دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
الأستاذ محمود محمد طه: الذكرى 19
|
يصادف الثامن عشر من يناير الجاري، من عام 2004 ، مرور الذكرى التاسعة عشرة، لإعدام المفكر الإسلامي السوداني، الأستاذ محمود محمد طه. وإعدام المفكرين التجديديين، في التاريخ الإسلامي، ليس أمرا جديدا. فلقد ظلت تهمة الزندقة، والخروج على إجماع المسلمين، هي التهمة المفضلة لدى القابضين على أزمة السلطة، والثروة، للقضاء على كل مفكر، وكل فكرة تعمل على تحريك الراكد، وعلى تنوير الناس بإنسانيتهم، وبحقوقهم المسلوبة. جرى ذلك، للحسين بن المنصور، المعروف بالحلاج، في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي). ولقد كان الحلاج، من المتصوفة الذين لم يكتفوا بالصلاة، وبالتسبيح، وبتشقيق المعاني، وحسب، وإنما اتجه للحديث عن تفشي المظالم، وعن غرق الحكام في الترف، وإهمالهم شؤون العامة. حاول الحلاج نصرة المظلومين، من غمار الناس، فأزعج ذلك أهل السلطة، والثروة، في تلك الحقبة، فدبروا له تلك المحاكمة التي قضت بصلبه. ومع ذلك، نجحت السلطات، في تاليب العامة، وفي حشدهم، واستخدامهم ضده، رغم أنه لم يصدع بآرائه، إلا لنصرة أولئك العامة، هادفا إلى استرداد حقوقهم، وكرامتهم الإنسانية المضيعة.
جاء في مسرحية الحلاج، للشاعر الراحل، صلاح عبد الصبور.
صفونا صفا صفاً الأجهر صوتا، والأطول، وضعوه في الصف الأول ذو الصوت الخافت والمتواني، وضعوه في الصف الثاني، أعطوا كلا منا دينارا من ذهبٍ قاني براقاً لم تمسسه كفْ قالوا صيحوا: زنديقٌ كافرْ صحنا: زنديقٌ كافرْ قالوا صيحوا: فليقتل، إنا نحمل دمه في رقبتنا صحنا: فليقتل، إنا نحمل دمه في رقبتنا
نفس هذا المشهد، وأعني مشهد هتاف العامة، في وجه مفكر محكوم عليه بالإعدام، تكرر بعد قرابة الألف، ومائة عام، تقريبا، في سجن كوبر بالخرطوم، في يوم 18 يناير 1985! وقد وثقت بالقلم، لمشهد تنفيذ الحكم على الأستاذ محمود محمد طه، الصحفية الأمريكية، جوديث ميللر، وأشارت إلى صدمتها عند سماع من هتفوا (تحيا العدالة)، أو (أخذت العدالة مجراها)، في ذلك اليوم الأسود، من تاريخ السودان المعاصر. كانت ميللر، وقتها، مسؤولة عن مكتب صحيفة نيويورك تايمز بالقاهرة. وقد جاءت إلى الخرطوم بقصد تغطية الحدث. وبالفعل، فقد أرسلت ميللر، تقريرها الذي أعدته عن حادثة التفيذ، إلى صحيفتها في نيويورك، وتم نشره في صبيحة يوم 19 يناير، 1985. وفي عام 1996 أخرجت جوديث ميللر كتابا، أسمته (لله تسعة وتسعون إسما) God has Ninety Nine Names ناقشت فيه الحركات الإسلامية، في العالم العربي، والإسلامي. وقد كرست الجزء الأول من الكتاب، لحادثة التنفيذ التي جرت في حق الأستاذ محمود محمد طه، في سجن كوبر، في العاشرة من صبيحة يوم الجمعة، 1985، والتي كانت أحد شهود العيان لها.
جاء في وصف ميللر، للحادثة، في كتابها (لله تسعة وتسعون إسماً)، ما نصه:
((كان صباحا مثاليا. بعد سويعات، تصبح الخرطوم خانقة. ولكن عند السادسة من صباح 18 يناير من عام 1985 كان الهواء صافيا. وكانت السماء قد لبست بالفعل زرقة حمام السباحة.
في غرفتي بفندق الهيلتون، كان الصوت الوحيد، هو صوت مكيف الهواء، ذي العشرين سنة، وهو يضخ هواء محتمل السخونة. شربت قهوتي، وقرأت جريدة الصباح، محاولة ألا أفكر فيما سيحدث. لقد رأيت وقمت بأشياء كثيرة، بوصفي رئيسة مكتب صحيفة نيويورك "تايمز" بالقاهرة. كما شهدت أحداثا مروعة عديدة منذ رحلتي الأولى إلى الإقليم في عام 1971، وأنا لم أزل طالبة حديثة السن. غير أني، لم أغطي حادثة تنفيذ حكم بالإعدام.
بعد ساعة خرجت في طريقي إلى سجن كوبر. ساحة سجن كوبر مستطيلة الشكل، وبحجم ميدان لكرة القدم. عندما وصلت برفقة جمال محي الدين، مدير مكتب مجلة "تايمز" بمصر، كانت ثلاثة أرباع تلك الساحة ممتلئة بالناس. كنت ألبس جلبابا أبيضا فضفاضا، وغطاء للرأس، لئلا يكتشف حراس السجن أنني شخص أجنبي. لوح لنا الشرطي بيده إيذانا لنا بدخول موقف السيارات. فعل ذلك، من غير أن يلقي حتى بنظرة ثانية نحوي في المقعد الخلفي. علما بأن المقعد الخلفي هو المكان الطبيعي، لوجود امرأة في سيارة، في الشرق الأوسط. خفضت رأسي بينما سرنا أنا وجمال ببطء، وسط الحشد، نحو قلب ساحة السجن، لنجد مكانا للجلوس على الأرض الرملية.
كانت المشنقة في الجانب البعيد من الساحة. مرتفعة نوعا ما، غير أنها أقل في الارتفاع من حوائط السجن المبنية من الحجر الرملي. كان المشهد في كوبر مرحا. لا شئ هناك يشبه الصور المتجهمة التي رأيتها للسجون الأمريكية حيث يحتشد أصدقاء وأقارب المحكوم عليهم بالإعدام، خارج الأسوار، وسط المتظاهرين المعترضين الذين يحملون الشموع في الليل.
يبدو أنني كنت المرأة الوحيدة في الساحة. وبدا أن كثيرا من الحاضرين، الذين يقدرون ببضع مئات، يعرفون بعضهم البعض. ظلوا يحيون بعضهم البعض، بتحية الإسلام التقليدية " السلام عليكم" ويجيء الرد مرات ومرات "وعليكم السلام". الرجال ذوو البشرات الداكنة، في عمائمهم التي يبلغ ارتفاعها القدم، وجلابيبهم البيضاء الفضفاضة، يتضاحكون ويتجاذبون أطراف الحديث، حول حالة الطقس، بشائر محصول تلك السنة، والحرب التي لا تنتهي في جنوب السودان. ورويدا رويدا، جلس كل واحد على الرمل، تحت وهج الشمس، التي بدأت حرارتها تزداد قسوة مع كل دقيقة تمر. كان الموعد المعلن لتنفيذ الحكم هو الساعة العاشرة.
قبل الزمن المحدد بقليل، قيد محمود محمد طه إلى الساحة. الرجل المحكوم عليه والذي كانت يداه مربوطتان خلف ظهره، بدأ لي أقل حجما مما كنت أتوقع. ومن المكان الذي كنت أجلس فيه، وبينما كان الحراس يسرعون به إلى الساحة، بدا لي أصغر من عمره البالغ ستة وسبعين عاما. سار مرفوع الرأس، وألقى نظرة سريعة على الحشد. عندما رآه الحاضرون، انتصب كثيرون منهم واقفين على أقدامهم، وطفقوا يومئون ويلوحون بقبضات أيديهم نحوه. ولوح قليلون منهم بالمصاحف في الهواء.
تمكنت فقط من التقاط لمحة خاطفة من وجه طه، قبل أن يضع الحارس الذي قام بالتنفيذ، كيسا ملونا على رأسه وجسده. ولن أنسي ما حييت، التعبير المرتسم على وجهه. كانت عيونه متحدية، وفمه صارما، ولم تبد عليه مطلقا، أية علامة من علامات الخوف. بدأ الحشد في الهتاف، بينما كان مجندان سودانيان يلبسان زيا رملي اللون، يضعان عقدة الحبل على المكان المفترض أن تكون فيه رقبة محمود طه. ورغم أن ضجيج الحشد قد ابتلع أصوات الجنديين، إلا أنه بدا وكأنهما كانا يصيحان ضده. فجأة تراجع الحراس للوراء، ثم سُحبت أرضية المنصة. فاشتد الحبل، واهتز الغطاء الموضوع على جسد طه في الهواء. اشتعل الهدير في الساحة "الله أكبر". وتكثف الهتاف عندما بدأ الحشد في تكرار الهتاف بشكل جماعي، "الإسلام هو الحل". الرجال الذين امتلأوا حماسة، عانقوا وقبَّلوا بعضهم البعض. أحد الرجال الذين كانوا بجانبي صرخ، "أخذت العدالة مجراها"، ثم جثا على ركبتيه، ووضع جبهته على الرمل وتمتم بصلاة إسلامية. الحالة الاحتفالية التي جرت من حولي، صعقتني، وأصابتني بالغثيان. جذبت جمال من كم قميصه، محاولة أن أشعره بأنه يتعين علينا مغادرة المكان، فقد كنت بالفعل، عاجزة عن النطق. في حالة التوتر العصبي التي اعترتني لابد أنني قد قمت لا شعوريا بسحب الغطاء الذي كان يغطي رأسي، فانحرف عن موضعه. استشعر جمال الخطر، وجذب الغطاء على ناصيتيْ شعري اللتين انكشفتا، ودفعني بحزم صوب المخرج. وبينما كنا نشق طريقنا صوب البوابة الحديدية الثقيلة، بدأت الرمال في الثوران والارتفاع في شكل سحابة برتقالية نتيجة لجرجرة الحشد لأقدامهم على الأرض الترابية. عند وصولي للمدخل، لويت عنقي لألقي نظرة أخيرة على المشنقة. كان الكيس، وجسد طه لا يزالان متدليان على الحبل. فتساءلت في نفسي، متى سينزلونه؟.
لدى كثير من السودانيين الذين هللوا لإعدامه في ذلك اليوم، فإن طه قد اقترف أسوأ جريمة يمكن أن ترتكب. لقد أدين بتهمة الردة عن الإسلام. وهي تهمة نفاها طه، الذي أصر حتى النهاية، أنه ليس مهرطقا، أو مرتدا عن الإسلام، وإنما مصلح ديني، ومؤمن وقف في وجه التطبيق الوحشي للشريعة الإسلامية، "قانون المسلمين المقدس" والطريقة التي فهمها ونفذها بها الرئيس جعفر نميري. من وحي الموقف، أحسست، أنا أيضا، أن طه لم يقتل بسبب يتعلق بنقص في قناعته الدينية، وإنما بسبب من نقصهم هم)) .. إنتهى نص ميللر. (ص. ص.11 –12)
التهليل لإعدام أي إنسان، بغض النظر عن جريرته، سلوك قوي الدلالة، على سيطرة الروح الهمجية والبربرية، على وعي من يتحمس له، ويقوم به. وقد مر الغرب بتجارب مماثلة لهذه التجارب، في مسار تطوره الوئيد، نحو الديمقراطية، وترسيخ حكم القانون، ودولة الحقوق، والمواطنة. فمشهد العامة الذين تحشدهم السلطات، وتعبئهم ضد المفكرين، والعلماء، فيتوافون على ساحات التنفيذ، مستمتعين بإعدام الأبرياء، مهللين له، مشهد قد كان شائعا، في أوروبا القرون الوسطى. ولقد عرفت المناطق الوسطى من أوروبا، حتى بداية القرن السابع عشر، محاكم الساحرات، وإدانتهن بتهمة ممارسة السحر، بل وحرقهن في أتون المحارق، وهن حيات. كما ظلت أنجلترا، تمارس محاكمة المخالفين للعقيدة الدينية السائدة، حتى القرن السابع عشر. وقد تعرض وليام بن، الذي هاجر في عام 1682 ، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأصبح الأب المؤسس لولاية بنسلفانيا، إلى المحاكمات، والسجن، بسبب إنتمائه إلى طائفة الكويكرز. وطائفة الكويكرز، طائفة دينية، مسالمة، لا يؤمن أتباعها بالعنف، وبالحرب. وهي طائفة تدعو إلى الإخاء، والمساواة، وكفالة الحريات. غير أن الكويكرز تعرضوا لمحاكمات مستمرة من جانب السلطات الكنسية الإنجليزية، حتى إضطروا إلى الهجرة، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب المضايقات. ولعل أكثر ما اثار حفيظة رجال الدين الإنجليز على الكويكرز، قولهم بضرورة خروج رجال الدين من بين الله، وبين الناس. ومعروف أن الكويكرز ليس لهم قساوسة مثل بقية الطوائف المسيحية.
لاحقت الكويكرز المحاكمات، في أمريكا التي هربوا إليها. فقد حوكموا في أمريكا، وعذبوا، وسجنوا. وتم منعهم من الدخول إلى الأراضي الأمريكية. وقد وصل الأمر بسلطات نيو إنجلند، حد محاكمة قبطان أي سفينة تأتي إلى السواحل الأمريكية، بواحد من طائفة الكويكرز. والطريف أن أمريكا التي منعتهم من دخول أراضيها، بادئ الأمر، بل وقامت بشنق بعضهم، أسست فيما بعد، أهم سمات دستورها، وقوانينها على فكر الكويكرز. ويعتبر ويليام بن، الذي ورد ذكره قبل قليل، أحد الآباء المؤسسين للحريات الدينية في التاريخ الأمريكي. وقد أعتبرت الوثيقة التي كتبها ويليام بن، وحملت عبارة: ((ليس هناك رجال يملكون التخويل، أو السلطة، حتى يتحكموا في ضمائر الناس، في الأمور الدينية))، أول تأكيد واضح، في التاريخ الأمريكي، على هيمنة (القانون الأساس)، على كل قانون آخر، يمكن أن تتم إجازته.
كان الشعار الملازم للأستاذ محمود محمد طه، طوال حركته الفكرية، هو شعار: ((الحرية لنا، ولسوانا)). وقد قال الأستاذ محمود أيضا، في هذا المنحى، ( ليس هناك رجل من الكمال بحيث يؤتمن على حريات الآخرين، فضمان الحرية، هو دوام سهر كل فرد عليها)). وقد انصبت كثير من كتابات الأستاذ محمود محمود على نقد ظاهرة رجال الدين، وأنها ظاهرة دخيلة على الفضاء الإسلامي. فهي، كما يرى الأستاذ محمود، ظاهرة ذات جذور يهوديمسيحية. وقد انتقلت إلى الفضاء الإسلامي، حين تحولت الدولة الإسلامية إلى مملكة، وأصبحت لرجال الدين وظائف في بلاط الملوك، الغرض منها الحفاظ على الأوضاع السائدة، وإعطاء تلك الأوضاع سندا دينيا. وما من شك، أن تهديد افكار الأستاذ محمود لهذا الكهنوت الدخيل الذي ظل مستمرا منذ العصر الأموي، هو الذي قاد رجال الدين عندنا، إلى السعي الدؤوب لإعدامه.
أردت أن أشير، بكل ما تقدم، في قصة الكويكرز، ومحاكماتهم، إلى أن التاريخ الإنساني، متشابه. ونحن لا نزال نعيش، بهذا المعنى، في المرحلة الأدني في مسار حركة نمو الوعي. خاصة، فيما يتعلق بكيفية إدارة الصراع في قضايا الخلاف الديني، وقضايا الحرية، والدستور، والحقوق. نحن لا نزال في المنطقة التي خرجت منها أوروبا، وخرجت منها أمريكا، قبل ثلاثة قرون تقريبا. ولابد أن ترسى بنا السفينة، في مجال كيفية التعامل مع قضايا الخلاف الديني، وكيفية إدارة الخلاف الفكري، في نفس المرسى الذي رسوا فيه هم قبلنا، بنحو قرنين، أو ثلاثة. ولا يعني هذا أنه لا فكاك لنا من أن يكون الغرب، مرجعيتنا في كل شيء. وإنما يعني فقط، أن قضية الحقوق الأساسية، قضية عالمية، ولابد من أخذ المرجعية الغربية فيها، بعين الإعتبار. والمرجعية الغربية نفسها لم تأت من العدم. وإنما تعود إلى مرجعيات سبقتها، في الفكر الإسلامي، وفي الفكر الإغريقي. مشكلتنا أننا نسينا سمة التركيب في تراثنا. وأصبحنا ننظر إلى ثقافة الغير، بعين الريبة. حتى بلغنا درجة العجز عن رؤية عناصر، ومكونات ثقافتنا التي حدث أن تبناها الآخرون، وطوروها. هناك إتجاه، وسط بعض الناشطين الإسلامويين لكي يجعلوا من قضية الحقوق، قضية نسبية، تأخذ مرجعيتها، من المحيط الثقافي الخاص بالجماعة البشرية المعينة. وكأنهم يريدون بذلك أن يقولوا: ليس هناك مقياس عالمي موحد لحقوق الإنسان. ولذلك، لا يحق لبقية العالم أن يحشر أنفه في شؤوننا، فيما يتعلق بقضايا الحقوق. وكل هذه الإلتواءات التي يمارسها الناشطون الإسلامويون، القصد، الأول، والأخير منها، هو تكريس حالة مصادرة الحقوق القائمة في الفضاء العربسلامي. وهذه النسبية، التي تبدو مثل،(نسبية بلا ضفاف)، يمكن أن تجعل ـ على سبيل المثال ـ من استخدام القانون لمنع النساء، من قيادة السيارات، في بلد مثل السعودية، عملا مبررا، دستوريا، وقانونيا. كما يمكن، أيضا، أن تجعل من قتل الناس، بسبب أرائهم عملاً مبرراً أيضا!.
نعم، هناك اختلافات فيما يتعلق ببعض الحقوق، بين ثقافة وأخرى. فقضايا مثل الإجهاض، والمثلية الجنسية، والزواج من نفس الجنس، (الجندر) على سبيل المثال، ستظل قضايا خلافية. وهي محل خلاف شديد، حتى في داخل الفضاء الغربي نفسه. غير أن الحقوق الأساسية، التي لا يكون الدستور دستوراً، إلا إذا تضمنها، تبقى أمرا عالميا، لا خلاف عليه. وحقيقة الأمر، فإن الإعتراضات على (عالمية) حقوق الإنسان، لا تاتي عادة، إلا من جانب البلدان العربية، والإسلامية، التي هي صاحبة أسوأ سجل في حقوق الإنسان!
من الحقوق الأساسية التي لا خلاف عليها، (عالميا) حرية الإعتقاد، وحق التعبير عن الرأي، والدعوة للمعتقد، وحق التنظيم، وحق اختيار الحاكم، وحق عزله. قال أبو العلاء المعري، قبل قرون، وقرون:
مُلَّ المقام، فكم أعاشر أمةًً، أمرت بغير صلاحها، أمراؤها ظلموا الرعيةَ، واستباحوا كيدَها، وعدوا مصالحَها، وهم أجراؤها
فضرورة أن يكون للناس الحق، في انتخاب من يلي أمورهم، وحقهم في عزله، متى ما حاد عن خدمة مصالحهم، ليست مسألة غربية بحتة. كما أن حرية الضمير، والمعتقد، أمور كفلها القرآن أصلا، ولم يتركها لأهواء القابضين، على أزمَّة السلطة، والثروة. فقد جاء في القرآن الكريم: ((فذكر إنما انت مذكر، لست عليهم بمسيطر)). وجاء أيضا: ((لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد، من الغي)). وقبل هذا وذاك فالبداهة تقول، ليس من حق كائن من كان، أن يدعي أن الله قد منحه، تخويلاً بأن يقرر في صحة وبطلان عقائد الناس، إلى الحد الذي يمكنه به إهدار دمهم، وتجويز قتلهم. نعم، لم يجري تطبيق عملي للآيات التي سبق ذكرها، في الحيز العملي، عبر التاريخ الإسلامي. فالتاريخ الإسلامي، على سبيل المثال، قد أقر الرق، الذي وجده ممارسا، كما أمر بقتل المرتد، بل وقتل تارك الصلاة. غير أن التاريخ الإسلامي، مشابه لتاريخ بقية الأديان الأخرى، على ظهر الكوكب. فالغرب المسيحي، لم يعرف كفالة الحقوق، إلا قبل قرنين، أو ثلاثة، فقط، كما تقدم. غير أن الغرب، تجاوز تلك المرحلة. وبقينا نحن فيها. وأسوأ من ذلك، أننا بدل أن نفهم الإطار التاريخي للحقوق، ونفهم من ثم ضرورة التطوير، أصبحنا ندافع عن قيم القرون الوسطى، وما قبلها.
من أميز ما جاء به الأستاذ محمود محمد طه، هو التفريق بين أصول القرآن، التي تكفل الحقوق الأساسية، ولكن لم يتم تطبيقها في الماضي، وبين فروع القرآن التي لم تكفل كل الحقوق، وتم تطبيقها في الماضي كمرحلة إعداد نحو الأصول. ودعوة الأستاذ محمود، التي سوف لن يجد المسلمون منصرفا عنها، فيما أرى، إنما تؤكد على ضرورة نسخ الفروع، التي كانت محكمة منذ القرن السابع، وإحكام الأصول التي كانت منسوخة منذ القرن السابع.
وقد يحاجج هنا بعض المغالين من دعاة العلمانية، بأن فكر الأستاذ محمود، فكر جيد، في حالة أنه لا خيار لنا، إلا في إقامة دولة دينية. غير أن الدولة الدينية، مرفوضة، من الأساس، لدى العلمانيين. ومشكلة هذا الإعتراض، تكمن في كونه اعتراض صفوي محض. فهو اعتراض يفترض أن الجماهير، مؤمنة بإشكاليات الدولة الدينية، تماما كما تؤمن بها الصفوة، ذات التوجه الغربي. وظن الصفوة والنخب السياسية التي تستلهم النموذج الغربي، ظن لا سند له في الواقع العملي. وقد أثبتت التجربة العملية، التفاؤل، غير المؤسس، لدعاة هذا النهج. فالدين ظل وسوف يبقى عاملا شديد التاثير في مجريات الأمور، وفي تشكيل رؤى الناس. ولا بد من تاسيس اتجاهات التحديث من داخله، لا من خارجه. وهذا ما وقف له الأستاذ محمود عمره، ولم تستجب له عبر أربعين عاما سوى قلة قليلة من المتعلمين. ولعل الوقت قد أزف، ليدرك المثقفون، نفاذ رؤية هذا المفكر العظيم.
الإتجاه للتحديث، من غير التاسيس له من مصادر ثقافتنا، يفقد حركة التحديث كثيرا من حجيتها، وشرعيتها، في نظر الجماهير. ومن ثم يصبح التحرك في وجهة التحديث، مثار شك لدى الجماهير العريضة. وفي الناحية الأخرى، فإنه ولو بقي الناس على قديمهم، فيما يتعلق بالمفاهيم الدينية، وظلوا يلوكون ذلك القديم البالي، ويعيدون تدويره، فإن فرص الرقي، والتمدن، والإنسجام مع المحيط الكوكبي المشرئب، كل صبح جديد، إلى التقارب، والتشابك، سوف تصبح ضعيفة جدأ. هذا إن لم نقل باحتمال أن نرتد إلى أوضاع أسوأ من أوضاعنا الراهنة، من حيث الإنغلاق، والعزلة. ومن يقرأ ما جرى لنا في العقود الثلاث الأخيرة، لابد أن يلحظ مستوى تراجع الفهوم، وتراجع الممارسة عن مكتسبات التحديث، في كثير من بقاع منطقة الشرق الأوسط. وحادثة إعدام الأستاذ محمود، نفسها، لأبلغ دليل على هذا التراجع المخيف.
(نواصل) (عدل بواسطة Dr.Elnour Hamad on 01-11-2004, 05:24 AM)
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الأستاذ محمود محمد طه: الذكرى 19 (Re: Dr.Elnour Hamad)
|
شكرا لك يا دكتور النور، وهل يقرأ الذين يكفرون الناس مثل هذا الطرح؟ وهل تتحمل عقولهم الصغيرة مثل هذا المنطق الواضح والناصع؟ وهل؟ وهل؟ وهل؟ وهل يتذكر الناس اليوم قضاة الحلاج؟ والمهلاوي وحاج نور إننا نتذكر ونحتفل بمن وهبوا حياتهم دفاعا عن حقنا في أن نفكر في حرية كاملة بعيدا عن كل قهر سياسي أو ثقافي أو ديني أو اجتماعي أو اقتصادي. ولتكن الذكرى 19 لإعدام الشهيد محمود محمد طه يوما نحتفل فيه بجميع المناضلين في سبيل الحريات الديمقراطية والسلام
جمال الدين بلال
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الأستاذ محمود محمد طه: الذكرى 19 (Re: Dr.Elnour Hamad)
|
الدكتور النور حمد دعنا نقترح على الاستاذ بكري ابوبكر ان يكون يوم اعدام الاستاذ محمود محمد طه يوما للاحتفاء بذكراه العطرة والاحتفاء ايضا بالفكر والمفكرين وحرية التفكير ومعارضتنا للتكفير
اما ما قلته بخصوص علاقة التحديث بالدين فاتفق معك على الفكرة الاساسية وهي ضرورة وجود مرحلة اصلاحية في الدين كما حدث في التجربة الاوروبية التي اسماها ماكس فيبر بروح الراسمالية اي البروتستانتية
لقد حاول الاستاذ محمود ان يخلق هذا التجسير بين الحداثة والدين الاسلامي , لكن.......
