دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
البحــــــــث عن حلــــــــــول
|
كان جالساً على تلك الأريكة يشعل سجارة تلو سجارة وكأنه يفتش أن يحرق (شئياً) يوازي ما حُرق منه ، كان صامتاً لا يلفت نظره ما حوله من أحداث وتداخلات ، كان واجماً لا تثيره الأصوات الصادرة والمتداخلة من أستريوهات الكافتيريا المنطلقة بأعلى حناجرها ،،، ولم يستوقف فكره ذلك النعاق الصادر من شلة مشجعي هلال مريخ وهم يصرخون في بعضهم ويكيلون اللوم على التحكيم ،،، ولم تكن تعنيه تلك الشلة التي تنغمس في ملذات السياسة وتوزع ولائها بين جموع السادة وقادة اليسار وهم ينبشون خبايا حروبٍ لوطن ما فتئ يأكل أبنائه خوفاً عليهم (كالقطة)... كان يتجمعون صباحا ويغادرون مساءً منذ أن لفظتهم لكمة التخفيض في السكة حديد وشملتهم قوائم الصالح العام وسحقتهم ضربة التأمينات الاجتماعية ، ولم يكن ينظر الى أولئك الشباب الذين يجالسون معشوقاتهم في ركنٍ قصي تلتف حولهم أباليس الرومانسية ، وتتفاعل في مائدتهم وليمة العشق الجامعي المعتاد -الغافل عمداً- عن حسابات الواقع ، كانت فجيعته أكبر من الوطن .... وأوسع من المستطيل الأخضر .... واكثف من الأذدحام ... وافجع من كل الأحزاب ............... فقد أمتصت منه الكرة والسياسة والأحزان والليالي النهمة كل غدق ، ودعة ، وغبطة وتركته فارغاً دون مبالاة. فاصبحت موسيقاه بستان شوق... وحديقة انتظار، وجدول دمع يمتد إلى غير انتهاء.....، هوايته الكروية يد ممدودة للكائن المستباح، وسنابل مبثوثة لجوع الجراح .....، أحلامه السياسية تطير إلى الروح بجناح الصورة، وتصعد إلى السماء بجناح الصلوات، صلوات المخلوقات الخرساء ، وهو يصرخ في دواخله دثروني دثروني كان رغم إحباطه يداعب بخياله محبوبته ويرسم ملامحها محراباً ليجعلها تتعشق النور، وتتعبد الحق، وتكون جابر العثرات وأمل البؤساء، تكفكف دموع اليتامى والمقهورين، تسكب روحها في أرواحهم فرحاً وحباً وخيراً وجمالاً، تحرق الصغائر، تسحق الجهل، تجّمل الأفكار بالمعرفة، تذوب شعلة أنوارها ابتسامة عزة وكرامة على فم الدنيا. وتضئ دياجير الورى بمنائر المجد والحرية. كان يداعبها في خياله مركزا على نقطة في الأرض غير أبهٍ بالدخان الذي يدخل ويخرج من أنفه وذقنه وفمه ،، كان يجول بخياله هناك حيث البعيد باحثاً عن شي يكسره أو عن جسدٍ يضربه ، أو عن صنمٍ يحطمه ،،، أو عن أي شي يعيد إليه ما كُسر وضُرب وحُطم في دواخله
فجأة هب على طوله واقفاً ، لحقه الجرسون ليمنع هروبه من دفع الفاتورة ، أدخل يده في معطفه دون التفات ورمى بورقة ذات آلالاف من الجنيهات دون أن ينتظر ، أمسك الجرسون بالورقة وأصبح محتارا بين الرجوع الى محاسب الكافتيريا أو اللاحق بصاحب الورقة ، وأخيراً قرر - بعد أن استرسل صاحبها في الابتعاد - أن أجر يومه قد تضاعف وأن نبوة المثل القائل (رزق المساكين عند المجانين) قد تحققت على يد هذا الشاب الأنيق وهو الذي يسمع بهذا المثل طول عمره دون أن يدرك معناه إلا في هذه اللحظة الجميلة الحزينة. واصل صاحبنا خطواته الواثقة التي تندمج أحيانا بالوله الصوفي الزهيد و تتماهي أحيانا أخرى بالشبق الشهواني اللجوج ، كان قد قطع الإسفلت الى الجهة الاخرى تاركاً خلفه فوضى من نعيق الأبواق وتداخلٍ وصِدام وسبابٍ تلوح معه الأيادي خارج الزجاج.... لم يكن يعنيه كل ذلك فقد حدد هدفه وسار نحوه ، استدار بعد الشجرة وأناخ حقيبته من على ظهره بين رجليه ، خلع زرارة القميص من معصمه بيد راجفة ، ثم أتبعها بالأخرى ، ثم أمسك بالأولى التي تحت عنقه في حركة سريعة مضطربة وكأنه ملسوع حتى وصل في صراعٍ الى الأخيرة وهي تقاوم تحت البنطال ولكن لم يكن إصرار الرجل يسمح بهذا الاندساس لها ،،، خلع قميصه ثم أتبعه بالبنطال، ثم عبر الى منتصف شارع الإسفلت دون انتباه للسيارات تاركا خلفه تلك الحقيبة وحيدة ........... توقفت السيارات كلها وهي تنظر لهذا الشاب وهو يتسلق سور الدوار ( الصينية )ثم يقفز برشاقةٍ داخلها ويتسلق مكان النصب التذكاري ، ثم أخذ يلوح بقميصه في ابتسامة رضا متداخلاً بقدميه وبنطاله مزجياً على كتفه النحيل كان يلوح مودعاً ذلك العالم البليد مستبشراً بعالمٍ آخر حيث لا أمنياتٍ تخيب ولا كائنات تمر ،،، فهو سعيد حد التلاشي فلن تضايقه فاتورة الكهرباء ولن ترهقه زيارات صاحب المنزل ولن يلقي بالاً لكلام الساسة الأجوف ولن يضيره الظلم الممتد ..فكل الشوارع والمجاري ترحب به ، وكل فتات الموائد بالمطاعم تنتظره ،، سيجد أصدقاء جدد هو أكثر إخلاصا وأوفر مودة وأصدق قولاً ولن يندم على فعلته هذه التي أخذ تنفيذها من صحته وعافيته وذهنيته الكثير الكثير . تجمهر الناس لمشاهدة هذا الحدث الفريد ( بعضهم يضحك في سرور من تلك الحركات البهلوانية التي يقوم بها ، وبعضهم يدعوا له بالشفاء ، وآخرون يحاولون إقناعه بالنزول بعد أن استعانوا برجل الشرطة ، وآخرون ينظرون وينتظرون ( ....... ثم لملمت خطواتي من بينهم فاتخذت طريقي الى أبو جنزير وفي خاطري حزنٌ ممدود حتى يومنا هذا كلما تجول فيه هذا الشاب الجميل وأستعدت منظر والدته الثكلى وهي تنتظر كيس الخبز الذي كان يعود به الى البيت مساءً وبعض قطعٍ من حلوى لأخواته الصغار !!!!
الخرطوم 1989
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------- · [email protected]
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: البحــــــــث عن حلــــــــــول (Re: Sidig Rahama Elnour)
|
الاخ /صديق رحمة النور
تحيتي ومودتي لك ولكل المتداخلين //
في البداية ، شكرا علي هذا الامتاع الادبي في حلاوة السرد وحيوية الحبكة بأمل أن يتواصل مثل هذا التجلّي ..
انشدهت بهذه الحكاية المأساوية!! مع انّ أمثالها كثيرات في الذاكرة !!
أيمكن لموضوعة ال " بحث عن حلول " .. أن تكون عنوانا متناسبا مع متن القصة ؟؟ .. هل المشكلات اليومية ، مهما تنوّعت ، تبـرّر لمثل هذا التصرف ؟ ..
شكرا ليك مرة ثانية ،،/
| |
|
|
|
|
|
|
Re: البحــــــــث عن حلــــــــــول (Re: محمد أبوجودة)
|
أخي العزيز محمد أبوجودة سلام الله عليك العنوان هو توثيق لحالة أمة ظلت تعاني من عطشٍ في منتصف الليل ، ويغشاها ظلامٌ يقطع أنوار الفجر ، وياتيها صباحٌ بذائقة الوجع ... الشرفاء الذين لا يتسولون الناس وتحسبهم أغنياء من التعفف يعيشون دائماً في الهامش ، والجنون مرض يهددهم لايملكون خيارات ضده تمنعه الزيارة ، أنه نزيف الطمأنينة التي ذبحت ،، لا يُخير المريض في مرضٍ عند الإبتلاء
شاكراً لك مشاركتك الثرة ومداخلاتك القيمة ...........
| |
|
|
|
|
|
|
Re: البحــــــــث عن حلــــــــــول (Re: لؤى)
|
Quote: عملتنى دفعتك ؟؟؟ هسّه ده ما الإرهاب ذااااااااااااااتو . |
طالما أنا أرهابي فاذاً انا عنصري ، وظلامي غير مستنير ، ومن زنوجة الشمال ، وجلابي ، ولزج ، ... الخ من مصطلحات البورد العجيبة ...
ياخوي خلاص أنت دفعة أخوي الصغير ......
| |
|
|
|
|
|
|
Re: البحــــــــث عن حلــــــــــول (Re: عمران حسن صالح)
|
يا عمران ، كل عام وأنت بخير
دعني نستجر الماضي في موائد الحاضر ، هناك في ود كولي وفي تاواوا وفي أم سقطة الآف الضحايا كيف نتجاوزهم ؟ وكيف ننساهم ؟؟؟ وهل أن نسينا سينسانا التاريخ ؟
لك مودة وحب ووين غائب ...............
| |
|
|
|
|
|
|
Re: البحــــــــث عن حلــــــــــول (Re: عمران حسن صالح)
|
(( دعك من قتامات الماضي ,( تعال لينا جاي شوية وطلع حاجات التسعينات وكفانا حزناً وألما))
عمران اذيك .. ما بعرف كتير عن قتامات ماضي صديقنا صديق ..لكن وبالتأكيد اي واحد فينا عندو ماضي وشجون و انت عارف صعب جدا في ظل كل الظروف المحيطة بينا( مغتربين ولا قاعدين في السودان) انو ننسي ودعوتك للتناسي جميلة جدا فلنحاول .. ونسمو فوق الاحزان والجراحات .. ويا عصفورة الفرح ما تركي في وادينا ... ووادي الفرح امتد مساحة ونادي الامل الجوة عيونا كل سنة والجميع طيب وفرحان مع كل الود غادة
| |
|
|
|
|
|
|
|