"الديباجة" عبارة عن مخطوطة صغيرة كتبها الأستاذ محمود أثناء فترة اعتقاله قبل الأخير وهو اعتقال استمر زهاء التسعة عشر شهرا من غير محاكمة أو تهمة محددة توجه للأستاذ محمود أو لتلاميذه وتلميذاته الذين اعتقلوا معه .. وهي تلخص جوهر الفكرة الجمهورية وقد بدأ الأستاذ محمود في كتابتها في يوم 30 اكتوبر 1984 أي قبل 80 يوما من تنفيذ حكم الإعدام عليه .. سأنشرها هنا مبوبة .. ولكن اسمحو لي في البداية أن انقل لكم مقتطفات من وثيقة كتبها الراحل المقيم الأستاذ جلال الدين الهادي يصف فيه فترة الاعتقال هذه ويصف أيضا لحظات تنفيذ الحكم على الأستاذ محمود وما سبقها: سجن الأستاذ سجنه الأول كان عام 1946 لرفضه التوقيع لسلطات الإستعمار على التعهد بعدم إثارة الجمهور بالخطب الحماسية والمنشورات والتزام ضوابط العمل السياسى حسب ما حدد المستعمر وقد حكمت عليه المحكمة بالسجن لعام أو الغرامة خمسين جنيها ولكنه آثر السجن وأطلق سراحه بعد مرور أربعين يوما عليه بالسجن بسبب عصيانه لقوانين ولوائح السجن.. السجن الثانى كان عام 1946 لقيادته ثورة رفاعة ضد قانون الخفاض الفرعونى وضد إعتقال سلطات الإستعمار لإمرأة كانت قد خفضت بنتها.. وقد سجن لعامين –24 شهرا- وسار فى السجن سيرته الأولى فى مخالفة ومعارضة لوائح السجن وعدم القيام لضباط السجن الإنجليز.. قال لهم: [أنا أعارض حاكم عام السودان فلا يمكن أن أستجيب لموظفيه.. ومعارضتى لكم ليست لأشخاصكم، وإنما لوضعكم الإستعمارى.. وأنتم فى السجن مظهر الإستعمار..].. السجن الثالث كان لشهر واحد فى الفترة 1976-1977 وقد سجن مع الأستاذ ثمانية من الأخوان هم: سعيد، جلال، عبد اللطيف، إبراهيم يوسف، بدر الدين السيمت، عبد الرحيم الريح، جمعة حسن، ومحمود المطبعجى.. وكان السجن بسبب كتاب بعنوان: (إسمهم الوهابية وليس اسمهم أنصار السنة).. وفى هذا السجن لم يعامل الجمهوريون معاملة المعتقلين السياسيين وإنما عوملوا كمساجين عاديين إذ كانوا يفترشون الأرض ويأكلون (الجرايا) مثلهم فى ذلك مثل نزلاء الدرجة الثالثة.. وقد قال الأستاذ أن أكثر الأطعمة حلالا هو طعام السجن لأنه يأتى للسجين دون مشاورته وقد يكون على عدم رغبته.. واقترح ألا يطلب الأخوان أى مواد استهلاكية من الأخوان خارج السجن لكيلا يفوتوا فرصة اللقمة الحلال.. وقد تميز هذا السجن بأن الأخوان المعتقلين جميعهم كانوا مع الأستاذ فى مكان واحد (حجرة صالون).. وقد كان الأستاذ يكثر من توجيههم فى أمر السلوك والمعارف.. ويحثهم على توجيه الأسئلة..وقد كانت معيته فضلا من الله على الأخوان.. والجدير بالذكر أن وزير الداخلية آنذاك (مأمون عوض أبوزيد) كان قد أمر بنقل الأستاذ لمستشفى السلاح الطبى لكن الأستاذ اعتذر بأنه لم يقدم نفسه كمريض للمسئولين ولا يشكو شيئا ويفضل أن يكون مع أبنائه فى السجن.. السجن الرابع كان سجنا جماعيا للأخوان والأخوات فى الفترة من عامى 1983-1984.. وكان الأخوان الجمهوريون قد شرعوا فى معارضة الهوس الدينى الذى استشرى حيث اتخذ من منابر المساجد قاعدة ينطلق منها.. وقد تركز هذا الهجوم على النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس جهاز الأمن آنذاك اللواء عمر محمد الطيب..بسبب تواجده أثناء هجوم مكثف من إمام مسجد سلفى غير سودانى (المطيعى) ولم يحرك اللواء عمر ساكنا.. وقد كثف الأخوان نشاطهم ضد النائب الأول لرئيس الجمهورية آنذاك فى أركانهم فى كل أرجاء العاصمة المثلثة ولم تحتمل السلطات ذلك العمل فشرعت تتخطف الأخوان والأخوات دون عناء من هذه الأركان حتى امتدت يد السلطة لإعتقال الأستاذ من منزله.. ومن داخل السجن أصدر الأخوان الجمهوريون كتابا فى معارضة السلطة بعنوان: [الهوس الدينى يثير الفتنة ليصل إلى السلطة].. وقد أزعج هذا العمل السلطات كثيرا.. وقد كانت فترة هذا السجن الطويل للأخوان والأخوات فرصة طيبة للخلوة والقيام المجود ولإقامة الجلسات صباحا ومساء تناقش فيها قضايا السلوك والعرفان وكان الذكر بالإسم المفرد (الله الله الله) هو ديدن الأخوان والأخوات فى سجنهم.. وقد سجن الأستاذ قرابة العامين فى منزل بونا ملوال وكان الأستاذ من سجنه يرعى ترشيد وتسليك وتوجيه الأخوان والأخوات كما كانت تصل الأخوان والأخوات كتاباته وتوجيهاته.. وقد أعتقل مع الأستاذ فى منزل بونا ملوال المرحوم خليل عثمان رجل الأعمال المعروف الذى شعر بفضل الله عليه أن هيأ له هذه الفرصة فسمع ورأى من الأستاذ ما أعجبه وأدهشه.. وعندما تمّ تنفيذ حكم الإعدام على الأستاذ وقع الحدث على خليل وقعا مؤلما ومحزنا وقد حاول الإتصال بالنميرى من أمريكا متوعدا ومهددا ولم يعش خليل بعد الأستاذ طويلا.. أعتقلت الأخوات بتول مختار، أسماء محمود، هدى عثمان، سمية محمود بسجن أم درمان لفترة تسعة شهور وكن يجدن عناية فائقة من الأستاذ فى أن يستثمرن وجودهن فى السجن كخلوة ريثما يخرجن منها إلى الجلوة بقامات كبيرة.. صدرت قوانين سبتمبر 1983 المسماة زورا وبهتانا بالشريعة الإسلامية والجمهوريون داخل السجن.. وقد كان جليا أن النظام قد لجأ لإصدار تلك القوانين لحماية نفسه من السقوط.. وبعد صدور تلك القوانين بعام ونيف أطلق سراح الأستاذ محمود والأخوان فى ظروف غامضة لم تجد تبريرها إلا فى محاولة السلطة الإيقاع بالأستاذ والأخوان لمعرفتهم بأن الأستاذ لن يتوانى فى معارضة قوانين سبتمبر جهرة وعلانية لسوقه للسجن مرة أخرى بتهمة معارضة الشريعة ومخالفة أمر الله.. واذكر أنه قبل إعلان المعارضة لنظام نميرى ارسل الأستاذ وفدا صغيرا من الأخوين عبد الله فضل الله وخالد محمد الحسن إلى حاكم الإقليم الأوسط آنذاك السيد عبد الرحيم محمود وقد رافقهم فى تلك المقابلة الأخ سعيد شايب.. كانت وصية الأستاذ للسيد عبد الرحيم محمود وهى من منطلق صداقة السيد عبد الرحيم للجمهوريين: [نحن سنعارض نظام نميرى وسنسقطه..أنج بنفسك..أستقيل كتابة أو شفاهة.. أو غادر موقعك..].. بمجرد خروج الأستاذ والأخوان الجمهوريين من السجن فى 19/12/1984، وجه الأستاذ بكتابة منشور يطرح رأى الجمهوريين فى قوانين سبتمبر وما آلت إليه البلاد وتفاقم مشكلة الجنوب، ثم كعادة الجمهوريين، ينتهى المنشور باقتراحات عملية لحل المشكلة وقد خرج المنشور بعنوان: [هذا أو الطوفان] وقد اقترح الأستاذ بأن يقوم الأخوان القياديون بتوزيع هذا المنشور.. وقد قال أحد الأصدقاء للأستاذ معلقا: [هذا المنشور سيعيدكم ثانى للسجن] فرد عليه الأستاذ: [للسجن.. وأكثر].. بعد توزيع المنشور..أعتقل أربعة من الأخوان.. وعلى اثر ذلك خرجت جموع الأخوان والأخوات شيبا وشبابا بمن فيهم أمنا آمنة والأمهات الأخريات فى مسيرة هادرة ترفع الذكر بالإسم المفرد.. ثم تحركت السلطات لإعتقال الأستاذ من منزله.. كان ذلك بعد ثلاثة عشر يوما من خروجه من السجن الرابع.. وقد أخذ إلى نيابة أم درمان حيث استغرق التحرى مع الأستاذ الساعات الطوال تحدث فيها الأستاذ عن آرائه الدينية والسياسية والقضايا الحية التى تهم الشعب السودانى ولسوف يحتاج الشعب لحصيلة هذا التحرى يوما ما.. (...) وقدم الأستاذ والأخوان الأربعة لمحكمة أم درمان بتهمة توزيع هذا المنشور الذى وصف بأنه يناهض الشريعة الإسلامية وأضيف حكم الردة الذى أصدرته المحكمة العليا لأم درمان فى 18/11/1968.. وقد رفض الأستاذ أن يتعاون مع المحكمة.. قال ذلك فى كلمات قصيرة برر فيه هذا الرفض [أنا أعلنت رأيى مرارا فى قوانين سبتمبر..] وقد هاجم المحكمة لأنها قامت بمصادرة حرية الشعب والتنكيل بالمفكرين ولم تراع كرامة الإنسان ولا حرمته.. كان قاضى المحكمة المهلاوى صغير السن قد عمل عاما واحدا كقاض وقد عيّن ليحكم فى أخطر القضايا على الإطلاق ضد رجل وهب حياته كلها للحرية وكرامة الإنسان وعاش هذه القيم وربى عليها الأجيال ثم وقف يزود عن الإسلام والسودان من غوائل التحريف والإضرار بشعبه وأصالته.. ولم يخالج الحاضرين شك بأن الحكم على الأستاذ والأخوان كان جاهزا.. فإن الذى يقرأ المنشور الأخير يدرك أنه لا يعارض الشريعة وإنما هو يعارض تشويهها.. فكان أجدر أن يسأل الأستاذ عن ذلك التشويه.. وقد اقترح المنشور الحل السلمى لمشكلة الجنوب كما اقترح المنابر وجاءت هذه الإقتراحات من صديق مشفق على الحاكم والمحكوم.. فهل يعقل أن تكون هذه الإقتراحات المشفقة هى الجريمة النكراء التى استحق بها الأستاذ والأخوان الحكم بالإعدام شنقا حتى الموت.. بعد صدور الحكم، تقدم نقيب المحامين –الأستاذ مصطفى عبد القادر ليقوم بالدفاع وقال هذه قضية ملفقة وإجراءاتها ملفقة.. شكره الأستاذ وقال له: [أنا قلت للمحامين الجمهوريين ما يدخلوا فى القضية.. أنا لما كنت فى زنازين أم درمان فى أولاد أهلهم ما بعرفو عنهم حاجة.. شوفوا قضاياهم.. هم أولى]
انتظار الإعدام (...) بعد نهاية محكمة الموضوع وضع الأستاذ والأخوان الأربعة كل واحد منهم فى سجن انفرادى فى زنزانة وكان يسمح لهم بالخروج من الزنازين فى السادسة صباحا وفى التاسعة صباحا وفى الواحدة ظهرا لقضاء بعض الحاجات.. ويسمع البعض حديث البعض الآخر.. قال لهم الأستاذ: [حاولوا ما تعيشوا خارج أسوار السجن – عيشوا لحظتكم الحاضرة داخل السجن.. إذا ذهبتم بى هناك (يعنى الموت) انتم بخير وإذا بقيتم أنتم بخير] وكان يسمح ببعض الزيارات للأستاذ.. حدثنى أحمد محمد طه أخو الأستاذ قائلا: كنت اليوم ومعى أولادى فى زيارة للأستاذ بالسجن.. قلت ليهو: يا محمود القاضى ده ينطق بالحكم ليه ما تحصل كرامة ولا معجزة للشيء البنعرفو فيك.. رد الأستاذ: [إنت يا أحمد جمهورى؟ أولادك جمهوريين؟ أكان إنت وأولادك ما جمهوريين الفوا الوكت قبال ما ينسد الباب البرّه برّه والجوة جوة..] وزاره الشيخ المبارك الحسن.. والد محمد وفاطمة وعواطف وفتحية وغيرهن.. قال: والله لمن شفت الأستاذ اندهشت.. الأستاذ ظهر لى الأصغر سنا من الأخوان المعاهو ..كان اصغر من خالد بابكر حمزة..وقد زرته فى مجموعة من الأخوان والأخوات قلت له: قرنق قال إذا النميرى أعدم الأستاذ أنا بضرب الخرطوم.. علق الأستاذ: [ما غريبة على قرنق..] بعدها قالت له خالتنا حاجة قسيمة: يا أستاذ شفت لى رؤيا.. فتبسم الأستاذ فى وجهها واستغربت كيف تحكى حاجة قسيمة الرؤي فى هذا الظرف الحرج.. ولكن الأستاذ أجلس حاجة قسيمة على كرسى وصار ينصت بكليته لرؤياها.. وفى النهاية علق على رؤياها قائلا:[ رؤيتك دى مكملة للرؤية السابقة.. خلاص امرنا ده تمّ!!] قال له أحد الأصدقاء: يا أستاذ: إذا الإعدام تمّ ثانى شنو؟ فرد عليه الأستاذ: [فى سعيد!!]..
الخميس 17/1/1985 فى السادسة صباح ذلك اليوم خرج الأستاذ والأخوان من زنازينهم ثم جلسوا.. قال الأستاذ: [فيكم من ينشد قصيدة عوض الكريم موسى: وإذا الجبال تحولت عن أرضها* عن حبنا لله لا نتحول] أجاب تاج الدين عبد الرازق أنا بحفظ أبيات منها.. قال الأستاذ: [أنشدها].. بعد أن أنشد تاج الدين القصيدة علق الأستاذ قائلا: [أنشدتها لكن نسيت أهم بيت فيها: ولقد أتى القيوم فى أنحائنا * من منزل الأخرى فنحن المنزل].. عند التاسعة صباحا لم يحضر أحد لإخراجهم للفطور.. بعد مضى بعض الوقت قال الأستاذ للأخوان: [الجماعة ديل ما جوكم عندهم رأى لو عندكم حاجة تتقوتوا بيها ناولوا بعض..].. وفى حوالى الواحدة ظهرا جاء ضابط وأخذ الأستاذ لمكتب مدير السجن.. وهناك فى المكتب يجلس خمسة من الضباط الكبار.. وبدأ المدير يسأل الأستاذ: س: انت مصر على أقوالك؟ ج: نعم. س: عندك استئناف؟ ج: إذا أنا بستأنف ما بجى هنا س: عندك طلب استرحام؟ ج: ما فى من يطلب منه الإسترحام هنا. س: عندك وصية لأولادك؟ ج: أولادى عمرى كله معاهم.. ما عندى حاجة أقولها ليهم.. (انتهت الأسئلة.. وقد أعلن أن التنفيذ غدا الجمعة الساعة العاشرة صباحا.. سيق الأستاذ إلى زنزانة منفردة.. للإنتظار حتى صباح الغد حيث يتم التنفيذ)
الإعدام مساء الخميس 17/1/1985 جاء عسكرى إلى زنزانة الأستاذ يحمل عشاءا سندوتش فول.. وكان العسكرى يظن أن الأستاذ لن يتناول السندوتش.. لأنه من عادة المحكوم عليهم بالإعدام الصوم قبل أيام عن الأكل.. إلا القليل جدا من الماء كيلا تنزل منهم فضلات وهم على حبل المشنقة.. تناول الأستاذ السندوتش وأكله كله.. فى صباح الجمعة 18/1/1985 حضر أحد العساكر إلى الأستاذ ليأخذه إلى ساحة الإعدام.. وقد وجد العسكرى الأستاذ جالسا على مصلاية.. ولما شعر به الأستاذ سأل العسكرى: [كم الساعة الآن؟] فأجاب العسكرى: أربعة صباحا!! علق الأستاذ: [الجماعة ديل القاطع قلبهم شنو؟ أنا مواعيدى معاهم العاشرة صباحا] وذهب الأستاذ إلى ساحة الإعدام.. وبقى فى حجرة صغيرة لإنتظار تنفيذ الإعدام.. وكان طيلة هذا الوقت يتوضأ.. ويطبق الوضوء.. ثم نودى: [محمود محمد طه- العمر - الجريمة] ثم وضع على عينيه قطعة قماش وهو عند عتبات المشنقة.. وعند لحظة صعود المشنقة.. خلع نعاله الأيمن.. ونفض قدمه مما علق بها وصعد إلى المشنقة.. أحد المسئولين طلب إزاحة القطعة من على عينى الأستاذ لكيلا يقع فى بال الحاضرين شك بأنه شخص غير محمود محمد طه وعندما رفعت قطعة القماش نظر الأستاذ بإبتسامة عريضة فى وجوه الحاضرين.. قبل لحظات من الإعدام وهناك حشود كبيرة تبلغ الآلاف من السلفيين ترفع أصواتها وتنادى الله أكبر الله أكبر الله أكبر .. وقبل أن يوضع الحبل على رقبته وهو فى نهاية سلم المشنقة إنحنى يخاطب الرجل الذى يقوم بتنفيذ احكام الإعدام قائلا: [إنت حتنفذ علىّ الإعدام..أنا عافى ليك.. لأنو ده عملك.. لكن من مصلحتك أن تترك هذا العمل وتشوف ليك عمل آخر].. وتم التنفيذ وترك الأستاذ فى حبل المشنقة لفترة تصل لعشر دقائق أو تزيد.. ثم أنزل من حبل المشنقة إلى الأرض.. وكانت المفاجأة عظيمة.. الأستاذ ينزل وكأنه ينزل بإرادته.. وجسمه متماسك.. وجميع أعضائه فى وضعها العادى.. وعندما استقر على الأرض قام الطبيب المكلف بالكشف عليه.. وعند لحظة ملامسة يد الطبيب جسم الأستاذ شعر بسخانة فى الجسم فانزعج وبدأ عليه الإنزعاج.. بادره المكاشفى سائلا: شنو؟ حى؟ رد الضابط الطبيب: لا.. وحمل الأستاذ على ظهر طائرة عمودية.. وتحركت الطائرة واتجهت نحو الجنوب ثم الغرب ثم الشمال.. إلى أين؟؟ بعد وقت إلتقى بنا شخص من أهل الأخ الدكتور عبد الله أحمد النعيم قال أنه يعرف ضابطا كان فى الطائرة التى حملت الأستاذ ويمكن أن يدل على مكان دفنه.. قلنا له نحن ما عندنا فكرة نبحث عن قبره.. لأننا نعلم أن الأستاذ فى وصيته قال: [لا توضع إشارة على قبرى]!! وقد كنت قد عثرت على ورقة فى وسط كتاب كنت أتصفحه.. يظهر على الورقة القدم.. كنت بمنزل الأستاذ بكوستى فى إحدى زياراتى له.. تقول الوصية: [إذا مت.. زوجتى آمنة محمد عبدالله لطفى، خليفتى فى أبنائى.. من بعد الله.. لا أغسل.. ولا يكشف عن جسدى.. وأكفن فى ملابسى القديمة وتوبى القديم.. ولا يصلى علىّ، ولا توضع على قبرى إشارة أو علامة] ثم ذكر بعض الديون عليه مثل قيمة جوال فحم وخلافه ثم بعض الأموال احتفظ بها أحد أقاربه لديه.. هذا هو جوهر الوصية إذا أسعفتنى الذاكرة..
وهذه هي الوصية التي أشار اليها الأستاذ جلال الدين عليه السلام والرضوان
والآن الى "الديباجة" ..
(عدل بواسطة Omer Abdalla on 03-14-2007, 12:08 PM) (عدل بواسطة Omer Abdalla on 03-14-2007, 12:21 PM)
03-13-2007, 10:35 PM
عبدالله عثمان
عبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192
منتطرين - تعرف يا عمر لاحظت حتى الإسلاميين أصبحوا يتقبون فى تراث الأستاذ محمود ===========
أ.د. حسن مكي محمد أحمد
التيارات الفكرية الإسلامية في السودان : 1-2
للأصول المائزة وأوجه التقارب
لم تصل درجة الاستقطاب الهائل إلا في إطار الثورة المهدية.
مشروع السودان الحديث ومكونات الثقافة في السودان:
واستيقظت تيارات العقل الصوفي والعقل الإسلامي التقليدي على محركات العقل الحداثي وليد تجربة الحكم الثنائي ومافيه من مدارس وكليات ومشاريع ، وقام هذا العقل الحداثي على المعرفة المستمدة من الخبرة والتجربة المستمدة من الحواس والعقل وعلى مناهج الشك كما هو في العقل الديكارتي ، كما برزت معه مدارس الشيوعية والاشتراكية والمادية والوجودية والراسمالية والقومية ، واختلط ذلك الخطاب، حتي أن شخصاً كالوزير المرحوم أحمد خير ، الذي عرف بتدينه في آخر ايامه ، ذكر في كتابه كفاح جيل بأنهم أرادوها علمانية متحررة ، كما أن الشيخ على عبدالرحمن في أواخر ايامه كتب كتابه الإسلام ديمقراطي اشتراكي ، كما أن القاضي الشرعي الرشيد نائل ، لم يك يري ثمة تناقض مابين الماركسية والإسلام ، كما أن المهندس محمود محمد طه ابتدع رؤية جديدة في الفكر الديني تري أن نموذج الدولة العلمانية أقرب لروح الإسلام من نموذج الدولة على الشريعة الإسلامية
الديباجة بسم الله الرحمن الرحيم ((اليوم أكملت لكم دينكم ، وأتممت عليكم نعمتي ، ورضيت لكم الإسلام دينا)) صدق الله العظيم
الثلاثاء 30 أكتوبر 1984م "1"
كلمة "الديمقراطية" كلمة يونانية و هي كلمة يدل بها علي: حكم الشعب بواسطة الشعب، لمصلحة الشعب .. و لقد تطور مدلول هذه الكلمة بتطور مدلول كلمة الشعب .. فان كلمة الشعب كانت تضيق ، علي عهد اليونان ، فلا تشمل النساء ، و لا العبيد .. ثم اخذ معناها يتسع ، علي مر الزمان ، بفضل الله ، ثم بفضل يقظة المستضعفين في الأرض ، حتى اصبح ، في آخر القرن الماضي ، يشمل المواطنين جميعا من الرجال البالغـين سن الرشد .. ثــم تداعـي التطور بكلمة الشعب هذه حتى أصبـح، في القـرن الحاضـر، عند البــلاد التي تــمارس الديمقراطية، يعني كل المواطنين، من رجال، ونساء منذ يبلغون سن الرشد ..
03-14-2007, 05:20 PM
عبدالله عثمان
عبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192
مقتطفات ترجمها الأستاذ محمود، من خطبة بركليس في تصوير ديمقراطية أثينا، في كتاب الرسالة الثانية:
"إنما تسمى حكومتنا ديمقراطية لأنها في أيدي الكثرة دون القلة وإن قوانيننا لتكفل المساواة في العدالة للجميع، في منازعاتهم الخاصة، كما أن الرأي العام عندنا يرحب بالموهبة ويكرمها في كل عمل يتحقق، لا لأي سبب طائفي، ولكن على أسس من التفوق فحسب، ثم إننا نتيح فرصة مطلقة للجميع في حياتنا العامة، فنحن نعمل بالروح ذاتها في علاقاتنا اليومية فيما بيننا. ولا يوغرنا ضد جارنا أن يفعل ما يحلو له ولا نوجه إليه نظرات محنقة، قد لا تضر، ولكنها غير مستحبة. " ========
Pericles' Funeral Oration (after 490 BCE) from Thucydides, The Peloponnesian War translated by: (Benjamin Jowett (1881 Our government does not copy our neighbors', but is an example to them. It is true that we are called a democracy, for the administration is in the hands of the many (1) and not of the few. But while there exists equal justice to all and alike in their private disputes, the claim of excellence is also recognized; and when a citizen is in any way distinguished, he is preferred to the public service, not as a matter of privilege, but as the reward of merit.
03-17-2007, 05:50 AM
عبدالله عثمان
عبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192
ولما كان حكم الشعب ، بواسطة الشعب ، من الناحية العملية، مستحيلا، فقد جاء الحكم النيابي، ونشأت الأحزاب السياسية .. و في الحكم النيابي قلة قليلة جدا هي التي تباشر، نيابة عن الشعب، السلطة التشريعيـة، والسلطة القضائية، والسلطة التنفيذية.. والمفترض أن الشعب يراقب هذه القلة حتى يطمئن إلى أنها، إنما تدير دولاب السلطة لمصلحته هو، لا لمصلحتها هي .. و هذا يقتضي وعي الشعب، و يقتضي وعي القلة التي تباشر السلطة أيضا.. وليس هناك شعب من الشعــوب، إلى وقتنا الحاضر، استطاع أن يكون في مستوي الوعي الذي يمكنـه من مراقـبة أداء من يتولـون، نيابة عنه، إدارة مرافقه بصورة تقرب، و لو من بعيد من مستوي الحكم الديمقراطي بمعني هذه الكلمة.. و ليست هناك، إلى وقتنا الحاضر، قلــة، في شعب من شعوب الأرض، استطاعت أن ترتفع فوق مطامعها، و أنانيتها، و جهلـها، لتحكم شعبهـا حكمـا ديمقراطيـا صحيحا.. فالقلة إنما تحكم الشعب لمصلحتها هي، لا لمصلحته هو.. و يصدق في كل قلـــة حاكمــة اليوم ما قاله أبو العلاء المعري منذ وقت طويل:
مُـلّ المقـامُ ، فكم أعاشر أمـة أمرت بغير صلاحــها، أمراؤهـا ظلموا الرعية و استباحوا كيدها و عَدوْا مصالحها، و هم أجـراؤها
03-14-2007, 09:40 PM
Omer Abdalla
Omer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-02-2003
مجموع المشاركات: 3083
أما نحن السودانيين فقد بلونا أسوأ ألوان الحكم النيابي، في محاولتنـا الأولي، في بدء الحكــم الوطني، و في محاولتنـا الثانيــة، بعـد ثورة أكتوبر 1964.. فقد كانت أحزابنا السياسية طائفية الولاء، طائفيـة الممارسـة، فهي لم تكن تملك مذهبيــة في الـحكم .. و الطائفية نقيض الديمقراطية .. ففي حين تقوم الديمقراطية علي توسيـع وعي المواطنين، تقوم الطائفية علي تجميد وعيهم .. و في حين أن الديمقـراطية في خدمة مصلحة الشعب، فان الطائفية في خدمة مصلحتها، هي، ضد مصلحـة الشعب .. و من ههنا جاء فساد الحكم النيابي الأول عندنا .. فكانت أصوات الناخبين توجه بالإشارة من زعيم الطائفة، كما كانت تشتري!! و كـان النـواب يشترون أيضا!! وذلك في جـو مـن الصـراع الحزبي الطاحن علي السلطة أدي إلي تهديد سيادة البلاد واستقلالها .. فقد كانت الحكومة ائتلافية بين حزب الأمة، و حزب الشعب - حزبـي الطائفتين ذواتي الخصومة التقليدية، طائفة الأنصار، و طائفة الختمية .. ودخلت البلاد في أزمة سياسية من جراء عدم الانسجام في الوزارة، وبروز الاتجاه للالتقاء بين الحزب الوطني الاتحادي، الذي كان في المعارضة، وحزب الشعب، عن طريق وساطة مصر .. فسافر رئيسا الحزبين، السيد إسماعيل الأزهري، والسيد علي عبد الرحمن، إلي مصر، لهذا الغرض .. و لقد نسب لرئيس الوطني الاتحادي تصريح ، بمصر، يعترف فيه باتفاقية 1929، التي كانت حكومة السودان الشرعية قــد ألغتها .. (وهي الاتفاقية التي أُبرمت في الماضي بين دولتي الحكم الثنائي، بريطانيا، و مصر، بينما كان السودان غائبا، تحت الاستعمار، فأعطت السودان نصيبا مجحفا من مياه النيل، بالنسبة لنصيب مصر..) و كان ذلك الاعتراف بالاتفاقية بمثابة مساومة مع مصر لتعين الحزب علي العودة للحكم. كما صرح رئيس حزب الشعب، بمصر، بأن حزبه يقف في المعارضة!! (أنباء السودان 15/11/1958، الرأي العام 9/11/1958) .. في هــذا الجو السيـاسي الذي يهدد استقـلال البلاد، و سيادتـها، بالتدخـل الأجنبي، سلم السيد عبد الله خليل رئيس الـوزراء، الحكــم للجيش.. (أقوال الفريق عبود في التحقيق الجنائي حـول الانقــلاب بعد ثورة أكتوبر 1964، ((التجـربة الديمقراطية، وتطور الحكم في السودان)) للدكتور إبراهيم محمد حاج) .. فكان انقلاب 17 نوفمبر 58 بمثابة إنقاذ للبلاد.. وحكم الحكم العسكـري ست سنوات، صادر فيها الحريات الديمقراطية .. و برغم انه حقق شيئا من التنمية الاقتصادية، إلا انه آل إلى صور من العجز عن الإصلاح، وفي الفساد، أدت إلى قيام ثورة 21 أكتوبر 1964 .. و لقد تمثل في تلـــك الثــورة الشعبيـة، السلمية، إجماع الشعب السوداني الكامل علي الرغبة في التغيير، وإن لم يكن يملك المعرفة بطريقة التغيير.. فتخطي الشعب الولاءات الطائفية، وهو ينادي بعدم العودة لماضي الحزبية الطائفية.. و لكـن سرعان ما أجهضت الأحزاب الطائفية تـلك الثورة، و صفـــت مكتسباتها .. فقــد ضغطت، بالإرهـاب السياسي، علي رئيس حكومة أكتوبر الثورية حتى استقال، و شكل حكومة حزبيـة برئاستـه .. ثم عادت الأحزاب الطائفية للسلطة، عن طريق الأغلبية الميكانيكيـة الطائفيـة فـي الانتخابات .. وقامت حكومة ائتلافية من حزب الأمة والوطني الاتحادي.. و تعرضت الديمقراطية في هذه التجربة النيابية الثانية! لأسـوأ صـــور المسـخ، عــلاوة علــي المسـخ الذي تعرضت له الديمقراطيـة من جراء فسـاد القلة، ومـن جراء قصــور وعـي الشعب .. فقد عُدل الدستور مرتين للتمكين للحكم الطائفي في الاستمرار: مرة ليتمكن أزهري من أن يكون رئيسا دائما لمجلس السيادة، في إطار الاتفاق بين الحزبين علي اقتسام السلطة .. و مرة أخري لحل الحزب الشيوعي، و طرد نوابه من الجمعية التأسيسية.. فقد عدلت الجمعية التأسيسية المادة 5/2 من الدستور، و التي تعد بمثابة روح الدستور.. و هي المادة التي تنص علي الحقوق الأساسية، كحق التعبير، وحق التنظيم.. و لما حكمت المحكمة العليـا بعدم دستورية ذلك التعديــل (مجلة الأحكام القضائية 1968) أعلن رئيس الوزراء آنذاك، السيد الصادق المهدي، ((أن الحكومة غير ملزمـة بأن تأخذ بالحـكم القضائـي الـخاص بالقضيــة الدستورية)). (الرأي العام 13/7/1966).. ليتعرض القضاء السوداني بذلك لصـورة مـن التحقيـر لم يتعـرض لـها في تاريخه قط!! و لما رفعت الهيئة القضائية مذكرة إلى مجلس السيادة تطلب فيها تصحيح الوضع بما يعيد للهيئة مكانتها (الرأي العام 27/12/1966) وصف مجلـس السيادة حكم المحكمة العليا بالخطأ القانوني (الأيام 20/4/1967) فاستقال رئيس القضاء السيد بابكر عوض الله، و قد جاء في الاستقالة: ((إنني لم أشهد في كل حياتي القضائية اتجاها نحو التحقير من شأن القضاء، و النيل من استقلاله كما أري اليوم.. إنني أعلم بكل أسف تلـك الاتجاهات الخطـيرة عنـد قــادة الحكم اليـوم، لا للحـد مـن سلطـات القضـاء في الدستـور فحسب، بل لوضعـه تحت إشـراف الهيئة التنفيذية)) الكتاب المشار إليه آنفا.. هذه صورة لفشل التجربة الديمقراطية النيابية في بلادنا، مما حولها إلى دكتاتورية مدنية، فهدد الاستقرار السياسي، حتى جاءت ثورة مايو بمثابة إنقاذ للبلاد!! إن قصور تجربتنا الديمقراطية مرده الأساسي إلى قصور الوعي- وعي الشعب، ووعي القلة التي تحكم الشعب، مما أفرغ مدلول كلمة الديمقراطية من محتواها - هذا وفشل الديمقراطية في ظل البلاد المتخلفة أدي إلي الانقلابات العسكرية، في كل مكان، في النصف الأخير من هذا القرن و ليس في الانقلابات العسكرية حل..
الموقف السياسى الراهن يتطلّب حكمة السلطة ووعى الشعب
الطبعة الثانية رمضان 1399 أغسطس 1979
= == == == == == على الشعب ان يحمى هذه السلطة: ان هذه السلطة، فى جوهرها، وفى ايجابياتها، لا يعدلها اى نظام حكم سابق، ولا نظام حكم لاحق، يقوم على الطائفية، او يقوم على الشيوعية .. ولذلك فان على شعبنا، وفى طليعته العلما، والمثقفون، ان يعى هذه الحقيقة.. فانهم ان فرّطوا فى هذا النظام فسيخلون الطريق لحكم الطائفية، لا محالة، وسيفقدون كل مكتسباتهم فى الحرية، وفى فرص الرخاء، والتقدّم.. وسيجدون أنفسهم فى سجن كبير، تحصى فيه أنفاسهم، وتخنق افكارهم، بل وتزهق أرواحهم، باسم الدين الذى تدّعيه الطائفية، ويدّعيه الأخوان المسلمون، وهو منهما براء..
الأخ أحمد خليل أطيب تحية وأزكى سلام لقد كان مجيء مايو بالفعل انقاذ للبلاد من دولة الهوس الديني التي حاولت جبهة الميثاق التي ضمت الاخوان المسلمين والحزبيين الطائفيين فرضها على السودان كما بين الأستاذ محمود في الفقرة أعلاه .. ثم انها أوقفت الحرب بالجنوب وبدأت في عمل تنموي جاد ومشهود .. ولكنها بعد المصالحة الوطنية بدأت في خط الردة الذي انتهى بتحولها هي نفسها لدولة هوس ديني أسوأ من النظام الذي أنقذت الناس منه وذلك بسبب تغلغل القوى السلفية فيها ودفعها لها في ذلك الاتجاه الكارثة .. اعتقد اننا لو نظرنا الى التاريخ نظرة "موضوعية" سنجد أن ما قاله الأستاذ محمود هو عين الحق ..
الأعزاء عبد الله ، صبري ود. حيدر ومأمون ود.أحمد مرحبا بكم جميعا هاهنا .. دامت المحبة ودام الإخاء بيننا عمر
إن الإنسان المعاصر يرى أن الديمقراطية والاشتراكية، يمثلان معا الحقوق الأساسية له - حق الحياة، وحق الحرية .. و يرى أن الاشتراكية وسيلة لازمة لتحقيق الديمقراطية.. ففي حين أن الديمقراطية هي الحرية السياسية، فان الاشتراكية هي الحرية الاقتصادية فمن غير المعقول أن يطلب إلى الإنسان التنازل عن حريته الديمقراطية لقاء تمتعه بالحقوق التي تكفلها له الاشتراكية، كما تريد الماركسيـة، أو يطلب إليه أن يحقق حريته الديمقراطيـة في ظل نظام اقتصأدى تستأثر فيه القلة بالثروة كما تريد له الرأسمالية.. أما النظام الماركسي فهو نظــام ديكتاتـوري، لا يمارس الديمقراطية أصلا، و إنما يزيفها، فيسميها دكتاتورية البروليتاريا - العمال والمزارعين - وما هي في الحقيقة إلا ديكتاتورية المثقفـين على العمــال والمزارعــين .. وأما النظـام الرأسـمإلى الغربـي فانه يمارس الديمقراطية، و لكنه يتسـم بقصور الممارسة، حيث تسعى القلة الرأسمالية للسيطرة على السلطة، حتى تخدم مصالحها الرأسمالية ضد مصلحة طبقات الشعب الاخري، فلا تتحقق الديمقراطية مع الرأسماليه.. وفي أمريكا! أقوى، وأغنى دول العالم، فان تجربة الديمقرطية النيابية تعتبر فاشلة، إذا ما قورنت بالمرجو منها، وما ذاك إلا لأن القلة التي تتولى السلطة لا تستطيع أن ترتفع فوق أنانيتها، وطمعها، وإثرتها! فهـي تحكم الشعـب لمصلحتها هي، لا لمصلحته هو، وآية ذلك ما جرى في السبعينات من رئيس الجمهورية – ريتشارد نيكسون – فيما سمي بفضيحة ووترقيت .. فقد مارس الرئيس الأمريكي مع كبار موظفي إدارته: مثل جون ميتشل النائب العام، وعن طريق أعوانهـم، عملية تجسس، وسطو على مقر الحزب الديمقراطي، بفندق ووترقيت: وذلك لجمع معلومات عن هذا الحزب لمعركة انتخابات الرئاسة.. فلما كشف أمر النائب العام، وكبار الموظفين المتورطين في العملية، بادرت الإدارة الجمهورية باتهام صحيفة الواشنطن بوست، التي كشفت العملية، بالعمل لحساب الحزب الديمقراطي، ووصفت الاتهامات بالسخف .. ثم أخذت خيوط المؤامرة تتكشف، حيث أثبتت تحقيقات المحكمـة العليا، أن النائب العام، و بعض معاوني الرئيس، قد أعدوا، وأشرفوا على العملية ..ثم اتهم بعض هؤلاء المعاونين بتعطيل العدالة.. و خاطب الرئيس نيكسون الشعب الأمريكي بان هناك تقدما ملحوظا نحو كشـف الحقائق حول القضية!! ثم قبل استقالة أعوانه المتورطين معه في القضية. وخاطب الشعب الأمريكي، مرة أخرى بأن هناك محاولات لإخفـاء الحقيقة عنه هو، وعن الشعب!! و أخــذ تـورط الرئيس يتضـح جليـا مـع استمرار التحقيقات فلما طلبت المحكمة منه الشرائط التي سجلت عليها محادثاته في مكتبه، سلم بعضها و أخفى بعضها.. فلما كشف عن التسجيلات المفقودة وجد أنها مسحت.. فاستقال الرئيس نيكسون! تجنبا للمحاكمة، و خلفــه أحد أعوانـه في البيت الأبيـض - الرئيس جيرالد فورد- فأعلن عفوا عاما عنه.. وهكذا حاول الرئيس نيكسون ممارسة الكذب، و تضليل الشعب، حتى انكشف أمره، وحوصر، واضطر إلى الاستقالة، من أقوى منصب تنفيذي في العالم.. و قد حاول نائب الرئيس نيكسون، سيرو اقنبو، الكذب والتضليل للشعب، من قبل، وهو يواجه الاتهام باستقلال النفوذ وسوء استخدام المال العام، أثناء توليه منصب حاكم ولاية (ميريلاند)، حتى انكشف أمره، واضطر إلى الاستقالة، من منصب يعتبر المنصب الثاني في تلك الدولة .. ولقد استطاع أن يتجنب المحاكمة حتى قاضاه أحد مواطني تلك الولاية مؤخرا على تلك المخالفات.. لقد كان هذا في أمريكا في السبعينات، والآن، وفي الثمانينات، فقـد لاحظ المعلقــون السياسيون أن مناظرات الرئيس ريغان، ومنافسه على الرئاسة، المستر مونديل، قد كانت تتجه نحو المواقف المسرحية، أكثر مما كانت تتجه نحو تنوير الشعب .. وقالوا إن هذه المناظرات ستربـك الشعب أكثر مما تنوره، و توعيه.. و قالوا إنه لمن الغريب أن يختلف المرشحان حول حقائق تاريخية كل هذا الاختلاف، حتى فكأنما قد حضر أحدهما من كوكب الزهرة، والآخر من كوكب المريخ. و لقد أوردت مجلة الحوادث 2 نوفمبر1984 أن بين السكرتير الصحافي لنائب الرئيس "بوستن" وبين فريق الإعلام الذي يقوم بتغطية حملة "بوستن" أزمة شديده سببها موقـف هذا السكرتير من التصريحات المنافية للحقائق التي يطلقها المرشحون في مناظراتهم التلفزيونية.. فقد استفسر الصحافيـون من السكرتير عن عــدة وقائـع منافيـة للحقيقـة سردها "بوستن" في مناظرته مع منافسته جيرالدين فيرارو.. فكان رد السكرتير: و ماذا يهم؟ يمكن الإدلاء بأي شيء في مناظرة تلفزيونية و يستمع إليك 80 مليون مشاهـد .. وإذا ثبت عدم صـدق ذلـك، فمـن سيقرأ التصحيح؟؟ ألفان، أو ربما عشرون ألفا، لا أكثر!! و علقت صحيفة واشنطن بوست على ذلك بقولها: "لا نذكر في تاريخ الولايات المتحدة أن صدر مثل هذا الاحتقار، والاستهزاء بالشعب الأمريكي"
(عدل بواسطة Omer Abdalla on 03-21-2007, 03:11 AM) (عدل بواسطة Omer Abdalla on 03-23-2007, 04:02 PM)
03-21-2007, 03:14 AM
Omer Abdalla
Omer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-02-2003
مجموع المشاركات: 3083
نحن لا نسوق هذا لندلل به على فشل الديمقراطيـة، وإنما لندلل به على فشل الممارسات القواصر، مما يوجب علينا تطوير، و تسديد، ممارستنا، في سبيل تحقيق الديمقراطيه.. و يجب أن يكون واضحا، فإن الديمقراطية بمعنى حكـم الشعب، بواسطة الشعب، لمصلحة الشعب، لاتفشل.. فهي الحكم الباقي الذي تتطور المجتمعات في تجويـده، وفي الارتفاع به، حتى تكون الشعوب هي الوالدِين الشرعيـين للأفراد الأحرار حرية فردية مطلقة.. و لقـد تطـورت الديمقراطيـة، في معنى ما تطور مدلول كلمة الشعب، حتى أصبحت تشمل كل المواطنين، من نساء، ورجال، منذ أن يبلغوا سن الرشد .. وأصبح علينا الآن أن نطـور مدلـول هـذه الكلمـة - كلمة الشعـب - لندخـل بها مجـال “الـنـوع” بعـد أن فرغنـا من مجال “الكـم”. ذلك بان الشعوب الواعية، وحدها، هي التي تستطيع تحقيق الديمقراطية الشعبية.. و للوصول لتوعية الشعوب لا بد من إعادة التعليم، في جميع صوره، فإن فشل البشرية المعاصـرة، إنما هو فشــل منهاج التعليم في كل بلد..