المهم ارجو ان يستمر حوارنا
وبوستي المرفوع الان حول التحجب والبوستات السابقة له تدور حول محور اساس الا وهو العولمة والتحديث في عالمنا الثالث وعلى الاخص في منطقتنا العربية الاسلامية ودمت المشاء
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الأستاذ محمود محمد طه: الذكرى 19 (Re: Dr.Elnour Hamad)
|
لهم/ ن المجد اللذين / اللواتي اطلقوا / ن ارواحهم / ن بالونات ملونة في سماء الحرية
يا دكتور المرة دي الاحتفال لازم ينزل بالصوت هنا في البورد السنة الفاتت تابعنامعاك التجهيزات و روحنا اتشحتف
سلام للأهل طرفكم فرداً فرداً
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الأستاذ محمود محمد طه: الذكرى 19 (Re: Dr.Elnour Hamad)
|
دكتور النور شكرا لهذا المقال الذي اوضح لنا كم تكون البربرية والهمجية التي ينادي بها هؤلاء المتاسلمون في وأد حرية المفكرين وقتلهم بدعوى الدفاع عن الاسلام وهم اناس دوما يجعلوننا نردد مقولة الاستاذ الطيب صالح : من اين اتى هؤلاء ، هل ولدتهم امهاتهم؟
التقدير للشهيد الاستاذ محمد محمد طه في ذكراه ، ويستحق هذا المفكر ان يكتب عنه الكثير والكثير لكل الاجيال التي عاصرته والتي لم يسنح لها الزمن ان تلتقيه وتعاصره
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الأستاذ محمود محمد طه: الذكرى 19 (Re: Dr.Elnour Hamad)
|
ميسون، شابة سودانية، عمرها حوالي 23 عام، جامعية، لم تسمع بالأستاذ محمود إلا بعد أن وصلت لسن الثامنة عشر.. مشاركة في منبر موقع الفكرة الحر.. وقد كتبت مساهمات جادة حول ذكرى الأستاذ محمود.. أرجو أن تكون إضافة لهذا البوست المتميز من أخينا الدكتور النور.. http://www.alfikra.org/forum/viewtopic.php?t=164
وكنت قد اقترحت عليه وعلى بعض المهتمين بهذه الذكرى تسجيل أحاديث في مثل اتجاه مقاله أعلاه، أعد بأن أقوم ببثها من خلال غرفة "منبر الفكر الحر" في البالتوك.. ولدي محاضرة مسجلة للدكتور عبد الله النعيم، قدمها في مركز عبد الكريم ميرغني يوم 21 ديسمبر الماضي، سأقوم ببثها في أسبوع الذكرى هذا، وأرجو من المهتمين أن يراقبوا الإعلانات في منبر موقع الفكرة، وأن يتذكروا بأن إسم الغرفة هو Minbar alfikra Alhurr في مجموعة الشرق الأوسط موضوع المحاضرة هو "الحقوق الأساسية والدستور" وسأحاول مع آخرين نقل احتفال ناس مدينة آيوا بالصوت في نفس هذا الأسبوع الذي يبدأ بيوم الجمعة القادمة..
وشكرا
ياسر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الأستاذ محمود محمد طه: الذكرى 19 (Re: elsharief)
|
اواه ليت قومي يفقهون تامر سفهاء القوم عليه فقتلوه مات الرجل الصنديد ولكن فكره لن يمت . شكرااستاذ النورحمد وليكن هذااليوم تخليدا لذكري مفكر اسلامي اراد بهذا الدين خيرا ولانسانه الحريه والارتقاء
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الأستاذ محمود محمد طه: الذكرى 19 (Re: Yasir Elsharif)
|
يا سلام ولكل المشاركين عميق الود والسلام اريد ان اتحدث عن هذا الرجل بكل ماحمله في جوفه ورحل وبكل ماتركه فينا من أثر علمنا الكثير ولا زال طيب الله قبره وجعل البركة في ابناه ممن حملوا هذا الضوء بعده شكراً لك يا دكتور النور حمد على هذه المداخلة السرة ونحن هنا في القاهرة وبالتعاون مع مركز القاهرة لدراسة حقوق الانسان سوف نقيم يوماً للاستاذ محمود الراحل المقيم وكذلك سوف نقيم ورشه عمل وسوف احاول ان انسق معكم كما يجب حتى يكون هذا اليوم كما يليق بهذا الرجل المفكر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الأستاذ محمود محمد طه: الذكرى 19 (Re: Dr.Elnour Hamad)
|
دكتور النور الاستاذ محمود محمد طه مفكر ورجل له بصمات فى الحياة السودانية ان الاختلاف او التوافق معه يعتبر امرا اخر لكن دلوه ولكن يجب علينا ان نعطيه مساحات كثل اى نابغة سودانى حتى نوثق له حياته التى عاشها على هذه الدنيا فعبركم نقرأ للرجل ونغوص فى اعماقه حتى يعلم العديد من الاجيال المتوالية بعده من هو محمود محمد طه وكيف كان الرجل قوى فى افكاره التى يؤمن بها ويكفيه فخرا انه وقف امام الطاغية النميرى وقال لا بالرغم من علمه بالتفاف حبل الشنقة حول عنقه بسببها. وكما يقولون الرجال مواقف ورحل عن هذه الدنيا متمسكا بافكاره له الرحمه والمقفرة وادعوا ادارة المنبر بجعل اليوم الثامن عشر من يناير احتفاءا به فى البورد ولك تحياتى
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الأستاذ محمود محمد طه: الذكرى 19 (Re: Dr.Elnour Hamad)
|
تـأملات حول إطلاق سراح دگـتور الـترابي د.محمد سعيد القدال من اقوال الشهيد محمود محمدطه الشهيرة: «الحرية لنا ولسوانا». طافت بذهني هذه المقولة بعد اطلاق سراح الدكتور الترابي، والتصريحات التي اخذ يدلي بها عن الحرية للجميع وعن الديمقراطية. وهذا امر جديد في موقف الترابي، ولعله يمثل بشرى لبداية عودة الوعي. ان ما قاله الاستاذ محمود لا يمثل موقفا تكتيكيا ليتلاءم به مع مقتضى الحال، بل هو موقف ظل الرجل متشبثا به، ومرابطا عنده حتى اعدم. وما كان اسهل عليه ان يتراجع ليتجنب مواجهة رهبة الموت. ولكن كانت اقدامه راسخة في ارض الثبات على المبدأ. وقد احسن منصور خالد الاستشهاد بقصيدة لأبي تمام عندما رثى محمود ومطلعها: لقد كان فوت الموت سهلا فرده اليه الحفاظ المر والخلق الوعر وربما نتفق او نختلف مع محمود، ولكننا لا نملك الا ان نحترم التجانس بين سلوكه الشخصي ومواقفه العملية وافكاره. وهي مواقف يقل فيها التناقض. وقد عبر هو عن ذلك قائلاً: «ان الاسلام ليس ثوبا يلبس عند مقام الوعظ ويخلع على الرف اذا اقتضى الامر الحديث عنه امر مدني، وانما هو صبغة فكرية لا تنفصل عمن انصبغ بها ابد الدهر». فماذا قال الترابي عن محمود بعد اعدامه. اولا نشير الى ان المحكمة العليا اصدرت قرارا في 18/11/1986م، ببطلان حكم الاعدام الذي صدر في حق محمود. ولكن بعد مضي عام ونصف على صدور ذلك القرار، قال الترابي لجريدة الوطن: « لا استشعر أي حسرة على مقتل محمود.. ان ردته اكبر من كل انواع الردة التي عرفناها في الملل والنحل السابقة.. وعندما طبق نميري الشريعة تصدى لمعارضته لانه رأي رجلا دينيا يريد ان يقوم بنبوة غير نبوته هو، وأكلته الغيرة فسفر بمعارضته.. ولقي مصرعه غير مأسوف عليه» (جريدة الوطن، 30/4/1988م). ويبعث تصريح الترابي على الدهشة ، بل الكثير من الدهشة. فهو اولا يختصر وقفة محمود الشامخة امام حبل المشنقة وهو ثابت الجنان بأنها بسبب الغيرة. وهذا تبسيط لا يخلو من سطحية، بل يمكن ان نقول ما هو اكثر من ذلك. ثانياً يصف نميري بانه رجل دين، بينما هو احد تجار الدين، ثالثا، ان التصريح يناطح قرار المحكمة العليا. وكيف نقيم حكما ديمقراطيا دون مؤسسات تحافظ عليه، والمحكمة العليا من اهم تلك المؤسسات؟. أليس من حقنا ان نرتاب في تصريحات الترابي عن الحرية للجميع والديمقراطية؟ وكان الترابي قد صادم قرارا آخر للمحكمة العليا الخاص بحل الحزب الشيوعي عام 1965م، ولو وقف الترابي مع قرار حل الحزب الشيوعي مع من وقف من السياسيين في تلك الايام الكالحة، لقلنا لعله قد انجرف وراء رياح التيه التي عصفت بالحياة السياسية. ولكنه نشر كتابا بعنوان «اضواء على المشكلة الدستورية: بحث قانوني مبسط حول مشروعية حل الحزب الشيوعي». وصدر الكتاب في يناير 1967م، اي بعد مضي شهر على قرار المحكمة العليا بعدم دستورية حل الحزب الشيوعي. ويقوم الكتاب على فكرة بائسة. واثار ردود فعل عنيفة، كان اكثرها حدة ما قاله محمود محمد طه في كتاب نشره في الرد عليه. قال: «ان الكتاب من حيث هو فلا قيمة له ولا خطر، لانه متهافت، ولانه سطحي، ولانه ينضح بالغرض ويتسم بقلة الذكاء الفطري.. ولا نعتقد ان الدكتور الترابي ذهب في كتابه الغريب بفعل الرغبة او الرهبة، بقدرما ذهب بفعل ضحالة الثقافة وسطحية التفكير». ويثير كتاب الترابي بعض الاسئلة. هل نصب الترابي من نفسه محكمة فوق المحكمة العليا؟ وهل اصبحت في البلاد محكمتان، احداهما حكومية والاخرى خاصة بالدكتور الترابي؟ ولماذا لم يعترض على عرض القضية على المحكمة منذ البداية، وظل صامتا لمدى عام؟. واذا اعترض الترابي على احكام المحكمة العليا مرتين، فكيف يمكن ان تتحقق الحرية للجميع وكيف تتم ممارسة الديمقراطية؟ والاسئلة تترى. وفي استعراضنا لموقف الدكتور الترابي، نحتاج لوقفة عند علاقته بنميري. عندما قبل بالمصالحة مع من قبل من الاحزاب، لم يكتف بالصمت عند ذلك الموقف مع الذين صمتوا، بل ادلى بالعديد من التصريحات عن نميري ونظامه. فقال بعد اول لقاء مع نميري انه يشيد بالصدق الذي ساد اللقاء، واتاح له اللقاء ان يلمس مجددا حرص الرئيس على بناء المجتمع الموحد الفاضل، وتأسيس كيانه القانوني. وافاض في حديث آخر في الاشادة بنميري فقال: «ان التزام نميري تجاه امته جاء مسامحا وسخيا عكس الظنون التي توهمت انه سيلجأ للبطش بحكم ثقافته العسكرية.. ومهما كان من سياسات اتخذها ازاء الطائفية، فقد انكسرت اليوم شوكتها، وتهيأت حركة سياسية حديثة نحو الاسلام، مبرأة من الجمود والقيود، وتتجه نحو المستقبل.. ان اتساع الفراغ السياسي بالتمزق قد ملأته ثورة مايو حتى وصلت الى شموخها الحالي». واشار في حديث آخر الى ان «مبادرة الرئيس القائد لدعم الوحدة الوطنية خطوة شجاعة ورائدة» واكد ـ انهم لا يكادون يختلفون مع الثورة الا في قضايا فرعية، لا يفك الناس عن الاختلاف حولها». (جريدة الايام 23/12/1977م و20/3/1978م). ولا خلاف لنا حول ما قاله الترابي عن نميري، فهذا من حقه. ولكن خلافنا معه بل دهشتنا، حول ما قاله بعد سقوط نميري. فقال عام 1990م: «ان المصالحة مع النظام المايوي اثارت خلافاً حاداً في التقرير الفقهي السياسي، وذلك نظراً لطبيعة النظام غير الديمقراطية وغير الاسلامية، ولثارات الحركة من تلقائه، ظلامات في الأموال والحريات والعروض والدماء (من كتابه الحركة الاسلامية، ص 195). هذا الانقلاب الدرامي في موقف الترابي، يزيد من ريبتنا حول تصريحاته عن الديمقراطية والحرية للجميع. ثم جاءت سنوات الانقاذ. ولسنا بصدد اجراء محاكمة لما حاق بالبلاد من خراب خلال تلك السنوات العجاف ، فهذا أمر متروك للتاريخ والتاريخ لايرحم. ونكتفي ببعض المقتطفات من الكلمة التي نشرها الطيب صالح في مجلة المجلة بعد خروج الترابي من السجن . قال: « اليوم ينعم الله على الترابي نعمة اضافية، بعد ان مكن له في بلاد السودان، يشاء ان يذهب طليقاً.. وبينما هو كذلك، شاءت له ارادة الله ان يسقط فجاءة من عليائه ..وان يذوق على ايدي انصاره السابقين بعض ما ذاق الناس على يديه، لم يكن حبسه القسري في مرارة بيوت الاشباح والزنازين التي وصفها الذين دخلوها بأنها لاتسمح للجالس ان يقف، ولا الواقف ان يجلس، ولا المضطجع على جنبه الايمن ان ينقلب على جنبه الأيسر. وغير ذلك من اهوال يشيب لها الرأس. ولايشفع للدكتور الفاضل امام الله والناس ان يقول انه لم يكن يعلم، وانه ليس مسؤولاً عما حدث. ان الله يعلم والناس يعلمون ان كل تلك الاهوال قد ارتكبت، ان لم يكن بتدبيره ، فقد حدثت من دون اعتراض منه. وكان الله رحيماً حقاً حينما انتزعه من عالم الغرور والكبرياء الذي كان يحيط به ، وزج به في غياهب الجب حتى يثوب الى نفسه.. ولعله فعل. لأن بعض ما قاله إثر خروجه من السجن ان الجبهة الاسلامية بزعامته اضطرت الى احداث تغيير عسكري في البلاد قبل نحو خمسة عشر عاماً، ولكنها اتعظت من التجربة، ويعجب الانسان: هل كان لزاماً ان تدخل الجبهة في التجربة اصلاً؟ وهل كانت تحتاج الى خمسة عشر عاماً حسوماً لتتعظ من التجربة؟ كم ربح السودان في هذه الاعوام وكم خسر ؟ وكم ربح الاسلام وكم خسر ؟ وكم ربح الدكتور الترابي وكم خسر روحياً وعقليا؟.. انني بوصفي رجلاً مسلماً من غمار الناس، ارجو للدكتور كل الخير، وقد سعدت انه خرج من ضيق الحبس الى براح الحر ية، وأخذ من فوره كعهده دائماً يملأ الدنيا ويشغل الناس. ولكنني انصحه نصيحة خالصة، واقول له : «انك اليوم تواجه أصعب امتحان واجهته في حياتك. فكر جيداً ماذا تصنع امام الله والناس. أي طريق تسلك؟ وأي وجهة تتجه؟ هل تعكف على عقلك وروحك فتنجو بنفسك...؟ ام تنغمس مرة أخرى في مستنقع السلطة والحكم والتحالفات والمؤامرات»؟ ولعل الطيب صالح ليس وحده الذي انزعج للتقلبات في مواقف الترابي السياسة. فقد كتب الاستاذ محمد احمد محجوب في كتابه «الديمقراطية في الميزان » (ص190) يقول، انه يقدر عالياً قدرات الترابي القانونية، ولكنه لايثق في أسلوبه في العمل السياسي. وقال الاستاذ محمد ابراهيم نقد في الجمعية التأسيسية عام 1965م تعليقاً على ما قاله الترابي: ان تصريحات الترابي متضاربة. ومن المهم ان يواجه الانسان خصماً سياسياً له رأى واضح، اما التذبذب والتلون في المبادئ والاخلاق، « فلا أجد نفسي في حاجة للرد عليه) «محاضر الجمعية التأسيسية. فهل يمكننا ان نقول ان تصريحات الترابي عن الحرية للجميع وعن الديمقراطية هى خروج عن تراثه السياسي منذ ان اعتلى منصة النشاط السياسي، وانها تمثل بشرى بعودة الوعي بعد طول غياب؟. وهل نحتاج ان نذكر ان الانسان موقف، وهو موقف يصبح الفرد بدونه عرضة للتطويح كلما هبت رياح عاتية؟
منشور بجريدة (الصحافة) العدد 3818 بتاريخ الاحد 11 يناير 2004
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الأستاذ محمود محمد طه: الذكرى 19 (Re: Dr.Elnour Hamad)
|
الاخ النور حمد..التحيات الطيبات التحية لك و لكل الاخوة والاخوات الجمهوريات فى ذكرى حرية الفكر و الضمير , ذكرى اغتيال الشهيد الاستاذ محمود محمد طه الذى مات لكى يعلمنا ان الحرية هى القيمة الانسانية العليا و يعلمنا كيف نحترم انسانيتنا و عبوديتنا له الرحمة و المغفرة , اختلفنا معه او اتفقنا فهو يبقى علامة فارقة فى تاريخنا السياسيى و الاجتماعى و الثقافى نتمنى ان يظل الاخوة الجمهوريون قابضون على افكارهم التى يعتقدونها و يستمسكوا بالنهج القويم و لا اله الا الله التى ما استمسك بها عبد و ضل
Quote:
لا اله إلا الله
بسم الله الرحمن الرحيم
حديثنا في هذه الأمسية عن ((لا اله إلا الله)) و ((لا اله إلا الله)) هي أصل الدين – أصل الإسلام – وهي مركز القرآن .. والقرآن كله يلف حول ((لا اله إلا الله)) .. كل آيات القرآن موظفة لتجذب كل إنسان ينحرف عن التوحيد ، بالوعد أو بالوعيد لتجيبه لتحقيق التوحيد .. مركز القرآن ((لا اله إلا الله)) ولأنها أصل الدين قامت عليها كل الرسالات .. والحديث النبوي .. "خير ما جئت به ، أنا والنبيون من قبلي ، ((لا اله إلا الله))" قالها آدم ، وكل المرسلين ، إلى نبينا .. و ((لا اله إلا الله)) تظل سير الخلائق .. الأبدي .. الأزلي .. السرمدي ، إلى الله .. لا تنتهي .. الناس في الدنيا يمشوا لي الله بلا اله إلا الله .. هي سرمدية .. وهي ، في الحقيقة ، في السماء عند الله ، في إطلاقه ، نهايتها ، ولذلك فليست لها نهاية .. (لأن ما يكون نهايته في الإطلاق لا ينتهي) وبدايتها في الأرض .. ففي السماء شهد الله لنفسه بذلك .. ((شهد الله أنه لا اله إلا هو ، والملائكة ، وأولوا العلم ، قائما بالقسط ، لا اله إلا هو العزيز الحكيم ..)) وشهد الناس في الأرض بلا اله إلا الله ، وسير الناس إنما هو ترقي من الأرض إلى الله في إطلاقه .
|
" مقتطفات من كتاب لا اله الا الله"
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الأستاذ محمود محمد طه: الذكرى 19 (Re: Dr.Elnour Hamad)
|
رحم الله شهيد الفكر الذي أغتالته قوي الظلام والجمود والتخلف وأصحاب الغرض السياسي في مهزلة ما سميت بمحكمة الردة والتي جسدت وعصرنت محاكم القرون الوسطي أو بالاحري أرجعتنا للعصور الوسطي التحية والتجلة لشهيدالفكر في ذكري أستشهاده ومعا لاجتثاث الافكارالظلامية ومعا لتأسيس الدولة المدنية ودستور المواطنة وتكريس قيم التعائش السلمي والتسامح والاستنارةالدينية وأستيعاب وأنفاذ قيم ومنجزات العصر والانسانية وشكرا كمال
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الأستاذ محمود محمد طه: الذكرى 19 (Re: Dr.Elnour Hamad)
|
أخي وأستاذي الحبيب النور، والأعزاء المساهمين في هذا الخيط المشرق،
أمتعتني المساهمة الأساسية، لأنها، كما أشار عبد المنعم، تحرك الساكن وتتناول الأمور من زاوية ملامسة لواقعنا الكوكبي-الفكري المعاصر. وفي تقديري، فإننا في أمس الحاجة لموضعة فكر الأستاذ محمود في الواقع الكوكبي المعاصر، بكل تجلياته الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وهذا ما قال عنه الأستاذ محمود بضرورة "إنزال الفكر للواقع." أسعدني أن حواراتنا الخاصة تقود لمثل هذا الانفكاك من أسر العقل الجمعي، إلى براحات حرية التفكير، التي تسوق إلى الموضعة الحرة، واللازمة، لتنزيل فكرنا إلى واقعنا الفكري الكوكبي المعاصر. لا شك عندي بأن هذا لن يتم إلا بالثورة على الساكن، كل الساكن، بما في ذلك تقوقع مجتمعنا الجمهوري نفسه، على نفسه، بصورة مؤسفة تجعل بعض أفراده يعيشون خارج أيقاعات وقتنا الحاضر.
أتابع الخيط بانتظام. وأرجو أن أساهم فيه بتوسع أكثر بعد احتفالاتنا بالذكرى التاسعة عشرة لاستشهاد أبينا العظيم في مدينة أيوا. يسعدني أننا سنلتقي، وسنتفاكر في كل شئ، ونتساءل عن قيمة كل معنى من المعاني التي تعلمناه من النموذج الفذ الذي جسده الأستاذ محمود في اللحم والدم، تحت أعقد الظروف القطرية والإقليمية والدولية. ومن أهم هذه القيم قيمة الحرية الفردية المطلقة، التي عاشها تجسيداً، لا تنظيراً، ومقالةً فحسب. فقد كان موقفه في 18يناير 1985 انتصاراً على الخوف في أبدع صورة. فقد انتصر الأستاذ محمود في ذلك اليوم للإنسان، من حيث هو إنسان. انتصر على الخوف من الموت، وعلى الخوف من الطغيان المتهوس، وعلى الخوف من الرزق، وعلى الخوف من سيطرة المكان والزمان، بحيث عاش لحظته تلك الحاضرة بلا أدني وجل، أو أدني شك، في أن كل ما يسوقه الله خير محض في ذلك الآن، وذلك المكان. وقد تجلى ذلك الرضى المطلق، على إرادة الله المطلقة، في تسليمه المطلق، وابتسامته المشرقة الدالة علي السعة والحرية المطلقة، وهو يقدم نفسه فداءً للإسلام وللسودان. هذا هو معنى الحرية الفردية المطلقة كما طرحه الأستاذ محمود في التنظير، ثم في التجسيد. وقد تقاعسنا نحن تلاميذه عن أن ندرك معنى دعوته لنا، بلسان الحال، فتقاعشنا عن أن نعيش هذه القيمة، قيمةالحرية الفردية المطلقة. (ليس بالضرورة كما عاشها هو، فإن نموذجه يتمنع تكراره، لأنه مرتبط بتحقيقه هو لقامة فذة، فردية، سامقة، ولأنه عاش في ظرف تاريخي مغاير للظرف التاريخي الذي نعيش فيه نحن الآن.) وهنا تأتي قيمة موضعة نموذجه في واقعنا الحاضر على نحو يتمثل ذلك النموذج الفذ، وروحه المتجددة -بفضل تجسيد قيمة الحرية الفردية المطلقة، التي فيها يتمثل مطلب الإنسانية جمعاء- على ذلك النحو الفريد. لي عودة بإذن الله، بعد احتفالنا بالذكري، فإلى لقاءٍ قريب، في الحس، كما نحن دوماً ملتقون في المعنى!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الأستاذ محمود محمد طه: الذكرى 19 (Re: omdurmani)
|
شكرا أمدرماني على الطلة
وأهلا بك في دارك.
الثقافة الحية هي الثقافة التي تملك القدرة على مراجعة مسارها. في تقديري أن الأستاذ محمود محمد طه، لا يزال غير مفهوم بالقدر الكافي، ليس لدى عامة الناس، وحسب، وإنما حتى لدى المثقفين. فإضمحلال الفكر الإسلامي لقرون طويلة، ثم مجيء حقبة لإستعمار، على أثر ذلك الإضمحلال، وما أعقب ذلك من أتباع لأنماط التعليم الغربية، واستعارة طرائق الحياة الغربية، والنظر إلى الظاهرة الوجودية، بعيون غربية، ثم الفتون بأساليب العيش الغربية، كلها وقفت حاجزا، حتى الآن، بينا وبين التعرف على رأس الخيط المفضي إلى إحياء جوهر ثقافتنا، المستوعب لقيم العصر الجوهرية. المفكر العراقي، هادي العلوي، له مساهمة متميزة في هذا الصدد، رغم بعض حالات التطرف التي تكسو طرحه أحيانا. والسوري، فراس السواح، قد بدأ يقارب الظاهرة الدينية بمنظور متجاوز للنظرة العلمانية الحداثوية التبسيطية، والنظرة السلفية الراكدة. وقد سبق هؤلاء ادونيس، رغما عن أن الشعر والأدب أظهر في حالته، من الفكر.
نعم، أوافقك تماما. سيأتي وقت قريب، يعيد فيه المتدينيون، والعلمانيون، في بلادنا، سواء، بسواء، النظر في فكر الأستاذ محمود محمد طه. وسيتم تقدير إسهامه على نحو فكري متعمق من جانب العلمانيين الذين يقدرونه الآن بموضعة إسهامه في إطارات التكتيكات السياسية. وبنفس القدر، سيقدره المتدينون، الذين ستتكشف لهم رويدا رويدا، صورة التدين الأصيل، في فكره، وفي مسلكه. وفشل تجربة الإنقاذ الذي اصبح الآن واقعا ملموسا، سوف يسهم في هذه الوجهة، دون شك..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الأستاذ محمود محمد طه: الذكرى 19 (Re: Raja)
|
رجاء
شكرا على المساهمة. ثقتنا في سلامة فطرة السودانيين، لا تحدها حدود. وستبقى ذكرى الأستاذ محمود حية مهما علا صوت المرجفين. هل يذكر أحدا اليوم إسم الخليفة الذي قتل في فترة حكمه الحلاج؟ هل يذكر أحد قتلة سقراط؟
النور حمد
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الأستاذ محمود محمد طه: الذكرى 19 (Re: Yasir Elsharif)
|
يا لشموخ شيخ لم يملك الا فكرة وقلما... ما أقبح خفافيش الظلام وقضاة السوء ما أروع ان تجود بنفسك قربانا لفكرك المستنير.. ما ابسل ان تحفر في الجدار كوة... لينساب النور فى الفضاء الطليق... رحماك يا شهيد الفكر... التحية لك يا صديقي النور
| |
|
|
|
|
|
|
|