|
وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة
|
[I]يسعدني ان اقدم هذه المساهمة القيمة التي طلبتها من الصديق سعدابو نورة، كمشاركة منى في هذا الاسبوع فقام بارسالها مشكورا وسعد ربما لايعرفه الكثير من قراء هذا البورد فهو مفكر وكاتب موسوعي ذو فكر فذ وقلم جرئ ، يمتاز بالوعي الثاقب والربط السلسل الذي يزين كتابته رونقا وبها ء ، ولن اطيل عليكم ولاترك سعد يقدم نفسه من خلال ما يكتبه واتمنى من كل قلبى ان ينضم المفكر سعد ابونورة الى هذا البورد ليمتعنا بكتاباته الرائعة العميقة .[/I] lo أن الفكرة الجمهورية بما تذخر به من كنوز معرفية تمثل نموذجاً متفرداً لديه القدرة على إقناع العقول المفكرة المعاصرة من خلال جدليات وإشكاليات العلوم المعاصرة نفسها الطبيعية منها والاجتماعية ، بشكل يتوج فيه الدين التحقيق المعرفي العلمي المعاصر وذلك حين يؤسس العلاقة بين العلم المادي والعلم الروحي مما يفسح المجال لبروز (العلم) في تاريخ المعرفة البشرية .. هذا (العلم) الذي يزاوج في مشهد واحد متسق بين العلم المادي والعلم الروحي ، بين آيات الآفاق وآيات النفوس هو مشهد من مشاهد تجليات مظاهر الآية الكريمة (مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه) ، فهذا (العلم) القرآني الجديد مصدق لما بين يديه من العلم المادي التجريبي ومهيمن عليه من حيث احتوائه على بعد روحي جديد يفتقده العلم المادي التجريبي حين اعتنى هذا الأخير بالرصد المعرفي لبيئتنا المادية وقصر عن الرصد المعرفي لبيئتنا الروحية! وهو من واقع الهيمنة هذه يملك الإجابة على كل معضلات العلم التجريبي المادي والفلسفة وعلم النفس وغيرها من العلوم الإجتماعية! هذا المشروع المعرفي الذي تبشر به الفكرة الجمهورية لهو أعظم مشروع معرفي في تاريخ الفكر الإنساني قاطبة ! فلقد نشأ الدين والعلم وتطورا دون أن يتم توحيدهما في مشروع معرفي واحد.. وسوف نحاول هنا أن نلج أحد الفضاءات المعرفية الثرة للفكرة الجمهورية والتي تبرز تفردها وريادتها في مجال المعرفة الدقيقة بالنفس البشرية والطاقات المختزنة داخلها .
وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية لم يبدأ إنقسام البنية البشرية بين عقل كابت ورغائب نفس مكبوتة بظهور قانون الحلال والحرام كما جاءت به الأديان ، وإنما بدأ بظهور المجتمع ، حيث أن ظهور المجتمع قد سبق ظهور الأديان بآماد سحيقة .. بل إن هذا الإنقسام قد بدأ منذ ظهور الحياة نفسها ، حيث أن ظهور المادة العضوية من المادة غير العضوية والذي يؤرخ بداية الحياة ، إنما هو إنقسام المادة بين كثيف ولطيف . ولقد ظل الكثيف يلطف واللطيف يزداد لطافة ، حتى بلغا في مرحلة الإنسانية أن أصبح اللطيف يمثل العقل والكثيف يمثل الجسد .. ولقد تعقد هذا الإنقسام وتشعب وترسبت طبقاته طبقة فوق طبقة بظهور المجتمع الإنساني وأعرافه وعاداته وتقاليده ، ثم إزداد تعقيداً بظهور الأديان في صورها المعقدة .. ولقد كان هذا الإنقسام في جميع أطواره بدافع من الخوف .. فلولا الخوف ما ظهرت الحياة في المكان الأول ، ولولاه ما ترقت الحياة بظهور العقل في المكان الثاني ..
إن وسيلة وحدة ثالوث البنية البشرية (القلب والعقل والجسد) في الفكرة الجمهورية هي (الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) ، ذلك أن كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) والعمل الصالح وفي قمته الصلاة ، هي وسيلة تحقق الإنسان بالواحدية والأحدية ، حيث يتم التناسق والتحالف بين القلب والعقل والجسد .. ويلاحظ بأن فلسفة التطور في الفكرة الجمهورية هي فلسفة اشمل وأعمق من أي فلسفة مادية أو دينية ، حيث أن فلسفة التطور لديها تشمل مراحلاً في طرفي البداية والنهاية (ولا بداية ولا نهاية حيث أن كل الذي يبدأ وينتهي إنما هي صور الحياة الغليظة) لا تشملها أي فلسفة تطورية أخرى .. من الصحيح أن بعض الفلسفات الأخرى تحدثنا عن أن العقل والجسد هما قطبين لنفس الظاهرة ويختلفان فقط من حيث اعتبارات اللطافة والكثافة ، لكنها إنما تتحدث عن العقل كظاهرة منجزة ، دون أن تفصل عن المراحل التي قطعتها الحياة قبل ظهور الحواس والعقل والتي توجت باستلال العقل من الجسد (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً * إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيرا) ! كذلك فإن بعض الفلسفات الدينية الأخرى تحدثنا عن الانقسام الداخلي للإنسان وتحاول أن تخلق مركزاً داخل الإنسان لكي ما يقوم بتوحيد الشخصيات الكثيرة المنقسمة ، لكنها لم تفصل في أسباب هذا الانقسام ولم تشر إلى الدور الذي لعبه الخوف في هذا الانقسام ، كما لم تفصل في أسلوب التحرر من الخوف ، والذي بدون التحرر منه لا يمكن للبشر المعاصرين أن يردوا موارد الحياة الكاملة ! فالإنسان قد تطور من ذرة غاز هايدروجين عبر مراحل ثلاثة للتطور هي : 1) مرحلة التطور العضوي الصرف : وهذه تعني تطوره في المادة غير العضوية أولاً من ذرة بخارالماء وإنتهاءاً ببروز المادة العضوية .. ثم بعد ذلك تطورة في المادة العضوية بدءاً بحيوان الخلية الواحدة وإنتهاءاً بأعلى الحيوانت الثدية .. وفي كل هذه المراحل لم تكن جرثومة الإنسان غائبة 2) مرحلة التطور العضوي ـ العقلي : وهذه هي المرحلة التي نعيش في أخريات أيامها وقد افترعها آدم النبي ــ الإنسان المكلف على ألأرض .. وفي هذه المرحلة نشأ العقل والذي كان كامناً في المراحل الأولى من النشأة .. والعقل هو الطرف اللطيف من الحواس ، في حين أن الحواس هي الطرف اللطيف من الجسد .. ولقد أبرزت رسل العناصر بالخوف الحواس من الجسد ثم أبرزت بالخوف أيضاً العقل من الحواس . 3) مرحلة التطور العقلي الصرف : وهذه مرحلة الكمال التي لما تأت بعد ، وهي تتميز بدخول الحاسة السادسة والحاسة السابعة .. ويعرف الأستاذ (محمود محمد طه) الحاسة السادسة في كتاب (رسالة الصلاة) بأنها ((هي الدماغ .. ووظيفتها الإدراك المحيط والموحد "بكسر الحاء" لمعطيات الحواس الأخرى ـ اليد والأذن والعين واللسان والأنف ــ في الحس والسمع والبصر والذوق والشم .. فإذا قويت يكون إدراكها لكل شئ عظيم الشمول ، فكأنها تحسه وتسمعه وتراه وتذوقه وتشمه ، في آنٍ واحد ...)) .. أما الحاسة السابعة فقد تم تعريفها في نفس الكتاب بأنها ((هي القلب .. ووظيفتها الحياة .. وهذه الحاسة هي الأصل ، وجميع الحواس رسلها وطلائعها ، إلى منهل الحياة الكاملة ..)) .
دور منهج الصلاة في الفكرة الجمهورية في توحيد البنية البشرية : يتأثر الإنسان بكون داخلي وخارجي كما ورد في القرآن الكريم (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ، أولم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد) .. وحيث أننا نضع الكتاب الأصغر آيات الآفاق (الأكوان) بموازاة الكتاب الأكبر آيات النفوس (الإنسان) ، فإن الموازاة الصحيحة بين الكتابين تتمثل في ثالوث (العقل والقلب والجسد) في كتاب الإنسان مقارنة مع ثالوث (القمر والشمس والأرض) في كتاب (الأكوان) .... فمن حيث آيات الآفاق فإن الأرض قد نشأت هي وأخواتها من الشمس (أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما) .. ثم نشأ القمر من الأرض كتابع له .. كذلك فإن آيات النفوس قد كانت مرتتقة حيث كان العقل والجسد في القلب فانفتقا عنه. فإن القلب هو (أول بيت وضع للناس) ومنه نشأ الجسد كوقاية ودرقة له ثم نشأت بعد ذلك الحواس والعقل لإعانة القلب ومن ثم الجسد على استكشاف الخطر .. لذا فإن منهج الصلاة في توحيد ثالوث النفس البشرية هو منهج يترسم فيه العابد المجود هذه الموازاة بين آيات الآفاق وآيات النفوس ، محاولاً رتق ثالوث بنيته البشرية بعد انفتاقه .. والموعود الإلهي في ذلك (يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب وكما بدأنا أو خلق نعيده ، وعداً علينا إنا كنا فاعلين) .. وكما يحدثنا الأستاذ (محمود) في كتاب (تعلموا كيف تصلون) فأن العابد المجود إذا أقبل على الصلاة ((فإن عقله يكتسب نوراً بتعرضه لضياء الروح في أوضاع صلاته المختلفة ، كما يكتسب القمر النور من ضياء الشمس وهو ينزل منازله المختلفة .. والقمر ينزل أربعة عشر منزلاً ليصير في نهايتها ، بدراً كاملاً ــ سبعة لينتصف فيها بالنور ، وسبعة أخرى ليصير فيها بدراً كاملاً ــ يحكي في الحجم ، جرم الشمس ، حتى لكأنه قد عكس ، بنوره ، جميع ضيائها .. هذا فيما يرى الرائي .. والصلاة ، في كل ركعة منها ، سبع حركات ، تمثل منازل القمر السبعة .. فأنت إذا كنت سالكاً مجوداً ، وصليت ركعتين ، وفكرك حاضر في صلاتك ، فيجب أن تعلم أن كل حركة ، من حركاتك الأربع عشرة ، تختلف عن الحركة التي سبقتها ، وإن كانت تشبهها وما ذاك إلا لأنها بمثابة منزل جديد ينزله قمر (شريعتك) من شمس حقيقتك .. فإذا ما أنت أكملت الركعتين ، فكأنما قد اكتمل بدرك ، كأنما استضاءت صفحة عقلك ، بنور المعرفة المنبثقة من ضياء روحك ، فتوازى العقل والقلب)) .. وبالنسبة لمنهاج الصلاة في الإسلام فإن أوضاع الصلاة وكما يحدثنا الأستاذ (محمود) مستمدة من مراحل التطور الفيزيولوجي الثلاثة للحياة والتي سبق أن تحدثنا عنها سابقاً ..(( بالنسبة للإسلام فإن الصلاة لا تستمد من العقيدة ، وإنما تستمد من العلم .. هي منهاج يتنقل في الأوضاع المختلفة ، ليجمع مراحل التطور المختلفة في سير الحياة ، على هذا الكوكب ، وقبل أن تنزل إلى هذا الكوكب )) ـ كتاب (تعلموا كيف تصلون) ــ وعلى سبيل المثال فإن أوضاع الصلاة تجمع في داخلها الحركة المستقيمة للإنسان والحركة الأفقية للحيوان والحركة المنكوسة للنبات .. فالحركة المستقيمة للإنسان تتمثل في حالة (القيام) والحركة الأفقية للحيوان تتمثل في حالة (الركوع) ، وتحكيهما الآية (أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أمن يمشي سوياُ على سراط مستقيم) .. يمشي (الحيوان) مكباً على وجهه في حركته الأفقية بينما يمشي (الإنسان) سوياً على سراط مستقيم .. أماً (السجود) فإنه يعادل الحركة المنكوسة للنبات في حالة السجود وتحكيها الآية (والله أنبتكم من الأرض نباتا) .. وواضح قرينة وضع الرأس على الأرض في حالة السجود مع وضع النبات في التربة على الأرض .. فكأن الإنسان في أوضاع الصلاة المختلفة يحكي تجربة التطور الفيزيولوجي للحياة برمتها ، وكأن الصلاة بمنهجها ((تحاول أن تحقق للإنسان المصلي بذكاء وبتجويد الكمالات التي تنتظر من يملك القدرة على توحيد جسده وعقله وقلبه)) .. وكما ذكرنا فإن منهج الصلاة في الفكرة الجمهورية يحكي مراحل التطور الفيزيولوجي للحياة على هذا الكوكب ، بل وقبل نزولها لهذا الكوكب .. وهي بتحقيقها ((للكمالات التي تنتظر من يملك القدرة على توحيد جسده وعقله وقلبه)) كما قال الأستاذ (محمود) في كتاب (تعلموا كيف تصلون) ، تنجب الحاسة السادسة والتي عندما تقوى ((وتدرك الأمر على ما هو عليه ، على النحو الذي وصفنا ، ويومئذ سيظهر لها أن الخوف إنما هو مرحلة صحبت النشأة في إبان جهلها ، وقصورها ، وأنه ليس هناك ما يوجبه في حقيقة الأشياء .. فإذا بلغت الحاسة السادسة هذا المبلغ ، انبسطت الحاسة السابعة ـ القلب ـ واطمأنت ، وانطلقت من الإتقباض الذي أورثها إياه الخوف ، وأخذت تدفع دم الحياة قوياً إلى كل ذرات الجسد ، وكل خلايا الجلد ، تلك التي كان الخوف قد حجرها ، وجعل منها درقة ، ودرعاً ، لصيانة الحياة البدائية .. وبذلك يعود الشعور لكل جسد ، ويصبح حياً كله ، لطيفاً كله ، جميلاً كله ، غاية الجمال .. وتكون أرض الجسد الحي يومذ هي المعنية بقوله تعالى : " وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت ، وربت ، وأنبتت من كل زوج بهيج" .. هذه هي وظيفة الحاسة السابعة ـ الحياة الكاملة ـ وليس للحياة الكاملة نهاية كمال ، وإنما كمالها ، دائماً نسبي .. وهي تتطور ، تطلب الحياة المطلقة الكمال ، عند الكامل المطلق الكمال ـ عند الله ـ وإنما يكون تطورها باطراد ترقي جميع الحواس ، كل في مجاله ، وإنعكاس ذلك على ترقي العقل ، بقوة الفكر ، وشمول الإدراك .. وعلى قدر صفاء العقل ، وقوة الفكر ، تكون سلامة القلب ، واتساع الحياة ، وكمالها .. وهذا التطور المترقي بالحواس هو ما عناه الله بقوله "وأنبتت من كل زوج بهيج" )) ـ الأستاذ (محمود) ــ رسالة الصلاة . إن الوصف للحياة الكاملة الواردة في حديث الأستاذ (محمود) أعلاه والتي عند إنطلاقها من الإنقباض الذي أورثها إياه الخوف (( تدفع دم الحياة قوياً إلى كل ذرات الجسد ، وكل خلايا الجلد ، تلك التي كان الخوف قد حجرها ، وجعل منها درقة ، ودرعاً ، لصيانة الحياة البدائية .. وبذلك يعود الشعور لكل جسد ، ويصبح حياً كله ، لطيفاً كله ، جميلاً كله ، غاية الجمال)) لهو وصف يعجز كل تصور ديني ، دع عنك تصور علماني ! والنقطة الجوهرية هنا هي أن الكمالات المنتظرة لا تتم إلا بالتحرر من الخوف ، عندما تقوى الحاسة السادسة وتدرك الأمر على ما هو عليه .. وليس هناك أي فكرة دينية أو علمانية تحدثت عن دور الخوف في النشأة البشرية كما رسمت السبيل للتحرر منه بالشكل الذي ذهبت إليه الفكرة الجمهورية ، وهذا هو المحك الذي تقطع دونه الأعناق .. ولقد كانت وقفة صاحب الفكرة وهو يواجه المشنقة بابتسامة هي الدليل العملي على علمية المنهج الذي رسمه للتحرر من الخوف ! دور الخوف والكبت في تطوير البنية البشرية والسبيل للتحرر منه إن الكثير من التقدم العلمي المعاصر قد شمل أيضاً مجالات العلوم الإجتماعية والإنسانية في الفلسفة والاقتصاد والسياسة وعلم الاجتماع وعلم النفس وغيرها .. وتشكل هذه العلوم مادة معرفية يعين رصدها وقراءتها على الإشكالات التي تواجهها الفلسفات الإجتماعية الموجهة لمجتمعات الحضارة الغربية في حل التناقضات الناجمة عن الطاقة الكبيرة للمجتمع البشري المعاصر وعجز الأنظمة الإجتماعية عن استيعاب هذه الطاقة ، وذلك بسبب الفشل في التوفيق بين حاجة الفرد وحاجة الجماعة .. ولقد سبق للعالم النفسي المشهور (سيجموند فرويد) أن أعلن كفره بالحضارة وذلك لأن الحضارة الغربية هي حضارة عصابية (Neurotic) لا يمكن إلا أن تنتج نفس هياكل الكبت في النفس البشرية .. كما حدث أن جاءته امرأة متعلمة تؤمن بأفكاره تستشيره في الطريقة المثلى التي تربي بها ابنها حتى ينشأ متحرراً من عقدة (أوديب) والعقد النفسية الأخرى ، فأجابها بتشاؤم أن أي طريقة تربية سواء أن كانت في المجتمعات الشيوعية أو مجتمعات الديمقراطية الغربية سوف تنتج نفس هياكل الكبت في النفس البشرية وطلب منها أن تربيه بأي طريقة تريدها لأن النتيجة في النهاية واحدة .. ولقد جعلت بعض مدارس الفرويدية الجديدة همها أن تحاول الخروج من مأزق الكبت هذا وذلك بأن ميزت بين نوعين من الكبت : كبت أساسي حياتي وهو القدر من كبت (الليبيدو) الضروري للحفاظ على القوى البيولوجية للكائن الإنساني ، وكبت آخر فائض ، هو ذلك الطرف غير المشبع من الليبيدو والذي يكبته المجتمع بغرض توظيفه تجارياً كطاقة تستغل في الإنتاج أو كمادة يتم إشباعها بشكل غير سوي عن طريق الدعاية الإباحية المنحرفة المستخدمة في تسويق السلع .. وإتجهت محاولاتهم لوضع الأسس الكفيلة بتحرير الإنسان من الكبت الإجتماعي الإضافي .. والحق أن تعثر المحاولات في هذا الجانب تشير إلى عجز أساسي في فهم النفس البشرية وغريزتها الأساسية المتمثلة في الحياة وفهم الدور المرحلي للكبت مما ورد مفصلاً في الفكرة الجمهورية .. لقد فهمت الفرويدية أن الكبت هو شر كله ، في حين توفر للفكرة الجمهورية بمنظارها التوحيدي أن تفهم الدور المرحلي للكبت في تطوير الفرد والمجتمع في سياق واحد ، ثم هي رسمت السبيل للتحرر منه مما لم يداعب خيال أي من علماء النفس الفرويديين . ترى الفكرة الجمهورية بأن الكبت قد كان نتاجاً للخوف .. والخوف هو الذي ابرز المادة العضوية من المادة غير العضوية ، ثم هو السوط الذي حشدها في زحمة سباق التطور .. والعقل هو الروح الإلهي المنفوخ في الإنسان والقلب هو مكان النفخ والخوف هو وسيط النفخ ، وهو نفخ سرمدي يأخذ في اللطف كلما برزت لطائف الحياة من كثائفها .. عليه فإن العقل الواعي قد كان نتاجاً للخوف والكبت .. ففي مرحلة قانون الغابة نشأ العقل والحياة محاطة بالخوف من جميع مظاهرها ، فيس هناك غير الصيد والصياد .. وفي مرحلة قانون العدل أنشأ الإنسان المجتمعات ونشأت معها الأعراف والحدود التي انصبت على تنظيم الغريزة الجنسية ورعاية الملكية الخاصة ..ونشأت فكرة الآلهة وفكرة الدين .. وكان الإنسان يعيش أيضاً في هذه المرحلة وسط الخوف من مخالفة الآلهة أو مخالفة أعراف المجتمع، لكنه أصبح يتمتع بقدر من الأمن بقدر مراعاته لأعراف الجماعة .. فبرز الذكاء الذي يميز بين ما يليق وما لا يليق وبرزت الإرادة التي تروض الشهوة الفطرية وتسوقها في سبيل الواجب .. وهذه هي بداية العقل البشري والذي دخلت به القيمة في حياة الإنسان .. هكذا فإن الإنسان بفعل الخوف والرجاء بدأ يسيطر على نزواته وشهواته ويروضها بعقله ، مما أدى لنشوء الكبت وإنقسام الشخصية .. عليه فإن الكبت وإنقسام الشخصية قد كانتا نتيجة للخوف ، ولا يمكن التخلص منهما إلا بالتخلص من الخوف .. ولقد جعل الله القلب حرماً آمنا من الخوف لذلك فداه بالجسد وجعله على حواشيه ليكون له درعاً من الخوف ، لذلك نشأ الجسد في وقت يكاد يكون واحداً مع القلب ، ثم لحق بهما العقل ليكون عوناً على الإنتصار على الخوف . ولقد جعل الخوف حياتنا ناقصة حيث أزعجنا عن المعيشة في اللحظة الحاضرة فشدنا للماضي وشدنا للمستقبل ، فأصبحت حياتنا أرجوحة بين الماضي والمستقبل ، لا نلبث في اللحظة الحاضرة إلا ريثما نتحول منها ، فنتلقى أثناء مرورنا باللحظة الحاضرة الحياة التي نطيقها .. و لا توجد الحياة الكاملة إلا في اللحظة الحاضرة ، وهي حين تتناهى فيها الحياة المطلقة .. لذلك لولا أننا مشدودون للماضي والمستقبل ، لا نلبث إلا قليلاً في اللحظة الحاضرة لاحترقت حياتنا الناقصة لعدم استعداد المكان منا لتلقي المطلق إلا بالقدر القليل . نقول من جديد أن إنقسام الشخصية والكبت قد كانت كلها بسبب الخوف مما جعل حياتنا حركة بندول متأرجحة بين الماضي والمستقبل .. هذه الطبيعة المشوهة بفعل الخوف حكتها الآيات القرآنية : (( إنا جعلنا حرماً آمناً ويتخطف الناس من حولهم)) .. كما تحكيها الآيات: (( لإيلاف قريش * إيلافهم رحلة الشتاء والصيف * فليعبدوا رب هذا البيت * الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)) .. فرحلة الشتاء والصيف إشارة إلى التأرجح بين الماضي والمستقبل وذلك بفعل الخوف (خصوصاً الخوف على الرزق) فراراً من أصل الحياة الكاملة في اللحظة الحاضرة (رب هذا البيت) ، فجاءت الآيات القرآنية الكريمة لكي ما تخلص القرشيين من هذه الإلفة والعادة (الطبيعة المشوهة) النزاعة للفرار صيفاً وشتاءً نحو اليمن والشام بحثاً عن الرزق ، وذلك بشدهم لمعيشة اللحظة الحاضرة في مكة حيث يوجد(رب البيت) .. ذلك بأنهم لو توكلوا على الله حق توكله لرزقهم كما يرزق الطير وهم في مكة ! عليه فإن اللحظة الحاضرة هي أصل الزمان وهي وسط بين طرفين كليهما وهم .. ولا يعد الماضي ولا المستقبل زمناً إلا باعتبار الحكمة! عليه ومن أجل أن تكتمل حياتنا لا بد من ترويض العقل على المعيشة في اللحظة الحاضرة .. ويتفرد الإسلام هنا بتفريقه بين نوعين أو قل تكيفين للعقل الواعي : عقل المعاش وعقل المعاد .. أما عقل المعاش فهو كما وصفه الأستاذ (محمود) في الديباجة ( .. قلق ، مضطرب ، خفيف ، يجسد الخوف ، ويجسد الحرص .. وهو موكل بمجرد حفظ الحيوان .. وحركته ليس فكراً، وإنما هي قلق ، وخوف مما يجئ به المستقبل المجهول .. فهو غريزي ، وليس مفكراً .. وهو شاطر ، وليس ذكياً ، وإدراكه علماني ، وليس علمياً .. ومن هذا العقل يجئ الجبن ، والحرص ، وحب الإدخار ، والبخل ، وكل مذام الصفات ..) .. ولقد جاء الدين بأوامره ونواهيه ليؤدب هذا العقل بأدب الشريعة والحقيقة ويطبه من آفاته ، لذلك فقد بدأت الشريعة بتقرير أنه ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به)) كما قال النبي الكريم .. ومن أجل رياضة العقول على ((أدب الحق)) و ((أدب الحقيقة)) جاء الإسلام وأنزل القرآن وشرعت الشريعة .. فالإسلام منهاج حياة تراض وفقه العقول لتقوى على دقة التفكير .. فإذا ما تأدب العقل بأدب الشريعة وأدب الحقيقة ، جاز من المعاش إلى المعاد وأصبح عقل معاد .. و((عقل المعاد موزون، رزين، وقور .. وهو أيضاً موكل بحفظ الحياة، ولكنه لا يخاف عليها من كل ناعق، كما يفعل عقل المعاش، وذلك لأنه يملك موازين القيم .. فهو يستهين بالخطر الماثل، في سبيل الأمن الدائم .. هو قد يضحي باللذة العاجلة، إبتغاء اللذة العاقبة – هو ينشغل بالحياة الأخرى، أكثر مما ينشغل بالحياة الدنيا – عقل المعاد هو عقل الدين – هو الروح .. نحن لا نفهم الدين بعقل المعاش، وإنما نفهمه بعقل المعاد .. وعقل المعاش يتأثر، بعقل المعاد، ويؤثر فيه ...) ـ الديباجة ـ عليه فإن (عقل المعاد) هو العقل الموزون، الرزين، الوقور وقد تشذب وتهذب بالرياضة من القلق والإضطراب والخوف العنصري الموكل بحفظ الحياة ، وتسلح بموازين القيم وأصبح مفكراً علمياً قادراً على فهم الدين .. وحركة تفكير هذا العقل هي محاولة للاستقامة في نقطة الجمع بين طرفي الإفراط والتفريط .. والاستقامة هي مرتبة الوجود الكامل الذي لا يتوزعه الوهم بين ماضٍ قد انقضى ومستقبل غائب لم يحن بعد .. إن هوية الإنسان الحقيقية موجودة خلف حجاب العقل .. فالقلب هو هوية الإنسان الحقيقية (إن أول بيت وضع للناس ذا الذي ببكة مباركاُ) . ، ولقد تحدث الإسلام وكما عبرت عنه الفكرة الجمهورية وبشكل علمي عن القلب باعتباره ذات الحي ، باعتباره الحي بالأصالة ــ في حين لا يكون الجسد ولا الدماغ حيين إلا بالحوالة .. والقلب (العقل الباطن) هو عضو يعمل فيه الفؤاد ، والفؤاد قوة الإدراك الوتري .. والجسد والدماغ عضوان يعمل فيهما العقل ، والعقل هو قوة الإدراك الشفعي .. ففي الإسلام هنالك عدة مستويات من الإدراك ولكل منهما أداة إدراك : الإدراك التعددي والإدراك الشفعي والإدراك الوتري .. فحالة (اللاعقل) غير موجودة ، حيث أن الإنسان إما أن يكون مدركاً للوجود بعقله الواعي (العقل) في مستويات التعدد وفي قمتها الثنائية أو أن يكون مدركاً للوجود بعقله الباطن (القلب) في مستوى الوحدة .. كذلك فإن(التوقف الفكري) أو رفع حجاب الفكر ليس حالة ثابتة للعقل ، وإنما هي إلمامة في الفينة بعد الفينة . وبرفع حجاب الفكر يتم الشهود الذاتي ..
منهاج التحرر من الخوف والكبت : إن التحرر من الخوف في الإسلام لا يبدأ في النهايات وإنما يبدأ منذ البداية لدى المؤمن العادي و ذلك بتوحيد الخوف في خوف واحد هو الخوف من الله تعالى .. من الناحية الأخرى فإن مفهوم الكبت قد اتخذ أهميته بفضل علم النفس المعاصر ، حيث يرجع لفرويد ولمدارس ما بعد الفرويدية القدح المعلى في التأكيد على دوره كعائق للصحة النفسية للإنسان .. ويجئ تفرد الفكرة الجمهورية في هذه الناحية بفهمها التوحيدي العميق لظاهرة الكبت الذي جرى منذ نشأة المجتمع البشري والذي لا يزال يجري حتى اليوم .. فالكبت هو نتاج المرحلة الثانية من التطور: مرحلة العقل والجسد المتنازعين ، وطرف منه موروث منذ فجر الحياة البشرية ، كما أن الطرف الآخر منه هو نتاج كسب الإنسان المتمثل في خوفه وخضوعه لسطوة المجتمع والدين والأعراف .. ولقد أسدل الكبت الموروث والمكتسب حجباً كثيفة بيننا وبين الحقيقة المركوزة في عقلنا الباطن (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون * كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) .. ولقد تجاوزت الفكرة الجمهورية الفهم السطحي لعملية فض الكبت ، كما هو عليه الحال في التفكير العلماني الدعي لتحرير الغرائز ، وأبانت الفكرة بشكل علمي بأن التحرر من الكبت يجئ في خطوتين : خطوة في الكبت الواعي وخطوة في فض الكبت ، وأبانت الديباجة السبيل إلى ذلك في النص التالي (.. وستدخل البشرية مرحلة كمالها منذ اليوم، وذلك بفض الكبت الموروث، والمكتسب، حيث تجئ مرحلة "الجسد والعقل المتسقين" .. ويومئذ، تدخل البشرية الحاضرة، مرحلة الإنسانية، حيث تتم وحدة البنية البشرية، التي عاشت منقسمة علي نفسها، طوال تاريخها الطويل.. ولا يجئ فض الكبت فجأة، وبغير فكر يهدي التطور، كما يظن، الماديون، حيث يتحدثون عن تحرير الغرائز، وهم لا يعلمون، ما يقولون .. لابد للفرد اليوم، من أجل تطوره في مضمار وحدة بنيته، من الكبت، المجود، الواعي، ليستطيع، بعد تجويد الكبت، ان يدخل مرحلة فض الكبت، بعلم وبذكاء .. إن الكبت المكتسب يجب أن يجئ من قناعة، ومن يقظة ضمير، ومن توقد ذهن، ومن علم بأصل البيئة التي نعيش فيها – البيئة الطبيعية، والبيئة الاجتماعية – لا أن يجئ من الخوف الذي سلط علي أوائلنا من جراء الجهل ..) .. ولقد وصف القرآن الكريم مرحلة الكبت المجود الواعي بقوله ((الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم)) .. ثم وصف مرحلة فض الكبت بقوله ((ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله)).. هذا هو منهاج فض الكبت الحقيقي ومن تنكب سبيله (( ومن يضلل الله)) .. فإنه ليس له من سبيل لفض الكبت ((فما له من هاد)) .. كذلك أبانت الفكرة الجمهورية بأن التحرر من الخوف يقوم على عمل جماعي وعمل فردي .. فعلى المستوى الجماعي فإن محاربة الخوف تقتضي تنظيم الجماعة وفقاً لقانون العدل وذلك بحيث يكون الناس شركاء في خيرات الأرض وتولي السلطة ـ الاشتراكية والديمقراطية ـ وفي العدالة الاجتماعية والتي هي نتاج طبيعي لهما . أما على المستوى الفردي فهي بتمليك الفرد المنهاج التعبدي الذي يمكنه من إدراك أن الوجود خير كله لا مكان للشر في أصله .. ولقد جاء القرآن ليوحد هذا الخوف، في الله وحده، ريثما يحررنا، بالعلم، من الخوف العنصري الساذج، وحتى من خوف الله .. ذلك أن من تحقق بالمعرفة الإلهية يعرف بأن الله يحب ويؤنس به . مستويات شهود الحق والحقيقة : إن مراتب تنزلات الذات الإلهية هي نفسها مراتب تنزلات القرآن وهي من جهة الذات تنزل ومن جهة العبد معراج ، وتحكيها الاية القرآنية الكريمة ((و بالحق أنزلناه ، وبالحق نزل، وما أرسلناك إلا مبشراً ونذيراً)) .. حيث أنزل الذكر من مقام جمع الجمع (مقام الاسم مما يلي الذات) ، إلى مقام الجمع وهو القرآن (مقام الاسم مما يلي الصفات) ، ثم إلى مقام الفرق وهو الفرقان (وهو مقام الصفة ومقام الفعل) .. هذه التنزلات حكاها أيضاً ثالوث التنزل : الله ، الأحد ، الواحد .. ومقام الفعل أعلاه مقام توحيد وأدناه مقام تعدد ، فمن شغلته المخلوقات عن الخالق فهو مشرك ، ومن رأى فعل الخالق من وراء فعل المخلوقات فهو موحد .. وأول مراتب تجليات الذات مما يلي العبد هي مرحلة وحدة الفعل (الواحدية) ، تليها مرحلة وحدة الصفة (الأحدية) ، تليها مرحلة وحدة الاسم (الله) ، ثم ما وراء ذلك إلا الذات الصرف .. والاسم (الله) هو متعلق الصفات مما يلي الخلق ، ولكنه مجرد إشارة إلى الذات الساذج الصرف مما يلي الذات .. والعبد المجود يشهد ربه على مستويين ـ كما اتفق للنبي الكريم في المعراج ـ : شهود أسمائي وشهود ذاتي .. فالشهود الأسمائي هو شهود تجليات الذات في الخلق في مرتبة الاسم والصفة والفعل .. أما الشهود الذاتي فهو شهود الله شهوداً ذاتياً وقد سقطت الوسائط والوسائل والغايات وخرج العبد عن الزمان والمكان وطمست ذاته المحدثة وبقيت ذاته القديمة في صلة مع القديم .. فلا تبقى إلا الوحدة في الشهود الذاتي حيث يكون الشاهد هو المشهود .. وهذا الشهود ليس بمقام وإنما هو إلمامة خاطفة وجمعية مستغرقة ((يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا)) .. في النص التالي من مقابلة (جون فول) مع الأستاذ (محمود) ، يشرح لنا الأستاذ (محمود) مفهوم الإتحاد بالله (أي التخلق بأخلاق الله) ومفهوم الوصول : ((At a certain stage along that ladder discord gives place to harmony and the inner conflicts cool down. The individual enjoys eternal bliss. This stage of progress marks what is called wusul. The Arabic word "wusul" literally means arrival. The Sufi, in his spiritual development, is exemplified, metaphorically, to the traveler who arrives at his destination after a weary and hazardous journey through the desert. That would be an oasis. It has its temptation for the traveler to prolong his stay. The spiritual oasis is even more temptatious. Many spiritual mediocre forget their eternal journey and happily settle down. To the great Sufi the stage of wusul only marks the beginning of unity with God. Unity with God means sharing with Him his attributes of perfection. Individualism is one of these attributes. The successful Muslim must enjoy absolute individual freedom. Here Islam ceases to be a religion. It becomes a way of life. It gives to every individual his moral code)) يتضح من النص أعلاه أن الطريق طويل وأنه عند (الوصول) لأول واحة على الطريق ينزع الكثيرون من السالكين من ذوي القدرات المتوسطة للاستراحة من عناء السفر ونصب خيامهم حيث أن تحقيقهم قد أفضى بهم لمستوى من التحقيق الروحي تم به تحقيق الانسجام بدلاً من الشقاق ، كما أن النزاع الداخلي قد خمد وبرد لظاه .. غير أن كبار السالكين المجتبين للمقامات الكبيرة لا يعتدون بهذا المقام ، حيث أن (الوصول) بالنسبة لهم يشكل بداية مشروع الاتحاد بالله (التخلق بأخلاق الله) والذي هو مشروع يبدأ ولن ينتهي .. ويمكن أن نقول قياساً على أدبيات الفكرة الجمهورية بأن هذه (الواحة) على طريق السفر تمثل (النفس المطمئنة) حيث أن كبت وكبح جماح الحيوان المتوحش داخل النفس البشرية قد أدى إلى ترويضه وتقييده بقيود عطلته ومنعته عن الحركة (وإذا العشار عطلت) ، لكنه لا زال موجوداً ينتظر من السالك المجود أن يستأنسه بدلاً من أن يكبته (وإذا الوحوش حشرت) ، فيوم حشرها هو يوم استئناسها وخروجها من سجن الكبت ! هذا ولقد تحققت معظم الولايات في مرتبة النفس (المطمئنة) ، فاشرفت على النفس (الراضية) وإن لم تبلغها مقاماً .. فمن يجتبيه الله للنفس (الراضية) فإنه يخرج بفضل الله من مرتبة النفس (المطمئنة) التي يركن إليها أغلب السالكين ، وعندها يتحرك الحيوان المكبوت وتنقسم النفس مرة أخرى .. غير أن حركة الحيوان في هذه المرة إنما هي حركة من أجل الاستيناس ، حيث تعمل النفس (الراضية) على فض كبت هذا الحيوان بالرضا بالإرادة الإلهية وشهود حقيقة الخير المطلق شهوداً ذوقياً .. ومن هنا جاء الأمر القرآني للنفس المطمئنة بقوله (يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية * فأدخلي في عبادي * وأدخلي جنتي) .. أي واصلي السير في طريق الرجعى دون الركون لمقامك حتى يتسنى لك دخول مقامات العبودية الكبرى المخصصة للنفس الراضية والمرضية .. ويعرف النص أعلاه الاتحاد بالله باعتباره مشروعاً للتخلق بأخلاق الله ، كما ندبتنا لذلك الآية القرآنية الكريمة (كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون) وكما حثنا أيضاً الحديث النبوي الشريف (تخلقوا بأخلاق الله إن ربي على سراط مستقيم) .. ومن هذه الأخلاق والصفات الإلهيه تجئ صفة (الفردية) كما جاء في النص أعلاه .. والتخلق بالفردية هو عمل في التفريد يعرج به السالك المجود إلى (الله ذي المعارج) وأول مراتب التفريد هي (الواحدية) وهي أن يصير السالك المجود واحداً فرداً لا ينقسم وتعني التفرد الذي لا يشبهه شبيه .. تليها مرتبة (الأحدية) وهي أوسط مراتب التفريد ، والأحدية هي الصمامة الداخلية والخارجية التي لا تنقسم لبراءتها من الأغيار ولخلوها من الفجوات ومن الفراغ وهي أعلى أخلاق الله .. والأحد هو الذي لم يجئ من مثله ولا يجئ منه مثله (لم يلد ولم يولد) .. وأعلى مراتب التفريد هو مقام الاسم (الله) ، وهو الذي يجل ويتعالى عن أن يكون له معنى ، ولكنه مما يلي الخلق هو متعلق الصفات ، ومما يلي الذات إن هو إلا إشارة إلى الذات الساذج الصرف .. هذا هو معراج التخلق بأخلاق الله وهو هو معراج الاتحاد بالله .. عليه فإن معراج الاتحاد بالله في الإسلام (التخلق بأخلاق الله) هو مشروع مستمر في الآن وفي الغد وفي البرزخ وفي الآخرة في الأبد وفي السرمد فيما بعد الأبد ، ذلك أنه سير نحو المطلق ، يقيد في كل يوم طرفاً من المطلق ويظل المطلق في إطلاقه ..
خاتمة : إن إدراكنا لواقع عصرنا وتطوره المذهل هو ما يعيننا على تصور الدور العلمي المستقبلي المرتقب للدين كما تبشر به الفكرة الجمهورية وبالشكل الذي ينهض به من مراقد العقيدة إلى مراقي العلم .. ولقد حاولنا أن نضئ من خلال هذه المساهمة بعض إسهامات الفكرة الجمهورية في مجال معرفة النفس البشرية ومنهجها المستبصر في تطوير الفرد البشري نحو الكمالات المدخرة له .. وهنالك الكثير الذي يمكن أن يقال في هذا الشأن ، إلا أنه يستحسن لهذه المساهمة أن تقف عند حجمها الحالي ، حتى يتوفر للقراء الوقت الكافي لقراءتها .
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة (Re: عشة بت فاطنة)
|
شكرا لك يا أستاذة عشة يا بت فاطنة على إيراد كتابة الأستاذ سعد أبو نورة.. ستري قصيدة لسعد، وتعليق الأستاذ محمود عليها، كل ذلك في مشاركة أكتبها في التعليق على الدكتور كرار التهامي في بوست آخر.. ويا ريت تقدري تجيبي سعد هنا..
وأنا أعرف أنه معكم في مدينة واحدة، فأرجو أن تقرأي سلامي عليه وعلى أسرته، وجميع الأحباب، الموجودين هنا والغير موجودين هنا..
سأضيف هذا البوست المتفرد إلى منبر الفكرة الحر لمزيد من القرّاء..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة (Re: عشة بت فاطنة)
|
سلام للجميع عندي بعض النقاط او الاستفسارات اود ان اطرحها لسعد الاستسفسار الاول عن فض الكبت الموروث والمكتسب
( وستدخل البشرية مرحلة كمالها منذ اليوم، وذلك بفض الكبت الموروث، والمكتسب، حيث تجئ مرحلة "الجسد والعقل المتسقين" .. ويومئذ، تدخل البشرية الحاضرة، مرحلة الإنسانية، حيث تتم وحدة البنية البشرية، التي عاشت منقسمة علي نفسها، طوال تاريخها الطويل.. ) اذا سلمنا بذلك وانه باستطاعة الانسان من فض كبته بشقيه فهذه العملية ارى انها لاتذهب بعيدا عن عمليه التسامي عند فرويد ، ثم اني ارى ان هذا الفض الجماعي يقع في حكم المستحيل لاختلاف البشر بالفعل حتى القران الكريم يؤكد ذلك كذلك التحرر من الخوف لان الحياة بطبعها كدوكدح-يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدح فملاقيه- وهذا التحرر يلزمه اتساق العقل والجسد -اي تطويع الجسد لارادة العقل ثم التدرج والصعود ومرحلة شهود الحق ، سؤالي هل المشاهدة تتم مع وجود الجسد ام مع الغياب والموت مع مقارنة ما نجده عندالاشراقيين ونظرية الفيض عند اين العربي او ابن سينا وابن طفيل كما لاحظت في حي اين يقظان تصبحوا علي خير بكر اواصل
| |
|
|
|
|
|
|
Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة (Re: عشة بت فاطنة)
|
الأخت عشة بت فاطنة
تحية المودة والاحترام
أعتقد أن أسئلتك ممتازة، وأقترح عليك أن تقومي بإرسالها للأخ سعد في إيميله الخاص إن كان لا يجد وقتا للبورد أو لم يتمكن من الاشتراك لأي سبب من الأسباب.. وعندما يجيبك في الإيميل يمكنك أن تنشري رده هنا.. لدي تعليقات على الأستاذ الكريم اسامة الخواض في مداخلته أدناه..
ولك الشكر مقدما..
ياسر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة (Re: عشة بت فاطنة)
|
Quote: ( وستدخل البشرية مرحلة كمالها منذ اليوم، وذلك بفض الكبت الموروث، والمكتسب، حيث تجئ مرحلة "الجسد والعقل المتسقين" .. ويومئذ، تدخل البشرية الحاضرة، مرحلة الإنسانية، حيث تتم وحدة البنية البشرية، التي عاشت منقسمة علي نفسها، طوال تاريخها الطويل.. ) اذا سلمنا بذلك وانه باستطاعة الانسان من فض كبته بشقيه فهذه العملية ارى انها لاتذهب بعيدا عن عمليه التسامي عند فرويد ،
|
شكرا الاخت عاشة والتحية للاخ سعد ابو نورة هذا المقال هو تكرار لافكار الاستاذ محمود الواردة في مقدمة كتاب رسالة الصلاة. وانا اعتقد ان هذه المقدمة من امتع نصوص الاستاذ واكثرها تماسكا داخليا ،حسب المنطق الداخلي للنص الذي يستند الي فكرة التاويل القراني لايات النفوس حسب تعبير الاستاذ. ولكن خارج هذا المنطق يواجه هذا النص بمحموعة من التساؤلات والتي من اهمها الملاحظة الذكية التي وردت علي لسان الاخت عاشة حين قالت الافكار الواردة حول توحيدالبنية البشرية،لا تذهب بعيدا عن فكرة التسامي عند فرويد! الحقيقة مجمل الافكار الواردة في مقدمة رسالة الصلاة ،حول الخوف والكبت وتوحيد البنية البشرية وتحقيق الكمال الانساني،لا تخرج عن نظريات فرويد ويونج واريك فروم ودر كايم ومجمل نظريات التحليل النفسي وعلم الاخلاق والدين وعلم الاجتماع. وقد اعاد الاستاذ محمود قراءة هذه النظريات بالمنطق القراني حسب تاويل القرآن الذي يدعو اليه .واستعمل نفس المصطلحات الواردة عند علماء التحليل النفسي مثل :خوف، كبت ،فض كبت ،نفس كاملة ،ونفس لوامة(سفلي) .
ايضا اشارة عاشة الي نظرية الفيض الالهي عند الفارابي ومن سبقه من فلاسفة الاغريق،في محلها, لكن الاهم هو نظرية المثل عند افلاطون،التي يعتبرها الدارسون اصل نظرية الانسان الكامل ،بل اصل التصوف الاسلامي والمسيحي وهي لا تختلف كثيرا عن فكرة التوحيد كما تطرحها الفكرة الجمهورية.
ارجوان يتسع لنا الوقت للعودة لتناول بعض النقاط الواردة في مقال الاخ ابو نورة خاصة فيما يتعلق بفض التعارض بين الدين والعلم في الفكرة الجمهورية.
عبدالمنعم عجب الفيا
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حول التحرر من الخوف والكبت (Re: عشة بت فاطنة)
|
فيما يخص الكلام عن التحرر من الخوف والكبت اسمحوا لي ان اورد هنا مقطع من مقال محمد محمد علي : "تكرموا بانزال الفلسفة من السماء الي الارض"في الرد علي الا ستاذ حول موضوع التحرر من الخوف،لعله يسهم في دفع النقاش
Quote: فأنت تقول : أن غاية التعليم أن يحرر الإنسان من الخوف ، وتحريره يكون " بتصحيح تلك الصورة الخاطئة الشائهة التي قامت في خلده عن الحياة وعن قانونها " . وللقارئ الحق أن يفهم أنك تدعو إلى التربية العلمية ، وإلى سيادة العلوم الطبيعية . فالعلم وحده هو الذي يستطيع بقدر ما وصل إليه من كشف ، أن يعطينا صورة صحيحة عن أصل الحياة وقوانينها ، وأن يقصى عن أذهاننا الصورة الأسطورية الشائهة . وهذا ما حدث بالنسبة إلى الطبيعة ، فإن خوف الناس منها قد زال بسبب تقدم العلم ، وتصحيحه لكثير من أوضاع التفكير وأساليب البحث . ولم يعد للخوف من الطبيعة أثر إلا في نفوس البدائيين .
غير أن القارئ لا يستطيع أن ينعم بهذا الفهم ، ويسير على الأرض مطمئنا يصغي إليك ، ويفهم منك ، بل يرى نفسه بالرغم من إرادته يبتعد عن الأرض ويدنو من السماء ، محمولا على جناحك الصوفي إلى عالم المثل الأفلاطونية . فيصبح الخوف شيئا غير الخوف الذي يعرفه ويصبح التعليم ضربا من الخواطر الصوفية الممعنة في الخفاء . وأحب أن أسأل ما الذي يخيفنا اليوم ؟ أما جوابي أنا فهو أننا نخاف العوز ونخاف المرض ونخاف العدوان على أنفسنا وعلى أرزاقنا . فإذا زالت أسباب الخوف بالرخاء والعدل والمساواة بين البشر في الحقوق والواجبات ، أمنا ورضينا بقسطنا من الحياة الحاضرة ، وزاد تشوقنا إلى حياة أقرب إلى الكمال ، وتطلع المؤمنون إلى رضوان الله وكرامته في حياتهم الأخـرى . والتعليم الصالح والتربية القويمة يجب أن يكون هدفهما القضاء على أسباب الخوف واعداد النفوس لبناء حياة تليق بكرامة الإنسان أما الخوف نفسه فلا يمكن أن تتحرر منه ما دامت أسبابه قائمة . ولكن الخوف الذي تتحدث عنه في خطابك شئ موروث ، كامن في أعماق النفس راسب في العقل الباطن ، محجب بستار كثيف لا ينفذ منه العقل الواعي … وهذا الضرب من الخوف لا يعنينا في مشكلة التعليم . وهو إذا كان معتدلا أمر لابد منه لحفظ ذواتنا من الكوارث ، وليس من الخير أن نستأصله استئصالا . فالخوف من الميكروب والخوف من الحريق … الخ أمر مهم وسلاح لابد لنا من حمله .
|
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حول التحرر من الخوف والكبت (Re: Agab Alfaya)
|
سلامللجميع وخطوة عزيزة تماضر وعجب الفيا وكل الشكر لمداخلاتكم الثرة اهو البوست يا دووب حيكون عندو طعم لطرح نقاط معارضة من تعميق الحوار والخروج بالنص من السطحية . راجعة للمواصلة ساواصل في مسالة التحرر من الجسد وفض الكبت ايضا
| |
|
|
|
|
|
|
Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة (Re: عشة بت فاطنة)
|
في بوست الأخ "نهار" عن تلك الهولندية التي تتساءل عن وجود الله كتبت تعليقا أود أن اضيفه إلى هذا البوست.. Re: سؤال محير عن وجود الله من صديقة هولندية]
Quote: لكن خليني كده أعلق الإعلان دا في بوستك، لأنه باين من شكلو كده حيدخلوهو ناس من نوع "إن وأخواتها".. "إن" هي تماضر.. وأيضا لا بد أن يدخل أناس من نوع "كان وأخواتها".. و "كان" هم الذين تسميهم تماضر "مداعبة" بالظلاميين.. وأسميهم أنا بالنقليين.. من مصلحة النقل الميكانيكي، وهم الذين يقولون بأن الدين نقل وليس عقل.. والفرق بين هؤلاء وبين الفكر الجمهوري هو أن الأخير يقول بأن الدين نقل وعقل.. الإثنين معا.. "نقل" في مسائل معينة، و "فكر" في مسائل معينة.. ومسألة وجود الله من عدمه مسألة "فكر".. النقل لا يجدي فيها..
سيقول لي الناقل أن القرآن نزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة الملك جبريل.. وهذا أمر منقول ولكنه لا يقنع غير المؤمنين به.. الناقل المسيحي يقول للناس أن المسيح قتل وقام من الأموات.. وهذا أمر منقول لا يقنع العقول، بالطريقة العادية، ولا يقبله غير المؤمنين بالمسيح على هذا الفهم.. الناقل المسلم يقول للمسيحي بأن المسيح لم يقتل وإنما رُفع حيا إلى السماء، وهذا أمر منقول من فهم بسيط من القرآن بصورة مباشرة، ولكنه لا يقنع العقول التي لم تر مثل هذه الأشياء إلا في الأفلام الخيالية.. |
أعود الآن للإعلان [والإعلان لا داعي لنقله الآن لأنه منقول في هذا البوست]
وسوف أعود لسؤال الأخ أسامة انطلاقا من هذا التعليق بعاليه..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة (Re: عشة بت فاطنة)
|
الاخت العزيزه عائشه بت فاطنه لك الود ولللاخ المفكر سعد ابونوره علي هذه المائده الدسمه.والتي نهمت منها ما استطيع هضمه وفي النفس متسع الا ان هنالك شيئين حالا دون استمرار ذلك الهضم. اذا تكرمتي توضيحهمالكي تعم الفائده علي الجميع وكي يتسني لي ايضا اعاده البوست مره ثانيه لان الموضوع غايه في الاهميه وهو جوهر بل مفتاح لوحده البنيه البشريه بل هو اداه من ادوات الاقناع العلمي الصرف والشيئين هما:- 1-المجتمعات سبقت الاديان ازي. ( ما شان سيدنا ادم هو اتي بدين وكان ليه شرعه الخاص بزمانه, نعم هنالك اوادم كثيرون ولكن اود ايضاح مبسط لموضوع الاوادم ايضا). 2-الحواله ماهي وكذلك ماهو قانون المعاوضه (هذا الشق الاخير من السؤال خارج عن الموضوع ولكن يسرني ايضاحه). وفي الختام الشكر لكي ولكل الاخوه الذين ساهموا في هذا البوست الشيق. واسف للاقتحام.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة (Re: عشة بت فاطنة)
|
الأاخت العزيزة عشة ، الاخوان المشاركين سلام سلام هذا هو رد الاستاذ سعد أبو نورة وقد كلفنى مشكورا بنقله لكم ، وأرجو منه أن يداوم ، وان يشترك فى البورد ليثرى ساحة الحوار عندنا وإلى الرد:
أود في البداية أن أشكر اعضاء المنبر على كل المداخلات التي جاءت من الأخوات عشة بنت فاطنة ودوما وتماضر والأخوان د. ياسر الشريف وصديق عبد الله وأسامة الخواض وعجب الفيا وعبده عبد الله ومحمد آدم . وأعتذر عن تأخري في الرد بسبب قراءتي المتأخرة لكل هذه الردود ، آملاً أن أنضم إلى منبركم في أقرب وقت متاح ، مما يتيح لي فرصة المشاركة الحية والفعالة في كل القضايا المطروحة . وسوف أحاول أن أرد على كل هذه التعليقات بشكل وافي مبتدئاً بالرد على الأخ أسامة الخواض في قوله بأن (هذا البوست يدافع عن أفكار الأستاذ محمود ولا يضيف كما عودنا الجمهوريون دائماً ، ولا يحتوي على أي أفكار نقدية) .. ذلك أنني لم ألتزم الفكرة الجمهورية إلا عبر تجربة نقدية عميقة عبرت عنها في مساهمة سبق أن تم نشرها في صالون الجمهوريين أوردها هنا بنصها : ((لقد قام تكويني الفكري في فترة زاهرة من أيام شبابي الباكر على تفكير علماني محض كان يبحث عن قيمة إنسانية دافئة جديدة افتقدت وجودها في الطقوس الدينية السلفية التقليدية القائمة على تغريب (الإله) عن ذات الإنسان! ومن ثم فلقد كنت أبحث عن فلسفة بروميثيوسية تكون مثل (بروميثيوس) بطل الميثولوجيا الإغريقية والذي قام بسرقة النار المقدسة من الآلهة وأعادها للإنسان مما جعل الإله يعاقبه بجعل الغربان تنهش كبده! ذلك أن الإله كما صورته لنا العقيدة السلفية قد كان يستحوذ على نار المعرفة المقدسة ويحرم منها الإنسان! ولقد وجد هذا التوق المعرفي ضالته في الفلسفات الغربية وفي قمتها الماركسية! ثم في مرحلة لاحقة أيضاً ضاق بي التحجر العقائدي للمدارس الماركسية التقليدية ونزعت نفسي لتوجهات راديكالية جديدة في الفكر الماركسي لم تجئ من خلف الستار الحديدي للدول الشيوعية ، وإنما جاءت من مجتمعات الحرية في الدول الرأسمالية الغربية! وكان حداة هذا التوجه الجديد يدعون لتطعيم الماركسية بدم جديد يضع في اعتباره التقدم الكبير الذي تحقق في مجالات علم النفس داخل الدول الرأسمالية ، هذا العلم الذي قعد به العسف الستاليني في الحدود الضيقة لتجارب (بافلوف) في الاستجابات الشرطية! هذا ولقد كانت الفرويدية ومدارس الفرويدية الجديدة قد رسخت لنفسها مكاناً عتيداً في الأروقة الأكاديمية والثقافية في الغرب ، مما جعل الكثيرين من منظري المدارس الماركسية الجديدة يضعونها في إعتبارهم ، بل أن (هربرت ماركيوز) طور مفهوماً أسماه (فائض الكبت) يوازي مفهوم ماركس الخاص بـ (فائض القيمة) ، وذلك بتطبيق قوانين الدياليكتيك الماركسي على علم النفس الفرويدي! هذا ولقد اعتمد منظرو هذه الاتجاهات الجديدة وقتها أمثال هربرت ماركيوز وويلهلم رايخ وإيرنست فيشر وروجيه غارودي وحتى جان بول سارتر في بعض كتاباته ، اعتمدوا على كتابات كارل ماركس في أيام شبابه الأولى والتي أسميت (مخطوطات باريس) والتي ، كان فيها ماركس الشاب أقرب للهيجلية منه للماركسية ، وذلك قبل أن يلتقي بفريدريك إنجلز ، ذلك اللقاء الذي أسماه جان بول سارتر (اللقاء الملعون)! ولقد راق لحداة هذا التوجه الجديد مفهوم ماركس الشاب عن (الإستلاب Alienation) ووجدوا فيه تعبيراً مكثفاً لحالة الإغتراب التي يعيشها المثقفون في المجتمعات الرأسمالية في ظل التشيؤ السلعي (Commodity Objectification) للقيم الإنسانية ، حيث أصبحت هذه القيم سلعاً يتحدد سعرها وفقاً لقانون العرض والطلب للسوق الرأسمالية! ولقد كنت أظن وقتها أنني قد اكتشفت الفلسفة التي تعبر عن تطلعي لقيم إنسانية وأخلاقية وجمالية جديدة تعيد للإنسان النار المسروقة منه ، وكانت تلك هي المرحلة من التطور الفكري التي كنت عليها قبل أن تزداد معرفتي بالفكرة الجمهورية في الجامعة وقبل أن ألتقي ولأول مرة في حياتي بالأستاذ! ولقد كان لي بعض المعرفة بالفكرة الجمهورية من خلال أستاذي في المدرسة الثانوية الأخ (خالد الحاج) ومن خلال علاقتي بالأخ (متوكل)! وفي أحد هذه الأيام اللاحقة والتي كنت فيها مزهواً باكتشافي لماركس الشاب وأثناء قراءاتي لكتاب لايرنست فيشر عن ماركس الشاب ، قيض لي الله أن ألتقي بالأستاذ في منزله وذلك عبر دعوة موجهة من الأخ (دالي) والأخر (عمر القراي) حيث تطورت علاقتي بهما كأحد مرتادي ركن النقاش في الجامعة ! هذه البداية البسيطة لمعرفة الأستاذ شخصياً ، تطورت لأن تصبح إلتزاماً واضحاً بالفكرة حين تبين لي حبه الشخصي للإنسان من حيث هو إنسان وحرصه على تقديم الخير له ! وكانت القنطرة التي عبرت بها من الماركسية الجديدة إلى الفكرة الجمهورية هي نفسها مفهوم الإستلاب أو الاغتراب ، حين أدركت مستوى جديداً لهذا الاغتراب هو الاغتراب عن الذات الإلهية ! وقتها أدركت إلهاً جديداً يمكن عن طريق الحب الحصول على النار المقدسة منه دون الحاجة لسرقتها ، ذلك أنه لا يستحوذ على النار المقدسة لنفسه فقط وإنما يسعى لترقيتنا حتى نتأهل لمستوى استحقاق هذه النار المقدسة! ولقد أراد الله أن تحتل النسخة الإنجليزية لكتاب ايرنست فيشر ذاك مكاناً مرموقاً لها في دولاب الكتب بغرفة الأستاذ الخاصة كهدية من جانبي له ، وكدلالة على انطواء مرحلة من مراحل حياتي الفكرية ! ولقد أكدت لي تجربتي الذاتية في الممارسة في الفكرة وفي توثق علاقتي بالأستاذ مدى عظم الفكرة الجمهورية وأكثر من ذلك كله مدى تفرد الأستاذ كمفكر وإنسان ، مما لا يملك المرء معه إلا أن يحمد الله على فضله في أن جعله أحداً ممن شهدوا في وهج هذا العصر ذلك الكمال الفريد المسمى (الأستاذ محمود)!))
أكثر من ذلك فإن إلتزامي للفكرة الجمهورية لم يلغي عندي أي فضول معرفي للبحث عن الحقيقة وإلتزامها بشكل يتخذ حالة الجدل اليومي مع كل فكر مطروح في عصرنا الراهن .. ومن أمثلة هذا الجدل اليومي في ديار مهجرنا هنا في الخليج إطلاعي على تراث الفلسفات الهندية القديمة بكل تجلياتها الثيوصوفية في الهندوسية واليوغا والبوذية وإدارة حوار مع أتباع هذه الفلسفات يسعى للإستماع لوجهة النظر الأخرى بعقل وقلب مفتوحين .. لكن تلك قصة أخرى ربما أرجع للحديث عنها في بوست مستقل ! خلاصة الأمر أن الجمهوريين لم يتحدثوا قط عن (اصالتها المطلقة وإخراجها من التاريخ) كما أشرت .. ذلك أن أكثر ما يميز الفكرة الجمهورية هو إنفتاحها على التطور والتجديد وتمييزها بين ما هو ثابت وما هو متحول (تاريخي) في المعرفة البشرية ((فالأصل في الرسالة الثانية الحيوية والتطور والتجدد ، وعلى السالك في مراقيها أن يجدد حياة فكره وحياة شعوره كل يوم ، بل كل لحظة من كل يوم وكل ليلة .. مثله الأعلى في ذلك قول الله تبارك وتعالى في شأن نفسه(كل يوم هو في شأن) ثم هو "لا يشغله شأن عن شأن")) الأستاذ (محمود) ـ الرسالة الثانية من الإسلام .. ولعل من أسميتهم أعداء الفكرة الجمهورية الذين (يحاكمونها من الماضي) لهو أنصع دليل على روح الفكرة التجديدية التي واجهت بها الفكر الديني السلفي وأعلنت بشجاعة أن الشريعة الإسلامية غير صالحة لعالمنا اليوم .. أليس الدعوة لتطوير التشريع بالإنتقال من النصوص المدنية للنصوص المكية هي بسبيل من التأكيد على تاريخية أي معرفة ، حتى ولوكانت نص ديني . وأنت تقول أخي أسامة بأن (المسألة هنا كما أرساها الخطاب الجمهوري ليست معرفية فقط وإنما روحية) ، وأنا أقول أن ما أسميته بالروحية هي أيضاً شكل من أشكال المعرفة ، غير أن المعرفة الروحية لها منهج ووسائل معرفية يتوسل بها لتحصيلها ، وهي تختلف فقط إختلاف مقدار عن وسائل المعرفة العلمانية المعروفة لدينا وكما تكرم الأخ د. ياسر فأبان بأن الروح والمادة هما مظهران لحقيقة واحدة ، فالمادة روح في حالة من الذبذبة تتأثر بها حواسنا ، والروح مادة في حالة من الذبذبة لا تتأثر بها حواسنا . هذا الأمر لا يقول به الدين فقط و إنما يقول به العلم التجريبي المادي في فيزياء إينشتاين وما بعد إينشتاين منذ أن ثبت بأن المادة ليست هناك وإنما هي طاقة يعرف مظهرها ولا يعرف كنهها .. هذا الأمر قد يقودنا للحديث عن نظرية المعرفة في الفكرة الجمهورية ، ولكني أكتفي هنا بالإشارة إلى أن منهج المعرفة العلماني وهو منهج (عقل المعاش) ، غير قادر على فض أسرار الدين ، إلا إذا تهذب وفقاً لمنهاج السلوك في تقليد النبي صلى الله عليه وسلم .. فإذا ما تأدب العقل بأدب الشريعة وأدب الحقيقة ، جاز من المعاش إلى المعاد وأصبح (عقل معاد) يتميز بالتفكير العلمي القادر على فهم الدين .. هذا مشهد من عبارة الصوفي النفري (كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة)! وهو أيضاً مشهد من قول الشيخ الأكبر (إبن عربي) : مجانين إلا أن سر جنونهم عجيب على أعتابه يسجد العقل
وحين يقوم (عقل المعاد) بنسف عقل المعاش يتحقق معنى الآية الكريمة (يسألونك عن الجبال قل ينسفها ربي نسفا) .. والحق أن التخوم المعرفية التي يطالها (عقل المعاد) تبدو غريبة لأصحاب (عقل المعاش) ، كما بدت يوماً غريبة لأهل قريش حين وصفوا النبي الكريم بالجنون ، فبرأه القرأن بقوله (ما أنت بنعمة ربك بمجنون)!
أما بالنسبة للحديث عن العلم اللدني فأعتقد بأن في إجابة الأخ د. ياسر ما يغني عن الإعادة !
هنالك أيضاً حديث من الأخت عشة بنت فاطنة عن أن الأفكار الواردة في توحيد البنية البشرية لا تذهب بعيداً عن فكرة التسامي عند (فرويد) الأمر الذي يوافقها فيه الأخ عبد المنعم عجب الفيا .. ويضيف الأخ عبد المنعم بأن هذه الأفكار (لا تخرج عن نظريات فرويد ويونج وأيريك فروم ودركايم ومجمل نظريات التحليل النفسي) .. كما تشير الأخت عشة بنت فاطنة إلى أفكار الإشراقيين ونظرية الفيض عند أبن عربي ويوافقها الأخ عبد المنعم مضيفاً إلى قائمة التشابه الفكري أيضاً (نظرية المثال عند إفلاطون التي يعتبرها الدارسون أصل نظرية الإنسان الكامل ، بل أصل التصوف الإسلامي والمسيحي). عليه فإنني أحب أن أقرر حقيقة توحيدية مهمة ، وهي أنه يوجد معلم واحد في هذا الكون هو الله ، وهو قد علم الإنسان من حيث هو إنسان ما لا يعلم .. عليه فإن بعض حقائق الوجود العلمية التي يتشارك المفكرون في معرفتها ، إنما تدل في النهاية على حقيقة أن المعلم واحد .. ولقد ذكر القرآن الكريم عن أن بعض علومه قد حوتها الكتب السماوية السابقة (إن هذا لفي الصحف الأولى ، صحف ابراهيم وموسى) .. وقال السيد المسيح لبني إسرائيل (لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء .. ما جئت لأنقض بل لأكمل ) ، إشارة إلى أنه لم يجئ لكي ينقض المعرفة التي جاء بها موسى عليه السلام قبله . كذلك أحب أن أقرر بأن المنهج الذي إلتزمه الأستاذ (محمود) في تحقيق المعرفة لم يقم على التحصيل الكسبي لعلوم من سبقوه ، وإنما قد قام على العمل في تقليد النبي الكريم بقيام ليله وإظماء نهاره عملاً بالآية الكريمة (واتقوا الله ويعلمكم الله) والحديث النبوي الشريف( من عمل بما علم ، علمه الله ما لا يعلم) أي من عمل بما يعرفه من الشريعة من عبادات ، علمه الله علوم الحقيقة.. وأحب أن أبين للأخ (عبد المنعم) بأن المصطلحات الواردة عند علماء التحليل النفسي مثل خوف ونفس كاملة ونفس لوامة وغيرها قد استعملها القرآن الكريم قبل (فرويد) حيث تحدث القرآن قبل أكثر من أربعة عشر قرناً عن النفس الأمارة والنفس اللوامة والنفس الملهمة والنفس المطمئنة والنفس الراضية والنفس المرضية والنفس الكاملة.. فأين ذلك كله من حديث (فرويد) عن (النفس) و(الأنا) و(الأنا الأعلى) ؟ والحق أن (الفرويدية) عندما عجزت عن إكتشاف آلية علمية لفض الكبت ، جعلت من عجزها فضيلة فراحت تتحدث عن (غريزة الموت) وقدرة التدمير الذاتي عند الإنسان .. والحق أنه كما أبانت الفكرة الجمهورية فإن الغريزة الأساسية للإنسان هي غريزة (الحياة) والتي تعتبر (الغريزة الجنسية) هي أكبر تعبير عنها.. إن نظرية التسامي عند (فرويد) معنية بآليات التصالح مع القمع الإجتماعي ولا يتسع أفقها لإستشراف الآفاق الرحيبة لمعرفة النفس البشرية كما طرحتها الفكرة الجمهورية ومنهجها لفض الكبت .. وأورد هنا النص التالي من كتاب (القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري) للأستاذ (محمود) تدليلاً على ذلك : (( والعقل لما كان ممدوداً بالوحي ، فقد أصبح مفتوحاً على النفس العليا .. وهو، لما كان مقيداً بالشرع ، فقد أصبح مسيراً إلى النفس العليا .. والكبت ، في منطقة ما بين العقل والقلب ، يقع في سبعة طبقات ، وهي ما سميت بالنفوس السبع .. أدناها للقلب الأمارة .. فإذا سارت شوطها ‘لى أن ردها العقل ، وحال بينها وبين تنفيذ أمرها بالسوء ، إنكسرت موجتها ، فأخذت في طريق العودة .. وهو طريق غير طريقها الذي سلكته أولاً ، ولكنه مواز له .. وعند إنكسارها راجعة تكون في مرتبة النفس اللوامة .. ثم هي إذا وصلت إلى حاشية القلب تكون قد قطعت مراحل الملهمة والمطمئنة والراضية والمرضية ، وأصبحت في موازاة النفس الأمارة ، غير أن منزلتها هي منزلة النفس الكاملة .. ومع ذلك ، فهي ليست في سويداء القلب ، وإنما على حواشيه .. وتطلب في ترقيها زيادة كمالها ، كل حين ، وهي كلما كملت ، قربت من سويداء القلب .. وفي السويداء كمالها المطلق .. وسيرها إلى كمالها المطلق سير سرمدي ، لا ينقضي .. وكمال النفس المطلق في وصولها عائدة إلى نفس الله ، حيث تنزلت أول أمرها .. وفي سويداء كل القلوب ذات الله ، قلوب الأحياء ، وقلوب الجمادات ـ مراكز ذرات المادة ))
أما بالنسبة لمفهوم الإنسان الكامل فهو مفهوم قد داعب خيال كل الأديان والفلسفات بدءاً من روحانيات الشرق وإنتهاء بالأديان السماوية ، إلا أنه قد وصل قمة نضجه في الفكرة الجمهورية . .. لقد ظل مفهوم الإنسان الكامل يعبر عن التوق الإنساني لتحقيق الكمال ، فالهندوسية وهي أقدم دين معروف على الأرض وقبل أكثر من ستة آلاف سنة قبل الميلاد قد تحدثت عن مفهوم الإنسان الكامل وأطلقت عليه اسم (AVATARA) .. وكتاب الأوبانيشاد (Upanishads) وهو أحد كتب الهندوس المقدسة قد صنف مراحل النمو الروحي للإنسان والتي تتوج بمرحلة الإنسان ـ الإله أو ما يعرف في الهندوسية باسم الأفاتارا (Avatara) وهي كلمة سنسكريتية (إحدى اللغات الهندية القديمة) وتعني (Descent) أي منحدر من سلالة ، ويبدو أن في ذلك إشارة لنسبه الإلهي .. هذه المعرفة قد كانت متاحة قبل مجئ إفلاطون نفسه .. وكما قلنا فإن المعلم واحد ، والمحك في ذلك أن الفكرة الجمهورية قد تحدثت عنه بتفصيل لم يتوفر لدى كتاب الأوبانيشاد أو إفلاطون أو غيرهم .. أكثر من ذلك فهي قد رسمت السبيل لتحقيق مجيئه بصورة لم تتوفر لغيرها من الفلسفات الأخرى وبشرت بمجيئه ، حيث أن جرثومة الإنسان الكامل كامنة في كل نفس بشرية من حيث هي نفس بشرية .. ولقد جاء في إهداء كناب (القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري) قول الأستاذ (محمود) التالي : (( إلى الذي ظلت البشرية تنتظره وتترقب ظهوره .. إلى الإنسان! ثم .. إلى الرجال والنسوان ، هل تحلمون به؟؟ إنه فيكم! يظهره القرآن))
والإنسان الكامل في الفكرة الجمهورية هو تنزل الذات لمقام التجسيد وهو أول قابل لتجلي الذات الإلهية المطلقة .. وهو ليس مطلقاً ولكنه صاحب نصيب في الإطلاق بما يؤول إليه أمره ، فيدخل طرفاً من الإطلاق إلى القيد وذلك كلما ترقى نحو الإطلاق ولكن يظل الإطلاق في إطلاقه .. وهو ليس مطلقاً لأنه محتاج إلى المطلق (للذات الإلهية) .. والإنسان الكامل في الملكوت ، ونحن نحاول أن نحققه في الأرض . وعندما طلبت قريش من النبي صلى الله عليه وسلم أن ينسب لهم ربه نزلت سورة الإخلاص (قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفواً أحد) .. ففصلت هذه السورة القرآنية الكريمة النسب الإلهي للإنسان الكامل (مقام الإسم) خير تفصيل .. ذلك أن مقام الاسم (الله) له نسبتان : نسبة إلى القيد حكتها الآية (قل هو الله أحد) ، وهي مقام الاسم من حيث هو متعلق الصفات مما يلي الخلق (القيد) وهذه مرتبة الأحدية .. أما النسبة الأخرى فهي نسبة إلى الإطلاق حكتها الآية (ولم يكن له كفواً أحد) وهي مقام الاسم من حيث أنه مجرد إشارة إلى الذات الساذج الصرف مما يلي الذات ، فمن حيث نسبته إلى الإطلاق هذه (لم يكن له كفواً أحد) ، أي لا يكافئه وصفاً بأن نصفه بأنه (أحد) ، ذلك أنه يصبح مطلقاً بلا وصف ولا كيف .. ولقد جاءت سورة الإخلاص الكريمة بهذه النسب الإلهي الشريف بصورة معجزة جمعت بين إثبات الوصف له (قل هو الله أحد) وبين نفي الوصف عنه (ولم يكن له كفواً أحد) .. فالحقيقة بين النفي والإثبات ، ذلك أنك إذا نسبت مقام الاسم (الله) إلى الإطلاق فقط ، فقد ضللت .. وإذا نسبته للقيد فقط فقد ضللت ، فلا يستقيم وصفه إلا بالجمع بين هاتين النسبتين للإطلاق والقيد معاً وفي نفس الوقت ! لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا النسب الإلهي للإنسان الكامل (مقام الاسم الله): (لكل شئ نسبة ونسبة الله قل هو الله أحد الله الصمد) ..
كذلك تعتقد الأخت الكريمة عشة بنت فاطنة بأن الفض الجماعي للكبت مستحيل بسبب إختلاف البشر وأن القرآن يؤكد هذا الإختلاف .. وأنا لا أختلف معها في هذه الناحية ، ذلك أنه لا يوجد فض جماعي للكبت ، وسوف يكون دور المجتمع هنا إعداد المسرح الذي يمكن الأفراد من تحقيق التحرر من الخوف والكبت وذلك بإقامة المجتمع الإشتراكي الديمقراطي الذي به يتم تحرير الإنسان من الخوف .. لكن يظل عبء التحرر من الخوف الموروث والمكتسب ومن الكبت بكل صوره يقع على عاتق الأفراد في مجهودهم الفردي في العبادة وتحصيل العلم بأصل البيئة الطبيعية والإجتماعية التي كان الجهل بها سبباً في نشوء الخوف والكبت . وكدح الإنسان الذي تحدثت عنه هو نفسه الطريق للتحرر من الخوف ، فكل إنسان سوف يكدح إلى ربه كدحاً حتى يلاقيه ، أي يلاقي الله ، وملاقاة الله لاتكون في الزمان والمكان ، وإنما هي بتقريب الصفات من الصفات ، تقريب صفات العبد من صفات الرب ، وتلك هي نفسها التخلق بأخلاق الله والتي بها يتم التحرر من الخوف (تخلقوا بأخلاق الله إن ربي على طريق مستقيم) كما جاء في الحديث الشريف .. فالإستقامة هي هي مرتبة الوجود الكامل الذي لا يتوزعه الوهم بين ماضٍ قد انقضى ومستقبل غائب لم يحن بعد .. وذلك هو الوجود المتحرر من الخوف في كل صوره .
تتساءل الأخت عشة بنت فاطنة أيضاً عن أن (هذا التحرر يلزمه إتساق الجسد والعقل أي تطويع الجسد لإرادة العقل ، ثم التدرج والصعود لمرحلة شهود الحق) .. ثم تتساءل أيضاً (هل المشاهدة تتم مع وجود الجسد أو مع الغياب والموت) ! والحق أن الخطوة الأولى في السلوك تقوم على سيطرة العقل على نزوات الجسد ، فإذا قام العابد المجود بالكبت الواعي لنزوات جسده عبر السير في طبقات العقل من النفس اللوامة والملهمة والمطمئنة والراضية ، فإنه يكون قد قام بعقلنة جسده ، وبذلك يعود الحس والشعور لكل الجسد ببروز الحاسة السادسة ، فيقوى العقل ويستحصد ويوحد معطيات الحواس الأخرى حتى يكون بقوة هذا التوحيد لدى إدراكه لكل شئ ، كأنه يحسه ويسمعه ويراه ويذوقه ويشمه في أنٍ واحد .. ولقد كان النبي الكريم يقول لأصحابه في الصلاة : اصطفوا فإني أراكم من وراء ظهري .. فهو لم يكن يرى بحاسة النظر فقط ، بل كان يرى بكل ذرة من ذرات من جسده .. ولقد اشار لهذا الأمر سلطان العشق الإلهي (ابن الفارض) حين قال :
حـــتى إذا ما تــدانـــى الميقات في جمع شملي صارت جــبالي دكــــاً مــن هــيبة المتجـــــلي وصرت موسى زماني مذ صار بعضي كــــلي
(جمع شملي ) تعني توحيد قلبه وعقله وجسده .. (صار بعضي كلي) ، في مستوى تعني صار كله عقلاً ، فإن (موسى) هو رمز العقل في آيات النفوس.. وفي مستوى آخر تعني ايضاً صار كله قلباً ، وهي مرحلة الشهود الذاتي ، حين تطمس من العبد ذاته الحادثة وتبقى ذاته القديمة في صلة مع القديم .. والمشاهدة تتم لبعض العبيد المجودين وهم في هذه الحياة الدنيا وذلك بفضل الله عليهم .
أشارت الأخت تماضر وبكل شفافية لفكرة الفناء في الذات الإلهية ، ونحن في ذلك إنما نفني نقصنا في كمالها. و(إفناء الذات في الله) هو الأمر الذي اتفق للنبي الكريم في بدء بعثه حتى ظهر عليه من الوله ما ظنه الناس جنوناً ، فبرأه الله مما قالوا : (ن والقلم وما يسطرون * ما أنت بنعمة ربك بمجنون) .. وهو عليه الصلاة والسلام قد قال (لي ساعة مع الله ، لا يسعني فيها ملك مقرب ، ولا نبي مرسل) وهو عينه إفناء الذات البشرية في الذات الإلهية في جمعية مستغرقة للحادث في القديم .
تساءل ايضاً الأخ محمد آدم عن موضوع سبق المجتمع للأديان وعن الأوادم الذين ظهروا قبل ظهور آدم أبو البشر المعاصرين .. والحق بأن القرآن قد اشار لهؤلاء الأواد م حين تحدث عن إعتراض الملائكة على خلافة البشر على الأرض (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) .. ولقد عارض الملائكة في اتخاذ الله الخليفة من سلالة الطين قياساً على سابق علمهم المستمد من تجاربهم مع الأوادم السابقين .. وبهذا فإن السلالات البشرية (الأوادم) التي سبقت أدم أبو البشر قد شكلت المجتمعات التي سبقت الأديان .. أما فيما يخص تساؤلك عن قانون المعاوضة .. فأجيب باختصار بأن هنالك قانون معاوضة في الحقيقة قوامه قوله تعالى (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) .. كما أن هنالك قانون معاوضة في مستوى الشريعة قوامه قوله تعالى (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ، والعين بالعين ، والأنف بالأنف ، والأذن بالأذن ، والسن بالسن ، والجروح قصاص ، فمن تصدق به فهو كفارة له ، ومن لم يحكم بما أنزل الله ، فأولئك هم الظالمون) .. وليس المقام هنا مقام تفصيل !
ختاماً اشكر كل الأخوة المشاركين في المداخلات والتعليقات!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة (Re: عشة بت فاطنة)
|
مواصلة وإتجهت محاولاتهم لوضع الأسس الكفيلة بتحرير الإنسان من الكبت الإجتماعي الإضافي .. والحق أن تعثر المحاولات في هذا الجانب تشير إلى عجز أساسي في فهم النفس البشرية وغريزتها الأساسية المتمثلة في الحياة وفهم الدور المرحلي للكبت مما ورد مفصلاً في الفكرة الجمهورية .. لقد فهمت الفرويدية أن الكبت هو شر كله ، في حين توفر للفكرة الجمهورية بمنظارها التوحيدي أن تفهم الدور المرحلي للكبت في تطوير الفرد والمجتمع في هذا فهم يؤ كد تعثر المحاولات التى- سبقت الفكرة الجمهورية- ، سعت لوضع الاسس الكفيلة بتحرير الانسان من الكببت وفيها هجوم على الفرويدية بالذات بانها فهمت الكبت بانه شر كله في حين آن فرويد قال بتوظيف الطاقات البشرية وعملية التسامي مثال لذك ، وارجو آن لا يفهم كلامي على انه وقوف الى جانب فرويد ، بل العكس انه لا يروق لي ولا يقنعني احتمال لنظريته القاصرة بان المراة كائن ناقص او رجل ناقص ، كذلك ليس رفضا كليا لطرح الفكرة الجمهورية فيما يخص فض الكبت ، فالفكر الانساني بجميع مجالاته ملك للانسانية ومن حق كل مفكر آن يطور ه ويستفيد ن من بحره ، ولكن عندما تقوم الفكرة الجمهورية بانها اوجدت شئ دون الرجوع لما قبلها ولنقارن بناء نظرية فض الكبت عند الجمهورريين وايضا عند فرويد فلا نجد أي اختلاف .. ولقد تجاوزت الفكرة الجمهورية الفهم السطحي لعملية فض الكبت ، كما هو عليه الحال في التفكير العلماني الدعي لتحرير الغرائز ، وأبانت الفكرة بشكل علمي بأن التحرر من الكبت يجئ في خطوتين : خطوة في الكبت الواعي وخطوة في فض الكبت ، وأبانت الديباجة السبيل إلى ذلك في النص التالي (.. وستدخل البشرية مرحلة كمالها منذ اليوم، وذلك بفض الكبت الموروث،والتحليل النفسى عند فرويد او التحليل النفسى لللحضارة عنده مبني على الحرمان او الكبت وهذا تشابه اخر ولقد ارجع فرويد في الطوطم والتابو اصول الدين والاخلاق والفن الى عقدة اوديب أي وجود الرغبة والتحريم كقدر ملازم للانسان ، ومن هنا كان رد فرويد على المراة التى سالته عن تربية ابنها فرد عليها بهذه الحتمية اذ لا مفر للانسان من آن يهرب من قدره ، وانا شخصيا لا ارى آن الحضارة هي تقشف وهروب من الجسد وتوتراته بقدر ما انه يتحتم على الانسان المتحضر آن يعيش حياته ، وكما امرنا الله تعالى – كلو من طيبات ما رزقناكم كذلك لم يحرم على الاسان آن يمارس الجنس او يستمتع بحياته انما نظم هذه الرغبات ورشدها لمصلحة البشرية صحيح آن الانسان عليه آن يقدم بعض التنازلات ويدير حياته وفق الشروط الحضارية ، ولكن هذا ايضا لا يتعارض مع مبدا السعادة اواللذه بل مقابل ما يتنازل عنه يحصل على حفظ وحماية نفسه وجماعته ويصون حقوقه من أي عناصر متعدية
وفكرة الانسان كائن قلق لا يستقر في الحاضر اعتقد ان هذا شان الانسان اذا ان رجوعة الى الماضى لاستدراك العبر والاستفاده من العلوم والتاريخ لفك معضدلات الحاضر وبناء المستقبل وتطوير العلوم . وهذا لا يلقى ان نعيش في الحاضر اذا كان قصدك تحقيق الانسان الكامل من استغراقه في الحاضر كيف تكون عجلة التطور وكيف يتم ذلل ؟ بدون عدالة اجتماعية وتوزيع عادل للثروات وديمقراطية تحفظ للفرد كرامته لا نستطيع ان نتحدث عن كمال او سعادة ومع غياب هذه الاساسيات يصعب على الفرد ان يعيش اي سعادة راجعة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة (Re: عشة بت فاطنة)
|
يبدو اني ساحاور نفسى في كتاب وهم وقلق الحضارة لفرويد ، يضعنا فرويد في ازمة حقيقية بتشائمه باستمرار المظالم والعداء الناتج عن الظلم الحسد والتنافس الاقتصادي والجنسي مهماكانت ظروف الحضارة وشروطها ، يعني الطريق مسدود بينما الفكرة الجمهورية تبشرنا بالانسان الجديد الذي يتحرر من احباطاته وكبوته عن طريق فض الكبت وتجويده ؟ ،لكن كيف يصل هذا الانسان بواقعه البومي وبؤسه ، مع ظروف الهيمنة الامبرياليه في ظل العولمة وعصر الفضائيات وضياع ملامح شخصيات الشعوب المستضعفة ، بجانب القهر الذي تمارسه الحكومات العسكرية المفروضة ومصادرة الاجساد بالسجن والقتل والتعذيب والاغتراب عن الذات . سؤالي كيف يصل هذا الكائن المستلب ؟
| |
|
|
|
|
|
|
Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة (Re: عشة بت فاطنة)
|
أنا متابع باهتمام يا عشة.. ونقاطك ممتازة..
لقد افتقدتك في بوست ود قاسم الأخير: العلاقة بين الجنسين ،، هل هناك فاصل بين الصداقة والاشتهاء ؟
وتذكرت بوستك الرائع "الأباريق.. المرأة والجنس".. لا بد أنه قد دخل الأرشيف.. إذا أمكن إخراجه وإضافة وصلته إلى هذا البوست وبوست ود قاسم يكون جيد.. أرجو من الأخ خالد الحاج أن يساعدنا في هذا الأمر..
مرة أخرى، لا أريد أن أستبق الأخ سعد أبو نورة في التعليق... وأرجو عودته..
ولكن لدي تساؤل ربما يكون امتدادا لتساؤل عشة.. فهي تقول:
Quote: في كتاب وهم وقلق الحضارة لفرويد ، يضعنا فرويد في ازمة حقيقية بتشائمه باستمرار المظالم والعداء الناتج عن الظلم الحسد والتنافس الاقتصادي والجنسي مهماكانت ظروف الحضارة وشروطها ، يعني الطريق مسدود بينما الفكرة الجمهورية تبشرنا بالانسان الجديد الذي يتحرر من احباطاته وكبوته عن طريق فض الكبت وتجويده ؟ |
إذا كان الأستاذ محمود الذي بشّر بمثل هذا الإنسان الذي يتحرر من إحباطاته بواسطة تحقيق السلام مع نفسه، وفض الكبت والتحرر من الخوف، قد تعرض لأقسى أنواع القهر والهيمنة بل والتصفية في نهاية الأمر.. فسؤالي هو: ما هو حظ الذين يؤمنون بفكرته في تحقيق مثل هذا السلام الداخلي؟؟ وما هو تأثير مثل هذا السلام الداخلي للأفراد، في حال تحققه، على مجتمع رأسمالي مسيطر قابض يقوم على الجشع والاستغلال والهيمنة والتسلط؟؟ وقد تساءلت الأخت عشة عن حال الإنسان البسيط المقهور في هذا الكوكب الحزين:
Quote: ،لكن كيف يصل هذا الانسان بواقعه البومي وبؤسه ، مع ظروف الهيمنة الامبرياليه في ظل العولمة وعصر الفضائيات وضياع ملامح شخصيات الشعوب المستضعفة ، بجانب القهر الذي تمارسه الحكومات العسكرية المفروضة ومصادرة الاجساد بالسجن والقتل والتعذيب والاغتراب عن الذات . سؤالي كيف يصل هذا الكائن المستلب ؟ |
ليس ذلك فقط يا عشة، ولكن بعض هذه الفضائيات تستخدم النساء كمذيعات ومقدمات برنامج، "سافرات" لترويج مقولات مثل ثوابت الشريعة ونصوص القرآن كما تفعل السيدة "لونة الشبل" من قناة الجزيرة.. إن القناة تستخدم مثل هذه السيدة استخداما سيئا، ظهر في كثير من حلقات برنامج "للنساء فقط"، ولكن في الحلقة الأخيرة وصل الأمر إلى قمة من السوء غريبة.. ستنزل الحلقة بعد أيام في الموقع بالصوت والكتابة، فأرجو من عشة أن تتابعها ومتابعة البوست التالي: رشا عوض في قناة الجزيرة .. عفارم عليك
"النوّارة" الوحيدة في الحلقة كانت الأستاذة رشا عوض، من جمعية بابكر بدري من السودان، ولكن لو أجرينا استطلاع نجد أن نسبة المؤيدين لها بسيطة جدا جدا بين مشاهدي الجزيرة وفي العالم العربي والإسلامي عموما.. وهذا يؤكد أهمية تساؤل عشة وتساؤلي أنا أيضا.. وأنا بالطبع ليس لدي إجابة ناجزة على هذا التساؤل، ولكن لدي تصوّر سأحاول أن أطرحه للنقاش بعد قراءة تعليق الأخ سعد أبو نورة.. ولكن قبل ذلك أحب أن أنقل أجزاء من كتاب تناول مسائل التغيير وأرجو أن يكون ممتعا للجميع.. وشكرا ياسر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة (Re: عشة بت فاطنة)
|
مرحباً عزيزي وصديقي الحبيب د.أحمد، مازلت أشتاق إلى معيتك الخصيبة، أنت وعلوية والصغار-الكبار، رغم الكدورات العارضة من دواعي المرحلة التاريخية الهامة التي نمر بها الآن. ومثلك لا تغيب عليه مخاضات مراحل التحول التاريخي الكبرى. ولهذا فإني أحمد الله لي ولك، ولكل إخواننا وأخواتنا، أننا نتجاوز كل يوم جديد مخاضاً مؤلماً، إلى مخاض أقل إيلاماً.
يسرني غاية السرور أني سأراك، بإذن الله، تشارك، بهمتك الفكرية المعهودة. فقد آن لمثلك أن يثرى عالم الكتابة الفكرية المسهبة، بمثلما يثرى المجال الأكاديمي في التخصص الدقيق، وبمثلما يثرى عالم الشعور في منطوقه الشعري والتحادثي! كما أشتاق إلى قهقتك الرزينة، في سياق حوارتنا. وبخاصة، حين تقول "يا أبو الحياضر." وقتها أجهز نفسي لقنبلة من قنابل "المثقفين" أصحاب الملحة المتهكمة بألق بهيج. كم أشتاقك يا صديقي العزيز، وأخي الحبيب. فإنني رغم أنني المحظييين بمعيتك في الفكر وفي الشعور في سنوات التيه الماضية، الإ أنني، والله على ما أقول وكيل، لم أرتوى بعد من ألقك البهيج!
أحبابي دكتور احمد دالي وأختي سمية، وأستاذي فائز ودكتورة أسماء و العزيز بدر الدين، وكل من حولك محظوظون بمعيتك، أيما حظ.
أرجو أن تفي بوعدك فتمتعنا بك ههنا. فإن هذا ما يعنيه "أبو الحياضر" بالحركة، وتفعيلها، يا عزيزي. إذ أن جذر الحركة، هو أصلها الفكري. وقد أبهجني غاية البهجة أننا التقينا، على الأقل في معناها ههنا!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: المؤامرة الحميدة.. التحوّل.. (Re: Yasir Elsharif)
|
بعد التحية والسلام لكل المتداخلين اعلاه والذين ساهموا في دفع عجلة الحوار ، واقول ليكم كل سنة وانتو الف خير وينك يا سعد ارجو ان تظهر وتلتف حول مائدة النقاش وترد على الاخوةالمنورين البورد ، . د/كتور احمد الحسين خطوة عزيزةونرجو الرجوع الى الطاولة فهي عامرة باخوة اعزاء لك امثال الاستاذ حيدر بدوي وياسر الشريف . الاحيدر بدوي مشكور على المداخلة والتعليق . الاخ اسامة الخواض اشكرك على التعقيب واتمنى ان يتولى سعد الرد على ما اثرته من نقاش . شكرا ليك اخ ياسر وانشاالله اشوف المواق التي اوردتها اعلاه مرةاخرى اعتزر لتاخير عليكم . واقول للاخ سعد ان يقطعنا جزءا من وقته رغم مشغولياته.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: وحدة البنية البشرية في الفكرة الجمهورية -المفكر سعد ابونورة (Re: عشة بت فاطنة)
|
مجرد إقتراح... العارفون دائماً ملاحظتهم دقيقة وقانونهم دقيق.ربما لايري الشخص العادي أن هنالك خطأ أو تقصير..فميزان القطن غير ميزان الملح غير ميزان الدهب ثم غير ميزان الهواء .................. نرجو من الأخ سعد حينما يجهز رد ان يرسله راساً للأخت عشة بت فاطنة لأنها هي صاحبة البوست ولها حق ادبي وعلمي وديني حتي لو تنازلت عنه وأن لايبعث الرد لطرف آخر.. وأكمل من ذلك أن يثبت الرد سعد نفسه.لأن إضافة الرد في البوست سهلة.حتي لايطيل الغيبة على القراء.هذا بالطبع اكمل من عدة وجوه.. ربما كان سعد عضواً غير مشترك في المنبر الآن إذن في هذه الحالة فليبعث به .. مع شكري وتقديري صديق منصوري
| |
|
|
|
|
|
|
|