"6"
إن التعليم الرسمي الذي تقدمه السلطات لأبناء شعوبها، و بناتها في معـاهدها على يومنا الحاضـر، بدأ متأخرا جدا .. فقد بدأ التعليـم المنظم الذي يخاطب العقول، منذ نشأة المجتمع البشري، و ذلك عهد يرجع إلى بداية بدائيـة، ممعنة في البعد الزمني، من وقتنا الحاضر .. وكان الفرد البشري يُعَلَّم عادات المجتمـع الذي يعيش فيه، و تقاليده، و يعلم كيف يحترمهـا، و يقدسـها، ويطيعها .. وبفضل معرفة، و احترام، و طاعة، هذه العادات، نشأ المجتمع البشري. وارتفع فوق قطيـع الحيوان .. و كذلك نشأت القوانين..
"7"
و قبيـل هـذه المرحلـة - مرحلة نشأة المجتمع - فإن التعليم قد بدأ .. بدأ التعليم بنشأة الفرد - و هي بالطبع سابقة لنشأة المجتمع، لقد خلـق الله الفرد البشري وسطا، بين القوة والرخاوة - فلا هو قوي العضلات، قوة الأسد و الفيل ، فيعتمد في حل مشكلاته الحياتية على العضلات ولا هو رخو، لايستطيـع أن ينهض للمناجزة، و للقتال، فيعتمد، في حل مشكلاته الحياتية، على الفرار، والاستخفـاء، وفي هذه النشأة الوسط، وجـد العقـل فرصته للبروز، و للقوة، بحاجة الحى لرسم الخطط، ولتنفيذها .. ومن ثـم ارتفــع الحى البشري فوق مستوى الحيوان .. لقــد وجـد الفرد البشري نفسه محاطا بقوي البيئة الهائلة، المخيفة، البادئة العداوة له، فاسترهبته، وأخافته، ولكنه بمحـض الفضل الإلهي عليه، وجد في هذه القوى الطبيعية، ما هو في صورة الصديق، كضوء الشمس، ونور القمر، والماء العـذب، والظـل الظليـل، والثمـر الداني، من الشجر المثمر، فسكن اليه.. ووجد في هذه القوى الطبيعية ما هو في صورة العدو، كالصواعـق، و الزلازل، والنيران المجتاحة، ففر منها.. ثم إنه هُدي، بمحض الفضل الإلهي، إلى تقسيم القوى العدوة إلى عدو يستطيع أن ينازله، و يصاوله، و يتغلب عليه، بالحيلة، و الفكر، و بالقـوة العضليـة الميسورة، كالحيوان المفترس، والعدو من بني جنسه.. وإلى عدو ليست تناله الحيلة .. فنازل، وصــاول، واحتـال، صنوف الحيل، في مواجهة العدو الاول.. و من صنوف هذه الحيل، اتخاذ الآلة، من الخشب - العصا - ومن الحجر - السكين ، و الحربة - وأمـا القوى العـدوة التي لا تنالهـا مناجزته، فقد هدته الحيلة إلى التزلف إليها، بمحبة للقوى الصديقة، و بخوف من القوى العدوة.. و من يومئذ نشأ العلم التجريبي، الذي تطور من السلاح الحجرى إلى القنبلة الهايدروجينيـة، في وقتنا الحاضر.. ونشـأ الدين الذي تطور مـن التعدد إلى دين التوحيد، في وقتنا الحاضر أيضا.. ومن القوى الصديقة، في تعددها، نشأت فكرة الآلهة، في تعددها أيضا. وآخر منازل تطور الآلهة المتعددة، نحو الإلـه الواحد، منزلة الثنائية، في إله النور، و إله الظـلام، الذي منه نشأت ديانة الفـرس، حين كانوا يعبدون النـار، فكانـوا مجـوسا ـ كانوا يعبدون إلـه النورـ القوى الصديقة ـ لينصروه على إلـه الظلام ـ القوى العدوة ـ وجـاء هذا بعـد تطـور طويـل ووئيد للعبادة البدائية، التي نشأت في الزمن السحيق .. ويلاحظ أن هذه الثنائية قائمة، عنـــد المسلمين اليوم بصورة ملطفة فمن علماء المسلمين من يعتقد أن الشر ليس من الله، و إنما هو من إبليس..
03-21-2007, 01:45 PM
Abdel Aati
Abdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072
وكمـا هـدت الحيلة الفرد البشري الأول، إلى اتخاذ السلاح، وإلى اتخاذ الدين، ليوجد التوائم بيـنه وبين بيئته، تلك القاسية، هدته أيضا إلى اختراع المجتمع ـ هدته إلى أن يعيش في مجتمع، ينمو في عدده، ويتطور في أساليبه، و عاداته، وأعرافه، كل حين.. إن مجتمع الحيوان لا ينمو في عدد ذكوره، وإنما في عدد إناثه، ذلك أن الغيرة الجنسية تحمـل الفحول على أن يقتتلوا في سبيل الإناث، حتى لا يكون في المراح الواحد، إلا فحل واحد .. فإذا كان هناك ذكور، إلى جانب الفحل، في المراح، فإنما هم ذكور لا إربة لهم في الإناث، فان كانت لهم إربة في الإناث فانهم سيدخلـون حلبة الصراع مع الفحل الأب، فإما أن يطـردوه من المراح، و إما أن يقتلـوه، وأما أن يطردهم، أو أن يقتلهم هو، و هذا هو الشأن بينهم هم، فيما بينهم. ولقد جعل الله طفولـة البشر أضعف، و أطول من طفولـة الحيوان، ليؤكد له ضرورة المجتمع، لطفولتـه، و لشيخوخته، وكذلك نشأ المجتمع البشري.. ولكنه لم ينشأ إلا بعد أن نشأ العرف الذي نظم الغريزة الجنسية، و أمّن الملكية الفرديـة، فحُرِّمت الأخت على أخيها، وحرمت الأم على ولـدها، وحرمت البنـت على أبيها، و كذلك استطاع الابن أن يعيش مع أبيه، وأمه، بعد أن يبلغ سن الرشد .. وكذلك استطـاع أن يعيش الصهر، مع صهره، هـو آمـن على زوجتـه، من أبيها، و من أخيها .. ومن ناحية الملكيـة الفردية للسـلاح الذي يتخذ من الحجر الجيد، وللكهـف ينحت في الجبل مثلا، فقد قام العرف بالاعتراف بها لأصحابها، ومنع السطو عليها، و كذلك استطاع أفراد المجتمع أن يعيشوا في سلام، يحتكمون إلى شيوخهم، عند التنازع، على أمر من أمورهم . و لقد فُهمت الآلهة بصورة تجعلها تطلع على المخالفات التي قــد تجرى من الأفراد في السطـو على ملكيـة الآخرين أو على زوجاتهم حين يظنون انهم أمنوا عين الرقباء.. وتوقـع على هـؤلاء اللعنة، وسوء المنقلب .. هـذا بالإضافة إلى ما يوقعه شيوخ الأسر من عقوبة مخالفة العرف، والتقليد، والعادة و(القانون) و لقد نشأت، مع نشأة العبادة (الدين و الآلهة)، فكرة الحياة الأخرى، بعـد الحياة الدنيا .. نشأت من الشعـور، ومـن الأحلام .. و أعانت فكرة الحياة الأخرى على ضبط نزوات الأفـراد..
هنالك تصحيحات في رواية الأستاذ الراحل جلال الدين الهادي وردتني من بعض الأخوان ويحسن تثبيتها هنا مع العلم بأن الأستاذ جلال كان يكتب هذه المذكرات من الذاكرة وقد كان وقتها في زيارة استشفاء بالقاهرة وذلك استجابة لطلب من الأستاذ ة أسماء محمود ليوثق لتجربته مع الفكرة الجمهورية .. ذكر الأستاذ جلال عن سجن الأستاذ محمود الأول أنه "أطلق سراحه بعد مرور أربعين يوما عليه بالسجن بسبب عصيانه لقوانين ولوائح السجن" والصحيح هو أن اطلاق السراح تم بعد مرور خمسين يوما .. عن وصية الأستاذ كتب الأستاذ جلال قوله "لا أغسل.. ولا يكشف عن جسدى.. وأكفن فى ملابسى القديمة وتوبى القديم.. ولا يصلى علىّ، ولا توضع على قبرى إشارة أو علامة" والصحيح طبعا كما هو ظاهر في الصورة أعلاه "لا يفرش على ولا يتصدق ولا أكفن في جديد .. ولا يناح علي ولا تجعل على قبري أي علامة ويباشر غسلي زوجتي" .. هذا ما لزم التوضيح .. عمر
03-22-2007, 08:00 PM
Omer Abdalla
Omer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-02-2003
مجموع المشاركات: 3083
بنشأة العرف الذي ينظم العلاقـة الجنسية، و الملكية الفردية نشأ الكبت الذي أوجب أن يكون للعقل سلطان على النفس.. و من ههنا برز الإنسان، في مستوى مـن مستويات المسئوليـة، ميزته عن الحيوان السائـم .. فـالغريزة الجنسية، و حب الملكية الفردية، هما أول ما وقع عليه الكبت .. فهما، من ثم في قاع العقل المكبوت ـ العقل الباطن ـ النفس الأمارة بالسوء ـ كما يقـول أصحابنا الصوفيـة .. ومـن هـذا العرف الذي نظم الغريزة الجنسية، والملكية الفردية، تطـورت الـحدود المعروفة عندنا في الاسلام.. و هي أربعة ترجع إلى اصلين: الزنا والقذف، وترجع إلى حفظ القوى الجنسيـة، والسرقة، وقطع الطريق، و ترجع إلى حفظ حب التملك.. وبملاحظة هذه الحدود، و عدم التعدي عليها، يقـوي العقل، و يسيطر على نزوات النفس ـ أو قـل على نزوات الغرائز .. و من أجـل كرامـة العقـل جـاء حد الخمر .. و هو حد أقل انضباطا من الحدود الأربعة السابقة .. وهو لا يقوم على مجرد الشرب، و إنما يقـوم على السكر .. هـذا في عهد المسئولية.. و أمـا في عهد الوصاية فانه قـد قام على مجرد الشرب، فجاء: "ما أسكر كثيره، فقليله حرام" .. لأن عهد الوصاية إنما يقوم على حماية القاصـر مـن تحمـل مسئولية تصرفـه، حين يُظن به العجز عن تحمل هذه المسئولية..
03-23-2007, 04:07 PM
Omer Abdalla
Omer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-02-2003
مجموع المشاركات: 3083
هل بدأ التعليم عندما بلغ الفرد البشري مستوى معينا من الإدراك و الخيال به ارتفع فـوق الحيوان فاحتال بالمصالحة والمناجزة على القوى الطبيعية التي احتوشته في بيئته على نحو ما جرى به الشرح قبل قليل؟؟ لا!! و لا كرامة!! و إنما بدأ التعليم قبل ذلك بآماد يخطئها العد، و يصح أن يقال فيها أنها تبلغ بلايين السنين.. إن الأرض قد كانت في أمـها الشمس، هي وأخواتها الكواكب السيـارة ..كانت مرتتقة مع الشمس، فجرى الانفصال، قبل مـا يزيـد على العشـرة بلايـين من السنين: ((أولم يـر الذين كفـروا: أن السمـوات و الأرض، كانتا رتقا، ففتقناهمـا، وجعلنا من الـماء كل شـيء حـي؟؟ أفـلا يؤمنون؟؟)). كانت الشمس، و بناتها الكواكـب السيـارة ومنها الأرض، في سحـابـة واحدة من غاز الهايدروجـين الملتهب، فانفتقـت هـذه السحـابة فبرزت الكواكب و برزت الأرض، و كانت ملتهبة، فبردت إلى أن ظهر فيها، على السطح، الطين و الماء.. وهي لا تزال في مركزها، غازا ملتهبا.. وعندما برز فيها الطين، والماء، نشأت الحياة بينهما، في معنى مـا يعرفـه علماء الأحيـاء الآن عـن الحياة، و أول لـوازمها أن تتمتع بالحركـة التلقائية، وأن تتغذى، وأن تتناسل، و قبل هذا، أول لوازم الحى أن يشعر بحياتـه، و من هذا الشعور تجيء الحركة، في محاولة الاحتفاظ بالحياة، و يجيء الغذاء، و يجيء التناسل، للاحتفاظ بالحياة، في معنى الاحتفاظ بالنسل.. تحولت المادة غير العضوية إلى مادة عضوية فبرز حيوان الخلية الواحدة.. ومن يومئذ بدأ التعليم!! من المعلـم؟؟ هـو المعلم الواحد - اللّه.. الله هو المعلـم الأصلي!! مـن المعلـم المباشر؟؟ هو العناصر المتعددة في البيئة.. في الحقيقة كل عناصر البيئة حية ولكنها حياة فوق إدراك العقول ولا تصبح حيـاة في إدراك العقول حتى تخرج، من المادة غـير العضوية، المادة العضوية، و هـي ما تسمي، اصطلاحـا، بالحياة.. و ما هي المادة التي يعلمهـا المعلم الواحد - الله - بواسطة العناصر المتعددة للحي في مستوى الخلية الواحدة؟؟ هـي المقدرة على التواؤم بين الحى و بيئته!!
03-24-2007, 02:49 PM
Omer Abdalla
Omer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-02-2003
مجموع المشاركات: 3083
فـي الحقيقـة ليـس في الوجـود الحـادث غير الانسان.. وجـود الإنسان وجـود أزلـي أبدي - سرمدي - فهو ينزل المنازل في البعد من الله، و في القرب.. هو مغترب، وراجع من الاغتراب إلى وطنه، الأصلي، إلى الله في اطلاقه.. و ليس لهذا السير نهاية، وإنما هو سير في السـرمد، لأنـه سير إلى المطلـق: ((لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم * ثم رددناه أسفل سافليـن * إلا الذين آمنوا و عملـوا الصالحات، فلهم أجر غير ممنـون)).. خـلق الإنسان في أحسـن تقويـم في الملكـوت عند الله، ثم جـاءه التكليف فعصى أمـر الله بإغـواء إبليـس إياه، فأُبعـد، هـو وزوجـه، وأُبعـد إبليس .. أُبعـدوا إلى أسفل سافلين، وهـو مستوى ذرة غـاز الهايدروجين، ثم ظـل إبليـس في منزلـة أسفل سافلـين لإصـراره على المعصية، والحكمة أن يمثـل النقيـض لأحسن تقويـم، حتى يتحرك البندول بين النقيضيـن، فيكون بذلـك رجـوع الإنسان، مـن اغترابـه في أسفل سافلين، إلى وطنـه، في أحسن تقويم، وإنما كان ذلك لمجيء الإيمان بالله، ولهدايتـه بعمـل الصالحـات، حيـث هـداه الله إلـى التوبـة، والنـدم .. والإيمان وعمــل الصالحات، إنما هـو الإنابة إلى الله .. و لقد أتى على الإنسان دهر دهـير، قبل أن ينزل منزلة العقل، فيكون مذكورا في ملكوت الله - قبل أن يكون مكلفا بشرع الحرام و الحلال! ((هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا!!)) .. ((يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه)) و لا تكون ملاقاة الله في الزمان، ولا في المكان، وإنما هي معرفته .. ولقد علّم الله الإنسان، وهو في منزلة العناصر الصماء، عن طريق مباشر، وهو طريق القهر الإرادى للعناصر، وبالعناصر، فكانت نتيجة هذا التعليم الطاعة المطلقة للإرادة الواحدة: ((وإن من شيء إلا يسبح بحمده، و لكن لا تفقهون تسبيحهم، إنه كان حليما غفورا ..)) ولقد علّم الله الإنسان و هو في منزلة المادة العضوية - الحياة البدائية و في مرتبة الحياة العليا، دون الإنسان، عن طريق شبه مباشر وذلك بإرادة الحياة .. ثم سير الله الإنسان - أو قل علّمه - و هو في منزلة الإنسان، عن طريق غير مباشر، وذلك بإرادة الحرية. فإرادة الحياة معنى زائد عن حياة العناصر قبل ظهور المادة العضوية .. وإرادة الحرية معنى زائد عن إرادة الحياة، منذ ظهور المادة العضوية .. الحياة السفلى .. إرادة الحرية ظهرت بظهور الانسان.. والاختلاف في جميع المستويات إنما هو اختلاف مقدار .. الاختلاف بين الإنسان ،في ((أحسن تقويم)) فــي الملكــوت، و بين الإنسان في ((أسفل سافلين)) - أدنى مستويات التجسيد في الملك - إنما هو اختلاف مقدار، لا اختلاف نوع، فان التوحيد يمنع أن يدخل في الوجود اختلاف نوع..
03-24-2007, 05:21 PM
Omer Abdalla
Omer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-02-2003
مجموع المشاركات: 3083
بإيجاز نُعَرِّف التعليم بأنه اكتساب الحى للقدرة التي بها يستطيع أن يوائم بين حياته، و بين بيئته.. و هذه المقدرة على التواؤم هي مقاس ذكاء الحيوان، سواء أكان في مستوى الحيوات البدائية، أو في مستوى الحيوانات العليا!! و في مستوى الإنسان .. و المشكلة دائما هي في معرفة ما هي البيئة؟؟ ذلك بأن العنف العنيف الذي لقيناه، منذ نشأة الحياة، من القوى الصماء، التي تذخر بها البيئة، قد رسب في صدورنا الخوف بصورة عميقة، حتى لقد بدت لنا البيئة في صورة المخالب الحمر، و الأنياب الزرق.. و لقد كان الخوف على اجتثاث حياتنا صديقا، في أول الطريق، إذ لولاه لما برزت الحياة من الماء، و الطين في المكان الأول، و لما برزت العقول من الجسد الحي، في المكان الثاني، ولما تطورت، وترقت، العقول عند العقلاء، في المكان الثالث .. وبترقي العقول أصبحنا ندرك البيئة إدراكا أدق كل حين .. و كلما أدركنا البيئة إدراكا دقيقا، كلما اطمأنت نفوسنا، وانتصرنا على الخوف..
03-24-2007, 05:26 PM
Omer Abdalla
Omer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-02-2003
مجموع المشاركات: 3083
وردتني هذه الرسالة من الأستاذ عصام عبد الرحمن البوشي:
Quote: الأخ الأستاذ عمر تحياتى لقد لاحظت بعض المسائل الواردة فى مقتطفكم من مذكرات الأستاذ جلال ، فى حديثكم عن الديباجة، وهى تختلف ، بل أحيانا تناقض ما جاء فى الوثيقة المصورة تحتها مباشرة .. وأسوق تدليلا على ذلك ما يلى : لم يقل الأستاذ ايجابا " أكفن فى ملابسى القديمة وثوبى القديم " كما جاء فى المقتطف، وانما قال سلبا "لا أكفن فى جديد " كما جاء فى الوثيقة المصورة. أقول هذا للتأكيد على أهمية الدقة الزائدة فى تناول سيرة الأستاذ..
ولكن الأخطر من ذلك أن ننسب للأستاذ ما لم يقله..تقول مذكرات جلال أن الأستاذ أوصى أن " لا يصلى عليه " وهذا ما لم يقله الأستاذ كما هو واضح من الوثيقة المصورة..
أخطر من ذلك أن مذكرات جلا ل تنسب للأستاذ عكس ما يقول..فقد قالت المذكرات أن الأستاذ أوصى : " لا أغسل " ..ولكن الوثيقة المصورة ، وهى بخط يد الأستاذ ، تؤكد أن الأستاذ أوصى بأن يغسل..أكثر من ذلك، عين الأستاذ من يغسله..تقول الوثيقة المصورة : " يباشر غسلى زوجتى " ..
أخى عمر لك شكرى لجهدك وتقبل تحياتى..
عصام عبدالرحمن البوشى ودمدنى
03-25-2007, 03:12 AM
Omer Abdalla
Omer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-02-2003
مجموع المشاركات: 3083
إنما من أجل التواؤم بين حياة الحى البشري، و بين البيئة، نشأ الدين، و نشأ العلم المادي، ونشآ كتوأمين، في وقت واحد، كما سبقت إلى ذلك الاشارة.. ثم نشا المجتمع، فعمق معنى الدين، وطور العلم المادي .. و لقد ظلت البشرية، في طول عمرها، تسير على رجلين من روح، و من مادة.. و هي لم تستغن، في أي وقت من أوقاتها، عن أي رجل من هذين الرجلين.. و كل ما هناك أنها كانت، في سيرها، تقدم رجل الروح تارة، و رجل المادة تارة أخرى .. كما يفعل الإنسان حين يسير على رجليه من يمين و شمال .. والآن فان البشرية قد قدمت رجل الروح في القرن السابع.. ثم أخذت تتهيأ لتقديم رجل المادة، من ذلك الوقت البعيد .. اليوم العالم مادي .. و حتى المتدينون من يهود، ومن نصاري، ومن مسلمين، ومن غيرهم من الملل، والنحل، إنما يظهرون التدين، ويبطنون المادية .. أسوأ من ذلك!! فان أغلبية المتدينين إنما يتوسلون بالدين، و يستغلونه، للمادة.. و لقد تطور، بفضل الله، ثم بفضل الصراع بين الأحياء البشرية، السلاح، من مستوى السلاح الحجري، حتى وصل القنبلة الذرية، على يد علماء العلم المادي التجريبي المعاصرين .. وبمحض الفضل الإلهي، فإن العلم المادي التجريبي قد أعان البشرية على مزيد من التعرف على البيئة التي نعيش فيها، و ظللنا، طوال حياتنا الطويلة، نتوق إلى التعرف عليها .. لقد أظهر العلم التجريبي، بانفلاق الذرة، أن المادة، بصورها المتعددة، كلها وحدة.. بل لقد اظهر أن المادة التي نعرفها فيما مضي، ونلمسها، ونحسها بحواسنا، أو ندركها بعقولنا، ليست هناك، وإنما هي طاقة، تدفع، و تجذب، في الفضاء .. ويعرف العلم المادي التجريبي هذه الطاقة، و لكنه يجهل كنهها .. بل إن كنهها لا يدخل في نطاق تجاريبه .. ولا هو يدعي أنه سيدخل، يوما ما، في نطاق تجاريبه .. و حين تطور العلم التجريبي المادي حتى رد المادة في جميع صورها إلى أصلها الأصيل في الوحدة - في الطاقة - تطور توأمه الدين، حتى لقد وصل بتصعيد التوحيد إلى رد كل المناشط البشرية، و الطبيعية، في العوالم المنظورة، و غير المنظورة، إلى اصل واحد .. إن العالم جميعه، ماديه، وروحيه، إنما هو مظهر الله الذي خلقه، وقدره، و سيره.. على ذلك اتفق إنجاز العلم المادي التجريبي، و العلم الروحي التوحيدي .. بإيجاز فان البيئة التي نعيش فيها اليوم، و ظللنا نعيش فيها في عهودنا السحيقة، ونحاول التعرف عليها، بكل وسائل البحث، و التقصي، قد انكشفت اليوم، بفضل الله علينا و على الناس.. أنها ليست بيئة مادية كما توهمنا - بمعنى المادة التي نألفها - و إنما هي في الأصل بيئة روحية ذات مظهر مادي .. هي ذات الله متنزلة إلى حياته، ثم متنزلة إلى علمه، ثم متنزلة إلى إرادته، ثم متنزلة إلى قدرته .. فبعلمه الإحاطة، و بإرادته التخصيص، و بقدرته التجسيد .. وبالتجسيد جاء المظهر المادي، بمعنى ما اصطلحنا عليه من معنى المادة .. فلما فتت العلم التجريبي المادة، فردها إلى طاقة معروفة الخصائص، مجهولة الكنه، و صلنا إلى الإرادة الإلهية التي قهرت الوجود، و سيرته إلى الله .. إن العلم المادي التجريبي، والعلم الروحي التجريبي - التوحيدي .. اتحدا اليوم في الدلالة على وحدة الوجود. لقد انفلقت نواة المادة فأحدثت دويا عظيما، و توشك أن تنفلق نواة الدين وسيُسمع لها دوي أعتى، وأعظم، من ذلك الذي أحدثته الذرة حين انفلقت..
03-25-2007, 04:43 PM
Omer Abdalla
Omer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-02-2003
مجموع المشاركات: 3083
إن البيئة التي نعيش فيها إذن إنما هي بيئة روحية، ذات مظهر مادي.. و هذه الحقيقة ستحدث ثورة في مناهج التعليم الحاضرة، التي ظهر قصورها، و إليها يرجع فساد الحكم، و قصور الحكام، و المحكومين .. ما هي الروح؟؟ هي الجسد الحى الذي لا يموت!! و في المرحلة ،قبل ظهور الجسد الحي، الذي لا يموت، فان الروح هي الطرف اللطيف من الجسد الحاضر - الروح هي العقل المتخلص من أوهام الحواس، ومن أوهام العقل البدائي الساذج .. الروح هي العقل المتحرر من سلطان الرغبة - الهوى .. ونحن لا نصل إلى الروح إلا بالإيمان، و بتهذيب الفكر، ومن أجل ذلك قال النبي الكريم: ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به..)) و ما جاء به هو الشريعة، والطريقة، والحقيقة .. هذا شرط أول الطريق..
"15"
يسمي كارل ماركس اشتراكيته: الاشتراكية العلمية .. في حين يسمي اشتراكية روبرت أوين: الاشتراكية المثالية.. و الناس يتحدثون، في الوقت الحاضر، عن العلمية بتأثر كبير برأى كارل ماركس عن اشتراكيته، ولكنهم غير دقيقين في هذه التسمية .. اشتراكية ماركس علمانية، و ليست علمية .. و كذلك كل ما يتحدث عنه الناس الآن، إنما هو علماني، وليس علميا .. الفرق بين العلمية، والعلمانية، أن العلمانية علم ناقص .. و تجيء العبارة عنه في القرآن: ((وعد الله ، لا يخلف الله وعده، و لكن اكثر الناس لا يعلمون * يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا، وهم، عن الآخرة، هم غافلون!!)) سماه، ونفي عنه، أنه علم .. قال ((لا يعلمون)) ثم قال ((يعلمون ظاهرا)) .. وهذا الظاهر إنما هو المادة كما تتبادر إلى حواسنا .. العلمانية تتعلق بالحياة الدنيا - الحياة السفلى - حياة الحيوان، وتغفل عن الحياة الأخرى .. الحياة العليا، وهي حياة الإنسان .. كارل ماركس ينكر الغيب، و ينكر الحياة الأخرى، وتتعلق اشتراكيته بالسعي في الحياة الدنيا، وفي، ظاهرها، و من ثم فهو علماني، و ليس عالما .. العالم هو الذي ينسق بين الحياة الدنيا، و الحياة الأخرى، على غرار العبارة النبوية: ((الدنيا مطية الآخرة)) .. العالم ذكي، والعلماني شاطر.. و الفرق بين الذكي والشاطر أن الذكي يملك ميزان القيمة، و يقيم الوزن بالقسط .. و الشاطر لا يملك هذا الميزان، فهو يخبط كحاطب ليل .. الذكي يعرف الوسائل و الغايات، و ينسق بينها، فلا يصرف، في سبيل الوسيلة، من الجهد، ما ينبغي أن يصرف في تحصيل الغاية .. والشاطر قد يفني حياته في سبيل الوسيلة، لأنه لا يملك التمييز الدقيق بين الوسائل، والغايات.. الدنيا وسيلة الآخرة، فيجب أن تنظم بذكاء، و بعلمية لتتأدى إلى الغاية المرجوة منها.. و لا يستطيع ذلك العلمانيون وإنما يستطيعه العلماء..
03-26-2007, 12:29 PM
Omer Abdalla
Omer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-02-2003
مجموع المشاركات: 3083
الحضارة الغربية الحاضرة بشقيها - الاشتراكي والرأسمالي - إنما هي حضارة مادية – قيمة الإنسان فيها مهدرة، وقيمة الحطام مرتفعة.. هي حضارة، و ليست مدنية.. هي حضارة التكنولوجيا الهائلة، والآلات الرهيبة، ولكن الإنسان فيها ليس سيد الآلة .. لقد نمت التكنولوجيا الثروة بصورة خيالية، و لكن، لغياب القيمة، لم يكن هناك عدل في توزيع الثروة، و إنما انحصـرت في أيدي القلة، وأصبح الفقر نصيب الكثرة، فذهل الغني، بالغنى، عن إنسانيته، كما شُغل الفقير، بالفقر، عن إنسانيته، فانهزم الإنسان، في هذه الحضارة المادية، الآلية الهائلة، المذهلة.. لقد وصلت هذه الحضارة إلى نهاية تطورها، ووقف طلائعها في نهاية الطريق المقفول - طريق المادية الخالية من الروحية.. ولابد للبشرية التي سارت في هذا الطريق العلماني حتى بلغت نهايته من أن تعود لتدخل من جديد، في الطريق العلمي ..
"17"
من الأمم الإسلامية أمم متقدمة، بمقاس الوقت الحاضر، فدخلت خلف طلائع الحضارة الغربية في هذا الطريق العلماني، و قطعت فيه شوطا، به اعتبرت متقدمة، في الوقت الحاضر.. و من الأمم الإسلامية أمم متخلفة، بمقاس الوقت الحاضر، فلم تصل حتى إلى مفترق الطريقين - الطريق العلمي والطريق العلماني - هي بذلك اعتبرت متخلفة .. أما نحن السودانيين، فإننا، بفضل الله علينا، نقف اليوم في مفترق الطريقين .. لقد دخل بعضنا في طريق الحضارة الغربية الحاضرة، تبعا لطلائـع هذه الحضارة، و لكنه لم يوغل، و لم يبعد عن مفترق الطريقين .. أما الشعب فانه بفضل الله علينا، وعلى الناس، يقف عند مفترق الطريقين، تماما، محتفظا بأصائل طبائعه التي قد قدها الله تعالى له من شريحة الدين.. أما نحن الجمهوريين، فبفضل الله علينا، و على الناس، قد امتد بصرنا حتى رأينا قافلة البشرية الحاضرة، و هي تقف حائرة، عند نهاية طريق العلمانية المسدود، وأصبح واضحا عندنا، أن علينا لأن ندخل بشعبنا طريق العلمية حتى نكون للبشرية - قل للإنسانية - طليعة جديدة .. طريق العلمية طريق مفتوح على الإطلاق، و سير الإنسانية فيه سير سرمدي .. فهو يحقق فيه، كل حين، قدرا من إنسانيته، ومن كرامته، ومن عزه، ومن كماله.. و ليست لكمال الإنسان نهاية، لأن نهايته عند الله ((وأن إلى ربك المنتهى)) ولا منتهى لكمال الله تبارك و تعالي.
إن العلمية لا تستغني عن العلمانية، وإنما تضعها في موضعها، و هو موضع الوسيلة من الغاية، على غرار ((لدنيا مطية الآخرة)) .. فمن استغنى بالدنيا عن الآخرة، فقد ضل ضلالا بعيدا .. ومن حاول أن يطلب الآخرة بدون الدنيا فقد ضل .. والقصد القويم هو أن تأخذ من دنياك زاد الراكب، إلى أخراك .. هذا هو المقصود بقولنا إن العلمية لا تستغني عن العلمانية .. الحضارة العلمانية، المادية الآلية، الحاضرة، حضارة عملاقة، و لكنها بلا روح، فهي تحتاج إلى مدنية جديدة تنفخ فيها هذا الروح، وتوجهها الوجهة الجديدة، التي تجعلها مطية للإنسان بها يحقق إنسانيته، وكماله.. وهذا ما علينا أن نقدمه نحن من الاسلام.. إن الطريق العلمي الجديد الذي على الشعب السوداني أن يدخله منذ اليوم، هاديه كتاب الأجيال - القرآن - و دليله محمد، النبي الأمي، الذي جسد القرآن، في اللحم و الدم .. فمعرفة الأكوان - العلمانية - ومعرفة الله - العلمية - يجب التنسيق بينهما بعلم، لان الأكوان إنما هي مطية الإنسان، في سيره إلى الله .. يقول تعالي: ((سنريهم آياتنا في الآفاق، و في أنفسهم، حتى يتبين لهم: أنه الحق.. أو لم يكف بربك ، انه على كل شيء شهيد؟؟)). ويقول: ((خلقت الأكوان للإنسان، وخلقت الإنسان لي)). و هذا هو معنى قوله تعالي: ((ما وسعني أرضي، ولا سمائي، وإنما وسعني قلب عبدي المؤمن!!)).
"19"
علينا أن نعلم أنفسنا! و أن نعلم شعبنا، وأن نعيد تعليم المتعلمين منا، من جديد، فنخرجهم من الطريق العلماني، إلى الطريق العلمي.. إن علينا لأن ننشئ التربية، و التعليم .. فأما التربية فببعث سنة النبي فينا معاشة .. و هي معنى "العدل": العدل بين العبد و الرب، و العدل بين العبد ونفسه، والعدل بين العبد وأهله، والعدل بين العبد والناس، والعدل بين الناس.. و هذا كله وارد في الكتب الجمهورية – "طريق محمد" و "أدب السالك في طريق محمد" و"الرسالة الثانية من الإسلام" و"رسالة الصلاة" و"تعلموا كيف تصلون" الخ، الخ .. وسيكون مجال التربية التعليم الرسمي، في المدارس، والمنابر الحرة، في كل ميادين القرى، المدن، ومنابر المساجد، و منابر المدارس، والمعاهد، والجامعات، و كل مجاميع الشعب .. و أما التعليم الرسمي سيكون مجاله المدارس، و المعاهد، والجامعات، هو تعليم يقوم على العلم المادي التجريبي، حتى يتقن المواطن، والمواطنة، المقدرة على تصميم الآلة، وصنعها، واستعمالها، و صيانتها، لكي يكون نافعا لمجتمعه بتسخير العالم المادي لخدمته .. لقد قلنا إن العلم المادي، و العلم الروحي، قد اتفقا على وحدة الوجود، و ذلك يعني أن بيئتنا التي ظللنا نحاول التعرف عليها في الآماد السحيقة بوسيلة العلم المادي، والعلم الروحي، قد ظهرت لنا على حقيقتها، بفضل الله علينا، ثم بفضل هذين العلمين.. إن علينا لان نعيد توجيه برامج تعليمنا حتى يجد الفرد منا المقدرة على المواءمة بين حياته وبيئته هذه الجديدة، ولما كانت هذه البيئة الجديدة، إنما هي بيئة روحية، ذات مظهر مادي، كما سبق أن قررنا، أصبح على الحى أن يعلم مظهرها ومخبرها - خصائصها و كنهها - وهذا ما يوجب تعلم العلم المادي، التجريبي، والعلم الروحي، كليهما، لكي يتم تواؤم الحى مع بيئته هذه القديمة، الجديدة..
03-27-2007, 09:20 PM
Abdel Aati
Abdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072
لقد أصبح علينا أن نعطي كلمة الديمقراطية: حكم الشعب بواسطة الشعب لمصلحة الشعب معنى جديدا يناسب المرحلة المقبلة من مراحل تطور البشرية المعاصرة .. لقد سبق أن قررنا أن كلمة الديمقراطية قد تطورت في معناها عبر ما يزيد على الألفي سنة بتطور معنى كلمة الشعب .. لقـد أصبحت كلمة الشعب في الديمقراطيات النيابية عندنا اليوم تعني كل المواطنين، من رجال، و نساء، منذ أن يبلغوا سن الرشد .. هذا تطور في "الكم" لا يكاد يحتاج إلى مزيد، وإنما يجب أن ندخل، في تطوير كلمة الشعب، "الكيف" بعد أن استوفينا، أو كدنا نستوفي، "الكم".. ذلك بان الحكم الديمقراطي لا يمكن أن يحققه شعب جاهل كما سبقت إلى ذلك الإشارة .. ولا نعني بالجهل هنا عدم تعليم المدارس، فقد سبق أن بينا أن تعليم المدارس، الحاضر، على النهج الغربي وحده، ليس بعلم، وإنما هو علم ناقص - هو علمانية .. هذه مرحلة البشرية، وأمامنا مرحلة الإنسانية .. ومرحلة الإنسانية تطور فوق مرحلة البشرية، كتطور مرحلة البشرية، فوق مرحلة الحيوانية .. و لقد فصّلنا في ذلك في مقدمة الطبعة الرابعة من كتابنا: "رسالة الصلاة" حيث تحدثنا عن مراحل نشأة الإنسان، و قلنا إن له أربع مراحل، في نشأته هذه المباركة .. قلنا هناك:
لقد تحدثنا عن المراحل الأربع من نشأة الإنسان .. تحدثنا عن المرحلة الأولى فقلنا: إن بدايتها في الأزل، حيث برز الإنسان في الجسد، في المادة غير العضوية تلك التي نسميها، اصطلاحا ميتة - ونهايتها عند دخول المادة العضوية المسرح.. وتحدثنا عن المرحلة الثانية، و قلنا: إن بدايتها عند ظهور المادة العضوية – تلك التي نسميها، اصطلاحا، حية – و نهايتها عند ظهور العقل .. ويتضح لنا من هذا، أن الشبه كبير بين المرحلتين: الأولى والثانية، فهما معا مرحلة الجسد الصرف، على اختلاف مستوياته من ذرة بخار الماء إلى أعلى الحيوانات الثديية، ما خلا الإنسان .. وأما المرحلة الثالثة فهي تتميز عن المرحلة الثانية ببروز العقل من الجسد، و هو عهد جديد، وخطير. و أما المرحلة الرابعة فهي تتميز عن المرحلة الثالثة، بدخول الحاسة السادسة، والحاسة السابعة، في المسرح، و تلك درجة جديدة من درجات الترقي، تصبح بها الحياة البشرية شيئا جديدا، مختلفا عما ألفنا من قبل .. ولذلك فإنا نستطيع أن نقول: إن لدينا ثلاث مراحل لنشأة الإنسان، مرحلة الجسد الصرف، ومرحلة الجسد والعقل المتنازعين، و أخيرا مرحلة الجسد، والعقل المتسقين ..
و أما مرحلة الجسد و العقل المتنازعين هي مرحلة البشرية، منذ بدء الخليقة، وإلى اليوم .. و أما مرحلة الجسد والعقل المتسقين، فهي مرحلة الإنسانية، التي هي قبلة البشرية الحاضرة، منذ اليوم، و ليس لها منها بد..
مرحلة الجسد والعقل المتنازعين، هي مرحلة الكبت، التي نعيشها الآن والتي منها ارتفع الإنسان فوق مرتبة الحيوان - فوق مرحلة الجسد الصرف - و الفضل في ذلك لله، ثم للعقل.. والعقل عقلان، عقل المعاش، وعقل المعاد .. فأما عقل المعاش فهو القوة الّدراكه فينا التي استلها من الجسد، الخوف من القوى الرهيبة التي هددت الحياة بالموت الذريع، منذ أول النشأة .. فهو، من أجل ذلك، قلق، مضطرب، خفيف، يجسد الخوف ويجسد الحرص .. وهو موكل بمجرد حفظ حياة الحيوان و حركته ليست فكرا، و إنما هي قلق، و خوف مما يجيء به المستقبل المجهول .. هو غريزي، وليس مفكرا .. هو شاطر، و ليس ذكيا، و إدراكه علماني، و ليس علميا .. و قد وردت الإشارة لهذين المعنيين قبل حين .. ومن هذا العقل يجيء الجبن، والحرص، و حب الادخار، والبخل، وكل مذام الصفات .. و أما عقل المعاد فهو أيضا القوة الدّراكه فينا، وهو الطبقة التي تقع بين عقل المعاش، والقلب، هو أيضا خايف، ولكن خوفه ليس عنصريا، ساذجا، وإنما هو خوف موزون بالذكاء الوقاد، الذي يملكه حين يفقده عقل المعاش الشاطر .. عقل المعاد، موزون، رزين، وقور.. وهو أيضا موكل بحفظ الحياة، و لكنه لا يخاف عليها من كل ناعق، كما يفعل عقل المعاش، وذلك لأنه يملك موازين القيم .. فهو قد يستهين بالخطر الماثل، في سبيل الأمن الدائم، و هو قد يضحي باللذة العاجلة، ابتغاء اللذة العاقبة - هو ينشغل بالحياة الأخرى، اكثر مما ينشغل بالحياة الدنيا - عقل المعاد هو عقل الدين - هو الروح - نحن لا نفهم الدين بعقل المعاش، وإنما نفهمه بعقل المعاد.. وعقل المعاش يتأثر بعقل المعاد، و يؤثر فيه، قال تعالى في العقلين: ((الشيطان يعدكم الفقر، و يأمركم بالفحشاء، و الله يعدكم مغفرة منه وفضلا، والله واسع عليم..)) الشيطان هنا عقل المعاش، والرحمن عقل المعاد .. والشيطان داخلنا، و خارجنا.. خارجنا هو الروح الشرير الذي يأمر فينا، و داخلنا هو عقل المعاش، الذي ينصت للشيطان، ويأتمر أمره .. و إنما هو داخلنا لأننا خلقنا مـن الطين المحروق بالنار، في حين خلق الشيطان من النار .. ((خلق الإنسان مـن صلصال كالفخار* و خلق الجان من مارج من نار)) .. و عقل المعاش حين يؤثر على عقل المعاد يزلزله، و يخرجه من وقاره، ويذهله عن قيمه، وإنما من أجل تهذيب عقل المعاش جاءت الشريعة .. فهي، بوسيلة العبادة، وبوسيلة العقوبة، تسير عقل المعاش ليتهذب، و يلتقي بعقل المعاد..
والعبادة ثلاث مستويات: فكرية و قولية، و عملية .. وأعلى مستويات العبادة العملـية الصلاة .. وهي تشمل الفكر والقول والعمل، منذ بداياتها .. و الصلاة تهذب عقل المعاش، بصورة أوكد من كل عبادة، لأنها تحارب الجولان بين الماضي، والمستقبل، و تروض المصلي على أن يعيش اللحظة الحاضرة .. و هي قد فرضت في مقام: "ما زاغ البصر و ما طغي".. و من ههنا اكتسبت المقدرة على محاربة الجولان، بين الماضي و المستقبل، الذي هو آفة فكر المعاش الأساسية .. وأما وسيلة العقوبة فأعلاها الحدود.. و الحدود خمسة، وقد وردت الإشارة إليها في موضع سابق من هذا الحديث.. و الحدود يمكن أن تنضوي تحت القصاص .. فالقصاص معاوضة- من أتلف شيئا يعوضه - و الحدود معاوضة .. والقصاص قانون حياة، أولا، ثم قانون دين، ثانيا .. قبل ظهور العقول كان القصاص: ((فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * و من يعمل مثقال ذرة شر يره)).. ثم بعد ظهور العقول جاء قانون الدين: ((و كتبنا عليهم فيها: أن النفس بالنفس، والعين بالعين، والأنف بالأنف، والأذن بالأذن، والسن بالسن، و الجروح قصاص)). واليوم فان قانون الحياة ساير.. و أحسن حالات الناس أن يسيروا بقانونهم مصاقبين لقانون الحياة! لان الله تبارك و تعالى ، يريد، بمحض فضله، للعقل البشري أن يصاقب، وينطبق، على العقل الكلي- العقل المحيط- العقل الالهي. ومن أجل ذلك أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وشرع الشرائع. و لقد جاء عندنا في القرآن: ((وأنزلنا إليك الذكر، لتبين للناس ما نزل إليهم، و لعلهم يتفكرون)).. فبالعبادة والمعاملة، في المجتمع، وفق الشريعة، والطريقة، و الحقيقة، يقوي الفكر، و يسير العقل بالحياة مصاقبا للعقل الكلي، كل حين، و في ذلك كمال العقل، والقلب، والجسد.
"23"
وأشد القوانين انضباطا قوانين الحدود، والقصاص.. و آية انضباطها مقدرتها على التوفيق بين حاجة الفرد، و حاجة الجماعة .. هذه المقدرة عجزت عنها جميع الفلسفات البشرية القديمة، والمعاصرة .. وأظهر ما يظهر هذا العجز في الفكرة الماركسية .. و هي عندما عجزت عن التوفيق بين حاجة الفرد إلى الحرية، وحاجة الجماعة إلى العدالة، اتخذت من عجزها فضيلة، فادعت أن الجماعة أهم من الفرد، فهزمت بذلك الغاية بالوسيلة.. و عجز الرأسمالية في هذا المجال ظاهر أيضا.. ويمكن القول بان إفلاس الحضارة الغربية، الآلية المادية الحاضرة، إنما يرجع إلى انعدام المذهبية التي تملك القدرة على التوفيق بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة، و حاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة.. إن حاجة الفرد، بدون أدنى ريب، إنما هي إلى الحرية الفردية المطلقة .. و في النظم السياسية التي تقوم عليها الحضارة الغربية الحاضرة، بشقيها، فإن الحرية الفردية المطلقة تعتبر فوضي، وما ذاك إلا لانعدام التربية التي ترتفع بالإنسان فوق مستوى القوانين - ترتفع به إلى مستوى الأخلاق التي هي قمة القوانين .. الحرية الفردية، عندنا، في الإسلام، على مستويين: الحرية النسبية، و هي أن يفكر الإنسان كما يريد، وأن يقول كما يفكر، وأن يعمل كما يقول، على شرط أن يتحمل مسئولية قوله، وعمله، أمام القانون الدستوري.. والحرية المطلقة، وهي أن يفكر الإنسان كما يريد، و يقول كما يفكر، ويعمل كما يقول على شرط أن يكون فكره، و قوله، وعمله، برا، وخيرا، بالأشياء ، والأحياء.. و القانون الدستوري، هو الذي حين يطبق، يحقق، في آن معا، حاجة الفرد، وحاجة الجماعة.. فلا هو يضحي بالفرد لمصلحة الجماعة، ولا هو يضحي بمصلحة الجماعة في سبيل الفرد .. ولأن المعلم واحد، كما سبق أن قررنا، وأن الأعراف البدائية، الساذجة، البسيطة، التي نشأ عليها المجتمع البشري، حين نشأ، بتقييد القوة الجنسية، وبتقييد شهوة التملك، والتي هي بدايات الحدود عندنا، في الزنا، والقذف، والسرقة، وقطع الطريق، قد كانت دستورية، في معنى التوفيق، بين حاجة الفرد، يومئذ، و حاجة الجماعة.. لقد كانت عقوبات المخالفة لهذه الأعراف عنيفة، أشد العنف، وأقساه، ولكن هذا العنف، وهذه القسوة، قد كانت حاجة الفرد، في المكان الأول، ذلك لان الفرد قد كان حيواني النشأة، غليظ القلب، جافي الطبع، ضعيف العقل، لا يكاد عقله يسيطر على نزوته، ورعونة نفسه، فكان غرض هذا العنف به، و القسوة عليه، أن تقوي إرادته فيسيطر على نفسه، ويكبح جماحها .. و بهذا يسلك مسلك البشر، و يتجافى عن مسلك الحيوان.. هذه حاجة الفرد ، في المكان الأول، وإن لم يدركها .. ثم إن المجتمع قد كفل له حقه في الأمن، وفي التماسك، في معنى ما كف أفراده عن مخالفات أعرافه، أو كادوا..
إن الكبت قد بدأ من يومئذ.. والكبت يعني السيطرة على الشهوة، فلا تعبر عن نفسها في انطلاق بلا قيد، كما يفعل الحيوان.. وإنما تعبر عن نفسها من خلال شريعة الحرام، والحلال.. ويضعف عقل المعاش عن السيطرة على نزوة الشهوة، فيحتاج إلى التقوية وذلك بالتربية، وبالعقوبة، حين تعجز التربية عن بلوغ المرام.. ولقد جاء التعليم، وجاءت شريعة العبادة، وجاءت شريعة المعاملة، في القرآن، جاءت لتروض الشهوة حتى تسير في مراقي الإنسان، وتتجافي عن دركات الحيوان، قال تعالي: ((أتل ما أوحى إليك من الكتاب، وأقم الصلاة.. إن الصلاة تنهي عن الفحشاء، والمنكر، ولذكر الله أكبر.. والله يعلم ما تصنعون.)).. والفحشاء هنا تعني الزنا.. والمنكر يعني كل ما ينكره الشرع، ومن أعلاه القذف - قذف الآخرين بالزنا – ومن أعلى المنكر أيضا السرقة، وقطع الطريق.. من انتفع بصلاته امتنع عن الفحشاء، والمنكر.. ومن لم ينتفع تعرض للحدود.. وحد الزنا للمحصن الرجم بالحجارة على رأسه حتى يتهشم.. وللبكر الجلد مائة جلده.. وحد السرقة اختلاسا، وخفية، قطع اليد اليمنى.. أما حد الحرابة، وهي الخروج على الحاكم، وقطع الطريق، وإخافة السابلة في الطريق العام ، خارج المدينة، وقتل النفوس، وأخذ الأموال، فهو درجات: فان أخاف الطريق، وقتل، ولم يأخذ المال، يقتل.. وإن أخاف الطريق، وقتل، وأخذ المال، يصلب.. وإن أخاف الطريق، ولم يقتل، ولكنه اخذ المال، يقطع من خلاف - اليد اليمنى والرجل اليسرى.. وإن أخاف الطريق، ولم يقتل، ولم يأخذ المال، ينفى من أرض وطنه، لمدة يقررها القانون .. ولقد تبدو، لأول وهلة، هذه العقوبات قاسية، عنيفة، ولكنها ليست كذلك، في حقيقة الأمر، وإنما هي حكيمة، كل الحكمة، حيث وفقت توفيقا تاما، بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة، وحاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة.. ويجب أن يكون مفهوما بأن هذه الحدود لا تطبق إلا من أجل إصلاح الفرد، في المكان الأول، ثم إصلاح المجتمع في المكان الثاني، وذلك لأن، في الإسلام، الفرد هو محط نظر الله إلى الوجود- الفرد هو الغاية، وكل شيء ما عداه هو وسيلته لتكميل نفسه، وتطويرها، وترقيتها في المراقي لتلاقي الله.. القرآن، والإسلام، وإرسال الرسول، وتشريع التشريع، الغرض منه الإنسان.. المجتمع وسيلة الإنسان.. ولقد رأينا، في أول النشأة، كيف أن الله قد هدى الإنسان لاختراع المجتمع.. ((وأنزلنا إليك الذكر، لتبين للناس ما نزل إليهم.. ولعلهم يتفكرون ..)) لعلهم يتفكرون التفكير المستقيم الذي يخلصهم من جهالة عقل المعاش، ومن قلقه، ومن خوفه، ومن شطارته، ليصلوا إلى عقل المعاد، وإشراقه، وشجاعته، وذكائه..
"25"
بالتخلص من عقل المعاش- قل بتهذيب عقل المعاش - نتحرر من الخوف، ونفض الكبت الذي رسبه فينا جهلنا بالبيئة، التي عشنا فيها طوال الحقب السوالف من عمر الحياة على هذا الكوكب.. يقول تبارك وتعالى عن الجبال: ((ألم نجعل الأرض مهادا * والجبال أوتادا؟؟)) "أوتادا" ثبت بها الأرض.. وقال تعالى في ذلك: ((وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم، وجعلنا فيها فجاجا سبلا، لعلهم يهتدون)).. وهذا أوضح في تثبيت الله الأرض بالجبال .. و قد جعل الله العقول في أرض البنية البشرية كالجبال في أرض الكوكب – فهي لتثبيت البنية أيضا.. الجبال هي عقل المعاش.. وقد جاء التشريع، والرسول، والقرآن، من اجل تهذيب عقل المعاش، وتطمينه من الخوف العنصري، الذي هو الأب الشرعي لكل آفات السلوك.. ولقد جسد الرسول القرآن فعاشه في جميع حركاته، وسكناته.. فتحرر من المخاوف التي يسوقها عقل المعاش، فكان لا يخاف الرزق، من أين يجيء، وكان ينفق ما يزيد عن حاجته الحاضرة، وكان يأخذ من الدنيا زاد الراكب، وزهد في كل شيء عدا الله ، فتحرر من حب الادخار، وحب السلطة، وحب التعالي على الناس، ومن استرقاق العناصر إياه، فاخلص عبوديته لله: ((قل إن صلاتي، ونسكي، ومحياي، ومماتي، لله رب العالمين، لا شريك له.. وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين.)).. هكذا كان، ونحن نرفع نموذجه للناس ليهذبوا عقول معاشهم، ويفضوا إلى عقول معادهم على نحو مما فعل ..
04-05-2007, 11:08 AM
adil amin
adil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 38125
ثم إن الذي لا يهذب، بعبادته على المنهاج النبوي - النموذج الحى - عقل معاشه، فإنه يحتاج إلى العقوبة لتسد ثغرات التربية التي لم تفلح فيها عبادته.. فان لم يتفق له، بمحض الفضل، هذا التهذيب بين العبادة، والعقوبة، فانه قد أضاع حياته الدنيا، وذهب لحياته الأخرى بغير زاد.. والدنيا دار مسئولية، ولكنها مؤجلة، والآخرة دار مسئولية، ولكنها مباشرة، وناجزة: ((وفي الآخرة عذاب شديد، ومغفرة من الله، ورضوان.. وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور)).. فمن هذب عقل معاشه فجعله عقل معاد بممارسة العبادة وحدها، أو بممارسة العبادة والعقوبة، معا، فقد ذهب إلى الله وله ((مغفرة من الله ورضوان)).. ويقول تعالى عن عقول المعاش التي لم تهذب في مهلة الحياة الدنيا: ((ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا * فيذرها قاعا صفصفا * لا ترى فيها عوجا ولا امتا * يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له، وخشعت الأصـوات للرحمــن، فلا تسمـع إلا همسـا!!)).. وهم لا يتبعون الداعي إلا بعقل.. وهذا هو عقل المعاد، وقد خلصهم الله ، بالعذاب الشديد، من عقول معاشهم التي أهملوا تهذيبها في الحياة الدنيا.. ومن نسف العقول - عقول المعاش - في الآخرة، جاءت حكمة الرجم بالحجارة، حتى يتهشم الرأس، لمن يتورط في الزنا، وهو محصن، أي متزوج، وقد سلفت له تجربة في معاشرة النساء.. فان كان غرّا غير مجرب - بكرا - فانه يجلد مائة جلدة، ليقوي الألم عقله، حتى يسيطر على نفسه، حينما تتهالك على اللذة الحرام.. فلسفة الألم تبدو معقولة في حق البكر، لأنه سيعيش، بعد المائة جلده، لينتفع، في باقي حياته، من التجربة.. ولكن ما بال المحصن الذي يفقد حياته بالرجم؟! ما الذي أفاده؟؟ سيدخل حياته الأخرى، وهو مطهر، قد نسف عقل معاشه هنا، مما يغنيه عن نسفه في الآخرة.. ومعلوم أن عذاب الدنيا قصير، ونعيمها فان.. وعذاب الآخرة أبدي، ونعيمها سرمدي.. ولذلك فقد استيقن هذا أصحاب عقول المعاد، فطلبوا أن يُرجموا ليدخلوا حياتهم الأخرى مطهرين: ماعز، والغامدية، اعترفا للنبي بالزنا، وطلبا أن يطهرا، وقد طهرا.. وقال النبي الكريم عن الغامدية أنها ((قد تابت توبة لو قسمت على أهل الأرض لوسعتهم)).
"27"
وعقل المعاش هو الذي يخيف الإنسان من الرزق، من أين يجئ؟؟ ويعده الفقر، ويأمره بالسرقة، فيسرق.. ولو كان عقل معاشه مهذبا، حتى أفضى إلى عقـل المعاد، لتحرر من خوف الرزق بعلمه: ((ن الله هو الرزاق)) وبعلمه: ((وعلى الله فليتوكل المتوكلون)).. وهذا العلم هو الذي جعل النبي يدعو ربه: ((اللهم اجعل قوت آل محمد الكفاف)).. لم يكن يخاف ألا يرزقه الله الكفاف، ولكنه كان يخاف الغني الذي يمد لعقل معاشه في الوهم.. ومعلوم أن حاجة الله إلى العباد عقولهم، ومن أجل ذلك خلقهم في نشأة وسط، لا هم بالأقوياء الذين يحلون مشاكلهم الحياتية بعضلاتهم، فتتأخر عقولهم، ولا هم بالضعاف، الرخوين، الذين لا يستطيعون أن ينهضوا لمطلق مناجزة، أو مصاولة.. هذه النشأة الوسط أعانتهم على حل مشاكلهم بعقولهم، وبأيديهم - يخططون بعقولهم، وينفذون بأيديهم خططهم فتتطور عقولهم في المراقي.. والسارق يهمل عقله، ويحاول أن يحل مشكلتـه بيده.. ولما كانت اليد وثيقة الصلة بالعقل فان حكمة الله اقتضت تعطيل اليد لينشط العقل، أو قل: ليتهذب عقل المعاش.. وأكثر من هذا يقال عن قطع الطريق لأنـه محاربة للسلطان، وإخافة للآمنين، وسطو على أموال الناس.. والغرض، وراء كل العقوبات، هو تهذيب عقل المعاش عند المعاقب، أو إرساله للحياة الأخرى وهو مطهر، حين تبلغ العقوبة به اجتثاث حياته.. وإنما شدد في أمر الزنا للمحصن، اكثر مما شدد على السارق، وقاطع الطريق، لان الغريزة الجنسية هي الحياة كلها، ولكن حب الملكية ليس غريزة، وإنما هو التواء للغريزة، سببه الخوف على الرزق الذي يسوله وهم عقل المعاش.. أما حد السكر فهو، كما سبقت إلى ذلك الإشارة، اقل الحدود الخمسة انضباطا.. وهو إنما يقع على السكر، وليس على مجرد الشرب، والحكمة فيه أن الشارب إنما يهرب من واقعه لأنه لا يعجبه، ويغرق عقله بالخمر، ليعيش في دنيا من صنع خياله المريض، وعقله المعطل بالخمر، حتى أن شاعرهم قد قال: -
فإذا سـكرت فإنني رب الخورنق والسديرْ وإذا صحوت فإنني رب الشويهة والبعيـرْ
فهذا الهروب من الواقع حالة مرضية، والمطلوب من العاقل أن يتواءم مع واقعه، مع إعمال عقله لتغييره للصورة التي يطمح إليها.. فمن أجل كرامة الفكر جاءت العقوبة بالجلد، حتى يرده الألم للواقع، فانه ليس مع وقع الألم فرصة لخيال مريض.. وهكذا تصان مصلحة الفرد، ومصلحة الجماعة، في آن معا، مصلحة الفرد بتهذيب عقل المعاش.. ومصلحة الجماعة بجعل أحد أفرادها فردا منتجا، ونافعا لمجتمعه.
هذه هي الحدود.. وهي شديدة الانضباط.. هي دستورية، في قمة الدستورية.. ولقد قلنا إن دستورية القوانين تعني مقدرتها على التوفيق بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة، وحاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة.. وتلي الحدود في هذا المضمار قوانين القصاص.. ولقد قلنا إن القصاص يقوم على المعاوضة - من أتلف شيئا عليه أن يصلحه- عليه أن يعوضه - وهي، بمعنى أوسع، تقوم على أن تعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به.. وهذه قاعدة تربية عظيمة النفع للفرد، وللمجتمع.. ولقد قلنا إن تشاريع الحدود يمكن أن تنطوي تحت كلمة القصاص، بمعنى المعاوضة، ذلك بأن الحدود أيضا معاوضة.. وقلنا إن الحدود أشد انضباطا من القصاص، ذلك بأن القصاص يمكن فيه العفو، كما تمكن فيه الدية.. ولكن الحدود إذا بلغت الحاكم، فليس فيها إلا إقامتها.. والقصاص إنما تجيء دستورية قوانينه من مقدرته على الجمع بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة، وحاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة.. فمثلا ، من قلع عين إنسان لا بد أن يكون ضعيف التصور لمبلغ الألم الذي يلحقه، بقلع عين أخيه الإنسان، بأخيه الإنسان.. قد يكون ضعف التصور ناتجا من غضب استولى عليه، فأخرجه عــن طوره، وعطل عقله، فلم يسيطر على رعونة نفسه.. وقد يكون ضعف التصــور ناتجا من ضعف عقل المعتدي، ومن قصر خياله، فرأت حكمة التشريع أن تضعه في موضع المعتدى عليه، فتقلع عينه، ليذوق الألم الذي قصّر خياله عن تصوره.. هذه التجربة توقظ عقله، وتخصب خياله، وتحي ضميره- تورثه حياة حية - ولذلك فقد قال، تبارك وتعالي، عن القصاص، وهو يشمل الحدود، كما سلفت الإشارة: ((ولكم في القصاص حياة، يا أولى الألباب ، لعلكم تتقون..)) ويجب أن يكون واضحا، فان الحدود، والقصاص، لا تقام إلا على خلفية من العدل- العدل الاقتصادي، والعدل السياسي، والعدل الاجتماعي - وإلا على بعث للتربية بإحياء منهاج العبادة، التي تعين الأفراد على أنفسهم، ثم لا تجيء العقوبة، حين تجيء، إلا لتسد ثغرات الممارسة في العبادة، حتى يعان الفرد الذي قصرت به عبادته بالعقوبة ليبلغ مبلغ يقظة العقل، وحياة الضمير، وتوقد الذهن.
04-14-2007, 07:13 PM
Omer Abdalla
Omer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-02-2003
مجموع المشاركات: 3083
إن الفرد البشري اليوم وارث لكل حياة الجنس البشري، منذ النشأة ، فهو يعيد كل هذه الحياة، منذ حياة حيوان الخلية الواحدة، بين الماء والطين . ولكن في رحم الأم هو يطوي هذه المراحل بسرعة شديدة لأنها موجودة فيه بالإمكان فهي تفـــر نفسها، بمحض الفضل الإلهي، في تسعة اشهر وبضعة أيام.. قال تعالي: ((ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين..)) فأما القرار المكين هنا فإنما هو رحم الأم.. وأما النطفة هنا فإنما هي ماء الرجل المختلط ببويضة الانثي.. ولقد طوى تبارك وتعالي، في عبارة ((سلالة من طين)) تطور الحياة، منذ نشأت، بين الماء والطين، وإلى أن بلغت مرتبة البشرية ، قال تعالي: ((هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا * إنا خلقنا الإنسان من نطفة، أمشاج نبتليه، فجعلناه سميعا بصيرا * إنا هديناه السبيل، إما شاكرا، وإما كفورا..)) فالنطفة الأمشاج هنا إنما هي الماء المختلط بالطين.. وهذا مما طوي في عبارة ((من سلالة من طين)).. فالفرد البشري اليوم، في الرحم، يعيش كل هذه الأطوار، التي استغرقت دهرا دهيرا، في تسعة اشهر، وبضعة أيام، وذلك بمحض الفضل الإلهي. ولقد حفز الخوف الرهيب الحياة في المراقي، حتى بلغت طورها الحاضر، ببروز البشر المعاصرين.. ولقد طويت الإشارة إلى الخوف الرهيب الذي حفز الحياة في مراقيها في عبارة ((نبتليه)).. ولقد طويت المراقي في عبارة ((فجعلناه سميعا بصيرا)).. وفي آيات النشأة البشرية يقول تبارك وتعالي: ((ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة، فخلقنا العلقة مضغة، فخلقنا المضغة عظاما، فكسونا العظام لحما، ثم أنشأناه خلقا آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين..)) فهذه ست حركات يطوي فيها الكائن البشري، في رحم الأم، كحيوان منوي، جميع مراحل الحياة، من لدن الماء، والطين.. وفي الحركة السابعة ((ثم أنشأناه خلقا آخر)) يدخل الكائن البشري، وهو في رحم الأم، مرتبة البشرية، ثم يخرج إلى الحياة طفلا بشرا سويا!! ((فتبارك الله أحسن الخالقين..)) ثم هو منذ أن يولد، يسير سيرة الفرد البشري الأول الذي اضطر، اضطرارا، ليعيش في مجتمع، وكذلك هدي إلى اختراع المجتمع، منذ ذلك الوقت المبكر.. ثم هو لم يخترعه إلا بعد أن تنازل اضطرارا عن بعض حريته، ليستمتع بباقيها.. وهذا هو الشأن إلى يومنا الحاضر، حيث تقيد حريات أفراد المجتمع بما لا يتعدى على حريات الآخرين.. وكلما ترقت المجتمعات، كلما قللت من القيود على الأفراد. ومن هذا الاتجاه نشأت الديمقراطية، ونشأت الدساتير، ونشأت القوانين الدستورية.. ولقد قلنا، ونقول مرة أخري، إن القوانين الدستورية هي تلك التي تملك القدرة على التوفيق، في آن معا، بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة، وحاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة.. ولقد قررنا، فيما سلف، أن القوانين التي أخذت بداياتها من الأعراف البسيطة، الساذجة، البدائية، التي حولها نشأ المجتمع، بتقييد، أو قل بتنظيم، القوة الجنسية، وبتقييد، أو قل بتنظيم الرغبة في الملكية، قد كانت دستورية بهذا المعنى الوارد أعلاه.. نقول هذا مع أن العقوبات التي كانت تترتب على مخالفات هذه الأعراف قد كانت عنيفة، أشد العنف، وأفظعه.. ولكنها، مع ذلك، قد كانت حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة .. ولكنها فقط في نقطة البداية، حيث نشأة العقل، الذي يقيد نزوة الحيوان فينا.. ولولا نشأة العقل لما دخلنا مرتبة البشرية.. ولولا العقل أيضا لما كان هناك طموح منا لنبلغ مبلغ الحرية الفردية المطلقة، منذ اليوم، وفي أيامنا المقبلة.. وهي أيضا قد كانت، وبنفس القدر، حاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة، التي نحلم بها نحن، منذ اليوم، ونترقب بلوغها، في أيامنا المقبلة.. إن النهايات ظاهرة في البدايات.. ولكن ظهورها يحتاج منـا إلى أعمـال فكر.. إن المعلم واحد - الله ..
Quote: بالتخلص من عقل المعاش- قل بتهذيب عقل المعاش - نتحرر من الخوف، ونفض الكبت الذي رسبه فينا جهلنا بالبيئة، التي عشنا فيها طوال الحقب السوالف من عمر الحياة على هذا الكوكب.
الاخ العزيز عمر واحباب حياة الفكر والشعور بحكم صداقتي العميقة للفكرة الجمهورية وطرحها الراقي جاتني الهامات كده اصدرتها في كتاب باسم(الانسان) واتمني ان اثري به هذا الخيط..مع شمس /الحقيقة والاستاذ محمود..استمد قبس لانير قمر/ الجمال...اضع هذا الجهد
Quote: نظرية المعرفة(1-3)ا عادل الامين [email protected] الحوار المتمدن - العدد: 1706 - 2006 / 10 / 17
خلق الله آدم في الجنة وعقله يزخر بالمعارف والعلوم كلها ، كان يعيش حياة كاملة ، وعندما هبط إلى الأرض احتجبت هذه المعرفة بغطائين ، حجاب ظلماني (Dark Screen) وهو حجاب الغريزة (شهوتي البطن والفرج) وأصبح هناك جزء من عقله يؤدي وظائف الجسد ومطالبه يسمى عقل المعاش (Living Mind) والجزء الآخر برمجت فيه المعرفة الأزلية يسمى عقل المعاد (Post Living Mind) أما الحجاب الثاني فهو حجاب نوراني (Light Screen) وهو حجاب العقل نفسه ذلك العقل الذي يفسر الأشياء بأضدادها ، نجد أن تركيبه الإنسان من روح وجسد لعبت دوراً كبيراً في انقسام عقل الإنسان تبعاً لذلك ليؤدي مطالب الروح التي تنشد المعرفة الأزلية التي تعلمتها في عالم الذر .
قام آدم بتوريث هذه المعرفة إلى ذريته التي جاءت من بعده ، إن الإنسان في هذه الحياة يتذكر ولا يتعلم ، أي أن المعرفة تنبع من داخل عقل الإنسان ، والإنسان المجود للسلوك والمتأمل يستطيع أن يرفع الحجب ويبدأ مشوار السير إلى الله ، والسير إلى الله ليس بقطع المسافات ولكن بتقريب الصفات إلى الصفات . إن آيات الآفاق وآيات النفوس هي دليل الإنسان في البحث عن الحقيقة ، قال تعالى [سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ، أوَلم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد] (53 فصلت) .
إن التعارض في النفس البشرية بين مطالب الجسد والروح هو الذي يجعل الإنسان يتأرجح بين الخطأ والصواب ويتقدم إلى الأمام في حياة الفكر والشعور ، لذلك الخطأ شيء موجود في تركيبة الإنسان ولا بد منه حتى يتعلم الإنسان ويتذكر ، إن حياة الجسد والروح في تركيبتهما الفريدة حياة ذات حدين إما كان الجسد سجن للروح يجعلها تتوق للإنعتاق عنه أو أصبح الجسد بيت لها تستأنس به وتحضه على عمل الأعمال الصالحة وبذلك يكون الإنسان في حالة تقلب بين الخير والشر.
إن العبادات من صلاة وصوم وزكاة جاءت لتعين الجسد على خدمة الروح التي تتوق للكمال وإن تجويد الإنسان للعبادات يجعله يحس بالسمو والتقدم من الحالة الحيوانية التي يعاني منها إلى مصاف الإنسان الذي خلق لأجله كل هذا الكون .
إن المعرفة الإنسانية تنقسم إلى قسمين ، معرفة إيمانية وهذه المعرفة معرفة تصديق . إذ لا يكون السامع أو المتلقي ملزم بأن يصدق الخبر أو لا يصدقه … مثلاً إذا قلنا لأحد سكان الأسكيمو في القطب الشمالي أن هناك فاكهة عند خط الإستواء يقال لها البطيخ ، خضراء اللون من الخارج وحمراء من الداخل وحلوة المذاق فإنه في هذه الحالة قد يصدق ما نقوله أو لا يصدق وتصبح المعلومة في عقله في حالة عدم اتزان.
النوع الآخر من المعرفة هي المعرفة اليقينية وهذه معرفة تحقيق إذ إنه لا يصل إليها الإنسان إلى بعد إجراء تجربة عملية للتأكد من الخبر الذي نسمعه ، نعود للمثل الذي ضربناه في الفقرة السابقة ، إذا ركب هذا الرجل الأسكيمو الطائرة وجاء إلى بلد عند خط الإستواء وذهب إلى السوق . وسأل عن البطيخ فدلوه عليه فاشترى قطعة فنظر إليها فوجدها خضراء من الخارج وشقها بالسكين وجدها حمراء من الداخل ، ثم تذوقها فوجدها حلوة الطعم ، بذلك يكون حصل على معرفة مؤكدة للخبر الذي سمعه أول مرة في بلاده .
إن الفرق بين المعرفة الإيمانية والمعرفة اليقنية فرق مقدار كما أن الفرق بين الإيمان واليقين هو أن الإيمان معرفة قلقة ناقصة إلى حد ما بينما اليقين معرفة مستقرة تكاد تكون كاملة . قد سبق القرآن فلاسفة الغرب في ماهية العلم المادي التجريبي (Matrial Expermental Science) إلى نوع أسمى من المعرفة يمكننا أن نطلق عليها مجازاً العلم الروحي التجريبي(Spritual Expermental Science) ولندلل على ذلك نذكر تجربة سيدنا إبراهيم عليه السلام في إثبات قدرة الله المطلقة على إحياء الموتى والتي تضمنتها الآيات قال تعالى [وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أوَلم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءاً ثم أدعهن يأتينك سعياً واعلم أن الله عزيز حكيم] (260البقرة).
ومن هنا نرى أن التجربة التي قام بها سيدنا إبراهيم كانت تجربة تأكيدية لقدرة الله على إحياء الموتى ونال بذلك طمأنينة القلب وبرد اليقين ، وقد ذكر ذلك في سياق آية أخرى : [ وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين] (75 البقرة) .
إن الناس تتباين في المعرفة وفقاً لطبيعة المعلومات التي يتلقونها وتختزنها عقولهم ، ويمكننا أن نقسمها إلى ثلاث أنواع من القضايا :-
(1) 2 + 2 = 4 قضية صائبة ( درجة أولى )
(2) ص + س = 4 قضية ظنية ( درجة ثانية )
(3) 2 + 2 = 3 قضية خاطئة ( درجة ثالثة ) .
بذلك يكون الناس أربعة ، مثقف ومتعلم وأمي وجاهل ، وفقاً لطبيعة القضايا التي يحملونها أو مبرمجة في عقولهم ، فالمثقف إنسان يجيد القراءة والكتابة ومستقيم أخلاقياً وتأثيره إيجابي على المجتمع وجل القضايا التي يختزنها عقله من الدرجة الأولى ، المتعلم يجيد القراءة والكتابة ، ضعيف أخلاقياً وينطبق عليه المثل الإنجليزي (The half Lerned man is a dengrous man) وتأثيره سلبي على المجتمع والمعلومات في عقله من النوع الثاني والثالث .. الأمي إنسان لا يجيد القراءة والكتابة ، مستقيم أخلاقياً وتأثيره إيجابي على المجتمع ، المعلومات في عقله من النوع الأول والثاني ، أخيراً الجاهل وهذا لا يجيد القراءة والكتابة ضعيف أخلاقياً وتأثيره ضار في المجتمع والمعلومات في عقله من النوع الثالث في الغالب ..
رايكم شنو؟؟
05-23-2007, 03:28 AM
Omer Abdalla
Omer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-02-2003
مجموع المشاركات: 3083
أخي الأستاذ عادل تحية طيبة وشكرا على المداخلة الراقية أفكار الأستاذ محمود تجمع بين العلم التجريبي الروحي والعلم التجريبي المادي في كل متسق وهي مع بداهتها لا يراها الكثيرون كالشيء على أرنبة الأنف لا يرى من فرط قربه ولكن جاء الوقت الذي أضحت فيه هذه الأفكار هي الملاذ الوحيد بعد أن طفت ظاهرة الهوس الديني على السطح فلم يعد هناك مناص من البحث عن الفكر الإسلامي الواعي الذي لا يعارض العلم ولا يعارض الفطرة السليمة ثم أن العلم المادي قد وصل مرحلة أسلم فيها قياده للعلم الروحي لتكملة المشوار وليس أدل على ذلك من آخر نظريات الفيزياء النظرية وبصورة خاصة نظرية ال String Theory فقد مثلت الفاصل الدقيق بين العلم المادي والعلم الروحي .. ويسعدني أن أراك من المستوعبين لأفكار الأستاذ بعمق ومن المخلين لها في كتاباتك بصورة سلسلة ومتسقة .. عمر
أختي العزيزة مايا تحية طيبة لم تقولي غير الحق وستظل أفكار الأستاذ ترفرف فوق رؤوسنا عالية خفاقة وسيهطع اليها اولئك الذين رفضوها (من اليمين واليسار) حينما يستيقنوا أنها حجر الزاوية الذي رفضوه .. أن سعيد بمرورك من مهنا وبمتابعتك عمر
الأخ عادل أمين .. أظن بأنك تناولت موضوع الفكر والشعور بصورة مبسطة ومفهومة .. وحقيقة وسر الإنسان محجوبة لقصور فهم الإنسان لنفسه نتيجة لطبيعة الحياة التي يحياها.. وهو التشتت بين حياة الفكر وحياة الشعور ..وما لم يعمل الإنسان فكره لمعرفة حقيقة الروح وما تحويه من أنوار وأسرار ..والجسد ما يحويه من كبت وشهوات ..لن يستطيع أن يجلي أنوار روحه ليخمد ظلمة شعوره.وقد تحدث الأستاذ كثيرا عن الأدب ودوره في الرقي والسمو بالروح .. وفي إعتقادي المتواضع ان مدخل الأدب هو الباب الأول لمراقي الإنسان نحو الكمال ...
05-20-2007, 03:40 AM
Osman Musa
Osman Musa
تاريخ التسجيل: 11-28-2006
مجموع المشاركات: 23082
نقطة حوار غدا الاثنين في اذاعة البي بي سي...لابد ان تشاكو من اليوم الامر مفتوح لجميع فقط تملاء بيناتك وتحدد مداخلتك ويتصلون بك هم عن امر هام جدا ارجو من الاخوان المشاركة فيه وهو امر الحدود الاسلامية وعلاقتها بحقوق الانسان والعقوبات الجسدية..خاصة ان الاستاذ محمود تكلم عن الحدود بصورة راقية في الديباجة
والآن فان الفرد البشري يولد أنانيا، فهو لا يرى أن هناك غيره، بل إنه يرى انه يجب أن ينفرد بنيل ما يريد.. ثم هو يأخذ في التعلم، قليلا، قليلا، حتى يقيد رغبته برغبة المجتمع من حوله.. وكلما نما، كلما علم، أن حريته مقيدة بحرية الآخرين.. ثم هو، إذا بلغ سن الرشد، أصبح واضحا أمامه وجوب تقييد نزواته، وفق العرف، والقانون، وإلا فانه يتعرض للعقوبة التي تعرض لها الفرد البشري، في أول النشأة، مع الاختلاف طبعا، في عنف العقوبة بين الأمس، واليوم، وذلك بفضل الله، ثم بفضل تطور المجتمع، فالفرد البشري اليوم مولود وهو وارث لتجارب الحياة منذ بدايتها.. ووارث للكبت الذي فرضته الحياة، في المجتمع، على الفرد البشري، منذ بروز البشر من مستوى الحيوان.. ثم إن على الفرد البشري بالإضافة للكبت الموروث، أن يمارس كبتا مكتسبا في حياته بين الميلاد والوفاة.. ولقد كان الكبت دائما بفعل الخوف، ولكن الخوف يقل، ويقظة الضمير تزيد، كلما اقتربنا من عهد كمال الحياة البشرية على هذا الكوكب الذي نعيش فيه، ولقد كان الخوف صديقا، حيث به برزت العقول من الأجساد، ولكنه لا بد من التحرر من الخوف من أجل كمال العقول وكمال الأجساد.. لقد كان الخوف صديقا في بداية النشأة، ولكنه قد أصبح عدوا منذ اليوم، حيث أقبلت الحياة البشرية على عهد كمالها.. لقد سار الفرد البشري من مستوى الحيوان إلى مستوى البشر، بفضل الله، ثم بفضل الكبت، الذي به انقسم على نفسه وسيسير من مستوى البشر إلى مستوى الإنسان، بفضل الله، ثم بفضل فضّ الكبت، حيث تتوحد البنية التي انقسمت بفعل الكبت .. إن جميع عصور البشرية، وإلى اليوم، قد تطورت فيها البنية البشرية وهي منقسمة على نفسها.. وهذا ما أسميناه مرحلة: ((الجسد والعقل المتنازعين)).. وستدخل البشرية مرحلة كمالها منذ اليوم، وذلك بفض الكبت، الموروث، والمكتسب، حيث تجيء مرحلة: ((الجسد والعقل المتسقين)).. ويومئذ تدخل البشرية الحاضرة مرحلة الإنسانية، حيث تتم وحدة البنية البشرية، التي عاشت منقسمة على نفسها طوال تاريخها الطويل.. ولا يجيء فض الكبت فجأة، وبغير فكر يهدي التطور، كما يظن الماديون، حيث يتحدثون عن تحرير الغرائز، وهم لا يعلمون ما يقولون.. لا بد للفرد اليوم، من أجل تطوره في مضمار وحدة بنيته، من الكبت، المجود، الواعي، ليستطيع، بعد تجويد الكبت، أن يدخل مرحلة فضّ الكبت، بعلم، وبذكاء.. إن الكبت المكتسب يجب أن يجيء من قناعة، ومن يقظة ضمير، ومن توقد ذهن، ومن علم بأصل البيئة، التي نعيش فيها- البيئة الطبيعية، والبيئة الاجتماعية – لا أن يجيء من الخوف الذي سلط على أوائلنا، من جراء الجهل.. لقد كان الخوف - كما قررنا - صديقا لأوائلنا، ولكنه، منذ اليوم، هو عدونا، ويجب، بفضل الله، ثم بفضل العلم الجديد بأصل البيئة الطبيعية، والاجتماعية، أن نتحرر منه .. وفي مضمار التحرر من الخوف يجيء فض الكبت..
لقد انصب الكبت في أول نشأة المجتمع كما سبق أن قررنا، على القوة الجنسية، وعلى حب التملك.. واليوم فإن الكبت يجب أن ينصب عليهما معا ولكن بعلم، وبقناعة، لا بخوف العقوبة من المجتمع.. ولما كان في المرحلة لا بد من مستوى من الخوف، من أجل التحرر من الخوف، فقد وجب توحيد الخوف في مصدر واحد، ريثما يتم التحرر نهائيا من الخوف.. هذا المصدر الواحد إنما هو المعلم الواحد، الذي سير الحياة، من بدايات المادة، في المراقي نحو الكمال.. لقد قلنا لأن المعلم واحد فان النهايات ظاهرة في البدايات، ولكن ظهورها يحتاج منا إلى أعمال فكر.. والآن فإنا نقرر أن دين التوحيد قد كان ظاهرا في دين التعدد، منذ نشأة الدين، عند الفرد البشري، قبل نشأة المجتمع.. فقد كان لكل فرد في الأسرة آلهة - للأب، وللأم، وللأبناء البالغين، ولغير البالغين - ولكن آلهتهم جميعا تخضع لإله الأب، كما يخضعون هم جميعا له.. ثم إن الأسرة الواحدة قد نشأت منها أسر جماعة، ترجع إلى رجل واحد، هو جدها.. ولهذه الأسر العديدة رجل حكيم، يأتمرون بأمره، ويذعنون لحكمته، ولإلهه تذعن آلهتهم، كما يذعنون هم له.. وهكذا سار التوحيد.. رجل حكيم، وذكي، يذعن له رجال قبيلته، ونساؤها، ولإلهه تذعن آلهة رجال قبيلته، ونسائها.. ثم إن القبائل تحترب، فيما بينها، فتغلب قبيلة قبيلة، فتذعن القبيلة المغلوبة للقبيلة الغالبة، وتذعن آلهة القبيلة المغلوبة لآلهة القبيلة الغالبة.. وهكذا سار التوحيد.. ثم جاء عهد الملوك فتوجت القبائل شيوخها ملوكا عليها، ليحموها وليقودوها إلى النصر على أعدائها الذين ينازعونها الأرض، وينازعونها المرعى ، وينازعونها الماء ، ويشنون عليها الغارات.. فإذا انتصرت قبيلة، بقيادة ملكها، على قبيلة أخرى، بقيادة ملكها، فان الملك المغلوب يذعن للملك الغالب، وتذعن معه، أو تذعن آلهته للآلهة الجديدة، ويتوحد الملك بين القبيلتين، ويتوحد الدين.. وهكذا يسير التوحيد.. ثم تطور عهد الملوك: من ملوك القبائل الرحل، إلى ملوك المدن المسّورة، المحصنة بالقلاع، وتطورت، مع تطور الملوك الآلهة.. وتطورت الممالك، من ممالك المدن، إلى ممالك الدول الكبيرة.. وتطورت الآلهة أيضا حتى جاء عهد الملوك الذين كانوا يرون أنفسهم آلهة، والملوك الذين كانوا يرون أنفسهم أبناء الآلهة، والملوك الذين كانوا يرون أنفسهم ظلالا للآلهة، والملوك الذين كانوا يرون أنفسهم ظلالا لإله واحد.. هكذا يسير التوحيد.. ولقد جاء دين التوحيد ، من السماء باتصال الملك جبريل بالبشر المرسلين لتعليم الناس التوحيد، منذ آدم، أبو البشر الحاضرين، وذلك عهد بعيد ، ممعن في البعد، ولكن دائرة دين التوحيد بهذا المستوى - مستوى رسالات السماء - قد كانت ضيقة.. وفي أثناء ذلك لقد خدم عهد الملوك دين التوحيد خدمة جليلة..
و جاء مؤخرا الملوك الموحدين: ((ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل، من بعد موسى، إذ قالوا لنبي لهم: ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله.. قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا؟؟ قالوا: ومالنا ألاّ نقاتل في سبيل الله، وقد أخرجنا من ديارنا ، وأبنائنا.. فلما كتب عليهم القتال تولوا، إلا قليلا منهم.. والله عليم بالظالمين * وقال لهم نبيهم: إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا.. قالوا: أنّى بكون له الملك علينا، ونحن أحق بالملك منه، ولم يؤت سعة من المال؟؟ قال: إن الله اصطفاه عليكم، وزاده بسطة، في العلم، والجسم، والله يؤتي ملكه من يشاء، والله واسع عليم ..)) وكان في جند طالوت داوؤد.. ويقص الله علينا من خبرهم: ((و لما برزوا لجالوت، وجنوده قالوا: ربنا افرغ علينا صبرا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين * فهزموهم، بإذن الله، وقتل داوؤد جالوت، وآتاه الله الملك، والحكمة، وعلمه مما يشاء.. ولو لا دفع الله الناس، بعضهم ببعض ، لفسدت الأرض.. ولكن الله ذو فضل على العالمين ..)) وخلف داوؤد سليمان ابنه، فكان ملكا رسولا.. وانتصر سليمان على بلقيس، ملكة سبأ، فجاءت مذعنة: ((قالت: رب إني ظلمت نفسي، وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين..)) وكانت هي، وقومها، يعبدون الشمس، فتحولوا لما هزموا، إلى دين التوحيد.. وهكذا يسير التوحيد.. واستمر عهد الملوك.. ولماء جاء المسيح، ابن مريم، نبيا عبدا، رفضه اليهود، لأنهم كانوا ينتظرونه نبيا ملكا.. ولقد جاء نبينا، فخير أن يكون نبيا ملكا، أو نبيا عبدا، فاختار أن يكون نبيا عبدا.. فانتصر بذلك للمستضعفين، في الأرض. وبدأ عهد الجمهورية، من يومئذ، يدال له من عهد الملكية.. ولكن، لما كان الوقت لا يزال مبكرا لمجيء عهد الجمهورية، مجيئا عمليا، فقد قال نبينا: ((الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تصير ملكا عضوضا ..)) وهكذا كانت، على عهد معاوية، وإلى وقت قريب، وفي بعض البلاد الإسلامية، إلى يومنا الحاضر.. وبالثورة الفرنسية، في القرن الثامن عشر، بدأ عهد الجمهورية بصورة، عملية، وجريئة.. ثم جاءت الحرب العالمية الثانية، وبنهايتها اتسع النظام الجمهوري، وتقلص النظام الملكي، في كل الأرض.. لقد جاء عهد الشعوب، وبدأ التاريخ يكتب من جديد وهكذا يسير التوحيد..
و الآن فان التوحيد قد بلغ مستوى طيبا جدا يسمح بتطور جديد في مستوى الحياة البشرية به تدخل عهد الإنسانية، الذي ظلت ترقبه، وتحلم به - أو بالأحرى يحلم به طلائعها من أنبياء الحقيقة. ولقد رأينا كيف أن العلم المادي، بانفلاق الذرة، قد رد الوجود كله إلى اصل واحد، معلوم الخصائص، مجهول الكنه.. أصل واحد هو قوة - هو طاقة- تدفع، وتجذب، في الفضاء.. ولقد اخترنا الحديث عن خط تطوير السلاح، من السلاح الحجري، إلى السلاح النووي، لان الحروب تحفز على التطوير أكثر مما يحفز السلام.. وإلى اليوم، فان الدول، ميزانياتها، تكاد تكون مفتوحة، لتمويل البحوث العلمية التي تطور الأسلحة الرهيبة، ذلك بأن السلام اليوم إنما يقوم على الخوف من الحرب بهذه الأسلحة الرهيبة، التي معها لن يكون هناك منتصر، ومنهزم، كما كانت الحالة بالأسلحة التقليدية، وإنما هو الدمار لكل الحياة.. وبفضل حوافز الحرب جاء تطوير العلم المادي التجريبي للحياة المعاصرة، من جميع وجوهها.. ثم أننا رأينا كيف سار توأم العلم المادي التجريبي- الدين- من التعدد أيضا إلى التوحيد.. لقد كان هناك في بدء المسيرة آلهة كثيرة - آلهة بعد البشر - ولكن بعض الآلهة مهيمن على بعضها، هيمنة البشر، بعضهم على بعض.. ولقد جاءت أديان التوحيد جميعها تحارب آلهة الأصنام، وآلهة العناصر، والأجرام، وآلهة الملوك، مثال فرعون: ((فحشر فنأدى * فقال أنا ربكم الأعلي..)) حتى تم لها النصر، من حيث التنظير بنزول القرآن.. وعندما جاء النبي الكريم بالقرآن في مكة كان في الكعبة، بيت الله الذي بناه أبو الأنبياء، إبراهيم، لعبادة الله وحده، نحو ثلاثمائة وستين صنما.. فقال يا أيها الناس قولوا: ((لا إله إلا الله)) تفلحوا!! فقالوا فيما حكي عنهم القرآن: ((أجعل الآلهة إلها واحدا؟؟ إن هذا لشي عجاب!!)) ولقد جاء جميع الأنبياء، والرسل، بقولة ((لا إله إلا الله)).. اللفظ واحد، والتحصيل، في الصدور، يختلف - المعنى يتفاوت.. في جميع العصور كانت ((لا إله إلا الله)) تعني أن جميع الآلهة باطلة، إلا إلها واحدا، هو الله.. ((لا معبود بحق إلا الله)).. هذا معنى ((لا إله إلا الله)) عندنا، نحن المسلمين ، في القرن السابع.. ذلك بأنه قد كانت هناك آلهة أصناما حسية، فكان هذا المعنى يناسب ذلك الطور، من أطوار المجتمع البشري.. أما اليوم فان التوحيد، بمحض الفضل الإلهي، قد ارتفع إلى قامة جديدة، تناسب مجتمع القرن العشرين، الذي طور العلم المادي التجريبي، حتي رد المادة كلها إلى أصل واحد، وحتى بفضل الله، علينا وعلى الناس، طور الآلة في مضمار القوة، والسرعة، والكفاءة، إلى الحد الذي الغي، أو كاد أن يلغي، الزمان، والمكان.. فوحد بذلك هذا الكوكب الذي نعيش فيه .. إن البشرية اليوم لا تعبد أصناما حسية، كما كان يفعل الناس، في القرن السابع، ولكنها، مع ذلك، تعبد أصناما معنوية، لها علينا سلطان، أقوى من سلطان الأصنام الحسية على عُبَّادها الذين ظلوا لها عاكفين..
((اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا..)) هذا اليوم، هو يوم عرفة، من سنة عشرة للهجرة، وهو يوم حجة الوداع، وقد كان يوم جمعة.. هذه الآية هي آخر من نزل من القرآن.. ولقد لبث النبي بعدها بين الناس، ذي الحجة، ومحرم، وصفر، ثم لحق بالرفيق الأعلى، وكان ذلك يوم 12 ربيع الأول، من السنة الحادية عشرة، من الهجرة المباركة.. لقد كمل يومئذ إنزال القرآن، ولكن لم يكمل بيانه - ولن يكمل، لان بيانه عند الله، حيث لا عند: ((ثم إن علينا بيانه))، هكذا قال ربي العظيم، وما على الله بيانه لا يقع الفراغ من بيانه، لأنه مطلق، و ((كل يوم هو في شأن)).. ولقد بين، تبارك وتعالي، لنبيه قدرا عظيما منه، ولكنه نهاه عن تبليغه للامة: ((نحن معاشر الأنبياء، أُمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم)).. ولقد أرشدنا، تبارك وتعالي، إلى الطريقة التي بها نكون مهيئين لتلقي البيان منه، تبارك وتعالي، فقال: ((واتقوا الله، ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم ..)) وقال النبي الكريم: ((إنما أنا قاسم، والله يعطي، ومن يرد به الله خيرا يفقهه في الدين ..)) فالنبي جاء ليعلمنا كيف نتقي الله حتى يعلمنا الله.. فقوله ((إنما أنا قاسم)) يعني أرسلت بالشريعة لأعلمكم كيف تتقون، وأرسلت بالطريقة أيضا لأكون لكم قدوة بإتباعها تزيدون في تقواكم لله، فيعلمكم الله، ((والله بكل شيء عليم)).. فهو يعلمكم بقدر استعداد المكان منكم للتعليم . ((و من يرد به الله خيرا يفقهه في الدين)).. و اليوم، بفضل الله، ثم بفضل إتباع النبي الكريم، يدخل في الوجود زيادة بيان للقرآن يناسب القرن العشرين، حتى يكون الإسلام، والقرآن ، للناس - جميع الناس - ملاذا، ومفازة .. إن ((لا إله إلا الله)) اليوم لا تعني: ((لا معبود بحق إلا الله))، وإنما تزيد على ذلك المعني، فتصبح: ((لا فاعل لكبير الأشياء، ولا لصغيرها، إلا الله)).. يقول تعالي: ((وكأينٍ من دابة لا تحمل رزقها، الله يرزقها، وإياكم، وهو السميع العليم * ولئن سألتهم: من خلق السموات، والأرض، وسخر الشمس، والقمر؟؟ ليقولنّ: الله.. فأنّى يوفكون * الله يبسط الرزق، لمن يشاء من عباده، ويقدر له.. إن الله بكل شيء عليم ..)) فكأن الناس يردون فعل الأشياء الكبيرة إلى الله، ولكن فعل الأشياء الصغيرة ينسبونه للمخلوقات، من دون الله.. وإنما جاء ذلك لوهم الإرادة التي ورطتنا فيها حركاتنا التلقائية.. نحن نظن أن عندنا إرادة مستقلة، عن الله، سبحانه وتعالي، بها ننفذ الأعمال الصغيرة، التي تتطلبها حياتنا اليومية، في هذه الدنيا، مثل تدبير الرزق، وهو أكبر شيء رسب الخوف في صدورنا، منذ نشأة الحياة، بين الماء، والطين، في سحيق الآماد.. ولقد ساق الله لنا هنا الآية الأولى عن الرزق ثم ساق الآية الثانية عن خلق السموات، والأرض، وتسخير الشمس، والقمر.. وساق الآية الثالثة عن الرزق أيضا.. نحن لا دعوى لنا في خلق السموات، والأرض، ولا في تسخير الشمس، والقمر.. هذه لا طاقة لنا بها، فلا دعوي.. ولكن لنا طاقة بتدبير الرزق بالزراعة، وبالتجارة، وباحتراف الحرف المختلفة.. ولذلك فقد تورطنا في الدعوى ههنا.. واستولى علينا عقل المعاش.. وركز فينا خوف الجوع، وخوف الموت بالـجوع، وأمرنا بالبخل، وبالحرص، وبالادخار، وبالعداوة، وبالحرب، وبكل مذام الصفات.. هذه هي الأصنام التي نعبدها اليوم، لا الأصنام الحسية.. لقد كانت الأصنام الحسية، في حينها، رمزا، مجسدا، لهذه المعاني.. كانت الأصنام الحسية رمزا للإرادة البشرية وتشويهاتها المختلفة التي أملاها علينا الجهل، في سحيق الآماد . ولقد جاء تبارك وتعالي، في فاصلة الآية الأولى بقوله: ((وهو السميع العليم)).. وفي فاصلة الآية الثالثة بقوله: ((إن الله بكل شيء عليم)) وجاءت فاصلة الآية المتوسطة بين الآية الأولى، والآية الثالثة، بقوله: ((فأنى يؤفكون؟؟)).. و((يؤفكون)) هنا تعني ((يُصرفون)).. كأنه قال: ((فكيف.. يجهلون؟؟)).. عبر، تبارك وتعالي، في ثلاث الآيات عن العلم، إشارة إلى وجوب الخلاص من وهم الحواس، ووهم العقول التي أملت علينا وهم استقلال الإرادة .. إن صنمنا الأعظم اليوم إنما هو الإرادة البشرية المتوهمة التي تعارض الإرادة الإلهية المحققة..
الآية العظيمة التي صدرنا بها حديثنا هذا، وهي: ((اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا ..)) أخطأ في فهمها جميع علماء الإسلام، حين ظنوا أن كل ما يخص الدين قد كمل، وأن ليس هناك أمر مستأنف، يجيء فيما يقبل من الزمان.. والحق إن الدين كله أمامنا.. وانه لمن فضل الله، علينا، وعلى الناس، أن جاءتنا هذه البشارة، بان الله اكمل لنا ديننا، وأتمم علينا نعمته، ورضي لنا الإسلام دينا.. معلوم إن الإسلام قد جاءت به جميع الرسالات السماوية، من لدن آدم، وإلى محمد، وقد قال المعصوم: ((خير ما جئت به، أنا والنبيون من قبلي: "لا إله إلا الله".)).. اللفظ واحد، والتحصيل يختلف، بين الأمم، وأبنائها، وبين الأمم، فيما بينها، وبين الأنبياء، فيما بينهم.. وأكبر تحصيل، في ذلك، بين الأنبياء، ما قيضه الله، تبارك وتعالي، لنبيه الكريم.. وأكبر تحصيل، في ذلك، بين الأنبياء، ما قيضه الله لأمة نبيه الكريم - أمة المؤمنين .. فأما عند الأمة المؤمنة -أمة المؤمنين - فقد كانت تعني ((لا إله إلا الله)) . لا معبود بحق إلا الله.. وقد سبق أن قررنا ذلك.. وأما عند النبي، فقد كانت تعني ((لا فاعل، لكبير الأشياء، ولا لصغيرها إلا الله..)) والدين الذي أشارت له الآية السابقة، هو الدين الذي أشارت له آية: ((فأقم وجهك للدين حنيفا، فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم.. ولكن اكثر الناس لا يعلمون..)) هو الفطرة - ((فطرة الله التي فطر الناس عليها))، جميع الناس.. ولقد قال النبي: ((كل مولود بولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه ..)) وهذه الفطرة لا يقع عليها الكبت، وإنما يقع الكبت على حواشيها - هي في سويداوات القلوب.. ولذلك قال تعالي: ((لا تبديل لخلق الله)).. ولقد سبقت الإشارة إلى الكبت، وقلنا سببه الخوف العنصري، وبه انقسم الإنسان على نفسه، وبهذه القسمة ارتفع فوق مستوى الحيوان، وأخذ الخطوة الأولى في سيره إلى مقام إنسانيته.. وستكون الخطوة الثانية في فضّ الكبت.. وبفضّ الكبت يصل السالك إلى فطرة الله التي فطر الناس عليها، في سويداوات القلوب.. ولقد وقع الكبت بين عقل المعاش، وعقل المعاد.. وعقل المعاد هو طبقة العقل التي تلي عقل المعاش فيما بينه وبين سويداء القلب. وطبقات العقل سبع، تطابق النفوس السبع، عند أصحابنا السادة الصوفية.. وتطابق أسماء الصفات السبع: الحي، العالم، المريد، القادر، السميع، البصير، المتكلم.. فالحى في سويداء القلوب وهذه - الحياة - هي الفطرة - فطرة الله التي فطر الناس عليها ..
بالكبت أخذنا أول خطوة في طريق السير إلى مقام إنسانيتنا.. وبفضّ الكبت نصل إليها.. ولقد ذكرنا أن التطور في مضمار البشرية، منذ أن ارتفعت فوق مستوى الحيوانية بالكبت، ظل في نطاق الكبت.. والكبت سببه الخوف.. والخوف سببه الجهل بالبيئة التي نعيش فيها.. ولقد قلنا: إن العلم المادي التجريبي قد رد الكون الظاهري - أو قل قد رد المادة إلى أصل واحد، هو الطاقة.. وعندما وصل الدين إلى معنى ((لا إله إلا الله)) بأنه لا فاعل لكبير الأشياء، ولا لصغيرها، إلا الله، فقد رد جميع مظاهر الوجود إلى مظهر واحد، هو - الله - الكون مظهر الله في ذاته - لقد تحققت وحدة الوجود بتضافر العلم المادي، والعلم الروحي.. وأصبحت البيئة القديمة بيئة جديدة.. هي بيئة روحية في مظهر مادي.. وأصبح علينا إذن أن نتواءم معها. ثم إن هناك أمرا آخر تقرره الكلمة: ((لا إله إلا الله)).. هذا الأمر هو أن الوجود واحد، وانه هو خير مطلق، وصرف، ولا مكان للشر فيه، إلا لحكمة تعليمنا نحن .. قال تعالي: ((و من كل شيء خلقنا زوجين، لعلكم تذكرون* ففروا إلى الله.. إني لكم منه نذير مبين)).. "فالإثنينية" مظهر للواحد، وليست أصلا فيه.. والحكمة من الإثنينية أن نتعلم نحن، لأن حواسنا التي تؤدي المعاني إلى عقولنا إثنينية، وكذلك عقولنا.. فنحن إنما نعرف الأشياء بأضدادها - نعرف الظلام، بالنور.. ونعرف البرد، بالحر.. ونعرف الشر، بالخير، وهكذا.. لقد دخل الشر في الوجود ليعرّفنا بالخير.. والله خير مطلق.. فإن نحن استطعنا أن نتواءم مع خلقه- نرضى بفعله - لا نرى الشر اطلاقا.. والله تعالى يقول: ((ما يفعل الله بعذابكم، إن شكرتم، وآمنتم، وكان الله شاكرا عليما؟؟)).. وفي الآيتين السابقتين يأمرنا، تبارك وتعالي، أن نفر من الثنائية إلى الوحدة، حيث ينقطع عنا الشر ويبقى الخير وحده.. هذه المعرفة الجديدة للبيئة القديمة هي التي تحررنا من الخوف.. وبالتحرر من الخوف ينفض الكبت الذي رسبه فينا الخوف الذي دفعه إلى قلوبنا الجهل بحقيقة البيئة..
06-17-2007, 11:54 AM
Omer Abdalla
Omer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-02-2003
مجموع المشاركات: 3083
فطرة الله التي فطر الناس عليها هي ((الحياة)).. هي حياة الإنسان، وما حياة الحيوان إلا الخطوة الأولى في السير إلى حياة الإنسان.. حياة الإنسان عالمة وحياة الحيوان جاهلة.. حياة الإنسان هي الحياة الأخرى، وحياة الحيوان هي الحياة الدنيا.. للحياة الأخرى عقل المعاد، وللحياة الدنيا عقل المعاش، وإنما جاء الدين ليهذب عقل المعاش، حتى يرتفع بنا إلى عقل المعاد.. ولقد ورد في ذلك بعض التفصيل.. ولما كانت حياة الإنسان عالمة، كانت أيضا طائعة لله، مؤمنة به: ((الذين آمنوا، ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، أولئك لهم الأمن، وهم مهتدون..)) ولقد قال، تبارك وتعالي، في الحياتين، الحياة الدنيا، والحياة الأخرى: ((و ما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب، وإن الدار الآخرة لهي الحيوان، لو كانوا يعلمون!!)) و"الحيوان" تعني المبالغة في الحياة - تعني الحياة الكاملة.. ولقد خلق الإنسان- آدم- على هذه الفطرة - الحياة الكاملة.. ((لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)) وذلك في أعلى الجنان - في الملكوت - عند الله، وترد عنها العبارة القرآنية ((عند مليك مقتدر)) من قوله، تبارك وتعالي: ((إن المتقين في جنات، ونهر * في مقعد صدق، عند مليك مقتدر ..)).. ثم أنه، من مقام ((أحسن تقويم)) قد رُد إلى ((أسفل سافلين))، وإنما رد بالأمر التكويني.. والأمر التكويني يقوم على حكمة الخلق.. ولقد رد إلى ((أسفل سافلين))، وفي ذاكرته ((أحسن تقويم))، ومن أجل ذلك ظل يحلم بالكمال دائما، ويسعى إلى تحصيله.. ولقد قلنا: إن ((أسفل سافلين)) هو مرتبة أدنى التجسيد في عالم الملك - مرتبة ذرة بخار الماء - ذرة غاز الهايدروجين.. ولقد أخذ الإنسان طريقه، في العودة إلى الله، من ذلك التجسيد المهين، وذلك بمحض الفضل الإلهي .. ولقد انفق في ذلك السير دهرا، دهيرا.. ولقد عبر، تبارك وتعالي، عن ذلك بقوله: ((هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا * إنا خلقنا الإنسان من نطفة، أمشاج، نبتليه.. فجعلناه سميعا بصيرا..)) وهو إنما لم يكن شيئا مذكورا في ملكوت الله لأنه لم يبلغ أن يكون مكلفا، في ذلك الحين الطويل من الدهر، وإنما كان يتقلب في الحيوات الدنيا - حياة الذر، والهوام، والحيوان.. ثم انه لما برز فيه العقل اصبح منورا بالعقل من أعلاه، مظلما بالنفس من أسفله.. وظل على ذلك متجاذبا بين الواجب، ويمليــه العقل، وبين الشهوة، وتمليها النفس.. وكان على ذلك أيضا خطاء .. وجعــل الله، تبارك وتعالى ، كماله في هذه النشأة الخطّاءة.. فهو يخطئ، ويصيب، ويزيد رصيــد صوابه من ممارسة خطئه.. ولقد قال المعصوم: ((إن لم تخطئوا، وتستغفروا، فسيأتي الله بقوم، يخطئون، ويستغفرون، فيغفر لهم ..)) وعندما نزل آدم الأول - آدم الخليفة - منزلة التكليف، فنبئ، أسكن جنة الملك - جنة الأرض -: ((وقلنا يا آدم اسكن، أنت، وزوجك الجنة، وكُلا منها رغدا حيث شئتما، ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين * فأزلهما الشيطان عنها، فأخرجهما مما كانا فيه، وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو، ولكم في الأرض مستقر، ومتاع، إلى حين * فتلقى آدم من ربه كلمات، فتاب عليه، انه هو التواب الرحيم * قلنا اهبطوا منها جميعا، فأما يأتينكم مني هدي، فمن تبع هداي، فلا خوف عليهم، ولا هم يحزنون * والذين كفروا، وكذبوا بآياتنا، أولئك أصحاب النار.. هم فيها خالدون)).. ((ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين)) هذا أول أمر تشريعي لآدم، بعد الأمر بالعبادة، وهو تنظيم القوة الجنسية.. ولقد كان هذا أول أمر تشريعي لأسلاف آدم عند ظهور العقل، وقبل وفرة العلم.. ولقد وردت إلى ذلك الإشارة عند الحديث عن نشأة المجتمع.. ولقد أُهبط آدم من جنة الأرض بمخالفة هذا الأمر التشريعي.. وهذه الخطيئة قد جُبرت بالاستغفار، وعاد آدم الخليفة إلى الطاعة، والهداية.. قال تعالى في ذلك: ((فتلقي آدم من ربه كلمات، فتاب عليه، إنه هو التواب الرحيم)).. ولقد كانت تلك الكلمات هي قول آدم، وزوجه: ((ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا، وترحمنا، لنكونن من الخاسرين)).. لقد أُهبط آدم من جنة الأرض - وذلك، في مستوى من المستويات، رد من ((أحسن تقويم)) إلى ((أسفل سافلين)) كما رد، أو أهبط، بعض ذريته، من بعده، ولا يزال هذا يجري، وسيظل يجري، مع كل خطيئة: ((وذا النون إذ ذهب مغاضبا، فظن أن لن نقدر عليه، فنادى في الظلمات، ألاّ اله إلا أنت، سبحانك، إني كنت من الظالمين * فاستجبنا له، ونجيناه من الغم، وكذلك ننجي المؤمنين)).. وعن قوم سبأ يخبرنا، تبارك وتعالي: ((لقد كان لسبأ، في مساكنهم، آية: جنتان، عن يمين، وشمال، كلوا من رزق ربكم، واشكروا له .. بلدة طيبة، ورب غفور * فأعرضوا، فأرسلنا عليهم سيل العرم، وبدلناهم، بجنتيهم، جنتين ذواتي أكل خمط، وأثل، وشيء من سدر قليل))..
06-25-2007, 09:20 AM
عبد الحي علي موسى
عبد الحي علي موسى
تاريخ التسجيل: 07-19-2006
مجموع المشاركات: 2929
يا شعبا تسامى.... يا هذا الهمام... فليراها الغرب – هذه الديباجة- ليعرف الإسلام الذي جهله المسلمون اليوم. وعاجباني الصورة التحت إسمك والتي تقول: إن دنياكم هذه لا تساوي عندي عفطة عنز وكرم الله وجه سيدنا علي. شكرا وتقديرا أخي عمر ونحن نتابع بكلياتنا.
06-26-2007, 03:18 AM
Omer Abdalla
Omer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-02-2003
مجموع المشاركات: 3083
أشكرك أخي عبد الحي وتسعدني متابعتك الحية الإهتمام في الغرب متزايد على ما كتبه الأستاذ محمود وقد تمت ترجمه كتاب "الرسالة الثانية" الى عدة لغات والآن يدرس في بعض الجامعات وسيأتي وقت قريبا تترجم فيه جميع كتب ومحاضرات الأستاذ محمود لجميع اللغات الحية .. وهذه الديباجة ستكون في مقدمة الأعمال المترجمة ان شاء الله لما تحويه من نظرة شاملة وتلخيص لمشلكة الأنسان في هذا الكوكب الحائر ومن ثم تقديمها للحل الذي ليس غيره من سبيل .. ولكن الأولى بكتب الأستاذ محمود هم أصحاب الوجعة الذين من أجلهم قدم ما قدم ولم يبخل حتى بالروح ولكنهم للأسف الشديد لا يهتمون بشيء الا عندما يأتيهم من الخارج فنحن لا نزال نرزح تحت عقدة الأجنبي .. حتى أنه ليصح في حقنا قول الشاعر: كالعير في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول شكرا على اللفتة والتعليق على صورة البروفايل (منزل الأستاذ محمود البسيط في المهدية الحارة الأولى وهو العقار الذي طالبت محكمة السلطان بمصادرته حينما ظنوه عمارة من عمارات السحت والمال الحرام التي يموتون تحتها) .. عمر
06-29-2007, 02:48 PM
Omer Abdalla
Omer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-02-2003
مجموع المشاركات: 3083
لقد أُهبط آدم الخليفة من جنة المعاني، في الملكوت، إلى جنة المباني، في الملك، بالأمر التكويني، وعلى الأمر التكويني تقوم حكمة الخلق، ولا تقع، في الأمر التكويني، معصية، فما فيه غير الطاعة.. ثم إن آدم قد أُهبط من جنة الطاعة، حيث الرغد، والوفرة، إلى جنة الشقاء، والضيق، لما عصا الأمر التشريعي، ((ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين)).. وقال تعالى عنه: ((وعصى آدم ربه فغوي)).. وهو إنما عصى لأنه استمع لأمر الشيطان، ونسي أمر ربه: ((فوسوس إليه الشيطان: قال: يا آدم!! هل أدلك على شجرة الخلد، وملك لا يبلي؟؟ * فأكلا منها، فبدت لهما سوآتهما، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، وعصى آدم ربه فغوى * ثم اجتباه ربه، فتاب عليه، وهدي)).. وهو إنما استمع لأمر الشيطان، لأن عقل معاده، قد كان محجوبا بعقل معاشه، وهو عقل يسيطر عليه الخوف العنصري، الساذج، ولذلك فقد طمع في الخلد، والملك الذي لا يبلي.. ولقد سبقت الإشارة إلى عقل المعاد وعقل المعاش.. ((ثم اجتباه ربه، فتاب عليه، وهدي))، هدى عقل معاشه بالتهذيب بالعبادة، وبالعقوبة، ليسير به إلى عقل معاده، حيث يعرف القيم، فيطيع أمر الله، ويعصى أمر الشيطان.. ولقد قلنا إن المعصية لا تقع في الأمر التكويني، فليس ثمة إلا الطاعة.. وقلنا على الأمر التكويني تقوم حكمة الخلق.. وأما على الأمر التشريعي فتقوم حكمة التعليم.. وفي الأمر التشريعي تقع المعصية، وتقع الطاعة.. الأمر التكويني مسيطر على عالم الملكوت وعلى عالم الملك - على عالم العقول، وعلى عالم الأجساد، على السواء.. ولهيمنة الأمر التكويني، على الأمر التشريعي، فليست هناك معصية، في الحقيقة، وإنما المعصية في الشريعة - في حكم العقل.. وفي هذا سر التسيير، والتخيير، الذي شغل، ولا يزال يشغل، عقول المفكرين، من علماء الدين، ومن علماء الدنيا . والحكمة وراء المعصية، إنما هي ترويض العقول، لتسير، بالممارسة، من المعصية إلى الطاعة، حتى تصبح مطبوعة على الطاعة، وهي مختارة لها، ومقتنعة بقيمها.. لقد خلق الله، في الملكوت، خلقا مرحليين، وضرب عليهم الطاعة، فهم ((لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون)).. هم بذلك علماء، ولكنهم ليسوا أحرارا.. وخلق الله في الملك خلقا مرحليين، وضرب عليهم المعصية، فهم لا يطيعون .. أولئك هم الملائكة.. وهؤلاء هم الأبالسة .. وعدم الحرية في أولئك، وهؤلاء إنما هو أمر مرحلي.. ثم إن الله خلق، بين أولئك، وهؤلاء، خلقا هم البشر.. الملائكة عقول بدون شهوة.. والأبالسة شهوة، بدون عقول، والبشر شهوة، رُكِّبت عليها العقول لتسوسها.. وجاء الشرع ليقوي العقول على هذه السياسة، فتسير إلى الطاعة، وهي مدركة، وعالمة، فتكون الحصيلة، العلم، والحرية، وذلك بفضل الله، ثم بفضل كمال النشأة البشرية، التي أعطيت حق: الخطأ.. وبهذه النشأة اصبح سائر البشر اكمل، مآلا، من سائر الملائكة.. ولا يكمل الملائكة، ولا الأبالسة، بأن يكونوا علماء، وأحرارا، حتى يدخلوا في هيكل الإنسان..
06-29-2007, 02:56 PM
Omer Abdalla
Omer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-02-2003
مجموع المشاركات: 3083
لقد بدأنا هذا البحث بالحديث عن الديمقراطية.. ولقد جاء الحديث عن الديمقراطية، بعد الآية العظيمة، التي صدرنا بها حديثنا هذا، بدون آيّ مقدمة، حتى أني لأظن أن بعض الناس قد يستغرب هذا الأمر.. قلنا أن الديمقراطية إنما هي حكم الشعب ، بواسطة الشعب ، لمصلحة الشعب.. وهذا الحكم إنما هو الحكم الباقي.. وهو حكم لم يجد تطبيقه، إلى اليوم، ولن يجده إلا في الإسلام.. وإنما من أجل تحقيق هذا الحكم العظيم، في واقع الناس، كتبنا هذا الاستقراء لنشأة الحياة، ونشأة المجتمع، ومجيء الأديان، وتعاقبها، حتى جاء دين التوحيد، في المصحف الشريف، الذي رسم خطة العودة إلى الله، في إطلاقه.. في الإسلام الديمقراطية هي حق الخطأ.. وحق الخطأ هو كمال النشأة البشرية ، على النشأة الملائكية.. وقد وردت الإشارة إلى ذلك، وقيل، وقتها: إن حق الخطأ يمكّن الإنسان من أن يكون عالما، وحرا، في نفس الأمر.. والحرية وسيلة الحياة.. والعلم وسيلة الحرية.. والحياة وحدها هي الغاية في ذاتها، فأكرم بالحرية من وسيلة، هي طرف، من أعظم غاية - الحياة.. ولقد كرم النبي الكريم حق الخطأ، اعظم تكريم، حين قال: ((إن لم تخطئوا وتستغفروا فسيأت الله بقوم يخطئون ويستغفرون فيغفر لهم)).. وذلك لمكان الحرية، في الخطأ، والصواب.. ولمعزة الحرية، عند الله ، قال تعالى لنبيه الكريم: ((و قل: الحق من ربكم، فمن شاء، فليؤمن، ومن شاء فليكفر.. إنا اعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها، وإن يستغيثوا ، يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه، بئس الشراب، وساءت مرتفقا ..)) هذه هي الحرية، وهذا هو ثمنها - المسئولية.. والحرية، في الإسلام، مطلقة، لأنها إنما تتضوع من المطلق.. الحرية، في الإسلام، هي العبودية لله: ((و ما خلقت الجن، والإنس، إلا ليعبدون)) ويقول: ((إن كل من في السموات، والأرض، إلا آت الرحمن عبدا * لقد أحصاهم، وعدهم عدا * وكلهم آتيه، يوم القيامة، فردا)) والعبودية هي أن تنعتق من رقك للعناصر - من رقك للأحياء، والأشياء - أن تنعتق حتى من سيطرة الزمان، والمكان عليك، لتكون عبدا، خالصا لله، لا يشاركه في رقك شيء، على الإطلاق.. ومن ثم قلنا: إن الحرية، في الإسلام، مطلقة، وهي لا تقيد إلا بمقدرة الحر على القيام بحسن التصرف فيها..
الاخ الكريم عمر عبدالله السلام عليكم ورحمة الله، ذكرني الخلط الذي حدث حول وصية الاستاذ محمود محمد طه بمقال قرأته حول الصورة غير الحقيقية التي يروجها البعض حوله. أدناه المقال وهو منقول عن "منتدى سودانات". أرجو شاكرا الاطلاع عليه تمهيداً لمداخلات لاحقة ان شاء الله: يبتدئ:
في عدم سوية السيرة السياسية للجمهوريين عبد الودود منصور الرباطابي [email protected]
كثيراً ما يتذكر المرء قصة " الإغراء الأخير للمسيح" Last temptation of Christ وهو يراجع ما يكتبه بعض أتباع المفكر "السوداني" الراحل محمود محمد طه خلال الفترة الأخيرة. ووجه الشبه كما لا يغيب عن فطنة القارئ هو الفراق البائن بين الصورة الحقيقية لزعيم الطائفة المقصودة والصورة التي عكف الأتباع على رسمها له بعد "مماته" لضرورات تجاوز الفقد الجلل الذي ألم بهم. هذا رغم أن كاتب قصة الفيلم الشهير – وهي قصة على أية حال- لم يشأ أو يجرؤ أن يمضي بالإفصاح إلى نهايته حيث عرض الأمر وكأنه طائف من حلم انتاب السيد المسيح وهو على الصليب. وشد ما يعجب الاحتفاء المشتط الذي شارك فيه بعضُ غير يسير من التيارات السياسية السودانية الأخرى والتي جعلت من الرجل سيد شهداء الفكر على الأقل بالنسبة للسودانيين خلال ربع القرن الأخير أو نحوه. والحق أن الثبات الذي أبداه الرجل والجسارة التي بدا عليها في خواتيم أيامه تؤهله لينال حظاً من ذلك. فالذي يراجع الكلمات التي واجه بها "الأستاذ" هيئة المحكمة التي بدت وكأنها تأتي من غياهب التاريخ البعيد لا يملك إلا أن يزيده في الاحترام والتقدير. بيد أن الثبات عند الممات لا يؤهل صاحبه لينال المكانة المتميزة والتقديس Divinity الذي يسعى أتباع محمود الآن ليوصموه به. هذا وليس بعيد عنا الثبات المنقطع النظير الذي أبداه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين أمام ذات الظروف تقريباً. هذا فضلاً عن الكثير من البواسل السودانيين الذين فقدوا أرواحهم بذات الثبات أمام المقاصل والدروات العسكرية. أما التاريخ السياسي للأستاذ محمود ومع احترامنا الكامل لأتباعه فإن الراجح أنه لا يختلف كثيراً عن تاريخ السياسيين الذين شاركوه اللعبة السياسية طوال الفترة التي تلت الاستقلال السياسي للسودان. بمعنى أنه لا يخلو من الأغراض السياسية والمناورات المعلومة. ولا يحتاج كاتب المقال أو غيره كثير عناء ليثبت مثلاً كيف أن الجمهوريين قد احتفوا بمقدم انقلاب مايو 1969 والذي جاء (في لحظة تاريخية دقيقة كانت الأحزاب الطائفية وقوى الهوس الديني تتهيأ فيها لفرض دستور يسمى "الدستور الإسلامي" ، ويهدف لتمكين تلك الأحزاب من فرض حكم شمولي يتلفح برداء الإسلام، ليصادر حرية الشعب ويهدد وحدته الوطنية، فأعلن الجمهوريون تأييدهم لحركة مايو باعتبارها قد حالت بين الشعب وبين فتنة كبرى كانت لتودي باستقرار الوطن والشعب، رغم إدراك الأستاذ محمود للطبيعة المرحلية لمايو ، ولقصورها عن شأو الحكم الصالح الذي ظل يدعو له طوال حياته. وقد ظل تأييده لمايو ملتزما بهذه المرجعية التي تأسست عند قيامها، لم ينحرف منه إلى الدخول في أجهزة مايو أو مشاركتها في تقلباتها السياسية) علماً بأن العبارة بين الأقواس منقولة بالحرف عن الموقع الالكتروني للجماعة. والعبارة نفسها تفضح بالطبع موقف الجمهوريين من ما أسموه " التقلبات السياسية لمايو" طوال الفترة التي سبقت المصالحة الوطنية والتي تتضمن بالطبع المجازر الفظيعة التي ارتكبتها مايو بحق العديد من القوى السياسية السودانية الأخرى. بل أن المخطوطات السياسية للجمهوريين كانت تحاول أن تجد لمايو العذر فيما ذهبت إليه من بطش بكل القوى الأخرى من غير الجمهوريين. هذا في الوقت الذي وجد فيه الرواقيون الجمهوريون الحرية شبه المطلقة في الترويج لأفكارهم دونما مقارعة حقيقية إلا في نطاق ضيق داخل الجامعات. هذا باستثناء اعتقال يبرره حتى الجمهوريون أنفسهم لقادتهم في ديسمبر 1976م نتيجة إصدار أغضب السلطات الدينية السعودية الحليفة لمايو آنذاك! وقد ظل الجمهوريون للأسف على ذات الجانب من قضايا الشارع السوداني حتى نهاية العام 1984. ويذكر الكثيرون ممن تلقوا تعليمهم الجامعي في السنوات القليلة التي سبقت محاكمة الأستاذ محمود كيف أن الجمهوريين قد دافعوا عن مايو في العديد من أركان النقاش التي كانوا يديرونها خاصة في جامعة الخرطوم. وقد تفنن الأستاذان محمد المصطفى دالي والقراي في الاستهزاء بالعديد من التحركات السياسية التي كانت تقوم بها القوى الوطنية الأخرى وتنادي بإسقاط مايو إلى الحد الذي دفع كليهما إلى السخرية حتى من مشاركة بعض طالبات الجامعات في المظاهرات ضد مايو في شوارع الخرطوم. والكلمات للأسف ما زالت ترن في آذان الكثيرين ممن تسكتهم المصالح الحزبية الآنية الآن من أن ينطقوا بالحق تجاه محاولات التقديس والتأليه (في الصفات) التي عادت لتنطلق من جديد. وقد فات الأستاذ وجماعته للأسف إدراك الطبيعة الحقيقية لنظام مايو في الوقت المناسب. وظنوا واهمين أن بإمكانهم إزالة الخطر عن أنفسهم بمجرد كتابة المنشورات التي تستجدي الإمام النميري أن يستفيق من غفوته واستلاب عقله الذي يقوم به خصومهم السياسيين والفكريين. ولو أن محموداً التزم منهاجه الذي سوّد به صحائفه جميعها تقريباً " الحرية لنا ولسوانا" لكان له حظاً أوفر في أن يجد له حلفاء يمنعون عنه حبل المقصلة ولو حتى حين. ولكنه لم يفعل. أما أتباعه فقد شغلهم ما توهموه من مكانة لزعيمهم من أن يروا الخطر المحدق به رغم الأصوات التي انطلقت تنبههم إلى ذلك عبر أركانهم. ولكنها للأسف وجدت آذاناً صماء. ولم يستفق الجمهوريون إلا بعد فوات الأوان. أنظر إلى العبارة التالية ألا توحي لك بذلك. يقول الموقع الالكتروني للجمهوريين: " وفي يوم الثلاثاء 8 يناير 1985م أصدرت المحكمة المهزلة حكمها المعد سلفا بالإعدام على الأستاذ محمود وتلاميذه الأربعة، لتغطى سماء البلاد موجة من الحزن والذهول. " هل انتظر الجمهوريون طوال الفترة من مايو 1969 وحتى يناير 1985 ليعلموا أن أحكام مايو تعد سلفاً؟؟؟ وغني عن التذكير هنا الإشارة إلى أن الحكم لم يكن غير "معارضة للسلطة وإثارة للكراهية ضدها" رغم أن خبثاء مايو قد حولوه إلى حكم بالردة بعد أن تيقنوا من أن محمود على استعداد لتقمص دور الضحية/المخلص حتى آخر نفس بدنياه من خلال الكلمات التي أدلى بها بالمحكمة الأولى. حتى إذا صعدت روحه سعد تلاميذه " بالابتسامة الوضاءة التي لفتت الأنظار فانفتحت بموقفه الأسطوري هذا ، وبابتسامة الرضا تلك ، دورة جديدة من دورات انتصار الإنسانية على عوامل الشر في داخلها وفى الآفاق." أما وقد كان ما كان فإنه حري بنا أن تذكر ما أدلى به الأستاذ عبد اللطيف رفيق الأستاذ محمود أمام عدسات التلفزيون عند الاستتابة الشهيرة والتي أتوهم أنها كانت كالتالي: - محمود وين يا عبد اللطيف. - محمود مضى. - مضى وين يا عبد اللطيف. - مضى إلى حال سبيله. - حال سبيله وين؟ مات؟ - الموت سبيل الأولين والآخرين. هو ذاك الموت سبيل الأولين والآخرين. ولا يظنن ظان أن هذه المقالة جاءت لتنال من محمود. كلا إنها تنصفه. هو آدمي مثلنا جميعاً. والآن حيث هو الآن لا يستحق منا إلا الإنصاف والترحم عليه. وأسوة بما ذاع من قول لاستأذنا عبد الله الطيب رحمه الله فإننا نسأل الله له اللطف. (منقول
07-01-2007, 04:19 PM
Yasir Elsharif
Yasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50074
أولا مرحبا بك مشاركا جديدا في المنبر فقد لاحظت أنك اشتركت قبل حوالي أسبوعين، ولك حتى الآن ثمانية مداخلات وبوست قائم بذاته ذهب إلى الإرشيف للأسف.. وقد عرفت من متابعة بعض مداخلاتك أنك كنت من المتابعين للمنبر.. وشكرا لنقل هذا المقال من موقع سودانات إلى سودانيز أونلاين..
لقد سعدت بقراءة بروفايلك ومنه عرفت أنك دبلوماسي بالخارجية وتعمل الآن في برلين.. ومن مداخلتك في بوست الأخ د. حيدر عرفت أنك زميله في الجامعة وفي الخارجية.. ومن بوستك "عتبة أولى" عرفت أنك شاعر وأديب.. استشففت أيضا أن انطباعك الأولي عن سودانيز أونلاين أنك زاهد في المشاركات خشية اللعب "الخشن" أو استخدام البعض للتي "هي أخشن" في المنبر.. أما من عبارتك الموجزة في التقديم لهذا المقال:
Quote: ذكرني الخلط الذي حدث حول وصية الاستاذ محمود محمد طه بمقال قرأته حول الصورة غير الحقيقية التي يروجها البعض حوله.
فهمت أنك ربما تتفق مع كاتب المقال السيد عبد الودود منصور الرباطابي، حول "الصورة غير الحقيقية" حول الاستاذ محمود.. في البوست أدناه للأخ الأديب عبد الله الشقليني مداخلات عديدة حول الموضوع أرجو منك أيضا الإطلاع عليها وفي انتظار مداخلاتك..
الأخ الكريم عبد الوهاب حجازي تحية طيبة وشكرا على المتابعة وعلى لفت النظر لمقال السيد عبد الودود منصور .. ثم أني اعتذر عن تأخير الرد على مداخلتك نسبة لمشاغل العمل والسفر خلال الأيام الماضية .. سأكون في انتظار مداخلاتك ولكن استنتاجي من تعليقك ، وأرجو أن أكون مخطئا فيه ، هو انك تتفق مع ماذهب اليه كاتب المقال من نقد متحامل في تقديري لتجربة الجمهوريين ولكتاباتهم خاصة تلك التي التقطها من موقع الفكرة وعلق عليها .. أما تحامل الكاتب فهو يظهر حتى في عنوان المقال المنشور هنا في موقع سودانيزأونلاين تحت عنوان "محمود اغتالوه أم قتل نفسه؟ في عدم سوية السيرة السياسية للجمهوريين" .. فهو وحده كاف لتقييم الطريقة التي يفكر بها الكاتب والعداء الذي يحمله بين جنباته بحيث جعله يشكك حتى في الجريمة المشهودة التي يعرف الجميع مخططييها ومنفذيها ودوافعها .. فالذي قتل الأستاذ محمود نظام غرق في بركة الهوس الديني التي دفعه اليها تنظيم الاخوان المسلمين في محاولة منهم للوصول للسلطة بأسرع فرصة بعد أن أوهموه بأن تطبيقه لتلك القوانين الجائرة سيكسبه تعاطف الشعب ويمد في أجله وقد فقد أسباب استمراره فلم يقو مع ذلك الهوس الخائف على سماع صوت العقل ونصائح الناصحين .. بل وجد من المهوسين من سول له بأنه باغتيال الأستاذ محمود ستكون نهاية مشاكله وعزلته وما علم أنه بفعلته تلك انما دق المسمار الأخير في نعشه .. حيث هب الشعب السوداني منتفضا عليه بعد ست وسبعين يوما من ارتكاب تلك الجريمة النكراء ليكنسه الى مزبلة التاريخ .. ثم أن وقفة الأستاذ محمود محمد طه أمام قضاة السلطان بتلك الكلمات التي خلدها التاريخ وابتسامته في وجه الشناق لن يمحوهما كيد الكائدين الذين يحاولون تطفيفهما بمقارنتهما بوقفة صدام حسين كما فعل الكاتب الذي ذهب ليجعل حتى من ظروف اعدام صدام حسين هي "نفس الظروف" التي اعدم فيها الأستاذ .. وكأنما قاد صدام حسين حركة سلمية لم يكن لها سلاح غير الفكر الحر والكلمة الموزونة وكأنما أعدم الأستاذ محمود محمد طه آلاف المواطنين وولغ في دماء شعبه في سبيل الحفاظ على السلطة .. فهل رأيتم مثل هذا المنطق المعوج وهذا الميزان المطفف؟ فمواقف الأستاذ محمود مرصودة ومشهودة للمتأملين المنصفين وهي قطعا لم تبدأ بوقفته الصلبة أمام محكمة المهلاوي أو ابتسامته أمام الرجرجة التي جاءت تهلل لأعدامه فقد كان أقوى من واجه الأستعمار بجسارة منقطعة النظير فكان أول السجناء السياسيين في الحركة الوطنية والتي بمواقفه تلك دب فيها الحماس حتى تمكنت من إخراج الإستعمار من السودان .. وبين مواقف الأستاذ محمود في أربعينات القرن العشرين و وثمانيناته يشهد له الأعداء قبل الأصدقاء بقوة الفكر وبالشجاعة الأسطورية وبالصدق والصمود ثم بالسلام الذي عاشه في نفسه وألزم به اتباعه فساروا سيرة لم يجد اليها المهوسين من سبيل غير التشويه والكبت والتعنيف ثم محاولة التشويه مرة أخرى كما نرى من هذا الكاتب الآن .. ولكن رغم العداوات الكثيرة التي قابلت الأستاذ محمود وحزبه من قوى اليمين ومن قوى اليسار طوال مسيرته ، ذلك انه لم يكن يجامل أيهما ، فإنه لم يأبه ولم يلتفت ولم يتنازل عما يراه الحق قيد أنملة .. ثم أنه لم يكن طامعا في منصب سياسي أو دنيا يصيبها فقد كان يعيش عيشة غمار الشعب فيأكل أكلهم ويلبس لبسهم ويسكن مسكنهم .. ولذلك فقد نال احترام غير المهووسين والمغرضين وأعجابهم ونال توقير ومحبة تلاميذه وأصدقائه بما رأوه فيه من نموذج مجسد للكمالات الإنسانية رغم تواضعه الجم والتزامه جانب العبودية التي كانت أقصى ما يطلبه فإن رأي الكاتب في ذلك تقديس وادعاء لمكانة سامية فذلك شأنه .. ولكن لا ضير أن نتابع بعض ما خطه قلم الكاتب لنرى بأعيننا مبلغ تحامله الذي دفعه دفعا لتطفيف مواقف الأستاذ محمود وتزييفها بصورة محزنة حتى تصح له فرضياته البائسة.. ثم هو يصف تزييفه هذا بـ"الصورة الحقيقية لزعيم الطائفة المقصودة" بينما يصور المعلومات الموثقة عن نضال ومواقف الأستاذ محمود بانها "الصورة التي عكف الأتباع على رسمها له بعد "مماته" لضرورات تجاوز الفقد الجلل الذي ألم بهم." بل أكثر من هذه فإن الكاتب يلوم حتى أصحاب الضمائر الحية من غير الجمهوريين الذين رأوا في مواقف الأستاذ محمود الوطنية ما جعلهم يحتفلون به وبذكرى استشهاده .. ويصف فعلهم هذا بـ "الاحتفاء المشتط" .. إذا فلنسمع ماذا يقول هذا الكاتب المحقق والمتزن عن تاريخ الأستاذ محمود السياسي:
Quote: أما التاريخ السياسي للأستاذ محمود ومع احترامنا الكامل لأتباعه فإن الراجح أنه لا يختلف كثيراً عن تاريخ السياسيين الذين شاركوه اللعبة السياسية طوال الفترة التي تلت الاستقلال السياسي للسودان. بمعنى أنه لا يخلو من الأغراض السياسية والمناورات المعلومة.
ودليل الكاتب على هذا التقرير الفج لا يحتاج لكثير عناء ذلك لأن الجمهوريين احتفلوا بمقدم انقلاب مايو 1969 وسببوا ذلك بقولهم الذي نقله الكاتب من موقع الفكرة وهو يحسب أنه أتى بالضربة القاضية .. فقد جاء تحت عنوان " الدستور الاسلامى المزيف وقيام مايو": فى 25 مايو 1969م قامت حركة مايو المعروفة ، فى لحظة تاريخية دقيقة كانت الاحزاب الطائفية وقوى الهوس الدينى تتهيأ فيها لفرض دستور يسمى "الدستور الإسلامي" ، ويهدف لتمكين تلك الاحزاب من فرض حكم شمولى يتلفح برداء الاسلام ، ليصادر حرية الشعب ويهدد وحدته الوطنية ، فأعلن الجمهوريون تأييدهم لحركة مايو باعتبارها قد حالت بين الشعب وبين فتنة كبرى كانت لتودى باستقرار الوطن والشعب ، رغم ادراك الاستاذ محمود للطبيعة المرحلية لمايو ، ولقصورها عن شأو الحكم الصالح الذى ظل يدعو له طوال حياته. وقد ظل تأييده لمايو ملتزما بهذه المرجعية التى تاسست عند قيامها ، لم ينحرف منه الى الدخول فى أجهزة مايو ، او مشاركتها فى تقلباتها السياسية. وبدلا من أن يناقش الكاتب هذا الموقف أو ينفي صحة ما جاء فيه من ظروف جعلت مجيء مايو يستحق وصفه بأنه كان في لحظة تاريخية دقيقة وذلك حينما تآمرت الأحزاب الطائفية والأخوان المسلمون على الدستور وسعوا لفرض دستور بديل يلتحف قداسة الدين وطردوا النواب المنتخبين من البرلمان وأهانوا القضاء .. مما جعل انقلاب مايو برغم صبغته العسكرية والدكتاتورية أفضل من البديل الآخر وهو تلك الدكتاتورية المدنية التي تلتلحف قداسة الدين والتي رأينا نموذجها مؤخرا في دولة الحركة الأسلامية خاصة في سني الأنقاذ الأولى .. بل لعل الكاتب نسى أنه عندما فارق نظام مايو خطه وأصبح هو نفسه نظاما لا يختلف عن النظام الذي أزاحه لم يتوانى الجمهوريون من معارضته .. والحق أنهم عارضوا حتى بداياته البعيدة في السير في هذا الخط عندما كون لجان لمراجعة القوانين للتماشى مع "الشريعة الإسلامية" وقد دفعه لهذا الخط المنحرف الاخوان المسلمون والاحزاب الطائفية بعيد المصالحة الوطنية .. وقد يكون الكاتب تناسى أن الأستاذ محمود وتلاميذه لم يدخلوا الأجهزة التنفيذية أو السياسية لنظام مايو كما فعلت بقية الأحزاب حتى تلك التي حاربت نظام مايو في باديء أمرها بالسلاح .. ولم يسع االأستاذ محمود وتلاميذه للسلطة خلال عهد مايو أو قبله في عهود ما بعد الإستقلال .. فما هو هذا "التاريخ السياسي للأستاذ محمود" الذي "لا يختلف كثيراً عن تاريخ السياسيين الذين شاركوه اللعبة السياسية طوال الفترة التي تلت الاستقلال السياسي للسودان". وما هي هذه "الأغراض السياسية والمناورات" التي يدعي الكاتب أن تاريخ الأستاذ محمود لم يخلو منها .. وهل يغالط الكاتب في أن مايو مرت بتقلبات سياسية وأن الجمهوريون كانوا يؤيدونها حينما تصيب وينتقدونها حينما تخطيء؟ هذا مع العلم بأن أعداء الجمهوريين كانو يكيدون لهم حتى من داخل أجهزة مايو التنفيذية والقضائية طوال تلك الفترة فسلطوا عليهم أجهزة الأمن لتعتقلهم وتعطل نشاطهم وتفرق محاضراتهم بالبمان وألبوا عليهم البسطاء من داخل المساجد ليحرقوا معارضهم وغرروا بهم الجهلاء ليعنفوا بهم ولكن لأن الجمهوريين لم يكونوا يحسبون مواقفهم بحسابات الربح والخسارة فقد كان تأييدهم لأسباب مبدئية لا تؤثر فيها معارضة المعارضين ولا تنكّر المؤيدَين ثم أنهم عندما عارضوا مايو عارضوها لنفس الأسباب المبدئية. ويمكن لمن يشاء أن يرجع للوصلات التي وضعا دكتور ياسر أعلاه لأنها فيها من التفصيل ما يكفي .. ولذلك فإن حديث الكاتب عن تمتع " الرواقيون الجمهوريون" بـ"الحرية شبه المطلقة في الترويج لأفكارهم دونما مقارعة حقيقية إلا في نطاق ضيق داخل الجامعات." لا يعدو أن يكون من أماني النفس ومن التشويه المتعمد .. وكما ذكرت من قبل فأن الجمهوريين لم يدخلوا أجهزة مايو السياسية أو التنفيذية ليستغلوا منابرها كما فعلت بقية الأحزاب ثم أنه منعت عنهم وسائل الإعلام الرسمية بل بل حتى المساجد التي كان يؤمتها موظفون حكوميون قفلت ابوابها في وجوههم وقذفوا خارجها .. ووسائل الإعلام هذه كانت طوال عهد مايو في أيدي أعداء الجمهوريين من اليسار واليمين في أغلب الأحيان وكانت كثيرا ما تستخدم لتشويه أفكارهم وإثارة العامة ضدهم وقد كانت دعوة الجمهوريين باستمرار لنظام مايو لأن يفتح المنابر الحرة للجميع حتى تتم المواجهة الفكرية بين التنظيمات المختلفة وتكون بديلا للاحتراب العنيف والمحموم على كراسي السلطة .. وكون أن النظام لم يستمع لهذه النصائح وارتضى لنفسه خط الهوس الديني فهذا لا يطعن في سلامة موقف الجمهوريين حيث لم يكن في مقدورهم غير التذكير (فذكر انما أنت مذكر * لست عليهم بمسيطر).. لم يركن الجمهوريون للقيود والعقبات التي وضعت في سبيل حركتهم فحملوا كتبهم وطافوا بها مدن وقرى السودان وتلك لم تكن منة من مايو على الجمهوريين بل كان حقا انتزعوه بالعمل الشاق والصبر والالتزام الأخلاقي رغم المعاكسات الكثيرة التي كانت تتوالى عليهم من أجهزة النظام الأمنية و البوليسية والقضائية والدينية حيث لم تكن تخلو من أعداء الجمهوريين خاصة في القمة .. لا أحد ينكر أن بعض السياسيين والتنفيذيين في مايو لم يكونوا يرون خطرا ماثلا من حركة الجمهوريين السلمية على نظامهم ، كما كانوا يرون من اللتظيمات الأخرى التي كان كل همها اسقاط النظام بأي سبيل ، فسمحوا لها ببعض الحركة .. أما فترة ما بعد المصالحة الوطنية فالجميع يعلم تغلغل القوى السلفية خلالها في أجهزة مايو وفي وسائل الإعلام وفي المؤسسات المالية الإسلامية فأصبحت هذه الأجهزة في عداء شبه مستمر مع الجمهوريين وقد توج ذلك بأن سمح نائب رئيس الجمهورية ورئيس جهاز الأمن اللواء عمر محمد الطيب بأن يستغل واعظ مصري مسجده ليطلق من خلاله فتاوي التكفير ضد الجمهوريين وضد الأقليات الدينية الأخرى فلما نقد الجمهوريون فيه هذا السلوك غير المسئول أمر باعتقالهم وزج بهم في السجون فترة امتدت الى 19 شهر من غير تهمة أو محاكمة وقد كان ذلك قبل اصدار قوانين سبتمبر 1983 .. أما حديث الكاتب عن "المجازر الفظيعة التي ارتكبتها مايو بحق العديد من القوى السياسية السودانية الأخرى" فهو أمر كان ينبغي أن يوجه لتلك القوى السياسية لأنها اشتركت في نظام مايو بعد "مجازوه " تلك وأدت قسم الولاء له هذا مع العلم أن نظام مايو لم يبادر بالعنف مع هذه الأحزاب .. والمتابع لأفادات شهود العصر لتلك الأحداث التي بثها تلفزيون السودان في الشهور الماضية لابد يعلم أن الأحزاب الطائفية والاخوان المسلمون هم من بادروا بالتخطيط للعنف ضد النظام وهربوا لذلك الأسلحة من الدول المجاورة وأقاموا معسكرات التدريب فإذا قابل النظام عنفهم هذا بعنف مماثل فهل يستوجب ذلك إدانته ورمي كل اللوم عليه .. وعلى أي حال فالجمهوريون لم يؤيدوا تلك "المجازر" ولكنهم كانوا مدركين لأبعادها تلك التي بدأت تتكشف مؤخرا للكثيرين .. وكما قلت فإن زعماء هذه الأحزاب بعد أن فشلوا في ازالة النظام عن طريق العنف بعد محاولات عديدة اضطروا في آخر الأمر للجلوس معه والصلح ومن ثم الدخول في أجهزته السياسية والتنفيذية .. أما الجمهوريين الذين يريد الكاتب أن يضعهم في سلة واحدة مع تلك القوى السياسية فالعنف ليس في قاموسهم السياسي والسعى نحو السلطة ليس من شيمتهم .. أما قضايا الشارع السوداني فقد كان الإنشغال بها هو ديدنهم حيث لم تكن هنالك قضية تهمه لم يتناولوها بالتحليل والشرح الذي أوصلوه لأفراد الشعب السوداني في أقصى أقاليم السودان البعيدة .. لا أعتقد أن هنالك حزبا سياسيا أو دينيا تواصل مع الشعب السوداني كما تواصل الجمهوريون .. ولذلك فأني استغرب كثيرا لقول الكاتب:
Quote: وقد ظل الجمهوريون للأسف على ذات الجانب من قضايا الشارع السوداني حتى نهاية العام 1984. ويذكر الكثيرون ممن تلقوا تعليمهم الجامعي في السنوات القليلة التي سبقت محاكمة الأستاذ محمود كيف أن الجمهوريين قد دافعوا عن مايو في العديد من أركان النقاش التي كانوا يديرونها خاصة في جامعة الخرطوم.
على أي حال مسألة دفاع الجمهوريون عن مايو (قبل أن يدخل في أتون الهوس الديني) مسألة معروفة وخرجت بها الكتب ولم تكن دفاعا أعمى أو وراءه غرض سياسي بل كان يعرف لنظام مايو انجازاته وفضائله عندما يُقارن بالقوى البديلة وكذلك كان يعرف للنظام نقائصه واخفاقاته وقد حاول تقديم النصح المخلص له ليتجاوزها رغم علمه بمرحلية النظام والدور الذي يلعبه .. وقد راينا كيف فعلت بعض هذه القوى التي كانت تعارض مايو حينها وتسير المظاهرات لأسقاطه وتشارك في الإنقلابات المسلحة ضده حينما استملت هي السلطة في البلاد (أيضا عن طريق الإنقلاب المسلح الذي كانت تعيبه على مايو) .. وتجربة هذا القوى وتنظيمها السياسي لا تزال ماثلة أمامنا بعد أن سقط من ضحايها مئات الآلاف في الجنوب وفي دارفور وفي الشرق وفي الشمال فلم يكد ينجوا شبر من تراب هذا البلد الطيب لم تسل فيه دماء الغدر والجشع هذا بعد أن نهبت ثروة الشعب وكدستها في أيدي القلة المتنفذة منها وأشاعت الفساد في شتى ضروب الحياة باسم المشروع الحضاري .. ولذلك عندما انتقد الجمهوريون اولئك الطلاب وحركاتهم الصبيانية التي كانت تجسدها شعاراتهم المضحكة مثل "يا أمريكا لمي جدادك" وفي مظاهراتهم التي كانوا يحشرون لها حتى غرماءهم من الطلاب الشيوعيين واليساريين بحجة أن العدو مشترك وحينما يفرق النظام تلك المظاهرات لا يجدون بدا من إعلان انتصار رمزي ولو على رفقاء نضالهم بقولهم أنهم غنموا ميكرفونا أحمرا وأنهم نظروا في الفقه فوجدوا أن هنالك نص ينهى عن رد الغنائم .. فيعلق عليهم دالى والقراي بقولهم أننا لم نسمع في تاريخ الغزوات بأن هنالك جيش يغنم من أفراده .. وهو ما أشار اليه الكاتب بقوله:
Quote: وقد تفنن الأستاذان محمد المصطفى دالي والقراي في الاستهزاء بالعديد من التحركات السياسية التي كانت تقوم بها القوى الوطنية الأخرى وتنادي بإسقاط مايو
ألا ترون معي أن مثل تلك المواقف الصبيانية هي بالفعل مدعاة للتهكم والسخرية خاصة اذا جاءت من طلاب تعقد عليهم الآمال في بناء مستقبل البلاد .. ولقد أثبتت الأيام بعد نظر دالي والقراي في أمثال اولئك الطلاب فهاهم اليوم يحكموننا وقد رأينا بأعيننا كيف يحكمون .. أما اشارة الكاتب الى أن دالي والقراي سخرا من الطالبات فهذا قول مردود إذ أن ديدن الجمهوريين هو اكرام المرأة والدفاع عن حقوقها والمطالبة بمساواتها التامة بأخيها الرجل وليس السخرية منها أو من مشاركتها في الحياة السياسية أو التقليل من شأنها كما حاول الكاتب أن يوحي بذلك في خبث واضح حينما قال:
Quote: إلى الحد الذي دفع كليهما إلى السخرية حتى من مشاركة بعض طالبات الجامعات في المظاهرات ضد مايو في شوارع الخرطوم. والكلمات للأسف ما زالت ترن في آذان الكثيرين ممن تسكتهم المصالح الحزبية الآنية الآن من أن ينطقوا بالحق تجاه محاولات التقديس والتأليه (في الصفات) التي عادت لتنطلق من جديد.
ومن أغرب ما جادت به قريحة هذا الكاتب العجيب قوله:
Quote: وقد فات الأستاذ وجماعته للأسف إدراك الطبيعة الحقيقية لنظام مايو في الوقت المناسب. وظنوا واهمين أن بإمكانهم إزالة الخطر عن أنفسهم بمجرد كتابة المنشورات التي تستجدي الإمام النميري أن يستفيق من غفوته واستلاب عقله الذي يقوم به خصومهم السياسيين والفكريين. ولو أن محموداً التزم منهاجه الذي سوّد به صحائفه جميعها تقريباً " الحرية لنا ولسوانا" لكان له حظاً أوفر في أن يجد له حلفاء يمنعون عنه حبل المقصلة ولو حتى حين. ولكنه لم يفعل
. وهو قول يكشف جهل الكاتب بتاريخ الأستاذ محمود برغم توفر ذلك التاريخ على موقع الفكرة الذي نقل منه بعض النصوص التي ظن أنه سيشوش بها .. فالرجل الذي رفض أن يهادن المستعمر وخير بين عدم ممارسة العمل السياسي أو الذهاب للسجن فاختار السجن من غير تردد ثم لما أطلقه سراحه بعد مدة من غير قيد أو شرط برغم عصيانه أوامر السجن وتمرده على مسئوليه ، قاد ثورة شعبية ضد الأنجليز شارك فيها أهالي رفاعة ولم يخيفهم الرصاص الذي أطلق فوق رؤوسهم وتحت أرجلهم وأصاب منهم من أصاب وكان نصيب الأستاذ محمود سنتين قضاهما في سجون المستعمر وعاد سيرته الأولى من عصيان أوامر السجانين فكان يمتنع عن الوقوف لهم كما يفعل بقية المساجين فيأخذونه الى الزنزانة فيصوم عن الأكل والشرب لأسبوع كامل ويكرر هذا حتى تركه الأنجليز وحاله .. هل من يقف مثل هذه المواقف يستجدي أحدا .. ولو كان الأستاذ محمود يستجدي نميري لما اختار أن يسير في مواجتهه الى نهايات المواجهة .. أو لم يعلم الكاتب المحقق أن الأستاذ محمود رفض حتى تدخل المحاميين للدفاع عنه أمام محكمة المهلاوي التي أهانها وأهان معها قضاة السلطان؟ وطلب من المحامين أن يدافعوا عن المواطنين الغلابة بعد أن شكرهم ؟ فالأستاذ محمود لم يحد عن دعوته "الحرية لنا ولسوانا" ولم يعدَم من يناصره كما عرضنا من موقف المحاميين والنقابات التي أدانت حكم الإعدام عليه ولكن لم يكن في مقدورها أو مقدور العالم الحر أيقاف تلك الجريمة .. والأستاذ محمود كان يعرف الكثير عن المكيدة المدبرة وأنه سيفدي شعبه ولكنه مع ذلك كتبا نقدا هادئا لا يجامل ولا يتحامل في قوة وأبانة .. ولكن يبدو أن الكاتب لا يرى في مثل هذا النوع من الكتابة غير الضعف والإستجداء ان لم يكن يحوى صراخا وتشنجا وهياجا .. ولمصلحة القراء فعنوان هذا "الأستجداء" الذي يعنيه الكاتب كان "هذا أو الطوفان" .. فلم يقبل النظام بما جاء فيه .. فكان الطوفان .. لا أكثر ولا أقل .. يقول الكاتب:
Quote: أما أتباعه فقد شغلهم ما توهموه من مكانة لزعيمهم من أن يروا الخطر المحدق به رغم الأصوات التي انطلقت تنبههم إلى ذلك عبر أركانهم. ولكنها للأسف وجدت آذاناً صماء. ولم يستفق الجمهوريون إلا بعد فوات الأوان
. أما أنا فأقول أن الجمهوريون كان همهم هو القيام بالواجب المباشر وقد كان ذلك يتجسد في مواجهة هوس نظام مايو وفي الدفاع عن الشعب السوداني الذي لم يجد من قوانين سبتمبر سوى السيف والسوط كما عبرت منشوراتهم .. فهم لم يكونوا يحسبون مواقفهم بحسابات الربح والخسارة أو يلعبون في المضمون .. ونظام مايو لم يبدأ نظاما مهووسا على أي حال وهو تقلب بين اليسار والأعتدال والتطرف اليميني ولا أعتقد أنه من الحكمة أن يحاكمه الجمهوريون على مآل حاله حتى لو عرفوه (وهم بالفعل كانوا يعرفون أنه سينحرف عن خطه منذ مجيئه) .. وليت الكاتب يحدثنا عن هذه الأصوات التي انطلقت تنبه الجمهوريين ويعرفنا عن هيئة ذلك التنبيه ولماذا يراه الكاتب بديلا جيدا للخط الذي ذهب فيه الأستاذ محمود وتلاميذه .. الأب فيليب عباس غبوش كان من ضمن المعتقلين في سجون مايو في فترة الهوس الديني وقد هددوه بالإعدام فأعلن توبته ثم صرح بعد ذلك قائلا أن الأستاذ محمود محمد طه ما عرف يلعب "بوليتيكا" وينجو بحياته كما فعل هو .. اخشى أن يكون الكاتب يرمي بحديثه هذا الى شيء مثل هذا .. أذا فهو لا يعرف الأستاذ محمود كما ادعى .. أما مبلغ التحامل فيظهر في ختام ماكتبه هذا الكاتب العجيب:
Quote: وغني عن التذكير هنا الإشارة إلى أن الحكم لم يكن غير "معارضة للسلطة وإثارة للكراهية ضدها" رغم أن خبثاء مايو قد حولوه إلى حكم بالردة بعد أن تيقنوا من أن محمود على استعداد لتقمص دور الضحية/المخلص حتى آخر نفس بدنياه من خلال الكلمات التي أدلى بها بالمحكمة الأولى. حتى إذا صعدت روحه سعد تلاميذه " بالابتسامة الوضاءة التي لفتت الأنظار فانفتحت بموقفه الاسطورى هذا ، وبابتسامة الرضا تلك ، دورة جديدة من دورات انتصار الإنسانية على عوامل الشر في داخلها وفى الآفاق."
الكلمات التي وضعت تحتها خط تدلل على مبلغ التعسف في لي عنق الحقيقة وتشكيلها بالصورة التي تليق بعقلية هذا الكاتب .. وهو هنا يريد أن يلوم الأستاذ محمود حتى على التواءات معارضيه حينما بدلوا الحكم من معارضة للسلطة وإثارة الكراهية الى حكم الردة " بعد أن تيقنوا من أن محمود على استعداد لتقمص دور الضحية/المخلص حتى آخر نفس بدنياه من خلال الكلمات التي أدلى بها بالمحكمة الأولى" فماهي هذه الكلمات التي أوحت لهم بهذا التقمص .. اعتقد أنه يجب سماعها بصوت الأستاذ محمود حتى نرى هل سيلاحظ السامع/القاريء هذا الربط العجيب الذي تفتقت عنه عقلية كاتبنا .. ثم من أين جاء هذا الكاتب بسعادة تلاميذ الأستاذ بعد اغتياله؟ وهل الحديث عن ابتسامته في ذلك اليوم يعني بالضرورة أن التلاميذ سعيدون؟؟؟؟ وهل حديث الأستاذ في تلك المحكمة كان يختلف عما جاء بالمنشور الذي حوكم به الأستاذ محمود والجمهوريين بمحكمة المهلاوي حتى نقول أنه جعلهم يتيقنون من أن حكم الردة هو الأنسب .. وهل يعلم السيد الكاتب أن حكم الردة هذا لم يكن جديدا فقد دبرته القوى السلفية منذ عام 1968 في تلك المحمة المهزلة التي سفهها الأستاذ محمود واستغلاها لتوعية الشعب ضد خطر الهوس الديني .. وهل يعلم الكاتب أن قوى الهوس الديني هذه تواطأت مع نميري للتخلص من الأستاذ محمود حتى قبل أن يكتب المنشور الذي حوكم به وانهم وجدوا في المنشور فرصة مناسبة لتنفيذ جريمتهم والتي كانت معد لها سلفا بمواد حكم الردة ؟ يعني هذا أن حديث الأستاذ لم يوحي لهم بتحويل الحكم كما أراد لنا الكاتب أن نفهم.. ثم ان الكاتب لم يكتف بكل هذا التشويه وحسب ولكنه يريد أن يذكرنا في تشف باد بما جرى في تلك "الإستتابة" وما قاله الأستاذ عبد اللطيف يها .. الآن تيقنت أن هذا الكاتب هو أحد اولئك المهووسين .. هذا رغم محاولته التملص في آخر أسطر مقاله هذا العجيب ليبدو أكثر معقولية .. عمر
07-06-2007, 09:00 AM
Yasir Elsharif
Yasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50074
الكرام عمر هواري وياسر الشريف السلام عليكم ورحمة الله،
قبل أن أدلف إلى حديث ربما يطول سأحاول في البداية أن أوضح ما قصدته بإيراد المقال إلى هنا علماً بأنني وكما سترى لاحقاً قد قمت بالفعل بالرجوع إلى الخيوط التي أشار إليها الأخ ياسر. هذا رغم أنني كنت قد اطلعت على بعضاً منها في السابق إذ لدي اهتمام متواصل بالفكرة. وقبل هذه أيضاً أرجو أن استميحكما عذراً أنني سأعمد مضطراً إلى تناول سيرة الأخوان الجمهوريين بما ترياه ربما بعض القسوة رغم حسن نيتي – أو هكذا أحسب- وصدق نواياي تجاه خلق نقاش مفيد لطرفينا ولمن يطلع عليه. وأرجو أن أجد منكما ما يتطلبه الأمر من سعة في الصدر وفسحة لقبول الآخر أو احترام رأيه. الأمر في بساطة هو أنه قد هالني التشويه المريع الذي أصاب وصية الأستاذ محمود. وهو أمر يمكن أن يصيب الكثيرين بالهلع من مقدار الجسارة التي يمكن أن يقبل بها البعض في تشويه آثار الآخرين أو صورتهم. رغم أن ذلك ربما يكون بدافع الجهل أو التصور الخاطئ. وقد صدمت بشكل خاص بما ورد من أنه أوصى بأن لا يصلى عليه. فذاك أمر جلل. حيث أن الأمر إن كان كذلك لكنتم أنتم أنفسكم قد خالفتم هذه الوصية بحسن ذكركم إياه. إذ حتى تلك يمكن أن تكون صلاة.
أما علاقة ذلك بالمقال فلا أخاله قد فاتكما، من حيث أن المقال قد أشار إلى وجه الشبه بين "الصورة المبالغ فيها في تعظيم الأستاذ محمود" والتحوير الذي حدث لصورة السيد المسيح بالفلم المذكور." ولو أنني كنت جمهورياً لذهبت إلى الظن إلى أن كاتب المقال ربما ذهب إلى ما ذهب إليه بدافع الشفقة أكثر منه بدافع التشفي. إذ أن الجمهوريين – وهكذا اعتقد – سيستفيدون بالقطع من توظيف الصورة الحقيقية- أو ما اعتقد أنها كذلك- للأستاذ أكثر مما يستفيدون من خلق صورة تقديسه إلى الحد الذي ينال من مجاهدات آخرين سبقوا الأستاذ محمود في الفداء الفكري والبلاء السياسي كليهما. وسنرى كيف ذلك من خلال معالجة مداخلة الأخ هواري أو ما ورد مشابهاً لها بمحررات الجمهوريين. بظني أن المقال لم ينكر الجريمة ولم يحاول تطفيف الثبات الذي أبداه الأستاذ فقد جاء بالمقال ما يلي: (وشد ما يعجب الاحتفاء المشتط الذي شارك فيه بعضُ غير يسير من التيارات السياسية السودانية الأخرى والتي جعلت من الرجل سيد شهداء الفكر على الأقل بالنسبة للسودانيين خلال ربع القرن الأخير أو نحوه. والحق أن الثبات الذي أبداه الرجل والجسارة التي بدا عليها في خواتيم أيامه تؤهله لينال حظاً من ذلك.) أكرر يقول تؤهله أن ينال حظاً من ذلك – أي من ذلك (الاحتفاء المشتط الذي جعل الأستاذ سيد شهداء الفكر على الأقل بالنسبة للسودانيين خلال ربع القرن الأخير أو نحوه.). وأعتقد أن المقال قد نبه إلى السوء الذي ربما ينجم عن المغالاة في الأمر. ولقد قيض الله لنا ولكم بعضاً من ذلك من مثال تحوير الوثيقة. إذ ما الذي يدفع البعض إلى الاعتقاد أن محموداً قد أوصى بأن لا يُصلى عليه؟ وسيصبح للعجب بالطبع وجهاً آخر إن جاء هذا القول من محب؟
هذا من جانب. أما من جانب آخر فأدعوك للتمهل قليلاً في الإساءة إلى ذكرى الرئيس العراقي الراحل صدام حسين إذ أن هناك من يجلونه جلالكم لمحمود. ومن بين هؤلاء زملاء لكم بهذا المنبر. وإن أنت فعلت فما فضلك على كاتب المقال والذي يرى أن محموداً لا يعدو أن يكون سياسياً يناور كما يفعل الآخرون. هذا فضلاً أن الرجلين الآن في جوار ربهما. والله أعلم برجعاهما. وأرجو أن تستذكر هنا الحديث (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع... الحديث)
لعلك تشاركني الرأي أن التزام ما نذيع من مناهج ليس بالشيء اليسير.
وتحملنا هذه يسراً إلى النقطة الأهم وهي المبالغة في تعظيم السيرة السياسية للجمهوريين. ولكن قبل ذلك اذكر لك مشهداً من مشاهد الانتفاضة حتى تعي ما أقول: أذكر أن أقامت القوى المنتصرة في الانتفاضة ندوة شهيرة بالميدان الغربي بجامعة الخرطوم بعيد الانتفاضة إحتفاءاً بها. وكان المتحدثون يمثلون قوى الانتفاضة المختلفة باستثناء " الاتجاه الإسلامي/الحركة الإسلامية/الجبهة الإسلامية". حتى إذا جاء دور حزب الأمة حاول الراحل عمر نور الدائم رحمه الله أن ينسب فضل السبق في الانتفاضة إلى الحزب والذي تحرك قبل غيره عبر اتحاد طلاب جامعة أمدرمان الإسلامية قبل الآخرين. ولكنه لم يستطع أن يكمل ذلك للاعتراض الشديد والهتاف المتزايد من أكثر الحاضرين. وكلما كان يزيد في العناد كان الآخرون يزيدون في الهتاف والاعتراض حتى أسمعوه " لن تعودي يا رجعية"!!! ورغم الفرق بين موقفي حزب الأمة والإخوان الجمهوريين إلا أنني أعتقد أنكم كثيراً ما تقفون موقف عمر نور الدائم رحمه الله. أنظر مثلاً إلى قولك: (فقد كان أقوى من واجه الاستعمار بجسارة منقطعة النظير فكان أول السجناء السياسيين في الحركة الوطنية والتي بمواقفه تلك دب فيها الحماس حتى تمكنت من إخراج الاستعمار من السودان .. وبين مواقف الأستاذ محمود في أربعينات القرن العشرين و وثمانيناته يشهد له الأعداء قبل الأصدقاء بقوة الفكر وبالشجاعة الأسطورية وبالصدق والصمود ثم بالسلام الذي عاشه في نفسه وألزم به اتباعه فساروا سيرة لم يجد إليها المهوسين من سبيل غير التشويه والكبت والتعنيف ثم محاولة التشويه مرة أخرى كما نرى من هذا الكاتب الآن .. ولكن رغم العداوات الكثيرة التي قابلت الأستاذ محمود وحزبه من قوى اليمين ومن قوى اليسار طوال مسيرته ، ذلك انه لم يكن يجامل أيهما ، فإنه لم يأبه ولم يلتفت ولم يتنازل عما يراه الحق قيد أنملة). أليس فيما تقول إجحاف بحق من دفعوا حياتهم ثمناً لخروج المستعمر؟ ماذا يساوي سجن عامين بفداء الأبرار من حركة 24 المجيدة؟ أو ود حبوبة أو ... أو ...؟ ثم ماذا تقصد بقولك: (والتي بمواقفه تلك دب فيها الحماس حتى تمكنت من إخراج الاستعمار من السودان)؟ ولماذا يتصور الكثير من السياسيين وصنّاع الفكر أن الكون إنما يتحرك بالهام منهم هم وحدهم دون غيرهم؟
أما قولك: ( ثم أنه لم يكن طامعا في منصب سياسي أو دنيا يصيبها فقد كان يعيش عيشة غمار الشعب فيأكل أكلهم ويلبس لبسهم ويسكن مسكنهم ).. فصدقني أن الكثيرين لم يتمتعوا بذلك عندما تمتع الجمهوريون به. أعلم يا أخي مثلاً أن الشعراء والأدباء وخطباء المنابر كانوا يحاسبون لمجرد إلقاء القصائد داخل أسوار الجامعة، بينما كان الجمهوريون يتمتعون بإلقاء محاضراتهم داخل وخارج الجامعة. بل وأحياناً في حراسة البوليس. وفي هذا المقام يسعدني أن أشيد بالبسالة النادرة التي اتصف بها بعضاً من هؤلاء والذين كانوا يقومون بإلقاء القصائد وهم يعلمون- بل يرون بالعين من ينتظرونهم خارج الجامعة ليسومونهم سوء العذاب. هل تعلم أن من بين خطباء المنابر بالجامعة آنذاك من صمت آذانهم من جراء ذلك؟
ثم قلت ( وبدلا من أن يناقش الكاتب هذا الموقف أو ينفي صحة ما جاء فيه من ظروف جعلت مجيء مايو يستحق وصفه بأنه كان في لحظة تاريخية دقيقة وذلك حينما تآمرت الأحزاب الطائفية والأخوان المسلمون على الدستور وسعوا لفرض دستور بديل يلتحف قداسة الدين وطردوا النواب المنتخبين من البرلمان وأهانوا القضاء .. مما جعل انقلاب مايو برغم صبغته العسكرية والدكتاتورية أفضل من البديل الآخر وهو تلك الدكتاتورية المدنية التي تلتلحف قداسة الدين والتي رأينا نموذجها مؤخرا في دولة الحركة الأسلامية خاصة في سني الأنقاذ الأولى .. بل لعل الكاتب نسى أنه عندما فارق نظام مايو خطه وأصبح هو نفسه نظاما لا يختلف عن النظام الذي أزاحه لم يتوانى الجمهوريون من معارضته .. والحق أنهم عارضوا حتى بداياته البعيدة في السير في هذا الخط عندما كون لجان لمراجعة القوانين للتماشى مع "الشريعة الإسلامية" وقد دفعه لهذا الخط المنحرف الأخوان المسلمون والأحزاب الطائفية بعيد المصالحة الوطنية ..وقد يكون الكاتب تناسى أن الأستاذ محمود وتلاميذه لم يدخلوا الأجهزة التنفيذية أو السياسية لنظام مايو كما فعلت بقية الأحزاب حتى تلك التي حاربت نظام مايو في باديء أمرها بالسلاح .. ولم يسع االأستاذ محمود وتلاميذه للسلطة خلال عهد مايو أو قبله في عهود ما بعد الإستقلال .. فما هو هذا "التاريخ السياسي للأستاذ محمود" الذي "لا يختلف كثيراً عن تاريخ السياسيين الذين شاركوه اللعبة السياسية طوال الفترة التي تلت الاستقلال السياسي للسودان". وما هي هذه "الأغراض السياسية والمناورات" التي يدعي الكاتب أن تاريخ الأستاذ محمود لم يخلو منها .. وهل يغالط الكاتب في أن مايو مرت بتقلبات سياسية وأن الجمهوريون كانوا يؤيدونها حينما تصيب وينتقدونها حينما تخطيء؟ هذا مع العلم بأن أعداء الجمهوريين كانو يكيدون لهم حتى من داخل أجهزة مايو التنفيذية والقضائية طوال تلك الفترة فسلطوا عليهم أجهزة الأمن لتعتقلهم وتعطل نشاطهم وتفرق محاضراتهم بالبمان وألبوا عليهم البسطاء من داخل المساجد ليحرقوا معارضهم وغرروا بهم الجهلاء ليعنفوا بهم ولكن لأن الجمهوريين لم يكونوا يحسبون مواقفهم بحسابات الربح والخسارة فقد كان تأييدهم لأسباب مبدئية لا تؤثر فيها معارضة المعارضين ولا تنكّر المؤيدَين ثم أنهم عندما عارضوا مايو عارضوها لنفس الأسباب المبدئية). وللرد على بعض ما أثرت إليك هذه الأسئلة: ألا يكون العمل العلني في وقت يدخل فيه الآخرون السجون مكسباً سياسياً؟ هل يمكن لأحد أن يتصور أن الوقوف إلى جانب مايو يمكن أن يكون لموقف مبدئي أياً كان خاصة لمن يتحصن خلف الفكرة؟ أليس لكم موقف مبدئي من استعمال العنف مثلاً؟ هل ما قامت به مايو من مجازر يمكن أن يغفر لها إلى الحد الذي يمكن البعض من الوقوف معها كموقف مبدئي"؟. إذا كان الموقف من العنف موقف مبدئي، فإن الموقف من مايو ليس إلا " تكتيكي مرحلي" مثلما أشار الأخ تاج السر في أحد الروابط التي أشار عليّ بها الأخ ياسر. وبعدها سيصبح لوم الجمهوريين عليه في ظل الظروف التي أشرت لها أعلاه مشروع أو متفَهم على اقل تقدير. وربما تكون محقاً في قولك( لا أحد ينكر أن بعض السياسيين والتنفيذيين في مايو لم يكونوا يرون خطرا ماثلا من حركة الجمهوريين السلمية على نظامهم ، كما كانوا يرون من التنظيمات الأخرى التي كان كل همها إسقاط النظام بأي سبيل ، فسمحوا لها ببعض الحركة). ولكنك أخطأت فيما أرى بالنسبة لبيان سبب ذلك وهو أن مايو إنما استخدمت الجمهوريين ملهاة للأسف للناس. أقصد أنها كانت سعيدة أن ينشغل الناس بما يثيره الجمهوريين من قضايا ليست في الواقع من صميم اهتمامات الناس. أو تلك التي تدعوهم إلى الثورة. وأرجو أن أكون واضحاً بما يكفي هنا حيث أن عودتك بتمجيد موقف الجمهوريين من قضايا الشارع لن تفيد دون تبرير مقنع لما أسميته بالموقف المبدئي من مايو. كما أن مايو ما كانت لتقلق لو تحدث كل السودان عن الأصالة، والإنسان الكامل، و... و... مما يظنه المايويون بعيداً عن قضايا الشارع. وجهل الجمهوريين بهذه الحقيقة - أو تناسيها على أفضل الفروض- هو الذي دفعك لاحقاً أن تقول: (.. ولمصلحة القراء فعنوان هذا "الاستجداء" الذي يعنيه الكاتب كان "هذا أو الطوفان" .. فلم يقبل النظام بما جاء فيه .. فكان الطوفان .. لا أكثر ولا أقل) ... ثم تمضي فتقول : ( أما أنا فأقول أن الجمهوريون كان همهم هو القيام بالواجب المباشر وقد كان ذلك يتجسد في مواجهة هوس نظام مايو وفي الدفاع عن الشعب السوداني الذي لم يجد من قوانين سبتمبر سوى السيف والسوط كما عبرت منشوراتهم .. فهم لم يكونوا يحسبون مواقفهم بحسابات الربح والخسارة أو يلعبون في المضمون .. ونظام مايو لم يبدأ نظاما مهووسا على أي حال وهو تقلب بين اليسار والأعتدال والتطرف اليميني ولا أعتقد أنه من الحكمة أن يحاكمه الجمهوريون على مآل حاله حتى لو عرفوه). أما قولي جهل الجمهوريين أو ناسيهم فمعناه أن الجمهوريين ربما تغاضوا عن حقيقة أن مايو إنما توادهم لغرض خاص بها. وليس لأنها مقتنعة مثلاً أن موقفهم منها مبدئي. أو أنهم لا يؤمنون بالعنف. وأنه متى ما انتفى ذلك فإنهم سينالون ذات الحظ الذي أصابه غيرهم مما يسمونه "الاعتدال المايوي". واشاركك الرأي أن "هذا أو الطوفان" لم يكن استجداءًاً بل اعلان الحرب ضد مايو. إذ من غير الممكن تصور أن "يسمع النميري النصح".
وقبل أن أعود مجدداً أرجو أن أشير هنا إلى بعض الأمور التي ربما تفيد النقاش لاحقاً إن شئت أن أواصل معكم الحديث حول بعض ما ورد بالفكرة الجمهورية من غير هذا الجانب وهي كما يلي: 1/ لقد شعرت ببعض الذنب وأنا أذهب بهذا الخيط إلى ما ذهب إليه الآن بمداخلاتي. وكنت أنوي أن افترع خيطاً جديداً يتناول السيرة السياسية للجمهوريين. ولكني راجعت الفكرة خشية أن يصيب الخيط الجديد ما أصاب مثله في السابق من هتاف سياسي غير بناء من العديد من المتداخلين الذي لا يرون في الأمر أكثر من عراك سياسي محض لتبادل التنابذ والإساءات الجارحة. أما إن كانت لكم رغبة أن أفعل أو أن تفعلوا أنتم- أقصد افتراع خيط جديد- فعلى الرحب. رغم أنني أنوي أن تهتم مداخلاتي اللاحقة بإذن الله بما ورد "بالديباجة". 2/ فيما يتعلق بانتمائي السياسي فأنا بحمد الله لا انتمي لأي تنظيم سياسي. رغم أنني لم أكن خامل سياسياً بمعنى أنني شاركت في بعض أركان النقاش لعدد من التيارات السياسية- وربما أشير إلى جانب مما كنت أقول آنذاك إن شاء الله. أما الآن فأنا والحمد لله ممنوع بحكم القانون من ممارسة الانتماء السياسي. وهذه فاتت على الأكرم حيدر بدوي إذ لا يمكنه أن يكون عضواً في ثلاث تنظيمات وفي ذات الوقت ينشد العودة إلى الوزارة ضمن من أحيلوا بموجب "الصالح العام". هذا إن كانت له الرغبة حسبما اعتقد. هذا ولكم صادق شكري وتقديري.
07-09-2007, 05:04 AM
Omer Abdalla
Omer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-02-2003
مجموع المشاركات: 3083
الأستاذ عبد الوهاب حجازي تحية طيبة لقد سعدت بمداخلتك الأخيرة لأنها جاءت بروح تبعث على الحوار الموضوعي ولا يملك الشخص الا أن يحترم آراءك فيها برغم اختلافه مع جل ما جاء فيها كما سأبين .. ولا غرو من الاختلاف والنظر للمواقف والأفكار من زوايا مختلفة واسماع الآخر صوتنا فيما نراه الحق حتى ولو جاء ذلك على غير ما يهوى وهو ما فعلته أنت وما أظن أنني قمت به ايضا في كتابتي السابقة والحكم في الآخر للقراء وللتاريخ .. دعني أبدا بقولك حول ما أسميته "التشويه المريع الذي أصاب وصية الأستاذ محمود" في اشارة لما كتبه الأستاذ الراحل جلال الدين الهادي .. فأنت قلت عن ذلك أنه:
Quote: أمر يمكن أن يصيب الكثيرين بالهلع من مقدار الجسارة التي يمكن أن يقبل بها البعض في تشويه آثار الآخرين أو صورتهم. رغم أن ذلك ربما يكون بدافع الجهل أو التصور الخاطئ. وقد صدمت بشكل خاص بما ورد من أنه أوصى بأن لا يصلى عليه. فذاك أمر جلل. حيث أن الأمر إن كان كذلك لكنتم أنتم أنفسكم قد خالفتم هذه الوصية بحسن ذكركم إياه. إذ حتى تلك يمكن أن تكون صلاة.
أولا ، أنا تحدثت عن الملابسات التي كتب فيها الأستاذ جلال الدين تلك الوصية من الذاكرة وبعيدا عن أي مصادر توثيقية يرجع لها حيث كتب مذكراته تلك في القاهرة تلبية لطلب من الأستاذة أسماء محمود وواضح فيها أن كلمات الوصية التي طال عهده بقرائتها اختلطت عليه حيث أوردها كالآتي: "لا أغسل.. ولا يكشف عن جسدى.. وأكفن فى ملابسى القديمة وتوبى القديم.. ولا يصلى علىّ، ولا توضع على قبرى إشارة أو علامة" بينما كانت كلمات الوصية: "لا يفرش على ولا يتصدق ولا أكفن في جديد ولا يناح علي ولا تجعل علي قبري أي علامة ويباشر غسلي زوجتي" .. وهو خطأ غير مقصود ولا يمكن أن يحسب كدليل على "الصورة المبالغ فيها في تعظيم الأستاذ محمود" والتحوير الذي حدث لصورة السيد المسيح بالفلم المذكور." ثانيا ، إن ما نسبه الأستاذ جلال للوصية قد تم بالفعل ، وربما يكون ذلك سببا أساسيا في الخلط الذي وقع في تذكره لنص الوصية ، حيث لم نسمع ممن قاموا بأخذ جسد الأستاذ محمود بالطائرة ودفنوه في صحراء امدرمان بأنهم صلوا عليه أو غسلوه أو حتى وضعوا علامة على قبره بل المؤكد أنهم دفنوه بملابس السجن (عراقي الدمورية والسروال) التي أعدم فيها ويجدر هنا ذكر أن الأستاذ محمود كان قد علق في أثناء سجنه على أن تلك الملابس بـأنها أشرف لبس يلبسه .. فقد كان أن ألبستها له الحكومة الاستعمارية في الأربعينات بسبب مقاومته لقوانينها القمعية ثم ألبستها له حكومة الهوس الديني في عهد نميري بعد ذلك بأربعين عاما لمقاومته أيضا لقاونينها القمعية ولدفاعه عن الشعب السوداني في كلا الحالتين .. وطرف كبير من هذا الذي تم له ورد في تلك الوصية التي كتبت في بداية الخمسينات .. ثم لو كان غرض الجمهوريين "تضخيم" الصورة "الحقيقية" بمثل هذه الأقوال كما أشرت أنت فمن الذي قام بتصحيح ذلك الخطأ (أو قل التضخيم) في رواية الأستاذ جلال ، أولا ، بأيراد صورة الوصية كما هي تحت حديث الأستاذ جلال مباشرة ، وثانيا ، بإيراد تصحيح الأستاذ عصام عبد الرحمن وهو من الجمهوريين؟!! أما أن يكون دافع كاتب المقال هو الشفقة لا التشفي كما أشرت أنت ، فالله أعلم بما في الصدور ولكننا علقنا على ما بدا لنا من ظاهر كتاباته التي بدا لنا فيها التحامل والتشفي حتى في عنوان المقال "محمود اغتالوه أم قتل نفسه؟ ".. وعلى أي فقد ظهر جليا أن حال هذا الكاتب هو الذي يدعو للشفقة لا ما حاول أن ينسبه هو للجمهوريين من تصورات وأوصاف تحاملا واعتسافا كما بينا .. ولم يكن ما نقله من أحاديث للجمهوريين في موقع الفكرة غير تلك الصورة الحقيقية التي حاول هو تطفيفها لشيء في نفسه .. ولذلك ليست هنالك صورة أخرى حقيقية ليوظفها الجمهوريون بديلا لصورة التقديس "إلى الحد الذي ينال من مجاهدات آخرين سبقوا الأستاذ محمود في الفداء الفكري والبلاء السياسي كليهما." كما قررت أنت هنا ، وسنعود لذلك ..
Quote: بظني أن المقال لم ينكر الجريمة ولم يحاول تطفيف الثبات الذي أبداه الأستاذ فقد جاء بالمقال ما يلي: (وشد ما يعجب الاحتفاء المشتط الذي شارك فيه بعضُ غير يسير من التيارات السياسية السودانية الأخرى والتي جعلت من الرجل سيد شهداء الفكر على الأقل بالنسبة للسودانيين خلال ربع القرن الأخير أو نحوه. والحق أن الثبات الذي أبداه الرجل والجسارة التي بدا عليها في خواتيم أيامه تؤهله لينال حظاً من ذلك.) أكرر يقول تؤهله أن ينال حظاً من ذلك – أي من ذلك (الاحتفاء المشتط الذي جعل الأستاذ سيد شهداء الفكر على الأقل بالنسبة للسودانيين خلال ربع القرن الأخير أو نحوه.). وأعتقد أن المقال قد نبه إلى السوء الذي ربما ينجم عن المغالاة في الأمر.
قولك بعاليه يحتاج الى مراجعة فصاحبك أنكر الجريمة في العنوان التقريري الذي اختاره لمقاله كما أشرنا "محمود اغتالوه أم قتل نفسه؟" ثم أنه طفف صمود الأستاذ وشجاعته أمام قتلته التي تمثلت في مواجهته لقضاة السلطان وفي الثبات وتلك الإبتسامة الأسطورية أمام الموت وذلك بمحاولة مقارنته بصدام حسين .. ثم انه استنكر احتفال التيارات السودانية التي رأت في وقفة الأستاذ القوية ضد الظلم ومن غير سلاح غير سلاح الكلمة والفكر ولذلك أطلقوا عليه "شهيد الفكر" أو "سيد شهداء الفكر" خاصة وأنه حوكم على آرائه بينما حوكم غيره من الشهداء على محاولات أحزابهم للأنقلاب المسلح على السلطة .. هو استنكر عليهم ذلك ووصف احتفالهم بال "الأحتفاء المشتط" فإذا قال بعد ذلك "والحق أن الثبات الذي أبداه الرجل والجسارة التي بدا عليها في خواتيم أيامه تؤهله لينال حظاً من ذلك" فهل تظن أن هذا يغير في حكمه المتعسف شيئا ؟!!.. ولقد يعجب الواحد من قولك:
Quote: أما من جانب آخر فأدعوك للتمهل قليلاً في الإساءة إلى ذكرى الرئيس العراقي الراحل صدام حسين إذ أن هناك من يجلونه جلالكم لمحمود. ومن بين هؤلاء زملاء لكم بهذا المنبر. وإن أنت فعلت فما فضلك على كاتب المقال والذي يرى أن محموداً لا يعدو أن يكون سياسياً يناور كما يفعل الآخرون. هذا فضلاً أن الرجلين الآن في جوار ربهما. والله أعلم برجعاهما. وأرجو أن تستذكر هنا الحديث (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع... الحديث) لعلك تشاركني الرأي أن التزام ما نذيع من مناهج ليس بالشيء اليسير.
فمن هو الذي قارن بين وقفة الأستاذ محمود ووقفة صدام حسين أن لم يكن غير هذا الكاتب الذي تحاول أن تدافع أنت عن آرائه .. بالطبع يمكن للكاتب أن يصف الأستاذ محمود بما يريد ويحق لنا أن نفند دعاويه ونذكره بأن الأستاذ محمود داعية فكر ومواقف لم تمتد يده لبطش أحد ولم تحرك مواقفه أطماع سياسية أو اقتصادية كما حركت غيره وحياته كانت كتابا مفتتوحا يعرفه الجميع كما يمكننا أن نتحدث عن تاريخ صدام حسين ، كدكتاتور حكم شعبه لمدة ثلاثين عام بحد السلاح وقتل من معارضيه الألاف وسجن الآلاف وأحرق من مواطنيه المئات بالمواد الكيمائية بل امتدت أياديه بالقتل حتى لأفراد أسرته .. هذا تاريخ معروف ومرصود لا يقوى أحد على أنكاره أو إثارة الغبار حوله وإذا وُجد من يظن أن في الأمر تزييف فالفرصة متاحة لديه ليوضح مبلغ الخطأ في حديثنا .. الى هنا وحديثنا محصور عن سيرة الرجلين والظروف التي أدت لقتل (أو اغتيال) كل منهما والتي حاول الكاتب بقدرة قادر أن يطابقها فاستوجب ذلك منا التصحيح والتوضيح .. فلماذا تلومنا على ذلك ولماذا تحاول أنت الآن أن تلوي عنق الحديث وتجعله عن رجعاهما أو تقبلهما عند ربهما ,, فهل هذا كان مجال حوارنا؟!!!! والموقف الذي ذكرته عن الإنتفاضة لا أدري ما هو سبب ذكره هنا حقيقة فليتحدث من يشاء عن مواقفه وعن بطولاته وسيحكم الشعب وسيحكم التاريخ وقبل ذلك سيحكم رب العباد ان كان ما ادعاه صحيح أو باطل والموقف الذي ذكرته أنت يقف خير دليل على ذلك .. فإذا كان للراحل عمر نور الدائم عليه رحمة الله غرض سياسي من حديثه ذلك فما هو غرضنا نحن من كتابة سيرة الأستاذ محمود وحركته برغم أن نظرة الناس لا تزال مشوبة بعدم الفهم للكثير من تلك المواقف؟ مثلا هل تعلم أن الجمهوريين لو اختاروا معارضة نظام مايو كما فعلت بقية التظيمات بيسر لكانوا وجدوا قبولا أكثر وسط الناس فما أسهل أن تحدث الناس وقتها عن أن سعر الرغيف فاق القرشين أو أن الامبريالية الأمريكية والبنك الدولي تدخلا في الشأن السوداني .. وهل تعلم أن عدد كبير من الأصدقاء الذين كانوا مقتنعين بالفكرة الجمهورية أيام أركان النقاش في السبعينات وأوائل الثمانينات لم يحل دون التزامهم غير موقف الجمهوريين من مايو؟ ولكن رغم ذلك ولأن الجمهوريين كانوا مستيقنين من أن مصلحة الشعب السوداني وقتها كانت في بقاء نظام مايو لم يبالوا بكل هذا واستمروا في موقفهم حتى استنفد النظام غرضه وفقد صلاحية بقائه فبادروا بمعارضته وهو في أعنف حالاته بمعارضيه ودفعوا في ذلك أغلى ثمن.. فالجمهوريون لم تكن لهم مطامح سياسية في تأييدهم أو معارضتهم لنظام مايو فقد كان همهم الأول والأخير هو مرضاة ربهم ورعاية مصلحة الشعب السوداني وقول الحق حتى ولو وضعهم ذلك في كفة ووضع بقية الناس في كفة .. فهم لم يساوموا الناس في دينهم وفكرتهم برغم محاكم الردة التي نصبت لهم منذ الستينات وبرغم العداء المستفحل الذي شنه عليهم السلفيون على طول المدى وكذلك هم لم يساوموا في مواقفهم السياسية برغم غرابتها وعدم تفهم الناس لها (ومن ذلك معارضتهم لسياسات جمال عبد الناصر في الحرب والأرتماء في احضان السوفييت وكذلك معارضتهم لملوك السعودية وتأييدهم للسلام بين العرب وإسرائيل وتأييدهم لمايو) وهم في ذلك يقتدون بالنبي الكريم الذي حينما أرادت قريش أن تساومه في دينه قال "والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه" .. ثم أني أراك تستنكر علي قولي عن الأستاذ محمود أنه: (كان أقوى من واجه الاستعمار بجسارة منقطعة النظير فكان أول السجناء السياسيين في الحركة الوطنية والتي بمواقفه تلك دب فيها الحماس حتى تمكنت من إخراج الاستعمار من السودان .. وبين مواقف الأستاذ محمود في أربعينات القرن العشرين و وثمانيناته يشهد له الأعداء قبل الأصدقاء بقوة الفكر وبالشجاعة الأسطورية وبالصدق والصمود ثم بالسلام الذي عاشه في نفسه وألزم به اتباعه فساروا سيرة لم يجد إليها المهوسين من سبيل غير التشويه والكبت والتعنيف ثم محاولة التشويه مرة أخرى كما نرى من هذا الكاتب الآن .. ولكن رغم العداوات الكثيرة التي قابلت الأستاذ محمود وحزبه من قوى اليمين ومن قوى اليسار طوال مسيرته ، ذلك انه لم يكن يجامل أيهما ، فإنه لم يأبه ولم يلتفت ولم يتنازل عما يراه الحق قيد أنملة). متسائلا:
Quote: أليس فيما تقول إجحاف بحق من دفعوا حياتهم ثمناً لخروج المستعمر؟ ماذا يساوي سجن عامين بفداء الأبرار من حركة 24 المجيدة؟ أو ود حبوبة أو ... أو ...؟ ثم ماذا تقصد بقولك: (والتي بمواقفه تلك دب فيها الحماس حتى تمكنت من إخراج الاستعمار من السودان)؟ ولماذا يتصور الكثير من السياسيين وصنّاع الفكر أن الكون إنما يتحرك بالهام منهم هم وحدهم دون غيرهم؟
بالرغم من أن لنا رأينا وتحفظاتنا على ثورة 24 الا أننا هنا نتحدث عن الحركة الوطنية الحديثة وهذه يؤرخ لها ببروز مؤتمر الخريجين في الثلاثينات والظروف التي أدت لذلك منذ اضراب طلاب كلية غردون الشهير .. فعندما تكون الحزب الجمهوري في اكتوبر 1945 وجد أن الأحزاب السياسية التي خرجت من المؤتمر كانت منضوية تحت الطائفتين الكبيرتين "الأنصار" و"الختمية" ووجدها تتبادل المذكرات الهادئة بشأن الاستقلال مع حكومة الاستعمار الثنائي وكانت بعض هذه الأحزاب تريد تحالف مع بريطانيا والأخرى اتحاد مع مصر فلم يرق هذا الأمر للجمهوريين فجاءت دعوتهم بصورة صارخة وقوية في مواجهة الاستعمار ولقيام "جمهورية" سودانية مستقلة بدل النظم الملكية التي كانت تظمح اليها بقية الأحزاب .. وقد واجهوا تلك الأحزاب مواجهة شديدة لالتماسها السند الطائفي ولعدم مواجهتها للمستعمر .. على أي حال سنسرد ما جرى حينها (نقلا من كتاب "معالم على طريق تطور الفكرة الجمهورية" الأول) حتى نقف جميعا على حقيقة دور الحزب الجمهوري في مواجهة الاستعمار وفي اثارة حماس الشعب ضده: الجمهوريون يلقون بكلهم في المعركة لقد شهدنا آنفا كيف بدأ النشاط السياسي من خلال المؤتمر وأحزابه حبيسا بين جدران مكاتب المؤتمر ودواوين الحكومة ، لم يزد على تبادل المذكرات بين الجانبين ، فكانت خطوات زعماء المؤتمر مكبلة بتوجس وحذر شديدين .. وكان الميدان السياسي يعاني فراغ الفكرة ، وفراغ الحماس .. فرأى الجمهوريون أن يملأوا أولا فراغ الحماس ، وان لم يغب عنهم أمر الفكرة ، فاندفعوا في مواجهة صميمة يوزعون المنشورات الموقعة باسمهم ، ويلقون الخطب السياسية على الشعب في أماكن وجوده .. في الميادين العامة ، في المقاهي ، وحيث وجدوه يبصرونه بقضيته ويثيرون حماسه ضد الأستعمار ، فانزعج الأنجليز لهذا الأقدام وهذه الصلابة ، في مواجهتهم فهبوا لكبت الجمهوريين واسكات صوتهم ، ولكن الجمهوريين صمدوا ، وأروا الانجليز أنهم لايهابون سجنهم وارهابهم ، بل رفضوا أن ينصاعوا لأمرهم بوقف النشاط السياسي ، وفضلوا السجن في سبيل ذلك .. فلقد اعتقل الأستاذ محمود وكان في معتقله أكثر مواجهة للأنجليز مما اضطرهم لاطلاق سراحه قبل تمام مدة الحكم المقررة ، فقد خرج من السجن بعد خمسين يوما بلاقيد ولاشرط ..
صورة خطابي استدعاء البوليس للتحقيق مع الأستاذ محمود نثبت فيما يلي صورة الخطابين الموجهين للأستاذ محمود : الأول من البوليس للتحقيق معه في شأن نشاطه السياسي ، والثاني من قاضي الجنايات للمثول أمام المحكمة لمواجهة الأتهام بالنشاط السياسي وتوقيع تعهد بالكف عن ممارسته النشاط ضد الحكومة :
Dear sir, You are hereby required to attend at the C.I.D office at 9 a.m on 25/3/46 to answer questions respecting some circulars purporting to have been issued by the Republicans. Please acknowledge receipt of the letter
Summons on information of a probable Breach of the peace. (see sections 81 and 84) To Mahmud Mohed Taha, Contractor, Omdurman. Whereas it has been made to appear to me by credible information that you have issued a pamphlet which is deemed to be likely to excite feelings of disaffection to the government and to lead to a breach of the peace or to disturb the public tranquility: You are hereby summoned to attend in person at the Police Magistrate’s Court on the 2nd day of June, 1946 at 08:45 a.m to execute a bond for £s 50 and also to give security by bond of one surety in the sum of £s 50 that you will keep the peace and refrain from illegal acts likely to disturb the public tranquility for the period of two years or to show cause why you should not execute such bond and give such security. Dated this 29th of May, 1946 W.C. McDowell Police Magistrate, Khartoum ))
ترجمة الخطابين (( مكتب التحريات الجنائية 36هـ/م.ت.ج ص.ب 288 الخرطوم في 24 مارس 1946م
محمود محمد طه تاجر أم درمان
السيد المحترم بموجب هذا مطلوب حضورك بمكتب التحريات الجنائية الساعة 9 صباحا يوم 25/3/46 للاجابة على اسئلة تتعلق بمنشورات يعتقد انها صدرت عن الجمهوريين … أرجو التكرم بالتوقيع باستلام هذا الخطاب.
المخلص ج.أ.س برايس ملاحظ، مكتب التحريات الجنائية
"ورقة تكليف بالحضور للأدلاء بمعلومات تتعلق باحتمال الاخلال بالسلام" "انظر المادتين 81 و 84" الى محمود محمد طه، مقاول، أم درمان. بما انه قد تبين لي بمعلومات موثوق بها انك قد اصدرت منشورا يعتقد انه من المحتمل أن يثير الشعور بالكراهية ضد الحكومة ويؤدي الى الاخلال بالسلام، أو الى ازعاج الطمأنينة العامة. فأنت بموجب هذا، مطلوب حضورك شخصيا للمثول أمام محكمة الجنابات في اليوم الثاني من يونيو 1946 الساعة 8:45 صباحا لتوقع على كفالة مالية قيمتها خمسون جنيها، وأيضا لتوقع على كفالة بواسطة ضامن واحد بمبلغ خمسين جنيها على أن تحفظ السلام وتمتنع لمدة سنتين عن القيام بالاعمال غير المشروعة والتي من المحتمل أن تخل بالطمأنينة العامة، أو تبين السبب الذي يمنعك عن التوقيع على هذه الكفالة وهذا الضمان..
بتاريخ اليوم التاسع والعشرين من مايو 1946 و.س ماكدوال قاضي جنايات، الخرطوم ((
* يلاحظ في خطابي البوليس وقاضي الجنايات تعمّد الانجليز تجاهل مخاطبة الاستاذ محمود بوصفه رئيسا لحزب .. فقد خاطبوه في الخطاب الأول بأنه "تاجر" وفي الخطاب الثاني بأنه "مقاول" !! ولكن أي تجارة هذه، وأي مقاولة، تلك التي تقض مضاجع الاستعمار، حتى يحاول أن يكمم الافواه ويغيّب الاحرار بين جدران الزنزانات!؟
انباء مواجهة الجمهوريين تشغل صفحات الصحف وقد شغلت انباء مواجهة الجمهوريين للانجليز صفحات الصحف في تلك الايام. وهذه نماذج لما كانت تنشره من انباء :- ((الرأي العام – 3/6/1946 مثل الاستاذ محمود محمد طه المهندس امس امام قاضي الجنايات المستر مكدوال متهما من بوليس الخرطوم تحت قانون التحقيق الجنائي لتوزيعه منشورات سياسية من شأنها الاخلال بالأمن العام، وقد أمره القاضي أن يوقع على صك بكفالة شخصية بمبلغ خمسين جنيها لمدة عام لايشتغل خلالها بالسياسة ولا يوزع منشورات. ويودع السجن لمدة سنة اذا رفض ذلك.. ولكن الاستاذ محمود رفض التوقيع، مفضلا السجن، وقد اقتيد لتوه الى سجن كوبر.)) … هكذا اراد دهاء الانجليز!! لا أن يسكت صوت الوطنيين وحسب، وانما ان يذلهم ليطأطئوا رؤوسهم الى الابد، وذلك بأن يوقعوا وثيقة تخاذلهم وتنازلهم عن مبدأ النضال، ولكن الجمهوريين لم يفت عليهم ذلك، ولم يهنوا أمامه.. فاختارو السجن على أن يتعهدوا بالاستكانة في وجه المستعمر ..
داخل السجن وفي داخل السجن لم يصمت الاستاذ محمود ولم يخضع لما يهين كرامة الانسان.. والبيان الرسمي التالي يعطي صورة عن مواقفة داخل السجن: (( الرأي العام – 26/6/1946" بيان رسمي من مكتب السكرتير الاداري عن رئيس الحزب الجمهوري: (ظهرت بيانات في الصحف المحلية حديثا بخصوص محمود محمد طه الذي هو الآن تحت الحراسة بالخرطوم بحري نتيجة لرفضه أن يمضي كفالة المحافظة على الأمن.. وهذه البيانات قد احتوت على معلومات غير دقيقة، والحقائق كالآتي: لمدة يومين رفض محمود محمد طه أن يشتغل، وهذا يخالف قوانين السجن فلم يعمل له أي شئ في اليوم الاول، أما في المرة الثانية فقد حكم عليه بالبقاء ثلاثة أيام "بالزنزانة" و "الاكل الناشف" ولو أنه رفض أيضا أن يقف عند الكلام مع ضابط السجن فان العقوبة التي نالها الان لم تعط له نتيجة المخالفة لنظام السجن، وبهذه المناسبة يجب أن يعلم أن كل المساجين مهما كانت جنسياتهم يجب أن يقفوا الى ضابط السجن انجليزيا كان أو سودانيا ..))
الاستعمار يرغم على اطلاق سراح الاستاذ محمود محمد طه، فيتأجج اضرام الوطنية في أوساط الشعب لقد كانت مواجهة الجمهوريين داخل السجن وخارجه مقلقة للاستعمار ومحطمة لكبريائه فاضطر الى اطلاق سراح الاستاذ بلا قيد ولا شرط قبل أن يكمل مدة الحكم بسجنه سنة، وذلك بعد مضي خمسين يوما من سجنه، فكان لهذا الموقف صدى طيب في أوساط الشعب على اختلاف اتجاهاته، فانهالت برقيات الاعجاب والتهنئة من المواطنين وفيما يلي نعرض نماذج منها :- * سكرتير الحزب الجمهوري – أم درمان كان سجن الرئيس درسا وطنيا قيما لشباب الجيل في الايمان والروح وقد سررنا لخروجه لا شفقة عليه ولكن ليواصل الجهاد الوطني حسن بابكر – القضارف 24/7/1946.
* محمود محمد طه – الحزب الجمهوري أم درمان تأكل النار الصدأ واللمما وبها يسمو كريم الذهب ويرى الحر العذاب المؤلما لذة في الحق يا للعجب ياسجينا قدره قد عظما وسما حتى جثا في السحب أحمد محمد عثمان – عطبرة 29/7/1946
* الاستاذ محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري – أم درمان أعضاء جبهة المؤتمر الوطنية بالابيض يرون في خروجك من السجن آية واضحة للايمان بالوطنية الصادقة ويعدّون جهادكم رمزا للكرامة السودانية، فبقلوب مفعمة بالغبطة يشاركون اخوانهم الجمهوريين السرور بعودتكم لميدان الجهاد . السكرتارية 24/7/1946
• أمين صديق ، البوستة الخرطوم للرئيس دخلته رجلا وغادرته بطلا وضربته مثلا علي عبد الرحمن – الابيض 23/7/1946
* سكرتير الحزب الجمهوري – الخرطوم ان جميع اعضاء الجبهة الوطنية بسنجة مستبشرون بالافراج عن رئيس حزبكم العظيم وهم جميعا يبتهلون الى الله أن يسدد خطاكم ويتمنون للرئيس العافية وحسن الجهاد. سكرتير عام الجبهة الوطنية – سنجة 2/8/1946
* محمود محمد طه – أم درمان عرفنا فيك المثل الاعلى منذ عهد الطلب، فسرّنا أن يعرف القاصي والداني هذا القلب الكبير صديق الشيخ – كوستى 30/7/1946
* محمود محمد طه – أم درمان أوفيت كرامة السودان وابائه حقهما – فلتعش رمزا صادقا للوطنية الخالصة ، لك تقديرنا واعجابنا . اتحاد طلبة كردفان – الابيض 23/7/1946
* محمود محمد طه – أم درمان لقد سجلت بعزمك القوي وايمانك الصادق فخرا للأجيال فلتعش مرفوع الرأس – لك منى التهاني؟ الطيب حسن/عطبرة 24/7/1946
وهكذا كان رد الفعل وسط المواطنين، اذكاء لروح الوطنية، واحياء للشعور بالعزة والكرامة، بعد طول موات
نشاط الجمهوريين يتصعـد ونشرت جريدة الرأي العام في نفس الأسبوع الذي سجن فيه الاستاذ الخبر التالي: ((القى الاستاذ أمين محمد صديق سكرتير الحزب الجمهوري خطابا عاما أمس الاول عن الجنوب في الخرطوم بحري في جمهور كبير أمام السينما الوطنية، وأعاد القاءه مرة أخرى في نفس الليلة في مكان آخر في الخرطوم بحري، وقد استدعاه البوليس هذا الصباح وحقق معه فاعترف بكل ما حصل وزاد بأن هذا جزء من خطط كبيرة ينفذها الحزب الجمهوري )). كان هذا هو شأن الجمهوريين في العمل السياسي حين كانت الاحزاب قد شيعت وفدا جمع شتاتها لمراقبة المفاوضات الانجليزية المصرية التي عقدت بالقاهرة .. فكان رجال الوفد ينزلون بأفخم الفنادق ويعقدون المؤتمرات الصحفية ويقيمون الحفلات الفاخرة .
مطالب الوفد السوداني بالقاهرة ففي جريدة الرأي العام بتاريخ الاربعاء 28/3/1946 نشر خبر جاء فيه أن الوفد السوداني عقد مؤتمرا صحفيا أعلن فيه : (( أن مطالب السودانيين تتلخص في : (1) اقامة حكومة سودانية ديمقراطية حرة في اتحاد مع مصر وقد ترك تحديد نوع هذا الاتحاد معلقا لم يبت فيه (2) مصر والسودان سيقرران معا طبيعة هذا الاتحاد . (3) عقد محالفه مع بريطانيا العظمى على ضوء هذا الأتحاد المصري السوداني ))
طلبة الكلية والطائفية وفي الوقت الذي كان الجمهوريون فيه ينددون بانسياق زعماء الاحزاب والمؤتمر وراء الطائفية ، نجد حتى طلبة الكلية مظنة الثورة ، والتحرر ، والنزوع الى التطرف في نبذ القديم .. نجدهم دون المستوى المطلوب ، فهم أيضا قد انخدعوا بالطائفية .. فهذا وفد من اتحادهم يتصل بزعماء الطائفية فيما تحدثنا جريدة الرأي العام بتاريخ 10/4/1946م: ((اتحاد الطلبة في دار السيدين جاءنا البيان الآتي من سكرتارية اتحاد طلبة كلية غردون : بمناسبة الحوادث الوطنية الأخيرة وسفر وفد السودان الى مصر زار جماعة من اتحاد طلبة كلية غردون السيدين الجليلين في داريهما فوجدوا زيادة على الترحاب والمقابلة الحسنة روحا وطنية فياضة وتلقوا من السيدين العظيمين نصائح ثمينة وآراء قيمة تنير السبيل السوي للخدمة الصادقة في سبيل الوطن .. حيا الله السيدين الجليلين وأبقاهما ذخرا لهذه البلاد .)) هذه هي الروح التي كانت تلف المثقفين ، وهذا هو مدى وعيهم .. لقد تصدى الجمهوريون لمواجهة الاستعمار لما رأوا فتور الهمم ووجل القلوب ، حين كان رجال الأحزاب يجعلون بأسهم بينهم ، ويستغرقهم صراعهم على زعامة الشعب ، حتى ساروا في ركاب الطائفية ، ومن ورائها دولتي الحكم الثنائي .. وكما رأينا ، من مذكرات المؤتمر ، ومن بيانات الوفد السوداني بمصر ، فان الصراع غدا ، في الحقيقة ، من أجل الانجليز والمصريين ، وليس من أجل استقلال السودان ، ولاحرية السودان ، وان لم يشعر بذلك هؤلاء المتصارعون .. فانبرى الجمهوريون ينبهون لخطورة الانقسام في الحركة الوطنية على ذلك النحو المزري .. وهذا واحد من بياناتهم التي صدرت في ذاك الحين ، بتاريخ 18/2/1946م : (( هذا نذير من النذر الأولى ياجماعة الأشقاء وياجماعة الأمة – أيها القاسمون البلاد باسم الخدمة الوطنية – أيها القادحون قادحات الاحن بين أبناء الأمة – أيها المذكون ثائرات الشر والتفرقة والقطيعة ، أيها المرددون النغمة المشئومة – نغمة الطائفية البغيضة – انكم لتوقرون أمتكم وقرا يؤودها .. ياهؤلاء ، وهؤلاء ، أنتم تلتمسون الحرية بالانتماء الى المصريين فتتمسكون بأسباب رمام ، وأنتم تلتمسون الملك بالبقاء تحت الانجليز فتتهيأون لدور الهر الذي يحكي بانتفاخه صولة الضرغام .. أنتم تريدون ابقاء المصريين ، وأنتم تريدون ابقاء الانجليز ، فاذا اجتمعت كلمتكم فانما تجتمع على ابقاء المصريين والانجليز معا .. ياهؤلاء ، وهؤلاء ، أنتم تتمسحون بأعتاب المصريين لأنكم لاتقوون على مواقف الرجال الأشداء ، وأنتم تتمسحون بأعتاب الانجليز لأنكم صورتم المجد في أخلادكم صورا شوهاء .. أنتم تريدون السلامة ، وأنتم تريدون الملك .. أنتم تضيعون البلاد لمّا تجبنون وأنتم تضيعون البلاد لمّا تطمعون .. أنتم تستغلون سيدا لايعرف ماتريدون ، وأنتم يستغلكم سيد يعرف مايريد ، والبلاد بينكم أنتم ، وأنتم ، على شفا مهواة ومهانة .. فليلطف الله ببلاد لايخدم نهضتها الا صغار الموظفين ، أو كبار الموظفين ، وليتدارك الله دينا باسمه يحيا أناس في برد العيش ، وقرار النعمة ، ورخاء الدعة ، وباسمه هم لأبنائه يكيدون .. ياهؤلاء ، وهؤلاء : ان الله لواحد ، وان الدين لواحد ، وان الوطن لواحد ، ففيم تنقسمون على هذا النحو المزري . ياهؤلاء ، وهؤلاء : كونوا ليوثا غضابا ، أو فكونوا قردة خاسئين ، وارحموا شباب هذا الوادي المسكين ، فقد أوسعتموه غثاثة وحقارة وهوانا .. ياهؤلاء ، وهؤلاء – لأنتم أشأم على هذه البلاد من كل شؤم وشؤم .. أيها السادرون من هؤلاء وهؤلاء ، لاتحسبن الكيد لهذه الأمة مأمون العواقب ، كلا !! فلتشهدن يوما تجف لبهتة سؤاله أسلات الألسن ، يوما يرجف كل قلب ، ويرعد كل فريصة .. أما بعد : فهذا نذير بين يدى صاخة ، تمزق مسامع من أصمّه الطمع )) ثم لما أصدر الانجليز قانون الخفاض الفرعوني ليثبتوا أن الشعب السوداني شعب متخلف وغير مؤهل للأستقلال حين يعارضه فيطيلون أمد حكمهم واستعمارهم ولكن الجمهوريون فطنوا لهذه الخدعة وقاوموه وقد قاد ذلك لثورة رفاعة المشهورة .. ننقل من نفس المصدر السابق بعض ما جاء في هذا الخصوص:
مواجهة عملية كان هذا البيان قد خرج ساعة صدور قانون منع الخفاض في ديسمبر 1945م .. وفي سبتمبر 1946م ظهرت أول آثار القانون التي توقعها بيان الجمهوريين ، فقد اقتيدت الى السجن سيدة سودانية ، في رفاعة ، لأنها خفضت ابنتها ، مخالفة للقانون .. ولقد أهدت تلك الحادثة مواجهة عملية للقانون من الجمهوريين .. فقد ألقى الأستاذ محمود خطبة بمسجد رفاعة جاء فيها : - ((ليس هذا وقت العبادة في الخلاوي ، والزوايا ، أيها الناس ، وانما هو وقت الجهاد .. فمن قصّر عن الجهاد ، وهو قادر عليه ، ألبسه الله ثوب الذل ، وغضب عليه ، ولعنه . أيها الناس : من رأى منكم المظلوم فلم ينصفه ، فلن ينصفه الله من عدو . ومن رأى منكم الذليل فلم ينصره ، فلن ينصره الله على عدو . ألا ان منظر الظلم شنيع ، ألا ان منظر الظلم فظيع .. فمن رأى مظلوما لاينتصف من ظالمه ، ومن رأى ذليلا لاينتصر على مذلّه ، فلم تتحرك فيه نخوة الاسلام ، وشهامة الاسلام الى النصرة ، والمدافعة ، فليس له من الايمان ولاقلامة ظفر .)) واستجاب الناس لهذه الخطبة ، وتحركوا من توهم ضد الاستعمار وقانونه المجحف .. ونترك تصوير الأحداث لجريدة الرأي العام التي تابعت تطوراتها :
• (( الرأي العام 21/9/46 - نشرنا قبل أيام ، أن السلطات في رفاعة حكمت على امرأة بالسجن تحت قانون منع الخفاض ، لأنها خفضت بنتا ، وأن الجمهور قابل هذا العمل بروح الاستياء العميق واضطرت السلطات الى اطلاق سراح المرأة بضمانة .. وجاءنا اليوم تلغرافيا ، بتوقيع أهالي رفاعة ، أن السلطات عادت فسجنت المرأة ، وعندما علم الجمهور بالأمر خرج من الجامع ، واقتحم السجن ، وأطلقوا سراح المرأة ، ومكث أفراده الذين ملأوا السجن بدلا عنها .. فأمر المفتش بسجن الضامنين ، ولكن الجمهور رفض ذلك أيضا ، وفي منتصف ليلة البارحة اقتحم البوليس منزل المرأة ، وأخذها الى جهة غير معلومة .. فقامت رفاعة بأسرها قاصدة الحصاحيصا ، ومنعت السلطات المعدية من العبور ، وأضربت المدارس ، وأغلق السوق ، وقامت مظاهرة عمومية ، ويحتشد الجمهور الآن بالشاطيء ، وفي كل مكان)) تعليق :- رغم منع السلطات عبور المعدية فان الجمهور عبر بقوارب الصيد .. • ((الرأي العام الأثنين 23/9/46 - وقفنا بالقارئ أمس الأول عند تجمع سكان رفاعة على شاطئ النهر ، ومنع المعدية من العبور .. وقد عبر بعد ذلك فريق من المتظاهرين الى الحصاحيصا ، ومن هناك انضم اليهم خلق كثير من الناس .. فتوجه الجمع الى المركز في مظاهرات واسعة ، وبدأوا في قذف المركز بالطوب وغير ذلك ، فتحطم كثير من الأبواب ، والنوافذ ، واصطدم المتظاهرون بالبوليس الذي عمل جاهدا لتفريق المتظاهرين .. وعلى أثر ذلك ، أمر سعادة مدير الجزيرة بالنيابة باطلاق سراح المرأة السجينة ، فأخذها جمع من الناس وتوجه بها الى منزلها برفاعة)) • (( الرأي العام 25/9/46 - تمّ اعتقال بعض الناس من رفاعة ، والحصاحيصا ، منهم الأستاذ محمود محمد طه ، وشقيقه مختار محمد طه ، فوضعوا في سجون رفاعة ، والحصاحيصا ، ومدني .)) • ((الرأي العام 25/9/46 - اجتمع أعضاء الحزب الجمهوري مساء أمس ، وساروا في موكب اخترق شارع الملك بالخرطوم .. وقد خطب منصور عبد الحميد في احدى المقاهي التي صادفتهم في الطريق ، فاعتقله البوليس للتحقيق - وكان الغرض من الموكب ، والخطبة ، الأحتجاج على اعتقال رئيسه ، والتنديد بقانون الخفاض. )) • ((الرأي العام 27/9/1946 - اعتقل بوليس الخرطوم بحري مساء أمس ذا النون جباره ، وعبد المنعم عبد الماجد عندما ألقيا خطابين أمام السينما الوطنية بالخرطوم بحري .. نددا فيهما بالمجلس الاستشاري ، وقانون الخفاض ، وكبت حرية الرأي والخطابة )) • (( الرأي العام 1/10/1946م بيان رسمي عن الحزب الجمهوري تريد الحكومة أن تؤكد أن الأشخاص الذين قبض عليهم ، في رفاعة ، ثم في الخرطوم ، والخرطوم بحري ، لم يقبض عليهم لآرائهم عن القانون الذي يمنع الخفاض الفرعوني .. فكل شخص له الحق في أن يكون له رأيا خاصا ، وأن يعرب عنه ، بالطريقة المشروعة .. فالاشخاص الذين في رفاعة قبض عليهم لاثارة الشغب ، والذين في الخرطوم والخرطوم بحري ، قبض عليهم لالقاء خطب مثيرة ، علانية ، يحتمل أن تعكر صفاء الهدوء العام ، وأن تثير اخلالا بالأمن .))
اطلاق الرصاص على الجمهور الثائر وفي بيان رسمي آخر عن اعتقال الأستاذ برفاعة ، وثورة الجمهور ، وتحركه لاطلاق سراحه ، واطلاق البوليس الرصاص عليهم جاء مايلي : * ((الرأي العام 7/10/1946 : جاءت قوة كبيرة من البوليس من مدني ، برئاسة مفتش المركز وفي نفس الوقت عسكر خارج رفاعة البلوك الرابع من فرقة الهجانة بقيادة الصاغ أحمد عبد الله حامد الذي دخل الى رفاعة برفقة ضابط سياسي ، وقابل المفتش ، وقمندان البوليس ، ورجع الى مقر فرقته .. واعتقل الأستاذ محمود محمد طه ، وأحضر الى المركز .. وأثر ذلك تحرك جمهور كبير نحو المركز ، وفي الحال نقل الأستاذ محمود الى معسكر البلوك الرابع ، خارج المدينة .. وتحركت فصيلة من البلوك الرابع لتعزيز قوة بوليس مركز رفاعة .. وكان اطلاق الرصاص بأمر مفتش المركز ، عندما رفض الجمهور اطاعة أوامر البوليس المتكررة بأن يتوقفوا عن تقدمهم صوب المركز ، وقد أطلق البوليس دفعة فوق رؤوس الجمهور وهم على بعد 40 ياردة تقريبا من المركز ، ولما لم يقفوا ، أطلقت دفعة أخرى على الأرض أمام أقدامهم ، في وقت كانت فيه مقدمة الجمهور على بعد 25 ياردة من المركز ، ولم يصب غير أربعة أشخاص ، أثنان منهم باصابات بسيطة جدا ، وأما الرابع ، فقد كسرت ساقة كسرا سيئا))
اشتراط مناقشة القانون • (( الرأي العام 10/10/1946 - علمنا أن الأستاذ محمود محمد طه رفض أن يقبل محاميا للدفاع عنه ، وأنه أعلن بأنه لن يدلي بأية أقوال للتحقيق الا على أساس مناقشة قانون منع الخفاض .))
محكامات أحداث رفاعه * (( الرأي العام 21/10/1946 - صدرت أحكام بالسجن بمدد تتراوح بين شهر وسنة على كل من : عباس المكي ، عوض القريض ، أحمد الأمين ، محمد الياس ، الزبير جاد الرب ، عبد العال حسن ، أحمد عثمان ، حمد النيل هاشم ، علي مالك ، محمد الحاج على ، بابكر وقيع الله ، عبد الله حامد الشيخ ، حسن أحمودي ، منصور رجب ، عبدون عجيب - وحكم على "صبي" بالجلد .))
محكمة كبرى بمدني • (( الرأي العام 17/10/1946 – حكمت محكمة كبرى بودمدني برئاسة القاضي أبورنات ، بسنتين سجنا على الأستاذ محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري ، بتهمة اثارة الشغب في رفاعة .. كما حكم عليه بوضعه تحت المراقبة لمدة سنة أخرى بعد اتمام مدة سجنه .))
محاكمة الجمهوريين بالخرطوم بحري تحت المادة 105 • (( الرأي العام 19/10/1946 – أصدرت محكمة الجنايات حكمها على بعض أعضاء الحزب الجمهوري المتهمين تحت المادة 105 وكانت الأحكام كالآتي : عثمان عمر العتباني 3 شهور سجنا ، سعد صالح عبد القادر ، شهر سجنا ، ذا النون جباره شهر سجنا وكانت المحكمة برئاسة استانلي بيكر ، وعضوية محمد أفندي محمود الشايقي مفتش الخرطوم بحري ، والعمدة عمر كويس .))
صوم الأستاذ لقد كانت أيام الأستاذ بالسجن عامرة بالصيام ، صيام النهار وصيام المواصلة ، ولقد ظنه الناس اضرابا عن الطعام ، على مألوف العادة لدى السجناء السياسيين أحيانا ، وماهو بذاك وقد تواترت الأخبار عنه في الصحف ، واهتم به الناس ، وأشفقوا ولقد كان هذا الصوم من مذكيات روح السخط على الاستعمار .. وقد جاء هذا الخطاب مصححا للأعتقاد الخاطيء عن صوم الأستاذ :- • (( الرأي العام 5/10/1946 حضرة رئيس تحرير الرأي العام .. بالاشارة الى الخبر المنشور في صحيفتكم عن اضراب رئيس الحزب الجمهوري عن الطعام ، أعرفكم أن الأستاذ كان صائما في اليوم الذي أعتقل فيه ، وليس مضربا ، وأنه قد أفطر ليلا .. وقد قابلت ضابط السجن – بوصفي خالا للمعتقل – في يوم وصوله ، وسمح لي بتقديم الطعام اليه في كل يوم .. ومن هذا يتضح أن الأستاذ لم يكن مضربا عن الطعام كما نشر .. وختاما تقبلوا سلامنا . التوم محمد حمزه ))
اغلاق الأندية احتجاجا • (( الرأي العام 24/10/1946 - بهذا اليوم ، أتم الأستاذ محمود محمد طه ، رئيس الحزب الجمهوري السجين ، ستة أيام من صيامه .. وقد أغلقت أمس أندية الخريجين في مدني ، والأندية الرياضية ، احتجاجا على سوء معاملته .. وتتوالى برقيات الحزب الجمهوري ، والمواطنين على السلطات بالاحتجاج .))
كيف تعاملون رئيس حزب بأسوأ من معاملة اللصوص ؟؟ • (( الرأي العام 24/10/1946 من كلمة بعنوان "خواطر" ((وشاءت الحكومة أن تضع الأستاذ محمود محمد طه ، رئيس الحزب الجمهوري ، في الدرجة الثالثة بالسجن ، حيث يلقى المعاملة التي يعامل بها حثالة المجرمين من أحقر طبقات المجتمع .. وكان أن صام الأستاذ محمود ، وأضرب عن تناول الطعام ، والشراب ، منذ أربعة أيام ، احتجاجا على هذه المعاملة القاسية)) .. ((هذا التصرف الغريب من قبل حكومة السودان ، لايقابل من كل السودانيين الا بالاستنكار ، فليس من الأنصاف في شيء ، أن يوضع شخص مثل الأستاذ محمود له مكانته الملحوظة في المجتمع في الدرجة الثالثة بالسجن ، وينال هذه المعاملة القاسية ..))
الشعب السوداني شعب عملاق لقد أثبتت هذه الأحداث أن الشعب السوداني شعب أصيل ، شجاع ، كريم .. يجود بالنفس في سبيل العزة ، والشرف ولاينقصه غير القائد الذي يفجر كوامن أصالته ، ويحرك حسه الوطني .. فاذا وجد قائدا ، في مستواه ، فان المعجزات تجري على يديه ، والبطولات تسعى اليه خاطبة وده .. حقا كما قال الأستاذ محمود في تحقيق معه في جريدة الأخبار ، فيما بعد ، ((الشعب السوداني شعب عملاق يتصدره أقزام )) أواصل بقية النقاط في وقت لاحق عمر
07-09-2007, 02:01 PM
Yasir Elsharif
Yasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50074
الأخ عبد الوهاب حجازي تحية لك وللأخ عمر هواري وقد استمتعت بالحوار الذي يجري بينكما وأرجو له أن يتواصل بمزيد من الهدوء والإحترام واللطف..
قولك يا حجازي:
Quote: 1/ لقد شعرت ببعض الذنب وأنا أذهب بهذا الخيط إلى ما ذهب إليه الآن بمداخلاتي. وكنت أنوي أن افترع خيطاً جديداً يتناول السيرة السياسية للجمهوريين. ولكني راجعت الفكرة خشية أن يصيب الخيط الجديد ما أصاب مثله في السابق من هتاف سياسي غير بناء من العديد من المتداخلين الذي لا يرون في الأمر أكثر من عراك سياسي محض لتبادل التنابذ والإساءات الجارحة. أما إن كانت لكم رغبة أن أفعل أو أن تفعلوا أنتم- أقصد افتراع خيط جديد- فعلى الرحب. رغم أنني أنوي أن تهتم مداخلاتي اللاحقة بإذن الله بما ورد "بالديباجة".
في تقديري، لا أرى بأسا بأن يتواصل الحوار في هذا البوست، خاصة ما سيتصل بما ورد في الديباجة.. وأرجو ألا تنزعج مما يحدث في البورد ولا أشك أن البوستات الجادة تجد فرصة جيدة..
قولك عن نفسك :
Quote: أما الآن فأنا والحمد لله ممنوع بحكم القانون من ممارسة الانتماء السياسي.
سؤالي الأول: هل الدبلوماسيين في الدول الديمقراطية الحرة كألمانيا عليهم أن يحتفظوا بانتماءاتهم الحزبية لأنفسهم ويكتفوا بحقهم في ممارسة التصويت للحزب الذي يريدونه؟؟ طبعا السودان لا يزال دولة محكومة حكما عسكريا شموليا ولكن لو تم الإلتزام باتفاق السلام الشامل ودستور 2005 للفترة الإنتقالية فيمكن الحديث عن بداية تحول ديمقراطي.. لاحظت مؤخرا مطالبة الحركة الشعبية بأن يكون لها نصيب من السفراء الذين ينتمون إليها وبالفعل فإن سفير السودان في واشنطون هو من تلك الحركة.. فكيف نوفق بين هذا وبين القانون الذي يمنع الدبلوماسي من ممارسة الإنتماء السياسي؟؟
فليلطف الله ببلاد لايخدم نهضتها الا صغار الموظفين ، أو كبار الموظفين ، وليتدارك الله دينا باسمه يحيا أناس في برد العيش ، وقرار النعمة ، ورخاء الدعة ، وباسمه هم لأبنائه يكيدون ..
07-10-2007, 06:13 AM
Omer Abdalla
Omer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-02-2003
مجموع المشاركات: 3083
الأخ الأستاذ عبد الوهاب حجازي تحية طيبة نواصل بقية نقاطك:
Quote: أما قولك: ( ثم أنه لم يكن طامعا في منصب سياسي أو دنيا يصيبها فقد كان يعيش عيشة غمار الشعب فيأكل أكلهم ويلبس لبسهم ويسكن مسكنهم).. فصدقني أن الكثيرين لم يتمتعوا بذلك عندما تمتع الجمهوريون به. أعلم يا أخي مثلاً أن الشعراء والأدباء وخطباء المنابر كانوا يحاسبون لمجرد إلقاء القصائد داخل أسوار الجامعة، بينما كان الجمهوريون يتمتعون بإلقاء محاضراتهم داخل وخارج الجامعة. بل وأحياناً في حراسة البوليس. وفي هذا المقام يسعدني أن أشيد بالبسالة النادرة التي اتصف بها بعضاً من هؤلاء والذين كانوا يقومون بإلقاء القصائد وهم يعلمون- بل يرون بالعين من ينتظرونهم خارج الجامعة ليسومونهم سوء العذاب. هل تعلم أن من بين خطباء المنابر بالجامعة آنذاك من صمت آذانهم من جراء ذلك؟
لم تبن عما تمتع به الجمهوريون وحُرم منه الكثيرون في معرض تعليقك على قولي عن الأستاذ محمود (أنه لم يكن طامعا في منصب سياسي أو دنيا يصيبها فقد كان يعيش عيشة غمار الشعب فيأكل أكلهم ويلبس لبسهم ويسكن مسكنهم). ولذلك سأستطرد قليلا في شرح حديثي ذاك ، فوضع الأستاذ محمود التعليمي والمهني كان يؤهله لأن يعيش عيشة مترفة وميسورة لو أنه أراد ذلك ولكنه اختار السكن في حي شعبي وفي منزل مبني من الجالوص وليس فيه أبسط ميسرات الحياة من ثلاجة أو غيرها .. حتى سفره في الوفود التي طاف خلالها مدن وقرى السودان النائية ليحاضر في القضايا التي تهم الشعب كان يستقل فيه عربات الدرجة الثالثة أو الرابعة في القطارات بينما كأن وضعه كأحد أوائل المهندسين الذين عملوا بالسكة الحديد يؤهله ليركب أرقى الدرجات وأكثرها راحة .. وحينما سأله أحد ذات يوم وهو يعرف عنه هذه الخلفية: لماذ تركب الدرجة الرابعة يا أستاذ؟ أجابه: لأنه ليست هنالك درجة خامسة .. لقد كانت حياته كلها ، مسكنه ، مأكله ، وملبسه ، من حياة غمار الشعب ، غاية في البساطة والزهد .. حتى لقد قال عنه الشاعر: فأين هم من عيشه وموته؟! أنى لهم حياة لحظة من وقته؟! من زاده القليل ، ونومه القليل ، وكدحه الجليل راض بطين بيته بكل خشن من فراشه وقوته بكسرة رضية من مائه وزيته يقوم آخر القوم لها فى الأرض فى جماعة الزهاد حولها يلملم الفتات منها لا ينال إلا فضلها وتلك كانت عنده دنياه كلها وماله من أى شىء أى زوج جلبابه ، قميصه ، مركوبه ، عمامة ، طاقية ، وملفحة وركوة ، وفروة ، ومبخر ، ونفحة مروحة وحجرة صغيرة هى مكتبه ، هى مسجده ، هى مرقده ما روحتها قط مروحة فعنده المناخ داخلى والكون كله مرآة مشهد من الجمال داخلى وكل لحظة فى حضرة الفعل الإلهى جد مرضية وجد مفرحة أما فيما يخص وضع الجمهوريين وحريتهم في العمل الدعوي والسياسي فلا أراك منصفا حينما تصور الجمهوريين وكأنهم الوحيدين الذين كانوا يعملون في عهد مايو .. فعندما حلت مايو الأحزاب السياسية عند مجيئها لم تستثن الجمهوريين من قرارها فحلت حزبهم ثم أوقفت محاضرات الأستاذ محمود العامة منذ عام 1972 .. لكن بطبيعة الحال لم يتوقف عمل الجمهوريين ولكنه أخذ أشكالا أخرى كما فعلت بقية الأحزاب بيد أن عمل الجمهوريين كان علنيا لأنه لم يكن لديهم ما يخفونه كما أنهم لم تكن لهم محاولات لقلب نظام الحكم بقوة السلاح كما فعلت بقية الأحزاب .. وقد تعرض الجمهوريون رغم ذلك لكثير من المضايقات والاعتقالات والمحاكمات فاستخدم العنف ضدهم من معارضيهم الذين كانوا متنفذين في مواقع قيادية في سلطات مايو التنفيذية والقضائية وفي البوليس واحرقت معارضهم وضربت ندواتهم بالغاز المسيل للدموع وأصدرت المناشير التي تمنع نشاطهم ولكنهم لم يرضخوا أو يستكينوا .. وذلك أرجو أن تراجع قولك:
Quote: ألا يكون العمل العلني في وقت يدخل فيه الآخرون السجون مكسباً سياسياً؟
أما النشاط السياسي والفكري في الجامعات والمعاهد العليا فلم يكن وقفا على الجمهوريين .. صحيح أن الجمهوريين هم من بادروا بتأسيس أركان النقاش تحت تهكم وزراية التظيمات الأخرى في بادي الأمر ثم اعتداءاتها الجسدية عليهم فيما بعد (بصورة خاصة تنظيم الاتجاه الإسلامي) قبل أن تتسجيب هي أنفسها لمنطق التحاور والصراع الفكري .. وصحيح أن النظام كان يعتقل بعض الكوادر التي يشك في أنها تخطط لأعمال انقلابية أو تخريبية ضده ويبني ذلك على تجارب حصلت من قبل هذه التنظيمات ولذلك لا يمكن مقارنة هذه التنظيمات بوضع الجمهوريين كما أبنا حيث أن اسلوب التغيير عندهم يختلف عنها بصورة جذرية .. وكما ذكرت مرارا وتكرارا فإن هذه التنظيمات شاركت في الحكم وفي محاولات الانقلاب على مايو بينما لم يشارك الجمهوريون .. أكثر من ذلك فإن تنظيم الاخوان المسلمين مثلا كان يلعب على الحبلين ,, فقادته كانوا مشاركين في سلطة مايو كمستشارين ووزراء وصحفيين وفي رئاسة القضاء والنائب العام بينما قاعدته الطلابية كانت تظهر معارضة النظام وتألب الطلاب عليه وتسير المظاهرات ضده .. فقد كانت مقدرتهم على النفاق والخيانة تفوق التصور ..
Quote: هل يمكن لأحد أن يتصور أن الوقوف إلى جانب مايو يمكن أن يكون لموقف مبدئي أياً كان خاصة لمن يتحصن خلف الفكرة؟
نعم يمكن أن يكون موقفا مبدئيا اذا كانت بدائل مايو أسوأ منه وأضر بمصلحة الشعب وهذا ماظل يردده الجمهوريون .. فأنت عندما لاتجد الأحسن تضطر لقبول الحسن أو الأخف ضررا ..
Quote: أليس لكم موقف مبدئي من استعمال العنف مثلاً؟ هل ما قامت به مايو من مجازر يمكن أن يغفر لها إلى الحد الذي يمكن البعض من الوقوف معها كموقف مبدئي"؟.
نعم نحن عندنا موقف مبدئي وواضح من استخدام العنف وملتزمون به في أنفسنا ولكن مايو ليست الجمهوريين والجمهوريون ليسوا مايو ولكنها وبرغم قصورها فقد كانت الأقرب لمصلحة الشعب من بقية التنظيمات الأخرى التي رأينا تزييفها للديمقراطية وعنفها بخصومها وبصورة خاصة تنظيم الاخوان المسلمين الذي يحكمنا الآن .. ثم هل بادرت مايو بالعنف بمعارضيها أم أن معارضيها بادروا بمحاولات الإنقلاب عليها بقوة السلاح فواجهت عنفهم بعنف مماثل (وجزاء سيئة سيئة مثلها) أم كنت تنتظر منها أن تقابلهم بالرياحين والورود ..
Quote: إذا كان الموقف من العنف موقف مبدئي، فإن الموقف من مايو ليس إلا " تكتيكي مرحلي" مثلما أشار الأخ تاج السر في أحد الروابط التي أشار عليّ بها الأخ ياسر. وبعدها سيصبح لوم الجمهوريين عليه في ظل الظروف التي أشرت لها أعلاه مشروع أو متفَهم على اقل تقدير.
الجمهوريون لايعنفون بأحد ولا يؤيدون التغيير بواسطة العنف ولكن عندهم أن ايقاف المعتدي عند حده أمر مشروع ولا يدخل في تعريف العنف .. لكن نظام مايو لا يتقيد بسلوكيات الجمهوريين كما أوضحت سابقا فهو نظام عسكري وتأييدنا له كان تأييدا مرحليا مرتكزه الأساسي أنه كان الأفضل بين بدائله حينها ولكنه قولا واحدا لم يكن البديل المرتجى الذي كنا ولا نزال نطمح اليه ونعمل له .. صحيح أن نظام مايو عنف بمعارضيه حينما عنفوا به أولا ولكنهم عندما جنحوا للسلم صالحهم وأدخلهم في تنظيماته السياسية والتنفيذية .. ثم أنه كانت له انجازات جعلته يتميز أيضا على بقية الأحزاب ومن ذلك حله لمشكلة الجنوب في بداية عهده واتجاهه للحكم الأقليمي وللتنمية والتعليم الخ ..
Quote: وربما تكون محقاً في قولك (لا أحد ينكر أن بعض السياسيين والتنفيذيين في مايو لم يكونوا يرون خطرا ماثلا من حركة الجمهوريين السلمية على نظامهم ، كما كانوا يرون من التنظيمات الأخرى التي كان كل همها إسقاط النظام بأي سبيل ، فسمحوا لها ببعض الحركة). ولكنك أخطأت فيما أرى بالنسبة لبيان سبب ذلك وهو أن مايو إنما استخدمت الجمهوريين ملهاة للأسف للناس. أقصد أنها كانت سعيدة أن ينشغل الناس بما يثيره الجمهوريين من قضايا ليست في الواقع من صميم اهتمامات الناس. أو تلك التي تدعوهم إلى الثورة. وأرجو أن أكون واضحاً بما يكفي هنا حيث أن عودتك بتمجيد موقف الجمهوريين من قضايا الشارع لن تفيد دون تبرير مقنع لما أسميته بالموقف المبدئي من مايو. كما أن مايو ما كانت لتقلق لو تحدث كل السودان عن الأصالة، والإنسان الكامل، و... و... مما يظنه المايويون بعيداً عن قضايا الشارع.
مايو لم تستخدم الجمهوريين كملهاة لسبب بسيط هي أنها لم تكن تملي على الجمهوريين ما يكتبون والمواضيع التي ترى أنت أنها ليست من صميم اهتمامات الناس هي عند الجمهوريين عكس ذلك تماما لأنها تتصل بحياة الناس وبقضاياهم المباشرة - قضايا دينهم ودنياهم .. فقد كتب الجمهوريون عن الفهم الصحيح للدين وكتبوا عن الدستور والتعليم والصحة والأسرة وقوانين وقضاة الأحوال الشخصية والسلام والتكامل ومشكلة الجنوب ومشكلة الشرق الأوسط والثورة الثقافية والتنمية الاجتماعية والإسلام والفنون واتحاد نساء السودان وحقوق المرأة وقضايا المرأة وتعدد الزوجات والبنوك الأسلامية وكتبوا عن الجامعات وعن مشاكلها وأزمة الوعي فيها وعن الشريعة الأسلامية وتعديل القوانين وخطورة الهوس الديني وتنظيماته ويمكنني أن ازودك بقائمة طويلة تشمل عناوين الكتب التي أخرجها الجمهوريون وأداروا حولها الحوارات .. فإذا كانت كل هذه القضايا لا تهم الشعب السوداني بقدر ما تهمه الثورة على نظام مايو بحسب رأيك فلا اعتقد أنه كان يحتاج ليسمع من الجمهوريين فقد كان الاخوان المسلمون والشيوعيون والبعثيون وغيرهم يوسعونه من مثل ذلك الكلام الثوري بما يكفي (طبعا بالنسبة للاخوان المسلمين توقفت دعوتهم للثورة ضد مايو وهرعوا لتأييدها بالمسيرات "المليونية" حينما أعلن نميري بزوغ شمس دولتهم المنتظرة ونصب نفسه اماما عليهم) .. ثم هل ضاع حديثنا عن خطورة الفهم الخاطي للدين والهوس الديني ، الذي قلنا عنه أن يهدد أمن ووحدة الشعوب ، هباءا منثورا أم أنه أضحى يخاطب واقعا يمسي ويصبح عليه الشعب السوداني بله العالم أجمع؟!!! أو لم يكن ذلك بعد نظر وفراسة تحمد للجمهوريين .. طبعا بعض اخواننا اليساريين كان لا يروقهم حديثنا ذلك عن الهوس الديني ويعتبرونه ترفا ذهنيا وحديثا انصرافيا عن قضايا الناس الملحة من ارتفاع اسعار السكر والبنزين الى أن حكمتهم دولة الهوس الديني وطاردتهم في معايشهم ومن خلفهم جماهير الشعب السوداني الغلبانة وحرمتهم من أبسط مقومات الحياة فأحالت مئات الآلاف للصالح العام وضيقت الخناق الاقصادي والسياسي عليهم وزجت بهم في بيوت الأشباح والسجون بالصورة التي جعلت وضع مايو (قبل أن تتهوس) يبدو كالحلم الجميل ..
Quote: أما قولي جهل الجمهوريين أو ناسيهم فمعناه أن الجمهوريين ربما تغاضوا عن حقيقة أن مايو إنما توادهم لغرض خاص بها. وليس لأنها مقتنعة مثلاً أن موقفهم منها مبدئي. أو أنهم لا يؤمنون بالعنف. وأنه متى ما انتفى ذلك فإنهم سينالون ذات الحظ الذي أصابه غيرهم مما يسمونه "الاعتدال المايوي". واشاركك الرأي أن "هذا أو الطوفان" لم يكن استجداءًاً بل اعلان الحرب ضد مايو. إذ من غير الممكن تصور أن "يسمع النميري النصح".
المسألة ليست بهذه البساطة .. فأنت هنا تتحدث وكأن نظام مايو ظل شيئا واحدا لم يطرأ عليه التغيير .. فمايو التي أيدها الجمهوريون ليست هي مايو التي عارضوها لا في مستوى وعي قادتها ولا في سياساتها .. وقد بدأ سقوط مايو نحو الهاوية منذ دخول الاخوان المسلمين وحلفائهم ومشاركتهم فيها عقب المصالحة الوطنية في عام 1977 وقد حاول الجمهوريون اسداء النصائح المتكررة لها عندما رأوا بعض الانحرافات حتى لا تسقط ولكنها لم تسمع ووصلت القاع بإعلانها قوانين سبتمبر 1983 حيث نكثت غزلها بيدها فأججت الحرب في الجنوب وتحولت الى نفس النظام المهوس الذي حاربته في بداية عهدها .. ولذلك عارضها الجمهوريون بنفس الضراوة التي عارضوا بها حكومة الأحزاب التي قوضت الدستور وتحولت الى دكتاتورية مدنية في أواخر الستينات .. اختم بالتعليق على ما ختمت به رسالتك:
Quote: فيما يتعلق بانتمائي السياسي فأنا بحمد الله لا انتمي لأي تنظيم سياسي. رغم أنني لم أكن خامل سياسياً بمعنى أنني شاركت في بعض أركان النقاش لعدد من التيارات السياسية- وربما أشير إلى جانب مما كنت أقول آنذاك إن شاء الله. أما الآن فأنا والحمد لله ممنوع بحكم القانون من ممارسة الانتماء السياسي. وهذه فاتت على الأكرم حيدر بدوي إذ لا يمكنه أن يكون عضواً في ثلاث تنظيمات وفي ذات الوقت ينشد العودة إلى الوزارة ضمن من أحيلوا بموجب "الصالح العام". هذا إن كانت له الرغبة حسبما اعتقد.
أنا شخصيا لا أرى عيبا في الإنتماء السياسي اذا التزم صاحبه الصدق والشفافية فأظهر للناس حقيقة انتمائه وهو ما نفقتقده كثيرا في هذا المنبر .. والإنتماء أحيانا لا يكون ظاهر بمعنى أن الشخص يكون متفقا فكريا مع اطروحات التنظيم السياسي المعين من غير أن يكون له وضع تنظيمي بارز فيه .. لكني استغربت جدا لحديثك عن انك "والحمد لله ممنوع بحكم القانون من ممارسة الانتماء السياسي" فهل هذا المنع ينطبق على كل الدبلوماسيين السودانيين .. لأن الشيء الذي أعرفه أنا أن حكومة الجبهة الأسلامية عندما جاءت للحكم وأحالت الكثير من الكوادر التي لا تنتمي اليها للصالح العام ، فعلت المثل بالدبلوماسيين .. وفي هذا المنبر يوجد عدد كبير من الدبلوماسيين الذين طالهم الفصل التعسفي واستبدلوا بأناس معروفين بولائهم أو انتمائهم للنظام الحاكم ليحسنوا من صورته في الخارج ويدافعوا عن سياساته .. وقد كان واضحا أن الأشخاص في مستوى القمة كانوا من كوادر الجبهة الأسلامية المعروفة .. ثم لما دخلت الحركة الشعبية كشريك في الحكم دخلت بعض كوادرها في السلك البلوماسي ويكفي للتدليل على ذلك القول بأن سفير السودان في الولايات المتحدة الآن عضو في الحركة الشعبية كما أشرا دكتور ياسر .. فما هي حقيقة الأمر؟! وأنا ، برغم اختلافي الكبير مع الأخ حيدر بدوي في تشتت انتماءاته السياسية ولكني عندما قرأت رسالتك تلك له شعرت أن فيها نوع من الوعيد والتحذير المستبطن من ممارسة حقه السياسي حتى يضمن "الوظيفة الدباوماسية" مع ان الشيء الطبيعي أن اعضاء الحركة الشعبية ، اذا حق له أن يكون عضوا فيها ، لهم حق في الوظائف الدبلوماسية مثل ما لغيرهم من منتسبي المؤتمر الوطني ، هذا اذا استثنينا القوى السياسية الأخرى لأي سبب .. عمر
إن الفرد البشري، حين قيد نفسه بقيود أعراف المجتمع - طائعا ومكرها - إنما من أجل الحرية قيدها.. كأنه تنازل عن بعض حريته ليستمتع بباقيها، بفضل العيش في المجتمع، والانتفاع بالأمن، والحب، والدفء، الذي يوفره له المجتمع.. الديمقراطية هي نظام الحكم، في وقتنا الحاضر، الذي يجب أن يوفر للفرد البشري كل الحرية التي تمكنه من أن يحقق فرديته، التي ينماز بها، عن أفراد القطيع.. وهذه لا تتحقق بمجرد الحرية في الجماعة التي يقوم الحكم الديمقراطي على توفيرها، وإنما تتحقق، بها، وبالمنهاج التعبدي، والتعامل الذي يسوق الفرد، سوقا فرديا، في طريق الرجعي، إلى الله، تبارك، وتعالي، حيث صدرنا، أول الأمر، في طريق الاغتراب.. ((لقد خلقنا الإنسان، في أحسن تقويم * ثم رددناه أسفل سافلين * إلا الذين آمنوا، وعملوا الصالحات، فلهم أجر غير ممنون ..)).. ((فلهم اجر غير ممنون)) يعني أن حبل العودة لهم من ((أسفل سافلين)) إلى ((أحسن تقويم)) موصول، غير مقطوع.. ذلك هو الإيمان، وعمل الصالحات - منهاج العبادة، والمعاملة.. ولقد قلنا: أننا إنما هبطنا من ((أحسن تقويم)) إلى ((أسفل سافلين)) بالمعصية فنحن، إذن، لا نعود إلى ((أحسن تقويم)) إلا بالطاعة - هذا هو قانون المعاوضة. لقد قلنا، عند حديثنا عن الفطرة، إن الله فطر الناس على الحياة الكاملة، وقلنا إن الحياة الكاملة عالمة، وهي، من ثم، طائعة لله، لا تعصيه - مسلمة له.. ونقول إن معنى الإسلام: الاستسلام - الطاعة.. قال تعالي، لأمة المؤمنين: ((يا آيها الذين آمنوا!! اتقوا الله، حق تقاته، ولا تموتن إلا وانتم مسلمون))، أي مستسلمون، طائعون.. ولقد سبقت الإشارة إلى أنه على الأمر التكويني تقوم حكمة الخلق، وإنه ليس، في الأمر التكويني، معصية، فليس ثمة إلا الطاعة، وإنما المعصية في الأمر التشريعي.. ولاشتمال الأمر التكويني، على الأمر التشريعي، فليس هناك معصية، في الحقيقة، وإنما المعصية في الشريعة لحكمة التعليم.. فلكأن الفطرة التي فطر الله الناس عليها إنما هي الطاعة . . وهو، تبارك وتعالي، يقول، في ذلك: ((تسبح له السموات السبع، والأرض، ومن فيهن.. وإن من شيء إلا يسبح بحمده، ولكن لا تفقهون تسبيحهم، إنه كان حليما غفورا ..)) ولكن لا عبرة بتسبيح غير العقلاء، عند الله، وإنما العبرة، كل العبرة، بتسبيح - قل بطاعة - العقول، ولذلك فانه، تبارك وتعالي، يقول: ((ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله، وهو محسن، واتبع ملة إبراهيم حنيفا، واتخذ الله إبراهيم خليلا؟؟)) ويقول: ((و من يسلم وجهه إلى الله، وهو محسن، فقد استمسك بالعروة الوثقي، وإلى الله عاقبة الامور..)) وروح هاتين الآيتين في قوله: ((و هو محسن)) يعني يسلم وجهه لله، وهو عاقل، ومدرك، ومختار لهذا الإسلام - هو عالم، وحر، في ذلك التسليم.. وفي موضع آخر يقول تبارك وتعالي: ((لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد، من الغي، فمن يكفر بالطاغوت، ويؤمن بالله، فقد استمسك بالعروة الوثقى، لا انفصام لها، والله سميع، عليم)).. والعروة الوثقى هي القرآن.. قاعدته شريعة، وقمته حقيقة.. وهو، بين الشريعة، والحقيقة، موصل إلى الله، ولذلك قال: ((و إلى الله عاقبة الأمور)).. العروة الوثقى هي طرف الحبل الممدود بين الله، والناس، من استمسك به سار إلى الله ..
07-11-2007, 07:52 AM
اشرف السر
اشرف السر
تاريخ التسجيل: 12-06-2003
مجموع المشاركات: 1563
اخص كل الجمهوريين المشاركين في هذا البوست بهذه التساؤلات:
قرأت هذا البوست مرارا وتكرار،، واتتني الجرأة اليوم لاشارك فيه،،
ما قدمه محمود محمد طه من فكر وسيرة عملية مميزة، اعتقد ان فيها الخلاص للشعب السوداني من مآسيه التي سببها رجال الحكم في مختلف الحقب التاريخية الاخيرة.. قدم محمود ما قدم... وهو مؤمن تماما بصحة ما ذهب اليه من قول وعمل.. اعتقد ان منهجية محمود محمد طه تقوم على (العلم.. والعمل بمقتضى العلم) اعدام الاستاذ محمود شكل صدمة في وجدان الجمهوريين وقطاعات مختلفة من الشعب السوداني...
اليوم وبعد مرور كل هذه السنوات.. أما آن للجمهوريين ان يعملوا بمقتضى علمهم؟؟؟ أما آن لهم ان يحذوا حذو محمود محمد طه في تنوير قطاعات الشعب المختلفة... أما آن للجمهوريين أن يتركوا فكرة (ان يعمل كل فرد منهم لوحده) وأن يمارسوا التنظيم والنشاط المشترك؟؟؟؟ ..... ماذا سيفعل الجمهوريون بعد ان يتوفى الله (الجيل الأول) الذي علمه وسلكه الاستاذ محمود؟؟؟ هل ستظل الفكرة الجمهورية أسيرة الخطاب التنظيري وبطون الكتب؟؟؟و الجدال (الاسفيري) في مواقع الانترنت او كتاريخ لحقبة مرت وانتهت؟؟؟ الا يستحق الجيل الجديد من الشباب ان يتم ارشادهم وتسليكهم من خلال ما كتبه الاستاذ محمود؟؟؟؟
الا يعلم الاخوة الجمهوريين في هذا المنبر ان غالبية الشعب السوداني لا يستعمل الانترنت؟؟؟ أليس من العار على الجمهوريين ان يضعفوا ويتفرقوا في مغارب الارض ومشارقها وان يتركوا العمل؟؟؟ اقصد العمل الجماعي؟؟؟ اعلم تماما ان الحزب الجمهوري قد اوقف نشاطه السياسي واقتصر الجمهوريون في نشاطهم على النشاطات الاجتماعية... الا يناقض حال الجمهوريين الآن كل ما نادى به الاستاذ محمود؟؟؟؟؟
شكرا لك على أنك وجدت في نفسك الجرأة لكي تقول ما تريد وقد سعدت جدا بأسئلتك، وأرجو أن أوفق في توضيح رأيي بتقديم الأجوبة..
أنا أعرف مقدار إعجابك بالفكرة الجمهورية وبالأستاذ محمود.. من واقع معايشتي للأخوان الجمهوريين، يمكنني أن أقول أن هناك بالفعل ممارسة للنشاط خارج وداخل السودان، وأرجو أن تتاح الفرصة لتمكينهم من العمل المشترك بصورة أكثر فعالية وتأثير.. في تقديري، أي نشاط لا يحتاج لقيام تنظيم أو حزب بالطريقة القديمة.. كثير من المهتمين بمسائل الفكر الجمهوري يسألون نفس هذا النوع من الأسئلة كما في لقاء جريدة آخر لحظة مع الدكتور الباقر العفيف هنا: http://www.akhirlahza.net/News_view.aspx?id=10057 قولك:
Quote: ماذا سيفعل الجمهوريون بعد ان يتوفى الله (الجيل الأول) الذي علمه وسلكه الاستاذ محمود؟؟؟ هل ستظل الفكرة الجمهورية أسيرة الخطاب التنظيري وبطون الكتب؟؟؟و الجدال (الاسفيري) في مواقع الانترنت او كتاريخ لحقبة مرت وانتهت؟؟؟ الا يستحق الجيل الجديد من الشباب ان يتم ارشادهم وتسليكهم من خلال ما كتبه الاستاذ محمود؟؟؟؟ الا يعلم الاخوة الجمهوريين في هذا المنبر ان غالبية الشعب السوداني لا يستعمل الانترنت؟؟؟
طبعا المنهاج السلوكي هو الطريق النبوي، ولكن الفكرة الجمهورية تختلف عن الطرق الصوفية في أن السالك في الطريق لا يحتاج إلى شيخ ولا إلى أوراد، والطريق يبدأ بداية بسيطة مكفولة للمتعلمين وغير المتعلمين.. والكتابة في المنابر الإسفيرية لها قيمتها، كما تعرف، ولولا شبكة الإنترنيت لما تمكن نفر من الجمهوريين من وضع كتب الأستاذ في الشبكة وكذلك الكثير من التسجيلات والمحاضرات والندوات.. وصحيح أن متصفحي الإنترنيت لا يزالون قليلين في داخل السودان ولكن هناك أعداد مقدرة خارج السودان تستفيد مما هو موجود في الشبكة عموما وفي موقع الفكرة خصوصا، ومما يجيء في منابر السودانيين من نقاش وحوار مفيد كما هو الحال في هذا البوست وفي غيره.. وطبعا ما يكتب في المنابر له ميزة حيث أن الكتابة تظل موجودة في الإرشيف ويمكن الرجوع إليها أو الإشارة لها.. ومن المؤكد أنه سوف يجيء وقت تجد فيه الكتب فرصة الطباعة والتوزيع السهل الغير معقد والغير مقيد بما يُفرض حاليا على الكتب من تضييق..
قولك:
Quote: أليس من العار على الجمهوريين ان يضعفوا ويتفرقوا في مغارب الارض ومشارقها وان يتركوا العمل؟؟؟ اقصد العمل الجماعي؟؟؟
الظروف التي فُرضت على الجمهوريين هي أيضا فرضت على ملايين السودانيين والسودانيات وجعلتهم يختارون الغربة والهجرة واللجوء إلى دول أخرى.. ولكن فيما يخص الجمهوريين فإن الذين نشطوا ووضعوا كتب الأستاذ محمود في الشبكة، وبادروا بالكتابة في الصحف والمحافل العالمية ومنابر السودانيين، هم من الذين خرجوا من السودان.. وكما قلت هناك إمكانية لقيام تنسيق وتكثيف للنشاط أكثر مما هو موجود الآن..
قولك:
Quote: اعلم تماما ان الحزب الجمهوري قد اوقف نشاطه السياسي واقتصر الجمهوريون في نشاطهم على النشاطات الاجتماعية... الا يناقض حال الجمهوريين الآن كل ما نادى به الاستاذ محمود؟؟؟؟؟
هناك نشاط داخلي بين الجمهوريين في السودان، خلاف العلاقات الإجتماعية.. أما النشاط السياسي في الكتابة في الصحف مثلا، وفي المنابر الإلكترونية، فيقوم به الذين يستطيعونه والذين يجدون الوسائل إليه متاحة.. وطبعا أصبح الآن هناك جماعات سياسية غير الجمهوريين بدأوا بتبني أطروحات الجمهوريين مثل الدعوة إلى إلغاء القوانين المسماة إسلامية، وترسيخ الحقوق الأساسية لغير المسلمين وللمرأة وجعل ذلك جزء من الدستور.. تأثير الجمهوريين سيكون أكثر قوة إذا جاء بصورة فكرية وليس منطلقا من تنظيم سياسي أو حزبي.. بهذه الطريقة تستطيع الفكرة الجمهورية أن تدخل إلى داخل الأحزاب الأخرى وهذا هو جوهر ما نادى به الأستاذ محمود، والآن بدأ يتحقق..
ولك فائق تقديري والمودة الباقية..
ياسر
07-18-2007, 10:04 AM
اشرف السر
اشرف السر
تاريخ التسجيل: 12-06-2003
مجموع المشاركات: 1563
اشكر لك اجاباتك المقنعة.. والتي بدورها ادت الى تساؤلات اخر.. ارجو ان لا تنحرف بهذا البوست عن موضوعة الاساسي وهو "الديباجة" كآخر ما كتبة الاستاذ محمود...
لم تأتي تساؤلاتي السابقة بغرض تبخيس جهود الاخوة المحمودة في الانترنت ونشر الفكرة وكتب الجمهوريين عبر النت.. ولكني قصدت الى محدودية الانتشار،، مقارنة بالنشاط في الشوارع والاسواق والجامعات "الاركان"...
قولك:
Quote: المنهاج السلوكي هو الطريق النبوي، ولكن الفكرة الجمهورية تختلف عن الطرق الصوفية في أن السالك في الطريق لا يحتاج إلى شيخ ولا إلى أوراد، والطريق يبدأ بداية بسيطة مكفولة للمتعلمين وغير المتعلمين..
واقع الحال ان الحزب الجمهوري اتفق مع الطرق الصوفية،، في ان السالك يحتاج لمرشد.. والا فكيف نفسر ما قام به الاستاذ محمود تجاه الجمهوريين من تسليك وارشاد؟؟؟ والاوراد عن الجمهورين حل محلها هنا كتابات الاستاذ مثل "تعلموا كيف تصلون" و "طريق محمد" و "الرسالة الثانية من الاسلام".. ففيها من الافكار الكثير وطرق تحقيق المقامات المختلفة في طريق السالك... اذن فقد اختلف المسمى والمضمون عن مستوى الطرق الصوفية الى مستوى جديد يخالف مظهر الاوراد المحفوظة الى مستوى الافكار التي يقتنع بها وتطبق في السلوك اليومي..
Quote: وكما قلت هناك إمكانية لقيام تنسيق وتكثيف للنشاط أكثر مما هو موجود الآن
هذا ما اصبو اليه واحلم ان يكون الجمهوريون مختلفين عن ملايين السودانيين الذين هاجروا.. فالعبرة بالفعل والتأثير وليس الكم..
أخي الأستاذ أشرف السر تحيتي وجزيل شكري على المداخلة اللطيفة وعلى الأسئلة الحية .. وهي بلاشك أسئلة مشروعة تأتي من شخص واضح الحرص على انتشار فكر الأستاذ محمود.. اعتقد أن دكتور ياسر أجاب بما يكفي وإن كان ثمة شيء يضاف فهو أن الجمهوريين يعتقدون أن ما جاء به الأستاذ محمود ليس مجرد فكر أو نشاط سياسي أو ديني عابر ولكنه الدين عائد من جديد ليعم الأرض وأن الله متكفل بنصره وإظهاره .. والعمل الحقيقي الذي يعجل بهذا المجي هو عمل روحي في اعداد النفوس لتقبل الفضل الالهي (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا) .. وحتى عندما كان نشاط الجمهوريين وعملهم الخارجي في قمته لم تغب عنهم هذه النظرة الأساسية وقد ذكر الأستاذ محمود أن الغرض الأساسي من العمل الخارجي ليس هو نصر الفكرة الجمهورية فإن الله سبحانه وتعالى سيتكفل بذلك ، اذا كانت هي الدعوة الحقة ، ولكن الغرض من ذلك النشاط هو تربية الجمهوريين أنفسهم وتهيئتهم روحيا وذلك بمواجهتهم لمجتمع مشوش عليه كثيرا في أمر الفكرة وبتحملهم أذى الناس وكف أذاهم عن الناس وتوصيل الخير لهم .. والحق أن الدولة التي ينشدها الجمهوريون هي الدولة التي حلم وهام بها كبار الصوفية وبشروا بمجيئها في أشعارهم اذ قالوا: لنا دولة في آخر الدهر تظهر وتظهر مثل الشمس لا تتستر وكذلك قالوا: هذه دولتنا قد حضرت دولة العز وكنز الفرح ولذلك فأن الجمهوريين اليوم يختلفون في نظرتهم لكيفية نصرهم لهذا الأمر العظيم .. فمنهم من يرى المشاركة في العمل العام بنشر الوعي وبتذكير الناس بأساسيات الدعوة وتصحيح التشويه الكثير الذي يحيكه خصومها وينشرونه على الناس ومنهم من يرى أن العمل الأساسي هو لايزال العمل الداخلي في ترقية النفس وفي التأثير في المجتمع بلسان الحال لا لسان المقال .. وكلا الصـنفين من الجمهوريين ينتظر النصر الإلهي (وأيضا يصلي الذي يجلس وينتظر) .. (والله متم نوره) عمر
07-18-2007, 10:15 AM
اشرف السر
اشرف السر
تاريخ التسجيل: 12-06-2003
مجموع المشاركات: 1563
اشكر لك تعقيبك وردك على ما تقدمت به من تساؤلات... ولي استفسارات على ما اوردته في ردك قولك:
Quote: أن الجمهوريين يعتقدون أن ما جاء به الأستاذ محمود ليس مجرد فكر أو نشاط سياسي أو ديني عابر ولكنه الدين عائد من جديد ليعم الأرض وأن الله متكفل بنصره وإظهاره
فكرة الجمهوريين حول عودة الدين،، مربوطة بشيئين حسب ما فهمته من كتابات الأستاذ محمود.. أولهما "الوقت" وثانيهما "الاذن"... والاستاذ محمود هو "المأذون" اي من اذن له بالكلام فتكلم،، في وقت قد آن.. اذن فالوقت قد اتى وكذلك المأذون.. وتكفل الله بنصر الدين واظهاره مربوط، "بجماعة" وليس افراد،، جماعة تعمل على عودة الدين فيتأذن الله بنصر هذه الجماعة فيعود الدين ولكن على مستوى جديد...
أما اختلاف الجمهوريين في "الوسائل" وليس الغايات،، وهو اختلاف طبيعي ومن جبلة النفس البشرية،، وليعمل كل على ما يرى انه الأصوب..
ما اتساءل عنه هو ان موانع العمل اجماعي العلني في جماعة او كيان او حزب،، قد خفت كثيرا مقارنة بالسنين الفائتة.. فلم لا يعود الحزب الجمهوري تحت اي مسمى كان ليتسنى لأكبر قطاع من البشر ان يتعرفوا بالفكر الجمهوري ويحتكوا بقدامى الجمهوريين.. فيتعلمون ما جهلوا عن الفكر الجمهوري... هذا ولك جزيل شكري وامتناني
07-13-2007, 02:46 AM
Omer Abdalla
Omer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-02-2003
مجموع المشاركات: 3083
لقد تحدثنا عن التعليم، وقلنا: انه، في جميع المجتمعات، قد كان محاولة لإعطاء الحى مقدرة على المؤاءمة بين حياته وبين بيئته.. وقلنا إن المشكلة إنما هي البيئة!! ما هي؟؟ ولقد فهمناها فهما خاطئا.. ولقد ظل هذا الفهم الخاطئ يلازمنا إلى اليوم، وإليه ترجع مشاكل المجتمع البشري برمتها وأخطاء تعليمه، بصورة خاصة.. ولقد قلنا إن العلم المادي التجريبي قد كشف لنا، بانفلاق الذرة، أن المادة، بالصورة التي تألفها حواسنا، وتعرفها عقولنا، ليست هناك، وإنما هي، لدى التحليل الأخير، طاقة، تدفع وتجذب، في الفضاء.. هذه الطاقة معروفة الخصائص، مجهولة الكنه، وليس في طوق العلم المادي أن يعرف كنهها، لا الآن، ولا في المستقبل، بل إنه لا يدعي لنفسه هذه الإمكانية، بل أنه يقرر أنها خارج نطاقه.. هو يقف ههنا ويسلمنا إلى العلم الروحي - توأمه الأكبر - ليسير بنا، أمامه، في رحاب الوادى المقدس.. هذا هو موقف العلم المادي التجريبي، بعد أن قطع مراحل التطور البدائية، من التعدد، إلى أن وصل إلى الوحدة.. فما هو موقف العلم الروحي التجريبي، بعد أن قطع مراحل التطور البدائية، من التعدديات، إلى أن وصل إلى الوحدة؟؟ ((كان الله ولا شيء معه.. وهو الآن، على ما عليه كان ..)) هذا حديث نبوي شريف.. وفي حديث قدسي قال تعالي: ((كنت كنزا مخفيا ، فأحببت أن أُعرف، فخلقت الخلق، فتعرفت إليهم، فبي عرفوني..)) وأصحابنا الصوفية يقولون: ((ما في الكون إلا الله - ذاته، وأسماؤه، وصفاته، وأفعاله ..)) وأسماء الله، وصفاته، وأفعاله ،إنما هي تنزلات من ذاته.. وهي لدى التناهي، ذاته.. فرجع الأمر إلى صاحب الأمر.. ((ألا له الخلق والأمر)).. ((كنت كنزا مخفيا))، ذاتا، صرفا، مطلقا، فوق العبارة، وفوق الإشارة - فوق الأسماء والصفات.. ((فأحببت أن أُعرف فخلقت الخلق)).. ولقد كانت أول حركة في الخلق تنزل الذات من الصرافة - من الإطلاق إلى القيد - إلى مرتبة الاسم، ((الله)).. وهذه مرتبة الإنسان.. وهي مرتبة ((أحسن تقويم)) التي جاءت الإشارة إليها في قوله، تبارك، وتعالي: ((و لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)).. ولقد خلق الله بالإنسان الأكوان.. فجاء الفتق: (ثم رددناه أسفل سافلين)).. و((أسفل سافلين)) هي أدني، وأوهن، صور التجسيد، هي ذرة بخار الماء - ذرة غاز الهيدروجين، وهي في مركز الأرض.. لقد كان الفتق من أعلى عليين إلى أسفل سافلين - من ألطف اللطائف، إلى أكثف الكثائف، فظهر بذلك النقيضان، وتحرك بندول الإنسان، في طريق الرجعي، من ((أسفل سافلين)) إلى ((أحسن تقويم)).. ولقد تحرك بندول الإنسان لأنه، ما في الكون الحادث، إلا الإنسان.. إن الاختلاف بين ((أحسن تقويم)) و((أسفل سافلين)) ليس اختلاف نوع، وإنما هو اختلاف مقدار.. التوحيد يمنع اختلاف النوع أن يدخل في المملكة، فلم يبق إلا اختلاف المقدار.. وعن البندول يقول تبارك، وتعالي: ((الله الذي خلق سبع سماوات، ومن الأرض مثلهن، ينزل الأمر بينهن، لتعلموا أن الله على كل شئ قدير، وأن الله قد أحاط بكل شئ علما.)). فالنقيضان هنا هما السموات السبع، والارضين السبع، والبندول الذي يتحرك بين النقيضين - بين اللطيف، والكثيف، هو الأمر - ((يتنزل الأمر بينهن)).. الأمر هو روح الله المنفوخ في الإنسان.. الأمر هو روح الإنسان.. الأمر هو الإنسان حين تتزاوج نفسه مع روحه هذه - حين تتم وحدة بنيته.. قال تعالى عن عيسى بن مريم: ((قال: كذلك!! قال ربك: هو على هين، ولنجعله آية للناس، ورحمة منا.. وكان أمرا مقضيا!!))
07-18-2007, 01:54 PM
Yasir Elsharif
Yasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50074
Quote: لم تأتي تساؤلاتي السابقة بغرض تبخيس جهود الاخوة المحمودة في الانترنت ونشر الفكرة وكتب الجمهوريين عبر النت.. ولكني قصدت الى محدودية الانتشار،، مقارنة بالنشاط في الشوارع والاسواق والجامعات "الاركان"...
نعم أنا أعرف تقديرك لجهود الجمهوريين في الإنترنيت، وإقامة موقع الفكرة الجمهورية ووضع الكتب فيها.. فترة الدعوة بتوزيع الكتب في الشوارع والأسواق، وبإقامة الأركان في الجامعات، لم تستطع عمل الكثير لإقناع غالبية السودانيين بالإلتزام بالفكرة الجمهورية، فحتى يوم إعتقال الأستاذ محمود في يونيو 1983 لم يلتزم الفكرة الجمهورية بجدية أكثر من الألفين، على أحسن تقدير.. نعم كان هناك مؤيدون كثر ربما تعدى عددهم الآلاف ولكنهم لم يتخذوا الخطوة الحاسمة بإعلان انضمامهم لتنظيم الجمهوريين.. هذه حقيقة يجب ألا نقفز عليها أو نتجاهلها.. ولذلك أنا لا أرى أن أعادة صورة النشاط بالطريقة القديمة في طباعة وبيع الكتب، وإقامة التنظيم بالطريقة القديمة في وقتنا الراهن سوف يحققا أكثر مما حققته الحركة الجمهورية التي قادها الأستاذ بنفسه خلال ثلاث وثلاثين عاما بين عامي 1951 و 1985.. ولكن قبل هذا كله يحسن بنا أن نعترف أن الأسلوب القديم بطباعة وتنظيم توزيع الكتب لم يعد ميسورا وذلك لاعتبارات كثيرة..
قولك:
Quote: واقع الحال ان الحزب الجمهوري اتفق مع الطرق الصوفية،، في ان السالك يحتاج لمرشد.. والا فكيف نفسر ما قام به الاستاذ محمود تجاه الجمهوريين من تسليك وارشاد؟؟؟ والاوراد عن الجمهورين حل محلها هنا كتابات الاستاذ مثل "تعلموا كيف تصلون" و "طريق محمد" و "الرسالة الثانية من الاسلام".. ففيها من الافكار الكثير وطرق تحقيق المقامات المختلفة في طريق السالك... اذن فقد اختلف المسمى والمضمون عن مستوى الطرق الصوفية الى مستوى جديد يخالف مظهر الاوراد المحفوظة الى مستوى الافكار التي يقتنع بها وتطبق في السلوك اليومي..
الفكرة الجمهورية قالت بوضوح شديد أن المرشد الأساسي هو النبي عليه الصلاة والسلام، وهي لم تدع إلى طريق زائد أو ناقص عن السنة النبوية المطهرة، وهي في هذا تختلف عن الطرق الصوفية التي لها طقوس وأوراد لا بد للمريد من عملها، ولا بد من مكاففة الشيخ وأخذ الطريق عنه.. إذن المريد يقوم بطقوس عبادية زائدة.. أما الأستاذ محمود فقد أرشد الجمهوريين والناس ودعاهم إلى الطريق النبوي.. أما قراءة الكتب التي ذكرتها فهي ليست طقوسا عبادية وما جاء فيها عن العبادة لا يزيد عن كونه إجلاء للطريق النبوي المجهول من الكثيرين.. وأنت محق أن كتب الفكرة فيها الكثير من الأفكار التي تعين على تحقيق المقامات؛ أذكر نموذجا لذلك التفصيل في مسألة التسيير ووحدة الفاعل وكيف أن استيقان هذه الحقيقة يضع أرجل السالك في الإستفادة من الطريق والمنهاج النبوي بكفاءة بالغة..
ردا على كتابة الأخ عمر هواري التالية:
Quote: أن الجمهوريين يعتقدون أن ما جاء به الأستاذ محمود ليس مجرد فكر أو نشاط سياسي أو ديني عابر ولكنه الدين عائد من جديد ليعم الأرض وأن الله متكفل بنصره وإظهاره
جاء تعليقك:
Quote: فكرة الجمهوريين حول عودة الدين،، مربوطة بشيئين حسب ما فهمته من كتابات الأستاذ محمود.. أولهما "الوقت" وثانيهما "الاذن"... والاستاذ محمود هو "المأذون" اي من اذن له بالكلام فتكلم،، في وقت قد آن.. اذن فالوقت قد اتى وكذلك المأذون.. وتكفل الله بنصر الدين واظهاره مربوط، "بجماعة" وليس افراد،، جماعة تعمل على عودة الدين فيتأذن الله بنصر هذه الجماعة فيعود الدين ولكن على مستوى جديد...
لا، ليس الأمر كما كتبت يا عزيزي أشرف.. نعم، لقد جاء الإذن للأستاذ بالفهم والحديث بمقتضى ذلك الفهم، ولكن الإذن بالتطبيق لم يحدث بعد.. وهذه حقيقة لا تحتاج مني إلى إثبات فهي ظاهرة.. أعتقد أن هناك جماعة من المسلمين المخلصين الذين يعملون على عودة الدين، وأنا أعرف أن منهم من هم في دائرة الجمهوريين، ولا أقول أن هؤلاء المخلصين يقتصرون على دائرة الجمهوريين التي تركها الأستاذ.. لا بد أنك قرأت الأحاديث النبوية التي تبشر بذلك في كتب الأستاذ محمود ومنها هذا الحديث: ((بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً ، كما بدأ.. فطوبى للغرباء !! قالوا : من الغرباء يا رسول الله ؟؟ قال : الذين يحيون سنتي بعد إندثارها..)) وفي رواية أخرى ، عندما سألوه عن الغرباء ، فقالوا : من الغرباء يارسول الله ؟؟ قال: ((فئةٌ قليلة مهتدية ، في فئة كبيرة ضالة ))..
قولك:
Quote: ما اتساءل عنه هو ان موانع العمل اجماعي العلني في جماعة او كيان او حزب،، قد خفت كثيرا مقارنة بالسنين الفائتة.. فلم لا يعود الحزب الجمهوري تحت اي مسمى كان ليتسنى لأكبر قطاع من البشر ان يتعرفوا بالفكر الجمهوري ويحتكوا بقدامى الجمهوريين.. فيتعلمون ما جهلوا عن الفكر الجمهوري...
أخي أشرف، أنا أعرف أنك ممن يصبرون على القراءة ولذا لا أخشى عليك الإملال.. فأرجو أن ترجع إلى كتاب "أسس حماية الحقوق الأساسية": http://alfikra.org/book_view_a.php?book_id=17 وهو كتاب صدر في مارس عام 1969.. ستجد أن صيغة الحزب التي اتخذها الحزب الجمهوري كانت صيغة مرحلية ولم يرد الجمهوريون إلى دعوة الناس إلى حزبهم.. بصورة خاصة أرجو أن تقرأ ما جاء في خاتمة الكتاب تحت عنوان "المؤتمر القومي":
Quote: 1) لقد دعا الحزب الجمهوري الأحزاب ، والهيئات ، والأفراد ، الى لقاء يناقش فيه أمر الحقوق الأساسية في الدستور ، وكيف يمكن أن تصان في الدستور الدائم .. وما يرمي الحزب من وراء ذلك ، إلى تكوين جبهة عريضة من الأحزاب ، والهيئات ، والأفراد ، تقوم على ميثاق مرحلي بغرض مقاومة أي محاولة ترمي إلى ثلم الحقوق الأساسية ، وانما يرمي الى المحاولة لإيجاد وحدة فكرية بين الأحزاب ، والهيئات ، والأفراد وهو في هذا الأساس يقدم مخطوط يحوي رأيه هو في الدستور الدائم .. 2) هل يدعو الحزب الجمهوري الأحزاب ، والهيئات ، والأفراد الى نفسه ؟ هذا ما يتبادر الى الإذهان من الوهلة الأولى .. والحق غير ذلك .. الحق أن الحزب الجمهوري يدعو الناس أحزاباً وهيئات وأفرادا الى الإسلام الصحيح .. وليس الحزب الجمهوري حزب كسائر الأحزاب وانما هو الدعوة الإسلامية.. هو الإسلام عائدا من الجديد.. فإن تبادر الى الأذهان أن الحزب الجمهوري إنما يدعو الأحزاب لتلغي وجودها وتصبح جمهورية فليكن واضحا أن الدعوة إنما هي إلى الإسلام .
انتهى..
إذن صيغة الحزب لم تكن بقصد المشاركة في الحياة السياسية من ترشيح وانتخاب، وإنما كانت وسيلة لإتخاذ صيغة الحزب كمنبر حر لنشر الدعوة بما في ذلك رأيها في المسائل السياسية المحلية والإقليمية والعالمية.. ولذا عندما تم حل الحزب الجمهوري بعد نحو شهرين من صدور ذلك الكتيب، أي بمجيء إنقلاب مايو، لم يتعطل الجمهوريون وإنما استمروا في عملهم الأساسي وهو الدعوة الإسلامية بالفكرة التجديدية.. أنا أفرِّق بين ممارسة التعريف بالفكرة الجمهورية وبالأستاذ محمود وبين إقامة تنظيم سياسي.. أعتقد أن التعريف بالفكرة وبالأستاذ لا يتطلب إقامة تنظيم سياسي، وقد يتطلب تنسيق بين الناشطين في هذا الموضوع، وهذا الأخير حاصل بالفعل.. صحيح أن ميدانه لا يزال الإنترنيت وبعض المقالات في الصحف المحلية والعالمية وبعض الكتابات، إلا أن الفرصة تزداد كل يوم بانفتاح وسائل جديدة وميسورة وفعالة لنشر هذا التعريف.. وقد انتبه الجمهوريون المهتمون بالتوثيق إلى تسجيل ذكريات قدامى الجمهوريين وقادتهم في أشرطة فيديو وقد شاهدت منها حتى الآن ما يقرب من الـ 15 ساعة بالصوت والصورة.. أتوقع أن تتم الإستفادة من مثل هذه الإنطباعات والمذكرات ويتم نشرها بين الناس.. دعني أحكي لك واحدة من أجمل ما سمعت في هذه الأشرطة.. حكى الأخ الأستاذ الريح أبو إدريس ذكرياته وكان من ضمنها حادثة عابرة حدثت له هو شخصيا مع الأستاذ محمود.. قال أنه أتى في يوم من الأيام إلى الأستاذ محمود وجلس إليه في غرفته ولكن كانت لديه خواطر بينه وبين نفسه وهي أن الكلمة جاءت في كتب الأستاذ والجمهوريين "السراط" بالسين بينما هو قد تعلمها في المعهد العلمي الذي تخرج منه بالصاد "الصراط"، ولكنه لم يقل ذلك بلسانه وإنما في خاطره فقط.. فجأة الأستاذ يبدأ بالحديث عن المسألة فيقول للأخ الريح بدون مقدمات ما معناه أن: "كلمة السراط صحيحة بالسين وبالصاد، ولكنها بالسين أصح منها بالصاد.. وهناك من يكتبها بالظاء ولكنها كتابة شاذة".. لم يذكر الأخ الريح للأستاذ أنه كان له خاطر بهذا الخصوص.. أنا شخصيا استفدت من حكاية الأخ الريح وأظن أنها ستكون مفيدة لكثيرين، لا لكي تقول لهم أن الأستاذ يعلم الغيب أو يقرأ الخاطر، ولكن لكي تقول لهم أن الأخ الريح أكرمه الله بأن زاد يقينه بالأستاذ بصورة فريدة.. الجمهوريون لديهم مادة كثيرة مكتوبة ومسجلة ولم تنشر بعد ولم تكتب في الكمبيوتر.. أرجو أن يسخر الله مزيدا من الناشطين الحاذقين لميادينهم فيعملوا على نشر هذا التراث العظيم.. بل أتوقع أن يأتي من يتمكن من صناعة أفلام سينمائية وأفلام تسجيلية بديعة.. أما أنا، فـ "العين بصيرة والإيد قصيرة" ولكن ما أستطيعه أفعله وأرجو التوفيق.. ولك مني المودة والشكر..
ياسر
07-19-2007, 12:00 PM
اشرف السر
اشرف السر
تاريخ التسجيل: 12-06-2003
مجموع المشاركات: 1563
"الديباجة" عبارة عن مخطوطة صغيرة كتبها الأستاذ محمود أثناء فترة اعتقاله قبل الأخير وهو اعتقال استمر زهاء التسعة عشر شهرا من غير محاكمة أو تهمة محددة توجه للأستاذ محمود أو لتلاميذه وتلميذاته الذين اعتقلوا معه .. وهي تلخص جوهر الفكرة الجمهورية وقد بدأ الأستاذ محمود في كتابتها في يوم 30 اكتوبر 1984 أي قبل 80 يوما من تنفيذ حكم الإعدام عليه .. سأنشرها هنا مبوبة .. ولكن اسمحو لي في البداية أن انقل لكم مقتطفات من وثيقة كتبها الراحل المقيم الأستاذ جلال الدين الهادي يصف فيه فترة الاعتقال هذه ويصف أيضا لحظات تنفيذ الحكم على الأستاذ محمود وما سبقها
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة