محمد الخليفة طه المشهور بالريفي الصحفي المعروف الذي يعتبر من الرعيل الاول و من رواد هذه المهنة . تميزت كتابته الصحفية بالبساطة و العمق. و هو منشأ ظاهرة الصفحات الصحفيةالتي تشكل نوعا من التواصل بينه و بين المواطن البسيط مثلا (الناس و الحياة) و(الدنيا بخير) و( لو كنت المسئول) و (انا ماشي ) كان يستمد مادته الصحفية من المستشفيات و الاسواق و من رفاق الطريق في وسائل المواصلات . كان يسعي لجعل شعار الصحافة للحياة حقيقة في هذا الحيز اود ان اوضح انه كان شاعرا و المأساة الكبري ان شعره مبعثر في الصحف و منتشر بين الناس و لم يتم جمع هذه الاشعار الي الان و اليكم هذا النص صحوت فلا صفوي و لا انت في يدي ولا انت في يومي الحزين و لا غدي اعيدي لي الاحلام انت جميعها وعودي بها في النوم ان كنت مسعدي و هاتي بما غادرته امس صاديا كأني لم انهل و لم اتزود مني ظمأت روحي اليها و لم تزل علي ظمأ منها علي غير مورد لقيت بها ما قدتخيلت من رؤي و وافيت احلامي علي غير موعد يوم التقينا لست اذكر قبله فقد كان لما جئتني يوم مولدي ملأت وجودي بهجة و بشاشة و اطلقت مني كل لحن مقيد اعانق عادي الترائب لاهثا و المس بين الخد و النحر و الثدي يطوقني في شوق و يشتفي كما اشتفي من خده المتورد ما كنت ادري انها بعض لحظة شربت بها دهرا من الحزن سرمدي
ورد هذا النص في كتاب بعنوان ذكريات و مفارقات في مجالس الريفي صدر عام 1999 عن شركة الاتحادي للصحافة و الطباعة و النشر بقلم الاستاذ ابراهيم عبد القيوم يحكي النص عن علاقة حب بين الاستاذ الريفي و الانسة( روما) الاثيوبية
أخي الأستاذ طه جعفر... أشكرك على إلقاء الضوء على شاعرية أستاذنا الراحل محمد الخليفة طه الريفي الذي كان أحد أعلام الصحافة السودانية وروداها. والحقيقة أن شاعرية الريفي خافية على غالبية قرائه، وهذه من مشكلات المهنة، إذ إن هناك كثيراً من الأساتذة والزملاء الذين حباهم الله مواهب أخرى لكنهم اضطروا الى كبتها لئلا يتهموا باستغلال مزايا المهنة لتلميع أنفسهم والدعاية لها. وتعتبر شاعرية الريفي إحدى تلك المواهب التي وأدها ذلك العرف. كما أن الريفي - وهذا ما لا يعرفه كثيرون - كان مغنياً حسن الصوت، متابعاً لتطور الأغنية السوداني من لدن عهد المطرب علي الشايقي، والمناكفات التي كانت تحصل بين معسكري الفنانين الراحلين محمد أحمد سرور وعبد الكريم عبد الله مختار الشهير بكروان السودان كرومة. وقد نجح أستاذنا الصحافي والإذاعي القدير محمود أبو العزائم - أطال الله عمره - في استدراج الرفي الى فخ برنامجه المشيق "كتاب الفن"، فشارك في عدد من الحلقات متحدثاً عن تاريخ أغنية الحقيبة، ومترنماً بعدد من أغنيات زمانه بصحبة عدد من عازفي الكمان المخضرمين الذين أثروا تسجيلات المكتبة الغنائية السودانية على مدى عقود. وربما تغيرت الأمور وتبدلت في زماننا الذي نعيشه بأن أضحت الخرطوم نقطة انطلاق المطربين والصحافيين. بيد أن الريفي بمواهبه العظيمة تلك انطلق من القضارف مراسلاً في البداية لعدد من الصحف ثم انتقل الى الخرطوم، أسوة بالمرحومين محمد أحمد السلمابي الذي تحول الى أحد أثرياء البلاد والأستاذ عبد الله رجب الذي اشتهر باسمه المستعار "أغبش". وهو وهما وغيرهم من أبناء ذلك الجيل اتسموا بالاعتماد على الذات، ما يسمى أحياناً العصامية، فاعلموا المهنة، وتدرجوا في مناصبها، واكتسبوا لغات أجنبية. ولا أدري لماذا لم يبق شيء من "جينات" ذلك الجيل وعصاميته. ونلحظ الافتقار الى هذه القدرات الفذة ليس في الصحافة السودانية وحدها، بل في الغناء حيث لا يزال محمد وردي ينافس نفسه متألقاً وحده منذ نهاية السبعين من القرن الماضي. وعملياً - بنظري - لم تبزع أي موهبة غنائية في سماء بلادنا منذ المهرجانات التي أقمتها حكومة الرئيس السابق جعفر نميري، وأطلقت العنان لمواهب خوجلي عثمان ومحمود تاور ومصطفى سيد أحمد... في الصحافة تسبح الآن حيتان عاصرت الريفي وتعلمت منه، لكنها، مثل سُنّّة هذا الزمان، دخلت المهنة بالفهلوة والعلاقات وتملق ذوي البطش والسلطان. وتفيأت مراتب راقية في عالم الصحافة لأن الأخيرة لم تعد صنعة العقلاء المفكرين المجربين، بل مهنة يسوسها جهاز الأمن واجتماعات التنظيم الحاكم. الغريب يا أستاذ طه أن الريفي وأبناء جيله صادفوا تدخلات حكومية وأمنية في عمل الصحافة، لكن نظامي الفريق عبود والمشير نميري كانا في نعومة المرحومة ليلى المغربي مقارنة مع نظام الفريق البشير كما روي عن شاعرنا الكبير أبو آمنة حامد. ومهما يكن فإن الريفي وأقرانه خرجوا من تجبّر ذينك النظامين من دون أن يتلوثوا، ومن دون بيع ذممهم وأقلامهم، بل إن أكبر إبداعات الريفي تمت في ظل سيطرة الاتحاد الاشتراكي السوداني على الصحافة إبان نظام مايو. أعني صفحاته التي أشرت إليها "الناس والحياة" و"مرايا" وغيرهما. وقد شاءت المصادفات أن الريفي أنشأ "الناس والحياة" كصفحة منوعات لتكون آخر صفحات "الصحافة"، ثم طرأت ظروف جعلته ينتقل الى "الأيام" حيث أنشأ "مرايا". وكان من حسن حظي وأنا "تعلمجي" صحافة أن كلفني رئيس تحرير "الصحافة" الأستاذ فضل الله محمد - متعه الله بالعافية - بالإشراف على "الناس والحياة" التي خلقت لي علاقات واسعة لا زلت أنهل من فيضها رغم بعد الزمان والمكان. كذلك لا يفوتني أن أذكر أن الريفي كان ختمياً ملتزماً، وهو ابن خليفة الختمية في القضارف. وكان من المستشارين المقربين الى المؤرحوم السيد علي الميرغني طيب الله ثراه. وكان يتولى صياغة معظم البيانات التي أصدرها السيد علي ونجله السيد محمد عثمان الميرغني. وربما كان لتلك الأواصر دور كبير في الرعاية التي أسبغها السيد محمد عثمان على الريفي في آخر مراحل حياته، حيث أقام قريباً منه في القاهرة، وهي الفترة التي أتيح للأستاذ إبراهيم عبد القيوم أن يلتقيه فيها ويجري معه تلك المقابلات التي حواها ذلك الكتاب الذي لم تسعدني الظروف بالحصول عليه، وأكون ممنوناً لو أرسلت منه نسخة مصورة أو ممسوحة ضوئياً. وكما تعرف فقد توفي الريفي الى رحمة مولاه في القاهرة. وله عدد من البنات ذكرت إحداهن في مقابلة مع إذاعة "وادي النيل" قبل بضعة أشهر أنها وأخواتها يعكفن على تجميع التراث الخطي والصوتي لوالدهن لإصداره بشكل يليق بذكرى ذلك الصحافي الشاعر الفنان العملاق. ألا رحم الله الريفي بقدرما أسدى لمهنته ولأبناء شعبه. ةأشكرك جزيلاً على لفتك الى شاعرية هذا الرجل العظيم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة