع العوامل الجانبية وتوابعها وتختلط بحيث لا يظهر علي السطح سوي عوامل كالدين والعرق والثقافة كمسبب أساسي للنزاعات.
    إن سرد الأسباب بالتتابع التي تثير النزاعات التي تؤدي بدورها إلي رزمة من التوابع، ثم تصبح التوابع مرة أخري اسباباً جديدة ـ فتتكون بذلك شبكة معقدة ومتنوعة من أسباب ـ توابع ـ أسباب ـ توابع، عندها يصعب حل عقدتها وتحليلها في أبعادها التاريخية والراهنة. ومن هنا لا بد من الحذر عند تحليل أسباب الحروب وإرجاعها إلي عاملين فقط: الفقر والتعدد العرقي.
    هنا يفترض الرجوع إلي تاريخ الاستعمار علي القارة الإفريقية. فالمستعمرون جاءوا إلي العالم الثالث بذريعة العمل علي تحضر شعوبه المتوحشة التي لا تملك ثقافة أو حضارة كما يدعون. فكانت النتيجة هي الاضطهاد والاستعباد والنهب المستمر لثرواتها، ثم أصبحت مسرحاً للصراع الحرب الباردة بين الشرق والغرب وحقل تجارب لنظريات التنمية، ووسائل الإعلام الغربية التي كانت وما زالت تروج بأن الأزمات التي تنتاب أفريقيا هي الأسباب الفعلية للنزاعات الأثـنية بين قبائل وشعوب متنافرة ومتحاربة.
    ويستخدمون تعبير المجتمعات الاثنية المتعددة عندما يشيرون إلي دول العالم الثالث بينما يستخدمون في بلادهم تعبير المجتمعات الثقافية المتعددة. وكذلك يهملون الإشارة إلي الإكراهات السياسية والاقتصادية والبيئية التي يلعب الغرب دوراً رئيسياً فيها.

    القرن الافريقي

    ويشير الباحث إلي دول منطقة القرن الأفريقي الصومال، إثيوبيا، إرتريا وجيبوتي ويضيف إليها السودان بحكم الجغرافيا وكذلك كينيا ويبحث ويشرح الأزمة السودانية من خلال ترابطها وتداعياتها مع هذه المنطقة، فالمشكلة معقدة ومتداخلة وتتقاطع عبر الحدود الوطنية وخاصة السودان بحدوده الواسعة والمفتوحة. فالقرن الأفريقي صورة مصغرة من القارة الأفريقية أو متحف زاخر للشعوب والثقافات وهو من أكثر مناطق أفريقيا الحافلة بالنزاعات لأهمية موقعه الجغراسياسي كمدخل بحري مباشرة لمنطقة الشرق الأوسط والأدني وكمركز للصراع بين الشرق والغرب وبالأخص بعد الحرب العالمية الثانية. والذي لا يزال يحتفظ بأهميته بالرغم من سقوط المعسكر الاشتراكي. وتتخذه الولايات المتحدة الآن كمعبر لحربها ضد الإرهاب العالمي كما تدعي.
    والقرن الأفريقي يعتبر الآن من أفقر وأقل المناطق نمواً علي نطاق العالم نتيجة للإرث الاستعماري والحرب الباردة، بالإضافة إلي العوامل الطبيعية من جفاف وهطول الأمطار غير المنتظم وتأكل التربة وقطع الأشجار والتصحر الزاحف ومشكلة مياه النيل والمجاعة والاستخدام اللاعقلاني للموارد الطبيعية المتجددة والمتدهورة والتنافس عليها بين المجموعات العرقية المختلفة التي أصبحت جزءاً من متلازمات الحرب الأهلية ومؤججة للنزاعات العرقية في مناطق التماس من نهب للمحاصيل والماشية. ويشير هنا إلي المشاكل بين الدينكا نقوك المستوطنين في شمال بحر الغزال والعرب الرحل ـ المسيرية الحمر ـ الرزيقات والبقارة ومشاكل دارفور بين العرب الرحل والمزارعين وكذلك مشاكل جبال النوبا وجبل مرة ومشاكل الدينكا والنوير إلي جانب السطو والنهب المسلح. ويشير إلي زيادة معدلات الهجرة من الريف إلي الحضر كأحد تداعيات الحروب الأهلية. وفشل المساعدات الخارجية لحل الأزمات الطاحنة والمتداخلة داخل منطقة القرن الأفريقي.
    الفصل الخامس يتناول جغرافية السودان وسكانه وتنوعه العرقي واللغوي والثقافي وتاريخه القديم ـ الفرعوني، الوثني، المسيحي والإسلامي ـ والحديث، وفترة الحكم التركي المصري وتاريخ الرق وتداعياته النفسية والاجتماعية بما فيها من مرارة وغبن وحقد ثم الثورة المهدية والحكم الثنائي الإنكليزي المصري والكفاح ضد الاستعمار وتكوين الأحزاب السياسية السودانية ومشكلة جنوب السودان متتبعاً المسار التاريخي حتي الانقلاب العسكري الأخير في حزيران (يونيو) 1989 وتسلم الجبهة الإسلامية القومية للسلطة.
    أما الفصل السادس فيتناول موضوعة الدولة والثقافة في السودان. فمنذ فجر الاستقلال عام 1956 يعيش السودان في أزمة خانقة تتضح معالمها في:
    ہ حكومات غير مستقرة
    ہ فشل أساليب التنمية
    ہ الصراع حول موارد الثروات المتجددة وغير المتجددة
    ہ التسلط علي أساس ديني أو دنيوي (علماني)، إقليمي أو قومي
    ہ نقص البُنية التحتية ( الهياكل الإرتكازية).
    مما أدي إلي عواقب وتداعيات وخيمة هي:
    ہ الحرب الأهلية في الجنوب 1955، 1983 ومنذ 1987 في غرب السودان، 1996 في شرق السودان.
    ہ الحلقة الشريرة ـ حكومات انتقالية ـ برلمانية ـ انقلابات عسكرية ـ دكتاتورية استبدادية
    ہ وكذلك ثلاث مسائل متلاحمة لا تقبل التجزئة: وحدة الوطن ـ الديمقراطية ـ والسلام.

    المشروع القومي والهوية

    ويقول حول المشروع الوطني السوداني بان تكوين قومية يتطلب دائماً ليس من الناحية العملية فحسب بل أيضاً من الناحية الايدولوجية تكوين هوية. وفي هذا يمكن أن تلعب دوراً الروابط الدينية، الثقافية/ الأثنية بل وأحياناً ربما تقوم بالدور الرئيسي في تكوين هذه الهوية.
    ويسوق في هذا الصدد مثالين:
    المثال الأول: فدولة اسرائيل علي سبيل المثال أقامت هويتها القومية علي أساس الانتساب إلي الديانة اليهودية بالرغم من الاختلافات التي تكون أحياناً جوهرية في الممارسات الدينية والتصورات العقائدية والاختلافات الثقافية/ الإثنية التي تميز اليهود. إن الخبرة الجماعية لسنوات طويلة من المطاردة في جميع أجزاء العالم والمحرقة النازية استطاعت أن تكون كافية لتكوين وتثبيت هوية قومية بنجاح.
    المثال الثاني: أوروبا، فقيم مثل العلمنة، والحرية والمساواة والأخاء ( الثورة الفرنسية) التي جاءت بعد صراعات وتطورات اجتماعية تاريخية طويلة في أوربا قامت بدور أساسي في تكوين الدولة القومية وصياغة الهوية القومية.
    أما السودان فمنذ تكوين الدولة الحديثة في نهاية القرن التاسع عشر لا يزال يبحث علي تعريف صالح لهويته القومية. فالتجربة المشتركة لمناهضة الاستعمار في السودان لا تكفي لصياغة هوية قومية بنجاح لأن هذه التجارب لم تنبع من عملية (صيرورة) داخلية وإنما تنطوي علي عنصر خارجي وهو مكافحة الغاصب الدخيل. ويستطرد قائلاً إن العلاقة بين الدولة المصطنعة والثقافة في السودان تظهر كنوعين متضادين: الدولة ككتلة (كقامة) محددة مادية عقلانية والثقافة ككائن غير عقلاني ميتافيزيقي غير محدد المعالم.
    فالسودان الذي يتكون من 512 مجموعة عرقية ويتحدث بأكثر من مئة لغة ولهجة مختلفة يبحث عن هوية سودانية. إن البحث عن هوية ثقافية سودانية من منظور التعدد الإثني في السودان، يظهر للمراقب وكأنها فكرة هزلية. ولكن في الواقع إن البحث في هذا الصدد تتواري خلفه الرغبة الجامحة للسودانيين لتأمين أساس مشترك لحل الصراع في السودان. ان هذه الرغبة المشتركة يمكن لوحدها ان تدحض الافتراض القائل بعدم التجانس الإثني كمسبب للنزاع.
    إن البحث عن الهوية السودانية الذي بدأ منذ عشرينيات القرن السابق أشعل نقاشات حادة وسط المجموعات الشعبية وخاصة وسط المثقفين والأدباء والفنانين، الذين كانوا يدبجون كتاباتهم باللغة العربية ويبحثون في الوقت نفسه عن أدب سوداني (عرفات، حمزة، الملك طمبل، عشري، محمد احمد محجوب، شريف...) فغالبية الشعراء من رواد الفكر القومي كانوا ينتمون في الغالب إلي أهم طائفتين تتطلعان دوماً إلي سلطة السودان العربي الإسلاموي هما طائفتا: الختمية والأنصار.
    إن هذا الوضع المعقد بين المثقفين الحداثيين والحكام التقليديين لا يزال يؤثر حتي اليوم علي المشروع القومي السوداني. فالإسلام والعروبة كانتا الصيغة التي صُممت عليها القومية الوطنية وتأثرت بهما الطبقة الوسطي، وخاصة الأفندية في شمال السودان.
    فيما عدا مساهمة حديثة من الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان لتعريف الهوية السودانية وهي المساهمة الأولي التي لم تأتٍ من دائرة المثقفين العرب المسلمين، فإن جميع الأدبيات المتعلقة بالهوية في السودان كانت نتاج الأفندية العرب المسلمين.
    ويسوق الباحث مثالين في هذا الصدد:
    أولاً: يكتب المحامي والشاعر والقطب البارز في حزب الأمة ورئيس الوزراء السابق محمد أحمد محجوب مقالاً في مجلة النهضة السودانية بتاريخ 13/6/1941 تحت عنوان الأدب القومي ، ما يلي: إنه لا يوجد شك في أن الثقافة العربية هي السائدة وكذلك الإسلام هو دين الأغلبية وانطلاقاً من هذا يمكن ان نشير إلي الطريق التي يجب إن تسلكها الحركة الفكرية في هذا البلد حتي تصل إلي هدفها .إن هذا الرأي يحتوي علي فكرة الثقافة القائدة ويخفي تحته مطلب الشرعية التي تمنح الأغلبية حق السيطرة علي الأقلية، إي من خلال هوية الأغلبية التي تتكون علي أساس أثني/ ديني، تفسح هذه الفكرة المجال لشرعنه حق تسلط الأغلبية، وفي الوقت عينه ينسج بهذه الفكرة أيضاً تأسيس الأقلية علي عوامل إثنية/ دينية مما تمكنه من ناحية أخري الاحتفاظ بالاختلاف اللازم . إن أفكار المحجوب انعكست في مسودة الدساتير من عام 1958 إلي عام 1968.
    فاللغة العربية ينبغي أن تكون لغة البلاد الرسمية. وبذلك وقع الإملاء من ثقافة معينة ـ الثقافة الإسلامية العربية ـ علي المجموعات الأخري غير الإسلامية العربية. بهذا الأجراء وإجراءات أخري تمت لصالح التعريب (الاستعراب) تأجج تسلح المعارضة السودانية الجنوبية التي لا تتطابق مع القيم الإسلامية العربية. وبسب هذه السياسة ومحاولة فرض هوية الأغلبية بطريق القوة ـ فشل مشروع الهوية الإسلامية العربية للأفندية وانتهي إلي حرب أهلية دموية.

