ويل للمتربصين- الي صاحب المنبر المريب- مقال لد/منصور خالد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-26-2024, 11:49 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2004م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-03-2004, 05:32 PM

ahmed haneen
<aahmed haneen
تاريخ التسجيل: 11-20-2003
مجموع المشاركات: 7982

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ويل للمتربصين- الي صاحب المنبر المريب- مقال لد/منصور خالد

    مقال للدكتور منصور خالد نشرته الرائ العام اليوم
    للتعليق والأفادة

    ويل للمتربصين
    الإمام الحبيب والدكتور الأديب وصاحب المنبر المريب

    بقلم: د. منصور خالد

    ترددت عندما طلب مني الأستاذ إدريس حسن مخاطبة قارئ «الرأي العام» حول اتفاق السلام عبر حوار صحفي، ودعوته أن يتمهل ريثما أتوفر على كتابة مقالات تلقي الضوء على ذلك الاتفاق التاريخي. والاتفاق كما ظللت أقول في أكثر من منبر هو أول محاولة جادة لإعادة تشكيل السودان سياسياً وإدارياً واجتماعياًَ واقتصادياً بصورة تنهي الحروب الأهلية المشتعلة، وتُزيل الاحتقانات التي تُهدد بالانفجار، وتُنهي التشوهات الهيكلية للاقتصاد. ولا مهرب من القول إن الاتفاق في مجمله حدث زلزالي سيهز عند تطبيقه الألواح التكتونية (( tectonic plates للجسم السياسي السوداني. تمنيت أن لا نُخضِع حدثاً كهذا لحديث مختزل يُحَمِل فيه المتحدث حملاً على تكثيف الأفكار وتشفير الكلمات بحكم المساحة المتوفرة للحوار الصحفي في صحيفة سيارة. تمنيت ذلك أولاً لإدراكي أن في السودان خاصة ـ وفي الوطن العربي بوجه عام ـ نوعاً من القراء، لا أكثر الله منهم، لا يفهمون غايات الكاتب مما تدل عليه معاني كلماته، بل يقرأون ما خلف السطور دون أدنى وعي أو حرص على الوعي بما احتوته وعنته السطور. ثانياًَ لأنني درجت في تناولي للقضايا العامة على الالتزام بتقاليد في البحث العلمي احتراماً لعقل القارئ ولنفسي من قبل. القضية التي بين يدينا وراءها فكر سياسي، والفكر السياسي ـ شأن أي فكر ـ صناعة مفهومية لها فروض (postulates). إنطلاقاً من تلك الفروض يقوم الباحث بتشخيص الواقع وتحليل معطياته بهدف استنبات أو استنباط حكم تدعمه تجربة امبريقية. هذا المنهج يعرفه العرب والعجم ويلتزم به الباحث المسلم والنصراني والمجوسي، ويسميه فقهاء الإسلام تطابق البرهان مع العيان. الباحث الذي لا تحكم مقالاته معايير ضابطة أو يَسند مزاعمه استدلال منطقي استنتاجي، فيرمى القول على عواهنه، أو يورد الحقائق دون توثيق، أو يخلط بين المتون والحواشي، أو لا يحيل القارئ على مصادره يصبح إمعة بين الباحثين. أما ذلك الذي لا يقرأ الوقائع إلا انتقاءً، ولا يستدل بها إلا بعد اختزال هو في أحسن الأحوال اكروبات، وفي جميعها جلاد للحقيقة (hangman of truth).

    ما انتويت أن أتوفر عليه ـ بإذن الله ـ في مقالات عشر ليس هو استعراض نصوص الاتفاق، فجميعها مبسوط على صفحات الصحف والانترنت. وبالقطع ليس هو تحليل كاريكاتيري لتلك النصوص مختزلة مقتلعة من إطارها كما فعل البعض، وهم يخلطون عملاً سيئاً بما هو أسوأ. غايتي هي إلقاء اضاءات كاشفة على الظروف التي قادت للاتفاق حتى أصبح ثنائياً، والثنائية هي ما ينعاه الناس على الاتفاق وهم على حق، إلا أنها نتاج ظروف موضوعية وليست وليدة تآمر. وعلى ضروب الإصلاح الإداري العميق الذي سيترتب عليه والذي قد يصيب جمهورية المدن الثلاث في مقتل. والتعبير ـ لمعرفة من لا يعرف ـ جاء به الراحل الأستاذ الفاتح النور وكأنه كان يقول إن دولة الخرطوم لم تكن تتسع حتى لأهالي الأبيض وأب زبد ناهيك عن سكان شنقلي طوباية. وعلى التحولات الاقتصادية الجذرية التي ستنجم عن الاتفاق، فبروتوكول اقتسام الثروة ليس هو حساب لوغاريثمي لاسلاب توزع وإنما هو ـ في جوهره ـ بداية تحول أساس في النموذج المثال paradigm shift)) لمناهج التنمية. وعلى إعادة هيكلة السلطة بما هو أبعد بكثير عما يحسب البعض أنه محاصصة بين طرفين. نلقي الضوء لمصلحة الذين يعلمون والذين لا يعلمون، فالآيات تبين لمن يعقل "قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون" (آل عمران 118،3)، كما تبين حتى للموقن "قد بينا الآيات لقوم يوقنون" (البقرة 118،2). هذا هو الإطار الذي سنتناول فيه دور القوى السياسية الأخرى في هذا التحول لأن تحولاً جذرياً بهذا الحجم لا يمكن أن يستأثر به طرفان مهما كانت قوتهما الراهنة. فلا الحركة ـ كما سنبين ـ قد استهانت بحلفائها وحسبتهم في عداد الموتى ناهيك عن الظن أنهم فوضوا لها الأمر ولسان حالهم يقول : "كل البتريدو لي لا شك جميل يا جميل"، ولا الطرفان قررا البت في أمر تَيْم وتَيْم لم تغب عن المشهد.

    ويُقضي الأمرُ حيث تغيب تَيْم

    ولا يُستأذنون وهم شهود

    ذلك أيضاً هو الموقع الذي نتناول فيه قضية التحول الديموقراطي ومفهوم شمولية الحل وقضية المشاركة في الحكم. هذه القضايا ليست تهويمات نظرية، ولا لعب ذهنية، كما ليست هي تحالفات انتهازية في لعبة توازن للقوى. فالذي نسعى إليه هو حل نهائي لأزمة وجودية لا تعالج إلا في إطار عقد اجتماعي شامل يتضمن اتفاقيات السلام ويضيف إليها. وفي خطابه عند توقيع إعلان نيروبي (5/6/2004) دعا قائد الحركة لذلك العقد قائلاً: "اقترحنا وضع عقد اجتماعي جديد ينعقد عليه وفاق شامل، ويكون ملتزماً باتفاقيات السلام، كما يوضح بجلاء محددات الحكم الصالح، وأهداف التنمية الاجتماعية والاقتصادية خلال الفترة الانتقالية. يتضمن العقد أيضاً التزاماً أخلاقياً ببعض القيم التي لا يستقيم الحكم دون الالتزام بها ويكون هذا في مدونة سلوك تضبط عمل اللاعبين السياسيين".

    تناول المحللون والباحثون وأهل السياسة الاتفاق بنقد موضوعي هادئ أبانوا خروقه، وكشفوا عن بعض ثغراته وتناقضاته، وفي الاتفاق ـ شأن أي اتفاق يسعى للتوفيق بين النقائض ـ خروق تستلزم الرتق، وثغرات ينبغي أن تسد. من ذلك مقالا محمد الحسن أحمد في الشرق الأوسط (10/6/2004 و 24/6/2004) واللذان اتسما بموضوعية وحس وطني عرف بهما الكاتب، مقالا د. حيدر إبراهيم ود الشفيع خضر في مجلة المصور القاهرية وكتب كلاهما بمهنية عالية وبحس سياسي رفيع. هناك أيضاً التحليل الضافي للاتفاق من جانب حزب الأمة، ومقال د. حسن مكي حول مخاض السلام (الرأي العام 6/6/2004)، ومقالات الأستاذ محمد أبي القاسم حاج حمد (الصحافة 20/6/2004)، وأخيراً المقال المتروي للأستاذ كمال الجزولي (30/6/2004). هذه المقالات جميعاً تُعين الباحث كثيراً على إدراك ما التبس فهمه على الناس، كما ستعين طرفي التفاوض على استدراك ما ينبغي استدراكه. ويقيني أن الأخ إدريس حسن لم يحضنا على الكتابة إلا رغبة منه في إثارة بحر السكون، كما نحسب أن أغلب القراء معنيون بمثل هذه الإضاءة أكثر من اهتمامهم بمنصور. الاهتمام بمنصور تركوه، فيما نظن، لخريجي مدرسة التفسير البوليسي للتاريخ وهي مدرسة أنجبت جحافل من سفهاء الأحلام، ومنهم من يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم.

    رغم ذلك لم يَعِّنُ لي أن هناك متربصة لا يملكون الصبر على انتظار ما سنكتب حتى يكون ردهم على بينة، ولعلهم يصيبون ضالتهم في مقتل. بدلاً عن ذلك اندفعوا في تهجم لا يصدر إلا ممن في جوفه حقد يكفي لقتل المئيين من الرجال، عافاهم الله. لم يَعِّنُ بفكري أيضاً أن بين هؤلاء ملأ ما فيه من يملأ العين بكماله، ائتمر بنا لا يبغى غير قتلنا المعنوي. هذا ما أنبأنا ـ ونحن في لندن ـ رجال تسارعوا إلينا من أقصى المدينة. عَلَّ هؤلاء الصحاب أرادوا مني التقاط القفاز، فما أنا بخارج منها كما يعلمون. وكما يعلمون أنا أجبن من أن أخاف.

    وما الخوف إلا ما تخوفه الفتى

    ولا الأمن إلا ما رآه الفتى أمنا

    في قديم الزمان كنت أوثر الصفح عن المتربصين. لا أجادلهم فجدالهم شغب أزهد فيه حماية لحبالي الصوتية. ولا أتناول ما يقولون كتابة حتى لا أسخر قلمي لنحت الصخر. وحمداً لله على لطفه بنزع الغل من صدري أمس واليوم. ذلك لطف كبير لأن الغل والحقد والغضب أحاسيس غبية تنهك(consume) من تنتابه، ولا تضر الضالين المغضوب عليهم. ولكن في اخريات العمر لم أعد اوثر الصمت على الأذى. لا أدري، ربما بسبب إفراطي في قراءة أبي الطيب: "واحتمال الأذى ورؤية جانية غذاء تضوي له الأجسام". قال لي فاروق محمد ابراهيم عند ما أطلع على بعض ما كتبت أخيراً: "لقد انتظرت حتى عقد الستينات لترد على من تجاهلتهم طوال عمرك متنازلاً عن شعارك القديم". فاروق صديق قديم منذ عهد الدراسة الأولى، وطوال ذلك الزمان ما فتر بيننا جدل ولا فترت الصداقة. كان يشير إلى شعار اتخذته للصحيفة الحائطية التي كنت أصدرها في الجامعة هو "الناس يقولون، دعهم يقولون ماذا يقولون (People say, what they say, let them say). ولعل العقل الباطن قد أخذ ينتابه خوف غريب، كخوف صلاح جاهين عندما بدأ الكلام يحتقن في صدره، والأفكار تتزاحم في عقله والزمن القصير محدود.

    أنا شاب لكن عمري ألف عام

    وحيد ولكن بين ضلوعي زحام

    خايف ولكن خوفي منى أنــا

    أخرس ويكون قلبي مليان كلام

    وعلى أي، ففي مقدمة الكتاب الذي أشار اليه فاروق قلت "لن أصبر بعد اليوم على الذين يكذبون على الأحياء ويتكذبون على الموتى". ولم أخيب ظن هؤلاء أبداً. ومنذ أن كتبت ذلك أخذ هؤلاء يتناسلون بل يتكاثرون كوحيد الخلية (الاميبا). ولن أخيب اليوم ظن وحيدي الخلايا.

    من هو هذا الملأ الذي أصبح المتحدث (منصور خالد) وليس موضوع الحديث (اتفاقيات السلام) هو مدار بحثهم ومناط تحليلهم، أو بالحرى موضوع مُسابتهم. ليسوا قوماً عاديين فمنهم الزعيم المفكر، ومنهم الأديب النحرير، ومنهم صاحب المنبر الذي تملكته فكرة طرية استهام بها أيما هيام وأخذ يوزعها على كل الصحف كما كانت توزع أقوال كيم ايل سونغ الزعيم المحبوب لأربعين مليون كوري. وليت حديث هؤلاء عنا جاء بين معقوفتين تبعه تحليل لأفكارنا. لو فعلوا لهان الأمر، ولما أولينا السباب اهتماماً أو ـ على الأقل ـ نفس القدر الذي نوليه له الآن. كأنهم جميعاً رموا عن قوس واحدة لتحقيق هدف واحد هو الإئتمار بموسى ليقتلوه، وما فعل موسى غير الاستجابة لرغبة صحفي هميم أراد إثارة بحر السكون بتعصيف فكري يتمحور حوله النقاش.

    وحتى لا أذهب للتخليط أقول إنه رغم التقاطعات في تعديات المتهجمين فثمة فروق بينها: صاحب المنبر، مثلاً، انطلق من فهم خاص به للهوية السودانية، وهذا حقه فله فهمه ولنا فهمنا. وكما أسلف في تعليق سابق حول ذلك الفهم قلنا إن الدعوة لفصل الجنوب ليست بالأمر البدع إذ نادى بها كثيرون في الشمال من قبل مثل يوسف التني، حسن محجوب، حسن وحسين الكد، وكانوا أمناء مع أنفسهم. الهوية السودانية عند هؤلاء هي الهوية العربية الإسلامية، في اعتقادهم، وهي هوية عذراء لا تشوبها مخلفات النوبية المسيحية التي درست وانمحت ولم يبق لها مكان إلا في المتاحف، ولا يصح أن تلوثها الثقافات الأفريقية "المستحقرة" وهي مستحقرة لأنها، في تقديرهم، لا تملك ما تضيف للحضارة "الأعلى". ولو قبل أهل الحل والعقد ذلك الرأي يومذاك لما قامت حروب. أهل الحل والعقد أقسموا على أن يبقى السودان موحداً ولو بحد السلاح، فكانت الحروب. ثم جاء من بعدُ على الناس زمان اختلط فيه الدفاع عن الوطن وحماية أراضيه بالجهاد في سبيل الله، واختلط فيه الرأي المعارض في السياسة بالجحود لشرع الله، وبسبب من ذلك غدا الإرهاب فصيحاً والعنف عارياً. كل ذلك باسم الدين علماً بأن الله لم يسوغ حتى للأنبياء ظلم البشر وان كفروا. ولا سبيل لمن دفعوا بالسودان في هذا السبيل حتى تهتكت أنسجته العضوية في الشمال والجنوب معاً أن يرتدوا اليوم مسوح الوطنية ظانين أن في سلطان النسيان معين. نحن لا نخاطب أفكار حسن محجوب والتوأمين الكد رحمهم الله جميعاً، وانما نخاطب مهندس ساحات الفداء. لن نترك له منجي ولا مهرب، كلا لاوَزَر.

    حديث المهندس صاحب المنبر تقاطع مع حديث الكاتب النحرير حول مؤامرة تحاك ضد الهوية العربية الإسلامية. وحين ترك الأول الموضوع الأساس وهو اتفاقيات السلام أخذ يغوص في الاضابير بحثاً على خطب ومقالات قرنق، كان الثاني أكثر وضوحاً. قال: "التغيير الذي تتبناه الحركة هو تغيير في هوية السودان وفي تركبية وميزان القوى فيه بحيث يصبح الجنوب كتلة متماسكة قوية تتمتع بحشد دولي كبير وهيمنة عسكرية واقتصادية وسياسية في مواجهة كيانات ضعيفة في الشمال تشعل فيه نيران الفتنة القبلية والجهوية والعنصرية دول جوار معينة" (الرأي العام 21/6/2004). وفي الحالتين لم يبين الكاتبان عناصر هذه المؤامرة في الاتفاق وفي أية صفحة من صفحات البروتوكولات (مشاكوس 16 صفحة)، (الإجراءات الأمنية 7 صفحات)، (اقتسام السلطة67 صفحة)، (اقتسام الثروة 24 صفحة) برتوكول ابيي (9 صفحات)، البرتوكول حول المنطقتين (20 صفحة) أو لعلها في برتوكولات وقف العدائيات. هذا النوع من الحديث يذكرني بما كان يقوله حول البنود السرية الذين كادت تقتلهم الغيرة قتلاً من نجاح نظام مايو في تحقيق اتفاق أديس أبابا 1972، خاصة والاتفاق لم يتجاوز تطبيق قرارات لجنة الأثني عشر التي عجزت عن تنفيذها الأحزاب التي وقعتها.

    المتربصان الآخران منهما الزعيم المفكر الصادق المهدي والذي هو ـ بحق ـ مفكر ذو حضور اتفقت معه أم اختلفت. هو أيضاً زعيم ذو زهاء أي سند، كما هو رقم في السياسة لا يمكن تجاهله. تعجبت كثيراً لانفعاله بما قلت إذ لم أذكره بشر في حواري الصحفي إلا ان كان هناك ما تخيله من قراءته لما بين السطور في الإشارة مثلاً للـ "القوى التقليدية". قال إن "المارشال منصور" يرغب في إقامة مايوية جديدة "يُنََمِر" فيها جون قرنق أي يجعل منه نميرياً. وشكراً للصادق عندما ذهب للتفريق بين قائد الحركة ومستشاره ففي ذلك تطور حميد في التفكير. فقرنق بحمد الله لم يعد هو أمير الحرب، ولم يعد هو صاحب الأجندة الحربية. لقد كتبت عن الصادق الكثير الذي لم يُرضِه ولعله لم يُرضِني على المستوى الشخصي. وأذكر أني بعثت بمسودة كتابي الأخير لصديق عرف بالنصفة والموضوعية ليقضي ان كنت قد قسوت على الصادق في كتابي، وجاءني رده "طالما كانت الحقائق التي ذكرت مثبتة فالحقائق هي التي قست على الرجل وليس أنت". مع هذا حرصت على أن لا يؤثر كتابي على العلائق الخاصة بيننا، وبالقطع أن لا تؤثر على موقف الحركة التي أنتمي لها مع حزب الأمة آرائي كمؤرخ سياسي أو اجتماعي واجبه هو تسجيل التاريخ لا تحويره. الصادق لا يتريث أبداً في أحكامه حتى بعد أن صار إماماً. يترصد دوماً كل حدث في العالم، ويندفع لابداء الرأي فيه وكأنه أصيب بشهوة إصلاح الكون. ولايبدي الرأي أولاً لخاصته من الناصحين حتى يُمحصَ بل ينطلق به دوماً إلى مؤتمر ارتجاليimpromptu) ) لا يبالي فيه بما يقول. فالإمام، مثلاً، لا ينبغي أن يكون شتاماً وله في عبدالرحمن اسوة. كان الإمام عبد الرحمن يقول للسعاة: "البشتمني بَسِد اضاني من شتيمته والبِكَضب علي بصدقه. أنا داير ألم الناس". أو هل أتى "الأخ الحبيب" خبر هذا. "الأخ الحبيب" أيضاً يغضب أشد الغضب ان أصابه أحد بنقد، رغم أنه صاحب رأي في كل شئ، ولآرائه في بعض الاحيان حدة بالغة. يكاد يوحي دوماً أنه لا يخطيء ولا يهفو، وتلك من صفات رب العباد. حاله يذكرني بالفيلسوف بانقلوس في قصة فولتير كانديد، فبانقلوس كان رغم كل الكوارث المحيطة به يظن أنه يعيش في حديثه ورود ولعل رئيس تحرير «الرأي العام» أراد أن يذكرنا جميعاً أنا خطاءون عند ما كتب "من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر" (الرأي العام 17/6/2004) قال: "اعتاد بعض السياسيين في هذا البلد أن يكيلوا الاتهامات لبعضهم البعض وكل فريق منهم يحمل الفريق الآخر ما حدث من أخطاء في مسيرة العمل ناسين ان للناس عقولاً ترصد وذاكرات تخزن وأن التاريخ القريب مازال معاشاً".

    المتربص الثاني ما زال يحتسب زعيم الحركة أمير حرب، ومازال يظن أن د. منصور (وليس المارشال منصور) هو أس البلاء، وأن أصل كل هذه الحركة هو رغبة شمالي طامح جعل الجنوبيين يرفعون سقف مطالبهم التي كان ينبغي أن لا تتجاوز الحكم الذاتي أو على الأكثر الانفصال. قال "كان على د. منصور إذا أراد الاتكاء على الحركة الشعبية أن يرفع من سقف طموحاتها من حركة إقليمية حقيقة وواقعاً إلى أكثر من مجرد حركة قومية بل حركة تسعى للسيطرة على الشمال" (الرأي العام 23/6/2004). في هذا الحديث ما هو أكثر من التجاهل المرعب للحقائق، وأكثر من الاستهانة بعقل القارئ والاستحقار له. فيها أيضاً ما هو أكثر من الاستحقار للجنوبيين الذين يرى الكاتب أنهم "حقيقة وواقعاً" لا يمكن أن يكونوا إلا جنوبيين. وأنهم جميعاً بقانونييهم، وأطبائهم وعسكرييهم، "ودكاترتهم" في انتظار "ود رحمة" عصري، لا لكي يدلهم كيف يرتقون بسقف طموحهم، بل ليحملهم على هذا تحقيقاً لمصلحته لا مصلحتهم. فلتات اللسان تنبئ دوماً عما يخفيه القلب، وهذه وأيم الحق جاهلية سفيانية مثل تلك التي حدت بابن حرب أن يقول: "لا خير في مكان يكون فيه بلال شريفاً". البلوى أن يكون أبو سفيان مشلخاً.
                  

07-03-2004, 06:10 PM

Shinteer
<aShinteer
تاريخ التسجيل: 09-04-2002
مجموع المشاركات: 2525

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ويل للمتربصين- الي صاحب المنبر المريب- مقال لد/منصور خالد (Re: ahmed haneen)

    فووووووووووووووق
                  

07-03-2004, 10:10 PM

Shinteer
<aShinteer
تاريخ التسجيل: 09-04-2002
مجموع المشاركات: 2525

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ويل للمتربصين- الي صاحب المنبر المريب- مقال لد/منصور خالد (Re: Shinteer)

    One more Foag .. for the sake of all.o
                  

07-04-2004, 01:16 PM

عبدالماجد فرح يوسف
<aعبدالماجد فرح يوسف
تاريخ التسجيل: 05-06-2004
مجموع المشاركات: 1178

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ويل للمتربصين- الي صاحب المنبر المريب- مقال لد/منصور خالد (Re: ahmed haneen)

    Quote: محمد الحسن أحمد في الشرق الأوسط (10/6/2004 و 24/6/2004) واللذان اتسما بموضوعية وحس وطني عرف بهما الكاتب، مقالا د. حيدر إبراهيم ود الشفيع خضر في مجلة المصور القاهرية وكتب كلاهما بمهنية عالية وبحس سياسي رفيع. هناك أيضاً التحليل الضافي للاتفاق من جانب حزب الأمة، ومقال د. حسن مكي حول مخاض السلام (الرأي العام 6/6/2004)، ومقالات الأستاذ محمد أبي القاسم حاج حمد (الصحافة 20/6/2004)، وأخيراً المقال المتروي للأستاذ كمال الجزولي (30/6/2004). هذه المقالات جميعاً تُعين الباحث كثيراً


    الأخ أحمد حنين

    سلام نافذ
    أشكرك جزيلا علي إعادة نشر مقال د. منصور خالد.
    لقد أشار الدكتور منصور خالد لبعض المقالات التي تحلل جوهر نيفاشا في نار هادئة وهي موجودة في القطوف أعلاه, هل بإمكانك أخي أحمد حنين الحصول عليها وزجها في هذا البوست القيم, فنحن في أمس الحوجة لمثل هذه القراءات العميقة لـ(نيفاشا) وحوجتنا أكثر لإستيعاب مدي قدرة هذا المخلوق القديم الجديد أن يمشي علي ستة أرجل في وحل الجنوب ورمال صحراْء الشمال. فالأصوات التي تصرخ قبل أن تفكر قد أصابتنا بالغثيان وبعثرت أمهات فكرنا السياسي وقادت مراد ونوايا ما ذهب اليه المشرع الي مجرات ضخمة نتوه فيها ونصير إلي لاشئ
    في الإنتظار
    عبدالماجد
                  

07-04-2004, 05:38 PM

ahmed haneen
<aahmed haneen
تاريخ التسجيل: 11-20-2003
مجموع المشاركات: 7982

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ويل للمتربصين- الي صاحب المنبر المريب- مقال لد/منصور خالد (Re: ahmed haneen)

    الأخ عبد الماجد تشكر يا غالي
    علي كلماتك ،، الرائعة
    وبداية اليك مقال محمد الحسن احمد
    المنشور بالشرق الأوسط في 10يونيو 2004

    السودان بين القديم والجديد والبديل..؟
    محمد الحسن أحمد

    رحبت كل القوى السياسية السودانية بمجمل الاتفاقات التي وقعت بين الحكومة والحركة الشعبية، باستثناء بروتوكول قسمة السلطة الذي تحفظت عليه قوى المعارضة الشمالية، وقطاعات مقدرة من القوى السياسية الجنوبية، لأنه لم يكن متوازناً، وافترض اغلبية أهل الشمال من الموالين لحزب الحكومة والأغلبية في الجنوب تابعة لحركة قرنق، ما يعني ان الطرفين غلبا مصالحهما الحزبية على المصلحة القومية، ومع ذلك فإن هذه القسمة يمكن اعادة النظر فيها بحسبانها لا تخل بجوهر الاتفاقات التي تهدف الى رفع المظالم وتحقيق المساواة وقسمة الثروة.
    وهناك طرق عديدة لمعالجة هذا الخلل في قسمة السلطة سواء بالرجوع الى سجلات آخر انتخابات ديمقراطية وتبيان حصة كل حزب منها واعتمادها في نسب التوزيع أو التواصي على قاعدة ما تضمن مشاركة معقولة ومرضية لكل القوى السياسية إن في الجنوب أو الشمال.
    ولا تبدو حصص المواقع في السلطة في الفترة الانتقالية من الأهمية بمكان الا اذا خشي البعض من استخدام تلك المواقع بما يخل بقوميتها ويجعلها عرضة للاستثمار الحزبي ومن ثم ينعكس اثر ذلك على نتائج الانتخابات القومية المقرر ان تجرى في نهاية السنوات الثلاث الأولى من الفترة الانتقالية.
    ولا شك ان اكبر مكسب في مجمل هذه الاتفاقات على الصعيد السياسي هو التأكيد على اجراء انتخابات ديمقراطية في كل البلاد وبمراقبة دولية، وحتى تكون تلك الانتخابات نزيهة وحرة ينبغي ان تكون الحريات متوافرة ومعززة والفرص متكافئة للجميع، واذا تيسرت كل تلك المتطلبات فإنها بلا شك تجعل من نسب التوزيع في السلطة الانتقالية أمراً غير ذي بال بالنظر إلى ان برنامج الفترة الانتقالية هو برنامج تراضى عليه الجميع، بل هو جماع اتفاقات السلام المفضية بعد ست سنوات الى بناء السودان الجديد اذا احسن الجميع تنفيذها. وبالتالي فإن القوى الحزبية عليها ان تتهيأ للتنافس في الانتخابات القادمة بعد ثلاث سنوات.
    وحتى الآن لم تبادر الحكومة ولا الحركة باجراء اية اتصالات بالقوى السياسية الاخرى لأخذ موافقات موثقة على ما تم التوصل إليه من اتفاقات أو لتقديم رؤية للمشاركة في السلطة أو بطرح مضمون المنبر القومي الذي اعلن عنه الرئيس البشير. لكن الميرغني رئيس التجمع الوطني الديمقراطي زعيم الحزب الاتحادي صرح لـ«الشرق الأوسط» بما يفيد اضطلاع القاهرة بدعوة كل القوى السياسية للتداول حول اتفاق السلام بما يحقق الاجماع ويؤمن استقرار السلام العادل والشامل. بينما المهدي زعيم الانصار وحزب الأمة ابدى زهده في المشاركة في السلطة مشدداً على ضمان كل الحريات بما في ذلك استقلال القضاء ولجنة الانتخابات والاصلاح الدستوري، ويعتقد ان وجود حزبه في المعارضة أربح له في الانتخابات القادمة.
    واذا كانت مسألة المشاركة في قسمة السلطة لا تبدو انها عقبة كأداء عصية على الحل اذا توافرت وتعززت كل فرص الديمقراطية في الشمال، فإن الأمر قد لا يبدو كذلك بالنسبة للجنوب ما لم تواجه الحركة الشعبية الموقف بما يستحقه من توازنات قبلية وجهوية وسياسية علما بأن لغات الحوار اذا احتدت سرعان ما تتحول هناك الى اطلاق نار!
    ولا بد ان يعجب المرء كيف فات على الوسطاء والشركاء وقد اشرفوا على كل صغيرة وكبيرة ومارسوا ضغوطا عديدة على الطرفين اثناء المفاوضات، ان يتركوا لهما قسمة السلطة ليستأثرا بجلها على نحو يجعل كل القوى الاخرى على هامشها وبما يهدد الاتفاق والسلام، ويغري فئات اخرى بأن القوة فوق الاغلبية! يرجى ان تكون تلك مجرد هفوة غير مقصودة وان يبذل الجميع جهداً لتداركها طالما ان كل القوى السياسية باركت الاتفاق الاساسي وتجاوزت عن اقصائها من المشاركة في مداولاته في المبتدأ.
    وغني عن القول ان الكل على قناعة بان هذا الاتفاق في نصوصه ينصف اهل الجنوب الى اقصى حد، ولكن البعض يتساءل: ماذا عن دارفور وكل اقاليم السودان الاخرى؟ والاجابة ببساطة، ان هذا الاتفاق باستثناء ما يتعلق بهيكلة (حكومة الجنوب) وبعض الجوانب الاخرى فإنه معد للتطبيق في كل اقاليم السودان حتى يكون هناك توازن في الدولة فعسى ان يصبح السودان بوضعه المتجدد «الولايات السودانية المتحدة».. على وزن الولايات المتحدة الامريكية مع الفارق!
    ولكن هذا الاتفاق لكي يطبق تطبيقا عمليا يلزم على الحكومة ان تستعين بكل المؤسسات الدولية المعنية للقيام بدراسات شاملة ومفصلة لكل الاوضاع في اقاليم السودان المختلفة للتعرف على احتياجاتها الاساسية وما يجمع ويميز بينها حتى يكون الصرف على الاحتياجات والتنمية متوازنا بما يخلق سودانا جديداً متكافئاً بصورة عادلة ومرضية. واحسب ان مثل هذه الدراسة ستزيل من اذهان الكثيرين اوهاماً عششت بأن اقليما بعينه كان مستأثراً بكل شيء دون سواه واعني به الاقليم الشمالي الذي ليس لدي ادنى شك انه من افقر الاقاليم على الاطلاق، ولم ينل اي قسط يذكر من التنمية منذ بداية عهد الاستقلال وحتى الآن.
    وحتى لا يفهم من هذا الكلام ان هناك اقليما ما يرفل في بحبوحة من العيش والرخاء أقول ان السودان كله في حالة متردية من الفقر، وفقا لتقارير الأمم المتحدة، بل هو من اكثر الدول فقراً حسب القائمة المعروفة. والسبب الاساسي هو الحرب التي أكلت الاخضر واليابس كما يقولون، ولكن في غمرة الصراعات والمكايدات ينسى البعض هذه الحقيقة فيصنعون شماعات كثيرة لتأجيج صراعات كان آخرها شماعة التطهير العرقي العربي للعرق الافريقي في دارفور. وكذلك نسبة مآسي دارفور بأسرها الى القتال الذي اندلع اخيراً أو قبل عام على الأكثر! وما كان لما جرى أن يجد كل هذا الحشد الاعلامي العالمي لولا ابتداع شماعة للنيل من العروبة والعرب لاهداف لا تخفى على أحد علماً بأن دارفور بعرقها الافريقي كانت الجهة الاعرق في الترابط الاسلامي العربي في السودان وكانت صاحبة المحمل المشهود والمشهور بالكسوة المشرفة كل عام منذ ما يزيد على المائة عام. وهي قطعا اهم لؤلؤة في عقد التواصل العربي الافريقي ولذلك فإن تشتيت ذلك العقد يدخل ضمن اهداف معروفة ليس هذا مجال الخوض فيها الآن.
    وبما ان السودان مستهدف في تميزه الجغرافي وثرواته المتعددة ونسيجه الاجتماعي المتداخل والمتنوع ودوره المنتظر والفاعل على الصعيدين العربي والافريقي فإن ما نلمسه من ضغوط عالمية عليه الآن ما هي الا بدايات لهجمات لن تقطع خصوصا عندما يبدأ تنفيذ اتفاق السلام، ولذلك فإن على كل قواه السياسية الحية ان تتوحد لتواجه التحديات الآنية والآتية وتعمل بكل ما تستطيع حتى يتحقق السلام ويتحول الوئام الى حقيقة وتنتصر ارادة التوحد.
    وقطعا يحتاج السودان الى وقفة صلبة وواعية وباذلة من كل اشقائه العرب حتى يساهموا في درء الهجمات الموجهة اليه وهي بالدرجة الاولى موجهة اليهم والى مجمل العلاقات العربية الافريقية.
    ان الحكومة السودانية في المبتدأ مدعوة لكي تبدل من سلوكياتها في الزعم بأنها تمثل غالب أهل السودان وان تنفتح على كل القوى الاخرى حتى يشارك الجميع في تحمل المسؤولية واضعين امام اعينهم السودان قبل احزابهم وكياناتهم ومواقعهم وما لم يفعلوا ذلك فإن القوى المتربصة بالسودان سوف تفترسهم جميعا، وساعتها لن تقوم للسودان قائمة سواء بشكله القديم أو تحت شعار السودان الجديد وانما سيكون السودان البديل، وهو بديل بكل ما تعني هذه الكلمة من عداء لمحيطه العربي وتحطيم لجسوره العربية الافريقية. فهل تستيقظ الحكومة؟ وهل تجدد القوى السياسية رؤيتها؟ وهل يلتفت العرب إلى آخر حصونهم في القارة؟
                  

07-04-2004, 06:54 PM

محمد حسن العمدة

تاريخ التسجيل: 03-31-2004
مجموع المشاركات: 14086

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ويل للمتربصين- الي صاحب المنبر المريب- مقال لد/منصور خالد (Re: ahmed haneen)

    الاخ الغالي احمد حنين
    شوف رغما عن انو الواحد لسه ما احتك بيك لكن برضو غالي

    انا اتبرع ليكم براي حزب الامة في برتوكولات السلام الستة واتمنى ان تجد النقاش الهادي والمريح

    Quote: بسم الله الرحمن الرحيم
    17 يونيو 2004م
    موقف حزب الأمة من بروتوكولات السلام

    مقدمة:
    لقد ظل حزب الأمة يعمل جاهدا لإحلال السلام في السودان وظل يدعم كل جهد وطني لإحلال السلام بكل ما يملك. وظل يبشر بالحل السلمي القومي الديمقراطي بالحوار والتفاوض لأن البلاد لا تحتمل الاحتراب ولأن مشاكلها تستعصى معالجتها وإدارتها على أية مجموعة منفردة فلا بد من قومية الحلول.
    وظل على ذلك النهج طوال مسيرته ونذكر على سبيل المثال بعض مجهودات الحزب منذ إعلان كوكادام في مارس 1986م ثم المبادرة السودانية في نوفمبر 1988م والتي تطورت لتصبح برنامجا شاملا لحكومة وحدة وطنية وقع عليها 29 حزبا ونقابة في مارس 1989م وانتهى الحوار مع الحركة الشعبية إلى وقف لإطلاق النار وتحديد موعد للمؤتمر الدستوري في سبتمبر 1989م، تم كل ذلك دون الحاجة لوساطة طرف ثالث ودون اللجوء لحق تقرير المصير. ولما قطع انقلاب يونيو 1989م الطريق على ذلك المسعى استمر الحزب في تقديم مبادراته في نفس الاتجاه فقدم رئيس الحزب مذكرة في 7/7/1989م تدعو ضمن ما تدعو للاستمرار في البرامج القومية السابقة ومنها برنامج السلام. وقدم الحزب مشروع "نحو سلام عادل" في أغسطس 1992م ثم ورقة تقرير المصير في نوفمبر 1993م بعد أن جعلت الإنقاذ ذلك المطلب أمرا واقعا بسياساتها الأحادية الإقصائية وبمناوراتها بذلك الحق في اتفاقها في فرانكفورت مع فصيل منشق عن الحركة الشعبية. واستمر حزب الأمة في بلورة أسس الحل السياسي الشامل فساهم مع القوى السياسية في مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية يونيو 1995م وفي إعلان طرابلس أغسطس 1999م الذي تطور للمبادرة المشتركة ثم في نداء الوطن نوفمبر 1999م الذي هو عبارة عن إعلان مبادئ للحل السياسي الشامل.
    وساند حزب الأمة كل مساعي ومبادرات العملية السلمية مؤمنا على إيجابياتها ومقترحا استكمال النقص فيها.فرحب حزب الأمة بإعلان مبادئ مبادرة الإيقاد في1994 واعتبرها خطوة للأمام لأنها وضعت أسساً معينة قيدت التفاوض وأشركت جيران السودان في القرن الأفريقي واستقطبت اهتماماً دولياً حميداً.ونبه للقصور الذي صاحبها والمتمثل في اقتصارها على طرفين من أطراف النزاع وتغييبها لدول الجوار في شمال إفريقيا وقصور صيغة إعلان المبادئ.ولما تعثرت وساطة الإيقاد لعوامل عديدة منها اختلاف دول الإيقاد نفسها بعد الحرب الإثيوبية الإريترية برزت المبادرة المشتركة.ساهم حزب الأمة في بروز المبادرة المشتركة التي استدركت بعض النقص في مبادرة الإيقاد ولكن لازمتها عيوب قعدت بها ،منها خلوها من حق تقرير المصير ومن آليات عملية لتسيير أعمالها نبه لها الحزب وسعى للتوفيق بين المبادرتين.
    عملية السلام والبروتوكولات الستة:
    أقنع العمل العسكري، بالإضافة للسند الشعبي السوداني العريض والسند الإقليمي والدولي، أقنع النظام في النهاية بمراجعة موقفه في عام 1996م وبتبني معظم مبادئ مؤتمر أسمرا. لم تأخذ المعارضة ذلك التحول في موقف النظام بجدية إلا بعد عام 1999م. وعلى كل حال فقد جعلت مشاعر المرارة بين الطرفين الأساسيين للنزاع المسلح الرئيسي وساطة طرف ثالث أمراً ضرورياً. تم تغذية مبادرة وساطة الإيقاد بعد 2001م برافع دولي "أمريكي على وجه التحديد". منح هذا الرافع وساطة فعالة. بالإضافة للتسهيل والتحكيم وحرك عملية السلام الحالية في يناير 2002م.
    أظهر طرفا النزاع المسلح الرئيسان "حكومة السودان والحركة والجيش الشعبي لتحرير السودان" منذ ذلك الحين جدية ومثابرة في السعي في مفاوضات السلام.
    قادت المفاوضات إلى تدابير بناء الثقة الأربعة: تحديداً: وقف إطلاق النار المراقب بجبال النوبة إجراءات للتأكد من تدفق العون الإنساني في مناطق الحرب، جسم لتأمين حماية المدنيين وللتحري عن مزاعم الرق والاختطاف.


