|
ها ما قاله الدكتور عبدالله الطيب في محمود محمد طه
|
مصَابٌ وحَزن
قصيدة الدكتور عبد الله الطيب
قد شجانى مصابه محمود مارق قيل، وهو عندى شـهـيد
وطنيّ مجــــــاهد وأديــب منشئٌ، فى بيـانه تجـويد وخطـيـبٌ مـؤثر ولــديـه سرعـة الـرّد والذكاء الفريـد وجرئ، وشخـصـــه جـذّاب ولدى الجــد، فالشــجـاع النجيد ذاق سجن المستعمرين قديماً ومضت فى الكفاح منه العقـود
سيق للقتل وهـو شيخ أخو ست وسبعين أو عليها يزيد
لم يراعوا فيه القوانين ظلما فهو قـتلٌ عــمدٌ وجَرمٌ أكيـد
قد سمعنا يوم الخميس من المذياع أن شنقه غدا مشهـود
لم نصدق ما قد سمعناه، قلنا سوف يأتى عفوٌ وهذا وعيد
وإذا بالقرار قـيـل لـنـا نـُفـذ جــلّ المــهـيــمـن المعبود
مـا قضــاه يكـن وما لإمرىء عنه مفـرٌّ ووقـته معــــــدود
وإلـيه نعـنو هو المالك الملك ويقـضـى سـبحـانه ما يريد
كان حكم الإعدام تنفيذه سرا فـهـذا الإشـهـار شئ جديد
ليت إذ أجمعوا على الإثم أخفوه كما اغـتـال خـمـسـةً عـبـود
أى شىء جناه حتى يرى الإعـدام فيه هو الجـزاء الوحيد
لم يجرد سيفا وأصدر منشوراً وهـذا أســلوبه المعـهود
وهو نهج من النضال حضاريٌّ بأمــثـاله السُّراة تسـود
ولقد رام أن يجـدد مـحـمـود فـقـد صـار جـرمــه التجديد
والذى قد قال فقد قيل من قـبل وفـى الـكـتـب مـثـلـه موجود
ولقد يعلمـون أن قضايا الدين فـيـهـا الخـلاف وهـو تليد
زعمـوا أنــه تزندق وارتد وقـالـوا هـو العدو اللّدود
وكأنّا فى عصر محكمة التفتيش هـذا هـو الضــلال البـعــيد
قـتـلـته الأفـكار فى بـلـد الجهل الذى سيطرت عليه الــقـيود
واثقا كان فى الخصومة بالفكر لـو الفـكــر وحده المنشــود
سـبـق النـاس فـى السياسة رأيا حين فيها تفكيرهم مـحـدود
وقد احتج وحده حين لم يُلفَ عن البرلمـان صوتٌ يذود
ذلكم أوّل انقــلاب بلوناه وللشـر مُــبدىء ومعيد
ما سهرنا نحمى مقاعد شورانا فأودى بالبرلمان الجنـود
نحن قوم نعيش فى العالم الثالث وهـو المعـذب المنكــود
فـَتَنَتْنَا حـضــارة الغرب، لا الرفض إنتفعنا به ولا التقليــد
وأحتوتنا عماية من صــراع دائـم للقوى به تـبـديـد
صاح هل نحن مسلمون؟ أرى الإسـلام فينـا كأنه مفقــود
وكأن صار مظهـر الدين لا المَـخْـبَر فينا فاعلم هو المقصـود
فـشــت الآن برجوازية فى الدين من قبل عُلّقتها اليهــود
وتفان على الحطام كأن الدين أركــانه الشـداد النقود
قد أباها المسيح عند الفريسيين إذ قـلبـهم بــها جلمــود
عـلــنــا عـلّـقوه يشنق للجمهور ذاك الـمــفــكــر الصنديــد
أخرجــوه لحتفــه ويــداه خـلــفـه هو مـوثـق مشدود
جعلـوه يرقى به الَّدرج الصاعد نحـو الهــلاك خـطــو وئــيد
كشفوا وجهــه ليُعرف أن هـذا هــو الشخــص عينــه محمود
قرىء الحكم ثم صاح به القاضى ألا مثــلـه اقتلـوه أبيــدوا
كـبـّر الحاضــرون للحـدّ مـثل العيــد إذ جمعـهــم له محشود
وأراهم من ثغره بسمة الساخر والحـبـل فوقـه مـمــدود
وعلى وجهــه صفــاء وإشراق أمـام الردى وديــع جـليد
وإذا بالقضـاء حـُمَّ وهــذا جسمـه طـاح فى الهواء يميد
ثم جــاء الطـبيب يعلن بعد الجـس أن مات ما لحىٍّ خلــود
ثم طارت طـيـارة تحمــل الجثة لم يـُدرَ أىَّ فـجٍ تريــد
قـيـل لــن يقبــروه إذ فارق الملّة هـولٌ يشيب منه الوليـد
يــا لــهــا وصمة على جبهة القطر ســتـبــقى وعارها لا يبيـد
قتلوا الفكـر يوم مقتلـه فالفكــر فيـه مــيـت البـلاد الفقيد
أحضروا صحبه لكى يشهــدوا الإعــدام فيـه وتائبين يعودوا
ذبحـوه أمـام أعينـهم ذبحـا وقالــوا درس لكم فاستفيـدوا
أعــلــنـت قتله الإذاعة من بعـد أمـتـنــاه ذلك النمــرود
أذعــن الناس خاضعـى أرؤس الـذّلـة كـلٌّ فـؤاده مفئـود
أذعـنــوا خاضـعـيــن للجــور والقهـر وكــلٌّ لسانــه معقود
بـقــى الخـوف وحده وتوارت قـيم أمسٍ قد رعتها الجدود
ذهـب الفـضـل والتـسـامـح والعـفـو وجاء الإعــدام والتشــريد
فيــم هـذا الطـغـيان ما هذه الأحــقاد ما هـذه القلوب السود
ما الـذى جــدّ ما الذى جلب القسوة من أين ذا العتـم الشـديد
قد أســأنا إلى الشـريعة والإسلام مـا هـكـذا تقـام الحدود
مـا كـذا سنة النبـى ولا الوحـى الـذى أنـزل الحـكيـم الحـميد
سنة المصطفى هى اللّيـن، هـذى غلظة بــل فــظاظة بل جمود
إن عـنــدى حـرية الرأى أمـر يـقـتضيـه الإيـمـان والتوحيد
لا أحـب التطـرّف المفـرط، الرفـق سبيـل الإســلام لا التشــديد
إننـا نحن مالكيون سنيون حــب النبـى فينـا وطيد
وسـطـور الآيــات قالت عليكم أنفسـاً لا يضـرّكم من يحيـد
وتلـونـا فيهـن آيــة (لا إكراه فـى الـدين) بئس عنها الصدود
جـعـلـوه ضـحـيـة لـم يكـن منه شـروع فى الحـرب أو تهـديد
رب إنـا إليــك نجــأر بالشـكـوى أغـث يا لطيف أنت الودود
حـكمـتـنـا وقـلـدت أمرنا صعلوك قـوم فـغـرّه التـقـلــيـد
طـبـقـات مـن الزعانـف فى الضوء تـَوَارَى وفى الظـلام تـَـرود
دأبـها المـيـن والخـيـانة والغدر وليسـت غير الفسـاد تجـيـد
يصـدر الأمـر كى يوقـعـه جـلـدٌ ثخــين عنـها وحس بليـد
ويـدٌ كـزّة ووجـه بلا مـاء حيـاء وخـبث نفـس عـتـيـد
لـيـس يبغـى إلا البـقــاء ولا يحـفـل والـشــعب جائع مكدود
ينقــض اليــوم كـلّ ما قالـه أمس وفــيـه غــدا بنقـضٍ يعـود
فانـزع المـلك منـه، رب لك الملك وذو العـرش أنت أنت الـمـجــيد
وأذقــه كأسـا بـهـا قد سـقى قـومـاً ولا ينــج الفاسق الرعديد
وهــلاكا له كـمـا هلكـت عــاد وبُـعـداً كمـا أبيــرت ثمود
وعـسـى الله أن يشـاء لنا النصــر وللـظـالم العــذاب الشديد
ولأحــزابـه اللئـام فـكـبـّوا فى مضيـق طريقهـم مسدود
تـتـلـقـاهـم جـهـنـم يصلـون بها ســآء وردها الــمــورود
لا تخيـب دعاءنا ربّ وانصرنا وأنت المولى ونحـن العـبـيـد
وصــلاة عــلـى الـنـبـى وتسليم به نـبـلــغ المـنـى ونزيـد
وعلـى الآل والـصحابــة سادتى وتــغــشـاك رحمـة محمود
فرغ من نظمها يوم 2 مارس 1985
|
|
|
|
|
|
|
|
|