دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
شهيد الفكر محمود محمد طه (مقال للدكتور عبد العظيم الحسن)
|
شهيد الفكر محمود محمد طه
بقلم: الدكتور عبدالعظيم الحسن جريدة الصحافة: الأحد 29/9/ 1985 كان يوم الجمعة الثامن عشر من يناير 1985م يوماً أسود حالك السواد جثمت ظلمته على الصدور حتى كتمت الأنفاس. وكان الأحرارعلى إمتداد الوطن يتلفتون مذعورين، في حلوقهم غصة وفي مآقيهم الدموع. يديرون مؤشر المذياع بأياد مرتجفة إلى لندن ومونت كارلو والقاهرة وصوت أمريكا وهم كالغريق الذي يتشبث بقشة. وكانت ليلة الجمعة تلك، أطول ليلة في حياة الكثيرين قضوها على أسرة فرشت بالجمر والأحباط وقلة الحيلة. ومنهم من كان كلما أغمض جفنيه رأى الشهيد يتدلى من حبل المشنقة فيفتحهما في ذعر وهلع.
قالت لي ابنتي هل ستجلسون هكذا وتتركونه يمشي وحيداً إلى حبل المشنقة؟ أنتم الذين قرأتم كتاباته بحب وإعجاب؟! أنتم الذين استمعتم الى محاضراته بحب وإعجاب؟! أنتم الذين وصفتموه مفكراً حراً أصيلاً من أبناء هذا الوطن؟! كيف تتخلون عنه في اللحظات التي هو أكثر مايكون فيها احتياجاً إليكم وأنتم احتياجاً إليه؟!
ولكنّا جلسنا جميعاً كالأرانب المذعورة وتركناهم يقتلونه، وقد كان أجمل مافينا وأنبل وأسمى وأنقي وأطهر مافينا، وكان قطعاً أشجعنا جميعاً. لقد مشى إلى المشنقة مبتسماً، مشى إليها كبيراً سامقاً يكاد رأسه يلامس عنان السماء. ملء برديه التقوى والورع والعطاء بلاحدود. مشى إليها وكان في إمكانه أن لا يمشي إليها لو أراد. وقد كان فوت الموت سهل فرده إليه الحفاظ المرّ والخلق الوعر
هل تصدقون أيها الناس إن مجلس الشعب كان في إحدي دورات انعقاده حينذاك؟! جدرانه يلفها الصمت الجبان والجريمة تقع تحت سمعهم وأبصارهم. هل كان يخلو من فتي واحد حر جرئ يرفع سبابته ليقول لا؟ أو يسأل أو يستفسر؟ هؤلاء هم أهلنا؟! أهلنا الذين يجيرون الخائف ويفزعون المظلوم؟!.
لقد قتلته عناصر الشر والبغي والتعصب. كانوا للأحرار بالمرصاد عبر التاريخ حبساً وقتلاً وحرقأً وجلدا.ً هم الذين قتلوا سقراط هم الذين حزوا راس الحسين بن علي وسبوا علياً وبنيه في المنابر، هم الذين قتلوا سعيداً بن جبير، هم الذين قتلوا جان دارك هم الذين أقاموا محاكم التفتيش وهم الذين قتلوا أطفال مدرسة بحر البقر. القائمة طويلة، والقتلة هم أنفسهم، نفس الوجوه، نفس التقاطيع والسحنات نفس اللحي ونفس الألفاظ ومازلوا يَلغون في الدماء ويغتالون الفكر قرناً بعد قرن وجيلاً بعد جيل مخلفين وراءهم جثث الشهداء والأبرار على مدار التاريخ.
إن ذكرى محمود محمد طه في حدقات العيون، في خفقات الأفئده وفي همسات الضمائر. في طهر الصبايا في نقاء الشيوخ وفي عفة الفتيان. في نسمات السحر في قيام الليل، في شذى الأزهار وفي أهازيج الحرية في كل مكان. إنها ذخرنا وزادنا في رحلتنا الطويلة الشاقة، وفي نضالنا من أجل حرية الفكر وحقوق الإنسان. سيتحدث أحفادنا عن أيات الأصول وأيات الفروع، عن حبه الشديد للمعصوم، وعن دعوته للمحبة والسلام.
وسيبقى الثامن عشر من يناير 1985م يوماً حياً في ذاكرة الزمان وفي وجدان شعوب هذا الكوكب ومنارة تبرق في ظلمات التاريخ عبر القرون تستلهم منها الأجيال القادمة عزماً ومضاء في نضالها ضد كلّ ماهو بشع وقبيح.
ماأقل الذين أنجبتهم بلادنا السمحة المعطاءة وهم في قامة الأستاذ محمود طه، علماً، وفكراً، وجسارةً. لقد كان ضمير أمة وروح شعب. إن مثله لايحتاج إلى شارع يسمى باسمه أو تمثال ينصب له في مكان عام. ولكن نحتاج نحن أن نجعله آخر شهداء الفكر في بلادنا. انتهى ___________________________________ دكتور عبدالعظيم الحسن، أخصائي عيون، من أوائل الأخصائيين في مجاله إذ بدء العمل كطبيب في عام 1959م. وهو محب للأستاذ وللفكرة الجمهورية وقد حضر محاضرة الأستاذ فى نادي الموظفين بمدينة الأبيض. وهو صديق للأخ الجمهوري الراحل المقيم عمر محمد الحسن. دكتور عبد العظيم وزوجته الأستاذه نعمات صالح عيسي يقيمان حالياً بمدينة مونترى بولاية كلفورنيا. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ الشكر لأخي الحبيب أزهري بلول، المقيم بمونتري، حيث يقيم الدكتور عبد العظيم، لتوفيره لهذا المقال الصميم.
|
|
|
|
|
|
|
|
|