    ولما تم توقيع بروتوكول ماشاكوس في 20/7/2002م رحب حزب الأمة بقوة بذلك الاتفاق وساهم بقوة في قيادة الرأي العام لمساندته وقدم حزب الأمة ملاحظاته على البروتوكول وعلى مجمل عملية السلام. ومنذ ذلك الحين تم التوصل لعدة اتفاقات بين طرفي التفاوض هي:
    اتفاقية الترتيبات الأمنية في سبتمبر 2003م واتفاقية قسمة الثروة خلال الفترة الانتقالية في يناير 2004م وبرتوكول قسمة السلطة وبروتوكول حل النزاع في جنوب كردفان/جبال النوبة والنيل الأزرق وبروتوكول حل النزاع في منطقة أبيي في 26 مايو 2004م.
    معايير عملية السلام:
    وقبل الدخول في الدراسة التفصيلية لتلك الاتفاقات يجب أن نقدم معايير موضوعية ومقبولة لتقييم عملية السلام والاتفاقات التي تمت إلى الآن حتى يتم البناء على إيجابياتها وتقويم سلبياتها وصولا لسلام مستدام. تنبني تلك المعايير على المبادئ التالية:
    1- إنهاء الحرب الأهلية الحالية ومنع استخدام العنف كوسيلة لتحقيق أغراض سياسية وإزالة أسباب النزاع المسلح.
    2- إقرار مبدأ الحلول الوسطى والتنازلات المتبادلة بدلا عن محاولة الإملاء من طرف على الآخرين.
    3- التخلي عن الاستبداد الذي يقود للحكم الفاسد وضرورة إقرار برنامج التحول الديمقراطي وإقامة الحكم الراشد الذي يقوم على المشاركة والمساءلة والشفافية وحكم القانون.
    4- الاعتراف بالتعدد الديني والثقافي والإثني والإقليمي والاعتراف بحقوق مثل هذه المجموعات الوطنية دون الإخلال بمساواة المواطنين في الحقوق والواجبات. كذلك يجب تعميم معايير العدالة والإنصاف التي ستعالج مظالم الجنوب للاحتراز من ومعالجة المظالم الثقافية والإقليمية الأخرى.
    5- مخاطبة المظالم التي قادت لظهور تقرير المصير وخلق الظروف التي ترجح خيار الوحدة وتبعد شبح الانفصال الذي ستنجم عنه مشاكل أعظم من مشاكل الوحدة.
    6- قومية الاتفاق بدلا عن ثنائيته. فكل الاتفاقات الثنائية كان مصيرها الفشل مثل اتفاقية أديس أبابا 1972م واتفاقيات السلام من الداخل وغيرها. بينما بقيت كل الاتفاقيات القومية: مثل اتفاقية كل الأحزاب السودانية 1953م التي مهدت الطريق للاتفاقية الأنجلو-مصرية 1954م واتفاقية كل الأحزاب للتخلي عن الاستفتاء وإعلان استقلال السودان بقرار من البرلمان. لا بد من ترقية الاتفاقية الثنائية إلى المستوى القومي حتى تكون مستدامة.
    7- يجب أن تكون اتفاقية السلام موضوعية بحيث لا تخلق سوابق لا يمكن تبريرها أو الدفاع عنها تفتح أبوابا للفتن والمشاكل لأجل مصالح ضيقة.
    8- ضرورة كسب تأييد جيران السودان للاتفاقية وكذلك المجتمع الدولي العريض.
    موقف حزب الأمة من اتفاقات السلام:
    لقد أخضع حزب الأمة كل اتفاقات وبرتوكولات السلام لتلك المعايير ورحب بها جميعاً باعتبارها خطوات في طريق إيقاف الحرب وتحقيق السلام ونبه للأخطاء المصاحبة لها مقترحاً الحلول لتجاوزها. ونسبة لدقة الظرف الذي تمر به البلاد ولأهمية إشراك الرأي العام السوداني بكل قطاعاته: السياسية والشعبية والمدنية والمهنية ولأهمية الدور الذي يجب أن تلعبه في تحقيق الأهداف الوطنية العليا: السلام العادل والتحول الديمقراطي وبناء الأمة، رأينا أن نصدر هذا الرأي المفصل.
    1) بروتوكول ماشاكوس 20/7/ 2002م
    لما تم توقيع بروتوكول ماشاكوس رحب به حزب الأمة ترحيباً كبيراَ وساهم في قيادة الرأي العام السوداني للالتفاف حوله وشجع الطرفين على المضي قدماً في ذلك الاتجاه وأصدر ورقة "استراتيجية السلام العادل في إطار الحل السياسي الشامل" في 28/ 7/ 2002م. بين حزب الأمة في تلك الورقة المستجدات التي أفضت للاتفاق وأعلن ترحيبه بالبروتوكول مؤكداَ أن قيمته ليست في نصوصه لأن كثيراً من تلك النصوص قابل لاختلافات التفسير ولكنها تكمن في أنه:
    i- أداة عبور من الاستقطاب للتواصل.
    ii- آلية تعبير عن نوايا وفاقية.
    iii- رمز لإرادة السلام وبشرى بقرب حلوله.
    وأيد الحزب ثلاثة مبادئ هي:
    i- مبدأ ضبط العلاقة بين الدين والدولة بصورة توفق بين الحرية الدينية والوحدة الوطنية.
    ii- مبدأ تقرير المصير بصورة تعطي أولوية للوحدة بعد إقامة نظام انتقالي عادل وقادر على جذب التأييد للوحدة الطوعية.
    iii- مبدأ تحديد طول الفترة الانتقالية وتأكيد وظيفتها الإصلاحية.
    وأبدى بعد ذلك الملاحظات والإضافات المطلوبة لإزالة الغموض في قضايا أهمها:
    1. أن يكون الدستور القومي مهيمناَ على ما سواه من نظم قانونية والاتفاق على أن تتنوع النظم القانونية بالصورة التي توفق بين الوحدة الوطنية والحقوق الدينية.
    2. تحديد الصلاحيات المركزية والولائية بوضوح والنص على الصلاحيات المركزية الآتية: السيادة الواحدة- العلم- العملة- القوات المسلحة- التخطيط القومي- القضاء الدستوري.
    3. آلية الاتفاق على الدستور ينبغي أن تكون قومية.
    4. تضمين اتفاقية السلام في الدستور.
    5. أن يكفل الدستور حقوق الإنسان كما وردت في المواثيق الدولية.
    6. تحديد السلطات الثلاث للدولة وكيفية تكوينها ديمقراطياًَ والفصل بينها توخياًَ للعدالة.
    ثم اقترح الحزب نقاطاً توفيقية لنقاط التفاوض المتبقية.
    مبادرة الأمة للتعاهد الوطني ديسمبر 2002م:
    في ديسمبر 2002م طور حزب الأمة الورقة الاستراتيجية إلى مبادئ شاملة هي "مبادرة الأمة للتعاهد الوطني". انبنت تلك المبادرة على ثلاثة محاور هي:
    1. محور النقاط التي اتفق عليها الطرفان في ماشاكوس ولكن دون الدخول في تفاصيل حيث فصلت المبادرة تلك النقاط.
    2. محور النقاط المختلف عليها بين الطرفين، حيث قدمت مقترحات حلول وسطى.
    3. محور النقاط الهامة التي أغفلها التفاوض فقدمت المبادرة مقترحات بها.
    بلغ مجمل النقاط في المحاور الثلاثة أكثر من ثلاثين نقطة قدمها الحزب للقوى السياسية والمدنية الداخلية ولطرفي التفاوض وللوسطاء وقاد بها حملة تعبئة واسعة ساهمت في بلورة الرأي العام تجاه تلك القضايا.
    2. اتفاقية الترتيبات الأمنية في الفترة الانتقالية 25 سبتمبر 2003م:
    أصدر حزب الأمة في 29 سبتمبر 2003م رأيه في اتفاقية الترتيبات الأمنية والعسكرية وأبدى قبوله لجوهر الاتفاقية باعتبارها تعكس صورة واقعية للوضع الميداني وأعلن الآتي:
    1. الترحيب بمبدأ نبذ العنف والتمهيد لوقف شامل لإطلاق النار.
    2. هناك بعض الملاحظات والمآخذ أهمها:
    i- غياب المشاركة الوطنية وعدم التوازن في المشاركة الخارجية.
    ii- اختزال القومية في الشراكة بين الطرفين الذين اعتبرا القوات المشتركة بينهما نواة للجيش القومي.
    iii- النص على استيعاب الجنود الجنوبيين العاملين في القوات المسلحة السودانية بعد تقليصهم في مؤسسات حكومة جنوب السودان نص ضار يؤثر على معنويات القوات المسلحة وعلى الوحدة الوطنية. والصحيح أن يترك للجنوبيين في القوات المسلحة حرية الاختيار في مواصلة العمل فيها.
    iv- ترك الاتفاق خيارات ضيقة للقوات المسلحة الأخرى خارج الطرفين مما يفتح الباب لتحفظاتها وعدم قبولها بهذه الترتيبات.
    v- لا تتحدث الاتفاقية عن خضوع القوات المسلحة للقرار المدني الديمقراطي التعددي ولا عن قومية تكوينها والتزامها. والصحيح: فيما يتعلق بالعقيدة العسكرية الجديدة المطلوب الالتزام بها يجب النص على امتثالها للشرعية الدستورية وتجنبها الخوض في صراع السلطة. وكذلك النص على قومية تكوينها والتزامها.
    vi- النص على استيعاب المليشيات الأخرى يتناقض مع النص على الالتزام بقاعدة تقليص القوات ويتناقض مع مبدأ التوازن.
    vii- تقسيم القوات على أساس عددي تقسيم يفتقر للدقة والصحيح أن يتم التقسيم على أساس التنظيمات العسكرية والوحدات المعروفة (كتائب- لواءات ...الخ) مع ضبط الأعداد.
    viii- علاقة هيئة القيادة المشتركة بالرئاسة غير واضحة. والصحيح أن يكون هناك مجلس دفاع وطني مؤهل لتداول الأمر من زواياه العسكرية والسياسية.
    ix- هناك قضايا هامة أغفلتها الاتفاقية وتحتاج لبحث قومي وفني أشمل وهي:
    • كيفية تحقيق قومية القوات المسلحة.
    • خطة هيكلة وإصلاح القوات المسلحة والتعامل مع قضية تصفية الكفاءات العسكرية.
    • التوجيه المعنوي الجديد الذي يزيل تاريخ العداء ويتخلص من النزعة الأيدلوجية.
    • أثر الاتفاق على الأمن القومي السوداني وكيفية مواجهة المخاطر.
    • قضايا وقف إطلاق النار والدور الدولي.
    • حجم القوات المسلحة المناسب في ظل التطبيع.
    الاتفاقية الإطارية لقسمة الثروة 7 يناير 2004م:
    أصدر حزب الأمة رأيه في اتفاقية تقسيم الثروة في منتصف يناير 2004م وافتتحه بنقد التعتيم المفروض على المفاوضات وقلة الدراسة والتحضير التي يقوم بها الطرفان ثم أعلن ترحيبه ببنود محددة هي البنود التي تنص على:
    i- الاعتراف بحق أصحاب الأرض في الإنصاف والتعويض.
    ii- مشاركة سكان المنطقة التي توجد بها الثروة في القرار بشأن استغلالها.
    iii- تكوين مفوضية قومية لإدارة شئون البترول.
    iv- تكوين صندوق قومي لكل الإيرادات.
    v- ضبط كل الإيرادات والمصروفات في ميزانية على ألا تتم أية حركة مالية خارج الميزانية.
    vi- تكوين هيئة توزيع ورقابة مالية لتوزيع المخصصات من الإيرادات لمستحقيها والتأكد من عدالة توزيع الإيرادات لمصارفها حسب الاتفاق ومراقبة الصرف ليكون منضبطا.
    vii- أن يكون البنك المركزي واحدا وأن يكفل القانون استقلاله في أداء مهمته.
    viii- إصدار عملة جديدة غير ملونة بأيدلوجية النظام.
    مع الترحيب بهذه المبادئ فهناك الملاحظات الآتية:
    i- يجب أن يكون تكوين تلك الهيئات المذكورة في الاتفاق قوميا وأن يتم اختيار رؤسائها بناء على أسس موضوعية كالتأهيل والكفاءة.
    ii- هناك بنود غير صحيحة وهي:
    النص على أن تعين الرئاسة رئيس لجنة الأراضي دون ضوابط نص خاطئ الصحيح أن ينص على أن يكون الشخص مؤهلا وأن يكون التزامه قوميا.
    النص على أن يكون لمفوضية البترول رئيسان خاطئ والصحيح أن يكون رئيسا واحدا مؤهلا.
    حصر التوازن في إطار توزيع الثروة ـ بين التنمية القومية وتعمير الجنوب – غير صحيح الصحيح أن تشمل كل المناطق الأخرى المتأثرة بالفقر وآثار الحرب.
    تسمية النظامين المصرفيين تقليدي وإسلامي وحصر الأول في الجنوب والثاني في الشمال خطأ من عدة نواحي:-
    ** فالصيغ المسماة إسلامية أكثر ربوية من سعر الفائدة الذي يمكن اعتباره عائدا تعويضا تجيزه الشريعة.
    * * فصل النظامين المصرفيين ضار بالوحدة الوطنية والصحيح أن يسمح البنك المركزي بالتعامل بنافذتين في كل البلاد: نافذة تعمل بالعائد التعويضي أو سعر الفائدة وأخرى بالصيغ الأخرى.
    توزيع عائدات البترول والضرائب الجنوبية على أساس النسب بين الجنوب والحكومة المركزية نص ضار بالوحدة الوطنية لأنه يشجع العناصر الانفصالية والصحيح أن يتم التوزيع على أسس ومعايير محددة كأن يتم توزيع عائد البترول المستغل في كل السودان على أساس النسبة السكانية وإنشاء صندوق لتمويل إعادة التعمير في المناطق المتأثرة بالحرب من عائدات البترول وصندوق آخر للمناطق الأقل نموا.
    ثنائية هيكل قسمة الثروة سيشجع مناطق أخرى لحمل السلاح سعيا لنيل نصيبها في السلطة والثروة.
    iii- هناك عدد من الثغرات تشمل المسائل المؤجلة مثل تحديد ملكية الأراضي والإجراءات المتروكة لقرار الرئاسة دون وضع أسس محددة
    3. بروتوكول قسمة السلطة 26 مايو 2004م:
    حفلت اتفاقية قسمة السلطة بعدد من المبادئ الإيجابية التي يجب أن تلقى ترحيبا من الجميع وهي:
    i- الالتزام بالتحول الديمقراطي عبر دستور ديمقراطي مراجع والالتزام بإجراء انتخابات عامة على كافة المستويات.
    ii- التطلع لأن يصبح الاتفاق شاملا للكافة.
    iii- الالتزام بحقوق الإنسان كما نصت عليه المواثيق الدولية.
    iv- الاتفاق على أولوية الوحدة الطوعية والعمل على جعل خيار الوحدة جاذبا.
    v- الاتفاق على إقامة هيئات مستقلة لمراقبة الأداء في المجالات الآتية:
    - هيئة مستقلة لحقوق الإنسان.
    - هيئة مستقلة لشئون القضاء.
    - هيئة مستقلة للانتخابات.
    - هيئة مستقلة للخدمة المدنية.
    - هيئة مستقلة للاستفتاء.
    كل هذه المبادئ تجد الترحيب لأنها تعلن نهاية الشمولية وتمهد للتحول الديمقراطي.
    ولكن مع ذلك حفل اتفاق قسمة السلطة بالعيوب والنواقص الآتية:
    1) علاقات الحكم: يجب أن تكون علاقات الحكم وفقا للنظام الفدرالي وليس الكونفدرالي.
    2) حقوق الإنسان والمواثيق الدولية:
    • أورد الاتفاق تعابير ضعيفة حول إلزامية المواثيق الدولية لحقوق الإنسان جعلتها تبدو كنوايا حسنة وليس التزاما دستوريا على سبيل المثال البند 1-6-2-12 ( لن يحدث أي انحراف عن هذه الحقوق والحريات حسب الدستور أو المعاهدة إلا بموجب بنود ذلك الدستور أو المعاهدة وفقط بموافقة الرئاسة ومجلس التشريع القومي). ويمكن مقارنة هذا النص بالنص الوارد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان : (ليس في هذا الإعلان نص يجوز تأويله على أنه يخول لدولة أو جماعة أو فرد أي حق في القيام بنشاط أو تأدية عمل يهدف إلى هدم الحقوق والحريات الواردة فيه).
    • تبنى الاتفاق عددا من تلك الحقوق وأسقط عددا آخر من الحقوق الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948م ( مثل حق كل فرد في الاشتراك في إدارة بلاده وحقه مثل غيره في تقلد الوظائف العامة).
    3) الانتخابات:
    حفلت النصوص حول الانتخابات بالغموض وعدم الوضوح والتحديد فهي:
    لم تنص على موعد محدد لبدء الانتخابات بل حددت موعد نهايتها. (بند 1-8-3).
    ربطت تحديد موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية باتفاق الطرفين (بند 2-2-3-3) وبند (2-3-7).
    جعلت الطرفين هما اللذين يقرران إمكانية قيام الانتخابات في الفترة المحددة لنهايتها من عدم الإمكانية (بند 1-8-4)
    4) الثنائية والقومية:
    تبنى الاتفاق تقسيما ثنائيا للسلطة التنفيذية والتشريعية بنسب غير عادلة على جميع مستويات الحكم (مثل بند 2-2-5 وبند 2-5-5 وبند 2-7-2-2 الذي ينص على أن: جهاز الأمن القومي بمثل السكان ويعكس الشراكة بين طرفي التفاوض ـ وغيرها من النصوص ) وهناك النص على استبعاد القوى الشمالية من المشاركة في حكومة الجنوب في الفترة الانتقالية عدا حزب المؤتمر الوطني (بند3-5-1).
    5) العاصمة القومية:-
    1. الاتفاق حول العاصمة القومية لغته ضبابية وقابلة لأكثر من تفسير مثل:
    البند 2-4-5-2 "السلوك المتفق مع الثقافة والعادات والذي لا يزعج النظام العام أو لا تقره أعراف أخرى أو ليس فيه مخالفة فظيعة للقانون أو النظام العام يعتبر في نظر القانون ممارسة لحق إنساني" هذا النص لغته ليست قانونية فعلى سبيل المثال إما أن تكون هناك مخالفة للقانون أو لا توجد.
    6) المحكمة الدستورية:-
    يعين رئيس الجمهورية رئيس المحكمة الدستورية دون أن تصادق على ذلك أية جهة تشريعية.
    7) المصادقة على الاتفاق:-
    نص الاتفاق على أن يجيز اتفاقية السلام المجلس الوطني الحالي ومجلس الحركة الشعبية وهما مؤسستان حزبيتان للطرفين. والصحيح أن يتم المصادقة عليه من قبل جسم قومي وطني كما سيأتي بيانه في مقترحنا لتحويل الاتفاق إلى قومي.
    افترض الاتفاق الحالي قومية الأجهزة الحالية وهذا غير صحيح فيجب في هذا الصدد:
    • بالنسبة للأمن الوطني:
    النص على وضع قانون جديد للأمن الوطني وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية الحالية ليصبح تكوينها قومياً مع الترحيب بالنص على حصر صلاحيتها في جمع المعلومات وتحليلها.
    • بالنسبة للخدمة المدنية والقوات النظامية:
    يجب النص على حيادها وقوميتها ومهنيتها وإعادة هيكلتها وتكوينها لتحقيق ذلك.
    9) يجب إنشاء هيئة لشؤون القوات النظامية أسوة بالهيئة المستقلة للخدمة المدنية.
    10) يجب إنشاء مفوضية مستقلة للحقيقة والمصالحة لبحث المظالم واقتراح إجراءات تصحيحية وبرامج مصالحة.
    11) بالإضافة لما سبق هناك عدد من القضايا الغائبة عن اتفاقية قسمة السلطة مثل:
    i- المواثيق المؤسسة لبناء الوطن.
    ii- مفوضية للمسلمين لمراجعة التشريعات الحالية.
    12) يجب أن يتم العمل بمبدأ التوازن الإقليمي في الأجهزة القيادية العليا للحكومة الاتحادية: على المستوى التنفيذي والتشريعي.
    13) يجب أن تكون اللجان والهيئات المستقلة مثل لجان الدستور والانتخابات قومية حقيقية ولا تتم بالطريقة التي تكونت بها السلطة التنفيذية والتشريعية في الاتفاق الحالي.
    5. بروتوكول حل النزاع حول أبيي 26/5/ 2004م:
    الملاحظات على البروتوكول:
    1. يعرف البروتوكول المنطقة تعريفاً إثنياً والصحيح أن ينص بوضوح على أن التعريف هو إداري أو جغرافي.
    2. يتناقض هذا البروتوكول مع بروتوكول حل النزاع في جنوب كردفان/ جبال النوبة والنيل الأزرق الذي ينص في البند "2-1" على أن حدود ولاية جنوب كردفان/ جبال النوبة هي ذات الحدود لمحافظة جنوب كردفان السابقة عندما تم تقسيم إقليم كردفان الكبرى إلى محافظتين وهذا يعني حل ولاية غرب كردفان الحالية بينما يبقي عليها بروتوكول أبيي.
    3. تقسيم الثروة على أساس قبلي خطأ كبير. فهو يؤثر سلباً على الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي ويفتح الباب لتساؤلات عملية حول تنفيذه. وكذلك خصص البروتوكول 42% من صافي عائدات البترول لحكومة جنوب السودان وهذا يعني أن هناك نية لإلحاقها بالجنوب قبل الاستفتاء.
    4. أبقى البروتوكول على قضايا كثيرة مبهمة مثل حدود أبيي وتعريف السكان والقوانين الحاكمة فيها.
    6- بروتوكول حل النزاع في جنوب كردفان- جبال النوبة- والنيل الأزرق 26/ 5/ 2004م:
    1. نص البروتوكول على المشاورة الشعبية حول الاتفاق وهذا شيء إيجابي ولكن اتفاقات الطرفين الأخرى حرمت بقية الشعب السوداني والقوى السياسية من هذا الحق فلم يتم تعميمه على بقية أنحاء البلاد "بند 3-1".
    2. منح البروتوكول المجلسين التشريعيين في الولاية الحق في مراجعة أي خلل في الترتيبات الدستورية والسياسية والإدارية في إطار الاتفاقية بالتفاوض مع الحكومة القومية بينما حرمت الاتفاقات القوى الأخرى من هذا الحق "بند 3-6".
    3. تم اقتسام السلطة التشريعية والتنفيذية في الولايتين بين الطرفين مع إقصاء كامل للقوى السياسية الأخرى مع أنها تشكل أغلبية في المنطقتين "بند 11-1-1-".
    4. إلغاء ولاية غرب كردفان تم دون أي تحضير أو مشاورة وبدون حتى اتساق مع بروتوكول حل النزاع في أبيي.
    الموقف من الاتفاقيات الحالية:
    1- الترحيب بإيجابيات الاتفاقات:
    إننا نرحب ترحيبا مطلقا بأي اتفاق ينهي الحرب مهما كانت التحفظات على بعض بنوده، وبالنسبة لمجمل الاتفاقيات الموقعة إلى الآن فإننا نرحب ونؤيد المسائل الإيجابية الآتية وندعو جميع أهل السودان للترحيب بها وتأييدها وهي:
    1- الاتفاق على وقف إطلاق النار.
    2- الالتزام بحقوق الإنسان كما نصت عليها المواثيق الدولية.
    3- ضبط الحركة المالية من إيرادات ومنصرفات فلا تكون إلا في إطار الميزانية المقننة.
    4- مبدأ التنازل المتبادل والتخلي عن مواقف إقصائية متشنجة سابقة.
    5- الالتزام بالتحول الديمقراطي كما يتم عبر دستور ديمقراطي مراجع، إجراء انتخابات عامة على كافة المستويات.
    6- الاتفاق على أولوية الوحدة والعمل على جعلها خيارا جذابا.
    7- الاتفاق على إقامة سبع هيئات مستقلة لمراقبة الأداء في المجالات الآتية:
    ‌أ- هيئة مستقلة لحقوق الإنسان.
    ‌ب- هيئة مستقلة لشئون القضاء.
    ‌ج- هيئة مستقلة للانتخابات.
    ‌د- هيئة مستقلة للخدمة المدنية.
    ‌ه- هيئة مستقلة للاستفتاء.
    ‌و- وأية هيئات مستقلة أخرى.
    مع ضرورة مراعاة أن تكون تلك الهيئات صحيحة التكوين وواضحة الصلاحيات حتى تتمكن من القيام بدور رقابي ممتاز.
    8- الاتفاق على المشاركة الإقليمية والدولية لردم فجوة الثقة بين الأطراف الوطنية.
    الملاحظات العامة على مجمل الاتفاقيات:
    صاحبت عملية السلام الحالية نواقص ظل ينبه لها حزب الأمة منذ البداية وهي ضرورة شمول أجندة التفاوض لكل القضايا الوطنية وشمول المشاركة الوطنية وضرورة توازن المشاركة الدولية والإقليمية. لقد نجم عن هذا النقص وعن ظروف أخرى مثل تأهيل فريقي التفاوض وأولويات الأجندة المتفاوض عليها وطبيعة الوسطاء والمناخ المحيط بالتوقيع ولغة الاتفاقيات والبروتوكولات وإخراج مناسبة التوقيع، نجم عن كل ذلك تعزيز الانطباع لدى الرأي العام الشمالي والأوساط العربية والإسلامية بعدم توازن وعدالة هذه الاتفاقيات ولعل هذا كان السر في الاستقبال الفاتر الذي لقيته الاتفاقيات في الشمال.
    هناك أوجه نقص وسلبيات ومآخذ يمكن تداركها بمقترحات سنقدمها في ختام ورقتنا هذه. ولكننا هنا نجمل بعض ملاحظاتنا ومآخذنا على هذه الاتفاقيات بعد أن تعرضنا لها تفصيلا. وتتمثل تلك السلبيات والمآخذ والملاحظات في الآتي:
    أولاً: التناقضات:-
    هناك نصوص تتناقض مع المبادئ التالية الواردة في الاتفاقيات:-
    أ‌. الوحدة الوطنية: فعلى سبيل المثال:-
    1. يقتضي بروتوكول ماشاكوس أن يبنى التشريع في شمال السودان على القوانين الإسلامية بينما يخلو الجنوب من هذا الشرط. إن هذه الصيغة تربط انقسام البلاد الجغرافي بانقسام ديني وتمهد لتقسيم البلاد.
    هنالك صيغة عادلة للتسوية ومع ذلك تدعم الوحدة الوطنية وهي النص على أن التشريعات المراد تطبيقها على كل البلاد يجب أن تكون محايدة بينما تحصر التشريعات ذات المحتوى الديني على المجتمع المعني.
    2. وكذلك في اتفاقية قسمة الثروة التي تسمى النظامين المصرفيين الإسلامي والتقليدي والتي تحصر الأول في الشمال والثاني في الجنوب أيضا خطأ والصحيح أن يسمح قانون البنك المركزي بنافذتين في كل البلاد.
    3. وكذلك فكرة توزيع الثروة على أساس النسب بين الشمال والجنوب (النص على قسمة البترول) فكرة خاطئة تشجع الانفصاليين وتؤثر سلباً على المناطق الأخرى. الصحيح توزيع الثروة والعائدات على أسس ومعايير موضوعية مثل نسبة السكان – المناطق المتأثرة بالحرب... الخ.
    4. في اتفاقية الترتيبات الأمنية: في البند 3- د: والذي ينص على استيعاب الجنوبيين الذين يتم تقليصهم من القوات المسلحة في مؤسسات حكومة الجنوب نص يؤثر على الوحدة الوطنية ويرسل إشارات ضارة بالوحدة.
    ب. القومية والتحول الديمقراطي:
    1. اتفاقية الترتيبات الأمنية: بنت تكوين الجيش القومي الجديد على إدماج قوات من جيشين حزبيين دون هيكلة جديدة وعقيدة جديدة وسمته نواة للجيش القومي.
    2. تبنت الاتفاقات تقسيماً ثنائياً للسلطة التنفيذية والتشريعية في مناطق جنوب كردفان/ جبال النوبة والنيل الأزرق وأبيي. كما تبنت تقسيماً مجحفاً للسلطة على المستوى القومي على حساب القوى السياسية والمدنية الأخرى.
    منحت الرئاسة حق تعيين رؤساء عدد من المفوضيات دون ضوابط.
    ج. تناقضات أخرى:
    يتحدث بروتوكول حل النزاع حول أبيي عن ولاية غرب كردفان وحصتها في البترول وعن جهازها التشريعي وأن مواطني أبيي سيعتبرون مواطنين فيها وفي بحر الغزال بينما تم حلها في بروتوكول حل النزاع حول جنوب كردفان وجبال النوبة!.
    iii- التطبيق الحزبي للشريعة:
    إننا نرحب بالاتفاق على حقوق المسلمين في تطبيق أحكام الشريعة بالضوابط المنصوص عليها ولكننا لا نوافق على أن اجتهاد نظام "الإنقاذ" في هذا المجال –مثلاً في قانون الزكاة وفي قانون المصارف وغيرهما- ممثلاً لاجتهاد أغلبية المسلمين.لذلك ينبغي النص على أن التشريعات في هذا المجال مفوضة لأغلبية المسلمين كما يحددها ممثلوهم المنتخبون انتخاباً حراً.
    ثانيا: الاختلافات المؤجلة:-
    حفلت الاتفاقيات بكثير من القضايا المؤجلة فعلى سبيل المثال:
    1- أجل الاتفاق على عقيدة القوات المسلحة القتالية بينما حسمها مبكرا هام لقوات كانت تقاتل بعضها.
    2- أجل البت في موضوع ملكية الأراضي في اتفاقية قسمة الثروة.
    3- ما اتفق عليه حول العاصمة قابل لأكثر من تفسير ويبطن اختلافا مؤجلا.
    4- إرجاء تحديد منطقة أبيي الجغرافية وإرجاء تعريف الإقامة والمقيمين.
    ثالثا: الضبابية:-
    الانتخابات:
    i- لم يتم تحديد موعد قاطع لبداية الانتخابات.
    ii- ترك تحديد موعد الانتخابات للطرفين بعد التشاور مع لجنة الانتخابات. (2-2-3-3).
    iii- يجتمع الطرفان قبل 6 أشهر من نهاية المهلة الممنوحة للانتخابات والإحصاء لمراجعة إمكانية إنجازها في الموعد المضروب. (1-8-4-).
    iv- كل هذه نصوص مائعة ضبابية تربط قيام الانتخابات كلية برغبة الطرفين.
    v- يخضع تحديد الانتخابات الرئاسية لاتفاق الطرفين (2-3-7).
    رابعا: هناك قضايا هامة أغفلتها البروتوكولات:
    i- أسس وآليات المصالحة ورفع المظالم:
    هناك مظالم تاريخية عانت منها المجموعات السودانية المختلفة تمثلت في صور التعدي على الدستور والقانون ونقض العهود والتفريط في السيادة الوطنية واستغلال النفوذ لتحقيق مصالح خاصة على حساب المصلحة العامة كما تمثلت تلك المظالم في جرائم ضد الإنسانية وحقوق الإنسان وفي جرائم مخالفات جنائية ومدنية يتوجب مخاطبتها بالآليات المناسبة لتصفية وتنقية الحياة السياسية والاجتماعية من المرارات والمظالم والتجاوزات وطي صفحة الماضي وتشجيع التسامح والتعافي. ويمكن الاستفادة من تجربة جنوب أفريقيا في هذا الصدد.
    ii- تحديد تكوين واختصاصات الهيئات المستقلة المذكورة.
    iii- غياب الجيران في الشمال الأفريقي.
    iv- غياب المواثيق المؤسسة لبناء الوطن: كالميثاق الديني والثقافي والنسوي والصحافي والنقابي وغيرها.
    v- غياب آلية لتحويل الاتفاق من ثنائي إلى قومي.
    vi- غياب الحديث عن هيكلة الخدمة المدنية والمؤسسات النظامية والتغاضي عن نقص قوميتها الحالي وعن مشاكل التصفية السياسية للكوادر بالإحالة لما يسمى بالصالح العام.
    vii- غياب مفوضية للمسلمين لمراجعة التشريعات الحالية التي ترى غالبية المسلمين أنها معيبة وغير إسلامية.
    viii- وضع ضوابط للإحصاء السكاني وتحديد آلية مناسبة مقبولة قومياً ومؤهلة وبمساعدة دولية.
    المخرج الممكن:-
    لا شك أن إيقاف الحرب أفضل من استمرارها ومهما كانت عيوب الاتفاقات الحالية وهشاشتها فإن واجب القوى السياسية السودانية دعمها وتقويتها واستكمال النقص فيها وتصحيحها بالوسائل السلمية.
    إن من أكبر عيوب هذه الاتفاقات هو ثنائيتها وعزلها للآخرين ولا بد من استدراك هذا العيب الخطير بآلية للتحول من الثنائية إلى القومية، كما أن هناك قضايا أغفلتها البروتوكولات وهي ضرورية لاستدامة السلام وتحقيق التحول الديمقراطي وبناء الأمة وهناك قضايا ومحاذير يمكن أن تنزلق إليها عملية السلام فتلقى حتفها يجب التنبيه لها. ولتحقيق قومية الاتفاقية ولاستدامة السلام وتحقيق الأهداف الوطنية العليا فإننا نقترح الآليات والمقترحات التالية:-
    أولاً: المجلس القومي السوداني:
    ‌أ) تكوينه: يتكون المجلس القومي السوداني من: الحكومة الحالية- الحركة الشعبية لتحرير السودان- القوى السياسية الممثلة في الجمعية التأسيسية 1986م- القوى التي أفرزتها المقاومة المسلحة للإنقاذ- القوى التي أفرزتها المقاومة المدنية للإنقاذ والشخصيات الوطنية المتفق على عطائها الوطني في الشمال والجنوب.
    ‌ب) صلاحياته:
    1. التصديق على ما اتفق عليه الطرفان بأغلبية عادية.
    2. تصحيح البنود البين ضررها.
    3. التحكيم فيما اختلف فيه الطرفان بأغلبية الثلثين.
    ‌ج) المراقبون:
    تدعى دول الإيقاد وشركاء الإيقاد ومصر وليبيا والسعودية ونيجريا وجنوب أفريقيا والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والفاتيكان وأسقفية كانتربري لحضور المجلس كمراقبين.
    وبهذا الإجراء ستترقى الاتفاقية إلى المرتبة القومية ويجب في هذه الحالة أن يوقع عليها الجميع وأن يتم الاعتراف الدولي بها. وأن تعلن القوى السياسية الالتزام بها مهما كانت نتيجة الانتخابات. كما يجب الالتزام بأن تكون الإدارة بقية الفترة الانتقالية إدارة قومية شاملة تهدف لخلق سودان عادل و متوازن.
    إن تحويل الاتفاقية إلى قومية يشكل أساس الضمانات الداخلية لاتفاق السلام.
    ثانياً: تهيئة المناخ للسودان المتجدد:
    هناك ثمان مهام عاجلة تستوجب البدء بها الآن:
    أ‌. إلغاء القوانين المتعارضة مع المرحلة الحالية:
    بعد توقيع الاتفاقات الحالية يجب أن تكون البلاد قد دخلت فعليا في طور التحول الديمقراطي والتخلص من الشمولية القابضة. وفي هذا المجال لا بد من إلغاء كل القوانين التي تتعارض مع روح السلام والتحول الديمقراطي وهي:
    • القوانين المقيدة للحريات مثل:
    1. قانون الأمن الوطني "تعديل" لسنة 2000م.
    2. قانون التنظيمات والأحزاب السياسية لسنة 2002م.
    3. قانون الصحافة والمطبوعات لسنة 2004م.
    4. قانون الطوارئ .
    5. قانون النقابات
    • القوانين الاستباقية:
    أصدرت حكومة الإنقاذ عدداً من القوانين قبيل توقيع الاتفاق النهائي وهي قوانين استباقية ترسل إشارات سالبة حول نوايا الحكومة:
    - فقانون الصحافة الذي تم إصداره أكثر تضييقاً من قانون الصحافة لسنة 1999م السابق. وقد تم تقديمه بمرسوم مؤقت في تعارض واضح مع نصوص الدستور التي تمنع إصدار مراسيم مؤقتة في المسائل التي تمس الحريات. وهذه العجلة تثير المخاوف حول وضع الحريات العامة في المرحلة القادمة.
    - قانون الإجراءات المدنية:
    وهناك التعديل الذي تم إجراؤه على قانون الإجراءات المدنية " والذي أطاح بمبدأ هام هو سيادة حكم القانون إذ منح حصانة للدولة ومؤسساتها من تنفيذ حكم القانون. كما أطاح بمبدأ آخر هو عدم رجعية تنفيذ القوانين. كما سيؤثر هذا التعديل على مناخ الاستثمار.
    - قانون مجلس تنظيم المحاسبة والمراجعة لسنة 2003م الذي خرق مبدأ استقلالية مجلس المحاسبة وتخلى عن الضوابط الأكاديمية والمهنية مما سيؤثر على دوره الرقابي الخطير.
    ب‌. الإصلاح الحزبي:
    الأحزاب السياسية هي آليات الديمقراطية التي تتم عن طريقها المشاركة الفكرية والسياسية والمنافسة بين الاختيارات المطروحة وتدريب الكوادر السياسية وتصعيد القيادات والتنافس بينها أمام القواعد الحزبية وأمام الرأي العام.
    والإصلاح الحزبي من أوجب واجبات المرحلة الحالية. ولا بد من تقوية الأحزاب وإصلاحها استشرافا للمرحلة القادمة.
    إن التجربة الحزبية بها الكثير من التشوهات الموروثة والمكتسبة بفعل الأنظمة الشمولية لا سيما النظام الحالي الذي عمل جاهدا لتحطيم منافسيه بالكبت والإفقار.
    إن الإصلاح الحزبي يقتضي إجراءات عديدة سيرد ذكرها في المواثيق المؤسسة لبناء الوطن. ولكن لا بد هنا من اتخاذ بعض الإجراءات العاجلة ومنها:
    1. فك الارتباط نهائياً بين حزب المؤتمر الوطني الحاكم وبين أجهزة الدولة.
    2. أن تتحول الحركة الشعبية إلى من حركة عسكرية إلى حزب سياسي.
    3. تقوية الأحزاب باعتبارها وسيلة من وسائل بناء الديمقراطية واستدامتها وتعويضا لها عن الكبت والتضييق. وفي هذا المجال لا بد من العمل على تبني فكرة تمويل الأحزاب "لخوض الانتخابات" من قبل الدولة على أسس واضحة "مثل شعبية الحزب بناء على عدد الأصوات أو الدوائر التي حصل عليها" مثلما هو الحال في عدد من الدول وبالإضافة لذلك يمكن أن يتخذ التمويل أشكالاً غير مباشرة..
    ت‌. التعبئة والمشاركة الواسعة للقوى المهنية والسياسية:
    إن هذه المرحلة تتطلب حضوراً فاعلاً لا يحل أن يتقاعس عنه أحد، هناك مهام جسام في بناء الوطن لا بد من إنجازها.
    • إننا نهيب بالقوى المهنية والفنية أن تشكل حضورا وتقدم رؤاها حول البرامج الفنية الواجب اتباعها لبناء الوطن وتحديد أولويات تلك البرامج وأن تقول كلمتها فيما تم إلى الآن من اتفاقات وتحديد موافقتها أو مجانبتها للمصلحة الوطنية.إننا نوجه نداءً لكل شرائح المجتمع الحية لتتحرك لتنظيم صفوفها لتتملك السلام وتسد ثغراته وتدافع عنه في وجه الذين يريدون تقويضه إما حرصاً على إقامة شمولية جديدة أو تنكراً لبنود الاتفاق. ونوجه النداء للأطباء أن يتأهبوا وأن يشخصوا الحالة الصحية في البلاد وما ينبغي عمله لإصلاحها وللأساتذة لتحديد مشاكل التعليم العام والفني والعالي وما ينبغي عمله للإصلاح.ونداء لضباط القوات المسلحة والشرطة والسجون في المعاش ليشخصوا مشاكل القوات النظامية وما ينبغي عمله لتحقيق قوميتها وانضباطها.ونداء للإداريين لتشخيص مشاكل البلاد الإدارية وإصلاحها المطلوب.ونداء للنقابيين لتحديد المشاكل النقابية والإصلاح الديمقراطي المطلوب.ونداء للزراعيين والصناعيين والتجار لتشخيص مشاكلهم وتحديد مطالبهم الإصلاحية.ونداء للمصرفيين لبيان الإصلاحات المطلوبة .المطلوب أن يهب الجميع للمشاركة في بناء السلام وبناء الديمقراطية وبناء الوطن،وسوف نوجه الدعوة لاجتماع برلمان السلام والتحول الديمقراطي،البرلمان الذي يؤكد مرة أخرى حيوية هذا الشعب وقدراته الخارقة.
    كما أن عليها المشاركة مع القوى السياسية في وضع المواثيق المؤسسة لبناء الوطن مثل المواثيق الثقافية والدينية والنسوية والنقابية والصحافية وغيرها.
    إن حزب الأمة يفتح أبوابه ويمد يده بكل ما يملك للتعاون في هذه المجهودات.
    مؤتمر دولي لإزالة آثار الحرب والتنمية:
    قامت الأسرة الدولية بأدوار إيجابية وفعالة لصالح الشعب السوداني وينبغي ألا ننسى الإغاثات الإنسانية الكبيرة التي قدمتها منظمات غير حكومية عالمية كما لا ننسى المبادرات الفعالة التي قام بها جيراننا من دول الإيقاد والتي قامت بها دول أخرى فاتفاقيات بناء الثقة الأربع في يناير 2002 كانت ثمرة مبادرة أمريكية واتصل دور الولايات المتحدة الإيجابي أثناء مفاوضات السلام في منتجعات كينيا ولكن الملاحظ بصفة عامة أن السياسة الأمريكية تحرص على نزع الفتيل من النزاعات المسلحة ولا تهتم كثيراً بالخلافات السياسية.إنها بذلك تعطي أهمية لمنطق القوة وتغفل قوة المنطق.هذا النهج أدى لهشاشة كثير من الاتفاقيات التي توسطت فيها الولايات المتحدة كما حدث في ليبيريا.وهو نهج يهزم قضية السلام في النهاية لأن طرفي الاتفاق سوف يحرسان حقوقهما بالقوة ولدى أدنى خلاف بينهما سوف يحتكمان للقوة.وهذا المنطق يشجع من يختلف معهما داخل صفوفهما أو خارجها أن يلجأ للقوة.الولايات المتحدة تهمش القوى السياسية والمدنية وتشجع الآخرين على الاستخفاف بها وهذا يجعل اهتمامها بالتحول الديمقراطي أجوف ويجعل ما تتوسط بشأنه من اتفاقيات وقف إطلاق نار مفخمة بين عناصر مسلحة تعتمد على السلاح للتعبير عن وزنها السياسي.
    أثناء الحكم الديمقراطي دعونا المنظمات الدولية الطوعية بواسطة اليونسكو ومديرها المرحوم جيمس قرانت فاجتمعوا في مؤتمر كانت ثمرته برنامج سودان لايف لاين. إننا نوجه النداء للمنظمات الطوعية أن تعقد مؤتمراً تحت مظلة دولية مناسبة لتحديد دورها في مرحلة بناء السلام والتحول الديمقراطي في السودان ويعد حزب الأمة بتقديم ورقة عمل لهذا المؤتمر لتحديد البرنامج الإنساني الدولي وتكامله مع المنظمات الطوعية الوطنية. البرنامج الذي ينبغي أن يساهم في إزالة آثار الحرب وفي التوطين الطوعي للنازحين بصورة تجعل ذلك التوطين جذاباً لديهم.
    وفي أثناء النظام الديمقراطي وفي وجه التدمير الذي أحدثته السيول والأمطار والفيضانات في عام 1988 دعونا لمائدة مستديرة تحت مظلة البنك الدولي لدعم التأهيل وإعادة البناء والتنمية في السودان وكانت تلبية المانحين عظيمة.وكنا قد خاطبنا الجهات المسؤولة في عام 1999 لعمل ترتيبات استعدادية للسلام والتحول الديمقراطي القادم في السودان ويسرنا أن هذا الطلب قد وجد تجاوباً كما نعلم أن النرويج تنظم استعداداً لدعم التنمية في السودان.تلك المجهودات المبدئية ينبغي أن تتوجها الآن الدعوة لمائدة مستديرة تحت مظلة البنك الدولي للمشاركة التنموية مع السودان في ظل السلام والتحول الديمقراطي.ونحن نحضر لتقديم ورقة عمل لتبحث ضمن ورقات العمل والمقترحات الأخرى لتنظيم مشاركة عربية،إفريقية،دولية،سودانية لدعم التنمية وإعادة التعمير في السودان.وفي هذا الصدد فإننا نوجه نداء لكافة السودانيين العاملين في المنظمات الإقليمية والدولية للتحرك الإيجابي والمساهمة في إعادة بناء الوطن لأن إلمامهم بالحقائق الإقليمية والدولية واتصالاتهم تمثل دعماً لا غنى عنه لوطنهم .

    ث‌. إزالة التشوهات الاقتصادية:
    اندفعت الإنقاذ في سياسية التحرير الاقتصادي وكانت النتيجة المباشرة لها تخلي الدولة عن مسئوليتها تجاه المواطن. وفي واقع الأمر فإن تسمية ما قامت به الحكومة بالتحرير الاقتصادي خاطئة لأنها لم تلتزم بحرية التنافس وتكافؤ الفرص والشفافية والخضوع للقانون ونبذ الاحتكار والحماية والتمييز. وفي ظل هذه العيوب تمت سياسية الخصخصة التي هدفت للتمكين الاقتصادي الحزبي والتخلص من أعباء تأهيل المؤسسات العامة وضمان موارد سريعة للميزانية من خلال البيع.
    ولم تتقيد الدولة ببيع المؤسسات الخاسرة بل أصبحت تلجأ لبيع المؤسسات الرابحة للتمكين الحزبي. بل انتشرت ظاهرة إنشاء شركات حزبية تحت اسم الحزب الحاكم أو المحليات أو الأجهزة الحكومية والمنظمات الخيرية وتم طرد أصحاب الأعمال والتجارة نسبة لغياب التكافؤ والمنافسة الحرة. حيث أصبحت تلك الجهات تحتكر الأنشطة الاقتصادية ذات العائد السريع والمجزي وتدخل كشريك مع شركات عالمية دون إعطاء فرصة للقطاع الخاص المحلي: مثلما يحدث في مجالات السكر والصمغ العربي وقطاع الاتصالات وغيرها. كما أن دخول هذه الشركات النافذة يؤثر على حرية المنافسة إضافة لتمتعها بالامتيازات والإعفاءات مقابل التضييق الضريبي على المنافسين.
    لا بد من إزالة هذه التشوهات الاقتصادية.
    ج‌. إيقاف الحرب الباردة بين الطرفين:
    برزت إلى السطح بوادر حرب باردة بين الطرفين وتواترت تصريحات سالبة من كلا الجانبين عززت ذلك المفهوم. إن سنوات العداء وجدر عدم الثقة بين الطرفين ومحاولة مخاطبة كل طرف لقواعده بأنه خرج منتصراً في عملية السلام كل ذلك لا يبرر اللجوء إلى مثل هذه اللغة. إن المصلحة الوطنية وروح المسؤولية تحتم على الطرفين تجنب مثل هذه اللغة الاستقطابية.
    ح‌. اللجان والهيئات القومية:
    تلعب اللجان و الهيئات القومية المذكورة في الاتفاقات دوراً حاسماً في تحديد شكل السودان ومستقبل الاتفاقية "مثلما هو الحال في اللجنة القومية للدستور ولجنة الانتخابات والهيئة المستقلة للخدمة المدنية." ويعلب بعضها دوراً هاما في مراقبة وضمان تنفيذ الاتفاقية وبعضها يلعب دوراً في حماية الحريات العامة وحقوق الإنسان.
    لا بد أن يكون تكوين هذه اللجان قومياً وأن يلتزم بمعايير الكفاءة والأهلية. إن أي خلل في تكوين هذه اللجان سيحدد تعامل القوى السياسي مع مجمل الاتفاق.
    خ‌. آلية للحقيقة والمصالحة:
    لتنقية الحياة السياسية وإزالة الاحتقان كما سبق أعلاه.
    د‌. دارفور:
    إن مأساة دارفور يمكن أن تحيل ببساطة اتفاقية السلام إلى جهد عديم المعنى. لا بد من المعالجة العاجلة لمأساة دارفور في جوانبها المختلفة:
    1. مضاعفة المجهودات الإنسانية والإغاثية بكل الوسائل الداخلية والخارجية.
    2. الإطار السياسي للحل:
    يمكن لاتفاق السلام الحالي أن يساهم في حل الأزمة في دارفور وذلك بتطبيق المبادئ المتفق عليها كأسس للحل في مسألة الجنوب على الأقاليم الأخرى المتضررة ومنها إقليم دارفور.
    3. هناك ضرورة لإصلاح إداري عاجل وذلك بتغيير الإدارة الحالية في دارفور واستبدالها بإدارات قومية مقبولة.
    4. وأخيراً لا بد من الإسراع بعقد المنبر القومي لحل المشكلة السياسية بصورة شاملة على أن يكون تمثيل المنبر شاملاً وصلاحياته كاملة في مناقشة الأجندة الحقيقية وتوصياته وقراراته ملزمة مع مراقبة إقليمية له.
    ثالثاً: مشروع المشاركة في السلطة الانتقالية:
    مشاركة القوى السياسية في الحكومة الانتقالية تساهم في تعزيز اتفاقية السلام وتحقيق الاستقرار. إن تطبيق مبدأ حكومة الوحدة الوطنية ذات القاعدة العريضة يتعارض مع الاتفاق الحالي بين الطرفين الذين استأثرا بنصيب الأسد في قسمة غير عادلة وتركا مجالاً ضيقاً لمشاركة القوى الأخرى وفي بعض الأحيان احتكرا كلية واقتسما المشاركة بينهما كما في حالة جنوب كردفان/ جبال النوبة والنيل الأزرق. المطلوب مراجعة هذا الوضع الخاطئ وتوسيع قاعدة المشاركة لتصبح أكثر شمولا مع تخصيص نسبة للمرأة لا تقل عن 20% في جميع مستويات الحكم.
    أسس المشاركة:
    لا بد أن تكون المشاركة قومية فاعلة بناءً على برنامج قومي للسلام والتحول الديمقراطي. ولا بد أن يشمل برنامج التحول الديمقراطي أربعة أسس هي:
    أ‌. كفالة حقوق الإنسان والحريات الأساسية وهذا يعني إلغاء القوانين المقيدة للحريات وحل أجهزة الأمن القمعية ورفع حالة الطوارئ.
    ب‌. تحويل دولة الحزب إلى دولة الوطن وذلك بتحويل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية إلى مؤسسات قومية وإبطال طابعها الحزبي.
    ت‌. لا بد من التأكد أن تكوين اللجان المحضرة للفترة الانتقالية قومي وعلى أسس موضوعية لا سيما اللجنة القومية لمراجعة الدستور التي يناط بها "إضافة لمهمتها الرئيسية وهي وضع الإطار الدستوري والقانوني الحاكم للفترة الانتقالية" تفصيل صلاحيات وضمان استقلالية المؤسسات واللجان الأخرى المذكورة في الاتفاق مثل لجنة الانتخابات ومفوضية حقوق الإنسان.
    ث‌. مراجعة قانون الانتخابات وتكوين أجهزة تكفل نزاهتها ووضع برنامج محدد بأوقات محددة لإجراء الانتخابات العامة الشاملة لكافة المناصب الدستورية.
    وعلى أساس الالتزام بهذا البرنامج فإن حزب الأمة سوف يقبل المشاركة في السلطة أو يشكل معارضة مدنية مسؤولة تحرس مشارع الحق وتحمي تطلعات الشعب السوداني المشروعة.
    إن حزب الأمة سيواصل جهده في التبشير بهذا النهج داخلياً وتعبئة الطاقات الوطنية في سبيل تحقيق التطلعات الوطنية المشروعة كما يواصل جهده في التبشير بهذه الأفكار لدى الأسرة الدولية.
                  

07-05-2004, 01:34 AM

ahmed haneen
<aahmed haneen
تاريخ التسجيل: 11-20-2003
مجموع المشاركات: 7982

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ويل للمتربصين- الي صاحب المنبر المريب- مقال لد/منصور خالد (Re: ahmed haneen)

    اخوي الغالي

    امحمد ود الحسن

    حبابك ولك الشكر علي هذة الفائدة
    بموقف حزب المة من الأتفاقات
    اصبر قليلا حتي تكتمل حلقات منصور خالد
                  

07-05-2004, 01:49 AM

ahmed haneen
<aahmed haneen
تاريخ التسجيل: 11-20-2003
مجموع المشاركات: 7982

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ويل للمتربصين- الي صاحب المنبر المريب- مقال لد/منصور خالد (Re: ahmed haneen)

    الجزء الثاني من مقال د/ منصور خالد

    أجرأ من رأيت بظهر غَيبٍ

    بقلم: د. منصور خالد

    تقاطع حديث الإمام الحبيب حول رغبة الكاتب في "تنمير" قرنق (أي تحويله إلى نميري)، مع توصيف الكاتب الأديب لهذا الكاتب بـ"النخبوية التي لا تؤمن بإرادة الشعب"، "ووضعه ثقته في "دكتاتور متوسط الثقافة، ومنحه عصارة فكره وجهده". كما أردف مُخبراً عما أسماه سعي الكاتب "لتحقيق عمل وطني مشهود إعتقد أنه ممكن تحت ظل طاغية مستبد" (الرأي العام 23/6/2004). هذا وأيم الحق كلام كبير ينبغي التوقف عنده في بلد ما فتئ العسكر يستولون فيه على الحكم، ويقوضون الأنظمة الديمقراطية، وما زال فيه الساسة المدنيون، والدكاترة المثقفون، وأرباب الفكر والقلم منقسمين بين "الناجين" بأنفسهم من العسكريتاريا، والمؤيدين لها أصحاباً وتابعين ثم تابعي تابعين. فلننظر أين كانت مواقع المتربصين، أكانوا مع الفئة الناجية، أو مع المؤيدين.

    وعلنا نميز ابتداءً بين الإمام الحبيب والكاتب الأديب. فالإمام سياسي ديمقراطي ذو صولات ومواقف شعبية في ساحات العمل الوطني لافي مقاهي الكلام ولهذا جَدُر له الحديث عن إرادة الشعب. محنته هي التناقض المربك في أقواله، وبين أقواله وأفعاله. وكنا سنلتزم الصمت إزاء تهجينه لنا بالمايوية ـ بل نقل له صدقت يا مولاي ـ لو كان موقفه منها هو موقف الراحل العظيم الشريف حسين الهندي الذي مات في سبيل الديمقراطية وهو ثابت كرضوى على موقفه منها. أما الأديب النحرير فمحنته أشد، إذ هو ظنين، والظنين أهل أن يَُتهَمَ صِدقُه ويُرَدَ باطلُه، لا سيما وهو يروي تجارب تستعصي على النسيان لأن شهودها أحياء. كنت أيضاً سأتجاوز الحديث المسيخ الذي درج عليه الصادق، والحديث الأشد مساخة الذي يردده الكاتب الأديب الذي حلت به نخوة الديمقراطية على غير موعد، ينسبان فيهم كل أزمات السودان للانقلابات العسكرية لولا أن في المزعم تعدياً لميزان الحق.

    أنا زعيم أن ليس بين كل الباحثين في أمر الحكم المايوي من تناول تلك الفترة بالإفاضة التي تناولتها به، وبالنقد الموضوعي لأدائها بقدر ما يستطيع المرء أن يكون موضوعياً في نقد ذاته. ما كتبت في هذا الموضوع مبسوطاً على القراء، لا هو طامس ولا دارس. ولم تكن الإفاضة في البحث لتوفر الوثائق عندي بحكم عملي، فالوثائق أيضاً مبسوطة لكل من أراد تقصي خبر تلك الفترة وفق منهج علمي ضابط، لا إصدار الأحكام الجزافية عنها بالتحامل الأيديولوجي أو الانحياز السياسي. سبب الإفاضة إن فترة مايو كانت ـ قبل وصول الإنقاذ للحكم ـ هي أكثر فترة اتيح فيها لحاكم أن يعيد تشكيل السودان في أفق زمني ممتد وبالحد الأدنى من التناشز في الحكم. بعض ما كتبت نشر في السودان يوم أن كان للكلام ثمن (لا خير فينا إن لم نقلها، جريدة الأيام ثم دار جامعة الخرطوم للنشر)، وبعضه نشر في الخارج في صحيفة سيارة (جريدة القبس الكويتية) ثم تضمنه كتاب نشرته بحر مالي رغم تبرع الشريف حسين بنشره خلال زيارة قام بها لداري في لندن بصحبة ابنه رفيق دربه الدكتور جلال يوسف الدقير، وهو حي يرزق. تأبيت ذلك شاكراً، لأنني لم أكن يوماً من سواس الخيل الذين يبدلون أحصنتهم في منتصف العَدو، ولم أرد أن يظن أحد ذلك. وشكراً للراحل الدكتور الزين النيل الذي قام هو وصديقي، صديق عمره، حسن كشكش بتوزيع الكتاب في قطر مما أعانني على النشر. كتب لي الزين يقول: "عفارم، لم تنتظر موت الزعيم لتخرج علينا بـ "الصامتون يتكلمون"، ولم تنتظر رحيل الآخر لتبرز لنا بـ"خريف الغضب". الذي قرأ الكتاب وما تلاه مما كتبنا مثل "النخبة السودانية وإدمان الفشل" يدرك أنني تعاونت مع نظام مايو بشرف، واختلفت معه بشرف. لم اغمط نميري أشياءه ولم أتنكر لما صنعت معه وتحت قيادته.

    ليس هذا هو المهم، أهم منه أولاً قولي فيما كتبت أنني مدين باعتذار للشعب السوداني عن أخطاء نظام كنت في قلبه، أتحملها بموجب مفهوم المسئولية الجماعية في العمل السياسي. فأنا مسئول عن كل خطأ ارتكبه النظام، طالما كنت عنصرا فاعلاً فيه، بما في ذلك ماتم رغم اعتراضي عليه. ذلك قول كررته في الحوار مع أحمد المهنا لتلفزيون أبو ظبي. ومن تلك الأخطاء لعلم الكاتب الأديب، قرارات تطهير الجامعة، وهذه إشارة قد يَكتَرِبُ لها رجال.

    لا معنى، إذن، لقول الكاتب إن منصور "كابر وفصل بين عهدين: عهد شارك فيه وكان خيراً كله، وعهد خرج من نعمائه وكان شراً كله" (الرأي العام 23/6/2004). ولعل الذي قرأ ما كتبناه بعقل مفتوح وعين بصيرة، لا بعقل مسدود وعين مطفأة لم يلمس هذا فيما كتبت، أو يطلع على ما يوحي أن فترة العمل المايوي كانت أكثر مراحل حياتي شقاء. نعم كانت لنا في مايو أيام نضرات تحققت فيها أحلام كبار: إيقاف نزيف الدم لمدة عشر سنوات، وبناء صروح في الصناعة والزراعة والطرق والجامعات، وجعل التنمية هَماً أساساً للحاكم. ولتحقيق هذا سعدت بالعمل مع مهنيين أفذاذ متمهرين في فنونهم اذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر إبراهيم منعم منصور، ويحي عبد المجيد، وجعفر بخيت، وزكي مصطفى، وعبد الرحمن عبد الله، وبدر الدين سليمان، وبشير عبادي، وعون الشريف، وبونا مالوال، وفرانسيس دينق، وبيتر جات كوت، وابيل الير، وهلاري لوقالي، وعباس عبد الماجد، وغيرهم كثر. هؤلاء رجال يتكثر بهم الرجال وسأظل وفياً للإحياء منهم، وأنا جد فقير برحيل من هجرنا منهم إلى رحاب أب أكرم. بيد أن كل هذا لا يغني عن الحق شيئاً لان مقتل النظام كان في طبيعته، كعب أخيل في كل الأنظمة الشمولية أو الاستبدادية. فسلطة الحزب الواحد تصبح سلطان الرجل الواحد، وتقليص هامش الحرية يقود لوأدها، وغياب الشفافية والمحاسبة يفتح الطريق طرداً لاستشراء الفساد، وكل ذلك يقود للترخص في تبرير الاستبداد.

    قلت أيضاً فيما كتبت ـ وأكرر القول ـ إن نظام مايو ما كان له أن يستقر لولا تداعي القوى السياسية إلى رحابه بدءاً باليسار و "قواه الحديثة"، وعبوراً بالمصالحة الوطنية مع حزب الأمة وانتهاء بالتحالف مع الأخوان المسلمين. فانقلاب مايو، أو ثورة مايو، أو سمها ما شئت، خلقت نظاماً تدافعت جميع القوى السياسية ـ كل في موسمه ـ لتحتل موقعها في طوابيره، وكان بحق نظاماً لكل المواسم. فالقوى الحديثة، مثلاً، تداعت في يونيو 1969 إلى الساحات لا لتُعلي رايات مواثيق حقوق الإنسان، أو لتحمي الديمقراطية التعددية، وإنما لتحمي "ثورتها" ضد القوى الرجعية التي هي الأحزاب، ولتستأصل شأفة "الثورة المضادة" التي هي الحرب التي شنها الإمام الهادي والشريف الهندي ومن تبعهما ضد "ثورة مايو". لم تكن تلك القوى التي تزاحمت في طرقات الخرطوم في ذلك التاريخ تحمل بيارقها في "زفة" تتباهى فيها بمهنها: "العز لمين للنجارين، العز لمين للحدادين"، فالعِز يومذاك كان كله للثورة التقدمية المجيدة، "وبالروح، بالدم، نفديك يا ثورتنا". ولم يكن الطابع الأيديولوجي لانقلاب مايو أمراً غريباً على المنطقة التي نعيش فيها، فأكثر الانقلابات العسكرية في الوطن العربي منذ عقد الستينات كانت انقلابات ذات طابع أيديولوجي غذاها بفكرهم ووجدانهم وشعاراتهم المثقفون العروبيون أو المتعاربون (مصر، وسوريا، والعراق، واليمن، والجزائر، وموريتانيا، وليبيا). تلك هي انقلابات بالروح بالدم التي شملت نصف الوطن العربي، وكان لهتافها ذلك صدى في سودان مايو. ولم تنجُ أفريقيا جنوب الصحراء من الانقلابات (وكان أولها بالمناسبة هو انقلاب عبود) إلا أنها ـ باستثناء واحد ـ (إثيوبيا منقستو) كانت انقلابات عسكرية بحتة (نيجيريا، وغانا، وتوغو، وزائير، ويوغندا، ورواندا، وبروندي، وبنين، وسيراليون، وليبيريا، وغينيا، ومالي، والنيجر) أي 13 دولة من قرابة 35 دولة. ولعلنا لا نغالي أن قلنا إن جميع الأحزاب السودانية ـ باستثناء الحزبين الكبيرين ـ سعت لخلق بؤر لها داخل الجيش: الشيوعيون، والإسلاميون، والبعثيون، والناصريون.

    ولا يحدث تسلط العسكر على السياسة ـ أياً كانت صفته ـ إلا بسبب فراغ أوجده في البدء السياسيون المدنيون لأن السياسة لا تقبل فراغاً. ليس هذا تبريراً للانقلابات أو تسويغاً لها وإنما هو إبانة لدواعيها. فمن خطل الرأي بعد كل التجارب التي عايشنا أن يحسب أي منا أن الأنظمة العسكرية ستكون أكثر قدرة على الحكم من الأنظمة المدنية، خاصة في الأوطان المركبة أو التي ما زالت في طور التكوين. عجز الأنظمة العسكرية عن التعامل مع هذه الظاهرة يصدر عن عجز عضوي، فنجاح العسكر في مهمتهم الأساسية (الحرب) يقوم دوماً على تحقيق أكبر نصر بأقل تضحية مما يستلزم قطع الزوايا (cutting corners). هذا أسلوب لا يصلح في عمليات الإصلاح الاجتماعي أو المجتمعي societal) وفي البناء الوطني، بل هو مغامرة غير محمودة العواقب. وعندما يصبح الحكم العسكري نظاماً شمولياً ويُحَجِّم الحريات بذرائع مثل "لا حرية لأعداء الحرية" أو "الحرية للشعب ولا حرية لأعداء الشعب" (كما كان يقول ميثاق العمل الوطني المصري) ينفتح الباب للفساد والخراب، ويستشرى النفاق لأن النظام الشمولي المغلق يصاب بالعمى والصمم، لا يرى ما يدور حوله ولا يسمع غير صوت الرضا.

    بيد أن للظاهرة في السودان أبعاداً أخرى منها إقحام الجيش موضوعياً في السياسة بتسخيره لمعالجة مشكلة سياسية هي حرب الجنوب التي كان من الممكن أن تُحَل سياسياً كما أثبتت التجارب: (مؤتمر المائدة المستديرة، إعلان كوكادام، مبادرة السلام السودانية، منابر الحوار المتعددة مع نظام الإنقاذ). في جميع هذه الحالات عجزت القوى السياسية عن الحل السياسي لا لاستحالته أو غموضه وإنما لأسباب تتراوح بين المزايدات المتبادلة، أو الاستمساك بخيارات سياسية بشرية باعتبارها ثوابت من سنن الكون لا محيص عنها، أو بخوف الزعامات من اتخاذ القرار وكأنها مسكونة بوسواس قهري. ومن المدهش أنه في المرتين التي تم فيها حل سياسي أو مشروع حل "أديس أبابا 1972، ونيفاشا 2004" كان ذلك لأن القيادات آثرت أن تقود من الأمام لا من الخلف، وأن تجترئ على اتخاذ القرار الصعب.

    يصعب على المرء كثيراً، إزاء كل هذا، أن يدرك لماذا يعجز الإمام الحبيب وهو جالينوس السياسة العليم بأسرارها عن إدراك الأسباب التي تجعل السلطة تنفلت من يد المدنيين؟ ولماذا يتلبسه، أكثر من كل زعماء السودان السياسيين، هاجس مايو؟ أكثر من الشيوعيين الذين آزروها ثم قلبت لهم ظهر المجن وآذتهم آذى كبيراً. وأكثر من الاتحاديين الذين ظل جناح منهم رابضاً في مواقعه ضدها. وأكثر من الإسلاميين الذين حاربوها ثم ناصروها ثم انقلبت عليهم وأسمتهم اخوان الشيطان. وأكثر من الجنوبيين الذين فرحوا بها فرحاً كبيراً ثم انقلبت عليهم فناصبوها عداءً بعداء. حقاً للصادق ما يضطغن على النظام المايوي: استلاب الحكم من حزبه، والقضاء على آماله العراض في الحكم، وتقتيل أهله وأنصاره وإيذائهم. ولكن يستعصي على الفهم اختزان " الإمام الحبيب" لكل هذه المرارات بعد أن عفا وصالح وانضم لمايو في موسمه. ومازال الإمام الحبيب يعفو "عفواً متبادلاً" ويصالح أنظمة تلت مايو واقتلعت الحكم منه شخصياً لا من حزبه.

    نشهد له أنه حشد العسكر المَجْر وسار إليه الأنصار عُرجاً ومكاسير لمجابهة نظام مايو. لم يكن مثل جده العظيم السيد عبد الرحمن الذي بارك ـ هو والسيد علي ـ نظام عبود قائلاً للعسكر "السياسيون أبناؤنا وأنتم أبناؤنا وسنمنحكم الفرصة كيما تحكموا البلاد لوضع الأمور في نصابها ثم تعيدوا الحكم للسياسيين". ذلك منطق يفهمه المرء من راعيي الديمقراطية الأولى بنظرتهم الأبوية ـ أو إن شئت البطرقية ـ للمجتمع. ولكن نعرف أيضاً أنه بارادته ترك رفاق سلاحه في صحراء الكفرة ليصالح النظام الذي أعد العدة لمنازلته، وينضم إليه، ثم يؤدي له يمين الولاء ويده على المصحف. ولم تكن تلك موالاة لمارشالية، أو لسلطة انقلابية طغوانية، بل قسم عظيم لتأييد "ثورة مايو الاشتراكية"، أردفه بالعفو عما لحق بعمه بحسبانه ولي الدم. ويعرف الفقيه الصادق ما يعنيه العفو في الشرع، فلا قود ولا قصاص بعد عفو. نتمنى أيضاً أن لا تكون يمينه غموساً، وسميت بالغموس لأنها تغمس صاحبها في الإثم، وحاشا الأئمة الإثم.

    ما نرويه لا نبتغي من ورائه تزيداً على أحد، فقد قدرنا للصادق موقفه عند ما قال في مايو إنه آثر حقن الدماء، وخشي أن تصبح المعارضة من الخارج أداة كيد للوطن، ولخدمة مصالح ليست هي بالضرورة مصالح وطنية. كما بذلنا، من بعد، جهداً كبيراً لإدراك موقفه بعد هجرته للشرق ليقوي من شوكة رفاق له آخرين ويُثَبِتهَم في حربهم لاستعادة الديمقراطية ثم هجره لهم عائداً أدراجه يضفي مشروعية على "المارشالية" الجديدة. بذلنا ذلك الجهد لحسباننا أن الأمام الحبيب، مهما كانت درجة الخلاف معه، هو قائد لجماهير لا يستهان بها.

    أما الصديق الذي لا يرعى ذمة فقد أخطأ مرماه حيث ظن أنه أصاب، ليس مرة واحدة وإنما مرات. أخطأ في البدء عندما رمانا بالتهجم عليه. روى: "قيل لي إنه هاجمني في بعض شطحاته الاستفزازية التي يُشرعها كضربات وقائية حين يستشعر الخطر يهدد مواقفه التعسفية التي يحب أن يمررها على مريديه وأصدقائه بلا سؤال ولم أجد جدوى في قراءة ما كتب" (الرأي العام 21/6/2004). هذا كاتب مدرار، واكاديمي باحث يقضي بالرأي في كل شئ. ومع ذلك لا يبالي يقول إنه لا يرى جدوى في قراءة ما يكتبه من يحاورهم. هذا الترفع الموهوم يكشف عن مقاتل الكاتب وما هو إلا بطولة رجل فارغ أمُره مُدَغمس. حقاً، ما تعودت التهجم على أحد، ولكني في ذات الوقت لم أحجم أبداً عن رد الصاع صاعين للمتهجمين علىّ أو على صحبي ورفاقي، وليس من بين أولئك الصحب والرفاق من يقبل ما أقول دون سؤال. ثم ذهب الكاتب الأديب للفحص في أمر مايو فأوقع نفسه في حفرة لن نردمه فيها، "لئن بسطت إلى يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي لأقتلك". سنخرجه من تلك الحفُرة كما أخرج صدام لنسلط الضوء على وجهه وفمه ومناخيره، ثم نحمله حملاً حتى يرى وجهه في مرآة مستقيمة من بعد افراطه النظر إلى وجهه في المرايا المقعرة.

    الذي يرمينا بالتهجم عليه أوردنا حوله فقرتين في كتاب واحد مما كتبنا (جنوب السودان في المخيلة العربية، دار تراث للنشر، صفحة 266 - وصفحة316). وليس من بين ما ذكرنا عنه كلمة واحدة أفحشنا فيها القول، كل ما قلناه يدخل في باب ما يسميه أهل الصحافة ورجال القانون بالتعليق الكيِّس أو المنسجم مع القواعد fair comment). وكان ذلك رداً على مقالات ظل يكتبها على مدى بضع سنين توحي بأن كاتبها أضحى صاحب قضية واحدة هي الحركة الشعبية ورئيسها جون قرنق ومن والاه مثلنا، أو تناصر معه مثل التجمع الوطني الديمقراطي. أوليس من الغريب، إذن، أن يرى الكاتب الذي يتهمنا بالرغبة في تمرير الأفكار دون حوار أن في التعليق على ما يقول تجنياً وتهجماً. ولماذا، إذن، يكتب الكاتب أصلاً إن كان يخشى المجادلة. ومن المثير أن الأديب الأكاديمي، رغم إفراطه في الحديث عن الديمقراطية، لم يشحذ قلمه الذي سخره ضد الحركة، وضد التجمع، وضد منصور خالد مرة واحدة للحديث عما يدور في جامعته المفعول بها وكأن الفاعل مستتر وجوبا. لم يسطر حرفاً واحداً حتى على طريقة الازهريين عندما كانوا يتظاهرون ضد الملك ويهتفون تقية "يسقط رجل نعرفه نحن".

    لا نجحد الكاتب حقه في أن يكون فارس الميدان الواحد، ومحامي القضية الواحدة، ولكن نعجب لِمَ لا يرضيه أن يجادله من يخالفه الرأي؟ ولماذا تصبح المجادلة تهجماً؟ ومن الطريف أن هذا الكاتب الوديع الذي يدمى بنانه لمس الحرير جاء بحديثه حول "التهجم"؟ في نفس الفترة التي شن فيها هجومه غير المبرر على رجل لا يعرفه من آدم. كتب لهذه الصحيفة في17/5/2004م يستنكف حديثاً للفريق عبد الرحمن سعيد نائب رئيس التجمع حول سير مفاوضات نيفاشا. وكان الحديث في حفل الافتتاح لمؤتمر الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي وجه الدعوة لسعيد ليخاطب المؤتمر نيابة عن التجمع، ولا شك بموافقة فصائله المختلفة. نَقدُ الكاتب للفريق شابه تهجم غريب من بداية المقال، فعنوان المقال: "من أنت يا سيدي"، وتضمن تساؤلاً أغرب: "كيف وصلت إلى منصب نائب التجمع الوطني الديمقراطي؟ بأي تاريخ نضالي أو سياسي وصلت إلى أن تكون الشخص الثاني في تجمع يفترض أن يضم كل قوى المعارضة"؟ " الجنرال مجهول الهوية" هذا هو نائب لرئيس تجمع سياسي يضم أحزاباً هي في مجموعها أحزاب السودان المعارضة للنظام، والتي تمثل، إن صدقنا مقالات الكاتب عن انتصار الشعب على مايو في الانتفاضة، قيادات ذلك الشعب المنتصر. بل كان هو أمين سر المجلس العسكري الذي أطاح بنميري. ومن سوء حظ الكاتب أن الذين جلسوا في المنصة يستمعون للجنرال "مجهول الهوية" كانوا هم الورثة الفعليون لـ "السفاح نميري" (أحمد الميرغني، والصادق المهدي، وإدريس البنا، ومحمد الحسن عبدالله يس). في هذه الحالة لا تصبح القضية هي ما الذي يبيح لرجل البرتا أن يوجه سؤالاً كهذا لرجل بوأه أهله مكاناً رفيعاً، وإنما ما هي أحقية رجل يتقحم في شئون غيره بهذه الصفاقة أن يصف نقد الآخرين بالتهجم، أو حتى أن يستنكر أي تهجم عليه إن كان ثمة تهجم. حقاً

    وأجرأ من رأيت بظهر غيب


    على عيب الرجال ذوو العيوب
    ذهب الأديب النحرير من بعد ليرميني بالنخبوية، قال منصور "شخصية نخبوية يفضل أن يطل على الجمهور من عَلٍ ولا يسير معهم في الأسواق" (الرأي العام 21/6/2004). لا أدري باسم من يبتغي الكاتب أن يعبر منصور. منصور ليس بحاجة لمن يذكره بالنخبوية فقد كتب عنها كثيراً ونسب نفسه إلى أهلها. ومن الجلى أن الكاتب الأديب يكتب دوماً عمن يريد، وعما يريد، وبالوجه الذي يريد، ولا يقرأ أبداً لمن ينقد إلا ما يريد. لا أخاله قرأ ما قدمنا به "كتاب النخبة السودانية وإدمان الفشل" قلنا: "لا مساغ لنكران دور الصفوة أو النخبة من المتعلمين في صنع الأمجاد في تاريخ السودان، إلا أن هذه الصفوة، بنفس القدر، مسئولة عن كل ما أصاب السودان من بلاء وإزراء". ثم أضفنا ـ بعد الإشارة إلى النخبة القائدة من أهل السياسة ـ "أن المسئولية لا تقف عند صانع القرار وحده بل تشمل كل عناصر النخبة التي ننتمي إليها" (صفحة 17). على أي لا تعني النخبوية التعالي فالذي يدافع عن المستضعفين لا يتعالى. ولا تعني الانعزال في الأبراج العاجية، فالذي يقتطع من وقته وماله ما ينفقه على العمل العام لا يعزل نفسه عن قضايا الناس. ولا هي وضع طبقي استغلالي. أنا مثل كل أبناء جيلي أنتمي لطبقة اجتماعية محددة، تعرضت لمؤثرات داخلية وخارجية معينة، واستقرت على مفاهيم تتعدد دلالاتها بتعدد الجهد البشري في الاقتراب منها أو الاستئناس بها. كما لتلك الطبقة مصالحها ومطامحها. من يقول غير ذلك كاذب أو مغالط، والكذب والمغالطة ديدن المثقفين الطواويس الذين يثيرون الفتن في مقاهي الكلام دون أدنى اهتمام لمرجعيات الحقيقة. وأول ضحايا الفتن هو الكرامة، خاصة كرامة المثقفين الذين يشنقون الحقائق.

    أنا أيضاً لا أعاني من مشكل وجودي هاملتي، أو من تمزق نفسي كالتمزق الفاوستي الذي يقاسيه أشرار كثر في عالمنا. خلقني الله وقدر لي أن أكون ما كنته. نشأت في كنف أسرة سعيدة عابدة مستورة الحال، وكان دعاء أبيها الأكبر "إن شاء الله أولادي لا يغنوا لا يفقروا". ذلك كان هو دعاء رسول الله «صلى ا لله عليه وسلم» لآله "اللهم اجعل رزق آل محمد كفافاً". سئل ما الكفاف؟ قال "جوع يوم وشبع يوم". مع ذلك، ما تعللت بالأمل في حياتي، ولا رضيت بالأقل. "ليس التعلل بالآمال من أربي، ولا القناعة بالإقلال من شيمي". تعلمت وسعيت وكدحت فآتاني الله خيراً أحسنت به اللبس، وزينت النفس ثم اتخذت لي سكناً منيفاً وحدائق غُلباً حيثما حللت. فلله الحمد على ذلك، وإن كان فيه ما يغيظ الحانقين فليموتوا بغيظهم.

    اتاحت لي الحياة أيضاً فرصاً لم تُتح لغيري عمقت من وعيي الإنساني وقلصت كثيراً من ضيق الأفق الذي يصحب التمركز في الذات. ولعل هذا أكسبني جرأة أكثر من غيري على تحطيم التابوت. ومع طول ترحالي وكثرة أسفاري كان أكثر سفري في داخل ذاتي، لم أفر منها أبداً. كم راق لي الاستشهاد أكثر من مرة بقول جيمز جويس (والعالم يحتفل هذا العام بمئويته) عندما سئل إبان هجرته في باريس: "متى ستعود لمدينتك دبلن"، قال: "وهل تركتها أبداً". أياً كان الأمر، ظل ذلك الوعي الإنساني مدخلي إلى، بل الحافز الرئيس للاهتمام بالظلم الاجتماعي، وبفقدان التوازن المجتمعي، وبالغلو غير المعافى في بلادي. وفي سبيل ذلك لم أتوسل بـ "الثورية" أو "الشعبوية" أو ادعاء "الالتحام بالجماهير" حتى وان كانت هي جماهير البرتا. هذا اسفاف غوغائي تركته للمثقفاتية الذين لم يجدوا ما ينعتوننا به غير "النخبوية"، ودوماً من مواقع اقامتهم الكائنة في أمريكا الشمالية. نعم للغوغائية دوى قوى صارخ يخرق الآذان، وما مصدر قوته إلا من صفاقته.

    تصالحت مع النفس أيضاً لأني أنظر لوجهي في المرآة كل صباح فأرى فيها سمرة النوبيين وهي سمرة تتوقد فيها شموس. لله دره القاص النوبي حجاح ادول، قال: "نحن قوم سمر ولكنا نحمل الشموس في وجوهنا". تلك هي الشموس التي أضاءت معابر التاريخ منذ نبتة. وأتحدث بلسان عربي مُبين ولا أرد نفسي إلى قريش كما يتساعى المهمومون بالتفاخر العرقي، ومنهم أبو سفيان المشلوخ، وإنما أرد بلاغتي إلى كتاب الله أولاً، فعبره ولج أهلي وولجت إلى ذخائر الأدب العربي وتسوفت عبيرها. من بعد تجيء الأنساب والأرحام التي أورثتني ما أورثتني، وأنا بكليهما سعيد.

    صديقي غير النخبوي هذا يكره طغيان العسكر كرهاً بلا حدود، والنموذج المثال لذلك الطغيان في نظره هو نظام مايو، أو هذا على الأقل هو ما توحي به مقالاته. على أن نظام مايو لم يكن هو النظام الوحيد الذي جاء للحكم عبر انقلاب عسكري، فقد سبقه انقلاب آخر (عبود 1959-1964) وتلاه ثالث (انقلاب الجبهة 30 يونيو 1989 والى حين إشعار آخر). ذلك النموذج المثال للطغيان لم يبدأ طغيانه في النصف الثاني من السبعينات عندما أنهى خدمة الدكتور الشوش كملحق ثقافي في لندن، وكان ذلك في عهدي وعلى يدي ولأسباب ليس من بينها معاقبته على مشيه في الأسواق اللندنية طلباً للحرية، ودفاعاً عن الديمقراطية. نعم مايو "اتولد" قبل ذلك بكثير، وارتكب جنايات شتى في حق الأفراد والجماعات. تلك الجنايات، وينبغي أن تكون جنايات من منظور الكاتب الديمقراطي، شملت حل الأحزاب، وتأميم الصحف، وتدجين النقابات، ومصادرة الممتلكات، والزج بالأزهري رافع العلم في السجن، ولم تقف عند ذلك. فعلت مايو أفاعيل أخرى يجدر أن يهتم بها الأكاديميون مثل الكاتب الأديب، ومثال ذلك تطهير الجامعة وإصدار قانون لها يحدد واجبها في نشر "الفكر الاشتراكي"، لا نشر العلم وبث المعارف أياً كان مصدرهما. وممن كان التطهير؟ لم يكن من المقصرين في الأداء، أو العاجزين عنه، أو الفاسدين خلقياً، وإنما من "أعداء الثورة" و"المعوقين لمسيرتها" والعاجزين عن "مواكبتها". كل هذه أحكام بُنيت على قيم معيارية سياسية محازبة لفريق أو منتمية لعقيدة، وفي ذلك خرق لحقوق الإنسان وإجهاض للديمقراطية خاصة من منظور الديمقراطيين غير النخبويين الذين يمشون في الأسواق.

    هذه هي الحفرة التي نريد أن ننتشل منها "صدام" الحقائق لنلزمه طائره في عنقه، لا سيما وصديقنا الديمقراطي لم يستتر يومذاك تُقية فالمستتر تُقية "يَلبِد". وبالقطع لم يخرج ليجاهد ضد العسكرية كما خرج رفاق له. كان في قلب الحلبة، والحلبة هي لجان تطهير الجامعة. كان يلهث وراء مديرها الراحل عمر عثمان، ويتسابق إلى الظهور مع الثوار الأحرار. وكان أكثر من عُنى بأمر تطهيره أستاذه عبد الله الطيب فأقصاه من موقعه ليحل محله عميداً لكلية الآداب في العهد المايوي السعيد وحق لنا أن نقول إنه كان من أوائل "أصحاب المصلحة الحقيقية في الثورة". ذلك العمل غير الصالح لم يَرضَ عنه الرجل الذي جاءت به السياسة كرئيس لمجلس الجامعة، القاضي النصيف صلاح حسن، فكان أول تساؤل له عندما قُدمت له قائمة "المطهرين" : "عملوا ايه منصور علي حسيب وعبد الله الطيب عشان يطردوا من الجامعة". تلك القائمة الثورية ضمت إلى جانب الأستاذين الفاضلين أساتذة آخرين لا سبيل للطعن في تأهيلهم لأداء واجباتهم نذكر منهم الراحل زكي مصطفى، وفريد عتباني، ومدثر عبد الرحيم. أغلب هؤلاء ردت لهم مايو الإعتبار فيما بعد فمنهم من أصبح مديراً للجامعة، ومنهم من أصبح وزيراً، ومنهم من صار سفيراً. ذلك الحدث أيضاً جعل الراحل عبد الله الطيب يأتي بقول له ذاع فيما بعد :"أبغض في العربية ثلاث شينات، شين في الشيوعية وشينان في الشوش".

    الغلو ذهب بصديقي الأديب لاطلاق أوصاف على نميري لا تفيد الحوار، خاصة وهي لا تتعلق بأدائه السياسي أو ممارساته في الحكم. وصَفَه بالثور متوسط الثقافة. ومن حق المرء أن يتساءل كيف قرر عميد الآداب في مجلس الأساتذة بجامعة الخرطوم منح درجة الدكتوارة الفخرية لذلك "الثور" الفحل. وان كان ذلك هو رأيه فيه فلماذا لم يحذُ حذو رفيقه فريد فريد عتباني الذي قال بعدم استحقاق الرجل "الثوري" للتكريم. نصيب عتباني كان هو الطرد، وفريد كما عرفته، صليب رأي كما هو حقاني. لاغرو، فقد نشأ في بيت فقه كزميله في البنك الدولي سعيد النجار، وكلاهما ترك وطنه استنكافاً لبدع السياسة. وكما نشأ فريد تحت قدمي شيخنا العالم أحمد متولي، نما النجار تحت رعاية عبد الرازق السنهوري وانتهى بزواج ابنته. وفي بدايات الثورة طولب النجار بتدريس الاشتراكية لطلابه في جامعة القاهرة فقال :"لم أدرس ست سنوات في مدرسة لندن للاقتصاد لأعلم الطلبة كلاماًُ فارغاً". النجار ترك مصر، كما ترك فريد السودان ليلتحقا بالبنك الدولي، وظل الأخير ـ حتى رحيله في الشهر الماضي ـ داعية لليبرالية بعيداً عن الغوغائية ودون أن يمشي في أسواق القاهرة أو يلتحم بجماهيرها. أما فريد فقد ظل يوالي عمله في الداخل والخارج عائساً على عياله وبعيداً عن البطولات الزائفة الكاذبة، فلتلك أهلها. أقاصيص صديقي الأديب مع الأنظمة العسكرية لا تنتهي، وتعود إلى عهود أبعد كثيراً من عهد مايو. ففي مطلع الستينات قررت حكومة عبود تكوين لجنة للإعداد لإنشاء المجلس المركزي كمحاولة منها لامتصاص الغضب المتنامي الذي كانت جامعة الخرطوم الصاعق الذي فجره في أكتوبر. تلك اللجنة، التي عرفت بلجنة عوض عبدالرحمن، ضمت بين أعضائها فتى خَفي أمره على كثيرين، اسمه الدكتور محمد إبراهيم الشوش. وليس في الحديث عن خفاء أمره استنكاراً لهويته بل هو مقدمة لقصة لا تخلو من الطرافة. كنت آنذاك في الأمم المتحدة ووفد إلى زيارتي الصديق الراحل المهندس معاوية أبوبكر، ولعله كان في مهمة رسمية. سألته عن أخبار الديار فروى ما روى ثم جاء ذكر اللجنة فساءلني: "الدكتور الشوش ده أخو مجذوب؟ قالوا صاحبك". قلت "نعم بلحيل، وهو أديب مرموق". قال: "وايه دخله باللجنة"؟ قلت له :"ربما اختير ليمثل المثقفين". قال: "غريبة، المثقفين دول مش نحن، واحد لاشفناه في معارك السياسة في الاتحاد بين الشيوعيين والأخوان والمستقلين، ولا شفناه في المظاهرات، ولا اتلم علينا في المقرن يمثلنا كيف". رحم الله معاوية، فقد كان له أسلوبه الساخر في التعبير.

    هذا ما كان من أمر الكاتب الديمقراطي الذي حلت به، كما قلنا، نخوة الديمقراطية على غير موعد، حاله في عهدين مازال شهودهما أحياء، ولم يصبحا بعد من الأمور الغائرة التي تحتاج لحفر اركيولوجي للوصول إليها. ما كان أغنانا وأغناه عن كل هذا فعلم الله، تقديراً لصداقة قديمة، واحتراماً لصداقة مشتركة مع رجل يرعى الذمم هو الأستاذ الطيب صالح، أحجمنا طويلاً أن نأخذ هذا الرجل ونَعتِله إلى حيث لا يريد (خذوه فاعِتلوه إلى سواء الجحيم). أما وقد أراد غير ذلك فمن حقنا على أنفسنا أن نكشف عن أمره ونرد عاديته. كما من واجبه نحو نفسه ونحو القراء أن يبين لهم ـ إن لم يكن للكتاب الذين لا يقرأ لهم ـ كيف يمكن التوفيق بين مواقفه الماضية ونظرته الاستعلائية والاستعدائية الراهنة بأسلوب يسميه الفرنجة "holier than thouس. فإن كان قد ارتضى مواقفه السابقة في ظل الأنظمة العسكرية عن اقتناع فذلك اختيار طوعي يتحمل نتائجه كما تحمل غيره نتائجه. وان كان قد فعل ثم قَدَر من بعد أن فعلته تلك كانت سقوطاً، فذلك سقوط إرادي ينبغي أن يعتذر عنه أولاً قبل أن يرتدي مسوح الناصحين. وإن كان قد ارتضى ذلك الموقف لنفسه تقية وخشية فذلك انكسار نفسي تصبح معه بطولات اليوم استشراس أدعياء. فليقل لنا على أي جنب كان مصرعه في المايوية حتى نكون جميعاً على بينة من الأمر. الكاتب الأديب نموذج لكثيرين شهدناهم تحت دوحة مايو تتساقط عليهم ثمارها وزارات ووكالات وسفارات ومفوضيات ثقافية وعمادة كليات، وكانوا بكل ذلك غابطين

    والمرء في زمان الاقبال كالشجرة


    والناس من حولها مادامت الثمرة
    حتى إذا أسقطت كل الذي حملـت


    تفرقوا وأرادوا غيرهـا شجـرة
    كما هو نموذج لآخرين تزاحموا على مآدب مايو، لا تدري إن كانوا من الطهاة، أو الآدبين، أو غاسلي الصحون بعد انفضاض السامر. فمن أنت من هؤلاء يا سيدي؟ نتساءل إقتباساً لا تهجماً. نعم نريد أن نكون جميعاً على بينة من الأمر، بدلاً من تلوين الحديث. فإضفاء الأصباغ على الكلام، وهو أمر يحسنه الكاتب، لن يفيد القارئ في شيء، وهو في نهاية الأمر تزوير. ولأهل مصر وصف رائع للذين يسعون لتلوين الحديث بهدف تورية المعاني: "يا اخي ما تلونش، جيبها من آخرها". أقول قولي هذا واستغفر الله لي وله.
                  

07-05-2004, 03:44 AM

ahmed haneen
<aahmed haneen
تاريخ التسجيل: 11-20-2003
مجموع المشاركات: 7982

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ويل للمتربصين- الي صاحب المنبر المريب- مقال لد/منصور خالد (Re: ahmed haneen)

    اليكم رد د/ الشوش علي مقال منصور خالد


    علامات استفهام

    محمد ابراهيم الشوش


    منصور خالد أول القصيدة سفه وكفر

    انتظرت بشغف حقيقى أملاه حسن ظن في غير موضعه، ما وعد به منصور خالد من مساهمة اسبوعية في صحيفة «الرأي العام» فجاء الرجل منتفخ الأوداج نافشاً ريشه يختال زهواً اختيال الهلوع الذي ظن انه تمكن وامتلك الحسام واقترب من تحقيق أحلام ظن انها تبددت وضاعت..

    كعادته فيما يكتب، امتلأ مقاله الذي نشره بصحيفة «الرأي العام» أول أمس السبت 3 يوليو بكلمات طبولية صاخبة لا تعني شيئاً ولا تدل على شيء، فهو يعرَّف اتفاقية السلام بأنها «أول محاولة جادة لاعادة تشكيل السودان سياسياً وادارياً واجتماعياً واقتصادياً» وأنها «تزيل الاحتقانات وتنهي التشوهات». ثم يكرر هذا التعريف الدخاني بأن الاتفاق في مجمله «زلزال سيهز عند تطبيقه الألواح التكتونية للجسم السياسي السوداني». والألواح التكتونية واحدة من عدة كلمات أجنبية - لا تضيف جديداً - رصع بها مقاله لابهار البسطاء والغوغاء، وليسعد بها بعض متوسطى الثقافة الذين يحومون حوله..

    وفي هذا السياق الهوائى يصف القضية التي هو بصددها بأن «وراءها فكراً سياسياً، والفكر السياسي صناعة مفهومية لها فروض. من تلك الفروض يقوم الباحث بتشخيص الواقع واستنباط الحكم»..

    ويتصل بأسلوب الاستعراض والإبهار، فن أتقنه منصور خالد وهو التعالى غير المبرر على قراء مجهولين ينسب اليهم كل نقيصة ويشير اليهم بصفة التعميم مثل الصفوة، او بعض القراء أو المثقفين، يحتمى بذلك من المواجهة اذا حدد الجهة المقصودة. وذلك لون من استغفال القارىء انه أمام عقلية جبارة وعليه ان يرتفع الى مقامها ولا يكون مثل الذين يتهمهم منصور خالد بالجهل والفشل وعدم الفهم والتخلف العقلي. وذلك كحديثه في هذا المقال عن: «إمّعة من المثقفين» وعن «الاكروبات اللفظية» وعن «التحليل الكاريكاتيري» وعن «مدرسة التفسير البوليسي التي انجبت جحافل من سفهاء الأحلام» وعن «أولئك الذين في جوفهم حقد يكفي لقتل المئين من الرجال»..

    وكل الذين تغلبوا على الملل والضجر واستطاعوا ان يقرأوا صفحات من «ادمان الفشل» و«المخيلة العربية» أو غيرها، وكلها كتاب واحد مكرر يعرفون هذا الميل العدوانى الى السباب والشتائم عند منصور خالد وهو ميل يخفي حالة حادة من حالات الشعور بالنقص..

    بعد أن أوغل منصور خالد في الهجوم العشوائى على مجهولين بسيف دون كيشوت الخشبى وادرك ان ما يقوله تهويش لا طائل من ورائه اعتذر «بأن حدثاً كهذا - يعني الاتفاقية - لا يجب ان يخضع لحديث مختزل يحمل فيه المتحدث حملاً على تكثيف الأفكار وتشفير الكلمات». واعداً انه سيفصل القول في مقالات عشرة أحسب انها خلاصة تحليل أعدت سلفاً حول الاتفاقية صادفت طلب رئيس تحرير «الرأي العام» لتقع على نافوخ القاريء المسكين..

    وقد وعد ان يكشف لنا في هذه المقالات كيف ان ثنائية الاتفاق نتاج ظروف موضوعية وليست وليدة تآمر. وعن ضروب الاصلاح الادارى العميق الذي سيترتب على الاتفاق والذي قد يصيب جمهورية المدن الثلاثة في مقتل. وعن التحولات الاقتصادية الجذرية التي ستنجم عن الاتفاق، وكيف ان اقتسام الثروة ليس هو حساب لوغاريثمي لاسلاب توزع، وانما هو في جوهره بداية تحول أساسي في النموذج المثالي لمناهج التنمية. بالله عليكم ما معنى هذا؟

    وليس ذلك فقط ولكنه بما أوتى من مهارة الحواة سيثبت ان الحركة حين رضت لحلفائها بنسبة 15% مع آخرين لم تستهن بهم: وادعى للضحك كيف ان هذه الاتفاقية تمثل تحولاً ديموقراطياً. ربما بمفهومه للديمقراطية التي مارسها تحت حكم نميرى ولم يكن في يوم من الأيام أحد مناصريها مذ كان يافعاً..

    وباسلوب الثعلب الماكر قدم لمقالاته المزمعة بمحاولة مسح جوخ لمجموعة من الكتاب على سبيل تأمين المواقع منهم محمد الحسن أحمد، وحيدر ابراهيم وحسن مكى والشفيع خضر ومحمد ابوالقاسم حاج حمد وكمال الجزولى وكلهم من الذين يكتبون بانتظام مما يحتم تأمين جانبهم أو هكذا يظن..

    وانتقل الكاتب الى مجموعة ثانية خلط في شأنها النقد بالمدح وحاول ان يتودد للسيد الصادق المهدى ذلك الذي أعلن ضده حرباً لئيمة ووصفه بأبشع الأوصاف في إطار حملة الحركة الشعبية لابعاد حزب الأمة من التجمع الديمقراطي. ومنصور خالد انما يلجأ هنا الى خصائص الطيبة والتسامح عند السودانيين والتي كثيراً ما كان يهزأ بها..

    ومن مظاهر الزيف زعمه ان ردى عليه كان سابقاً لمقالاته. وما كان ردى على مقالاته، وانما كان تعليقاً على مقابلة صحفية معه نشرت بالفعل في «الرأي العام» وقد التبس عليه الأمر لما يحدث من تكرار في كل ما يكتب ويقول..

    ونقل حديثي عن بقاء الجنوب ككيان موحد متماسك وتقسيم الشمال الى كيانات متعددة، كما لو كان ادعاءً باطلاً من عندي وهو يعلم جيداً ان ذلك قد تم بقرار من التجمع الديمقراطي بايعاز من الحركة كخطوة أولى نحو مخطط هيمنة الجنوب على كيانات الشمال..

    ومن صيغ الزيف اتهامه الباطل لكل الذين يتمسكون بهويتهم العربية الاسلامية وهو من حقهم كما هو من حق الذين ينتمون الى الهوية الافريقية وذلك حين يقول: «ان الهوية السودانية عند هؤلاء هي الهوية العربية الاسلامية ولا يصح ان تلوثها الثقافات الافريقية المستحقرة». وهذا بهتان وتحريض خبيث فليس هناك فيمن اعرف من المتمسكين بهويتهم العربية الاسلامية - وأفخر انني منهم - من يتناول الثقافة أو الهوية الافريقية بالذم أو الاستحقار، أو يرفض ان تكون احدى الهويات السودانية في بلد متعدد الثقافات والأعراق. ولكنني استطيع ان أذكر عشرات من الذين يدعون الانتماء الافريقى ممن جعلوا شغلهم الشاغل تحقير الانتماء العربي والاسلامي والاساءة اليه بل والتهديد بمحوه وازالته..

    بقي أمر آخر ما كنت أحب ان أشير اليه ولكني أدرك أهميته في مجتمع شخصاني يحب بعض الناس فيه التندر بالتفاهات في مجالسهم الخاصة..

    فقد عرض بي في نهاية مقاله حين تحدث عن جاهلية سفيانية ثم أردف فيما يشبه الضربة القاضية في نظره: «والبلوى ان يكون ابوسفيان مشلخاً» وجعلها في ختام مقاله على غرار ما فعله جرير حين اطفأ السراج بعد قوله «وغض الطرف». وهذه بضاعة غير رجولية لا أتعامل بها، وليس في أهلى من يتعامل بها. ولو شئت لأريته في شكله وما قيل فيه العجب العجاب. ولذكرته بما قيل في بشار بن برد وكان أمرد «غير مشلخ»:

    يا أقبح من قرد اذا ما عمى القرد

    واشارته تلك والتي لا تليق برجل مثقف هي مبلغ فهمه لالتزامه - كما يدعى - بتقاليد البحث العلمى للقارىء ولنفسه. ولو كان يملك أي قدر من الاحترام لنفسه - ولو مثقال ذرة - لما فعل الذي فعل

    (عدل بواسطة ahmed haneen on 07-05-2004, 05:01 AM)
    (عدل بواسطة ahmed haneen on 07-05-2004, 09:46 AM)

                  

07-05-2004, 03:54 AM

ahmed haneen
<aahmed haneen
تاريخ التسجيل: 11-20-2003
مجموع المشاركات: 7982

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ويل للمتربصين- الي صاحب المنبر المريب- مقال لد/منصور خالد (Re: ahmed haneen)

    اليكم مقال محمد الحسن احمد الذي اشار
    اليه د منصور خالد في مقاله،،
    نشر هذا المقال بالشرق الأوسط 24يونيو

    هل وراء اتفاق سلام السودان ملاحق سرية؟
    محمد الحسن أحمد

    مضت ثلاثة اسابيع منذ توقيع بروتوكولات السلام السودانية في كينيا دون ان تبادر الحكومة والحركة على اجراء الاتصالات المرجوة مع القوى السياسية الاخرى لمشاورتها في ما تم الاتفاق عليه واستطلاع رأيها في كيفية نقل الاتفاق من ثنائيته الى ان يكون قوميا ويجعل مشاركة الجميع ضمانة لانفاذه، علما بأن الطرفين اعلنا عقب توقيع البروتوكولات عن الشروع فورا في الاتصالات لتحقيق الاجماع الوطني!
    ولا ريب ان هذا التلكؤ وَلد شكوكا واثار تساؤلات ليس لدى القوى السياسية الاخرى فحسب، وانما بين اركان الحكومة نفسها، والحركة الشعبية والقوى الجنوبية الاخرى، واخذت الريبة تحوم حول توازن ذلك الاتفاق، وعن احتمالات وجود بعض بنود سرية تجير في صفقة شراكة بين الحكومة والحركة على حساب الآخرين، مما يعرض الاتفاق الى بوادر انهيار قبل ان تكتمل ملاحقه المنظمة لتنفيذه وآليات تطبيقه، والتي سيبدأ التفاوض حولها اليوم في كينيا.
    لقد كان اول المهاجمين للاتفاق وبقسوة وفي ندوة عامة المستشار السياسي للبشير الدكتور قطبي المهدي، حيث قال ان «قرنق سيبدأ تنفيذ دعوته للسودان الجديد بعد وصوله الى الخرطوم بدعم اسرائيل وقوى اجنبية، ويسعى الى طمس الهوية العربية والاسلامية»، ووصف اتفاقية السلام التي وقعت بأن فيها اخطاء محدودة يمكن معالجتها عبر وحدة القوى السياسية في شمال البلاد وان الحكومة قدمت تنازلات كثيرة.
    من جهة اخرى حذر قرنق الحكومة من التلاعب في تنفيذ الاتفاق قائلا «اذا كانت منازلكم من زجاج فلا ترشقونا بالحجارة»، وأكد ان حركته ستنفذ اتفاق السلام «بكل حزم واصرار وعزيمة»، مرحبا بالعمل مع القوى السياسية في شمال البلاد وجنوبها بمن فيها معارضوه، لكنه شدد على ان حركته «لن تسمح بأن يأتي آخرون ليخترقوا صفوفها وينفذوا الاتفاق نيابة عنها»، وقال: «نحن الذين قاتلنا ووقعنا الاتفاق وسننفذه في كل مستوياته».
    ان هذين التعليقين يؤكدان ان الحكومة لا تملك خطابا موحدا ازاء الاتفاق، وان قرنق فضلا عن كونه يهدد بكشف اشياء تتصل ببيت الحكومة الذي هو من زجاج على حد قوله، فإنه يغمز من قناة الجنوبيين الآخرين الذين لم يحملوا السلاح بجانبه بأنه لا مكان لهم معه في شراكة في تنفيذ الاتفاق، ما يشي بأنه والحكومة ينويان ان تكون مشاركة القوى الاخرى رمزية، مما يجعل امكانية اندلاع الحرب في الجنوب تكاد تكون حتمية، ويزيد من الشكوك في ان صفقة شراكة بين الحكومة والحركة قد ابرمت فعلا، وبالتالي فإن الاتفاق لن يكون قوميا وان تظاهر موقعوه بالسعي الى ذلك.
    واذا اعدنا قراءة مقولة قرنق في انهم الذين وقعوا الاتفاق وسينفذونه في كل مستوياته، مع تصريحات النائب الاول للبشير علي عثمان محمد طه في الاهرام القاهرية عدد 14 يونيو (حزيران) والتي جاء فيها: انه في منتصف الفترة الانتقالية ستجرى انتخابات نيابية شاملة على جميع المستويات بمشاركة القوى والاحزاب السياسية الحالية ـ او المستجدة ـ لتشكيل البرلمان وبالتالي الحكومة.. اما الرئيس فسيبقى كما هو طبقا للاتفاق.. فإننا لا بد ان ندرك ان الانتخابات لن تشمل رئاسة الجمهورية، ومعنى ذلك ان البشير وقرنق سيبقيان في القمة الرئاسية دون انتخابات، ما يعني ان الانتخابات منقوصة وان اطار اتفاق ماشاكوس قد جرى تعديله وان ما اعلن في البروتوكولات قد اخفى هذه الحقيقة! وان القوى السياسية في الشمال والجنوب لن تقبل بهذه الديمقراطية المنقوصة بحيث تشكل حكومة منتخبة ديمقراطيا وتتحكم فيها رئاسة (جمهورية) غير منتخبة!
    ومن المفارقات التي اثارت الشكوك ايضا ان البروتوكولات اكدت الاعتماد على مصرف مركزي واحد بنظامين احدهما في الجنوب يعتمد النهج العلماني المعروف وآخر في الخرطوم يتبع النظم الشرعية، لكن المفاجأة تمثلت في اعلان سامسون اراب احد مسؤولي حركة قرنق انه تم طبع اوراق نقدية من فئتي مائة ومائتين من جنيه السودان الجديد، كما ان القطع النقدية من الفئات الادنى باتت جاهزة. وقال قرنق ان الحكومة السودانية والجيش الشعبي لتحرير السودان اتفقا على اقرار عملة خاصة بالجنوب خلال مفاوضات السلام الجارية، ولكن ما قاله قرنق لم يرد ايضا في البروتوكولات ما يعني ان هناك اتفاقا سريا لم يرد ذكره وان قرنق ادَّعى موافقة الحكومة لأن يكون للجنوب عملة خاصة به وفي هذه الحالة لم يصدر من الحكومة ما ينفي ما قاله، ويعلق البروفيسور حسن مكي احد اقطاب الحركة الاسلامية في السودان على اصدار العملة الجديدة في الجنوب بأن الاتفاقية تخلو من آلية لمحاسبة الجنوب في ارتكاب مثل هذه المخالفة واعتبر ان الدولة ضعيفة وقدرتها على التنفيذ لا تتجاوز 20 في المائة حتى اذا احسنت نيتها. ووصف الاتفاقية في مجملها بأنها زواج على قسيمة طلاق.
    اما على صعيد المعارضة فقد صب الصادق المهدي زعيم حزب الامة هجوما عنيفا على البروتوكولات، وقال «انها تحمل الكثير من التناقضات وتنطوي على الاختلافات المؤجلة والمصالحة الناقصة»، وشبهها بالجبنة السويسرية لما فيها من ثقوب كثيرة، وكرر التأكيد بأن حزبه يطالب «بالديمقراطية والتعددية والحريات والشفافية في العمل في الفترة المقبلة». لكن الميرغني رئيس التجمع الوطني الديمقراطي المعارض، رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي دعا كل القوى السياسية السودانية للتعاون من اجل وضع الاتفاق الموقع بين الحكومة والحركة موضع التنفيذ، مؤكدا على ضرورة ان يتحول الاتفاق من ثنائي الى قومي، ومن المتوقع ان تعقد قيادة التجمع اجتماعا حاسما يوم الاحد القادم يحضره قرنق لبحث آخر المستجدات واقرار رؤية متكاملة حول اتفاقية السلام والمشاركة في الحكومة القومية. وبالنسبة لحزب المؤتمر الشعبي بقيادة الدكتور الترابي فإنه يرى: ان الاتفاقية لا بد ان تتسع لتشمل كل القوى السياسية مع ترحيبه بكونها ادت الى ايقاف الحرب الا انه يشكك في مصداقية الحكومة وجديتها ويستدل على ذلك بأن الكثير من قياداته في السجن ما يتنافى مع الادعاء ببسط الحريات وكذلك دوره مغلقة ونشاطه يكاد يكون محظورا وكوادره مطاردة.
    ولا يختلف كثيرا موقف المعارضة الجنوبية عن موقف المعارضة الشمالية، ويعتقد كثير من معارضي الحركة الشعبية انها تطبق شعار «من لا بندقية له لا رأي له» وانها حتى الآن لم تجتمع بأية احزاب او جبهات او هيئات جنوبية خارج اطار الحركة الشعبية! وان ما ظلت تردده عن دعوة لمؤتمر يضم كل اطياف الجنوب للمصالحة والمشاركة لا يعدو ان يكون شعارات فارغة تكذبها اقوال قرنق التي اوردناها في سياق هذا المقال، والتي تجزم بأن السلطة لهم وحدهم ومسؤولية التنفيذ تقع على عاتقهم ولا احد سواهم!
    ويرى البعض ان الاتفاقية في نصوصها تقف شاهدا على صدق ما يقولون، فهي تجعل من قرنق نائبا اول لرئيس الجمهورية ورئيسا لحكومة الجنوب وقائدا لجيش الجنوب وهو الشريك مع البشير في اصدار القرارات ذات الصلة، وهذا يعني انه بيده كل السلطة ولا مجال لتداولها، خاصة اذا استثنيت «الرئاسة» من الانتخابات العامة في نصف الفترة كما ورد على لسان النائب الاول للبشير في تصريحاته للاهرام.
    لقد تمنينا على الحكومة والحركة في المبتدأ ان يشركا القوى السياسية الاخرى معهما في المفاوضات، ثم تمنينا عليهما ان يعملا بالوفاء بالتزاماتهما في دعوة الاحزاب الاخرى لمناقشة الاتفاق حتى يكون شاملا وقوميا، ومن ثم تطلع الكثيرون الى ان تتبنى القاهرة دعوة الجميع لمؤتمر جامع قبل ان تنفلت الامور، وما زال الامل في ان تسعى الشقيقة مصر للملمة الاوضاع قبل ان تتسع المراشقات وتتصاعد المواقف المتباينة من الاتفاقات مما قد يصعب الوصول الى وفاق او ان تنهار الاتفاقات وهي ما تزال في المهد، وتتهددها الاوضاع الكارثية في دارفور التي ما تزال تلوح منها احتمالات تدخل عسكري دولي. وحينئذ يكون جل السودان مشمولا بوجود قوات اجنبية في الجنوب، وجبال النوبة والنيل الازرق ودارفور وساعتها يكون السؤال: أين هو السودان؟

    (عدل بواسطة ahmed haneen on 07-05-2004, 04:33 AM)
    (عدل بواسطة ahmed haneen on 07-05-2004, 10:15 AM)

                  

07-05-2004, 03:57 AM

ahmed haneen
<aahmed haneen
تاريخ التسجيل: 11-20-2003
مجموع المشاركات: 7982

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ويل للمتربصين- الي صاحب المنبر المريب- مقال لد/منصور خالد (Re: ahmed haneen)

    نأسف للتكرار

    (عدل بواسطة ahmed haneen on 07-05-2004, 04:46 AM)

                  

07-05-2004, 03:58 AM

ahmed haneen
<aahmed haneen
تاريخ التسجيل: 11-20-2003
مجموع المشاركات: 7982

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ويل للمتربصين- الي صاحب المنبر المريب- مقال لد/منصور خالد (Re: ahmed haneen)

    مكرر

    (عدل بواسطة ahmed haneen on 07-05-2004, 04:48 AM)

                  

07-05-2004, 04:00 AM

ahmed haneen
<aahmed haneen
تاريخ التسجيل: 11-20-2003
مجموع المشاركات: 7982

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ويل للمتربصين- الي صاحب المنبر المريب- مقال لد/منصور خالد (Re: ahmed haneen)

    مكرر
    مكرر

    (عدل بواسطة ahmed haneen on 07-05-2004, 04:50 AM)

                  

07-05-2004, 12:20 PM

ahmed haneen
<aahmed haneen
تاريخ التسجيل: 11-20-2003
مجموع المشاركات: 7982

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ويل للمتربصين- الي صاحب المنبر المريب- مقال لد/منصور خالد (Re: ahmed haneen)

    فوق

    غدا الحلقة الثالثة من مقالات د/منصور خالد
                  

07-05-2004, 07:46 PM

Agab Alfaya
<aAgab Alfaya
تاريخ التسجيل: 02-11-2003
مجموع المشاركات: 5015

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ويل للمتربصين- الي صاحب المنبر المريب- مقال لد/منصور خالد (Re: ahmed haneen)

    الشكر لك استاذ احمد حنين

    والشكر لكل من ساهم في امدادنا بهذه المادة الدسمة

    في انتظار باقي حلقات دكتور منصور خالد،

    وكل الردود المصاحبة ،

    وامل ان يجري حوار جاد من الاخوة حول هذه النقاشات ،
                  

07-05-2004, 09:14 PM

ahmed haneen
<aahmed haneen
تاريخ التسجيل: 11-20-2003
مجموع المشاركات: 7982

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ويل للمتربصين- الي صاحب المنبر المريب- مقال لد/منصور خالد (Re: ahmed haneen)

    الأخ عجب الفيا

    شكرا لمرورك
    ووعدا سوف نواصل هذة السلسلة
    والتي قال عنها منصور خالد
    سوف تكون عشر مقالات
    واتمني ان تفتح بابا للنقاش
    الهادف ،، نسبة للمرحلة الحرجة
    التي يمر بها الوطن

    ولي عودة
                  

07-06-2004, 09:52 AM

ahmed haneen
<aahmed haneen
تاريخ التسجيل: 11-20-2003
مجموع المشاركات: 7982

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ويل للمتربصين- الي صاحب المنبر المريب- مقال لد/منصور خالد (Re: ahmed haneen)

    فوق لمزيدا من القراءة
    والمتابعة غدا انشاء الله
                  

07-06-2004, 10:52 AM

Amjad ibrahim
<aAmjad ibrahim
تاريخ التسجيل: 12-24-2002
مجموع المشاركات: 2933

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ويل للمتربصين- الي صاحب المنبر المريب- مقال لد/منصور خالد (Re: ahmed haneen)

    سلام جميعا
    شكرا احمد حنين على المواضيع الرائعة و التي وفرتها في وجبة دسمة كما قال الاخ عجب
    و اقول لك قول يردده احد الاصدقاء هنا عندما يعجز عن التعبير
    ".....تعب شديد"
    و في انتظار البقية
    لك كل الود
    تحياتي
                  

07-07-2004, 01:15 AM

ahmed haneen
<aahmed haneen
تاريخ التسجيل: 11-20-2003
مجموع المشاركات: 7982

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ويل للمتربصين- الي صاحب المنبر المريب- مقال لد/منصور خالد (Re: ahmed haneen)

    ويـــــــــل للمتربصــــــــــــــين (3-3)

    الهُوية السودانية بين فقه التعسير والتكفير، وضرورات المحاياة والتفكير

    بقلم: د. منصور خالد

    المقال الثالث والأخير من ثلاثية حُملنا عليها حملاً وردتنا ـ ولو إلى حين ـ عما قصدنا التوفر على كتابته حول اتفاقيات السلام. بالمقال نتجه لتناول مقالين للشيخ المهندس الطيب مصطفى صاحب المنبر كنا نتمنى أن يتضمنا، بحساب دقيق، كشف وجوه التناقض في بنود الاتفاق أن كان ثمة تناقض، أو التنبيه إلى غموضه حتى نحاول تبيان الغامض. مثل هذا الحساب الدقيق نترجاه من رجل يمتهن مهنة تُضبط فيها المقادير المادية بميزان، وتُقاس فيها الخطوط والأبعاد والزوايا بحساب. أوليس هذا هو ما يتعلمه المهندسون؟ وكانت العرب تصف من يجيد النظر في الأمور بالرجل الهِنْدِس. عوضاً عن ذلك استهل الكاتب مقاليه بالقول، هداه الله: "حق لمنصور خالد ان تنتفخ أوداجه زهواً وطرباً ليُحاضرنا عن هوية السودان في معرض رده على محمد أبي القاسم حاج حمد بجريدة الصحافـة بتاريخ 20/6/2004 فهذا زمان تمرح فيه المهازل وتعربد" (الصحافة 26/6/2004). ما أسماه رداً على محمد هي فقرات إجتزأتها الصحيفة الغراء من بين دفتي كتاب بل كتب بلغت صفحاتها المئيين نشك في أن يكون المهندس المحلل قرأها أو حرص على قراءتها. وفي تلك الصفحات لم نصدر حُكماً إلا بحيثياته، فنحن لا نرد على محمد بل نحاوره حوار المفكرين الأنداد. ثم أن الكاتب عندما يكتب لا تنتفخ أوداجه طرباً بل يحشد مصادره، ويُشهرِ قلمه، ويشحذ عقله، فعقول الرجال في أطراف الأقلام. لا أدري ما الذي أصاب هذا المهندس الذي لا يحسن تطبيق مناهج الأداء التي تعلمها في الطرح العلمي لقضيته حتى يستطيل علينا في أمور هو قليل الحظ فيها. ما له، مثلاً، يحسب إسهام رجل ظل يرفد الفكر السياسي برأيه قرابة نصف قرن من الزمان هزلاً وعربدة. هذا اجتراء على القُبح، نعفُ عن مجازاته، فجزاء القُبح قد يُربى عليه. لنترك التجني في المقالين ولنأخذ الآراء.
    صاحب المنبر ليس هو الباحث المحقق محمد الذي يتبنى منظومة فكرية متكاملة حول الهُوية نوافقه على الكثير من افتراضاتها ولا نقره على النتائج التي انتهى اليها. هذا موضوع ليست الصحف السيارة مكان بحثه، ومن أراد الالمام بما نومئ اليه فما عليه إلا العودة لما كتبنا في بعض الكتب مثل "جنوب السودان في المخيلة العربية" أو "أهوال الحرب وآفاق السلام". باختصار مفيد يفترض محمد أن في القطر كيانين، وأن هذين الكيانين لن يلتقيا مثل الشرق والغرب عند رديارد كبلنج. لهذا، من الخير لهما ـ إن أرادا الحفاظ على وحدتهما التي اصطنعها الخديوي محمد علي ـ التوحد عبر رباط رهيف هو الكونفدرالية. وعلى خلاف صاحب المنبر يعترف محمد بأن ظلماً حاق بأهل الجنوب، وإن هناك استحقاقات لهم لابد من ردها. ليس هو أيضاً من أولئك الذين تملكهم يقين ثابت أن للشخصية الحضارية السودانية بعد واحد هو البعد الإسلامي ـ العربي. فالشخصية السودانية الحضارية، في تقديره، متعددة الأبعاد. من تلك الأبعاد ما ينكره البعض بسبب وثنيته (ممالك النوبة القديمة) أو بسبب لا اسلاميته (النوبة المسيحية). كما يرى الباحث المحقق أن البُعد العربي الاسلامي بُعد حضاري وبطبيعته هذه يستوعب غير المسلم من أهل الشمال كالأقباط مثلاً.
    السودان ليس نسيج وحده بين الأمم، والسودانيون مثل كل شعوب الأرض أمة هجين. فشخصية السودان الوطنية، كحال الشخصيات الوطنية لكل الأمم، تكونت ـ وما زالت تتكون ـ عبر تفاعل حضاري، وتعامل مصلحي، وتساكن بشري، وكل ذلك في فضاء جغرافي معين وفي أفق زمني ممتد. لهذا، تصبح الشخصية الوطنية ظاهرة مركبة لا يعين على فهمها اختزال مكوناتها الأساس وهى المصالح المشتركة، والخبرات التاريخية المتبادلة، وتراكم تلك الخبرات في الوجدان الجمعي. وبالرغم من أن الدين واللغة عنصران مهمان في تكوين حضارة أية أمة إلا أنهما بمفردهما لم يكونا دوماً عنصر توحيد للأمم. لو كانا لما توحدت كندا بلغتيها، ولما توحدت سويسرا بلغاتها الأربع، ولما توحدت الهند بلغاتها الرئيسة الست عشر. ولو كان الدين وحده عنصر توحد لما تمزقت باكستان إلى دولتين رغم رابطة الدين الواحد (الإسلام السني)، بل رغم أن الدولة قامت أساساً على وحدة الدين على يدي محمد علي جناح.
    على أن قضية الهُوية الثقافية القومية، أو قضية الشخصية الوطنية لا تشكل أزمة للمواطن العادي، الأزمة تنفجر دوماً في لحظات الأزمات، وتعكس غالباً تأزماً فكرياً للمثقفين لا هموماً لعامة الناس. فالمواطن السوداني العادي في الشمال أو الجنوب، وفي الشرق أو الغرب، غير معني البتة بتحليل عناصر هُويته. مفهوم أي واحد من هؤلاء لهُويته أو انتمائه مفهوم بسيط لا تعقيد فيه، هو أن يعيش آمناً في سربه، يعبر عن نفسه باللسان الذي دب ودرج على التعبير به، ويتعامل ويتفاعل ويتناسل وفق عوائد ارتضاها، ويعبد ربه ويؤدي فرائض دينه ـ أياً كان ذلك الدين ـ حسب عادة البلد.
    من تلك الأزمات ما هو أزمة أمة، ومنها ما هو أزمة جماعة أخذت تظن الأرض تميد تحت أقدامها بسبب تهديد حقيقي أو متوهم لهيمنتها الثقافية، أو لمركزها السياسي، أو لحظوظها الإقتصادية، أو حتى لنظرتها الذاتية للحياة والمجتمع من حولها مما يدخل بالأمر في مجال الخيلاء الفكريةIntellectual Vanity) . ) لكل هذه الأزمات نماذج راهنة. فاحتدام الجدل اليوم في الوطن العربي حول الهُوية بصورة غير مسبوقة هو تعبير عن أزمة الهزيمة والانكسار بعد حزيران وسقوط كل المسلمات (وكان أهلها يسمونها أيضاً ثوابت) حول الوحدة العربية الفورية، مما قاد إلى بروز التيارات الإسلامية بكل ما صحبها من عنف وعنفوان. أزمة الوجود هذه لا يعانيها مسلمو آسيا وأغلب مسلمي أفريقيا، فالإسلام ليس هو دين العرب وحدهم. ففي آسيا مسلمون ثابتون على إسلامهم، وفي أفريقيا مسلمون قابضون على دينهم، ونقول في بلادنا عن مثل ذلك التدين (إسلام فلاتة). وعلى سبيل المثال لا يعاني الماليزيون في آسيا أزمة هُوية وطنية أو دينية لأنهم لم ينهزموا أبداً داخلياً. انتصروا سياسياً بالحفاظ على استقلالهم الوطني، وانتصروا ثقافياً بالتفاعل المبدع بين ثقافاتهم المالاوية (Malay ) والصينية والإسلامية، وانتصروا اقتصادياً بتسيدهم في ميدان اقتصاديات المعرفة الحديثة مما أهلهم لدور فاعل مؤثر في مجموعة الجنوب.
    وما أن تحل الأزمات حتى ينبري المثقفون للجدل حول الهوية لأسباب منها النبيل ومنها غير النبيل. فقد يسعى البعض لتمجيد أمته وإبراز فضائلها بهدف استنهاض الهمم، وقد يذهب بعض آخر إلى خلق إحساس لدى شعب ما بالتمايز على شعب آخر أو مجموعة أخرى استحقاراً لهما بهدف تكريس الهيمنة عليهما. وقد تلعب نخبة محددة على أوتار العرق أو الدين لدى كيان شعبي بعينه استثارة لذلك الكيان ضد كيانات أخرى تهدد مصالحها أو تتوهم أنها تهدد مصالحها. وليس بالضرورة أن تكون هذه المصلحة هي مصلحة الكيان، بل قد تكون في الواقع هي مصلحة اللاعبين على الأوتار. وعلى أي، فمتى أسقط أصحاب المصالح تصورهم للهُوية على الأمة كلها وأصبحوا ناطقين رسميين باسمها دون تفويض منها، نقلوا إليها تشظيهم. والتشظي النفسي كامن في دواخل كل من يسعى لاصطناع هوية له خارج الزمان والمكان.
    افتعال المثقفين لمثل هذه الأزمات لم تنجُ منه أوروبا. فمن الطريف، مثلاً، أن نقرأ اليوم عن الجدل اللاجب في روسيا حول الانتماء الاوراسي (Eurasian ) لروسيا، من بعد أن ظلت روسيا منذ عهد الملكة كاثرين تعتبر نفسها جزءاً من أوروبا. ولكن، عقب انهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية وهم الدولة الفردوس الذي عاشته روسيا سبعين عاماً، والتي كان خروشيف على ثقة تامة بأنه على مشارفه (قوله للغرب: "سندفنكم")، وقعت زلزلة رهيبة في وجدان الطبقة الحاكمة أو النُخبة المؤثرة على الرأي العام. روسيا ما زالت هى أكبر دول العالم مساحة (6.5 مليون ميل مربع) لهذا أخذ هؤلاء يبحثون لذلك الوطن الواسع العريض عن دور رائد وهُوية مميزة خارج الفضاء الأوربي الذي تتسيد عليه بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وانجرت اليه كل الدول التي كانت تدور في فلك روسيا. هذه أزمة سياسيين وقادة وطنيين ومثقفين وليست أزمة عامة أهل روسيا.
    نقرأ أيضاً عن اللجاج الذي يدور في بريطانيا حول مخاطر فقدان أهلها لهويتهم الوطنية بالاندماج في الاتحاد الأوربي، وكان أبرز مظاهره هو انتخابات البرلمان الأوروبي التي تمت قبل أسبوعين. ولتسألن ما هي هذه الهُوية البريطانية التي أنبرى للدفاع عنها صحافيون، وإذاعيون وسياسيون؟ ما هي في بريطانيا التي لم تفقد فيها اسكتلندا حتى اليوم، وبعد قرون من الوحدة مع انجلترا، هُويتها الثقافية: لغتها، وموسيقاها وملبسها. أمـا الإنجليز مازالوا بعـد قرون من غـزو السلتيين والنورمان هـم أنفسهم أولئك الذين وصفهم بالهجـين الخليط شاعرهم دانيال ديفو (مؤلف روبنسون كروزو) في قصيدته الذائعة "الانجليزي الأصيل" (The True Born Englishman)، التي نظمها دفاعاً عن الملك وليام البرتقالي ( ( William Of Orange وكان يُنعت بـ "الأجنبي".
    ومن نماذج الخيلاء الفكرية بحوث المفكر صموئيل هنتقتنون الأخيرة الممعنة في استغباء عقول الناس، فبعد كتابه "صدام الحضارات" الذي تنبأ فيه بالصدام مع المسلمين، انبرى أخيراً للكتابة عن تهديد الاسبانيين ( (Hispanics للذاتية الثقافية الأمريكية بسبب النمو المتزايد لعددهم، واهتمامهم بلغتهم، وحرصهم على اجلاء فنونهم وثقافتهم، علماً بأن الذاتية الثقافية الأمريكية التي يتحدث عنها وليد طبيعي لتلاقح ثقافات عديدة.
    هذا النوع من الصراعات حول الهُوية أسماه الكاتب اللبناني المبدع أمين معلوف "الهُويات القاتلة". معلوف أديب قاص انتقل من وطنه لبنان للعيش في باريس وصار واحداً من نجوم أنديتها الأدبية. وفي كتابه الأخير عَبرَ عن الصراعات التي تدور في داخله كعربي مسيحي أولاً، وكرجل قربت العربية بينه وبين المسلمين، وكمواطن عالمثالثي تستهمه قضايا ذلك العالم، وكمواطن ينتمي إلى رقعة في العالم (الوطن العربي) أصبح كل وافد منها مشبوه. قال هذه التسمية (الهُويات القاتلة) لا تبدو ضرباً من الغلو لأن المفهوم الذي ادينه هو ذلك الذي يختصر الهُوية في انتماء واحد يحصر البشر في موقف متحيز ومتعصب.
    لو أقبل صاحب المنبر على قضية الهُوية إقبالاً علمياً لما اضطر إلى الإستعداء غير المبرر، ولما جنح إلى الاسلوب المتوتر في التعبير. ذلك الأسلوب يبعث على الارتياب فيما يبتغي بنا الرجل، ولهذا أسميناه صاحب المنبر المريب. فكثيرون، ونحن منهم، يرتابون في أن ما يسعى إلى تحقيقه صاحب المنبر هو مشروع شمولي متطرف في شمال يقتطعه من الجنوب ويستأثر به لفرض أجندة قصوى هجرها أغلب أهلها. ونقدر أن مهندس ساحات الفداء لم ينته إلى ذلك الرأي إلا بعد أن أستعصى عليه تحقيق النصر الروماني ( (Paxa Romana الذي كان ينشده ليطبق عبره تلك الأجندة القصوى في الشمال والجنوب معاً، وهى أجندة تُغَلِّب فقه التعسير في دين كله يسر. يفضح مآربه أيضاً استخدام تعبيرات مفخخة مثل "العلمانية" بحسبانها أسلحة دمار فكري شامل تُخرس المعارضين إلى الأبد.
    واليوم، يدعو صاحب المنبر من منبره إلى توحيد أهل القبلة في الشمال الجديد، وينسى تصنيفه بالأمس كل من خالفه الرأي (في السياسة لا الدين) من أئمة الشمال المسلم في عداد الموالين للكفر. يدعو اليوم ـ من منبره أيضاً ـ إلى ازالة الغبن عن المغبونين في الشمال "الجديد" وما عرفنا من قبل عبر وسائط الإعلام التي كان يسيطر عليها أن في الشمال غُبناً. حياة أهله جميعاً كانت أما عسل ولبن أو سرقة مسلحة. وكان للجهاز الذي يسيطر عليه صاحب المنبر أوصافاً لبُلهنية العيش التي كان عليها أهل السودان ـ أو لنقل أهل الشمال منهم ـ تبعث على الثقة مثل :"نأكل مما نزرع، ونلبس مما نصنع". ذلك القول إجتُزئ من مقولة لجبران خليل جبران، ولا أشير اليها إلا لأذكر صاحب المنبر بالمقولة كاملة، عله يلتزم بما تدعو اليه في دولته الجديدة. قال جبران في كتابه "النبي": "ويل لأمة تلبس مما لا تنسج، وتأكل مما لا تزرع، وتشرب مما لا تعصر. ويل لأمة تحسب المستبد بطلاً، وترى الفاتح المذل رحيماً. ويل لأمة تكره الشهوة في أحلامها وتعنو لها في يقظتها. ويل لأمة مقسمة إلى أجزاء وكل جزء يحسب نفسه فيها أمة".
    يقول صاحب المنبر أنه معني بالإسلام وبهُوية الشمال العربية المسلمة، فمن الذي قال إن هذا لا يعنينا. فمن الجانب الشخصي يبعث على الضحك اتهامه لنا بالسعي لتقويض الثقافة العربية الإسلامية، وكيف يقوضها رجل مثلي تحتل تلك الثقافة أكبر مساحة في فنائه المعرفي، ولعبت أكبر دور في تكييف وجدانه، وتركت ميسمها الواضح في مناهج تفكيره وأساليب تعبيره. هذا إن كانت الهُوية الحضارية حقاً هى عمق حضاري لا انتماء عرقي، وكان الإسلام هو دين السماحة والتوادع وإعمال الفكر، لا وساوس المتأخرة.
    أما من جانب الذين اندفع للرد عليهم بلا هوادة فقد ظلم نفسه قبل أن يظلمهم عندما قرر الغاء هُويتهم لا بسبب إلا لأن نظرهم إلى تلك الهُوية يختلف عن نظرته لها. هذه العدوانية تجعل الحوار عسيراً بين الناس، ويصبح أشد عسراً عندما يتحول إلى اشتباك سجالي يقود إلى إشكاليات زائفة من الثنائيات الضدية، أو بالخلط الإرادي بين ورقتي الدين والسياسة في تعسف غليظ.
    هذا يرمي بالرجل إلى مجال التطرف والتطرف ليس أصلاً من أصول الدين لأن الأديان تدعو للسماحة والمحبة، فالدين محبة. ومتى ما قاد الدين إلى التطرف كان ذلك بسبب القياس البشري الفاسد، والقائم على التفسير الحرفي للأصول الثابتة دونما اعتبار لمقتضيات الزمن المتغير، أو المرتكز على النهج الانتقائي لأحكام الدين دون اعتبار لمقاصده. ففي الدين "خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه"، وفيه "اذهبوا فانتم الطلقاء". وعندما يستأثر البشر بالدين، ويقسون على الناس باسمه، ويحتكرون شرحه وتفسيره، ينأون عن الدين بقدر اقترابهم من الشمولية الفرعونية. "قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد" (غافر، 40/29). وبتلمسنا لما جاء به صاحب المنبر من فتاوى بالغة الخفة في أمور بالغة الخطورة أيقنا أن الرجل، حتى وإن كان هو مالك في فقهه، يفتقد تواضع من كان يتصدى للمناظرة من الفقهاء. قال الشافعي "ما ناظرت أحداً قط فأحببت أن يخطئ، وما كلمت أحداً وأنا أبالي أن يبين الله الحق على لسانه أو لساني". فالتواضع يلجم العاقل عن الظن بكمال العلم لأن كمال العلم هو كمال الجهل.
    صاحب المنبر، إذاً، لا يريد بنا إلا المشروع الشمولي المتطرف الذي سعى الإسلاميون في بدايات هذا النظام لأقامته وهم يتمنون إعادة صياغة الإنسان على عينهم. ومع نبل المقصد أقدموا على مغامرة غير محسوبة الا وهى ترحيل كل الحاضر إلى ماض أصلي نقي (Pristine. ) تلك مغامرة يستحيل تطبيقها في بلد متعدد الديانات، وفي عهود أصبح سلوك الدول فيها محكوماً بعهود ومواثيق لا فكاك منها، وفي زمان اختصرت فيه المسافات اختصاراً كبيراً، ولإستحالة ترحيل الحاضر للماضي أو استعادة الماضي في حاضر غريب عليه. تلك التجربة قَصُرت عن الوفاء العملي بالشعارات التي رفعتها، ولهذا تم اعتراف بالواقع من جانب أغلب أهل النظام إدراكاً منهم لأن الذي يتجاهل الواقع يتجاهله الواقع. هذه أمور ينبغي أن لا تغيب على فطنة اللبيب لأن من زاغ عنها هلك سياسياً.
    صاحب المنبر، فيما نقدر، هو من بين الذين ما زال في أنفسهم شئ من حتى. قال: "لست معنياً بالانقاذ بقدر ما أنا معني بالشريعة والهُوية في السودان الشمالي جميعه وفقاً لحدود 1956 وبالنظر إلى ما حصل عليه قرنق من تنازلات مُدهشة ثم إلى ضعف الساحة السياسية في الشمال وتشرذمها وبروز قرنق كبديل وحيد مسنود من قوى اليسار والعلمانيين والقوى العالمية المعادية لهُوية السودان العربية الإسلامية" (الصحافة، 25/6/2004). هذه الأُطروحة لا تعبر عن غلط وقع فيه صاحب المنبر، والغلط هو إخطاء وجه الصواب، وإنما هى أغلوطة، والأغلوطة باطل مغلف. مثلاً، التنازلات التي أدهشته لم تُدهش الذين قاموا بها من أخوة له في الله والوطن والتحزب لأنهم أدركوا أن للسلام ثمناً، وأن مكان تحقيق السلام الروماني هو ساحات الفداء وليس نيفاشا. أما تشرذم القوى السياسية في السودان الشمالي ـ إن صح ـ فهو أمر لا يتحمل مسئوليته قرنق، ويدرك دواعيه المبشرون في وسائل الاعلام المرئي والمسموع بحل الأحزاب ثم تلقيح الصراعات بين عناصرها. يُدهشنا أيضاً ايحاء القطب الإنقاذي أن قرنق سيبرز كبديل وحيد لكل قوى الشمال، أكثر من اندهاشه من التنازلات المدعاة لقرنق. فقرنق سيكون له شركاء في الشمال، أو يظن أن هؤلاء جميعاً سيكونون كماً مهملاً إلى جانبه. هذا تلبيس.
    حاشا أن ننكر على صاحب المنبر أن يكون له رأي مناهض للإتفاق، كما ليس هو الوحيد الذي لم يَرُق له الاتفاق ويعجبه. غيره كُثرٌ أمعضَ بعضَهم الاتفاق، وأثار في بعضهم الآخر غيرة. إلا أنا لا نرى في سلوك هذا النفر ما يشي بأنهم ذهبوا إلى تغليب الطموح الشخصي على المصلحة الوطنية. ومصلحة الوطن تفترض أن لا تغليب لمصلحة الفرد على مصلحة الجماعة، ولا تغليب للخاص على العام إلا فيما يقضي به الحق الطبيعي، ولا ايثار لمصلحة حزب على مصلحة الأمة إن تعارضت المصلحتان. الشخص يَعرِف نفسه ويعرفه الناس، والحزب يَعرِف نفسه ويعرفه الناس، ولكن ما هو الوطن؟ ما هو لا بالمعنى الجغرافي، وإنما بالمعنى السياسي والثقافي. لقاءات نيفاشا لم تكن لقاءات بين المفاوضين للتعرف على بعضهم البعض، وإنما كانت أيضاً لتحديد معالم الوطن الذي نتحدث عن وحدته، وللتوافق على حد أدنى للحفاظ على تلك الوحدة. قال قرنق إن الأشهر التسعة الأخيرة التي قضاها الطرفان في منتجع ـ أو بالحري محبس ـ نيفاشا تمثل عاماً أكاديمياً كاملاً يستاهل معه الطرفان الحصول على اجازة علمية. ووصفها النائب الأول علي عثمان أنها كانت مدرسة، قال إنه تعلم منها الكثير. ونحن أيضاً تعلمنا منها أشياء دون أن يلغي أي واحد منا وجوده. تعلمنا كيف تكون المحاياة بين الفرق والجماعات بتقليص الفروق وتكثيف الجوامع في الوطن الواحد، هذا أن أردناه حقاً وطناً واحداً يتسع للجميع.
    أصحاب المنبر يعبر عن الأزمة التي يعيشها دعاة الأجندة القصوى. يريدون اليوم تطبيقها في السودان الأصغر بعد أن ثبت استحالة تحقيقها في السودان الأكبر. يريدونها أيضاً اسلامية خالصة بفهم منغلق للاسلام يجعل الشمال لا يتسع لغيرهم حتى للإسلاميين الذين لا يرضيهم فقه التعسير. هذه، وأيم الحق قرمطية جديدة، والقرمطية دهماوية دينية. لهذا يحق لوراق، ويحق لحاج حمد، ويحق للذين أدركوا أن للسلام ثمناً مستحق الدفع أن ينبروا لمناهضة هذا الجهلوت. لقد ولى عهد التكفير وجاء عهد المحاياة والتفكير.
    من التعسير المفتعل رمى صاحب المنبر لنا بالعلمانية وبصورة تذكر المرء بهوس الستينات حيث كانت العلمانية مرادفاً للإلحاد. لن أعود لما كتبت حول الموضوع في مقالاتي وكتبي العديدة، فليس هذا مجاله وإنما أتوقف عند أمرين عارضين. الأمر الأول هو أن النظام السوداني القائم المنتسب للإسلام يكاد يكون أول نظام في الوطن العربي تبنى العلمانية السياسية. ففي دستور 1998 أُلغى النصُ على دين الدولة وهو نص كان قد ورد في مشروع الدستور الإسلامي 1968 كما أُلغى النص القائل أن يكون رئيس الدولة (الإسلامية) مسلماً الذي ورد أيضاً في مشروع الدستور الإسلامي 1968 هذان النصان (الإسلام دين الدولة وأن يكون الرئيس مسلماً) يترددان في كل الدساتير العربية باستثناء الدستور اللبناني. وقد جعل دستور 1998 من المواطنة (دون اعتبار للدين) أساساً للحقوق والواجبات. هذه اشارات وتنبيهات لا نذكرها انتقاصاً من اجتهاد الفقيه الذي أفتى بتلك التعديلات، ففي الفتوى استبصار جيد للواقع، وتقدير سليم لمقاصد الشرع. نورد الإشارات والتنبيهات لنبين التناقض الذي يعيشه البعض ويريدون إسقاطه علينا جميعاً. تناقض بين تصلب فكري معلن وواقع ماثل لا يقبل التصلب، وبين لغة جهادية عارية العنافة وخطاب رصين يمهد لوفاق شامل، وبين استعداء لا يقود إلا لاستئصال الآخر، واتفاقات تؤكد روحها عزوفاً عن الإقصاء المتبادل لأن الإقصاء إن تلاقت أطرافه خرج منه الجميع خاسرون، وبين اتهامات قروسطية جزافية بالكفر، وسعي للتشاور والتفاكر حول توسيع مساحة حرية الاعتقاد.
    قلت إن هناك دولاً إسلامية اتسعت لغير المسلم حتى أخذ غير المسلم يفاخر بالإنتماء إليها. هذه الدول ليست بالقطع هي الدولة التي يبشر بها صاحب المنبر لأن مبتغاه في الحقيقة هو فصل الجنوب بعد أن عجز عن إخضاعه بالقهر واستئلاف أهله بالرشا، ثم الاستئثار بالشمال ليقيم فيه القرمطية الجديدة. تذكرت قصة الدكتور ميلاد حنا وهو من أكثر أقباط مصر اهتماماً بالشأن الوطني في بلد أغلب أهله مسلمون. قاد ميلاد تظاهرة ضد الرئيس السادات عندما أعلن أنه رئيس مسلم لدولة مسلمة فاودعه السادات السجن. في تلك التظاهرة قال ميلاد: "نريد رئيساً مصرياً لدولة مصرية". ميلاد حنا هذا هو وريث مكرم عبيد الذي كان يقول في زمان لم يميز أهله بين المواطنين على أساس الدين: "أنا مسلم وطناً وقبطي ديناً". في ذلك الزمان كان الشعار الرسمي لحزب الوفد هو تلاحم الهلال والصليب. أويفهم دعاة الشقاق والتمزق ما نعنيه بالإسلام الذي لا يحتمل فقط بل يستوعب غير المسلم؟
    الأمر الثاني الذي أريد استذكاره حول العلمانية هو النموذج الهندي. كنت قد سألت الأستاذ علي عثمان غداة اختيار سونيا غاندي لما ينوهن سنغ كرئيس للوزراء في دولة الهند التي يرأسها (رئيس الجمهورية) العالم المسلم عبد الكلام. قلت متى سنكون كالهند؟ قال "نحن على الدرب سائرون". ما عنيته بالسؤال لا شأن له بالرموز والكلمات الشفرية: دولة دينية، دولة علمانية، دولة ثيوقراطية. مدلول السؤال ببساطة هو: متى نستطيع التصالح مع النفس ونتجاوز التراتبيات الاجتماعية والسياسية التي فرضناها أو افترضناها مع فرط حديثنا عن الوطن الواحد، وإسرافنا في ترداد شعارات مثل "الوطن للجميع"، "المواطنون متساوون في الحقوق"، "المواطنة أساس الحقوق". فعندما يصبح في دولة مثل الهند يبلغ عدد سكانها أكثر من بليون نسمة، ويبلغ عدد الناخبين المسجلين فيها أكثر من ستمائة مليون يمارسون حقهم الانتخابي دورياً وبانتظام منذ الاستقلال، المسلم الذي لا تمثل جماعته 10% من السكان رئيساً للجمهورية، ويصبح المواطن المنتمي لطائفة السيخ (2% من السكان) رئيساً للوزراء في نفس العهد، الا يتوجب علينا أن نخجل قليلاً من أنفسنا ونحن نردد ما نردد من شعارات حول المواطنة ووحدة الوطن، في ذات الوقت الذي يكون فيه أهم موضوع للنقاش في منتدياتنا السياسية هو احتمال وصول مواطن غير مسلم لسدة الرئاسة.
    في معرض التخليط الاستعدائي تناول صاحب المنبر إشارتنا لما ورد على لسان قطبي المهدي حول الأندلس. قطبي رجل لم التقه إلا على صفحات الصحف، ولم يصدر منه ما يسئ إلى كما لا أعرف عنه ما يحملني على الإساءة إليه. كل ما عنيت في حديثي لـ «الرأي العام» بالتعقيب على حديثه الرمزي حول الأندلس أمرين. الأول هو شجب الترميز الذي يوحى أن في السودان قوميتين، عربية وأفريقية. فالأندلس هذه لا ينتمي لها بالقطع الدينكا والفور والنوبة والنوبيون، من القبائل غير الشمالية، وربما استثنيت من أولئك الفونج الذين يزعمون أنهم من بني أمية مما يجعلهم أقرب لعبد الرحمن الداخل من المهندس العربي القُح ومن قطبي المهدي ومن العباسيين أمثالنا، أو هكذا يقول عنا أهلنا. ما أغنانا عن كل ذلك التفاخر غير المُجدي، فنحن سودانيون وكفى، أياً كانت أصولنا. ثم أن هذا التمييز بالأعراق بين أهل الوطن الواحد قد يقود لا محالة إلى تطرف عرفته مصر من غلاة آخرين ذهب ريحهم، أولئك هم الذين كانوا يقولون إن مسلمي باكستان أقرب إلينا من مسيحيي مصر، ومسيحيو مصر هم القبط أهلها الاصليون. لم أخل مطلقاً أن هذا هو ما رمى اليه قطبي، وإنما هو بالقطع ما يوحي به حديثه. الأمر الثاني هو إبانة خطورة أوهام الحق التاريخي، جاءت من عرب السودان، أو عرب الشام ورثة تيجان بني عبد شمس الذين فتحوا الأندلس وشادوا مجدها. فدول العالم كلها نتاج هجرات وغزوات، ولو أصبح كل منا يتباكى على ما فقد من فردوس ويتمنى أن يُرد اليه فلن يبقى وطن على حاله في العالم. لقد احتلت روما نصف العالم القديم ثم فقدته ولا أحسب أن أحفاد جاستينيان يتباكون اليوم على فراديسهم المفقودة. وتمددت فارس حتى البحر المتوسط ولن نسعد كثيراً إن تحدث الفرس اليوم عن فراديسهم المفقودة في أرض العرب بدءاً من سُر من رأي، لا سيما ونحن نستنكر عليهم حتى النسب الرمزي لمجرى الماء المتوغل في اليابس، الذي ظلت كل أطالس الجغرافية ـ بما فيها الأطالس العربية ـ تسميه الخليج الفارسي إلى ما قبل ارتفاع راية "أمة واحدة من المحيط إلى الخليج". وفي التاريخ الحديث كان لبريطانيا فردوس هو الهند درة التاج، وكان لفرنسا فردوس هو الجزائر. وما زالت الهند تتحدث الانجليزية بجانب لغاتها الكُثر وتلعب أيضاً الكريكيت وتهزم فيه بريطانيا. وما زالت الجزائر تتحدث الفرنسية مع عربيتها وأمازيغيتها وتلعب التيرسي (Tierce ) كل يوم أحد. مع ذلك، أيُحِلُ هذا للبريطاني أو الفرنسي ـ إلا على مستوى الشوق والحنين ـ الحديث عن استرداد الفردوس المفقود ولو من باب التمني.
    وكان لينين يقول يوم أن أشاد إمبراطوريته السوفيتية إن أوكرانيا هي رأس روسيا فان اقتطعت منها فقدت روسيا رأسها. مات لينين، وتمزق الاتحاد السوفيتي، واستقلت أوكرانيا دون أن تفقد روسيا رأسها، ولكن ما زال بين الروس حتى اليوم من يعاوده الحنين لذلك الرأس المقطوع. أقرب أن تسترد روسيا رأسها المقطوع من أن يسترد صاحب المنبر أو أحفاد بني عبد شمس فردوسهم المفقود.
    النقطة الأهم من كل هـذا هى أن أكثــــر دول العالم اليوم ابتناءً لحقها في الوجود على الأوهام التاريخية هي دولة إسرائيل. أو هــل هذه هي الصحبة التي يتمناها لنفسه وريث عبد الرحمن الداخل عندما يقول إن منصور خالد بتعقيبه علــى ما جاء على لسان قطبي "يصر على أن يبصق على هويتنا وتاريخنا" (الصحافة 15/6/2004).
                  

07-07-2004, 05:17 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48739

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ويل للتكفيريين .. (Re: ahmed haneen)

    شكرا يا أحمد حنين على إيراد هذه المقالات.. وقد أعجبني بخاصة المقال الأخير 3/3.. وقد نقلته إلى بوست آخر هنا:
    Re: مقال آخر ردا على أبوبكر بقلم عماد موسى

    بمثابة رد على كاتب من غلاة الوهابية اسمه عماد موسى كتب في صحيفة الوطن ونقل كتابته الأخ الصحفي عماد بليك الذي يعمل بنفس الصحيفة..
                  

07-07-2004, 10:20 AM

ahmed haneen
<aahmed haneen
تاريخ التسجيل: 11-20-2003
مجموع المشاركات: 7982

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ويل للمتربصين- الي صاحب المنبر المريب- مقال لد/منصور خالد (Re: ahmed haneen)

    شكرا ياسر علي المرور
    تعرف يا اخوي الطيب مصطفي
    صاحب المنبر المريب كان
    وراء منع الموقع في الداخل
    وهنا لا استبعد ان تضامن الموقع مع
    قضية دارفور وعكسه لتلك المأسأة
    بالصورة والصوت كان سببا مباشرا
    في هذا المنع
    في هذا السياق اجتمع اعضاء في الحكومة
    امس وناقشوا دور الأعلام في تضخيم مشكلة دارفور
    واظن ان هذا المنع قد صدر من ذلك الأجتماع
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de