    الغابة والصحراء

    ثانياً: بقيام الضباط الأحرار (التقدميين) تسلم السلطة في السودان عام 1969 عن طريق الانقلاب العسكري بهدف إنهاء الحرب المقدسة التي أعلنتها الحكومات البرلمانية كحل لمشكلة جنوب السودان، ظهر قبيل هذه الأثناء علي المسرح السياسي، شاعر آخر هو محمد عبد الحي كمساهم في مشروع الهوية الوطنية السودانية. أسس محمد عبد الحي مع بعض الشعراء في الستينيات مدرسة الغابة والصحراء بهدف مزج الدم الأفريقي في الأدب العربي عبر مشروع الوحدة الوطنية مع التعدد الثقافي.
    فالمدرسة تدعو إلي الاعتداد والعزة والتصالح بين العربي والأفريقي السوداني، لخلق الوحدة بين الانتماء الزنجي والانتماء الإسلامي العربي مستلهمين نموذج سنار ، عاصمة سلطنة الفونج الإسلامية الزنجية السلطنة الزرقاء .إن العزة بالتعدد الثقافي الذي يقترحه الشاعر في مشروعه ما هو إلا إظهار هذا التنوع من خلال الانتماء الإسلامي .إن إعادة تطابق الانتماء الزنجي مع الانتماء الإسلامي علي بركة سلطنة الفونج في القرن السادس عشر ما هي إلا أوهام وتقهقر سلس إلي الوراء وأسطورة مثالية للوحدة الوطنية عبر التنوع الثقافي التي تدافع وتدعو لها مدرسة الغابة والصحراء. والباحث يتساءل لماذا تـُتخذ سلطنة الفونج كنموذج لتكوين الهوية الوطنية في الوقت الذي يزخر تاريخ السودان بممالك عديدة وهامة منذ 2000 عام قبل الميلاد، ويجد الإجابة:
    أولاً: في الانتماء الإسلامي العربي للشعراء وكموظفين أيضاً في جهاز الدولة. فمثلاً الشاعر محمد عبد الحي هو مؤسس السياسة الثقافية الرسمية كمدير لمصلحة الثقافة (من 1975 إلي 1977) في وزارة الثقافة والأعلام في العهد المايوي.
    ثانياً: بتبلور تيارين وسط المثقفين السودانيين منذ عام 1969، تيار يري أن الهوية القومية لابد أن تتكون داخل نطاق الإسلام والعروبة حتي لو أدي ذلك إلي فرضهـــــا بقوة السلاح، وتيار آخر معتدل يرفض استعمال الحرب المقدسة لفرض الهوية القومية ولكنه في نفس الوقت إسلامي التفكير.
    ولهذا يظهر وكأن النموذج السناري هو الأكمل والأمثل لحل إشكالية الهوية القومية. فمن جهة يمكن احتواء القوميات الزنجية وربطها ربطاً شكلياً لمشروع الهوية القومية ومن جهة أخري يمكن شرعنة الإسلام بربطه بالعروبة. ولكن هذا النموذج في الواقع ما هو إلا إخفاء ومحاولة طمس لهويات مختلفة وليس قوة ابتكار أو تجديد. وبالرغم من ذلك استطاع رواد مدرسة الغابة والصحراء الوصول إلي نقطتين:
    الأولي أن هؤلاء الأفندية كعرب صاغوا خطابهم الثقافي الإسلامي العربي في صلب مشروع الهوية الثقافية السودانية.
    والثانية يصفون أنفسهم كأفارقة مسلمين لمواجهة الأصوليين الإسلاميين المتشددين الذين يسيطرون علي الساحة الإسلامية.
    وفي هذا الفصل يتابع الباحث التطورات السياسية منذ عام 1969 ـ الفترة المايوية في بدايتها اليسارية ونهايتها اليمينية الرجعية والتخبط السياسي بين المعسكرين الشرقي والغربي وإعلان الشريعة الإسلامية عام 1983 التي أنهت مشروع وفكرة الوحدة الوطنية عبر التنوع الثقافي. ثم تجدُد الحرب الأهلية بتكوين الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان وفشل الحكومات الائتلافية البرلمانية بعد سقوط العهد المايوي في حل الأزمة المستحكمة والتلاعب بالبرلمانية التي أصبحت مناورات حزبية إلي حين وصول الجبهة الإسلامية القومية إلي السلطة عبر الانقلاب العسكري عام 1989 ثم التصعيد العسكري وتسليح القبائل والمليشيات وإعلان الجهاد الإسلامي والتعريب والاسلمة القسرية. ثم دور التجمع الوطني الديمقراطي ميثاق 89 ـ مقررات اسمرا 1995 ـ المعارضة الداخلية. ويناقش أسباب فشل الديمقراطية، التي يعتبرها حجر الأساس في حل الأزمة السودانية. كما يناقش فشل المثقفين بسبب أنانيتهم وجريهم وراء المكاسب الشخصية، ثم يعرج في تحليله علي مواقف الحكومات المختلفة التي لم تعرف كيف تتعامل مع التنوع السياسي والديني والثقافي ولم تفهم أن تـُطور هذا التنوع كقوة دفع وابتكار وتجديد، مما أدي إلي فشل تكوين الأمة والدولة إلي حين.
    وفي الفصل السابع يناقش الباحث إشكالية المساعدات الخارجية مع الأنظمة الديكتاتورية ويري أن مطالبة التجمع الوطني الديمقراطي بإيقاف كل المساعدات الخارجية للضغط علي الحكومة لا يؤدي إلي نتيجة مرضية ويأتي علي حساب الشعب الذي يكافح من أجل البقاء. كما أن الشروط التي تضعها الدول المانحة مثل احترام حقوق الإنسان والديمقراطية والمشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات المصيرية وحرية الصحافة وحماية البيئة.. لا تلتزم بها الدول المانحة نفسها، لأنها تنطلق اولا من مصالحها الخاصة التي تتعارض مع الحاجات والالتزامات التي يفرضها الواقع المحلي.
    ويري بالرغم من ذلك ان تقديم المساعدات مثلا للمنظمات غير الحكومية مع الشفافية اللازمة يؤدي إلي تقوية المجتمع المدني الذي يمكن أن يقود بطريقة غير مباشرة إلي تقويض الأنظمة الدكتاتورية الحاكمة. ويشير بأنه في فترة ما بين خمس إلي ست سنوات سقط 30 نظاماً ديكتاتورياً في فترة التسعينيات علي نطاق العالم عن طريق الحركات الديمقراطية.
    7

    http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=2004\09\09-30\g...ة%20(1%20ــ%202):fff
                  

10-07-2004, 03:46 PM

sympatico

تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: النزاع السوداني نموذجاً للتناقض بين الدولة والثقافة- عثمان سعيد (Re: sympatico)

    النزاع السوداني نموذجاً للتناقض بين الدولة والثقافة (2 ــ 2):


    النموذج السناري هو الأكمل لحل إشكالية الهوية القومية. واصلح من هوية الافندية او الانفصال


    القضاء علي حكومة الإنقاذ لا يحل الأزمة والمعارضة نفسها بتركيبتها وتقلباتها لا تقدم البديل الأمثل



    الفصل الثامن يهتم بمنظورية الحل السلمي للنزاع، بمداخلة عن التحليل العلمي للصراع ودراسة مقارنة حول إستراتيجيات أطراف الصراع ( السلطة والمعارضة). تميز الفصل بعرض مكثف لمحاولات حل النزاع السلمي والمبادرات الداخلية والإقليمية والدولية، بفرضية أن الحل السلمي الدائم هو الخيار الذي لا مفر منه. أيضاُ في هذا الفصل يركز الباحث علي منهج التحليل الاجتماعي التاريخي النقدي فينتقل بين الحاضر والماضي دون أن يخل بالرباط العلمي بين الحدث وجذوره ويوضح التطور التاريخي حتي الحاضر بمقارنة ما بين (مؤتمر جوبا 1947 والمائدة المستديرة 1965 واتفاقية أديس أبابا 1972 ومبادرات السلام في البرلمانية الثالثة 1985 إلي 1989 والفترة ما بعد 1989).
    وفي الفصل التاسع ( الخاتمة) يكرر الباحث من جديد بأن أسباب وعواقب النزاع السوداني وكذلك المشاكل والصعوبات التي تعترض السعي لحلها صارت ـ بمرور الزمن معقدة ومتشابكة ومتداخلة بحيث تؤدي إلي فقدان البصر والبصيرة ورغم من ذلك فأن الحلول ليست مستحيلة. فاستخدام الطرق الحديثة والتحليل الهيكلي للأزمات وتجزئتها مثلا إلي عدة مستويات، مثل المستوي الاقتصادي ـ المستوي البيئي ـ المستوي السياسي ودراسة علاقاتها المحددة والمرتبطة في إطار الظاهرة، يؤدي إلي تعرية الأهداف الســــياسية أو الشخــــصية، ســـواء أكانوا أفراداً أم جماعات أم أحزاباً ســـياسية، التي تختــــفي تحت قنـــاع الإثنية أو العرقية أو الدين كذلك مشاركة الدراسات المتداخلة (دراسات التماس بالألمانية interdisziplinaer) يساعد في الوصول إلي الحلول الناجعة. والباحث يدعو إلي تطوير المجتمع المدني وتقويته كمراقب ـ ومعارضة غير برلمانية لأداء الحكومة ويحذر من هيمنة الأحزاب السياسية علي منظمات المجتمع المدني واتخاذها واجهة لها، مما يؤدي إلي تدمير مفهوم المجتمع المدني نفسه. كذلك مطالبة الأحزاب السياسية بالشفافية والنقد الذاتي وعرض برامجها وأهدافها علناً ـ كذلك تطوير البنية التحتية المتينة لضمان المشاركة الشعبية في الريف والحضر. وعقد المؤتمر الدستوري بمشاركة شعبية. إن الاقتراحات والمساعدات التي تقدمها الدول الأخري تحت شعار مساعدة التنمية يمكن أن تساعد في حل الأزمة السودانية، ولكن يجب أن تخضع للبحث الدقيق إذا كانت فعلاً تخدم قضايا التنمية وليس غطاءً فقط تختفي وراءه مصالح ومطامع الدول المانحة وترسيخ العلاقات المباشرة أو غير المباشرة للاستعمار الجديد.
    إن القضاء علي حكومة الإنقاذ فقط لا يحل الأزمة كما ترغب المعارضة التي هي نفسها بتركيبتها وتقلباتها لا تقدم البديل الأمثل. كما ان النظام الدكتاتوري الحالي يشكل جزء من اللغز الكبير الالغوزة Puzzle عندما نريد أن نبحث عن أجابة لأسباب النزاع في السودان. إن الحلول المستدامة التي تؤدي إلي القضاء علي العواقب التي سببتها السياسة والحروب الأهلية لن تتم إلا عن طريق بناء دولة القانون والديمقراطية وحقوق الإنسان وتراعي ارتباط السودان بمنطقة القرن الأفريقي بمشاكله العديدة والصراع حول الموارد الطبيعية المتجددة وغير المتجددة والتي تؤدي إلي زعزعة الوضع الداخلي والتسلط الإثني والعرقي والديني والكارثة البيئية. إن إرساء سلام عادل ودائم وتكوين نظام اقتصادي وسياسي راسخ في السودان بمساحته الواسعة وتركيبته الاثنية المتعددة وحدوده شبه المفتوحة مع تسع دول جوار ليس هدفاً ومصلحة قومية فحسب وإنما أيضاً هدفا ومصلحة دولية. فحل النزاع السوداني ربما يؤدي أيضاً إلي عامل استقرار وسلام في القارة الأفريقية، أن تحقيق هذا الهدف يؤدي أيضاً إلي إيقاف الهجرة الجماعية من جنوب العالم إلي شماله ـ الهجرة التي ترعب دول الغرب من هؤلاء القادمين الجدد.
    بعد هذا العرض أود أن أشير إلي جانبين حول البحث.
    الجانب الأول

