|
هل لي أن أنعى لكم مفهوم الوطن السايس بيكوي؟
|
أرجو ألا أكون قد ضللتكم بهذا العنوان. فأنا لا أريد أن أتحدث عن الحرب على العراق، وإنما عن مفهوم الوطن، والمواطنة، الممتد منذ يوم أن جلس السكسون، وأفواههم تتلمظ، ولعابهم يسيل، من فرط الشهية، وقاموا بتقطيع أراضي الشعوب الفقيرة بالمسطرة، ثم غزوها واستعمروها، وحاولوا صياغة وجدان أهاليها وفق أهوائهم. ثم جاءت حركات التحرر الوطني، واشتعلت الأناشيد الحماسية، وغنى الشعراء لناصر، وجومو، وسوكارنو، ونهرو، ونكروما، وانتهى النضال المرير بتحرير الشعوب الفقيرة، مما سمي وقتها، بنير الاستعمار. هكذا قالوا لنا! .. غير أن الآمال ما لبثت أن تضعضعت، خاصة في أوساط الصفوة، من قبيلة الطبقة الوسطى، التي ورثت أمجاد المستعمر، وامتيازاته، ونامت في العسل، بعيدا عن هموم مواطنيها، حتى انقلب عليها سحرها، ودارت عليها الدوائر. وما مرت بضعة عقود، حتى أصبح أقل "سبابي" في تلكم البقاع، أفضل عيشا، وأطول قِمَّةً، وأسود لِمَّةً، بل، وأكثر وجاهةً، اجتماعيا، من (أجعصها) أفندي! .. ولا حول ولا قوة إلا بالله! .. المهم، حزم أهل العالم الثالث المساكين أمتعتهم البائسة، ويمموا شطر العالم الأول، (والعبد المفتقر إلى مولاه، واحد منهم). ومع ازدياد حركة الإنتقال من بلد إلى بلد، ازداد اكتناف الضباب لمفهوم الوطن، والمواطنة، وما يتعلق بهما من مفاهيم التربية الوطنية! ودخلت الأمور، والثوابت كلها، (ولا أستثني ثوابت الإنقاذ، بالطبع)، في حيص بيص.
قال "ملك الليل": ((الوطن ببساطة، هو ما آواك، وأطعمك، وكساك، وقيل عالجك، حين تمرض)). ولمن لا يعرفون "ملك الليل"، فهو أحد الشخصيات الرئيسية، في روايتي التي هي الآن تحت الإعداد، والتي، على ما أظن، سوف تظل تحت الإعداد، يد الدهر!. وأكاد أجزم، أنني لن أفرغ من كتابتها، في هذه الدار، مهما جاهدت .. المهم، "ملك الليل" هو سليمان حسين، الذي صال وجال في الأوساط المدينية الخرطومية، في ستينات القرن الماضي. وكان همه الأول والأخير، مسامرة شلة الندمان التي تعمر داره، كل أمسية، حيث ينظم لهم "القعدات"، ويجهز لهم "المزات"، ويقوم بكثير مما شاكل ذلك. ولذلك، فقد أسبغ عليه أصحابه، لقب "ملك الليل" .. تنبأ "ملك الليل" بسرعة انهيار دولة الأفندية، ولم يكن يرى أي جدوى، في العمل، لمنع ذلك الانهيار المحتوم. وبناء عليه، فقد عاش "ملك الليل" أعزبا، في عالمه الخرطومي، المعلق بين (النغنغات) التي عرفها في تجربته القصيرة، في أوروبا، كمبعوث، وبين عالم قرية "خور السدر" التي قدم منها، والتي لا تزال، حتى كتابة هذا الموضوع، غارقة في استنشاق، روائح روث البقر المحروق!
