مقال لد. منصور خالد كتب بعيد إغتيال الشهيد محمود محمد طه

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-15-2024, 00:32 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   

    مكتبة الاستاذ محمود محمد طه
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-21-2002, 09:08 PM

أبنوسة
<aأبنوسة
تاريخ التسجيل: 03-15-2002
مجموع المشاركات: 977

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مقال لد. منصور خالد كتب بعيد إغتيال الشهيد محمود محمد طه

    إلى الأستاذ خالد عويس لعله يكون عونا لك في إعداد الملف الذي أنت بصدد إعداده ولجميع قراء البورد



                  

06-22-2002, 09:04 AM

banadieha
<abanadieha
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 2235

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقال لد. منصور خالد كتب بعيد إغتيال الشهيد محمود محمد طه (Re: أبنوسة)


    أبنوسة

    شكرا على المقال..وهناك مقال يكاد يكون هو الجزء الثاني
    لهذا المقال كتبه دكتور منصور خالد بعد إغتيال الفنان
    خوجلي عثمان..ياليت وياريت واحد يتكرم علينا بيهو
                  

06-22-2002, 09:56 AM

رومانسي

تاريخ التسجيل: 02-12-2002
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقال لد. منصور خالد كتب بعيد إغتيال الشهيد محمود محمد طه (Re: banadieha)

    الاخت ابنوسة شكرا لهذا المقال الرائع

    صادقا جدا حين قال انه راح ستمائة وعشرون مواطنا سودانيا
                  

06-23-2002, 09:18 AM

خالد عويس
<aخالد عويس
تاريخ التسجيل: 03-14-2002
مجموع المشاركات: 6332

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقال لد. منصور خالد كتب بعيد إغتيال الشهيد محمود محمد طه (Re: أبنوسة)

    شكرا السيدة السودانية التي تتقطر نيلا وتبلدي ونخلا .. ابنوسة الرائعة
    وعذرا ان تأخرت في فتح هذا الموضوع ، فقد كنت غائبا عن السعودية قمت بجولة عمل الي قطر والامارات وختمتها بلبنان ، ومن حسن الصدف ان زيارتي العملية الي لبنان اثمرت عن توقيع عقد مع دار الساقي لنشر روايتي (الآلهة المستعارة) وهي للمناسبة تتحدث عن 28 رمضان ومحمود وكل العنف الذي تناسل في دمائنا والرواية ستكون جاهزة قبل معرض الكتاب ببيروت نهاية العام ، وقد اهديتها لشهداء رمضان 90 في السودان وفيها اشارات لسمو محمود وامثاله
    د. منصور كتب هذا المقال بدافع فكري محض وفيه شيء من الاعتراف بذنب المشاركة في فترات سابقة ، والرجل الذي نكتب عنه ، وما فتئنا نمجده ، هو اشجع منا جميعا ، ادخر محبة راقية لبني البشر ، وعاش في سلام ، ورحل في سلام
    ابن عربي نال نفس العقاب الجماعي الذي انزلناه بمحمود
    الحلاج كذلك
    تقوّلنا علي معظم الانقياء ولم يسلموا من بطشنا و(قلة فهمنا) .. هل كنا علي حق ؟
    ربما .. فالحقيقة تائهة ...
    ربما ... فالفروق الجوهرية بين القامة الروحية والفكرية التي تتعمق في فحص الاشياء وازالة الغبار عنها والقامات الاخري التي تكتفي بالتفرج علي الروح في اكتوائها والتلذذ بالظلال كالفرق بين تقبل محمود للموت كفكرة تدنيه من الله ورفض نميري للموت كفكرة تبعده عن الملذات
    ملذات الاول روحية وفكرية
    وملذات الثاني حسية
    هل يستويان ؟
    اما جمهرة المتفرجين فقد مارست علي الدوام دور النكوص عن تتبع رحلة العقل المتحفز فصادمته ، ومحقته وارتاحت لفعلتها
                  

06-23-2002, 10:45 AM

nadus2000
<anadus2000
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 4756

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقال لد. منصور خالد كتب بعيد إغتيال الشهيد محمود محمد طه (Re: خالد عويس)

    بلإنابة عن الأبنوسة لك كل الشكر
    وليتنا كنا نعلم بمرورك بالدوحة، لفرشنا لك السجاد الأحمر وخاصة وأن الدوحة كانت تستضيف الأستاذ هاشم صديق والأستاذ الطيب صالح خلال الأيام الماضية
                  

06-23-2002, 11:41 AM

خالد عويس
<aخالد عويس
تاريخ التسجيل: 03-14-2002
مجموع المشاركات: 6332

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقال لد. منصور خالد كتب بعيد إغتيال الشهيد محمود محمد طه (Re: nadus2000)

    شكرا لك اخي نادوس ، وربما نكون التقينا بالفعل ، فقد اصطحبني الصديق صلاح الباشا الي امسية الاستاذ هاشم صديق بقاعة المها والتقيت بعد الامسية بالشاعر المرهف مدني النخلي والروائي امير تاج السر والفنان محمد السني وعدد من المبدعين وتحدثنا طويلا في بهو الفندق عن الثقافة السودانية واخالك كنت هناك
                  

06-24-2002, 04:38 AM

nadus2000
<anadus2000
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 4756

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقال لد. منصور خالد كتب بعيد إغتيال الشهيد محمود محمد طه (Re: خالد عويس)

    بالتأكيد كنت هناك وكان الأخ إبراهيم علي "زميل البورد" وقبل سفر الأستاذ هاشم إلى الخرطوم فقد شرفني بجلسة رائعة بمنزلي ليتك كنت معنا.
    ومدني النخلي صديق قديم ود. أمير تاج السر أيضا وقد حاولت أن أجره إلى البورد وقد وعدني أما السني دفع الله وأخونا السينمائي عبدالرحمن نجدي فبيني وبينهم سنين من المودة.

    وآه ليتني كنت أعرف
                  

06-24-2002, 11:40 AM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقال لد. منصور خالد كتب بعيد إغتيال الشهيد محمود محمد طه (Re: nadus2000)



    لماذا لا يتكرم الأعضاء و يناقشوا أيضا البوست (قراءة نقدية لتأملات في أفق المعرفة و الشهادة)....هذا البوست كما قلت قد يكون فاتحة لتحقيق النقد العلمي لمسيرة الأستاذ ....أرجو من الذين لم يصادفهم هذا اليوست أن يرجعول له و يبدو آرائهم ...لا أظنه الآن في الصفحة الأولى حيث تم إهماله حتى وصل للصفحة الثانية ...رغم أنه أقيم من أي بوست موجود الأن في الصفحة الأولى في نظري

    مقال الدكتور منصور خالد مقال له مكانته، و لكنه لا يتعدى كونه مرثية في نظري، و ليس فيه نقد علمي مؤسس حيث لم يكن هذا الهدف منه أساسا، و لكن ما قولكم في أن يرد أحد الإخوة الجمهوريين على مقال الأخ عادل عبد العاطي (تأملات في أفق المعرفة و الشهادة) (والذي يمكن إعتباره نقدا) تصحيحا لمعلومات كثيرة مغلوطة في ذلك المقال؟ .....ثم نجد أن هناك أيضا بعض التساؤلات التي تركها مقال الأخ الجمهوري ...أليس هذا جدير إهتمام ؟؟

    لقد أرسلت بوستا خاصا لدعوة الأعضاء لمطالعة ذلك البوست، و لكن حتى هذا الأخير ذهب إلى الصفحة الثانية دون أن يتصفحه الكثير...و هذه على العموم آخر محاولة لي لجذب الإنتباه لذلك البوست قبل أن يفوت الأوان....و لكم التحية

                  

06-24-2002, 11:49 AM

خالد عويس
<aخالد عويس
تاريخ التسجيل: 03-14-2002
مجموع المشاركات: 6332

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقال لد. منصور خالد كتب بعيد إغتيال الشهيد محمود محمد طه (Re: Yaho_Zato)

    الاخ نادوس
    بالطبع كنت هناك والتقيت بالاستاذ عبدالرحمن نجدي كذلك
    اخي ياهو ذاتو
    اشد علي يدك واوافق علي رأيك بالكامل
    ليت الجميع يحاولون قراءة المقال بأفق نقدي وعلمي سليم لنتمكن جميعا من صياغة قراءة معقولة لفكر الاستاذ ، يكفي اننا قتلناه مرة بالشنق ومرة اخري بالمرثيات
    يعوزنا الآن ان نتصدي بالدراسات العلمية لمسيرته الفكرية
                  

06-25-2002, 12:31 PM

أبنوسة
<aأبنوسة
تاريخ التسجيل: 03-15-2002
مجموع المشاركات: 977

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقال لد. منصور خالد كتب بعيد إغتيال الشهيد محمود محمد طه (Re: خالد عويس)

    الأخ يا هو زاتو
    أتفق معك بأن فكر الشهيد محمود محمد طه يجتاج منا أن نقرأه بعيون مفتحة وقادرة على تسليط الضوء على هذا الفكر وعلى حياة الأستاذ الشهيد وسأحاول هنا أن آتيك ببعض ما نشر عنه أو على الأقل ما توفر لي منهاوأتفق معك وأكرر نداؤك للجميع وأدعوهم للإسهام في هذا البوست

    مقال آخر للأستاذ عادل عبدالعاطي....
    وسآتيك بآخرين بغض النظر عن إتفاقي أو إختلافي مع كتاباتهم:حركة الجمهوريين فى السودان
    تحت منظار النقد والتاريخ 1945 -1985

    --------------------------------------------------------------------------------

    جزء 1 من 2
    مقدمة :

    تشكل الذكرى السادسة عشر لاغتيال المفكر السودانى الفذ ؛ الاستاذ محمود محمد طه ؛ فرصة لاعادة قراءة تراث وتجربة واحدة من اهم الحركات الفكرية –الدينية السودانية بعد الحرب الكونية الثانية ؛ واكثرها اثارة للجدل ؛ اعنى هنا حركة الاخوان الجمهوريين . ان هذه الذكرى ؛ باسترجاعاتها المؤلمة ؛ لا ينبغى ان تغيب عن نظرنا واجب استخلاص الحكمة الكامنة فى هذه التجربة المتفردة ؛ والتى تجلت بعمق فى شخصية الاستاذ محمود ؛ وسيرة حياته النضرة ؛ واستشهاده الباسل . ان هدف هذه القراءة ليس اذن التبجيل الاجوف او النقد المغرض ؛ وانما محاولة الغوص فى التاريخ لاستخلاص التجارب والدروس ؛ وتسجيل الحقائق التى طالما ضاعت وتضيع فى ساحة الغرض السودانية ؛ والغرض مرض كما يقول اهلنا العارفين .

    ان المقال الحالى ؛ يتكون من جزيئين ؛ الاول منهما تاريخى ؛ ننشره هنا ؛وقد حاولنا فيه رصد الحقائق كما كانت ؛ وان اضفنا اليها بعضا من تعليقاتنا ؛ بما يسمح بتفسيرها ؛ وبما يدع مجالا للاخرين للتعليق عليها . والثانى نقدى تحليلى ؛ سننشره قريبا ؛ وهو يقوم على قراءة نقدية لثوبت الفكر الجمهورى ؛ فيما نعتقد انه استخلاص للحكمة الكامنة بين ذواياه ؛ حصرا للايجابى واعترافا به ؛ ورصدا للسلبى ؛ اوما نعتقد انه السلبى ؛ لتجاوزه من اجل بناء فكر سودانى جديد ؛ يغتنى من التجربة الجمهورية ؛ وهى تجربة رائدة من تجارب الفكر السودانى ؛ دون ان يتقيد بها ؛ او يحد بحدودها ؛ المربوطة بقيود الزمان والمكان ؛ والمتأثرة باسقاطات البيئة والتجارب الشخصية لمن بنوها؛ وقاموا بها ؛ ونذروا حياتهم لها .

    اننا لا نخفى هنا اعجابنا الذى لا ينقطع بشخصية الاستاذ محمود ؛ وتقديرنا غير المحدود لسيرة حياته واستشهاده ؛ فقد كان الرجل شمسا فى ظلمة ؛ وقامة فارعة تحدت قزمية الرجال وتفرعن الاحوال ؛ الا ان هذا الاعجاب ؛ وذلك التقدير ؛ يفرضان علينا فرضا ؛ مهمة البحث عن الحقيقة ؛ التى طالما سعى الاستاذ فى دروبها ؛ و قدم حياته فداءا لها . ولهذا تاتى محاولتنا المتواضعة فى هذا المقال لمقاربة تاريخ الحركة الجمهورية والفكر الجمهورى ؛ نقدمها للقارى ونامل فى الحوار معه ؛ فان رأى فيها الصواب ؛ فهذا ما نطمع فيه ؛ وان

    راى انها اغرقت فى الذات ؛ وغابت عن دروب الحق ؛ فكلنا امل ان يتصدى لها الاخرون بالنقد والتقويم ؛ عسى ان نصل معا للحقيقة ؛ والتى هى صنو الحرية ؛ وهما القيمتان التى عاشهما محمود فى حياته ؛ وقدم روحه دفاعا عنهما فى محراب مماته .

    نبذة عن المؤسس :

    الاستاذ الشهيد محمود محمد طه :

    لا يمكن تناول حركة الاخوان الجهوريين ؛ بعد حوالى55 عاما من تاسيسها ؛ و16 عاما على توقف نشاطها الرسمى ؛ بمعزل عن شخصية الرجل الذى اسسها وعاصرها وقادها ؛ منذ مولدها الاول وحتى ماساتها الدامية فى يناير 1985 . ان الفكرة والحركة الجمهورية قد ارتبطت ارتباطا لا فكاك منه ؛ بشخصية موسسها ومفكرها وزعيمها الاول والاخير ؛ الاستاذ الشهيد محمود محمد طه .

    ولد الاستاذ محمود محمد طه فى العام 1909 بمدينة رفاعة ؛ شرق النيل الازرق ؛ وتلقى تعليمه الاولى والمتوسط بمدينة رفاعة ؛ والتى رغم صغرها فقد كانت واحدة من اهم مدن السودان فى سبقها للتعليم الاهلى والعمل الاصلاحى ؛ والتى خرج منها المصلح الاجتماعى والتربوى الكبير الشيخ بابكر بدرى ؛ ثم التحق بكلية غردون التذكارية (جامعة الخرطوم لاحقا) ؛ كلية الهندسة ؛ والتى تخرج منها بتفوق فى العام 1936 ؛ و مارس عمله كمهندس بمصلحة سكك حديد السودان بمدينة عطبرة ؛ وقد كان ملتزما طوال عمله بعطبرة جانب العمال وصغار الموظفين السوداننيين فى مواجهة عنت وظلم الادارة الانجليزية ؛ وكان ذلك موقفا متفردا وسط كبار الموظفين والمهندسين ؛ وعاملا حاسما للدفع عن مصالح المستضعفين ؛ فى غياب التنظيم النقابى للعمال وصغار الموظفين . ثم ما لبث بحثا عن الاستقلااية ان استقال من عمله فى الحكومة فى العام 1941 ؛ ليمارس عمله الخاص بعد ذلك فى المجال الهندسى ؛ والذى مارسه حتى انطلاقة نشاطه السياسيى فى منتصف الاربعينات .

    فى اكتوبر 1945 ؛ عقدت مجموعة من الخريجين اجتماعا فى المقرن ؛ اسست فيه الحزب الجمهورى ؛ ثم عقدت أجتماعا آخر تم بموجبه توزيع مكاتب الحزب وقد وقع الإختيار على المهندس محمود محمد طه رئيسا له والأستاذ عبد القادر المرضى سكرتيرا ؛ وما لبث الاستاذ ان دخل فى مواجهات حادة مع الادارة الاستعمارية ؛ وتصاعدت الحملة لتصل الى اعتقال الاستاذ محمود وحكم عليه بالسجن لمدة عام بعد أن رفض التوقيع على تعهد شخصى بعدم العمل بالسياسة ولقد قاوم الأستاذ محمود قوانين السجن من الداخل بعدم الأنصياع لأوامر ضباط السجن كما أن صيامه المتواصل داخل السجن سبب مشاكل للان

    جليز حينما صوره الجمهوريون فى الخارج كإضراب عن الطعام لسوء المعاملة مما حدى بالحاكم العام لإطلاق سراح الأستاذ محمود بعد خمسين يوما ؛ تجنبا للمشاكل ؛ ثم ما مضى حين الا واعتقل مرة اخرى ؛ حيث قاد حملة تصعيد ضد الإنجليز إثر اعتقالهم امراة ؛ فى مدينة رفاعة ؛ لممارستها الختان الفرعونى تجاه ابنتها ليمضى حوالى العامين فى السجن ؛ ويخرج منه فى العام 1948 ؛ ليدخل فى خلوة بمدينة رفاعة استمرت حتى العام 1951؛ وقد خرج بعدها بشخصية دينية واضحة ؛ ومذهبية جديدة عرفت فى السودان بالفكرة الجمهورية .

    مارس الاستاذ من بعدها نشاطه السياسى والفكرى والتعليمى ؛ عن طريق الاشتراكات فى النشاطات الوطنية والتحررية ؛ فكان من المناهضين لقانون النشاط الهدام فى اوائل الخمسينات ؛ وغيره من القوانين المقيدة للحريات ؛و كما اتجه للكتابة الصحفية ؛ فكانت مقالاته ورسائله حول القضايا المحلية والاقليمية والعالمية تحتل صفحات الصحف الرئيسية فى الخمسينات ؛ومن بينها صحيفة الحزب القصيرة العمر ؛الجمهورية ؛ والتى استمرت لمدة 6 اشهر ؛ اضافة الى اصدارات الحزب الرسمية ؛ والى كتبه والتى بدا سيلها ينهمر منذ اوائل الستينات ؛ والتى توجها باصداره للكتاب الام للدعوة الجمهورية ؛ والذى ضمن فيه افكاره التجديدية والاصلاحية ؛ تحت عنوان : "الرسالة الثانية من الاسلام " والذى صدرت طبعته الاولى فى يناير 1967 ؛ وصدرت منه بعد ذلك اربع طبعات لاحقة ؛ وترجمة للانجليزية ؛ ودارت حوله الكثير من الدراسات والكتب ؛ والتى تراوحت ما بين الاطراء والتاييد ؛ ومحاولات النقد الهادف ؛ والهجوم السلفى عليها بدعوى الكفر والردة والالحاد .

    فى سياق ذلك ؛ فقد تعرض الاستاذ محمود الى المؤامرة الاولى تجاهه فى العام 1968 ؛ حيث رفع بعض ممن يسموا نفسهم برجال الدين قضية ضد الاستاذ محمود امام محكمة للاحوال الشخصية (المحكمة الشرعية ) يزعموا فيها بردته ؛ وقامت المحكمة فى غياب الاستاذ وتجاهله لها ؛ وكان ان حكمت بغلاظة وجهل بردته ؛ وبتطليق زوجته منه ؛ ودعت الى حل الحزب الجمهورى واغلاق دوره ومصادرة مملتكاته ؛ فى سابقة قد تكون هى الاولى فى العالم الاسلامى فى النصف الثانى من القرن العشرين .

    كان حكم المحكمة الشرعية سياسيا ؛ وقد كان جزءا من الحملة الفكرية والدعائية الى قادتها قوى الطائفية والظلام ضد ثورة اكتوبر ومنجزاتها ؛ والتى اسست على استغلال الدين لاهداف سياسية ؛ فتم تحتها حل الحزب الشيوعى وطرد نوابه من البرلمان ؛ ومطاردة وتحجيم الحركة النقابية ؛ وبناء ديكتاتورية مدنية باسم الدستور الاسلامى . ان اختيار الاستاذ محمود ليكون هدفا لحكم الردة لم يكن عبثا ؛ فقد كان من ابرز الناشطين فى مؤتمر الدفاع عن الديمقراطية ؛ ومن اكثر الناقدين للطائفية وسياساتها ؛ ومن اكثر المتصدين لدعوات الهوس الدينى والظلامية المرفوعة من تنظيم الاخوان المسلمين ؛ فحق بذلك عليه غضب هذا الحلف غير المقدس من تجار الدين ومستغلى الشعب من قادة البيوتات الطائفية وانصارهم من الجهلاء وغلاظ القلوب ممن اسموا انفسهم زورا بعلماء الدين .

    بعد وصول انقلاب مايو 1969 الى السلطة ؛ وحله لجميع الاحزاب السياسية ؛ بما فيها نشاط الحزب الجمهورى ؛ فقد انتهى الحزب كتنظيم ؛ بينما ساند الاستاذ محمود ومؤيدوه النظام ؛ باعتباره انقاذا للبلاد من السياسات الطائفية المعادية للديمقراطية والفكر ! وفى العام 1973 اعاد الاستاذ محمود تنظيم الحركة الجمهورية فى صورة جماعة ؛ اخذت اسم الاخوان الجمهوريين ؛ والتى مارست نشاطها الفكرى والدعائى منذ ذلك الحين عن طريق توزيع الكتيبات والنشرات والندوات فى الجامعات والمعاهد وما اسموه باركان الحوار فى الاسواق واماكن التجمعات العامة . وفى كل ذلك واصل الاستاذ تاييده المعلن للنظام حتى العام 1983 ؛ حيث تم الاختلاف بين النظام والجماعة ؛ وبدا الاستاذ محمود نشاطه المناهض لسياسات النظام الاصولية المتزايدة ؛ وتعرض وتعرض من جراء ذلك للاعتقال للمرة الثانية تحت نظام مايو قى اوائل يونيو 1983 ؛ بعد اصدارالجمهوريين لكتيب ينتقد مباشرة النائب الاول للنميرى : عمر محمد الطيب ؛ ليقضى فترة حبس دون محاكمة حتى 19/12/1984 ؛ حيث اطلق سراح الجمهوريين فى خطوة محسوبة ظاهرها العفو ؛ وفى باطنها تدبير مؤامرة جديدة تجاه الاستاذ ؛ الذى ما لبث بعد خروجه ان اصدر بيانا بعنوان "هذا او الطوفان" فى 25/12/1984 ؛ ينتقد فيه قوانين سبتمبر وجملة من سياسات السلطة ؛ فما كان من النظام الا اعتقاله مرة اخرى فى 5/1/1985 ؛ وتدبير محكمة – مهزله له واربعة من رفاقه ؛ قامت على قوانين امن الدولة مواد اثارة الكراهية ضد الدولة ومحاولة قلب نظام الحكم ؛ وقد رفض الاستاذ محمود مطلق التعامل معها ؛ وحكمت المحكمة على المتهمين بالاعدام . ورفع الحكم الى محكمة الاستئناف ؛ والتى لم تناقش جوهر اللقضية وانما اضافت لها اتهاما بالردة ؛ وهى جريمة لا ينص عليها القانون ؛ وايدت الحكم ؛ الذى رفع الى السفاح نميرى ؛ الذى لم يؤيد فحسب وانما اضاف اتهامات جديدة وبينات جديدة ؛ فى خرق واضح للقواعد القانونية والقضائية ؛ واعطت نحكمة الاستئاف ةتاييد السفاح لبقية المتهمين حق التوبة ؛ بينما حجبته عن الاستاذ ؛ مما يوضح سؤء النية وابعاد المؤامرة التى كان غرضها تصفية الاستاذ ؛ الامر الذى تم فى صبيحة الجمعة الحزينة ؛ فى 18 يناير 1985 .وتم نقل جثمانه بطائرة هيلكوبتر حيث تم دفنه بمكان مجهول فى الصحراء شمال غرب ام درمان .

    كان اغتيال الاستاذ محمود ؛ الشيخ البالغ من العمر 76 عاما ؛ واحد مؤسسى وقادة الحركة الوطنية السودانية ؛ وواحدا من ابرز المفكرين السودانيين ؛ ماساة دامية على جبين عصرنا؛ وعلامة لا تقبل الجدل على الانحطاط الاخلاقى والعجز الفكرى والجبن السياسى لمناهضيه من السلفيين ونظام نميرى . فقد تميز الاستاذ محمود ؛ على عكسهم ؛ فى طول حياته ؛ بسعة الافق والتسامح الشخصى مع مناهضية ؛ والحوار الراقى والجدل الفكرى مع اطروحاتهم ؛ والنشاط السلمى والبعد عن اى مظهر للعنف ؛ فى ظل التمسك التام بافكاره ومبادئه ؛ رغما عن سؤء الفهم العام وتشويهات السلفيين لها. ومارس حياة متقشفة زاهدة ؛ ولم يستفد من دعم مناصرية وايمانهم المطلق بشخصة ورسالته ؛ فى جلب مكسب مادى لشخصه ؛ كما انه وطوال سنوات تاييده ومسايرته لمايو لم يسع الى مكسب مادى من ذلك التاييد وتلك المسايرة ؛ وحين اتت محاكم النظام الجائرة بحكم مصادرة مملتكاته ؛ لم يجد المنفذون ما يصادرون غير سرير خشبى شعبى –عنقريب- وبضع بروش ؛ ومنزل مبنى من المواد البلدية – الطين والجالوص - ؛كان فى حقيقته بيتا للجماعة اكثر منه ملكا شخصيا للاستاذ ؛ وحزمات من الكتب والمخطوطات احرقوها فى شوارع الخرطوم ؛ فى ممارسة اعادت للاذهان تجارب النازية فى حرقها للكتب ؛ كمظهر اعمى للعداء الثقافة والفكر والعجز عن الحوار .

    ان الاستاذ محمود محمد طه ؛ وغض النظر عن الاختلاف او الاتفاق مع اجتهاداته الفكرية والدينية ؛ وغض النظر عن تقييمنا لمجموعة من مواقفه السياسية ؛ يبقى معبرا رئيسيا لكرامة الفكر والمفكرين فى السودان . ومثالا حيا ابد الدهر ؛ للشجاعة المرتبطة بالوعى ؛ ورمزا متميزا عن الانتهازيين من الساسة والمفكرين ؛ والذين يبدلوا مواقفهم كما يبدلوا ملابسهم ؛ ويذبحوا المبادى الغالية على اعتاب السلطة ؛ وينكسروا امام جهل الجمهور او تحريضات الجهلة او عنف الخصوم . ان محمود على غرابة افكاره وعلى جراة تجديده وعلى اشكالية مواقفه الاجتماعية والسياسية ؛ قد وجد الاحترام والتقدير من العديد من مفكرى السودان والعالم ؛ فلم يكن غريبا ان يكتب عنه الشاعر الفذ محمد المهدى المجذوب ؛ عند اعتقاله الاول فى كوبر ؛ ممجدا لصمود محمود ؛ ومستنكرا ان تضم جدران كوبر الضيقة تلك الهامة الفارعة ؛ ولم يكن غريبا ان يكتب الاستاذ عبدالله الطيب ؛ وهو من هو من من سلفية الافكار والمواقف ؛ قصيدة رثاء حارة ينعيه فيها بعد استشهاده ؛ ولم يكن غريبا ان يرفعه فى سلم التقدير درجات قادة اليسار الماركسى فى السودان ؛ وهو الذى نقدهم – فكريا – بصورة جذرية ؛ كما لم ينقدهم احد فى السودان ؛ حيث شبه الاستاذ محمد ابراهيم نقد استشهاده ببطولة فرسان القرون الوسطى ؛ وباستشهاد ود حبوبة وابطال النضال الوطنى . وليس غريبا ان يستلهم تراثه ومواقفه وشخصه ؛ العديد ممن لا تربطهم بالفكر الجمهورى صلة ؛ وتربطهم بالاستاذ محمود الف صلة وصلة .