    كتب البحث بحماس وصبر وجهد مقدر، إذ تمكن الباحث من الإحاطة بموضوعه من جميع الجوانب مستفيداً من المنهج التاريخي الاجتماعي النقدي ورابطاً بين التاريخ والمشاكل الراهـــــنة، وعارضاً ومحللاً ومعلقاً علي أراء وتجارب الذين عملوا في البلدان النامية من الدول الغربية ومشيراً في أكثر من مقطع إلي كتابات راينر تتسلاف Rainer Tetzlaff أستاذ العلوم السياسية بجامعة هامبورغ والعالم بالشأن السوداني الذي استضاف بعض أساتذة جامعة الخرطوم في معهده. وكذلك كتاب السودان ـ حروب الموارد والهوية للكاتب السوداني المتميز د. محمد سليمان محمد. وتعرض الباحث لمفهوم الصراعات وتحولها إلي نزاعات شارحاً خصائصها وأنواعها المختلفة وتفاقم حدتها وارتفاع وتيرتها ـ من نزاع مستتر إلي نزاع مكشوف ثم نشوء أزمة حادة تتحول إلي نزاع مسلح أو حرب دامية. ويسيق كمثال، مشروع تكوين الهوية الوطنية أو قضية الموارد الطبيعية التي تبدأ كنزاع مستتر لتتحول إلي نزاع وحرب دموية. ويتعرض الباحث إلي نظريات التنمية العديدة والمتباينة في مضامينها ليصل بالبحث إلي الليبرالية الجديدة والعولمة التي أثبتت فشلها في تطوير بلدان العالم الثالث .إن الدول الرأسمالية المتطورة قد تعاملت مع كل النظم الدكتاتورية في العالم النامي ومنحتها تأييدها وأسبغت عليها الشرعية لتحقق من خلالها أهدافها ومصالحها الخاصة ورغم ادعاءاتها بالدفاع عن حقوق الإنسان.
    ويضيف بدلاً من وصـــــف أفريقيا كخاسرة للعولمة الاقتصادية ومســــببة للكارثة البيئية أو تبني نظريات تنمية جديدة يجــــب أن يتم بين القوي الغربية المهيمنة وبلدان العالم الثالث المغلوبة علي أمرها بتبادل الخبرات وتحديد مستوي المعرفة والمــــقدرة وقضية الديون الخارجية مضافاً إليها معدلات ( أسعار) الفائدة العالية التي ترهق ميزانية التنمية وتعيق تنفيذ مشاريعها.
    في هذه النقطة أود أن أشير إلي أهمية التمييز بين العولمة كعملية موضوعية في إطار العلاقات الإنتاجية الرأسمالية وبين الجوانب السلبية للسياسات العولمية التي تحاول الولايات المتحدة الأمريكية فرضها علي العالم كله ومنه العالم النامي .
    والبحث لا يخلو أحياناً من طرافة ـ فالباحث يستخدم المجاز والقصص الشعبية السودانية بما فيها من حكم وعبر وتبصر لشرح الواقع السوداني المعقد والشائك والمتداخل.

    الجانب الثاني

    جاءت قضية التعريب والاسلمة القسرية في أكثر من موضع. فقضية الاستعراب يجب أن تناقش بعيداً عن الحساسية والانفعال، فضرورة التخاطب والتواصل والشعور بالانتماء تتطلب لغة مشتركة (لغة تخاطب) وإلي الآن لا توجد في السودان لغة لدي المجموعات العرقية المختلفة يمكن أن تكون حلقة التواصل بين السكان ما عدا اللغة العربية بحكم انتشارها قياساً بلغات أو لهجات المجموعات الأخري ـ وهذا لا يعني بالضرورة إهمال اللغات المحلية (اللغات المحكية) الأخري وخاصة التي تتكلم بها مجموعات اثنية كبيرة. والإدارة الاستعمارية هي التي منعت تعليم اللغة العربية في الجنوب وأصبحت اللغة الإنكليزية هي اللغة الرسمية هناك. في مؤتمر جوبا عام 1947 طالب السياسي الجنوبي الراحل بوث ديو بتعزيز اللغة العربية في الجنوب حتي يتمكن الجنوبيين من اللحاق بإخوانهم في الشمال، فربط التعريب كمرادف أو تابع للاسلمة القسرية المرفوضة لا يخدم إلا غلاة الانفصاليين والمتعصبين علي الجبهتين. يقول الباحث إن الدعوة إلي عدم جواز تأسيس حزب سياسي علي أساس ديني، ما هو إلا وجهة نظر عبثية ومشيراً إلي المادة الثالثة من قرارات أسمرا 1995 ـ (قرار حول الدين والسياسة في السودان، التجمع الوطني الديمقراطي) ـ وموضحاً بأن الحزبين الكبيرين في السودان حزب الأمة والحزب الاتحادي الديمقراطي حزبان أساسهما ديني ناهيك عن الجبهة الإسلامية القومية. هذه قراءة مبتسرة لقرارات أسمرا لم تتوخ الدقة، فالقضية تتعلق بفصل الدين عن السياسة وعدم استغلال الدين لمطامع سياسية. فالفقرة الثانية والرابعة في مقررات أسمرا تشرح ذلك بجلاء ـ وهنا إشارة إليها باختصار: حق المواطنة ـ عدم التمييز بين المواطنين بسبب الدين أو العرق أو الجنس أو الثقافة والمساواة والتسامح بين الأديان واحترام حقوق الإنسان . هذه المبادئ جاءت أيضاً في اتفاقية الخرطوم للسلام عام 1997 بين الحكومة ومجموعة الناصر، وكذلك في دستور الجبهة الإسلامية القومية الحاكمة عام 1998 وبرتوكول مشاكوس. وفي الواقع فأن المادة المذكورة لا ضرورة لها، فهي لا تعدو أن تكون إضافة للمادتين المذكورتين وربما كان الهدف منها تأكيدهما. في الحديث عن الفدرالية أو حق تقرير المصير للجنوب كان مفيداً الإشارة إلي رأي الحزب الشيوعي السوداني ـ فهو أول حزب (الجبهة المعادية للاستعمار) أعترف عام 1954 بشرعية مطالب الجنوبيين الوطنية في حق تقرير المصير. تجنب الباحث التطرق إلي الانقلاب العسكري المجهض في تموز (يوليو) 1971 الذي حظي بدعم الحزب الشيوعي السوداني وهو من ضمن الأسباب التي أدت إلي تسارع الردة اليمينية لنظام نميري والانفتاح علي الغرب، مما مثل حِقبة جديدة في تاريخ السودان.
    في الحديث عن تكوين القوميات فمثلاً كان من المفيد إضافة بأن التطور الرأسمالي ونشوء البرجوازية وارتباطهما عضوياً بنشوء الدولة القومية في أوربا. أما فيما يتعلق بتكوين القومية والدولة الإسرائيلية فبجانب الأسباب التي سردها الباحث كان يمكن الإشارة مثلاً إلي وعد بلفور 1917 وجعل اسرائيل قاعدة أمامية للمشاريع الاستعمارية وحليفاً ضد العرب وكذلك دور اللغة العبرية كعامل هام في تكوين القومية الاسرائيلية أكثر من الديانة اليهودية. فالدين يعتبر عموماً جزءاً من ثقافة كل الشعوب وبنائها الفوقي.