حصر "ملك الليل" عالمه الخرطومي اللاهي، بين حي (الخرطوم اتنين) والسوق الإفرنجي، واكتفى من موائد الحياة، الذاخرة، المتنوعة، بمجرد الوقوف على السياج، متلهيا بالقعدات، وبإطلاق النكات، والقفشات، والسخرية من سائر الأوضاع .. واكتفى، فقط، بتتويج نفسه، كل ليلة، إمبراطورا، على تلك الإمبراطورية الصغيرة، متناسيا نبض المدينة، وأنينها الذي كان يحيط به، احاطة السوار بالمعصم .. وحين بدأت أعراض الشيخوخة المبكرة، تغشى مدينته، كما غشيت، النعجة، المرحومة، (دوللي)، وبدأت مظاهر انهيار دولة الأفندية، قصيرة العمر، في التجلي، هرع "ملك الليل" إلى أحضان التصوف، طالبا الإحتماء برحابته الأخلاقية، من وخز الضمير، وما شاكل ذلك. ثم ما لبث أن مات، نهاية الأمر، في غرفة، بائسة، جنوب غربي أمدرمان، تطل نافذتها الخشبية الوطيئة المشققة، على مقبرة "حمد النيل"، حيث تثور أعاصير، ترابية، حلزونية، قلقة، ساعة الظهيرة .. هذا تعريج سريع، أملته ضرورة إعطاء ملخص مضغوط، لقصة صديقي "ملك الليل"، غشيت قبره سحائب الرحمة الهتون.
وما يهمنا من قصة "ملك الليل" هو قوله: ((الوطن ببساطة، هو ما آواك، وأطعمك، وكساك، وقيل عالجك، حين تمرض)) .. ولذلك، فكل دروس التربية الوطنية، ربما تصبح، مجرد هراء، حين لا تبقى، فيما نصطلح على تسميته بالوطن، مساحة لعيش كريم .. قال "ملك الليل" الذي، كثيرا، ما أجري الله عل لسانه، عبارات الحكمة، رغم عبثه، ولهوه، في واحدة من تجلياته: ((هجرة الشعوب، شأن طبيعي، مثلها مثل حركة الرياح، التي تنساب، من مناطق الضغط المرتفع، إلى مناطق الضغط المنخفض، ولذلك ليس في وسع أية قوة، مهما بلغت من الحول، والطول، أن توقف هجرة الشعوب)). وكما نعرف كلنا، فإن الوطن بالنسبة لقبائل الرحل، ليس سوى المكان الذي يوجد فيه الكلأ، والماء. وهو، أي الوطن، بهذا المعنى، فضاء متنقل .. ويبدو أن دورة من دورات التاريخ، قد اكتملت، إذ تمدد البحث عن الكلأ والماء، من فضاءات الأعراب السيارة، والقبائل الرحل، ليشمل فلول الطبقة الوسطى، التي خسرت معركة التغيير في الدول الفقيرة، وطفقت تبحث عن الكلأ والماء، والحرية، في دول الشمال الغنية. فقد قاد غموض المستقبل، في الأوطان الأصلية، قبائل طبقاتها الوسطى إلى النزوح، إلى كل مكان، يكون للحياة فيه، أفق، وأمل، وهدف ..
غير أن الأماكن التي ننشأ فيها تسكننا، ونظل نحن إليها، رغم أنها، لا تبقى مكانها، حيث تركناها. إذ أنها ترحل، هي الأخرى، ولكننا نظل متمسكين بالوهم، المتمثل في الصورة المرتسمة لها، في أفئدتنا .. قال هرقلاطيس: ((عبور النهر، لا يكون مرتين)). والسبب، هو أن الماء جار، ومتجدد .. غير أن الحنين مضلل، وقد يصبح قاتلا، في بعض الأحيان، خاصة حين يعجز المرء عن مغالبته .. وفي روايته، "الحب في زمن الكوليرا" حكى ماركيز، عن شاب أمريكي لاتيني، عاش في باريس، لفترة، غير أن الحنين، إلى حيث نشأ تملكه، ودفع به إلى الدخول عمليا، في مغامرة العودة. فترك ذلك الشاب باريس، وشد الرحال، إلى بلده في أمريكا الجنوبية .. قال ماركيز، فيما أذكر، إن قلقا انتاب ذلك الشاب، حين فصلت بينه وبين فرنسا، مياه المحيط الشاسعة، وهو على ظهر الباخرة المتجهة به، صوب مسقط رأسه. وكان كلما أوغل في لجج المحيط، كلما طالعته ذكرياته في باريس، بأمسياتها اللطيفة، وصور العشاق المتخاصرين على ضفاف السين، وهمس الأكورديونات المنبعث من نوافذ الحانات. وحين أكملت الباخرة رحلتها، نهاية الأمر، وبان له خط الشاطئ في بلده، ورأى السقوف المعدنية الصدئة التي بنت عليها الطيور أعشاشها، ورأى الشراشف المنشورة على حبال الغسيل، وبانت له عيانا، بيانا، صورة الفقر، التي كانت دفقات الحنين، قد طمست معالمها في وعيه، أحس بالندم. قال ماركيز: في تلك اللحظة أيقن ذلك الشاب، أنه قد سقط ضحية لأحابيل الحنين الخادعة.
