دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
Re: هل ما حدث في السودان في بداية الالفية الثالثة هو مصرع احلام مريم الوديعة( الاسلامية) .. (Re: TahaElham)
|
Quote: و السؤال الان هو هل هنالك اي علاقة بين الارث السياسي الديمقراطي و الفكر التقليدي للاسلاميين ؟
|
هنالك علاقة بين الثورة و الاسلام السياسي تاريخيا و اتذكر الان العديد من الكتابات التي عمقت ادراك الناس بالتاريخ الاسلامي و الثورة كتابات هادي العلوي برهان غليون و الشهيد حسين مروة
و لكني احب تناول هذا الامر من زاوية سودانية و عندنا هنا رصيد تاريخي من التجارب تجسد في الانجاز العملاق الذي احدثه الامام المهدي و خليفته الخليفه عبد التعايشي انطلقت هذه الثورة مستفيدة من الفلاحين و فقراء المدن و الرقيق بقيادة الامام المهدي الذي تدرب معرفيا في المسايد و بيوت مشايخ الطرق الصوفية و هي كانت مؤسسات المجتمع المدني المتاحة حينها اذا جاز التعبير . و في هذه المساحة اود ان اناقش الاختلاف و التشابه بين الاسلام السياسي حينها اي اوان الثورة المهدية و الاسلام السياسي المعاصر . ارجو ان تكون المداخلات مثمرة بنقاش مثابر يقودنا الي فهم اعمق لتاريخنا
طه جعفر الخليفة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: هل ما حدث في السودان في بداية الالفية الثالثة هو مصرع احلام مريم الوديعة( الاسلامية) .. (Re: TahaElham)
|
الأستاذ طه جعفر, أهديك والقراء الفذلكة أدناه حول مراحل تطور الحركة الإسلامية السياسية في السودان لتكون بمثابة مرتكز لتداخلي القادم مع بستكم الجاد. وتدعوني الأمانة العلمية إلى أن أذكر هنا أن المعلومات الأساسية هنا مأخوذة من كتاب الدكتور حسن الترابي الموسوم (الحركة الإسلامية في السودان).
حركة الإسلام السياسي الحديثة في السودان
مرت الحركة الإسلامية الحديثة في السودان بخمسة مراحل قبل أن تبلغ تحقيق هدفها النهائي وهو إقامة الدولة الإسلامية النموذج في السودان. ونلقي فيما يلي نظرة على مسيرة هذه الحركة في مختلف هذه المراحل.
المرحلة الأولى 1950 – 1964
هذه هي مرحلة الحركة التربوية الإصلاحية ومرحلة (الإخوإن المسلمون). في هذه المرحلة كانت الحركة، وكما عبر الدكتور حسن الترابي: (عالة في زادها الفكري والتنظيمي علي الخارج) . وفي واقع الأمر فإن المنبع الفكري الوحيد للحركة في هذه المرحلة كان هو إرشادات حسن البنا. والمطلب الوحيد للحركة هو إن يتقبلها المجتمع السياسي السوداني جزءا منه. وقد إستفادت الحركة من الأجواء السياسية الديمقراطية التي سادت المجتمع السياسي السوداني بعد الإستقلال، فلم تواجه حروبا من أي نوع كما لم تتكلف أية تضحيات. وحيث إن حسن البنا كان داعية مدنيا رافضا للعنف بشتي صوره، فإن الحركة، وهي تستقي منه فكرها، لم تكن نشازا وسط المجتمع السوداني المدني المسالم.