    إن وضع طائفتي الأنصار والختمية بجانب الاسلامويين غير صحيح ـ فالطائفتان يمثلان الإسلام الشعبي الصوفي المتسامح وهذا لا يتفق مع مفهوم الإسلاموية. أما قول الباحث: فيما عدا مساهمة حديثة من الحركة الشعبية لتحرير السودان ـ وهي المساهمة الأولي بشأن الهوية السودانية التي لم تأت من دائرة المثقفين العرب، ولكنه لم يذكر ما هو تعريف الحركة الشعبية للهوية السودانية علي الأقل من أجل المقارنة. كما إنها ليست المساهمة الجنوبية الوحيدة ـ فهناك كتابات الشهيد جوزيف قرنق الحزب الشيوعي السوداني وكتابات الشخصية السياسية الجنوبية البـــــارزة أبيل ألير الذي وصفـــه الأديـــــب الطــــيب صالح بأنه مانديلا السوداني Nelson Mandela ـ وكذلك نشير إلي الأبحاث العديدة للكاتب والأكاديمي المرموق د. فرانسيس دينق والصحفي اللامع بوانا ملوال. يطالب الجنوبيون بالديمقراطية والحرية والتعددية السياسية ويصفون القادة الشماليين بالتسلط وعدم احترام الديمقراطية، في الوقت الذي يمكن الاتفاق علي هذا الرأي اعتباراً لما عاناه الجنوبيون من مرارات وبؤس وشقاء وحرمان كان لابد أن ينتبهوا من عقد اتفاقيات مع الأنظمة الديكتاتورية الأكثر استبداداً وقمعاً وفساداً وقسوة (نظام مايو ونظام الإنقاذ) بدلاً من النضال المشترك مع القوي المدنية والليبرالية والقومية واليسارية من أجل إعادة الديمقراطية والحرية والآن يشارك الجنوب ممثلاً في الحركة الشعبية والشمال ممثلاً في حكومة الإنقاذ عدم احترام الديمقراطية وتهميش القوي المعارضة التي لا تملك السلاح. وكأنه لا دروس وعبر في التجربة المريرة التي أعقبت اتفاقية أديس أبابا.
    لم يتعرض الباحث إلي العلاقة بين السودان ومصر إلا ما جاء عرضاً عندما أشار إلي مشكلة مياه النيل التي تقود إلي التوترات السياسية داخل المنطقة والتي تستخدم أحياناً لشرعنة مواقف سياسية مختلفة منبهاً إلي عدم الاستهانة بدور مصر في مسألة مياه النيل. أما العلاقات الثنائية التاريخية بين البلدين فلم يأت علي ذكرها لا علي النطاق الرسمي بما فيها من توترات مثل قضية الحدود وهاجس الأمن القومي المصري وعدم اكتراث أو تفهم الجانب المصري لخصوصية الأزمة السودانية وتعقيداتها ولا علي النطاق الشعبي، حيث كان الأجدر بالباحث أن يشير إلي الدور الذي يقوم به الآن الكتاب والشعراء والأدباء والفنانين السودانيين الذين تحتضنهم مصر ـ هروباً من عسف الإنقاذ وكذلك الدور الرائد لمركز الدراسات السودانية بالقاهرة والزيارات المتكررة لـ د. جون قرنق زعيم الحركة الشعبية وازدياد عدد الطلاب الجنوبيين الذين يدرسون في الجامعات المصرية ـ كلها خطوات تؤدي إلي بناء الثقة وتوطيد العلاقات علي الأصعدة الشعبية والثقافية والفكرية وتوضيح الواقع السوداني في خصوصيته وأزماته.
    في نقده لمدرسة الغابة والصحراء يتساءل الباحث لماذا تـُتخذ سلطنة الفونج كنموذج لتكوين الهوية الوطنية في الوقت الذي يزخر تاريخ السودان بممالك عديدة وهامة منذ ألفين عام قبل الميلاد. هذا التساؤل كما أري، في غير محله، فدولة الفونج هي أول دولة إسلامية كان حكامها من أصل أفريقي والتي كانت تسيطر علي السلطة قبل الغزو التركي المصري للسودان (1820 ـ 1821) فما جدوي العودة إلي الماضي السحيق والتذكير بأن السودان كان فرعونياً أو وثنياً أو مسيحياً ونحن نناقش الآن قضية محددة ومحصورة زمانياً ومكانياً ـ وهي مشاكل السودان الحديث وقضية العروبة والإسلام والأفريقية والباحث نفسه يسوق أمثلته حول إشكالية الهوية السودانية في منتصف القرن العشرين. أما قوله بأن مدرسة الغابة والصحراء تقدم إسلامها الأفريقي في مواجهة الأصوليين الإسلاميين المتعصبين فهذا يحسب لها لا عليها. وهذا يتفق أيضاً مع دولة الفونج ـ فقد أنتشر الإسلام في عهدها بوسائل سلمية لا قسرية.
    والباحث لم يذكر شعراء آخرين تعرضوا إلي إشكالية الهوية السودانية (تمثيلاً لا حصراً) الشاعر محمد الفيتوري في قصائده الأفريقية والشاعر صلاح أحمد إبراهيم وقصائده عن أوهام النقاء العــــربي الذي يفتخر به السوداني الشمالي.

    كذاب الذي يقول في السودان ـ
    إنني الصريح
    إنني النقي العرق
    إنني المحض
    أجل كذاب

    أو الشاعر محمد المهدي المجذوب

    طليقُ لا تقـِّيدني قريشُ
    باحساب الكرام ولا تميم

    وبالرغم من ذلك ـ اتفاقاً مع الباحث ـ لا يمكن نفي النظرة الاستعلائية من قبل بعض أفراد الصفوة الشمالية حيال المواطنين في جنوب السودان. أشار الباحث إلي مقطع من قصيدة محمد عبد الحي العودة إلي سنار .
    ـ بدوي أنت؟
    لا ـ
    ـ من بلاد الزًّنج؟
    لا ـ
    أنا منكم. تائه عاد يغنيٍ بلسانٍ
    ويصلي بلسان
    قام الباحث بترجمة النص (بالأحري تأويله) كالأتي: إن الأمة الهجينة التي تغني بمئة لغة أفريقية ولكنها تصلي بلغة القرآن من غير الإشارة هنا بأن القصيدة لم تقلِ بأن الصلاة باللغة العربية أو بأن هناك من يصلي لخالقه من دون لغة القرآن، فأن القصيدة لها أبعاد ومستويات عدة وهي صورة مصغرة لتاريخ السودان فهناك إشارات إلي العهد الوثني والطقوس الأفريقية والتصوف الإسلامي وصولاً إلي الأدب الأوربي الرومانسي مثل الإشارة إلي الشاعر الألماني نوفالس ( Novalis). إن إختيار مقطع قصير جداً لقصيدة طويلة رائعة من أجل تدعيم وجهة نظر مسبقة للباحث غير جائز في البحث العلمي.
    جاء في مقدمة رواية بذرة الخلاص لفرانسيس دينق: إن الهدف الأساسي من هذا المؤلف هو إظهار أن شخصية السودان العربية الأفريقية ـ هي مصدر قوة وإثراء وإن تحقيقها لن يتم إلا إذا وقف السوداني علي ركيزتي هويته: عروبته وإفريقيته . هل أرادت مدرسة الغابة والصحراء وبقية الشعراء أكثر من ذلك.
    هذه بعض الملاحظات بهدف إثارة النقاش وتعميقه حول هذا البحث الجاد الذي يقع في 242 صفحة من القطع الكبير بجانب الخرائط والملاحق والجداول و119 مصدراً والمكتوب بلغة ألمانية رصينة ويقدم مادة غنية للطلاب والباحثين الألمان وغيرهم وإضافة للمكتبة الجامعية كمرجع في مجال تخصصه

    http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=2004\10\10-01\g...ة%20(2%20ــ%202):fff
                  

10-07-2004, 08:17 PM

Outcast
<aOutcast
تاريخ التسجيل: 04-07-2003
مجموع المشاركات: 1029

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: النزاع السوداني نموذجاً للتناقض بين الدولة والثقافة- عثمان سعيد (Re: sympatico)

    UP
                  

10-07-2004, 10:10 PM

sympatico

تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: النزاع السوداني نموذجاً للتناقض بين الدولة والثقافة- عثمان سعيد (Re: Outcast)

    الاخت الاستاذة Outcast

    تحياتي
    شكرا على الاطلاع ورفع البوست
    كل الود
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de