وطيب الذكر، مصطفى سعيد، عاد بعد غيبة طويلة، أمضاها في صقيع الشمال، ليقيم في قرية سودانية، خاملة الذكر .. ظن مصطفى سعيد، أن في وسعه التخلص من آثار ما حقنته به تجربته الصاخبة، الدامية، في الأتون السكسوني، الملتهب، الذي انغمس فيه .. حاول محو آثار تلك التجربة اللندنية، المأساوية، بأن اشترى أرضا، في القرية الواقعة، عند منحنى النيل، وعمل، من ثم، مزارعا .. عاش وسط الأهالي، بأساليبهم، وتزوج حسنة بنت محمود، وتولى إدارة حسابات الجمعية التعاونية، والطاحونة. وأخذ، يسهم ـ كما أخبرنا حكيم الأمة، شيخنا الجليل، الطيب صالح ـ بذراعه، وجيبه، وقدحه، في الأفراح، والأتراح. غير أنه، ما لبث أن أسلم نفسه، لجة النيل، منتحرا، غرقا .. أفقدت تجربة العيش في الغرب، مصطفى سعيد، الإحساس بالانتماء، ولم يفده، من ثم، تصنع ذلك الإحساس، وادعائه .. لقد أربكت تجربته اللندنية، والإيغال في نمط حياة الغرب، صورة الوطن في وجدانه، ولذلك فقد فشل عمليا، في الصبر على عيش القرية المحدود، حين اختار العودة إليها. ولذلك، فإنه ما لبث، أن فضل عليها، تغييب وجوده، كله، في جوف النيل، وحل كل تلك الإشكاليات العالقة فوق رأسه، بضربة واحدة!
الشاهد أن كثيرا من المفاهيم التي كنا نظن فيها الثبات، قد أضحت تميع بفعل تشابك المصالح الذي أصبح يفرزه، كل إطلالة صبح، الواقع الكوكبي الجديد. فالدولة القطرية، والأدبيات التي علقت بها، قد أصبحت كلها في مهب ريح بزوغ فجر المجتمع الكوكبي، والثقافة الكوكبية الصاعدة. ولذلك، فقد أصبحت إعادة فحص كثير من المفاهيم القديمة، أمرا ضروريا. وكثير من مفاهيم الإنتماء للوطن، تقوم على أديم عاطفي، أكثر من قيامها على تبادل للمصلحة، بين ما يسمى بالوطن، وبين المواطن. ولا أظن أن الوطنية، يمكن أن تكون ارتباط، وولاء، غير مشروطين، تجاه الوطن. فما معنى الوطن الذي يعجز عن أن يطعمك، ويكسوك، ويعالجك، وفوق كل ذلك، لا تجد تجد فيه أمنا يذكر، من غوائل السلطة، وبطشها؟ ((ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا؟)) .. الفرص تضيق، كل يوم، أمام الأدبيات، التنميطية، الموروثة، الغابرة، التي كثيرا ما دمغ الناس وفقها، بعضهم البعض، بنقص الوطنية. تأتي طغم جائرة إلى الحكم، بليل، فستسلب الناس حياتهم، وآمالهم، وكل معنى انساني نبيل يغذي عيشهم. وحين يهاجر الناس، إلى ديار أخرى، طلبا لحياة كريمة، تتهمهم تلك الطغم المتسلطة، بنقص الوطنية. وحين يتحالفون مع قوى خارجية لاستراد حقوقهم المسلوبة، يتهمون بنقص الوطنية، بل وبالعمالة، أيضا! .. أكثر من ذلك، ما أكثر أن اتهم الناس بعضهم البعض بنقص الوطنية، لمجرد اختلاف الرأي، في شؤون السياسة، اليومية!