المرحلة الثانية 1964 – 1969
هذه مرحلة (جبهة الميثاق الإسلامي) وشعار (الدستور الإسلامي). مرحلة الحزب الذي شارك في الحياة السياسية مشاركة كاملة، وخاض الإنتخابات تحت شعاره المرفوع وإستطاع إن يدخل نوابا إلى الجمعية التاسيسية. في هذه المرحلة طرحت الحركة نفسها جماهيريا، وإن لم تستطع إلا إن تكون حركة صفوية. وقد امتازت جبهة الميثاق الإسلامي بالدقة في التنظيم ووضوح الرؤية في طرح الإسلام سياسيا بصيغة جديدة وكبديل سياسي منافس، متفوقة في ذلك علي التيارات الإسلامية الأخرى في السودان }الأنصار، الختمية، الصوفية، أنصار السنة{ ماعدا الجمهوريين.
في هذه المرحلة تجاوزت الحركة الإسلامية السودانية أطروحات حسن البنا وأصبحت مرجيعتها الفكرية تعود إلى سيد قطب. والاختلاف في الدرجة بين فكر حسن البنا وسيد قطب يعود إلى سبب موضوعي جدا، وهو إن حسن البنا كان يفكر وينظم ويعمل ضمن نظام سياسي علي درجة كبيرة من اللبرالية، حيث كانت في مصر أحزاب وبرلمان وحريات عامة وحياة نيابية على أيام حسن البنا. بينما كان سيد قطب يفكر ويعمل وينظم ضمن نظام شمولي يكبل الحريات العامة ويمنع النشاط السياسي. وفي هذا نجد تعليل نبذ العنف لدي حسن البنا وتبنيه لدي سيد قطب. فحين رفض حسن البنا الثورة والعنف ضد الحكومة بعد حادثة إغتيال رئيس الوزراء المصري، النقراشي باشا علي يد أحد أفراد جماعة (الإخوإن المسلمون)، كان في الواقع يرفض معاملة الحكومة بالمثل إثر قيامها بحل الجماعة واعتقال قادتها وتشريدهم ومصادرة الأموال والشركات الخاصة بالتنظيم. وقد قال حسن البنا عندما سئل عن ردة فعل تنظيمه تجاه ما قامت به الحكومة، قال: (أما الثورة فلا يفكر فيها الأخوإن، ولا يعتمدون عليها ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها) .
أما سيد قطب فقد حكم بجاهلية المجتمعات الإسلامية إستنادا علي مبدئه في الحاكمية، حيث ربط الحاكمية بالإقرار بألوهية المولي عز وجل. فهو يقول في (مقدمات التصورالإسلامي): (إن الإقرار بالألوهية يتضمن الإقرار بالحاكمية، وعدم الإقرار بالألوهية والحاكمية أو بالأولى دون الثانية، يفضي إلى جاهلية المجتمع، فالمجتمع إما مسلم وإما جاهلي) . ولمصطلح (الحاكمية) معني واحدا لدي سيد قطب، وهو تحكيم الشريعة الإسلامية. وهذا يعني ضمنا إستيلاء الإسلاميين علي السلطة في البلد المعين. فليس الحاكمية هنا مفهوما فلسفيا، إنما هي مفهوم سياسي مباشر يعني حكم الإسلاميين الراديكاليين. ولهذا يكون المجتمع إما مسلما يحكمه الإسلاميون وإما جاهلي يحكمه الآخرون ويجب تقويضه بالعنف. وأخطر من ذلك فإن سيد قطب قد نادى بحمل الناس وقسرهم علي الشرائع. فهو يقول إن (أولي خصائص الألوهية هي حق تعبيد الناس، وتطويعهم للشرائع والأوامر) .
وبإنتقال الحركة الإسلامية السودانية من فكر حسن البنا إلى فكر سيد قطب فإنها قد أدخلت نفسها في مفارقة موضوعية باعتبارها حزبا عاملا في نظام ليبرالي تعددي. فإذ كان عنف (الإخوإن المسلمون) في مصر علي أيام سيد قطب مبررا بإزاء سلطة دكتاتورية عنيفة، فإنه لم يكن لعنف الإسلاميين في السودان ما يبرره حسب معطيات الساحة السياسية السودانية خلال تلك الفترة الديمقراطية (1964 – 1969). غير إن سرعة احتضإن الحركة الإسلامية السودانية لأفكار سيد قطب يؤكد إن العنف والقهر الذي أبدته الدولة الإسلامية الأولى في السودان، دولة الخليفة عبد الله، لم يكن أمرا عارضا أو ظرفيا، وإنما هو عنصر أساسي من عناصر قيام الدولة الدينية في بلد متعدد في كل شيء، ويرفض ويقاوم بإستمرار تجاهل أو سحق هذه التعددية. فمن شدة وعنف رفض الآخر للدولة الدينية، تأخذ الدولة الدينية في السودان شدتها وعنفها.
المرحلة الثالثة 1969 – 1985
هذه الفترة تشمل علاقة الحركة الإسلامية بالدكتاتور جعفر نميري، من المواجهة المسلحة ضده إلى المصالحة معه. ففي المقاومة المسلحة ضد نظام جعفر نميري الذي بدأ بوجه يساري صارخ، كان الإسلاميون هم رأس الرمح. وقد تحالفوا مع (حزب الأمة) والجناح غير الطائفي من الحزب (الإتحادي الديمقراطي) بقيادة الشريف حسين الهندي. ولم يكن ذلك التحالف سوي تحالف تكتيكي مرحلي هش, لكل عنصر من عناصره أجندته الخاصة. فبينما كان حسين الهندي يعمل صادقا لإعادة الديمقراطية، كانت الحركة الإسلامية تحلم بإقامة الدولة الإسلامية الحديثة. أما (حزب الأمة)، وبحسب مأزقه التاريخي الذي ذكرناه، فقد كان عليه إن يقول للدولة الديمقراطية التعددية نعم، وإن يقول للدولة الإسلامية الراديكالية الشمولية أيضا نعم. ولو كتب لمحاولة (الجبهة الوطنية) عام 1976 أن تنجح، لحدثت المواجهة بين الدولة الدينية والدولة العلمانية في ذلك التاريخ المبكر.
مثلت مواقف أطراف هذه الجبهة من موضوع المصالحة مع نظام نميري، الاختلافات الجذرية بين هذه الأطراف. حيث ثبت الإتحاديون علي موقفهم المعارض للدكتاتورية باعتبار أن قضيتهم هي إستعادة الديمقراطية، ودخل (حزب الأمة) المصالحة ثم انسحب منها تمشيا مع التذبذب الناشئ من المأزق التاريخي الذي تطرقنا إليه سابقا. أما الحركة الإسلامية فقد وجدت في النظام الدكتاتوري ضالتها بعد أن غير وجهه الإشتراكي بوجه برجماتي ثم بدأ يميل إلى لبس قناع إسلامي. ولعل ما جذب الحركة الإسلامية إلى نظام نميري هو جرأته علي حمل الشعب السوداني وقسره علي كل ما يراه الدكتاتور القائد جعفر محمد النميري.
إستمرت الحركة الإسلامية جزءأ من النظام الدكتاتوري حتى الأسابيع الأخيرة من عمره. وظهر خلال هذه المرحلة، تكتيك الحركة الإسلامية تجاه الطائفية. فهم يستعينون بالطائفية الدينية لدحر اليسار، كما حدث أول عهد نميري، ثم هم مع تحطيمها وزوالها في سبيل إقامة الدولة الإسلامية. أما إستراتيجيا فإن ضعف الطائفية دائما فرصة للحركة الإسلامية لسحب البساط من تحتها وإزاحتها من الطريق لتتولي هي قيادة الدولة الدينية وليس الطائفية. وقد قال الدكتور حسن الترابي مبررا إندماج الحركة في نظام نميري الدكتاتوري وفاضحا لإستراتيجيتها تجاه الطائفية :
(مهما كانت من سياسيات اتخذتها مايو" يقصد نظام نميري " إزاء الطائفية، فقد إنكسرت شوكتها وتهيأت حركة سياسية نحو الإسلام مبرأة عن الجمود والقيود، وتتجه نحو المستقبل وتنفتح للأمة الموحدة ) . ولعل هذا من الأسباب التي جعلت (حزب الأمة) يتراجع عن المصالحة للحاق بركب المعارضة مرة أخرى والمطالبة بالديمقراطية.
أخطر ما في هذه المرحلة هو أن الحركة الإسلامية قد فقدت فيها عنوإنها. فدخلت عناصرها في مؤسسات السلطة بما فيها (الإتحاد الإشتراكي). ولم يعد لها كيإن معلن يميزها عن النظام باستثناء (جماعة الفكر والثقافة الإسلامية)، التي قامت عام 1981 برئاسة بروفيسور مدثر عبد الرحيم. وحتى هذه فقد ضمت خليطا من التيار الديني بما فيهم الصادق المهدي، زعيم (حزب الأمة) نفسه.
إندفع الدكتاتور جعفر نميري وقد ركبه الهوس الديني، يفعل ما كانت تتمنى الحركة الإسلامية، لو إنها كانت الفاعلة، فأعلن تطبيق الشريعة الإسلامية فيما عرف بقوإنين سبتمبر 1983، وقتل محمود محمد طه وتجاوز المؤسسات وأعلن الطوارئ وأقام محاكم الطوارئ وفصل الآلاف من العمال المضربين عن العمل وفصل القضاة من الخدمة.
في كل ذلك، كان دور الحركة الإسلامية هو إخراج وصياغة المبررات الإسلامية لتصرفات الرئيس. فعندما أعلن الرئيس حالة الطوارئ بادر الدكتور الترابي ليقول: (إن في الإسلام طوارئ حتى في العبادات، كقصر الصلاة وإسقاط الصوم عن المسافر. وأن النبي صلي الله علية وسلم قد أعلن حالة الطوارئ يوم فتح مكة وكذلك أبو بكر رضي الله عنه عندما حارب مإنعي الزكاة).
المرحلة الرابعة 1985 – 1989
مجرد حسن الحظ، هو الذي أنقذ الحركة الإسلامية من مغبة حمل بعض أوزار العهد الدكتاتوري بعد إنتفاضة أبريل 1885 التي أطاحت به. فقد تدخلت الولايات المتحدة بقوة للضغط علي نميري ليتخلي عن تطبيق الحدود الشرعية. وكان هذا يعني تحريض نميري ضد الإسلاميين. وكان نميري، أواخر 1984 كالغريق الذي يبحث عن طوق للنجاة. فقد قابلت الدول الإسلامية وخاصة المملكة العربية السعودية، إعلانه تطبيق الشريعة الإسلامية في السودان ببرود لم يتوقعه. أما مصر، فقد رأت في خطوة نميري تشجيعا مؤثرا للجماعات الإسلامية المنادية بتطبيق الشريعة في مصر. بالإضافة لهذه الصعوبات الخارجية، كان النميري يعاني صعوبات داخلية خطيرة في الإقتصاد. كما أن الحرب الأهلية قد تفجرت في الجنوب بشراسة بعد عشر سنوات من السلام. لكل هذا كان النميري مستعدا للتضحية بأصدقائه الإسلاميين إن كان ذلك سيجلب له رضا الولايات المتحدة ورضا مصر ورضا السعودية. فقد كانت عزلته قاتلة. وبالفعل فقد بدأ نميري إجراءاته التعسفية وشرعت أجهزته الأمنية في اعتقال زعمائهم إلا إن الإنتفاضة الشعبية لم تمهله فألقت به وبنظامه في مزبلة التاريخ في أبريل 1985 .
خرج الإسلاميون أو قادتهم بالأصح من سجون نميري قائلين: (نحن أول من دخل سجون الدكتاتور وأول من خرج منها). ولم تكن هذه الحجة الواهية لتجدي لولا إن الحركة الإسلامية قد خرجت بمكاسب ضخمة من خلال مشاركتها في سلطة نميري لما يقارب العشر سنوات. فقد تغلغلت الحركة في الجيش والأمن وأمسكت بزمام الإقتصاد والإعلام في السودان.
خرج الإسلاميون من خلال تجربة إشتراكهم في سلطة النميري، بما أكد لهم عمليا، إن تطبيق الشريعة في السودان لا يتأتى إلا عن طريق سلطه شمولية دكتاتورية. فالمعارضة التي واجهتها القوإنين الإسلامية من داخل مؤسسات النظام الشمولي نفسه، علي عهد نميري كانت أمرا لا يمكن للحركة الإسلامية الاستهإنة به. ولولا دكتاتورية نميري المطلقة لما أمكن تمرير تلك التشريعات في مجلس الشعب. فقد وقفت عناصر حزب السلطة نفسه، (الإتحاد الإشتراكي) ضد تلك التشريعات كما وقف الجنوبيون الذين صالحوا النظام في إتفاقية أديس أبابا عام 1992 ضدها. وشهد مجلس الشعب مواجهه حقيقية بين الدولة الدينية والدولة العلمانية عام 1983.
هذه التجربة في محاولة تمرير التشريعات الإسلامية علمت الإسلاميين أنه لابد لهم من ضمإن تأييد الجيش ولابد لهم من الإمساك بزمام الإقتصاد والإعلام إن هم أرادوا تحقيق هدفهم النهائي وهو إقامة الدولة الإسلامية النموذج في السودان. وقد فعلوا الأمرين بنجاح خلال مشاركتهم في نظام نميري.
جاءت نتيجة أول إنتخابات بعد سقوط الدكتاتور نميري عام 1986 لتزيد الإسلاميين ثقة في إنفسهم إذ إنهم ، بغض النظر عن أقوال خصومهم حول الأساليب التي مارسوها أثناء عمليات التصويت وقبلها، قد احتلوا المرتبة الثالثة بعد أكبر حزبين في البلاد وصاروا رقما سياسيا لا يمكن تخطيه. كل هذه النجاحات جعلت الحركة الإسلامية تعمل علنا، أثناء الفترة الديموقراطية، للسيطرة علي الجيش وتجاهر بالتقليل من شأن الديمقراطية العلمانية في صحفها السيارة وتعد عدتها للإستيلاء علي السلطة .
كان الأمر في السودان في الفترة ما بين عامي 1986 – 1989 يشبه من عدة وجوه أجواء ألمإنيا أواخر الثلاثينيات، والحزب النازي يعد عدته علنا لوأد الديمقراطية ولا توجد قوة قادرة علي تغيير القدر المحتوم. فإذا أضفنا إلى ذلك إن الحركة الإسلامية قد بان لها خطأ حساباتها بشأن قوة الطائفية، واتضح لها بإن تجربة نميري الطويلة المتنوعة من الإشتراكية إلى الإسلام لم تكسر شوكة الطائفية أو تنهي سيطرتها علي الشارع الإسلامي في السودان، فإن الحركة الإسلامية لاشك قد صارت أكثر قناعة في تلك الفترة، بإن الطريق إلى الدولة الإسلامية لا يمر مطلقا بالبرلمان وصناديق الإقتراع، ولابد من وازع السلطإن.
وأخيرا جاءت القشة التي قصمت ظهر البعير عندما وقع زعيم الحزب (الإتحادي الديمقراطي) إتفاقية سلام مع زعيم (لحركة الشعبية لتحرير السودان) في أديس أبابا عام 1988. فقد رأت الحركة الإسلامية في هذه الإتفاقية الخطر، كل الخطر علي مخططاتها لإقامة الدولة الإسلامية في السودان. هنا تحركت الحركة الإسلامية لنسف الدولة العلمانية التي حاول الميرغني وقرنق وضع حجر أساسها في أديس أبابا عام 1988.
