|
إعتذار وشكر وعرفان وعتاب لوردي بمناسبة إستشهاد الأستاذ محمود
|
أستاذي الحبيب، قريبي، وصديقي الوفي وردي، تحيتي لك وحبي السامي، والتعظيم سلام!!
يا شعباً تسامي، يا وري الهمام!!
أعتذر عن التعنيف بك في هذا المنبر الحر يوم تناثرت أخبار تطريبك لربيب الهوس! وفي هذا اليوم الأغر، يوم التسامح، يوم استشهاد الأستاذ محمود محمد طه، كيف لي ألا أفعل؟
أعتذر لأنني شننت حملة قاسية عليك لجلوسك وتطريبك لكاذب، سفاح، قهر أهله بليل بهيم ويوم سقيم. وما كان لي أن أفعل وأنت من غنى بالأستاذ محمود للأستاذ محمود "ياشعباً تسامى، ياهذا الهمام." ما كان لي أن أفعل، على الرغم من قناعتي بخطأ جلوسك مع سفاح، يغني في يوم يذبخ فيه أهله في بلد جار، آمن، طيب شعبه، فاسد ومفسد حكمه وحكامه.
أعلم أنك ترى السوداني الرابض في البشير، فتغني للسودان والسوداني لعله يصحو في نفس تكدرت بالظلم، تلطخت بالدم، وتنزت بالكراهية لكل ثائر. عنفت بك لأنني على قناعة بأن موقفي صحيح. ولكن الموقف الصحيح يمكن أن يحمل حسن العبارة وصفع الكلمة وصفحها في آن معاً. وهانذا أحاول أن أقدم اعتذاري، لعلك تقبله، كما أحاول ألا أنثني في وجه الهوس، الذي أعرف أنك لا يمكن أن تجاريه أو تجاوره.
أعرف أنك دوماً ترى السودان والسوداني في السوداني، ولكني أذكرك أنك كنت أكير غضباً مني على مشروع الهوس، ولم يرق لي أن تجالس أحد رموزه. ألا تذكر حواري معك في الدوحة، يوم تغنيت لأجلي بالنوبية التي لا تجاور الهوس، مثلك؟
ألا تذكر بأنك انتهرتني بغضب يوم قلت لك بأنك سليل صالحين، وبان صوتك تعطر بالمديح النبوي يوم كنت يافعاً، فطلبت منك أن أنشر ذلك عنك، فانتهرتني بزاجرة، قائلا بأن أهل الهوس سيستغلون ذلك؟
ربما لا تذكر ذلك الذي جرى بيننا في منزل خالك العفيف، النظيف، محي الدين، وأنا أقبل جبهتك الغراء معتذراً عن جهلي بحسك السياسي والتاريخي، ونضالك المجيد في وجه السلطان الغاشم. ولكني أذكره، فأحبك لأجل ذلك مرات ومرات ومرات، وهيهات ألا أفعل، هيهات، هيهات، هيات، وأنا الذي رضعتك أنفاساً، هي أنفاس الأوطان، أنفاس السودان؟
كنت في حوالى الخامسة يوم التقيتك عظما ولحما، بعد لقاي بك في الأزل. أتذكر يوم تغنيت في حفل خالي بشرى سالم في القرية 23 بحلفا الجديدة في النصف الثاني من ستينات القرن الماضي؟ أتذكر مداعبتك الحنونة لي وأنت تكرع من حميا البرد؟
يومها سكنت وجداني وأنا طفل غرير.
فكيف لي أن أعنف برجل بهذا القدر، قدر الأوطان، قدر السودان؟ كيف لي أن أعنف بأبي الحنون في المغنى والطرب؟
سأتغني يوم السبت القادم في اليوم الرابع لعيد الشهيد باهزوجة من أهازيجك الوطنية برفقة صديقي وزميلي، إبن كوستي الغراء، ماهر تاج السر، إبن مدينتي الحنون. ذلك إن تيسر لنا أن نجري "بروفة" وافية، تخرج ما نود إيصاله بثوب قشيب يليق باسمك المجيد.
شهدتك في مدينتي، التي أسكنت الأستاذ محمود في قلبها النابض في عقد من الزمان فريد. شهدتك في كوستي تغني، فتغللت طرياً بين جوانحي المراهقة، بعد أن سكنت الحشا في رحمي وأنا طفل؟
من لا يحترمك، ويبرك، ياوردي، ورد الوردة، لا يعرف الأوطان. فكيف لي أن أعنف برجل غذى روحي ولحمي وعظمي، وملك شغاف القلب مني؟
أرجو أن أعود لحظيرة البر لك يا عمي، وأخي، وصديقي العزيز. أنت بحر لا بر له، وساحل لا يغرقه بلل. أحبك، لأنك تعرف أقدار الرجال! أحبك لأنك تغنيت للأستاذ محمود في أولى ذكرى لاستشهاده الفريد بنادي الأستاذة بجامعة الخرطوم في يناير من عام 1986. يومهاسكنت سويداء قلبي بعد سكنك حول الشغاف في زمان قبل ذلك بعيد!!
كتبت عنك الكثير مما سأعيد نشره ههنا يوم تفرغ يدي من فرحي باستشهاد أبي في يوم عيده المجيد. ولكني في هذه العجالة أحببت أن أعتذر لك، في هذا اليوم الأغر، دون أن أحرم نفسي الحق في المعاتبة.
احببت أن أجزل لك الشكر والعرفان، في يوم الشكر والعرفان هذا.
من عظيم الشرف أنني استفتحت مشاركاتي في هذا المنبر الحر بكتابة عن شخصك الكريم، وأنت السامق، البار، الوفي. نعم أنت سامق، سموق النخلة، التي تستمد من طولك طولها، ومن طول وسموق السودان.
سأعيد نشر تلكم المساهمة الأولى التي كانت باللغة الانجيلزية لحاجتي في ذلك الوقت لمفاتيح الكتابة بالعربية. وسأنشر ترجمتها بالعربية، إن وجدت لها سبيلاً في هذا الجهاز العجيب، الوفي، الذي يحفظ ود الأوفياء، ويلعن جبن الخونة، الجبناء.
أحبك، يا وردي، لانك شعب تسامى، يا هذا الهمام تفج الدنيا ياما وتطلع من زحاما زي بد التمام
تدي "الثورة" نورا والسودان طفولة والهوس الحطام
|
|
|
|
|
|