ولنترك الفضاء السياسي، إلى الفضاء العرفاني. قال صلى الله عليه وسلم: ((إن روح القدس نفث في روعي، أن أحبب من أحببت، فإنك مفارقه)). وهذا يشمل الوطن، والحبيبة، والأهل، والأقارب، والأصدقاء. إذن لا تجذر، وإنما ارتحال دائم. والإنسان كائن وحيد، تظل الوحشة، تنهش أعمق أعماقه، وإن أحاط نفسه بكل صور الأنس. والناس يتبدلون، والإحساس بالناس، وبالأماكن يتبدل، والصور المطبوعة في الوعي تبهت، بفعل الزمن، وبفعل بعد الشقة (والبعيد عن العين، بعيد عن القلب). والمفاهيم تتبدل، والإحساس بالوطن، مشمول في كل هذه التبدلات. قال المتنبيء: بليت بلى الأطلال إن لم أقف بها وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه وفي ظني، أن ذلك ربما انطبق عليه، فقط في زيارته الأولى، لتلك الأطلال. أما الزيارة الثانية، فربما وقف بها لثوان، وربما لم يعرها حتى التفاتة، واحدة. وكل مساحة جديدة تطأها اقدامكم، وأنتم بخير.
النور حمد
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: هل لي أن أنعى لكم مفهوم الوطن السايس بيكوي؟ (Re: Dr.Elnour Hamad)
|
Dear Dr. Elnour,
This was a beautiful piece of prose and intellectual depth. It combined narration, political analysis, monethesism, and philosophical pondering in a single, short, and very elegant work of a craftsman, who knows his craft very well, and who is very confident in his craftsmanship.
Thank you for being who you are, and for sharing your existential experinece in such profound, yet very simple strikes of a few keytops in this age of "global nomadism," of which you, I, and most of the readers of this piece are perfect examples.
Welcome to this forum, in the "web," the "womb" of our new life together, and of a new world. Welcome to our "Global Citizenship!!!"
(عدل بواسطة Haydar Badawi Sadig on 03-31-2003, 07:52 PM)
| |
|
|
|
|
|
|
Re: هل لي أن أنعى لكم مفهوم الوطن السايس بيكوي؟ (Re: Dr.Elnour Hamad)
|
لا اعتقد اننا سنستطيع ان ننعي وطنا يعيش فينا وفي ملامحنا حينها سنكون ننعي انفسنا، ورغم البؤس والشتات فان ذلك الوطن البعيد صعب ان يضيع مناورغم ما فعلته السنين بقسوتها لكي تمسح معنى الوطن من الداخل الا ان رصيد الانتماء سيبقى اقوى ، الانتماء ليس فقط لارض وبيت ، بل الانتماء لكل السنين التي نقشناها بطيبة ومحبة فدعونا نتمسك بهذا الانتماء على الاقل لكي نحس اننا ما زلنا احياء
| |
|
|
|
|
|
|
Re: هل لي أن أنعى لكم مفهوم الوطن السايس بيكوي؟ (Re: Dr.Elnour Hamad)
|
أعي ما قصده دكتور النور حول مفهوم الوطن ودعوته للتأمل والتفكير في هذا الامر ، ولكن ما كنت اقصد قوله هو نقل احساس جميل نحاول ان نتشبث به وسط تيارات التغيير لقد اصبحنا مهددين حتى في دواخلنا في مفهوم الانتماء للوطن بفعل عوامل اصعب من عوامل التعرية وما تفعله في صخرة قوية فطوال كل هذه السنوات تأثر الجميع فاصبح مفهوم الوطن صعب التعريف لاختلاط كل الاشياء ببعضها وبالتاكيد هناك اجيال صعب ان يتم وضعها في نفس القالب المعروف لمفهوم الوطن والسودان ومعاني كتيرة لم يعيشوا تفاصيلها فالشتات دوما له ثمن مؤلم وزي ما قال الحلنقي عارف ده ما اول سفر لبلاد بعيدة بدون متاع فهل يا ترى لدينا المتاع الكافي في دواخلنا للتعامل مع كل ما تفرزه صراعات الغربة؟ ولك الشكر دكتور النور لدعوتك للتامل والتفكير في مسألة في اعتقادي كم هي متشابكة وتحتاج الى تناولها من كل الزوايا بعمق اكثر.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: هل لي أن أنعى لكم مفهوم الوطن السايس بيكوي؟ (Re: maia)
|
شكرا مايا على المداخلة الأخيرة. أوافقك الرأي، أن كثيرا من المفاهيم، ربما أصبحت بحاجة إلى أن نمعن التفكير فيها. والمرحلة الحالية مرحلة انتقالية، وهذا ما يجعل الرؤية فيها ضبابية بعض الشيء. غير أنني أومن بأن العالم سوف يتوحد نهاية الأمر. ويصبح الإنتماء إلى أي جزء منه، مثل الإنتماء إلى كله، والعكس بالعكس. ربما اكون متفائلا أكثر من اللازم، ولكن قديما قيل: (تفاءلوا بالخير تجدوه) فالتفاؤل حلم، والحلم مقدمة طبيعية لما سوف يتحقق على أرض الواقع. غير أن بعض الأحلام تخيب، وبعضها بصدق. النور حمد
| |
|
|
|
|
|
|
Re: هل لي أن أنعى لكم مفهوم الوطن السايس بيكوي؟ (Re: Dr.Elnour Hamad)
|
لكم اصابنى الملل من قراءة المواضيع المطوله ولكن ارانى اقرا بتامل واحس كل عبارة وكانها لسان حالى الوطن حالة تصيب الذاكره بحالة لا تنتاب الا العاشق الغارق فى احلامه وله كل العذر فيما لايملك رايتك كاتبا رقيق الحاشيه دقيق النعبير فانت تكون ايضا انت عندما تمسك باليراع كما الريشه اطلق عنان القلم ولا تخف من السام
| |
|
|
|
|
|
|
Re: هل لي أن أنعى لكم مفهوم الوطن السايس بيكوي؟ (Re: manubia)
|
شكرا منوبيا على المشاعر الرقيقة. ما أمتع الإحساس الذي يصحب شعور المرء حين يحس بأنه قد لمس أوتارا شديدة الرنين في أفئدة الآخرين. رد فعلك، جلب إلي كثيرا من المسرة.
ويا عزيزي الفنان ياسر مبيوع. أشتاق إليكم، وإلى أيوا سيتي الحبيبة، شوق النوق إلى مضارب قومها. وأحسب الأيام لأنعم بصحبتكم أنت والموصلي، ولأستمع إلى صوتك الدفيء، وريشتك الرقيقة، التي تستنطق روح العود. النور حمد
| |
|
|
|
|
|
|
Re: هل لي أن أنعى لكم مفهوم الوطن السايس بيكوي؟ (Re: Yasir Elsharif)
|
شكرا دكتور ياسر. الدار دارك، والبساط مبسوط لك. فأنت ترفدالحال دائما، بما يعليها، بانتقائك لأطايب الكلم. شوقنا إليكم بلا حدود. وأرجو أن يبرني الزمان بوقفة في ألمانيا، أكحل فيها ناظري، برؤيتكم. أتابع كل ما تكتب هنا، وفي صالون الجمهوريين، وأجد زادا كثيرا منك، فيما يتعلق بالأناة، والصبر، وطول البال.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: هل لي أن أنعى لكم مفهوم الوطن السايس بيكوي؟ (Re: Dr.Elnour Hamad)
|
د.النور وحدثنا الطيب الصالح أن مصطفى سعيد كان أكذوبة وفانتازيا ماركيز (تصف ما يوازي الواقع( ليس هو ولكنا بعد كل هذه المنافي والتغيير نجتر انحيازنا للأسرة والقبيلة والدولة القطرية والقومية( ان استطعنا اليها سبيلا) ..ونتساءل ..عن الهوية ..ونتطلع للمساهمة في رفاه الانسانية ..خبرني .. ما نحن صانعون بتكويناتنا الفكرية والوجدانية ..بهوائنا الذي تنسمناه خلال عمليات التنشئة الأجتماعية ?بهمومنا التي صارتنا وصرناها جلدي عباءة كل فلاح سيأتي من حقول التبغ كي يلغي العواصم جسدي بيان القادمين من الصناعات الخفيفة والتردد والملاحم (محمود درويش)
لك السلام ولي فانني أفتقده ياصديقي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: هل لي أن أنعى لكم مفهوم الوطن السايس بيكوي؟ (Re: Dr.Elnour Hamad)
|
التحية لك د؟ النور جعلتني في تشوق للعمل الذي نتمني ان نراه قريبا ..الوطن احساس بالامان و في الاحساس بالامان اشياء كثيرة ...قالت لي صديقة بعد ان عادت من زيارة للوطن انها شعرت باحساس مخيف عندما نزلت الطائرة في مطار البلد التي تقيم فيها ,كنت احسبه احساس الحنين للعودة منذ مغادرة الوطن الذي يجعلنا نخاف كم سيمر من الزمن حتي نعود مرة اخري ولكنها اخبرتني ان ذلك الاحساس الذي داهمها هو احساس العودة للمكان الذي نحس فيه بالامان...الحنين للوطن لا ينقطع ولكننا نحن ال وطن غير الذي فارقناه وطن ينزف جرح غائر .متي ما عاد الوطن الخيالي كما اسميه حاليا يتبدل الاحساس تجاه ما هو الوطن ..الكام شيق يا دكتور ونحنا في انتظار المزيد...نسمة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: هل لي أن أنعى لكم مفهوم الوطن السايس بيكوي؟ (Re: ghurba)
|
أبو مهيار، كم شاعرية هي مداخلتك. أنا لا أملك لك إجابات، فأنا حائر مثلك، يا رفيق درب الحيرة الجميلة. كما أنني لا أدري ما يخبئه لنا الغيب في طيات كل هذه التحولات الدراماتيكية المؤلمة. قطعا، في الفن، شيء من عزاء، به نحاول إقامة شيء من التوازن المفقود. قال درويش أيضا: (وطني ليس حقيبة، وأنا لست مسافر). قال ذلك، في السبعينات، على ما أذكر، ولا أدري كيف يرى درويش، الآن، ما قاله وقتها؟ هل هو ميت على دينه، ام محدث أمرا؟ لقد حيرتني بأكذوبة مصطفى سعيد، وفنتاززيا ماركيز الموازية. نعم مصطفى سعيد، كان أكذوبة، ولكنها أكذوبة تماست مع حياة آخرين، وقاتدها، من ثم، إلى نهايات مأساوية. وتالرأسمالية، وسيطرة رأس المال، والشركات المتعددة الجنسيات، والعابرة للقارات، كلها أكاذيب، ولكنها (راح تلعن أبو خاشنا). ودمت يا أبا مهيار.
وشكرا غربة، على المداخلة الحنونة المتسائلة. نعم الوطن هو الأمن. ولكن أين الأمن الآن؟ كان مغتربونا الأوائل يحنون للأمن في السودان، حين يعيشون فترة في الخارج. وقد كانوا يجدونه فعلا، حين يعودون. قال الطيب صالح، على لسان الراوي، في موسم الهجرة إلى الشمال، حين من أنجلترا، وجلس في حوش الدار: (هذا دفء العيش في العشيرة). فهل الأمور لا تزال كما كانت؟. من يعيش فردانية الغرب، لابد أن يجد الدفء في أمن الأسرة الممتدة، ولكن التطورات الإقتصادية، إنما تتم على حساب الأسرة الممتدة، في المقام الأول. يصبح كل فرد مواجها مصيره، وحده، ويصبح من ثم، في مهب الريح. كما أن شظف العين، والحرمان اللذان ضربا شعوب الدول الفقيرة، قد غيرا الناس.إن للفقر قدرات رهيبة على التشويه. وقد ورد في الأثر: (لو كان الفقر رجلا لقتلته). لم أذهب إلى السودان منذ أربعة عشر عاما. وحقيقة لا أدري إن كان السودان الذي تركته، لا يزال هناك. غير أن من ذهبوا وعادوا، والتقيتهم، قالوا إن الناس تغيروا، حتى الأقارب! ومثل هذا التغيير، يغير، لا محالة، صورة الوطن المرتسمة، من أزمنة سابقة. عموما، نحن نعيش عصر تحولات غير مسبوقة، وربكم يستر.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: هل لي أن أنعى لكم مفهوم الوطن السايس بيكوي؟ (Re: Dr.Elnour Hamad)
|
دكتور النور سلامات يبدو انني جئت متأخراً لهذه الوليمة الادبيةالممتعة، ولكن لا بأس من المداخلة، طالما الموضوع لسه حار، لأنه ببساطة موضوع الساعة وكل ساعة في حياةالدياسبورا السودانية0 تعرف يا دكتور أنا اتفق معك في كل ما جئت به، لأني ببساطة أحسه واقعاًهنا في واقعي الجديد بملبورن ولكن المصيبة تكمن في تلك التفاصيل التي تطاردك بالحاح ولا تجد لهااشباع في هذا العالم المادي الذي لا يبخل عليك بأي محسوس0 من شاكلة تلك التفاصيل ما حكاه لي الصديق المبدع عاطف خيري، وكنا وقتها في تلك الحالة من النوستالوجيا المتأججة، فذكر لي قصة طريفة وهو انه كان في طريقه مغتربا الى ليبيا قبل عدة سنوات، وصدف ان أتاهو صديقه ليودعه على مضض لأنه ليس من المؤمنين بالهجرة خارج الوطن،وصدف ان كانوا مارين باحد الشوارع والصباح ما زال يتمطى وهناك تجلس مجموعة من أهلنا الطيبين بجلابيبهم وعكاكيزهم متحلقين حول ست الشاي وهنا التفت هذا الاخ نحو عاطف خيري، وقال ليه"بالله هسة انت ما زول "عوير" تسافر ، هسة تلقى زي الناس الاغبياء ديل وين!!!0 فتأمل 000 هسة تعرف انا سعيد جداً هنا لكن ممكن ادفع نص عمري والقى نفسي في عطبرة وقاعد في قهوة، واسمع واحد بيعلق على واحد ماشي بالله شوف العويل ده" كما ينطقها ناس عطبرة" واقف مع البت صالبة في الشمس دي، ويرد عليه التاني : الغريبة الزول ده أمي وراسه مافيه غير كورة، هسة يا ربي بيكون بيقول ليها في شنو!!0
أها يا دكتور شفت بس زي التفاصيل العجيبة دي هيى زاتا البتقوم تخلق حالة بتاعة حنين كدة ما بتقلى ليها اي تفسير عقلاني ولا منطقي،
سلامي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: هل لي أن أنعى لكم مفهوم الوطن السايس بيكوي؟ (Re: atbarawi)
|
شكرا يا عطبراوي على التعليق الخفيف الظل، والممتع حقا. أنا مثلك تماما، تسكنني التفاصيل تزحم رأسي الصورة المطبوعة منذ الطفولة. كما أحس مثلك، أنه ربما لا يفلح المرء في مغالبة أحابيل الحنين الخادعة، والمثل السوداني يقول (المكتولة، ما بتسمع الصياح). نحن فقط نتأمل، ونفحص حالة الصليب الذي جرى تعليقنا عليه. في تقديري المتواضع، أن الجيل الأول من المهاجرين، قد كتب عليه الموت هكذا، على هذا الصليب الذي يمثل حالة التعارض. أما الجيل الثاني من المهاجرين فهو الذي يقول (القافلة تسير)وليس هناك إحساس نبيل بالإنتماء للجذور، مهما عظم، بقادر على مغالبة فعل الزمن، وفعل رياح التحولات العاتية التي تتسارع وتائر هبوبها كل صبح جديد.
| |
|
|
|
|
|
|
|