المرحلة الخامسة ( 1989 – 2000 )
هذه هي مرحلة إقامة النموذج . نموذج الدولة الإسلامية في العصر الحديث . لقد ظلت الحركة الإسلامية الراديكالية العالمية، وظل جهد قادتها، منذ حسن البنا إلى حسن الترابي، تجريدا نظريا حول وجوب إقامة الدولة الإسلامية ووصفا إنشائيا للخير العميم المرتجي للمسلمين من إقامة هذه الدولة، وظل التنظير الإسلامي يعوزه النموذج الحي في العصر الحاضر، كان الشيوعيون يمدون سبابتهم تجاه الإتحاد السوفيتي ودول أوربا الشرقية وحتى الصين وكوريا, نمإذج حية وواقعية لما يدعون الجماهير إليه. وكان اللبراليون يؤشرون تجاه أوربا الغربية والولايات المتحدة وكندا وأوستراليا، نمإذج لما يصبون إليه. أما الإسلاميون، فقد ظل نموذجهم الذي يشيرون إليه هو التاريخ. دولة الرسول (ص) في المدينة، عدل عمر بن الخطاب وعدل عمر بن عبد العزيز. وبين المواطن البسيط والمتعلم وبين هذا التاريخ المجيد تقف العديد من عهود الظلم والإنحطاط منذ الأمويين وحتى خلافة الأتراك العثمإنيين التي حاربها السودانيون في الثورة المهدية. ومقابل عدل عمر بن الخطاب وعدل عمر بن عبد العزيز، يستطيع أي خصم سياسي أن يعدد عشرات الخلفاء الظلمة الجائرين.
نعم، كان لابد من نموذج يثبت إن الإسلام كنظام دولة صالح لكل زمإن ومكان. وكانت الحاجة لنموذج لا تخص الحركة الإسلامية السودانية وحدها، بل هي الهم الذي يؤرق الحركة الإسلامية العالمية. وكانت الحركة الإسلامية السودانية وبلدها السودان هما الإنسب والأقرب لإقامة النموذج الإسلامي العصري. لماذا؟ أما من ناحية الحركة الإسلامية السودانية فهي الوحيدة من بين مثيلاتها التي تمرنت علي السلطة في عهد جعفر محمد نميري (1975 – 1985). وهي الحركة الحيدة التي صارت حزبا شرعيا ضمن عهدين ديمقراطيين، مارست خلالهما طرح أفكارها وبرامجها جماهيريا، واحتكت مباشرة مع قضايا الشعب متخطية مرحلة الخطاب الصفوي إلى الخطاب السياسي العام. وهي الحركة التي صارت رقما سياسيا في بلدها من خلال الكسب الجماهيري عبر صناديق الاقتراع. لكل هذا فهي الحركة الأكثر تأهيلا علي مستوي العالم الإسلامي لإقامة النموذج العصري، خاصة وإن النموذج الإيرإني الشيعي ليس هو النموذج المطلوب، كما إن نموذج آل سعود ليس هو حلم الحركة الإسلامية الراديكالية.
أما من ناحية موطن الحركة الإسلامية السودانية، السودان، فهو الآخر أقوي الأقطار الإسلامية حظا في إقامة الدولة النموذج. فالسودان كما أسلفنا لا يزال مشروع جمهورية لم يتفق بعد علي نظام الحكم فيها. والقومية السودانية لا تزال أمر مشكوك فيه لعدم حسم قضايا البلاد المصيرية. وهذا يعني إن السودان بخلاف كل الدول العربية والإسلامية، لم يحسم أمر السلطة فيه بعد، إذ أن السلطة في السودان لم تؤول إلى فئة محدد، هي صاحبة السلطة فيه. فمعظم الدول العربية والإسلامية، للسلطة فيها أصحاب، يصعب إنتزاعها من أيديهم، سواء كان هؤلاء أسرا مالكة مثل السعودية والمغرب والأردن ودول الخليج، أو حزبا سياسيا مثل العراق وسوريا والجزائر ( إنذاك)، أو مؤسسة عسكرية مثل مصر وسوريا وتركيا وليبيا. فالسودان هو بلد السلطة غير المحروسة بأسرة أو جيش أو حزب أو دستور. فهو البلد الوحيد الذي من السهل الوصول للسلطة فيه بإنقلاب عسكري. وقد اثبت الدكتور حسن عبدالله الترابي، قائد الحركة الإسلامية منذ ظهورها علي المسرح السياسي السوداني، أثبت إن هذا الأمر، أمر استلام السلطة قد جرت حوله نقاشات مطولة داخل الحركة:
(فدارت مناظراته حول محاور شتي منها - المناظرة بين إستراتيجية التمكين أو الأخذ العام وإستراتيجية التدرج أو الأخذ علي تخوف، أي بين الذين يرون إن منهج التحول الإسلامي الأسلم هو قيام الحركة بديلا موازيا ومتميزا عن النظام الحزبي القائم ثم مواجهته وإجتثاثه جملة واحدة وتولي خلافته السياسية، والذين يرون بلوغ نفس النتيجة من خلال إدخال التحولات في السياق القائم شيئا فشيئا بما يربي الجماعة ويؤهلها تدريجيا علي تحمل المسئوليات الكبرى، وبما يهيئ البلاد والعالم من حولها لاستقبال صدمة التحول وبما يبعض ردة الفعل )
هذا هو مشروع الدولة الدينية في السودان يتحرك في تجليه الثالث بعد دولة الخليفة عبد الله التعايشي ودولة أمير المؤمنين نميري، لإجتثاث مشروع الدولة الديمقراطية العلمانية ضمن علاقة الإجتثاث التي ميزت المشاريع السياسية الثلاث الكبرى التي تقسمت حولها الحركة السياسية السودانية منذ نشأتها.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: هل ما حدث في السودان في بداية الالفية الثالثة هو مصرع احلام مريم الوديعة( الاسلامية) .. (Re: حامد بدوي بشير)
|
Quote:
وأخيرا جاءت القشة التي قصمت ظهر البعير عندما وقع زعيم الحزب (الإتحادي الديمقراطي) إتفاقية سلام مع زعيم (لحركة الشعبية لتحرير السودان) في أديس أبابا عام 1988. فقد رأت الحركة الإسلامية في هذه الإتفاقية الخطر، كل الخطر علي مخططاتها لإقامة الدولة الإسلامية في السودان. هنا تحركت الحركة الإسلامية لنسف الدولة العلمانية التي حاول الميرغني وقرنق وضع حجر أساسها في أديس أبابا عام 1988.
|
شكرا جزيلا استاذ حامد البدوي علي هذه المساهمة المهمة جدا و المفيدة تماما و ارجاء مواصلة الاسهام حتي تعم الفائدة
اعتقد ان الترابي يحتاج الان اكثر من اي وقت مضي لكتابة نقد تفصيلي لكتابه . الذي تم استقطاع بعض افكاره عن طريق الروائي المتحول الي سياسي الاستاذ حامد بدوي الان الحركة الاسلامية المتشظية وقع احد اكبر فصائلها المنشقة ( المؤتمر الوطني) في حبائل الاتفاق مع الحركة الشعبية و نحن نعلم تماما ان مبدأ الجلوس مع الحركة الشعبية في طاولات التفاوض هو مران ديمقراطي ليست له نتيجة اقل من نسف الاسس الاسلامية للتفكير السياسي عند كوادر المؤتمر الوطني لان الحركة الشعبية لم تسع الي الديمقراطية و السلام و التنمية من باب النزهة السياسية بل كان عمل الحركة و فكرها كله يقول لا للسودان القديم ذلكم التكوين اي السودان القديم الذي يشكل المؤتمر الوطني اسوأ ما فيه من يمين متطرف بشعاراته الاسلامية الجوفاء الكاذبة
طه جعفر الخليفة
| |
|
|
|
|
|
|
|