    ان كاتب المقال الحالى ؛ قد تناول شخص الاستاذ محمود ومواقفه فى غير هذا المجال ؛ ونحاول فى عملنا الحالى ؛ ان نستخلص القيمة الكامنة فى نشاط الاستاذ ؛ ليس بالتبجيل والتقديس الاعمى ؛ كما درج بعض تلاميذه ؛ ولا بالرفض والتشويه المغرض ؛ كما درج على ذلك اعداؤه ؛ وانما بالتحليل والنقد الواعى ؛ لتنقيح الايجابى والسلبى من تراثه ؛ واستخلاص الحكمة الباقية من سيرة حياته وجهاده ؛ و فكره واستشهاده ؛ فى جهد نؤمن بانه لو تواصل ؛ فسيكون هو التقدير الحقيقى للاستاذ ؛ والمواصة الحقيقية لرسالته ؛ فى اعلاء راية الفكر والبحث عن الحقيقة والبحث عن بديل يسعد الفرد ويصلح من حال الوطن والشعب .

    الحركة الجمهورية :

    البدايات والنمو والتطور :

    بدأت الحركة الفكرية –الدينية –السياسية التى عرفت لاحقا بحركة الاخوان الجمهوريين ؛ بدات نشاطها كاحد اوائل الاحزاب السياسية السودانية فى النصف الثانى من الاربعينات ؛ باسم الحزب الجمهورى تحت قيادة المهندس محمود محمد طه ؛ والذى عرف لاحقا بالاستاذ ؛ وهو اللقب الذى اطلقه عليه مؤيديه ؛ وانتهى نشاطها الرسمى ؛ فى العام 1985 ؛ فى اعقاب المحكمة الجائرة واعدام مؤسسها وقائدها فى يناير 1985 ؛ فى واحدة من اكبر مآسى الفكر والحرية فى تاريخ السودان الحديث .

    ان الحزب الجمهورى الذى تاسس فى اكتوبر 1945 ؛ قد كان من اوائل الاحزاب السياسية السودانية التى يمكن ان نطلق عليها حركات القوى الجديدة ؛ فقد تناءى منذ قيامه عن الطائفية ؛ وقام على اكتاف مجموعات من المثقفين والخريجين والطلاب ؛ وهى القاعدة التى ظل يستقى منها نفوذه ؛ والتى انحصرت فيها الحركة الجمهورية ؛ حيث لم تتوسع الى صفوف العمال والمزارعين ؛ الامر الذى نجحت فيه بمقدار الحركة اليسارية ؛ والتى عاصرته فى النشاة ؛ كما ان الحزب قد قام واستند طوال تاريخة ؛ ومن بعد ذلك استندت الجماعة ؛ على النفوذ العظيم للاستاذ محمود محمد طه ؛ والذى كان القائد الفكرى والسياسى والروحى للحزب ؛ ومن بعد ذلك لجماعة الاخوان الجمهوريين .

    ان المتابع للتاريخ الحديث لا بد ان يقر بالدور الايجابى الذى لعبه الحزب الجمهورى عشية الاستقلال ؛ فقد نشأ هذا الحزب على اسس وطنية واضحة ؛ وتناءى عن دعوات الوحدة تحت التاج المصرى التى قامت عليها دعاية الاحزاب الاتحادية ؛ كما ناهض حزب الامة المؤيد حينها للادارة الانجليزية تحت شعاره المخادع : " السودان للسودانيين " ؛ كما عارض بصورة واضحة الدعوة الملكية المضمنة فى خطاب حزب الامة والانصار ؛ طارحا بديلا جديدا هو الجمهورية السودانية المستقلة . ولقد ارخ الاستاذ احمد خير المحامى لذلك فى كتابه الرائد " كفاح جيل " ؛ فكتب الاتى عن الحزب الجمهورى :

    "ولما وضحت معالم الخلاف واشتد وطيسه بين الاتحادية والانفصالية ؛ نشأ الحزب الجمهورى ؛ وهو حزب ينادى باستقلال السودان عن مصر وانجلترا على السواء ؛ وقيام جمهورية سودانية . ولقد همس بالفكرة جماعة من انصار الوضع الحاضر ؛ وكانت تبدو حلا وسطا وقنطرة يلتقى عندها دعاة الوحدة والوئام من صفوف الفريقين ؛ ولكنها لم تلق رواجا لان اساسها انفصالى . وبعد فترة من الزمن نادى بها رئيس واعضاء الحزب الجمهورى القائم الان .

    لقد برهن رجال الحزب الجمهورى على صدق عزيمتهم وقوة ايمانهم ؛ لذلك يتمتعون باحترام الجميع . كما برهن رئيسهم على اخلاص وصلابة وشدة مراس ؛ ولعل هذه الاسباب هى نفسها التى جعلتهم يقفون فى عزلة وانفراد ؛ غير ان شدة العداء بين الجمهوريين وحزب الامة ؛ قدم دليلا جديدا لعله الاقطع على انطواء الاخيرين على فكرة الملكية . فالحزبان استقلاليان ؛ ولما لم يكن بين الجمهورية والملكية توسط ؛ كان من البديهى ان ان تقوم الملكية فى الجانب الثانى ؛ بعد ان قامت الجمهورية فى الاول ؛ والا لما كان هناك مجال لعدم التعاون او الاندماج "

    ان الكلمات السابقة لا تحمل اى مبالغة ؛ فقد اشترك الجمهوريون فى كل النشاطات الوطنية من اجل الاستقلال ؛ كما تعرضوا للملاحقة والسجن من جراء نشاطاتهم هذه ؛ واعتقل وحوكم وسجن الاستاذ محمود مرتين ؛ فى المرة الاولى لمدة خمسين يوما ؛ اطلق سراحه بعدها بعد التضامن الواسع الذى لقاه من مواطنى مسقط راسه رفاعة ؛ومؤيدى الحزب الجمهورى وناشطى الحركة الوطنية ؛ وفى المرة الثانية لمدة اطول ؛ خرج بعدها الاستاذ محمود ليدخل فى خلوة استمرت قرابة العامين ؛ ليخرج منها بافكاره الدينية التى كونت لب الدعوة الاصلاحية اللاحقة ؛ والتى عرفت بها الفكرة الجمهورية .ان الجمهوريين الذين يرصدون تلك المواقف فى تاريخهم للحركة فى هذه الفترة ؛ يزعموا ان الاستاذ محمود هو اول سجين سياسيى فى السودان ! وقد يكون رايهم صحيحا ؛ اذا ما اضافوا : بعد معتقلى الغزوالانجليزى المصرى من ثوار المهدية ؛ ومساجين مختلف التمردات والثورات ضد المستعمر الانجليزى ؛ و بعد ثورة 1924 ؛ والتى امضى قادتها السنين الطوال فى سجون المستعمر ؛ واستشهدوا بها ؛ ومن بينهما زعيمى الحركة عبيد حاج الامين و على عبد اللطيف ؛ والذى استشهد الاول منهما سجينا فى العام 1933والثانى فى العام .. 1948 ؛ فى محبسه الاخير بمصحة العباسية بمصر ؛ بعد 24 عاما من انطلاق الثورة .

    اننا فى تاريخنا للحركة الجمهورية ؛ نرصد انها قامت على اسس سياسية وطنية ؛ وفق برنامج ليبرالى واضح ؛ وان الحزب قد تجمد عمليا فى نهاية الاربعينات ؛ وذلك بدخول رئيسه فى خلوته ؛ وذلك حتى العام 1951 ؛ وهو عام خروج الاستاذ من خلوته حيث بدات النزعات الدينية تظهر فى خطاب الاستاذ والحزب ؛ وتتاسس عليها ايديولوجيته الجديدة . ان الحزب سيواصل نشاطه طوال الخمسنينات فى معركة الاستقلال والحريات ؛ وفى مناهضة الاحزاب والسياسات الطائفية ؛ الا انه سيظل حزبا صغيرا ؛ غائبا عن التاييد الشعبى ؛ رغم التقدير العظيم والاحترام الكبير لقائده على مستوى المثقفين وناشطى الحركة السياسية ؛ وسيستمر فى النشاط حتى انقلاب الفريق عبود فى العام 1958 ؛ والذى حل جميع الاحزاب السياسية ؛ ليدخل الحزب فى تجميد جديد لنشاطه ؛عدا عن اخراج اصدارات متقطعة لمحمود ؛ منها الكتيب الرائد فى دعوتهم " الاسلام " ؛ والذى صدر فى العام 1960 ؛ عقب فصل ثلاثة من الطلبة الجمهوريين من المعهد العلمى ؛ والضجة والتشويه الذى دار فى ذلك المعهد عن الفكرة الجمهورية ؛ وقيما عدا ذلك فقد سجلوا سلبية واضحة وغيابا شبه تام عن العمل السياسى ؛ حتى ثورة اكتوبر 1964.

    بعد ثورة اكتوبر واصل الجمهوريون نشاطهم ؛ فى اطار الحزب الجمهورى الذى اعاد تكوين نفسه ؛ وتركز نشاطهم على دعم ثورة اكتوبر ومنجزاتها ؛ ومحاربة سياسية القوى الطائفية المعادية للديمقراطية ؛ وعلى عملهم الفكرى والدعائى فى نشر وتعميم دعوة الاستاذ محمود التجديدية والاصلاحية ؛ فكان اشتراكهم فى مؤتمر الدفاع عن الديمقراطية ؛ وفى الكتابة الصحفية ؛ وشهدت هذه الفترة اصدار مجموعة من اهم كتبهم ؛ والتى تحوى الدعوة التجديدية للاستاذ محمود ؛ ك" رسالة الصلاة " يناير 1966 ؛ و " طريق محمد " مارس 1966 ؛ و"الرسالة الثانية من الاسلام " المشار اليه قبلا ؛ و " الاسلام برسالته الاولى لا يصلح لانسانية القرن العشرين "يناير 1969 ؛ وغيرها . كما اسهموا فى النقاش والصراع حول مختلف القضايا السياسية المحلية والعالمية ؛ فكانت لهم رؤيتهم لمشكلة الشرق الاوسط ؛ وتميزوا بموقف مضاد للناصرية والكتلة الشيوعية ؛ كما تصدوا لدعوة الدستور الاسلامى المطروحة من قبل الاحزاب الطائفية والاصولية بالمعارضة والنقد والتحليل ؛ اضافة الى التصدى للدعاية السلفية والاصولية لحركة الاخوان المسلمين الناهضة حينها ؛ وكان لهم اسهامهم فى معارك حماية الدستور والحقوق الاساسية ؛ فى ظل موقف واضح ومبدئى من الاحزاب الطائفية وقيادتها وسياساتها وحكوماتها .

    من الحزب الى الجماعة

    جدل الدينى والسياسى فىصيرورة الحركة :

    بعد قيام انقلاب مايو فى العام 1969 ؛ وحله لجميع الاحزاب السياسية ؛ تعطل الحزب الجمهورى ؛ وابتعد قائده واعضاؤه عن ساحة النشاط العام ؛ رغم ترحيبهم بمايو واعتبارها انقاذا للبلاد من السياسات الطائفية ؛ ليعودوا وينظموا انفسهم من جديد ؛ فى العام 1972 ؛ ليس كحزب سياسى هذه المره ؛ وانما كجماعة دينية –اجتماعية –تربوية اطلقت على نفسها وفكرها ابتداءا اسم الدعوة الاسلامية الجديدة ؛ ثم ما لبث ان تحولت عنه الى الاخوان الجمهوريين ؛ وهو الاسم الذى عرفت به من ذلك الحين ؛ والذى لا يزال قيد الاستعمال ؛ وان كان بعض اتباع الفكرة قد تخلى عنه بعد التوقف شبه الرسمى لنشاط الجماعة بعد استشهاد الاستاذ ؛ ويفضلوا ان يستعملوا بديلا عنه اسم الحركة الجمهورية ؛ للدلالة على مجمل تراث الجمهريين ؛ فى تحولاتهم التنظيمية المختلفة ؛ ويطلقوا على اغلب التراث الفكرى الذى خلفه محمود ؛ وانجزته الحركة فى تطوراتها المختلفة ؛ اسم الفكرة الجمهورية .

    ان اعادة تاسيس الحركة باسم الاخوان الجمهوريين ينبع فى اعتقادنا من سببين رئيسين ؛ الاول منهما سياسى ؛ وهو عدم سماح النظام المايوى لاى شكل من اشكال النشاط السياسى المستقل خارج اطار مؤسساته الواحدية ؛ والتى كانت حينها ذات طابع علمانى واضح ؛ فى الوقت الذى تسامح فيه الى حد كبير مع قيام ونشاط الكثير من الحركات الدينية على اختلاف مشاربها ؛ بدءا من الحركات والتجمعات الصوفية الصغيرة والمتعددة ؛ مرورا بحركة انصار السنه السلفية ؛ وانتهاءا بحركة الجمهوريين التجديدية . ان نظام مايو بهذا الشكل كان يرمى الى تحييد هذه القوى او الى جلبها لمواقع التاييد له ؛ مقابل السماح لها بنشاطها" الدينى"–التعبوى . ومن الجهة الاخرى فقد كان يلعب على تناقضاتها ويستخدمها بذكاء فى مناوراته السياسية ؛ ضد بعضها البعض او ضد اطراف اخرى ؛ مع عدم قطع شعرة معاوية مع اى منها . ان اختيار الاستاذ محمود اذن لشكل الجماعة الدينية قد كان فيه قراءة واقعية لمجال العمل المتاح ؛ فى نفس الوقت الذى كان فيه تقبل النظام لاعادة تاسيس الحركة ونشاطها نابعا من قرائته لها كجماعة صغيرة محدودة التاثيرشعبيا وغير مضرة سياسيا ؛ وهى فى المحصلة مؤيدة له .

    الا ان السبب الاساس يكمن فى اعتقادنا فى طبيعة التحولات الفكرية التى تراكمت فى مسيرة الاستاذ محمود ؛ والتحولات الاجتماعية التى طرات على تركيبة الحركة ؛ وفى مجمل الكيان الاجتماعى السودانى ؛ لتحول الحركة من تنظيم وطنى سياسى معاد للاستعمار الى حركة دينية وتربوية وربما صوفية فى المقام الاول ؛ كما استقرت عليه الحركة فى العقد الاخير لنشاطها .

    ان النزعات الدينية فى شخصية الاستاذ قد كانت ظاهرة منذ البدء ؛ بل ان حتى حملة التضامن مع امراة رفاعة قد فجرت من داخل المساجد ؛ اضافة الى المسلكيات الدينية والصوفية للاستاذ فى فترة السجن وفى خلوته الطويلة ؛ حيث مارس الاستاذ الصيام بكثافة فى فترة السجن ؛ الامر الذى فسره بعض مؤيدوه وناشطى الحركة الوطنية كاضراب عن الطعام وشكل من اشكال مقاومة الاستعمار . الا ان دخول الاستاذ فى خلوة لمدة عامين بعد خروجه من السجن والتعطيل العملى لنشاط الحزب فى هذه الفترة ؛ والشخصية الدينية الطاغية التى خرج بها الاستاذ بعد انتهاء خلوته ؛ قد وسمت الحركة بهذا الطابع الدينى المتزايد ؛ والذى تجلى فى اول خطاب للاستاذ حول الحزب الجمهورى ومبادؤه بعد خروجه من خلوته ؛ حيث ابرز المبادى السياسية التى يقوم عليها الحزب ؛ فراى المهمة الاولى فى الجلاء ؛ واوضح موقفا مستقلا من القائلين بالتعاون مع الاستعمار البريطانى ؛ والداعين الى التعاون مع مصر ؛ و دعا الى زمالة جهاد مع المصريين ؛ لا الى زمالة وحدة او اتحاد ؛ واوضح معالم سياسة الحزب فى الدعوة للجمهورية السودانية ؛ التى تتطلب ضم كل الصفوف ؛ لانجاز الجلاء التام ؛ واقامة الجمهورية السودانية التى تتحقق فيها العدالة الاجتماعية والحرية الفردية .

    الا ان هذه المبادى السياسية الواضحة ؛ قد ارتبطت بفكرة دينية منذ البدء ؛ حيث شن الاستاذ هجوما فكريا مكثفا على الانظمة الراسمالية الغربية ؛ والانظمة الشيوعية ؛ والتى ارجعها الى مصدر واحد هو المادية الغربية ؛ ودعا الى بديل جديد هو الديمقراطية الشعبية ؛ والتى راى فلسفتها الاجتماعية فى الاسلام ؛ لانه الفلسفة التى جمعت بين الروح والمادة ؛ والقادرة على تحقيق الحرية الفردية ؛ والعدالة الاجتماعية .

    كما راى الاستاذ فى نفس الخطاب ان الوحدة الوطنية وجمع الصفوف لا تتم الا تحت راية الاسلام ؛ والذى راى فيه الفكرة الجامعة ؛ والمدخل للحكم الصالح ؛ والحافز للجهاد الصادق ؛هذا الجهاد الذى ينتهى باحدى الحسنيين ؛ اما شرف الشهادة ؛ او عزة النصر .

    ان الاستاذ يختم خطابه بالقول " ان حركتنا الوطنية لا يمكن ان تحقق طائلا الا اذا جمعت اشتات الفرق ؛ والطوائف ؛ والاحزاب ؛ ايضا ؛ حول الفكرة الخالدة التى جاء بها الاسلام ؛ والتى اشرت اليها انفا ؛ والتى اجتمع عليها اوائلنا ؛ فحققوا العزة ؛ والحرية والعدل ؛ ولن تجد سودانيا واحدا يتخلف عن دعوة تجمع بين عز الدنيا ؛ و شرف الآخرة .." ( التلخيص والفقرة المقتبسة من :البيان الذى القاه رئيس الحزب الجمهورى فى الاجتماع العام للحزب ؛ الخرطوم ؛ 30-10-1951 ؛ المصدر : مكتبة الفكرة الجمهورية ؛ فى صفحة الانترنت : http://www.alfikra.org)

    ان قراءة تحليلية لهذا الخطاب؛ والذى يشكل احدى الوثائق الاولى للحركة ؛ اضافة الى السفر الاول للجمهوريين (بمثابة وثيقة التاسيس ) ؛ توضح جملة حقائق رئيسية ؛ هى :

    1. ان الدعوة الجمهورية هى دعوة فكرية ؛ حملت منذ تاسيسها مبادى سياسية راقية ؛ من دعوتها الى الحرية الفردية ؛ والعدالة الاجتماعية ؛ فى ظل جمهورية سودانية فدرالية ؛ وفى موقف واضح من رفض الانزلاق لمساندة طرفى الحكم الاجنبى ؛ والذى تورطت فيه الاحزاب الطائفية والاتحادية ؛ مع موقف مصادم من الاستعمار ؛ ومطلب واضح فى الجلاء التام .

    2. ان هذه الدعوة قد ارتبطت منذ البدء بموقف سلبى حاسم ؛ من المؤسسات والنظم السياسية الغربية ؛ فى صورتها الراسمالية اوالشيوعية ؛ ودعت الى فكرة اسلامية بديلة عنهما ؛ رات انها تؤدى الى تحقيق نظام الحكم الصالح القائم على تحقيق الحرية الفردية والعدالة الاحتماعية .

    3. ان الدعوة الاسلامية للاستاذ فى مطلعها ؛ ورغم بعض الملامح التجديدية ؛ الا انها قد كانت تقليدية وسلفية الى حد كبير ؛ كما قامت على حشد الشعور الوطنى من مواقع الحماسة الدينية ؛ كما تجلى ذلك عمليا فى حملة الدفاع عن امراة رفاعة ؛ و نظريا فى الخطاب المشار اليه .

    4. ان هذه الدعوة ؛ قد قامت على اسس تؤدى عمليا الى تديين السياسة ؛ والى استبعاد غير المسلمين من اطار الفكرة والحركة ؛ اللهم الا اذ تقبلوا الاسلام كحل وفلسفة ونظام للحكم ؛ الامر الذى طرحته الحركة فيما بعد كبديل شامل للانسانية .



    اننا فى مقال آخر (تاملات فى افق المعرفة والشهادة ؛ فى موت وحياة محمود محمد طه ) ؛ قد ذهبنا الى ان قيام الحركة فى وقت تصاعد فيه النضال ضد الاستعمار ؛ وبدا فيه نمو الاحزاب والتيارات الفكرية والسياسية ؛ قد فرض عليها شكلا من النشاط السياسى والتنظيمى بدات وانطلقت منه ؛ وهو شكل الحزب السياسى ؛ ونضيف هنا ان شخصية الاستاذ الصوفية ؛ وتوجهاته الدينية ؛ قد جرت الحركة تدريجيا الى مواقع دينية تتعزز باستمرار ؛ حيث سيتضائل العامل السياسى الاول بجلاء الاستعمار ومجى الحكومات الوطنية ؛ وخصوصا تحت الانظمة العسكرية ؛ فى مقابل توجه اكثر نحو الجانب الدينى . ان ما يثير الاهتمام هنا هو هجر الحزب الجمهورى للعملية الانتخابية ووسائل الحشد و النشاط الجماهيرى العام ؛ منذ تحقيق الاستقلال ؛ وهى الاشكال التقليدية للممارسة السياسة ؛ والتركيز فى المقابل على العمل الفكرى والتربوى ؛ والمخاطبة الشخصية ؛ مع الاحتفاظ بالحد الادنى من الروابط التنظيمية ؛ والتى كفلت لحزبهم فى البدء ولجماعتهم من بعد سبل البقاء والحركة والانتشار ؛ الامر الذى ااستمر حتى استشهاد الاستاذ والحل شبه الرسمى للحركة .

    اننا هنا لا نملك الا ان نعلق على التسمية التى اختارها الجمهوريون لتنظيمهم ؛ بعد خروجهم من مرحلة الحزب ؛وهى تسمية : الاخوان الجمهوريين . فالتسمية فى شكل ما تؤكد الطبيعة الدينية للتنظيم ؛ كونهاغالبا تعتمد على مرجعية الحديث النبوى الذى يستشهد به الجمهوريون كثيرا ؛ والقائل : " وا شوقاه لاخوانى الذى لم ياتوا بعد !! قالوا: او لسنا اخوانك يا رسول الله ؟ قال: بل انتم اصحابى..الخ " . اننا لا ننفى هنا ايضا امكانية التاثر و/او المعارضة فى آن بتجربة وتسمية الاخوان المسلمين القديمة والراسخة ؛ وهى الحركة ذات الاصول الدينية الاكثر ديناميكية ونشاطا فى البلدان العربية والبلدان ذات الاغلبية الاسلامية فى الاربعينات والخمسينات ( وقت تاسيس الحزب الجمهورى ) ؛ وفى السودان فى الستينات والسبعينات ( عند الانتقال الى مرحلة الاخوان الجمهوريين) . وفى الحقيقة فان مقارنة هاتان الحركتان توضح انهما قد تطورتا فى اتجاه مناقض ؛ فحين بدا الجمهوريون كحزب سياسى ؛ ما لبث مع الزمن ان تحول الى حركة دينية تجديدية وتربوية ؛ فان حركة الاخوان المسلمين قد قامت فى البدء كحركة اصلاحية تربوية دينية ؛ لكيما تتحول مع الايام الى حركة سياسية صرفة ؛ تمارس السياسة وتدخل اليها من اردأ ابوابها .

    نقطة اخرى تستحق التعليق فى التسمية ؛ وهى طابعها الذكورى الواضح ؛ للدلالة على مجمل التنظيم ؛ فرغم ان الجمهوريين فى حديثهم عن عضواتهن من النساء قد كانوا يرمزوا اليهن بالاخوات الجمهوريات ؛ الا ان تسميتهم للتنظيم ككل قد كانت ذكورية بحته : الاخوان الجمهوريين . ان هذا الموقف يوضح حجم القيود التى تضعها آليات الفكر الدينى والنصوص المرجعية الدينية حتى على حركة تدعى لنفسها التجديد فى فهم وطرح الاسلام ؛ وعلى الطابع المحدود والمحافظ لتقدمية الحركة فى مجال موقفها من المراة ؛ والذى نتمنى ان نناقشه لاحقا فى ثنايا هذ المقال .

    محاولة للتشريح الاجتماعى

    من هم الاخوان الجمهوريين :

    رغما عن عدم توفر احصائيات لنا وتحليلات اجتماعية وفئوية لعضوية الاخوان الجمهوريين ؛ ورغم التقلبات التى طرات على الحركة من بدايتها كحزب وطنى متطرف ؛ وانتقالها الى حزب سياسى –دينى ؛ وانتهاءها الى جماعة دينية تربوية فى المقام الاول ؛ ورغما عن طول الفترة الزمنية التى يغطيها مقالنا (اربعين عاما ) ؛ والتغير الطبيعى فى تركيب الحركة بين الاجيال والافراد ؛ وغيرها من العوائق الموضوعية ؛ الا اننا فى هذه الفقرة نغامر بمحاولة للتشريح الاجتماعى ؛ لمعرفة الاصول الاجتماعية والفكرية لللاخ الجمهورى ؛ من هو الاخ الجمهورى ؛ وما هى جملة الخلفيات الاجتماعية والفكرية التى جعلت مجموعات من النساء والرجال عبر اربعين عاما تنتمى الى هذه الحركة المتفردة فى مجال السياسة والفكر فى السودان ؟

    ان متابعة بسيطة وشخصية لحركة الاخوان الجمهوريين فى اواخر السبعينات والنصف الاول من الثمانينات ؛ فى مدينة عطبرة ( والتى قد تكون مثالا نموذجيا لمراكز تجمعات ونشاط الجمهوريين ) ؛ قد اوضحت لنا ان الاغلبية العظمى من مؤيدى الفكرة الجمهورية قد كانت تتكون من شريحة المثقفين ؛ ونعنى هنا تحديدا الطلاب ؛ صغار المثقفين ؛ المعلمين ؛ الخ . اى بلغة اخرى ؛ هى شريحة تنتمى الى فئة الافندية السودانية ؛ او لو شئت المصطلحات الطبقية فهى تنتمى الفئات المثقفة والمحدودة الدخل من الطبقة الوسطى السودانية . اننا نلاحظ قلة عدد الجمهوريين وسط جماهير العمال والمزارعين ؛ وربما انعدامهم وسط الرعاة . اننا اذا سلمنا بالصفة التمثيلية للجمهوريين فى مدينة عطبرة ؛ واذا استتثنينا المخضرمين من الجمهوريين ممن تابعوا الحركة منذ بدايتها ؛ ومجموعات الاطفال والايافع الذين انتموا الى الحركة من منطلق التاثير الاسرى ؛ فيمكننا ان نرصد ان الحركة ؛ فى فترة السبعينات والثمانينات على الاقل ؛ قد كانت حركة تضم شرائح المثقفين المدينيين الشباب ؛ والمثقفين من ذوى الاصول الريفية القريبة من المدن ؛ او الذين عاشوا ودرسوا بالمدن ؛ من بنات وابناء وسط وشمال السودان .

    ان هذه الشريحة من الشباب المدينى المثقف قد كانت دائما فى واقع السودان الاكثر ديناميكية وفعالية على مستوى النشاط الفكرى والسياسى ؛ وان كان اتجاه ميولاتها قد انقسم طوال الفترة مدار البحث ما بين التيارات والاتنظيمات اليسارية والسلفية ؛ مع هامش صغير وسطها داعم للاحزاب التقليدية ؛ هذا اذا استثنينا بروز ظاهرة المستقلين وسط تالطلاب فى السبعينات والثمانينات لظروف متعددة ليس هنا مجال ذكرها . فاين هو موقع الاخوان الجمهوريين وسط هذا التقسيم العام ؟

    فى اعتقادى ان الشباب من الجمهوريين ؛ وقد تلقوا قسطا من التعليم الاكاديمى والوعى بما يسمح لهم بتجاوز الاطر الطائفية فى الفكر والؤلاء ؛ فقد ووجهوا باختيار مؤلم ومعادلة صعبة ؛ وهم ينظروا الى الساحة السياسية والفكرية حينها ؛ ما بين التوجه والانضمام الى التنظيمات السلفية والاصولية ؛ وهى التى طرحت لفترة طويلة فكرا جامدا ومسطحا ؛ لا يجيب على الكثير من التساؤلات الاجتماعية ولا يستوعب ضرورات العصر ؛ والتغييرات المختمرة فى احشاؤء المجتمع السودانى ؛( فى تلك المرحلة من تطوره) ؛ وبين التوجه الرايكالى الثورى للتنظيمات اليسارية على اختلاف مشاربها ؛ والتى بتركيزها على قضايا سياسية واجنتماعية جذرية ؛ وبطابعها العلمانى الواضح ؛ لم تكن قادرة على اختراق البنية والخلفية النفسية والفكرية التقليدية لشباب منحدرين من بيئة تقليدية دينية ؛ واغلبهم ذو الرتباطات ريفية ؛ مليئة بالكثير من الافكار والمفاهيم والارث التقليدى والصوفى ؛ الامر الذى يكثر وجوده فى ريف وحضر شمال ووسط السودان .

    بهذا المعنى ؛ فان الفكرة الجمهورية والحركة الجمهورية قد كانت اختيارا نموذجيا وحلا وحيدا ؛ فى غياب وجود حركة ليبرالية وسطية قوية ومستقرة فى الفضاء السياسى ؛ لشرائح من الشباب المتعلم والحساس ؛ ممن لم تكسر بعد حواجزها الاخيرة مع التقليدى ؛ وفى نفس الوقت كفت عن ان تتقبله كاملا . انه اختيار وسطى بجدارة ؛ بين سلفية الاخوان المسلمين والتى قدمت اجترارا مريضا لفكر السلف ؛ وان بواجهات حديثة ؛ وبين راديكالية الحركات اليسارية والثورية ؛ والتى افترضت درجة اكبر واكثر حدة من الانقطاع عن الفكر والخلفية والبينية التقليدية لمجتمع شمال السودان ؛ ودرجة اوضح من الالتزام التنظيمى والسياسى .

    ان الفكر الجمهورى قد كان هو البديل المتاح حينها عن هذه المعادلة الصعبة ؛ حيث كان يهدف الى تطويع الدين مع متغيرات الحياة العصرية ( قدمنا الاسلام فى المستوى العلمى الذى يظفر بحل مشكلات الحياة المعاصرة ) " بيان : هذا او الطوفان" .ان الفكرة الجمهورية ؛ كدعوة دينية تجديدية ؛ مطعمة بعناصر صوفية ؛ وملطفة بعناصر اخلاقية ؛ وكحركة اصلاح اجتماعيى داعية الى طريقة سلمية للتغيير قائمة على تربية الافراد والاصلاح الاجتماعى ؛ وليس عن طريق اجراء تغييرات ثورية مرتبطة غالبا بشكل من اشكال الممارسات العنيفة ؛ (ثورة ؛ انقلاب ؛ مصادمات مسلحة ) ؛ كما كان الامر فى كل من ايديولوجية الاخوان المسلمين واليساريين ؛ قد كانت تشكل الملجا الوحيد لهذه الفئة الوسطية المتارجحة ما بين الارث التقليدى المتراكم وطموح الحداثة وتياراتها الجارفة .

    اننا نزعم انه فى طبيعة الخلفيات التقليدية للشرائح المتعلمة السودانية ؛ وابوية وسلمية التكوينات الاجتماعية فى شمال السودان ؛ وطابع التعليم الذى تتعايش فيه المتناقضات من المفاهيم العلمية والخرافات الشعبية ومؤثرات الفكر الدينى ؛ تكمن الاسباب التى تحفز على قيام حركة مثل حركة الاخوان الجمهوريين ؛ وعلى انضمام الفئات المذكورة الى صفوفها ؛ رغما عن كل الحديث الصفوى عن الذكاء والاذكياء فى فهم الاسلام والعصر ؛ والذى كان يبرر به الجمهوريون اختياراتهم الفكرية والسياسية .

    اشكال النشاط والدعوة

    الطابع السلمى والاتصال الفردى :

    لقد تميز نشاط الاخوان الجهوريين بتفرد مميز ؛ طوال سنوات نشاطهم ؛عن بقية تيارات الحركة الفكرية والسياسية فى السودان ؛ فى مجال الدعوة والتنظيم ؛ مما يمكن اجمالها فى التالى :

    · انعدام النشاط المعارض او التصادم مع السلطات .

    · الطابع السلمى للنشاط والدعوة .

    · الاتصال الفردى والمخاطبة الشخصية فى كسب التاييد .

    ان الخاصية الاولى ؛ ورغم النشاط المصادم للجمهوريين ؛ والاستاذ محمود شخصيا ؛ ضد الحكم الاستعمارى ؛ وضد نظام مايو بعد قوانين سبتمبر ؛ الا انها تبدو لنا واضحة خلال موقفهم من نظامى الفريق ابراهيم عبود 1958-1964 ؛ ومن نظام جعفر نميرى 1969-1983 ؛ حيث انعدم نشاطهم المعارض طوال سنوات حكم الفريق عبود ؛ رغم المضايقات التى كانوا يتعرضوا لها ؛ ضمن بقية مكونات القوى الفكرية والسياسية ؛ ومجمل قطاعات الشعب السودانى . بل ان الاستاذ محمود قد وجه الى الفريق عبود رسالة ينصحه فيها بتطبيق افكار الجمهوريين ؛ وتبنى مقترحاتهم الدستورية فى بداية عهده ؛ الامر الذى واجهه الفريق عبود بالتجاهل التام .

    ان هذا الموقف السلبى ؛ اى انعدام النشاط المعارض ؛ قد تحول ايجابيا بعد مايو ؛ حيث دعم الجمهوريون النظام ؛ واعلنوا ذلك فى نشراتهم ومواقفهم ؛ رغم الاختلافات الفكرية بينهما ؛ الا انهم عدوا النظام خيرا من تحالف الطائفية والاصولية ؛ واعتبروه مرحلة انتقالية لكيما يتاهل الشعب بالتربية لاستشراف الحرية والنظام الاسلامى الصالح .

    ان انعدام النشاط المعارض هذا ؛ قد يكون جزءا من مفهوم " التقية " الممارس من قبل الكثير من الحركات الاسلامية والصوفية السابقة ؛ لحقن الدماء وحفظ المال والبدن . وربما كان لدواع تكتيكية ؛ تتمثل فى الاستفادة من تسامح السلطة للنشاط الاعلامى والدعوى . الا ان الباعث الاساسى يكمن فى نظرى فى طبيعة فكرهم الاصلاحى والسلمى ؛ وفى انعدام الافق السياسى الجذرى فى حركتهم ؛ وفى الطابع الصفوى لها ؛ والذى يركز على تربية الافراد اكثر مما يركز على استنهاض الجمهور والثورة .وعموما فان لنا عودة فى فقرة قادمة لهذه الثيمة .

    اما الخاصية السلمية فى نشاط الجمهوريين الواضحة ؛ وموقفهم فى عدم الرد لمواجهة القوى السلفية (الاخوان المسلمين وانصار السسنة تحديدا) ؛ وفى مواجهة العنف البدنى واللفظى تجاههم فى العديد من المحافل والمواقع ؛ فقد وصلت الى مراحل متطرفة . فكم من اعتداءات تمت تجاههم فى الجامعات والمدارس بل وحتى فى الشوارع ؛ تعرض فيهم كوادرهم للضرب والتجريح ؛ دون ان تحرك فيهم ساكنا . بل ان الاستاذ محمود نفسه لم يسلم من هذا العنف فى مناسبات مختلفة ؛ والذى كانت قمته فى اغتياله الدامى بيد السفاح نميرى . ان موت محمود بالطريقة التى تم بها ؛و التسليم او الاستسلام الذى واجهت به حركتهم هذه المحنة ؛ يدل على نوع متطرف من الروح السلمية وانعدام روح المصادمة فى بنيتهم .

    هذا الطابع السلمى ؛ قد يجد جذوره فى طبيعة الفكر الصوفى نفسه ؛ وهو فى رأينا نبع اساسى ومرجع فكرى ومسلكى رئيسى للاستاذ والجمهوريين . ففى مسلك اقطاب الصوفية الذين ووجهوا بالمحن ؛ وتميزوا بروح عالية من المسالة ؛ يكمن قدر كبير من التسامح الفكرى والسياسى . هذا التسامح والروح السلمية ؛ تسنده صفوية الفكر والفعل الصوفى نفسه ؛ اضافة الى معرفة الصوفيين ( ومن بعدهم الجمهوريين ) ؛ بتفرد طريقهم وغرابته للعامة واهل الشريعة ؛ حيث جاء فى الاثر الصوفى ( لا يبلغ احد درج الحقيقة ؛ حتى يشهد فيه الف صديق ؛ بانه زنديق " الجنيد") .وفى نفس الاتجاه كان الجمهوريون يكرروا الحديث النبوى ( جاء الدين غريبا ؛ وسيعود غريبا ؛ فطوبى للغرباء ..) . اضف الى ذلك تسليم مطلق لله ؛ وفق فهم راسخ بان كل ما فى الكون ؛ وفى حياة الانسان ؛ انما يجرى بمسيرته ؛ ولذلك فقد كان مقتل مختلف الصوفيين ؛ مربوط بنوع من الاستسلام اللامبالى بالمصير ؛ وانعدام اى نوع من المقاومة تجاه الجلادين ؛ واستشهاد محمود فى ذلك لا يشكل استثناء.

    غير هذه المصادر المرجعية ؛ فاننا نرجح مصدرا آخر يمكن ان يكون له تاثيره فى تكوين الروح السلمية عند الاستاذ والجمهوريين ؛ وهو ظاهرة المقاومة السلمية لغاندى ( satia grasha ) فى فترة نهاية الثلاثينات والاربعينات ؛ وهى فترة التكون النفسى والسياسى والفكرى لمحمود . ان هذا الاستناج غير مستبعد ؛ اذا ما علمنا بان منهج غاندى السلمى ؛ قد تجاوز حدود الهند ؛ الى العديد من المجتمعات الشرقية والغربية . لقد اثرت تكتيكات غاندى لفترة طويلة على النهج السلمى لحزب المؤتمر الوطنى الافريقى فى جنوب افريقيا ؛ وهى البلد التى عاش ونشط فيها غاندى لفترة من الزمن ؛ كما امتد الى المنهج السلمى لمارتن لوثر كنج ؛ والتيار الذى قاده فى حركة الحقوق المدنية لزنوج امريكا . اننا لا نبالغ بالقول ان هذا المنهج قد اثر حتى على بعض القوى اليسارية الماركسية ؛وهى التى لا تستبعد العنف فى العمل السياسى ؛ وترى فيه مرات قابلة التاريخ (ماركس) . ان محمد ابراهيم نقد قد اشار الى ان احد جذور فكرة الاضراب السياسى ؛ ترجع لممارسات وتكتيكات غاندى فى افريقيا وفى نضاله من اجل التحرر الوطنى فى الهند ؛ وقد تم من بعد تبنى الاضراب السياسى العام ؛ وهو اسلوب سلمى فى مجمله ؛ فى ارث واستراتيجية اليسار السودانى ؛ كاداة اساسية اللنضال والتغيير ( من ندوة لمحمد ابراهيم نقد ؛ جامعة القاهرة فرع الخرطوم ؛ اكتوبر 1985).

    اننا ورغما عن عدم توفر دلائل اكيدة على وجود هذا التاثير الغاندوى ؛ الا انه محتمل جدا فى نظرنا ؛ بطبيعة التكوين الفكرى والنفسى لمحمود ؛ واتباعه من الجمهوريين ؛ وتقارب الجذور الفلسفية للفكر الهندى الذى استقى منه غاندى ؛ مع الاصول الفكرية والمرجعية الصوفية التى استند عليها محمود . اننا نزعم هنا ان فى حياة الرجلين تشابهات اعمق ؛ ليس هنا مجال دراستها ؛ ولذلك فاننا لا نراها مجرد بلاغة لفظية ؛ حينما وصفت صحيفة اللوموند الفرنسية محمود بعد بموته ؛ بانه "غاندى افريقيا" .

    خاصية اخرى فى نشاط الجمهوريين ؛ وهى اتصالهم الفردى والمباشر مع الجمهور ؛ عن طريق جماعاتهم الصغيرة التى توزع وتبيع مطبوعاتهم فى الاسواق والشوارع والبيوت ؛ فى ممارسة قريبة لنشاط "شهود يهوة" فى امريكا واوروبا ؛ وكذلك عن طريق المخاطبة المباشرة ؛ عن طريق اركان النقاش التى كانوا يقيموها فى امكن التجمعات العامة ؛ والتى اسموها "بمنابر الحوار ". واخيرا عن طريق المؤسسة المسماة ببيت الجمهوريين ؛ والذى كان يتبع لهم فى كل مدينة لهم بها بعض الوجود . ان هذا الاتصال المباشر قد كانت فيه محاولة للاتصال مع الشعب عن طريق اللسان ؛ وهو الطريق الاكثر قربا من المواطن ؛ اضافة الى سيطرة الحكومة على وسائل الاعلام العامة ؛ وقد كان هذا الاتصال ميسورا لهم ؛ حيثما لم يكونوا واقعين تحت ضغوط العمل السرى ؛ والتى وقعت فيها التنظيمات السياسية المعارضة ؛ من اطراف اليسار واليمين .اما مؤسسة بيت الجمهوريين ؛ فقد كانت محاولة عصرية ؛ لبناء المسيد او المثابة ؛ التى تمارس فيها واجبات دينية (الصلاة والذكر ) اضافة الى الواجبات التنظيمية (الاجتماعات وحلقات الشرح والندوات للاعضاء الجدد وتنسيق النشاط ) ؛ والواجبات الاجتماعية وهى ربط الاخوان اجتماعيا ؛ واسكان من لا سكم لهم بالبيت . وقد كان منزل الاستاذ نفسه بامدرمان ؛ بمثابة البيت الرئيسى للجمهوريين ؛ والمركز العام لحركتهم ونشاطهم ؛ والرمز الذى اليه يرجعون .

    اننا نلاحظ هنا ان الجمهوريين ورغم نشاطهم الفكرى والدعائى الكثيف ؛ فى ظروف سودان السبعينات واوائل الثمانينات ؛ ورغم امكانيات العمل العلنى المتيسرة لهم ؛ لم يفلحوا فى خلق تنظيم جماهيرى ذو نفوذ ؛يمتد الى طبقات وشرائح اجتماعية متعددة وواسعة . ان احد الشهادات تقول ان عدد الجمهوريين فى لحظة وفاة الاستاذ ؛ لم يتجاوز الالف عضو ؛ بما فيهم الاطفال والايافع ! اننا نرجع هذا الى طبيعة تنظيمهم الصفوية ؛ والى غرابة طرحهم الفكرى ؛ وعدم قدرتهم على تبسيطه وشرحه للمواطن البسيط . وقد يرجع ايضا الى الدعاية الضادة من قبل القوى السلفية والتقليدية ؛ والتى كانت تنظر لهم ككفار ومرتدين . وقد يرجع ضعف وجودهم فى الريف ؛ لموقفهم العدائى الواضح من المؤسسات الطائفية . كما ان من الاسباب المحتملة لضمورهم دفاعهم المستمر عن نظام مايو اليكتاتورى ؛ على الاقل حتى منتصف 1983 ؛ وهو نظام مكروه حتى النخاع من المواطن البسيط ؛ ويفتقد الى اى سند شعبى حقيقى ؛ وخصوصا وسط فئات العمال والمثقفين . وقد تكون كل هذا الاسباب مجتمعة ؛ وكون فكرهم قائم على اساس الطريق الفردى للتربية والتجويد والوصول ؛ وتناقض ذلك مع الشكل الجماعى للنشاط والدعاية والتنظيم ؛ كما يتبدى فى شكل المنظمات الجماهيرية ؛ذات التاييد الشعبى الواسع .

    نهاية الجزء الاول من المقال
    مراجع الجزء الاول :

    · كفاح جيل ؛ للاستاذ احمد خير المحامى ؛ 1948 .

    · نص البيان الذى القاه رئيس الحزب الجمهورى ؛ الاستاذ محمود محمد طه ؛ فى الاجتماع العام للحزب .الخرطوم ؛ 30-10-1952.

    · معالم فى طريق الفكرة الجمهورية ؛ كتيب صادر عن الاخوان الجمهوريين 1975.

    · Biography of Al Ustaz Mahmoud Mohamed Taha , published in www.alfikra.org .

    · بيانات ومعلومات شخصية .

    · معلومات وملاحظات من الاستاذين ياسر الشريف و عمر عبد الله .

    عادل عبد العاطى
                  

06-25-2002, 12:52 PM

أبنوسة
<aأبنوسة
تاريخ التسجيل: 03-15-2002
مجموع المشاركات: 977

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقال لد. منصور خالد كتب بعيد إغتيال الشهيد محمود محمد طه (Re: أبنوسة)

    الأخ يا هو زاتو



    إليك ما كتبه الأستاذ حسين أحمد أمين في مقدمة ترجمته لكتاب د.عبدالله النعيم
    نحو تطوير التشريع الإسلامى

    تأليف د. عبدالله أحمد النعيم

    ترجمة وتقديم: حسين أحمد أمين

    سيناء للنشر، القاهرة 1994



    ووالتي لأهميتها أنشرها كاملة في بوست منفصل




    يبدو أنَّ المصريين قد اعتادوا واستمرأوا فكرة أن تكون بلادهم مصدر الإشعاع الفكرى فى العالمين العربى والإسلامى، ذلك أنَّ القليلين من مثقفيهم هم الذين يلقون بالاً الى الثمار الفكريَّة فى الأقطار المحيطة بقطرهم، أو يقدرون الضرر الذى سينجم حتماً، عن هذه العزلة وهذا الإغفال. وها قد مضى أكثر من ربع قرن على ظهور كتاب فى السودان، هو كتاب "الرسالة الثانيَّة فى الإسلام" للشهيد محمود محمد طه، الذى أعدَّه أهم محاولة ينهض بها مسلم معاصر لتطوير التشريع الإسلامى، والتوفيق بين التعاليم الإسلاميَّة ومقتضيات المعاصرة، دون أن يحظى فى مصر (أو فى بلد إسلامى خارج السودان على حد علمى) بالإهتمام الذى هو أهل له، ودون أن نلمس له تأثيراً فى إتجاهات مفكرينا ومثقفينا وجمهور شعبنا، رغم إحتوائه على فكرة أساسيَّة ثوريَّة لا شكَّ عندى فى قدرتها متى صادفت القبول لدى الرأى العام الإسلامى، على أن توفر الحلول لمعظم المشكلات التى تكتنف موضوع تطبيق الشريعة، فى إطار إسلامى.

    وفى الكتاب بين أيدينا عرض واف لهذه الفكرة ولغيرها من الأفكار التى نادى بها المرحوم الأستاذ محمود محمد طه. غير أنه لا بأس من أن نوجز الفكرة الرئيسة فيما يلى:

    إنَّ النظرة المتمعنة فى محتوى القرآن الكريم والسنة النبويَّة تكشف عن مرحلتين لرسالة الإسلام: المكيَّة والمدنيَّة. والرسالة فى المرحلة الأولى هى الرسالة الخالدة والأساسيَّة، رسالة تؤكد الكرامة الأصيلة لكافة البشر، دون إعتبار للجنس، أو العرق، أو العقيدة الدينيَّة أو غير ذلك. وقد تميزت هذه الرسالة بالتسويَّة بين الرجال والنساء، وبحريَّة الإختيار الكاملة فى أمور الدين والعقيدة. فأما أسلوب الدعوة اليها فقائم على أساس الإقناع بالحجج العقليَّة، والجدل بالتى هى أحسن، دون أدنى قدر من الإكراه أو القهر.

    وإذا رفض المشركون هذا المستوى الرفيع للرسالة، وبدا واضحاً أنَّ المجتمع ككل لم يكن بعد مستعداً للأخذ بها، جاءت الرسالة الأكثر واقعيَّة فى الفترة المدنيَّة، ونفذت أحكامها. وعلى هذا فإنَّ جوانب رسالة الفترة المكيَّة، التى لم تكن قابلة للتطبيق العلمى فى السياق التاريخى للقرن السابع الميلادى، علقت وحلت محلها مبادئ أكثر عملية. غير أنَّ الجوانب المعلقة من الرسالة المكيَّة لم تضع الى الأبد بوصفها مصدراً للشريعة، وإنما أجل تنفيذها الى حين توافر الظروف المناسبة فى المستقبل.

    وقد سبق لى أن ذكرت فى مقدمة كتابى "دليل المسلم الحزين الى مقتضى السلوك فى القرن العشرين" أنَّ كثيراً مما نخاله من الدين هو من نتاج حسابات تاريخيَّة وإجتماعيَّة معينة، ومن إضافات بشر من حقب متعاقبة. وقد كان من شأن هذه الحسابات والإضافات أن أسدلت حجاباً كثيفاً على جوهر الدين وحقائقه الأساسيَّة الخالدة. فالدين لا ينشأ فى فراغ، وإنما يظهر فى مجتمع معين وزمن معين، فتتلون تعاليمه بالضرورة بظروف ذلك المجتمع ومقتضيات ذلك الزمان وتراعيها. هو إذن حقيقة مطلقة وردت فى إطار تاريخى، وظهرت فى بيئة إجتماعيَّة إنعكست معالمه عليه، وذلك من أجل أن يلقى القبول، ويحظى منهم الغالبيَّة، ويضمن الإنتشار. فكما أنه يستحيل على المرء أن يحمل الماء إلا فى إناء، أو يحتفظ بعنصر كيميائى غازى إلا أن خلطه بعنصر غريب يحوله الى أقراص صلبة، فإنَّ الرسالة الدينيَّة بحقائقها العالميَّة والخالدة لا يمكن إلا أن تبلغ لمجتمع معين، فى حقبة تاريخيَّة محددة، وهو ما يجعل من المحتم أن تدفع الرسالة ثمن ذلك فى صورة الدخيل المؤقت، العارض المحلى، غير الجوهرى وغير الأساسى. فلو أنَّ الرسالة الخالدة لم تراع جهاز الإستقبال لدى من تسعى الى مخاطبته والوصول اليه، لضاعت فى الأثير واستحال إلتقاطها. أما ضمان إلتقاطها واستقبالها فيقتضى تغليف الرسالة بما ليس فى صلبها، وترجمة المحتوى العالمى الخالد الى لهجة محليَّة، ومراعاة غلظ الأذهان، وضعف المستوى الثقافى والحضارى، والتشبث العنيد بالمفاهيم الموروثة والتقاليد. فإن أصرت الرسالة على أن تحتفظ بنقائها فلا تتلون بالظروف المحليَّة والتاريخيَّة، ضاعت هدراً ولم يقبلها أحد. ولو أن الرسالة قد تلونت عند تبليغها بالمحلى التاريخى، ثم أصرت بعد ذلك على البقاء على ما هى عليه، رغم إنتشارها الى بيئات إجتماعيَّة جديدة، ومرور الحقب التاريخيَّة عليها، وأبت أن تتشكل بظروف تلك البيئات الجديدة، ومقتضيات العصر تلو العصر، لاستحال عليها أن تلبى الإحتياجات الروحيَّة لأهل المجتمعات والعصور الجديدة الفعاليَّة نفسها التى لبت بها إحتياجات أهل المجتمع والعصر اللذين جاءت الرسالة فيهما.

    هذا عن رأى وقت كتابتى لمقدمة كتابى المشار اليه. وأنا الآن أميل الى القول مع الأستاذ محمود محد طه بأن رسالة الإسلام بحقائقه العالميَّة الخالدة، بُلغت خلال الفترة المكيَّة دون حساب لغلظ الأذهان، وضعف المستوى الحضارى للعرب فى ذلك الوقت، ودون التلون بالظروف المحليَّة والتاريخيَّة. وفى ظنى أن هذا هو أيضاً ما أراد على عبدالرازق أن يقوله فى كتابه "الإسلام وأصول الحكم" عام 1925، وإن كان قد عبر عن قصده بعبارات تتسم ببعض الإلتواء، وما عبر عنه صراحة المؤرخ البريطانى آرنولد توينبى فى آخر كتاب له وهو :

    Mankind and Mother Earth فى عام 1976 والذى نشر بعد سنة من وفاة مؤلفه.

    غير أنَّ الأستاذ طه يذهب الى أبعد مما ذهب اليه أحد منا، ويصل بالفكرة الى نتيجتها المنطقيَّة: فعنده أن الفقهاء القدامى من مؤسسى صرح الشريعة الإسلاميَّة، جانبهم التوفيق إذ فسروا مبدأ النسخ على أساس أنَّ النصوص اللاحقة من القرآن والسنة (أى الفترة المدنيَّة)، تنسخ أو تلغى كافة نصوص الفترة المكيَّة السابقة، التى تبدو متعارضة معها. والسؤال الذى ينجم عن هذا هو ما إذا كان مثل هذا النسخ دائم المفعول بحيث تبقى النصوص المكيَّة الأقدم، غير معمول بها الى أبد الآبدين. ويذهب محمود طه الى أنَّ هذا القول مرفوض بالنظر الى أنه لو صح لما كان ثمة معنى للإتيان بالنصوص الأقدم. كما يذهب الى أنَّ القول بأنَّ النسخ أبدى يعنى حرمان المسلمين من أفضل جوانب دينهم. وبالتالى فهو يقترح تطوير أسس الشريعة الإسلاميَّة، وتحويلها من نصوص الفترة المدنيَّة الى نصوص الفترة المكيَّة السابقة عليها. ويعنى هذا أنَّ المبدأ التأويلى فى التطوير لا يعدو أن يكون عكساً لعمليَّة النسخ، بحيث يصبح بالإمكان الآن تنفيذ أحكام النصوص التى كانت منسوخة فى الماضى، ونسخ النصوص التى كانت تطبقها الشريعة التقليديَّة، وذلك من أجل تحقيق القدر اللازم من إصلاح القانون الإسلامى.

    كتب محمود طه فى "الرسالة الثانيَّة من الإسلام" يقول: "وتطور الشريعة كما أسلفنا القول، إنما هو إنتقال من نص الى نص، من نص كان هو صاحب الوقت فى القرن السابع فأحكم، الى نص عُدَّ يومئذ أكبر من الوقت فنسخ. قال تعالى: ما ننسخ من آية أو ننساها نأت لخير منها أو مثلها (سورة البقرة،106). قوله .. ما ننسخ من آية.. يعنى: ما نلغى ونرفع من حكم آية.. قوله أو ننساها يعنى: نؤجل من فعل حكمها.. نأت بخير منها.. يعنى: أقرب لفهم الناس وأدخل فى حكم وقتهم من المنساة.. أو مثلها.. يعنى: نعيدها هى نفسها الى الحكم حين يحين وقتها.. فكأنَّ الآيات التى نسخت إنما نسخت لحكم الوقت، فهى مرجأة الى أن يحين حينها. فإن حان حينها فقد أصبحت هى صاحبة الوقت، ويكون لها الحكم، وتصبح بذلك هى الآية المحكمة، وتصير الآية التى كانت محكمة فى القرن السابع منسوخة الآن.. هذا هو معنى حكم الوقت: للقرن السابع آيات الفروع، وللقرن العشرين آيات الأصول".



    ***

    وقد يفاجأ القارئ بهذه القراءة غير المعهودة للآية، فهى فى المصحف بين أيدينا (ما ننسخ من آية أو ننساها). غير أنَّ الطبرى فى تفسيره يقول: "... وقرأ ذلك آخرون (أو ننساها) بفتح النون وهمزة بعد السين بمعنى: نؤخرها، من قولك "نسأت هذا الأمر أنسؤه نسأ ونساء" إذا أخرته... وممن قرأ ذلك جماعة من الصحابة والتابعين، وقرأه جماعة من قراء الكوفة والبصريين... فتأويل من قرأ ذلك كذلك: ما نبدل من آية أنزلناها إليك يامحمد، فنبطل حكمها ونثبت خطأها، أو نؤخرها فنرجئها ونقرها فلا نغيرها ولا نبطل حكمها، نأت بخير منها أو مثلها". وهو التأويل الذى أخذ به محمود طه، وأخذ به أحد أنجب تلاميذه ومعاونيه، وهو الدكتور عبدالله أحمد النعيم، مؤلف هذا الكتاب بين أيدينا.
                  

06-25-2002, 01:07 PM

أبنوسة
<aأبنوسة
تاريخ التسجيل: 03-15-2002
مجموع المشاركات: 977

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقال لد. منصور خالد كتب بعيد إغتيال الشهيد محمود محمد طه (Re: أبنوسة)

    خبر صغير قابلني أثناء بحثيالإصلاح الإسلامي
    لم يشهد العالم الإسلامي حركة إصلاحية تقدمية منذ عهد الشيخ محمد عبده في مصر. وعندما عاد الشيخ عبده من اوروبا أعلن أنه لم ير فيها مسلمين ولكنه شهد فيها أخلاق المسلمين. في عام 1919 خلعت هدى شعراوي الحجاب اثناء مظاهرة في شوارع القاهرة. ولكن منذ الستينيات وفي أعقاب هزيمة يونيو عاد المسلمون أدراجهم الى ما قبل عبده وشعراوي. وفي غضون ذلك ظهر إسلام ملتفا بأردية سياسية عديدة. واستخدم الإسلام لتبرير وتعزيز توجهات سياسية متناحرة. والسؤال الهام الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا اليوم هو كيف وصلنا إلى ما نحن فيه اليوم؟ الإسلام يستخدم في ذبح ثلاثة الاف مدني كانوا يحتسون قهوة الصباح ويتأهبون لكسب أرزاق اسرهم صبيحة الحادي عشر من سبتمبر. صحفية مصرية تعيش في الولايات المتحدة اليوم اسمها منى الطحاوي تتناول هذا السؤال في مقال نشرته في صحيفة واشنطن بوست. تقول الطحاوي إنه لا يكفي أن يجلس المسلمون لإلقاء اللوم على السياسة الخارجية الأميركية. بل يجب أن يسبر المسلمون أغوار النفس بحثا عن اجابات للأسئلة والتحديات الصعبة التي تواجه المسلمين اليوم. وهذا يعني ضرورة نشوء فكر إصلاحي افتقدناه منذ أواخر القرن التاسع عشر. لقد علم المسلمون العالم مبادئ الفلك والكيمياء وفكرة الصفر في الرياضة وأشياء عديدة اخرى. وأعطى الإسلام المرأة حقوقا لم تحصل عليها المرأة في حضارات وأزمان أخرى. وتقول منى الطحاوي هذا الكلام من مأمن وجودها في أميركا لأن مفكرا إصلاحيا سودانيا اسمه محمود محمد طه أعدم على الملأ عام 1985 لأنه تجرأ ودعا الى الإصلاح. لكن الطحاوي ليست وحدها اليوم التي تدعو المسلمين الى نبذ الإجابات الكسولة والبحث عن تلك الصعبة. العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني قال الشئ نفسه في مقابلة مع صحيفة وول ستريت جورنال. والبروفسور عبد الله النعيم في جامعة ايموري الأميركية ومؤلف كتب عديدة أحدها عن الإسلام والحريات المدنية وحقوق الإنسان. لكن الأهم من نشر هذه الدعوة في صحف وكتب وجامعات أميركية نحن بحاجة ماسة اليوم الى بدء نقاش داخل العالم العربي والإسلامي حتى نحدد مكاننا في العالم الحديث اليوم ومكاننا من العالم في المستقبل.

    عاطف عبد الجواد
                  

02-03-2003, 02:04 PM

أبنوسة
<aأبنوسة
تاريخ التسجيل: 03-15-2002
مجموع المشاركات: 977

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقال لد. منصور خالد كتب بعيد إغتيال الشهيد محمود محمد طه (Re: أبنوسة)

    -2-

    اتصل الدكتور إتصالاً وثيقاً، بأستاذه الروحى محمود محمد طه على مدى سبع عشرة سنة كاملة، إنتهت بإعدام طه فى الخرطوم بتهمة الردة عن الإسلام فى 18 يناير 1985، بإيعاز من رئيس الجمهوريَّة آنذاك، جعفر النميرى، الذى سقط نظامه بعد سنة وسبعين يوماً فقط من قتله لهذا المفكر الإسلامى البارز. وقد شارك عبدالله النعيم مشاركة إيجابيَّة فعالة فى حركة "الإخوان الجمهوريون" التى تزعمها محمود طه فى السودان، واعتقل معه فى الفترة ما بين 17 مايو 1983 و19 ديسمبر 1984، وأسهم إسهاماً مشكوراً، وهو القانونى القدير ورئيس قسم القانون العام فى كلية الحقوق بجامعة الخرطوم فى الدفاع عن المتهمين من زملائه فى الحركة، وضمان الإفراج عنهم، غير أنه أضطر بعد إعدام أستاذه والقضاء على الحركة وتفرق السبل بأنصارها الى الهجرة الى الخارج، حيث قام بترجمة كتاب طه "الرسالة الثانيَّة من الإسلام" الى الإنجليزيَّة، وألف بالإنجليزيَّة هذا الكتاب الذى كان لى شرف الإضطلاع بترجمته الى العربيَّة.

    ***

    والكتاب فى واقع الأمر هو مزيج من فكر طه وفكر النعيم، فالفكرة الأساسيَّة لمحمود طه التى أوجزناها منذ قليل هى التى إتخذها النعيم منطلقاً له فى كتابه الراهن: تعهدها ونماها، وزودنا بإجابات على التساؤلات التى قد تثور بصددها، وبالتطبيق المنهجى المتسلسل لها فى ميادين الدستوريَّة وحقوق الإنسان والقانون الجنائى والقانون الدولى، وبالإستقراء التاريخى للفكر الإسلامى المتصل بقضايا القانون العام، مستفيداً فى كل ذلك من الخلفيَّة القانونيَّة التى توفرت له، ولم تتوفر لأستاذه المهندس محمود محمد طه.



    وهو شأن كل تلميذ نجيب ذكى مبدع لقائد مرموق من قادة الفكر، لم يتوقف عند المدى الذى وصل اليه أستاذه، ولا أبقى الفكرة على الحال الذى تركها عليه ذلك المفكر، وإنما إتجه بكل إخلاص وهمة الى إنماء الفكرة وتطويرها للوصول بها الى نتائجها المنطقيَّة، وتطبيقها على مجالات متنوعة.. فهو هنا إذن يؤدى إزاء محمود طه دور أفلاطون إزاء سقراط. وكما أننا إزاء الكثير من الآراء الواردة فى محاورات أفلاطون نجد من الصعب نسبة هذا الرأى أو ذاك الى المؤلف أو الى أستاذه، فكذا نحن إزاء بعض الأفكار الواردة فى الكتاب الراهن. وقد كان وصفنا إياه بالمزيج من قبيل الإستسهال، وبسبب إصرار المؤلف الكريم فى حواراتى معه على نسبة كل فضل الى أستاذه، غير أنَّ مقارنة القارئ بين كتب طه وبين كتاب النعيم كفيلة بأن تسهل بعض الشئ، من إدراكنا لحقيقة الإضافات الجوهريَّة البناءة والإبداعيَّة للنعيم. وأضيف هنا قولاً أكاد أكون واثقاً من أنَّ الدكتور النعيم سيستاء منه، وسيرفضه ويزور بوجهه عنه، وهو أنَّ إعجابى بكتابه فاق إعجابى بكتاب "الرسالة الثانيَّة من الإسلام". وأما سبب ذلك فأذكره وأنا أكاد واثقاً من أنَّ بعض القراء من العرب سيستاءون منه، وسيرفضونه ويزورون بوجههم عنه، وهو أنَّ كتاب النعيم كُتب أصلاً بالإنجليزيَّة، وهى لغة لا تكاد تسمح بالأسلوب الخطابى الإنشائى الفضفاض، الذى تميز به للأسف كتاب الزعيم السودانى الراحل، ولا يستسيغ قراؤها الإبتعاد عن معايير الفكر المحدد الدقيق.



    -3-

    غير أنى أتدارك وأصحح وأستغفر.. فيقينى أنَّ النعيم لو كان قد ألف كتابه بالعربيَّة لتميز الكتاب بالقدر نفسه من الهدوء والموضوعيَّة والدقة والروح العلميَّة الصارمة الذى تميز به الأصل الإنجليزى.. فالخطابة والأسلوب الإنشائى الفضفاض ليسا من السمات اللصيقة بالعربيَّة إلا فى عصور إنحطاطها. وأما الهدوء والموضوعيَّة والدقة والروح العلميَّة الصارمة، فجميعها سمات فى شخصيَّة عبدالله النعيم، لا مفر أن تنعكس فى كتاباته. وصفات لمستها فيه منذ لقائى الأول معه فى القاهرة يوم 29 مارس 1993، وهو لقاء دبرته لنا الفنانة المصريَّة الأصيلة السيدة عطيات الأبنودى مخرجة الأفلام التسجيليَّة الشهيرة، بعد إبدائى لها شهادة إعجابى بكتاب عبدالله النعيم، وكانت قد قرأته وتعرفت بمؤلفه قبلى.. ولن أنسى أمسيَّة جمعتنى بالنعيم والمفكر الإسلامى الكبير الأستاذ طارق البشرى، وهو إنسان على شاكلة النعيم فى الهدوء والوقار، والإتزان ورحابة الصدر، رغم إختلافهما الجذرى فى مجال الفكر الدينى، إذ يأبى المؤرخ المصرى الأخذ بتاريخيَّة النص الدينى، بينما يصر القانونى السودانى عليها. وقد كان حوارهما الهادئ الموضوعى المتزن حول هذا الموضوع مثلاً يحتذى- وإن كان نادراً ما يحتذى فى مجتمعنا الإسلامى البائس- فى تحاور مفكرين إن إختلفت إتجاهاتهم وآراؤهم، جمعتهم الرغبة الصادقة فى الوصول الى الحق، بل والى ما هو عندى خير من الحق ذاته، وهو التفاهم.. فكأنما كان لسان حال الإثنين ينطق بقولة الإمام الشافعى الشهيرة: "والله ما ناظرت أحداً قط فأحببت أن يخطئ، وما كلمت أحداً قط وأنا أبالى أن يبين الله الحق على لسانى أو على لسانه".

    فأين جعفر النميرى وعمر البشير وأمثالهما من أمثال هؤلاء؟!



    ***

    وكم قد حز فى نفسى أن تتقطع لقاءاتى بالنعيم إذ يغادر مصر الى واشنطن ليعمل مديراً تنفيذياً فى منظمة Africa Watch المعنيَّة بحقوق الإنسان فى القارة الأفريقيَّة. ولا شكَّ عندى فى أنه يتطلع الى اليوم الذى يتمكن فيه من العودة الى السودان ليواصل الدعوة الى أفكاره والأفكار الأصيلة لحركة "الإخوان الجمهوريون" التى تفرق أنصارها وتوقف نشاطها بعد حظر السلطات السودانيَّة لهذا النشاط منذ يناير 1985، ولم تظهر لها قيادة جديدة بعد إعدام زعيمها.. وهو أمر يوحى للأسف الشديد بأنَّ إرتباط معظم أنصارها بزعيمهم كان وجدانياً أكثر منه فكرياً. ولا أحسب أنَّ أحداً منهم سعى مثلما سعى النعيم الى تأصيل وصياغة الأسس الفكريَّة للحركة؛ كيما تغدو تراثاً إنسانياً لا هو حكر على تلاميذ طه السابقين، ولا قاصر على السودان، بل ولا حتى على الأقطار الإسلاميَّة. فعند النعيم أنَّ كتاباً ككتابه الراهن "لا يخاطب المسلمين المعاصرين وحدهم. فرغم أنَّ قضايا إصلاح القانون الإسلامى، والتحول الإجتماعى والسياسى فى العالم الإسلامى، هى من شأن شعوب الأقطار الإسلاميَّة فى المقام الأول، فإنها أيضاً تدخل فى الإهتمامات المشروعة للبشريَّة جمعاء، بسبب تأثيرها فى حقوق الإنسان والحريات الأساسيَّة للبشر... ذلك أنه لم يعد بوسع البشريَّة أن تتنصل من مسئوليتها عن مصير البشر فى أى جزء من العالم، وهو ما نعده إنجازاً مجيداً للحركة الدوليَّة الحديثة المناصرة لحقوق الإنسان. فكافة شعوب العالم مدعوة إذن لمساعدة المسلمين فى محنتهم، ولأن تُقبل مساعدة المسلمين لغير المسلمين فى محنهم. غير أنه ينبغى أن نؤكد مع ذلك أن هذه الجهود فى سبيل التعاون المتبادل ينبغى النهوض بها، فى رفاهة حس وطيب نية، إن أردنا لها أكبر قدر ممكن من النجاح والفعاليَّة.



    -4-

    إنَّ آراء كتلك التى وردت فى كتب طه والنعيم هى فى ظنى كملح الفواكه، لا تؤتى مفعولها إلا بعد مدة! غير أنى أكاد أكون على ثقة من أن اليوم سيجئ الذى تحدث هذه الآراء فيه تأثيراً عميقاً وواسع النطاق فى فكر المثقفين فى العالم الإسلامى أولاً، ثم فى وجدان جماهيره العريضة، ولن يكون هذا اليوم بعيداً كما يتصور بعض المتشائمين، فحاجة المسلمين تشتد فى زمننا هذا- ويوماً بعد يوم- الى توفير حلول مناسبة للمشكلات المتفاقمة بأقطارهم، تكون من وحى تراثهم ودينهم وتقاليدهم، والى تأكيد هويتهم الحضاريَّة فى مواجهة الأخطار التى تهدد بإبتلاعها.. غير أنَّ حقهم فى تقرير المصير يحده حق الأفراد الآخرين والجماعات الأخرى فى الشئ ذاته، مما يحتم تحقيق مصالحة بين الشريعة الإسلاميَّة وبين كافة حقوق الإنسان العالميَّة، وإقناع المسلمين بأنَّ "الشخص الآخر" الذى ينبغى عليهم قبول مبدأ المساواة الكاملة بينهم وبينه، (كالدول الأجنبيَّة غير الإسلاميَّة، والأقليات غير المسلمة التى تعيش فى أقطارهم، والنساء المسلمات اللاتى تنتقص الشريعة التقليديَّة من حقوقهن)، يشمل كافة البشر الآخرين، بغض النظر عن الحسابات العرقيَّة والدينيَّة والجنسيَّة.

    ***

    وعندى أنَّ هذا الحل كامن فى الأفكار الأساسيَّة التى طرحها المفكر الإسلامى السودانى الفذ محمود محمد طه، وفى هذا الكتاب لتلميذه المفكر الإسلامى السودانى الفذ الدكتور عبدالله أحمد النعيم، وهو الكتاب الذى سألنى النعيم يوم 29 مارس 1993 أن أكتب مقدة له، فانبريت فى حماسة أسأله الإذن بترجمته بأكمله الى اللغة العربيَّة.



    حسين أحمد أمين

    مصر الجديدة فى 19 يونيو1993
                  

02-03-2003, 02:09 PM

أبنوسة
<aأبنوسة
تاريخ التسجيل: 03-15-2002
مجموع المشاركات: 977

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقال لد. منصور خالد كتب بعيد إغتيال الشهيد محمود محمد طه (Re: أبنوسة)

    الأخ دكين

    شكرا لسؤالك، وإليك بقية مقدمة الكتاب حسب طلبك وأعتذر عن التأخير في التكملة

    أختك
    أبنوسة
    ===================================================================================

    -2-


    اتصل الدكتور إتصالاً وثيقاً، بأستاذه الروحى محمود محمد طه على مدى سبع عشرة سنة كاملة، إنتهت بإعدام طه فى الخرطوم بتهمة الردة عن الإسلام فى 18 يناير 1985، بإيعاز من رئيس الجمهوريَّة آنذاك، جعفر النميرى، الذى سقط نظامه بعد سنة وسبعين يوماً فقط من قتله لهذا المفكر الإسلامى البارز. وقد شارك عبدالله النعيم مشاركة إيجابيَّة فعالة فى حركة "الإخوان الجمهوريون" التى تزعمها محمود طه فى السودان، واعتقل معه فى الفترة ما بين 17 مايو 1983 و19 ديسمبر 1984، وأسهم إسهاماً مشكوراً، وهو القانونى القدير ورئيس قسم القانون العام فى كلية الحقوق بجامعة الخرطوم فى الدفاع عن المتهمين من زملائه فى الحركة، وضمان الإفراج عنهم، غير أنه أضطر بعد إعدام أستاذه والقضاء على الحركة وتفرق السبل بأنصارها الى الهجرة الى الخارج، حيث قام بترجمة كتاب طه "الرسالة الثانيَّة من الإسلام" الى الإنجليزيَّة، وألف بالإنجليزيَّة هذا الكتاب الذى كان لى شرف الإضطلاع بترجمته الى العربيَّة.

    ***

    والكتاب فى واقع الأمر هو مزيج من فكر طه وفكر النعيم، فالفكرة الأساسيَّة لمحمود طه التى أوجزناها منذ قليل هى التى إتخذها النعيم منطلقاً له فى كتابه الراهن: تعهدها ونماها، وزودنا بإجابات على التساؤلات التى قد تثور بصددها، وبالتطبيق المنهجى المتسلسل لها فى ميادين الدستوريَّة وحقوق الإنسان والقانون الجنائى والقانون الدولى، وبالإستقراء التاريخى للفكر الإسلامى المتصل بقضايا القانون العام، مستفيداً فى كل ذلك من الخلفيَّة القانونيَّة التى توفرت له، ولم تتوفر لأستاذه المهندس محمود محمد طه.



    وهو شأن كل تلميذ نجيب ذكى مبدع لقائد مرموق من قادة الفكر، لم يتوقف عند المدى الذى وصل اليه أستاذه، ولا أبقى الفكرة على الحال الذى تركها عليه ذلك المفكر، وإنما إتجه بكل إخلاص وهمة الى إنماء الفكرة وتطويرها للوصول بها الى نتائجها المنطقيَّة، وتطبيقها على مجالات متنوعة.. فهو هنا إذن يؤدى إزاء محمود طه دور أفلاطون إزاء سقراط. وكما أننا إزاء الكثير من الآراء الواردة فى محاورات أفلاطون نجد من الصعب نسبة هذا الرأى أو ذاك الى المؤلف أو الى أستاذه، فكذا نحن إزاء بعض الأفكار الواردة فى الكتاب الراهن. وقد كان وصفنا إياه بالمزيج من قبيل الإستسهال، وبسبب إصرار المؤلف الكريم فى حواراتى معه على نسبة كل فضل الى أستاذه، غير أنَّ مقارنة القارئ بين كتب طه وبين كتاب النعيم كفيلة بأن تسهل بعض الشئ، من إدراكنا لحقيقة الإضافات الجوهريَّة البناءة والإبداعيَّة للنعيم. وأضيف هنا قولاً أكاد أكون واثقاً من أنَّ الدكتور النعيم سيستاء منه، وسيرفضه ويزور بوجهه عنه، وهو أنَّ إعجابى بكتابه فاق إعجابى بكتاب "الرسالة الثانيَّة من الإسلام". وأما سبب ذلك فأذكره وأنا أكاد واثقاً من أنَّ بعض القراء من العرب سيستاءون منه، وسيرفضونه ويزورون بوجههم عنه، وهو أنَّ كتاب النعيم كُتب أصلاً بالإنجليزيَّة، وهى لغة لا تكاد تسمح بالأسلوب الخطابى الإنشائى الفضفاض، الذى تميز به للأسف كتاب الزعيم السودانى الراحل، ولا يستسيغ قراؤها الإبتعاد عن معايير الفكر المحدد الدقيق.



    -3-

    غير أنى أتدارك وأصحح وأستغفر.. فيقينى أنَّ النعيم لو كان قد ألف كتابه بالعربيَّة لتميز الكتاب بالقدر نفسه من الهدوء والموضوعيَّة والدقة والروح العلميَّة الصارمة الذى تميز به الأصل الإنجليزى.. فالخطابة والأسلوب الإنشائى الفضفاض ليسا من السمات اللصيقة بالعربيَّة إلا فى عصور إنحطاطها. وأما الهدوء والموضوعيَّة والدقة والروح العلميَّة الصارمة، فجميعها سمات فى شخصيَّة عبدالله النعيم، لا مفر أن تنعكس فى كتاباته. وصفات لمستها فيه منذ لقائى الأول معه فى القاهرة يوم 29 مارس 1993، وهو لقاء دبرته لنا الفنانة المصريَّة الأصيلة السيدة عطيات الأبنودى مخرجة الأفلام التسجيليَّة الشهيرة، بعد إبدائى لها شهادة إعجابى بكتاب عبدالله النعيم، وكانت قد قرأته وتعرفت بمؤلفه قبلى.. ولن أنسى أمسيَّة جمعتنى بالنعيم والمفكر الإسلامى الكبير الأستاذ طارق البشرى، وهو إنسان على شاكلة النعيم فى الهدوء والوقار، والإتزان ورحابة الصدر، رغم إختلافهما الجذرى فى مجال الفكر الدينى، إذ يأبى المؤرخ المصرى الأخذ بتاريخيَّة النص الدينى، بينما يصر القانونى السودانى عليها. وقد كان حوارهما الهادئ الموضوعى المتزن حول هذا الموضوع مثلاً يحتذى- وإن كان نادراً ما يحتذى فى مجتمعنا الإسلامى البائس- فى تحاور مفكرين إن إختلفت إتجاهاتهم وآراؤهم، جمعتهم الرغبة الصادقة فى الوصول الى الحق، بل والى ما هو عندى خير من الحق ذاته، وهو التفاهم.. فكأنما كان لسان حال الإثنين ينطق بقولة الإمام الشافعى الشهيرة: "والله ما ناظرت أحداً قط فأحببت أن يخطئ، وما كلمت أحداً قط وأنا أبالى أن يبين الله الحق على لسانى أو على لسانه".

    فأين جعفر النميرى وعمر البشير وأمثالهما من أمثال هؤلاء؟!



    ***

    وكم قد حز فى نفسى أن تتقطع لقاءاتى بالنعيم إذ يغادر مصر الى واشنطن ليعمل مديراً تنفيذياً فى منظمة Africa Watch المعنيَّة بحقوق الإنسان فى القارة الأفريقيَّة. ولا شكَّ عندى فى أنه يتطلع الى اليوم الذى يتمكن فيه من العودة الى السودان ليواصل الدعوة الى أفكاره والأفكار الأصيلة لحركة "الإخوان الجمهوريون" التى تفرق أنصارها وتوقف نشاطها بعد حظر السلطات السودانيَّة لهذا النشاط منذ يناير 1985، ولم تظهر لها قيادة جديدة بعد إعدام زعيمها.. وهو أمر يوحى للأسف الشديد بأنَّ إرتباط معظم أنصارها بزعيمهم كان وجدانياً أكثر منه فكرياً. ولا أحسب أنَّ أحداً منهم سعى مثلما سعى النعيم الى تأصيل وصياغة الأسس الفكريَّة للحركة؛ كيما تغدو تراثاً إنسانياً لا هو حكر على تلاميذ طه السابقين، ولا قاصر على السودان، بل ولا حتى على الأقطار الإسلاميَّة. فعند النعيم أنَّ كتاباً ككتابه الراهن "لا يخاطب المسلمين المعاصرين وحدهم. فرغم أنَّ قضايا إصلاح القانون الإسلامى، والتحول الإجتماعى والسياسى فى العالم الإسلامى، هى من شأن شعوب الأقطار الإسلاميَّة فى المقام الأول، فإنها أيضاً تدخل فى الإهتمامات المشروعة للبشريَّة جمعاء، بسبب تأثيرها فى حقوق الإنسان والحريات الأساسيَّة للبشر... ذلك أنه لم يعد بوسع البشريَّة أن تتنصل من مسئوليتها عن مصير البشر فى أى جزء من العالم، وهو ما نعده إنجازاً مجيداً للحركة الدوليَّة الحديثة المناصرة لحقوق الإنسان. فكافة شعوب العالم مدعوة إذن لمساعدة المسلمين فى محنتهم، ولأن تُقبل مساعدة المسلمين لغير المسلمين فى محنهم. غير أنه ينبغى أن نؤكد مع ذلك أن هذه الجهود فى سبيل التعاون المتبادل ينبغى النهوض بها، فى رفاهة حس وطيب نية، إن أردنا لها أكبر قدر ممكن من النجاح والفعاليَّة.



    -4-

    إنَّ آراء كتلك التى وردت فى كتب طه والنعيم هى فى ظنى كملح الفواكه، لا تؤتى مفعولها إلا بعد مدة! غير أنى أكاد أكون على ثقة من أن اليوم سيجئ الذى تحدث هذه الآراء فيه تأثيراً عميقاً وواسع النطاق فى فكر المثقفين فى العالم الإسلامى أولاً، ثم فى وجدان جماهيره العريضة، ولن يكون هذا اليوم بعيداً كما يتصور بعض المتشائمين، فحاجة المسلمين تشتد فى زمننا هذا- ويوماً بعد يوم- الى توفير حلول مناسبة للمشكلات المتفاقمة بأقطارهم، تكون من وحى تراثهم ودينهم وتقاليدهم، والى تأكيد هويتهم الحضاريَّة فى مواجهة الأخطار التى تهدد بإبتلاعها.. غير أنَّ حقهم فى تقرير المصير يحده حق الأفراد الآخرين والجماعات الأخرى فى الشئ ذاته، مما يحتم تحقيق مصالحة بين الشريعة الإسلاميَّة وبين كافة حقوق الإنسان العالميَّة، وإقناع المسلمين بأنَّ "الشخص الآخر" الذى ينبغى عليهم قبول مبدأ المساواة الكاملة بينهم وبينه، (كالدول الأجنبيَّة غير الإسلاميَّة، والأقليات غير المسلمة التى تعيش فى أقطارهم، والنساء المسلمات اللاتى تنتقص الشريعة التقليديَّة من حقوقهن)، يشمل كافة البشر الآخرين، بغض النظر عن الحسابات العرقيَّة والدينيَّة والجنسيَّة.

    ***

    وعندى أنَّ هذا الحل كامن فى الأفكار الأساسيَّة التى طرحها المفكر الإسلامى السودانى الفذ محمود محمد طه، وفى هذا الكتاب لتلميذه المفكر الإسلامى السودانى الفذ الدكتور عبدالله أحمد النعيم، وهو الكتاب الذى سألنى النعيم يوم 29 مارس 1993 أن أكتب مقدة له، فانبريت فى حماسة أسأله الإذن بترجمته بأكمله الى اللغة العربيَّة.



    حسين أحمد أمين

    مصر الجديدة فى 19 يونيو1993
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de