محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-15-2024, 06:06 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   

    مكتبة الاستاذ محمود محمد طه
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-11-2002, 06:31 AM

بكرى ابوبكر
<aبكرى ابوبكر
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 18779

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة

    محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة
    عادل عبد العاطي
    (لا يبلغ أحد درج الحقيقة، حتي يشهد فيه ألف صديق، بأنه زنديق).
    الجنيد: توفي 297 هجرية.
    (علماء الظاهر هم زينة الأرض والملك، وعلماء الباطن هم زينة السماء والملكوت.. وعلماء الظاهر هم أهل الخبر واللسان، وعلماء الباطن من أرباب القلوب والعيان)
    أبو طالب المكي ت 368 هجرية.
    تعرض الأستاذ محمود محمد طه (1909 ــ 1985) لظلم تأريخي كبير في تقييمه، شخصا
    وفكرا ومواقف، من قبل بعض مؤيديه وجل معارضيه علي السواء.. ومما يؤسف له أن
    محاولة جادة لتقييم نشاطه وجهده علي ساحة الفكر والفلسفة والسياسة السودانية،
    لم تتم حتي الآن، رغم مرور اكثر من 15 عاما علي رحيله من دنيانا.(1)
    وان كان الظلم من قبل أعدائه، والذي تبدي في ابشع صوره، في مهزلة إعدامه البشعة في كانون الثاني (يناير) 1985، قد لقي جزاءا من التصحيح علي مستوي القانون، بحكم
    المحكمة العليا ببطلان حكم الإدانة والإعدام (1987)، إلا أن التصحيح علي مستوي
    الفكر لم يتم حتي الآن، ولا يزال كثير من المواطنين السودانيين، وغير السودانيين، والذين وان رفضوا مهزلة إعدامه لاسباب عرفوا أنها كانت، ولا زالت، سياسية، الا انهم لا يزالون ينظرون حتي الآن، إلي كثير من أفكاره ومواقفه من خلال منظار التشويه الذي لعبت فيه دعاية القوي الظلامية القسط الأكبر، ولعب دورا غير قليل منه عدد من اتباعه انفسهم، وان بنيات طيبة.
    وإذا كان اتباعه قد ظلموه في حياته، فقد فعلوا ذلك عندما حملوه اكثر مما يحتمل من آيات التقدير والتقديس، فلم ينظروا إلي فكره بمنظار النقد العلمي التاريخي.. وحين ربطوا مجمل حركتهم بشخصه، وحين رأوا فيه الكمال.. وظلموه اكثر، حينما روجوا قبل أيام من موته أوهاما لا يسندها منطق، حول عدم قدرة الحكام علي اغتياله.. فتركوه بذلك في يد الموت وحيدا، في وقت كان اكثر ما يحتاج فيه إلي التضامن، وغلوا بذلك أيادي قوي شعبية كثيرة، كانت سحائب غضبها تتجمع ضد النظام. وحين زعم بعضهم استحالة إعدامه، وضعوا الناس قسرا في حالة ترقب في انتظار المعجزة، وأخلوا بذلك الساحة بينه وبين السفاحين.
    وظلمه بعض اتباعه بعد موته، حين تراجعوا بغير انتظام، ودعموا تراجعهم بفكرة انه مات فداءا لكل الشعب، مدخلين مزيدا من الغيبية علي معني موته البطولي النبيل، وجاعلينه ستارا للإحباط والسلبية، من دون أن يفرقوا بين معاني الفداء الإيجابي المحرك لدواعي النضال، والتضحية السلبية التي ترتبط بالانكسار والاستسلام.. وحين تركوا للمتطرفين منهم وهم انه لم يقتل، أو علي الأقل سيعود من جديد، لم يفعلوا غير أن تأخروا عن قامته خطوات وخطوات.
    إلا أن الظلم الحقيقي يتبدي في فشل معظم اتباعه ومؤيديه عن أن ينظروا بعين النقد والتحليل لنتاج فكره ونشاطه ومنهجه، وتركوا بذلك الجهد الذي بناه عبر عشرات السنين، يضيع بين طيات التجاهل و النسيان أو سوء الفهم، وفي تركهم الحركة التي بناها تتحطم وتقف عند الحدود التي رسمها لها، والتي ما كان لها إلا أن تنهار وتندثر بموته، إذا أرادت أن تلتزم بمنهج فكره القديم. أن مقتل هذه الحركة الذي تكرس بمقتله وتحللها من بعده، ليجد جذوره في مجمل النهج الفكري والاجتماعي لمحمود، الأمر الذي سنناقشه لاحقا، إلا إن تلاميذه لم يخطوا خطوة واحدة للأمام، لإنقاذ هذا التراث العظيم، بفهم هذا المنهج نفسه وتطويره، بدلا من التكلس في صورته المثالية، التي تكرست في أذهانهم عنه، والتي تعرضت للاهتزاز بشدة، في درامية موته ورحيله.

    في أفق المعرفة
    نظرة في فكر محمود الفلسفي:
    بالرغم من تعدد اوجه نشاط محمود الفكري، وكتابته في العديد من المواضيع السياسية والفكرية والاجتماعية، إلا إن تصنيفي الأول والأخير له يقوم باعتباره صوفيا، صوفيا في عالمه الفكري، صوفيا في ممارسته، صوفيا في صورة استشهاده ورحيله.
    وقد لا يدرك الكثير، بمن فيهم بعض اتباع محمود، أن جل أفكاره تتماهي مع لب أفكار الصوفية، سواء في مدارسها الكونية، أو في صورتها العربية الإسلامية، أو في تجليها في الواقع السوداني.. إن التناقض ــ أو التمايز ــ بين الظاهر والباطن، بين الحقيقة والشريعة، والذي هو ركن أساسي في نظرية المعرفة عند الصوفية، قد تحول عند محمود محمد طه إلي تناقض وتمايز الأصول والفروع في القرآن، أو كما سماها بالقرآن في مرحلته المكية والمدنية، كما إن الطريق للوصول إلي الحقيقة، والقائم علي السعي ومجاهدة النفس عند الصوفية، هو نفسه طريق التقليد والأصالة عند محمود، والذي يتبلور حول فكرة أن الرسول محمد كان
    هو الأصيل الأول، والذي وصل إلي أصالته ــ الأخذ مباشرة عن الرب في ليلة الإسراء والمعراج ــ بعد جهد من تقليد عبادة إبراهيم، واتباع جبريل.. كذلك طريق الأصالة لأي فرد يقوم علي تقليد الرسول، و إجادة التقليد، حتي كشف الحجب وإدراك الأصالة.. بل أن فكرة الإنسان الكامل عند محمود، إنما هي فكرة قديمة ومفهوم أساسي عند قدامي الصوفية، ويقوم عليها مجمل اعتقادهم في وحدة الوجود المادي والإلهي والإنساني، يكتب ابن عربي إن مرتبة الإنسان الكامل إنما هي جميع المراتب الإلهية والكونية التي تضم العقول والنفوس الكلية والجزئية، ومراتب الطبيعة إلي آخر تنزلات الوجود، فهي (مرتبة الإنسان الكامل) مساوية للمرتبة الإلهية، ولا فرق بينهما إلا في الألوهية، لذلك صار الإنسان الكامل خليفة الله في الأرض).
    أن فكرة الإنسان الكامل، تجد انعكاسها في العديد من الأديان والفلسفات، وعلي رأسها المسيحية، وقد انعكست في الفلسفة الصينية التاوية، وكان لها وجودها في الفلسفة العربية الإسلامية، إن مفاهيم مقاربة ايضا لهذا المفهوم، مثل وحدة الوجود، والمعية (وهو معكم أينما كنتم)، والسريان، الذي وسعه صلاح الدين الشيرازي، ليجعل وجود الله حضورا فعليا في الموجودات، والمشابه لمفهوم التاو TAO، كقوة مادية في الموجودات، عند الفيلسوف الصيني تسونغ تسه، تحتاج إلي قراءة دقيقة لمعرفة مدي تقاربها أو توازيها مع الفكر الجمهوري(2).
    ان محمود في فكره، يتماهي مع الحلاج والسهروردي وابن عربي، وان كان في صورة سودانية معصرنة، أي بالشكل الذي فرضه واقع الزمان والمكان الجديدين، لكن المأساة الكبري في حياة وفكر محمود، انه حاول دمج طريق الصوفية، والذي هو طريق للخلاص والمعرفة، قائم علي البعد عن العالم والزهد فيه، والبعد عن الجماعة والانصراف عنها، والبحث عن الحقيقة في ذات الإنسان الصوفي، والوصول إلي الله والي منابع الحق متفردا، حاول جمع كل ذلك مع طريق جماعي ونشاط اجتماعي، و هو طريق مخالف تماما لنهج الصوفية الفردية (في عالمها الفكري والسلوكي وليس في كاريكاتوراتها الطرائقية)(3).
    إن محمود بتنظيمه للحزب الجمهوري، ومن بعد للإخوان الجمهوريين، قد خالف طريق الصوفية الفردي، فإذا كانت العلاقة بين الصوفي والمريد، بين الشيخ والحوار، بين القطب والسالك، هي علاقة فردية قائمة علي الاتصال الشخصي والتأثير المباشر، فان محمود حاول بناءها عن طريق تنظيم، رابطة، جماعة، تغير اسمها من الحزب إلي الإخوان، إلا إنها احتفظت دائما بصورتها كتنظيم له أفكاره الفلسفية والاجتماعية وله نشاطه السياسي.(4)
    ومن الطبيعي أن نمو الأحزاب السياسية والنقابات ومعركة الاستقلال، وهي الأحداث التي عاصرها محمود، ووجود ونشاط التنظيمات الدينية القديمة والجديدة، في شكل طرائق دينية أو طرق صوفية أو حركات سلفية، قد فرضت علي أي مفكر جاد الانخراط في درجة من درجات العمل التنظيمي والفعل الاجتماعي والسياسي، الا أن طريق أهل الحق، طريق الصوفية، لا يمكن الوصول إليه بوسائل أهل الدنيا، أهل الظاهر. إن محمود في سعيه لنشر فكره، قد كان مواجه بمشكلة الأداة، وقد اختارها بان يطرح كل أفكاره أو جلها في كتبه وإصداراته، حتي يتصل بها مع تلاميذه ومؤيديه، لكنه بهذا طرحها أمام الجميع، فعرضها بذلك لسوء الفهم ــ أو سوء النية ــ المعشعشة في البيئة السلفية، التي حاصرت بها المؤسسات الدينية الرسمية المسلم العادي في وسط وشمال السودان لعشرات السنين.
    إن تناقض محمود وحركته أراه في تناقض الطريق الفردي الصوفي للمعرفة والسلوك، مع الشكل الجماعي الواسع والمكشوف للنشاط، الذي اتخذته حركته، وهو تناقض كان لا بد أن يؤدي إلي الانفجار، وتحطيم أحد طرفي التناقض.

    في أفق الشهادة
    او الابتسام في مواجهة الموت:
    موت محمود محمد طه، يشكل في تاريخنا الفكري ــ السياسي الحديث، علامة بارزة علي
    حجم الأزمة والمأساة التي عاناها مجتمعنا، في أواخر سنوات حكم الطاغية نميري. ويطل كحصيلة مرة للتردي الشامل الاقتصادي والسياسي والفكري الذي ساد تلك الحقبة. انه وصمة عار في جبين عصرنا، ويوم كالح في تاريخ شعبنا.
    لكن الميدالية لها وجهان.. فأمام العنف الوحشي للسلطة، والهوس اللاعقلاني والتشنج المرضي الذي ركب السلفيين، ورغبتهم العارمة في رؤية انهار الدم وهي تسيل، كان الوجه الآخر يتمثل في الصمود البطولي لمحمود، وانشراحه في مواجهة الموت، الذي شبه بصمود فرسان العصور الوسطي وبصمود ود حبوبة وأبطال المهدية (حسب محمد إبراهيم نقد).. وتكرر مرة أخري، وان بشكل المهزلة هذه المرة، مقتل الحلاج والسهروردي وبنفس السيناريو: تحالف الحكام الفاسدين المفسدين (علماء السوء الذين وضعوا أنفسهم مطية لكل ظالم) أسوأ حثالات المجتمع التي وقفت تطالب بدمهم و تستمتع بمشهد موتهم!
    الصمود والبطولة والجمال في استشهاد محمود، قدم للوجدان الشعبي مادة غنية للعديد من الحكايات التي دخلت حيز التداول والانتشار.. وبغض النظر عن مدي الدقة والحقيقة التاريخية الكامنة في هذه القصص، إلا إنها تشكل معيارا لحساسية الشعب وتعامله مع مجمل القضية، ولاتجاه خط تعاطفه.. فقد تردد أن محمود قبل صياغة بيانه الشهير: هذا أو الطوفان.. قد طلب إحضار تسجيل أغنية احمد المصطفي أنا أم درمان، وكان يسمعها ويردد معها المقطع القائل:
    (فيا سودان إذا ما النفس هانت اقدم للفداء روحي بنفسي)
    وتردد ايضا أن محمود كان يقول إن محنة مايو لن تنقشع إلا إذا كانت هناك تضحية كبري، كان يموت رجل عظيم، أتراه كان يقصد نفسه، ومن اعظم منه كان بارزا علي الساحة وقتها؟
    المحكمة ذاتها التي حكمت زورا وبهتانا علي محمود، كانت مربضا للقتلة، لا منبرا للقضاء.. ويصح في وصفها ووصف موقف محمود منها قول الشاعر المصري كمال عبد الحليم في رثاء الطالب اليساري السوداني صلاح بشري، والذي استشهد في السجون المصرية بداء الصدر، عام 1948:
    صاح فيهم لن أدافع لن أقول كلمة
    يا شياطين المدافع كيف صرتم محكمة؟
    فقد رفض محمود مطلق التعامل معها، وهذا وان كان بتقدير سياسي يحسب في دائرة الخطأ، حيث كان يمكن تحويل المحاكمة بعمل سياسي وقانوني منظم، إلي مظاهرة كبري ضد النظام، كما تم في محاكمات فاطمة احمد إبراهيم والبعثيين في ذلك الوقت، وان يتم بذلك غل يد القتلة والنظام قانونيا وتحريك العمل الشعبي سياسيا وتعبويا، إلا إن الصوفي عند محمود له مرجعية أخري، إنها مرجعية التسليم (سلمت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين).. إن شهادة محمود في المحكمة، تشكل علي قصرها قمة أدب السهل الممتنع، والاختصار المحكم، وشهادة وإفادة للتاريخ والأجيال.. كما إنها تعبر عن درجة عالية من النضج السياسي والفكري، وبها وحدها أدان محمود قوانين سبتمبر إلي ابد الدهر، أدان السلطة وقضاتها المأجورين ووضع علي جبينهم وصمة العار الأبدية.. لقد اصبح محمود اذن هو القاضي الحقيقي، وشاهد العصر وضمير الشعب، وتحولوا هم إلي مدانين.. فلنتأمل في هذا النص المعجز:
    (.. أنا أعلنت رأيي مرارا في قوانين ايلول (سبتمبر) 83 من أنها مخالفة للشريعة والإسلام، اكثر من ذلك، فإنها شوهت الشريعة وشوهت الإسلام.. ونفرت عنه. يضاف إلي ذلك انها وضعت واستغلت لإرهاب الشعب، وسوقه إلي الاستكانة عن طريق إذلاله.. ثم أنها هددت وحدة البلاد، هذا من ناحية التنظير.. أما من ناحية التطبيق، فان القضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها، غير مؤهلين فنيا، وضعفوا أخلاقيا، عن ألا يضعوا أنفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية، تستعملهم لإضاعة الحقوق، وإذلال الشعب، وتشويه الإسلام، وإهانة الفكر والمفكرين، وإذلال المعارضين السياسيين..
    ومن اجل ذلك فأنا غير مستعد للتعاون مع أي محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقل، ورضيت ان تكون من أدوات إذلال الشعب وإهانة الفكر الحر والتنكيل بالمعارضين السياسيين)(5).
    بهذا النص أنهي محمود محمد طه سيرة حياة عامرة بالنشاط الفكري والمواقف الاجتماعية ببطولة نادرة، كما انه تجاوز به كل نواقص فكره السياسي، وكل تأييد سابق له لمايو. رافضا بصورة قاطعة الديكتاتورية والإرهاب ومسخ الدين. بل انه انتقل إلي أفق آخر اكثر واقعية، في التعامل مع مسألة الشريعة، حيث انتقل من المفاهيم المجردة والمثالية المطروحة في نظرية (الرسالة الثانية من الإسلام).
    والتقسيم ــ غير المفهوم شعبيا وغير المتجانس منطقيا ــ بين آيات الأصول والفروع، وبين الشريعة والسنة، إلي منهج يتعاطي مع الإطار السياسي والاجتماعي لوظيفة القانون، وكون القانون ــ أي قانون ــ يأخذ محتواه في مجري تطبيقه، وبمقدار تعبيره عن السلطة التي تكرس به سيادتها.. وان القيمة الحقيقية للقانون تأتي عندما يستجيب لنوازع الحرية، ويعبر عن احتياجات المجتمع والشعب الملحة في لحظة معينة من لحظات تطوره (وفي تلك الأيام تمثلت هذه الاحتياجات في القيم التي دافع عنها محمود، كالديمقراطية الوحدة الوطنية حرية الفكر والاعتقاد الخ الخ). هذه القيم التي صيغت وطبقت قوانين سبتمبر لقمعها وإهدارها..
    إن محمود بهذا النص القصير، قد سجل تقدما في الفهم السياسي لطبيعة النظام القائم، مقابل تقليص لجانب الاجتهاد الفكري المختلف عليه، حيث لم يبن رفضه لقوانين سبتمبر علي أسس أيديولوجية (عدم صلاحية الشريعة للقرن العشرين و عودة الإسلام بالسنة لا بالشريعة) وإنما علي أسباب قانونية وسياسية (التشويه في هذه القوانين لمبادئ الشريعة المدرسية، والغرض السياسي القهري من تطبيقها).
    إنها واقعية اكثر، و أصالة اقل إذن، تجاوز بها محمود نفسه وتنظيمه بوعي سياسي عال وحس وطني وتأريخي مرهف وعميق.. رجوعا مرة أخري إلي روايات الوجدان الشعبي، انه في تلك الأيام الحرجة بين حكم المحكمة والتنفيذ، قامت مجموعة من بيروقراطيي الاتحاد الاشتراكي (في صراعها داخل ذلك التنظيم ضد الهيمنة المتزايدة للإخوان المسلمين)، قامت بالتدخل لدي نميري لاسترحامه حول قضية محمود، علي أساس أن محمود قد دعم النظام دائما وفي ظل أوقات حرجة وعصيبة، فلا يمكن أن تكون هذه نهايته. فرد السفاح بما فيه من عنجهية وطغيان وبطر، بأنه مستعد للعفو عن محمود، شرط أن يعتذر له علنا. ووصلت المساعي والإخبار إلي محمود، فكان رده بعد التأكد من أن رده سيصل السفاح: قولوا لنميري أنا ما بنكسر ليك، وأنا بموت وبقابل ربي نضيفا، لكن أنت حتموت بي سوء الخاتمة!! .
    هل كان محمود يبحث عن الموت؟؟ هذا ما قد يتراءي من الوهلة الأولي، في تعامل محمود مع المحكمة ومع مجمل مؤسسات النظام، في الشهور الأخيرة من حياته، وفتحه للمعركة واضحة ضد النظام وسياساته، وهو الذي يعلم مبلغ الحقد الذي تكنه ضده القوي السلفية، وخصوصا جماعة الأخوان المسلمين، كما لابد يعلم الطابع الدموي والطغيان المنفلت للسفاح نميري..ومما يعزز هذه الرؤية كذلك فكرة الفداء التي لا بد من وجود سند واقعي لها في تفكير محمود، طالما قد كررها الجمهوريون مرارا بعد استشهاد محمود، بأن الأستاذ قد فدي الشعب السوداني (6).
    إلا إن تعامل محمود مع تلاميذه ورفاقه المتهمين معه في نفس القضية، قد سجل جانبا آخر.فمما لا ريب فيه، أن محمود قد أوصي تلاميذه بتجنب الموت ومسايرة السلطة، حتي ولو كان ذلك بالتبرؤ منه (7).. وفق مبدأ التقية الذي سارت عليه العديد من الحركات الإسلامية المعارضة، وحتي بعض أقطاب الصوفية، إلا أن محمود قد رفض هذا الخيار لنفسه، فيما حاول حماية حياة رفاقه وتلاميذه..
    هنا مرة أخري يظهر سلوك الصوفي، السائر وحده في درب الحقيقة، والموت هو أقصي تجلي للحقيقة، سواء في صورته البيولوجية أو في صورته المعرفية.. في صورته البيولوجية باعتباره الحقيقة الوحيدة الثابتة حتي الآن، والخاضع لها كل بشر .. وفي صورته المعرفية، باعتباره الكسر الآخير للحاجز بين الإنسان ومصدر الحقيقة، باعتباره افناء للجسد واندماجا بالروح مع مركز الأنوار وسر الأسرار .. وبالنسبة لصوفي يؤمن بوحدة الوجود فما كانت فكرة الموت لتشكل له رعبا أو فزعا (إذا استطعت بذل الروح فتعال، وإلا فلا تشتغل بترهات الصوفية).. لهذا فقد كانت ابتسامة محمود الغامضة حين النطق بالحكم (أكانت يا تري ابتسامة رضي أم ابتسامة سخرية؟)، ولهذا كان انشراحه وتماسكه وهو يصعد درج المشنقة.
    توصية محمود لتلاميذه بالتنكر له، ان صحت، تظهر مبدأ الفردية عند الصوفي، وتحمله للمسؤولية وحده، وهذا يذكرنا بالحلاج الذي دافع عن تلاميذه وأصدقائه وحماهم من الموت ولم يدافع عن نفسه، بل كان يري انه يستحق الموت، لأنه (أفشي الأسرار).. وفي الحقيقة فهناك تشابهات مذهلة ما بين شخصية محمود ومصيره وشخصية الحلاج ومنتهاه ــ يذكر هادي العلوي أن الحلاج قد قتل لتأسيسه تنظيما سريا لمعارضة السلطة، وليس لشطحاته الصوفية ــ ومحمود رغم انه لم يذهب إلي مرحلة الحلاج، من معارضة السلطة منذ البدء أو تصريحات الانجذاب،الا انه قد قتل حتما لاسباب سياسية.كما انه بهذه الوصية وذاك السلوك قد انخرط تماما في درب مشابه، درب الوحدانية الصوفية، وتخلي عن فكرة الصوفية الجماعية في شكل تنظيم أو جماعة .
    جريدة (الزمان) العدد 1231 التاريخ 2002 - 6 - 6
                  

06-17-2002, 01:10 PM

خالد عويس
<aخالد عويس
تاريخ التسجيل: 03-14-2002
مجموع المشاركات: 6332

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: بكرى ابوبكر)

    الاخ بكري
    تحياتي
    كنت ارسلت هذا الموضوع بعد استئذان من نقلوه الي البورد ، الي الزمان وحبذا لو كتبت مقالات اخري عن الاستاذ الشهيد
    وبصراحة وجد الموضوع اهتماما جليا لدي الادارة بلندن
    واعذرني بكري علي عدم تمكني من الرد عليك خلال الايام الماضية فقد كنت خارج السعودية لمدة اسبوع وعدت امس فقط وفتحت الماسينجر صباح اليوم
    سأجيب عليك في غضون الايام المقبلة تفصيلا
                  

02-06-2003, 06:07 AM

بكرى ابوبكر
<aبكرى ابوبكر
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 18779

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: خالد عويس)

    up
                  

02-07-2003, 03:52 PM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: خالد عويس)

    الاخ خالد

    حمدلا على السلامة

    كنت قد ارسلت لك عدة ايميلات ؛ ولكن يبدو انها لم تصلك

    بمناسبة المقالات حول نفس المحور ؛ فارسل فى بوست تحت نفس العنوان مقدمة لدراسة طويلة عن الحركة الجمهورية ؛ واكون شاكرا لو اصلتها لادارة الزمان

    لى النية كذلك فى اصدار كتيب عن الحركة الجمهورية والفكر الجمهورى ؛ واتمنى مساعدتك فى انجاز ذلك

    مع تحياتى وشكرى الجزيل

    عادل
                  

02-06-2003, 11:29 AM

Elmosley
<aElmosley
تاريخ التسجيل: 03-14-2002
مجموع المشاركات: 34683

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: بكرى ابوبكر)

    موضوع حدير بالمناقشة
                  

02-06-2003, 01:00 PM

atbarawi
<aatbarawi
تاريخ التسجيل: 11-22-2002
مجموع المشاركات: 987

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: بكرى ابوبكر)

    مقال اكثر من رائع
    up
                  

02-06-2003, 03:39 PM

Kabar
<aKabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18547

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: بكرى ابوبكر)

    شـكرا يا بكري على هذا الاختيار الـموفق ، والتحية للباحث الـمجتهد عادل عبد العاطي وحفرياته في منجزنا الثقافي والفكري والسياسي ..وقد آن الآوان لـمساءلة هذا المنجز من باب التقييم والـمراجعة والتجاوز ، ان كانت هناك ضرورة لذلك..
    والـمقال يثير في قارئه عدة اشياء ، واحسب ان هذه واحدة من اهم مرامي الكتابة الجيدة..
    و في ظني مشـكلة حركة الاخوان الجمهوريين ، ومشكلة معظم تشكيلاتنا الأخرى الـمشابهة لها في المنبع والأصول ، هو الاعتماد على المنظر/المفكر الواحد ..وذلك يعكس تصورنا الاجتماعي لمفهوم القيادة ، وهو مفهوم يستند على الأبوة كسلطة متناهية في التدبير وتسيير الشؤن ..وهو نفس التصـور الذي يسود تشكيلاتنا الأجتماعية الدينية المعروفة بالطرق الصوفية..وخطورة هذا الفهم تكمن في تحلل التشكيل بعد رحيل الأب كما في حالة الحركة الجمهورية في السودان..
    الـمسألة التانية..تحول الصـوفي الى ناشط يومي في معترك السياسي اليومي..وهذه مسألة مهمة يجب البحث فيها بصورة أوسع..وكلنا نلاحظ ان هذه الفكرة قامت عليها حركة الـمهدية ثم التنظيمات السياسية من بعد كحزب الأمة والأتحادي والجبهة الاسـلامية من بعد.. ولك ان تلاحظ مسألة الأبوة/القيادة في بنية هذه التنظيمات..
    ودمت
    محمد النور كبر
                  

02-06-2003, 05:20 PM

baballa
<ababalla
تاريخ التسجيل: 05-13-2002
مجموع المشاركات: 151

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: بكرى ابوبكر)

    قال السيد المسيح "إن كلمتي لا ترد إليُ فارغة"
    تأسيسأ علي ذلك- يمكنني القول- بعد شكر الأستاذ بكري أبوبكر و الزملاء المشاركين، يمكنني أن أقول أن الأستاذ محمود قال كلمته و لكنه لم يرحل، إذ أنه لا يزال يثير جدلا و كما كان يقول الأستاذ أحمد المصطفي دالي في أركانه الشهيرة- المزارع بنوم لكن التيراب ما بنوم- فها هي دعوة الأستاذ تتكسب كل يوم أرضا جديدة كما كتب هو في رسالة الصلاة أن هذا الأمر قد تهيأت له البشرية بالحوجة له و بالطاقة به
    في النفس كثير ليقال و آمل ان أعود
                  

02-07-2003, 08:35 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50077

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: بكرى ابوبكر)

    شكرا يا بكري لرفع دراسة الأخ عادل عبد العاطي

    وأعتقد أن الناس قد قرأوا عن الأستاذ محمود ولم يقرأوا له بالقدر الكافي.. وقد أعود للتعليق.

    أما الآن فقد جذبني تعليق باب الله وتذكرت العوض، يا عبد الله، وهو يقول بعد رحيل العم محمد فضل الصديق ـ أحد أبكار الأستاذ محمود
    كنت بالأمس رأيتك في منامي
    تنفض القبر وتحيا من جديد

    كان في القلب يقينا أنه راح لإحياء النشيد
    [..ٍ]
    يدفع الركب لعرس الأرض واليوم السعيد
    وغدا ألقاك تحدو فهو يبدي ويعيد
    =======
    حقا لم يرحل الأستاذ إلا بجسده، ولكنه فينا بروحه وبفكره.. إن عظمة الأستاذ ليست في تحقيقه السامي وإنما في فتحه الطريق للناس لكي يحققوا السلام مع أنفسهم ويعرفوها وينشروها فيكونوا رسل السلام والمحبة في الأرض..
    اقرأو هذه المقدمة التي كتبها الأستاذ في عام 1976 للطبعة الثالثة من كتابه "قل هذه سبيلي" وتأملوا!!



    من كتاب "قل هذه سبيلي"
    بسم الله الرحمن الرحيم
    "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً، وقبائل، لتعارفوا.. إن أكرمكم عند الله أتقاكم.. إن الله عليم خبير.." صدق الله العظيم


    المقدمة .. الطبعة الثالثة

    [1976]


    هذا الكتاب "قل هذه سبيلي" صدر في عام 1952 ومع أنه صدر بعد "السفر الأول" إلا أنه كتاب يتناول الدعوة بالتفصيل والتحديد، ننشره كما هو، بمناسبة ذكرى مرور ثلاثين عاماً على دعوتنا، التي أخذت اسمها "الجمهوريون" من ملابسات الوقت الذي نشأت فيه الحركة السياسية والوطنية ضد الاستعمار، في الأربعينات..
    هذا الاسم لا يعبر تعبيراً كافياً عن محتوى دعوتنا، ولكنه صالح في المرحلة، لتمييز دعوتنا عن الدعوات الفارغة، التي تتسمى باسم الاسلام، وهي خالية الوفاض منه، ولقد كان همنا الأول أن يكون محتوى دعوتنا إسلامياً، وإن كان إسمنا مرحلياً، حتى يجيء اليوم الذي يتوكد فيه أن دعوتنا ما هي في الحقيقة إلا الإسلام عائداً من جديد.. ويومها يكون إسمنا الحقيقي إسماً مشتقاً من المعاني الإنسانية الرحيبة..


    الحضارة الغربية واغتراب الإنسان



    إن دعوتنا هذه إنما هي لمدنية جديدة تخلّف المدنية الغربية الحالية، والمنقسمة بين النظام الرأسمالي والشيوعي، والتي ظهر قصورها عملياً عن حل مشكلة الإنسان اليوم، فقد برعت وافتنت في صنع الآلة، وأنجزت إنجازاً كبيراً، في المجال المادي، والتقني، ولكنها فشلت فشلاً ذريعاً، في استيعاب طاقة الإنسان المعاصر، وتوجيهه. والحق أن صعّدت، وجسّدت، وأبرزت، أزمة الإنسان المعاصر أكثر من أي وقت مضى، وهذا ليس عيباً، كما قد يظهر في أول وهلة، وإنما هو حسنة من حسناتها، فقد وضعت الإنسان اليوم في أعتاب الحيرة، وجعلت منه باحثاً عن القيمة وراء المادة ــ القيمة الإنسانية ــ ورافضاً للمجتمع المادي، الذي يحيل الإنسان إلى آلة إنتاج، واستهلاك، يفقد روحه وحريته، وهي بذلك إنما وضعته في أول طريق الخلاص.
    الإنسان اليوم مغترب عن النظم السياسية، والإجتماعية، مغترب عن التقاليد، والأعراف، والموروثات، والمسلمات، والقيم التقليدية، واغترابه إنما هو شعوره بالحيرة المطبقة، وبالقلق، والاضطراب، ثم هو في القمة شعوره بفرديته المتميزة التي يرفض أن يذيبها عفوياً في تيار التطور المادي. والسبب الأساسي في اغتراب الإنسان هو أنه ذو طبيعتين، طبيعة مادية، وطبيعة روحية، فهو مكون من جسد ومن روح. فإذا أشبعت حاجة المعدة والجسد، الحاجة المادية، برز جوع الروح، وجوعها إنما هو حنينها إلى وطنها، الذي صدرت منه، حنينها إلى الله. فالاغتراب في الأصل، هو اغتراب الإنسان عن الله، وهو في المستوى المشعور به، يكون واضحاً، ولكن هناك مستوى غير مشعور به، وهو ما برز للإنسان المعاصر في رفضه للمادة، وفي بحثه عن القيمة الإنسانية، وعن الحرية.. في بحثه عن نفسه. وهو بحث في الحقيقة عن الله، ولعل ذلك يفسر لنا اتجاه الشباب الرافض في أوروبا وغيرها في الآونة الأخيرة إلى مظاهر من التدين غريبة، منها اللجوء إلى العقائد الهندوسية، أو تبني نوع من المسيحية ليس لها علاقة بالقديم، وإنما تتصور المسيح تصوراً جديداً.


    الأزمات تجتاح العالم



    ومشكلة الإنسان المعاصر هي لدى التمادي، مشكلة المجتمع اليوم، فمع اقتدار الحضارة الغربية، في ميدان تطويع القوى المادية، لإخصاب الحياة البشرية، واستخدام الآلة لعون الإنسان، فقد عجزت عن تحقيق السلام. والسلام هو حاجة البشرية اليوم. وهو في ذلك حاجة حياة أو موت، ذلك بأن تقدم المواصلات الحديثةن قد جعل هذا الكوكب أضيق من أن تعيش فيه بشرية، متنافرة، متحاربة فيما بينها، بل إن اختراع وسائل الحرب والدمار الرهيبة، قد وضع الإنسانية أمام أحد طريقين، إما السلام، وإما الدمار والفناء..
    والحضارة الحالية وبفلسفتها الاجتماعية مع فشلها في تحقيق السلام، فإنها أيضاً تقف عاجزة أمام الأزمات المتلاحقة في العالم، وعلى قمتها أزمة الاقتصاد العالمي، التي أبرزت تناقضات النظام الرأسمالي والشيوعي. وظهرت في الموجة الحادة من التضخم والغلاء، التي تجتاح العالم، والتي يعاني منها الناس جميعاً، أشد المعاناة، وفي أزمة النظام النقدي العالمي، الذي يعاني من عدم الاستقرار.. وفي أزمة الغذاء العالمي التي تهدد البشرية بالمجاعات والأمراض ونقصان الغذاء، ثم في أزمة الانفجار السكاني، وأزمة الطاقة زيادة على مشاكل الحروب، المتواصلة والنزاعات العنصرية، والاقليمية.. إن هذه الأزمات علّمت الإنسان ضرورة التعاون الدولي، وأكدت له وحدة مصيره، وضرورة تكاتفه لمجابهة الأخطار التي تهدد وجوده.


    قصور الفلسفات المعاصرة
    وعلى رأسها الشيوعية



    قلنا أن الحضارة الغربية بفلسفتها الإجتماعية قد فشلت في تنظيم مجتمع اليوم لأنها تقوم على أديم مادي، وقد تمادى هذا التفكير المادي بالشيوعية إلى قطعها صلة الإنسان بالغيب. والحضارة الغربية إنما فشلت لأن الفكرة الشيوعية، والرأسمالية وإن اختلفتا، في ظاهر الأمر، فإنهما تقومان على أديم واحد، وتنطلقان من منطلق واحد، هو التفكير المادي. ولقد عجز هذا التفكير المادي بشقيه عن استيعاب طاقة إنسان اليوم، الذي يبحث عن القيمة وراء المادة، يبحث عن الحرية، والذي أعلن تمرده في الشرق والغرب في ثورات الطلاب والشباب، ورفضه للمجتمع المادي، الذي يمارس صناعة القيم، وتحطم فيه مواهب الإنسان وطاقاته. ويفرض عليه المجتمع نمطاً معيناً من السلوك الاستهلاكي، وأخلاقاً معينة، من التعامل الآلي الجاف.
    وأيضا فشلت هذه الفلسفات الاجتماعية، لأنها لم تستطع أن توفق بين حاجة الفرد للحرية، وحاجة الجماعة للعدالة الاجتماعية الشاملة، فالشيوعية قد جعلت الفرد وسيلة المجتمع فأهدرت قيمته، وحريته، وحقه، وأقامت نظامها على القهر والعنف، وعلى دكتاتورية الدولة. أما الرأسمالية في الطرف الآخر، فإنها قامت على إهدار حقوق الأفراد، فهي نظام للتسلط الاقتصادي، واستغلال العمال، ثم هي تمارس ديمقراطية زائفة، تعطي الفرد حرية الانتخاب والترشيح، ولكنها لا تحرره من استعباد الرأسمالي له، الذي يمكنه أن يوجهه لأن يصوت لجهة ما بالتصريح أو بالتلميح، فيفعل ذلك، لأن الرأسمالي يملك قوته، وفي أحسن الأحوال يمكن للرأسمالي شراء صوته بوسائل عديدة، بل يمكنه أن يصنع ويزيف الرأي العام بامتلاكه للصحف، أو بمقدرته على شراء حديثها أو صمتها. فلا حرية مع النظام الرأسمالي ولا حرية مع النظام الشيوعي، الحرية موؤودة في كلا النظامين، والحرية هي طِلْبَة واحتياج إنسان اليوم، ولذلك لا مستقبل لهذين النظامين، لأنهما لا يوافيان احتياج الإنسان.


    اليسار الجديد



    ولقد شعر أذكياء الماركسيين بما يواجه النظرية، من فشل في التطبيقن ومن تحدٍ واضح لأصولها النظرية. فذهبوا مذاهب في محاولة محاولة إنقاذها فيما سمي باليسار الجديد، والذي حاول تعديل التعاليم الأساسية للفكرة الماركسية، بما يتناسب مع الواقع الديالكتيكي الجديد الذي طرحته الحياة. وفي الحق أن تعديل الفكرة الماركسية إنما بدأ منذ عهد لينين نفسه، الذي أدخل تغييرات جوهرية تمس أسس النظرية الماركسية، فهو قد طبق النظرية في دولة زراعية لم تنضج فيها الظروف الثورية، التي تضع العمال في قيادة حركة الثورة والتغيير، كما يظن كارل ماركس. فروسيا لم تُدخِل الصناعة آنذاك إلا في حيز ضيق. ولذلك إضطر لينين إلى إدخال الفلاحين والمثقفين الوطنيين في تحالف مع طبقة العمال الصغيرة، وقام بإنشاء الحزب على هذا الأساس، المخالف للنظرية في أصولها. ولمخالفات لينين للنظرية فقد فكر الماركسيون في إضافته كمُنظّر ثانٍ مع كارل ماركس فيقولون عن أعماله وأقواله "الماركسية اللينينية".
    ولعل من أبرز الانحرافات التي واجهت التطبيق الماركسي، هو اضطرار النظام الروسي نتيجة للإنخفاض المتوالي للإنتاج، وبالرغم من الرقابة البوليسية على العمال، إلى إعطاء حوافز ربح للعمال، فيما سُمي بحوافز ليبرمان، والتي دار حولها نقاش ضافٍ في جريدة البرافدا، من قِبل الاقتصاديين السوفيت، ووصفها بعضهم في هذا النقاش بأنها زحف رأسمالي على الإشتراكية، وأعلنوا معارضتها. وإنها لكذلك، فهي نكسة لحافز العمل الرأسمالي لم تجد الشيوعية منها بداً، وهي لم تجد منه مفراً لأن نظريتها إنما تقوم على قطع صلة الإنسان بالله، وإقامة المجتمع بذلك على قيمة واحدة، هي القيمة المادية، مما أفقدها القدرة على إعطاء أي حافز للإنتاج، والتضحية، فاضطرت للحافز المادي.
    وهاهو اليسار الجديد وبتحليله لظواهر المجتمع الصناعي والمجتمع الإنساني اليوم يخلص إلى نتائج مغايرة، لكثير من نتائج كارل ماركس. فيقرر مفكروه ومنهم هربرت ماركوس أن الأداة الثورية، التي اعتمد عليها كارل ماركسن اعتماداً أساسياً، في تحليله لظاهرة الطبقات، واعتمد عليها في القيام بالثورة، وهذه الأداة ــ وهي طبقة العمال ــ قد مسخت وصارت أداة سلبية، وذلك لامتصاص النظام الرأسمالي لثوريتها، باعترافه بتنظيمات العمال، وبرفع أجورهم، وتهيئة فرص المعيشة الحسنة لهم وفرص الاستمتاع بمباهج الحضارة، سواء بسواء مع الآخرين ثم بملاقاة النظام الرأسمالي للاشتراكية، في منتصف الطريق، وتطبيقه لبعض مظاهرها. وبنهاية ثورية العمال، سددت ضربة قاضية ومميتة للنظرية الماركسية. أكثر من ذلك فإن نظام "الأوتوميشن" وهو النظام الذي تدار به المصانع في جميع عملياتها، بدون تدخل من أحد، وذلك بواسطة العقول الإليكترونية. هذا النظام الذي بدأ ينتشر سيؤدي إلى نهاية الطبقة العاملة، والتي تعاني اليوم من جراء تقدم الآلة من إنحسار كبير، في عددها، لأن الآلات الحديثة كل يوم جديد تكون أقل احتياجاً للعامل وهي قد تحتاج للفنيين المدربين أكثر. وهؤلاء يشكلون طبقة جديدة، سماها اليساريون الجدد طبقة "التكنوقراطيين" والمديرين المسئولين عن عمليات الانتاج جميعها. وبهذا التطور العلمي، فقد واجهت الماركسية تحدياً سافراً، لا يمتص الأداة الثورية فقط، وإنما يسعى لإعدامها. وفكر اليساريون الجدد في طبقة أخرى للقيام بالثورة، فاقترحوا الطلاب، لإيقاظ الطبقة العاملة، ورأوا إعطاء المزيد من الاعتبار لكينونة، وحرية الفرد، لأن الديكتاتورية والقهر مرفوضة تماماً من إنسان اليوم. وفي اتجاه اليسار الجديد انساق الماركسيون الذين تمردوا على أسس جوهرية في النظرية الماركسية، وتبنوا نظام تعدد الأحزاب، والوصول للسلطة عن الطريق البرلماني ومنهم الحزب الشيوعي الفرنسي، والحزب الشيوعي الإيطالي وأحزاب شيوعية أخرى. وكان على رأس ذلك في فرنسا جورج مارشيه وقبله بوقت قصير كان غارودي. كل هذا التخبط والتردد يقرر بوضوح نهاية التجربة الماركسية وتصدعها في جميع الجبهات.


    الكتلة الثالثة
    "الاشتراكية والديمقراطية معاً"



    وأمام هذا الموقف الذي استعرضناه للعالم، موقفه الاجتماعي، وموقفه الفكري، فإنا نرشح الإسلام ليكون الكتلة الثالثة، التي تستطيع أن تصفي الصراع المذهبي في العالم لمصلحتها، وفتعيد توحيد العالم، بتلقيح الحضارة الغربية الحاضرة، وبعث الروح في هيكلها، المادي العملاق ولقد كان ذلك ممكناً في ماضي أسلافنا، في الجزيرة العربية، وهو ممكن اليوم، فقد ظهروا بالإسلام في منطقة مجدبة، ومتخلفة، فأشعلوا به الثورة في نفوسهم، وبرزوا به بين الحضارة الفارسية ــ الشرقية ــ والحضارة الرومانية ــ الغربية ــ كتلة ثالثة، استطاعت أن تصفي وبسرعة الكتلتين الشرقية والغربية، وتطوي تراثهما تحت جناحها. والتاريخ اليوم يعيد نفسه وإن اختلفت الصورة. فإذا انبعثت الثورة الإسلامية الثانية، بمقدرتها على حل مشاكل الإنسان، وبمقدرتها على إحراز السلام، وإحراز التوفيق بين بين حاجة الفرد للحرية الفردية المطلقة، وحاجة الجماعة للعدالة الاجتماعية الشاملة، فإنها ستبني مدنية المستقبل ــ مدنية الانسانية الشاملة ..
    ومقدرة الاسلام على التوفيق بين حاجة الفرد وحاجة الجماعة، إنما تكمن في التوحيد، وفي أن تشريعه يقوم على شريعة عبادات، وشريعة معاملات، كلاهما مكمل للآخر. فسعادة الفرد طريقها إسعاده للآخرين. هذا التوفيق بين الفرد، والجماعة هو الذي يعطي الإسلام وحده، الفرصة في تطبيق النظام الاشتراكي الديمقراطي، والذي يمتنع تطبيقه على جميع الأنظمة، لفقدانها القدرة على هذا التوفيق بين حاجة الجماعة وحاجة الفرد.
    إننا نرشح الإسلام لبعث المدنية الجديدة المقبلة، ذلك لامتلاكه عنصر الروح، عنصر الأخلاق. هذا العنصر الذي بفقدانه جُردت الحضارة الغربية من فرصة قيادة مستقبل البشرية. ثم لأن الإسلام بوضعه الفرد في مرتبة الغاية، والمجتمع في مرتبة الوسيلةن قد أعطى منزلة الشرف للحريةن والحرية هي قضية إنسان اليوم. ثم لأن الإسلام يملك المنهاج الذي يمكن به حل مشكلة اغتراب الإنسان ويمكن تحريره من حالة القلق والاضطراب..
    فالإسلام علم نفس، وظف منهاجه لتحقيق الصحة للنفسن بتحريرها من الخوف والكبت، الموروث والمكتسب، وبإطلاقها من إسار العقد النفسية، وبوصلها بأصلها الذي منه صدرت. ولمقدرة الإسلام على تحقيق السلام، ومقدرته على تبني التراث الإنساني جميعه، وتلقيحه، وصقله وتوجيهه.. بهذه المقدرة على المواءمة والتبني الصحيح، فإن الإسلام هو صاحب المدنية المقبلة، التي تشارك فيها الإنسانية جمعاء الشرق والغرب والجنوب والشمال فهي مدنية إنسانية، الدين فيها علم وتحقيق، وهي مدنية تقيم علائق الناس على السلام والمحبة والصلة. [..]



    انتهى

                  

02-07-2003, 11:32 AM

SAMIR IBRAHIM
<aSAMIR IBRAHIM
تاريخ التسجيل: 01-05-2007
مجموع المشاركات: 2628

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: بكرى ابوبكر)

    شكرا الاستاذ بكري

    استاذنا وشيخنا لم يغب عنا ...فقد رحل عنا جسدا ومازالت روحه تحلق بيننا......وارجو ان كانت لك بحوذتك جزء من محاضرات الاستاذ ان تنشرها علي حلقات لكي تواصل الاجيال معرفه الشيخ الصوفي والعلامه الاستاذ المرحوم محمود محمد طه ....رحمك الله استاذنا الجليل
                  

02-07-2003, 02:06 PM

Kudouda


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: بكرى ابوبكر)

    الاستاذ ياسر الشريف ..
    الرجاء الاطلاع علي المسنجر..
    الرجاء الرد في الاميل..
    [email protected]
    ولكم كل الموده والاحترام
                  

02-07-2003, 05:06 PM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: Kudouda)

    الاخ خالد

    الرجاء ارسال المقال ادناه لادارة الزمان

    الاخوات والاخوة المشاركين ؛ اتمنى ان تنال هذه القراءة اهتمامكم

    عادل

    ----------------
    نبذة عن المؤسس :

    الاستاذ الشهيد محمود محمد طه :



    لا يمكن تناول الحركة الجمهورية ؛ بعد حوالى58 عاما من تاسيسها ؛ و18 عاما على توقف نشاطها الرسمى ؛ بمعزل عن شخصية الرجل الذى اسسها وعاصرها وقادها ؛ منذ مولدها الاول وحتى ماساتها الدامية فى يناير 1985 . ان الفكرة والحركة الجمهورية قد ارتبطتاارتباطا لا فكاك منه ؛ بشخصية مؤسسها ومفكرها وزعيمها الاول والاخير ؛ الاستاذ الشهيد محمود محمد طه .

    ولد الاستاذ محمود محمد طه فى العام 1909 بمدينة رفاعة ؛ شرق النيل الازرق ؛ وتلقى تعليمه الاولى والمتوسط بمدينة رفاعة ؛ والتى رغم صغرها فقد كانت واحدة من اهم مدن السودان فى سبقها للتعليم الاهلى والعمل الاصلاحى ؛ والتى خرج منها المصلح الاجتماعى والتربوى الكبير الشيخ بابكر بدرى ؛ ثم التحق بكلية غردون التذكارية (جامعة الخرطوم لاحقا) ؛ كلية الهندسة ؛ والتى تخرج منها بتفوق فى العام 1936 ؛ و مارس عمله كمهندس بمصلحة سكك حديد السودان بمدينة عطبرة ؛ وقد كان ملتزما طوال عمله بعطبرة جانب العمال وصغار الموظفين السودانيين فى مواجهة عنت وظلم الادارة الانجليزية ؛ وكان ذلك موقفا متفردا وسط كبار الموظفين والمهندسين ؛ وعاملا حاسما للدفع عن مصالح المستضعفين ؛ فى غياب التنظيم النقابى للعمال وصغار الموظفين . ثم ما لبث بحثا عن الاستقلالية ان استقال من عمله فى الحكومة فى العام 1941 ؛ ليمارس عمله الخاص بعد ذلك فى المجال الهندسى ؛ والذى مارسه حتى انطلاقة نشاطه السياسيى فى منتصف الاربعينات .

    فى اكتوبر 1945 ؛ عقدت مجموعة من الخريجين اجتماعا بنادى الخريجين بالخرطوم ؛ اسست فيه الحزب الجمهورى ؛ وانتخبت المهندس محمود محمد طه رئيسا له ؛ وما لبث الاستاذ ان دخل فى مواجهات حادة مع الادارة الاستعمارية ؛ وتصاعدت الحملة لتصل الى اعتقال الاستاذ محمود ومجموعة من رفاقه لمدة خمسين يوما ؛ اطلق سراحه بعدها ؛ ثم ما مضى حين الا واعتقل مرة اخرى ؛ حيث قاد حملة تضامن مع امراة ؛ فى مدينة رفاعة ؛ اعتقلت لممارستها الختان الفرعونى تجاه ابنتها ليمضى حوالى العامين فى السجن ؛ ويخرج منه فى العام 1949 ؛ ليدخل فى خلوة بمدينة رفاعة استمرت حتى العام 1951؛ سيخرج بعدها بشخصية دينية واضحة ؛ ومذهبية جديدة عرفت فى السودان بالفكرة الجمهورية .

    مارس الاستاذ من بعدها نشاطه السياسى والفكرى والتعليمى ؛ عن طريق الاشتراك فى النشاطات الوطنية والتحررية ؛ فكان من المناهضين لقانون النشاط الهدام فى اوائل الخمسينات ؛ وغيره من القوانين المقيدة للحريات ؛و كما اتجه للكتابة الصحفية ؛ فكانت مقالاته ورسائله حول القضايا المحلية والاقليمية والعالمية تحتل صفحات الصحف الرئيسية فى الخمسينات ؛ومن بينها صحيفة الحزب القصيرة العمر ؛الجمهورية ؛ والتى استمرت لمدة 6 اشهر ؛ اضافة الى اصدارات الحزب الرسمية ؛ والى كتبه والتى بدا سيلها ينهمر منذ اوائل الستينات ؛ والتى توجها باصداره للكتاب الام للدعوة الجمهورية ؛ والذى ضمن فيه افكاره التجديدية والاصلاحية ؛ تحت عنوان : "الرسالة الثانية من الاسلام " والذى صدرت طبعته الاولى فى يناير 1967 ؛ وصدرت منه بعد ذلك اربع طبعات لاحقة ؛ وترجمة للانجليزية ؛ ودارت حوله الكثير من الدراسات والكتب ؛ والتى تراوحت ما بين الاطراء والتاييد ؛ ومحاولات النقد الهادف ؛ والهجوم السلفى عليها بدعوى الكفر والردة والالحاد .

    فى سياق ذلك ؛ فقد تعرض الاستاذ محمود الى المؤامرة الاولى تجاهه فى العام 1968 ؛ حيث رفع بعض ممن يسموا نفسهم برجال الدين قضية ضد الاستاذ محمود امام محكمة للاحوال الشخصية (المحكمة الشرعية ) يزعموا فيها بردته ؛ وقامت المحكمة فى غياب الاستاذ وتجاهله لها ؛ وكان ان حكمت بغلاظة وجهل بردته ؛ وبتطليق زوجته منه ؛ ودعت الى حل الحزب الجمهورى واغلاق دوره ومصادرة مملتكاته ؛ فى سابقة قد تكون هى الاولى فى العالم الاسلامى فى النصف الثانى من القرن العشرين .

    كان حكم المحكمة الشرعية سياسيا ؛ وقد كان جزءا من الحملة الفكرية والدعائية الى قادتها قوى الطائفية والظلام ضد ثورة اكتوبر ومنجزاتها ؛ والتى اسست على استغلال الدين لاهداف سياسية ؛ فتم تحتها حل الحزب الشيوعى وطرد نوابه من البرلمان ؛ ومطاردة وتحجيم الحركة النقابية ؛ وبناء ديكتاتورية مدنية باسم الدستور الاسلامى . ان اختيار الاستاذ محمود ليكون هدفا لحكم الردة لم يكن عبثا ؛ فقد كان من ابرز الناشطين فى مؤتمر الدفاع عن الديمقراطية ؛ ومن اكثر الناقدين للطائفية وسياساتها ؛ ومن اكثر المتصدين لدعوات الهوس الدينى والظلامية المرفوعة من تنظيم الاخوان المسلمين ؛ فحق بذلك عليه غضب هذا الحلف غير المقدس من تجار الدين ومستغلى الشعب من قادة البيوتات الطائفية وانصارهم من الجهلاء وغلاظ القلوب ممن اسموا انفسهم زورا بعلماء الدين .

    بعد وصول انقلاب مايو 1969 الى السلطة ؛ وحله لجميع الاحزاب السياسية ؛ بما فيها نشاط الحزب الجمهورى ؛ فقد انتهى الحزب كتنظيم ؛ بينما ساند الاستاذ محمود ومؤيدوه النظام ؛ باعتباره انقاذا للبلاد من السياسات الطائفية المعادية للديمقراطية والفكر ! وفى العام 1973 اعاد الاستاذ محمود تنظيم الحركة الجمهورية فى صورة جماعة ؛ اخذت اسم الاخوان الجمهوريين ؛ والتى مارست نشاطها الفكرى والدعائى منذ ذلك الحين عن طريق توزيع الكتيبات والنشرات والندوات فى الجامعات والمعاهد وما اسموه باركان الحوار فى الاسواق واماكن التجمعات العامة . وفى كل ذلك واصل الاستاذ تاييده المعلن للنظام حتى العام 1983 ؛ حيث تم الاختلاف بين النظام والجماعة ؛ وبدا الاستاذ محمود نشاطه المناهض لسياسات النظام الاصولية المتزايدة ؛ وتعرض من جراء ذلك للاعتقال لاول مرة تحت نظام مايو قى اوائل يونيو 1983 ؛ بعد اصدارالجمهوريين لكتيب ينتقد مباشرة النائب الاول للنميرى : عمر محمد الطيب ؛ ليقضى فترة حبس دون محاكمة حتى 19/12/1984 ؛ حيث اطلق سراح الجمهوريين فى خطوة محسوبة ظاهرها العفو ؛ وفى باطنها تدبير مؤامرة جديدة تجاه الاستاذ ؛ الذى ما لبث بعد خروجه ان اصدر بيانا بعنوان "هذا او الطوفان" فى 25/12/1984 ؛ ينتقد فيه قوانين سبتمبر وجملة من سياسات السلطة ؛ فما كان من النظام الا اعتقاله مرة اخرى فى 5/1/1985 ؛ وتدبير محكمة – مهزله له واربعة من رفاقه ؛ قامت على قوانين امن الدولة مواد اثارة الكراهية ضد الدولة ومحاولة قلب نظام الحكم ؛ وقد رفض الاستاذ محمود مطلق التعامل معها ؛ وحكمت المحكمة على المتهمين بالاعدام . ورفع الحكم الى محكمة الاستئناف ؛ والتى لم تناقش جوهر القضية وانما اضافت لها اتهاما بالردة ؛ وهى جريمة لا ينص عليها القانون الساري حينذاك؛ وايدت الحكم ؛ الذى رفع الى السفاح نميرى ؛ الذى لم يؤيد فحسب وانما اضاف اتهامات جديدة وبينات جديدة ؛ فى خرق واضح للقواعد القانونية والقضائية ؛ واعطت محكمة الاستئاف ؛ ومن بعدها السفاح لبقية المتهمين حق التوبة ؛ بينما حجبته عن الاستاذ ؛ مما يوضح سؤء النية وابعاد المؤامرة التى كان غرضها تصفية الاستاذ ؛ الامر الذى تم فى صبيحة الجمعة الحزينة ؛ فى 18 يناير 1985 .وتم نقل جثمانه بطائرة هيلكوبتر حيث تم دفنه بمكان مجهول فى الصحراء شمال غرب ام درمان .

    كان اغتيال الاستاذ محمود ؛ الشيخ البالغ من العمر 77 عاما ؛ واحد مؤسسى وقادة الحركة الوطنية السودانية ؛ وواحدا من ابرز المفكرين السودانيين ؛ ماساة دامية على جبين عصرنا؛ وعلامة لا تقبل الجدل على الانحطاط الاخلاقى والعجز الفكرى والجبن السياسى لمناهضيه من السلفيين ونظام نميرى . فقد تميز الاستاذ محمود ؛ على عكسهم ؛ فى طول حياته ؛ بسعة الافق والتسامح الشخصى مع مناهضية ؛ والحوار الراقى والجدل الفكرى مع اطروحاتهم ؛ والنشاط السلمى والبعد عن اى مظهر للعنف ؛ فى ظل التمسك التام بافكاره ومبادئه ؛ رغما عن سؤء الفهم العام وتشويهات السلفيين لها. ومارس حياة متقشفة زاهدة ؛ ولم يستفد من دعم مناصرية وايمانهم المطلق بشخصة ورسالته ؛ فى جلب مكسب مادى لشخصه ؛ كما انه وطوال سنوات تاييده ومسايرته لمايو لم يسع الى مكسب مادى من ذلك التاييد وتلك المسايرة ؛ وحين اتت محاكم النظام الجائرة بحكم مصادرة ممتلكاته ؛ لم يجد المنفذون ما يصادرون غير سرير خشبى شعبى –عنقريب- وبضع بروش ؛ ومنزل مبنى من المواد البلدية – الطين والجالوص - ؛كان فى حقيقته بيتا للجماعة اكثر منه ملكا شخصيا للاستاذ ؛ وحزمات من الكتب والمخطوطات احرقوها فى شوارع الخرطوم ؛ فى ممارسة اعادت للاذهان تجارب النازية فى حرقها للكتب ؛ كمظهر اعمى للعداء الثقافة والفكر والعجز عن الحوار .

    ان الاستاذ محمود محمد طه ؛ وغض النظر عن الاختلاف او الاتفاق مع اجتهاداته الفكرية والدينية ؛ وغض النظر عن تقييمنا لمجموعة من مواقفه السياسية ؛ يبقى معبرا رئيسيا لكرامة الفكر والمفكرين فى السودان . ومثالا حيا ابد الدهر ؛ للشجاعة المرتبطة بالوعى ؛ ورمزا متميزا عن الانتهازيين من الساسة والمفكرين ؛ والذين يبدلوا مواقفهم كما يبدلوا ملابسهم ؛ ويذبحوا المبادى الغالية على اعتاب السلطة ؛ وينكسروا امام جهل الجمهور او تحريضات الجهلة او عنف الخصوم . ان محمود على غرابة افكاره وعلى جراة تجديده وعلى اشكالية مواقفه الاجتماعية والسياسية ؛ قد وجد الاحترام والتقدير من العديد من مفكرى السودان والعالم ؛ فلم يكن غريبا ان يكتب عنه الشاعر الفذ محمد المهدى المجذوب ؛ عند اعتقاله الاول فى كوبر ؛ ممجدا لصمود محمود ؛ ومستنكرا ان تضم جدران كوبر الضيقة تلك الهامة الفارعة ؛ ولم يكن غريبا ان يكتب الاستاذ عبدالله الطيب ؛ وهو من هو من من سلفية الافكار والمواقف ؛ قصيدة رثاء حارة ينعيه فيها بعد استشهاده ؛ ولم يكن غريبا ان يرفعه فى سلم التقدير درجات قادة اليسار الماركسى فى السودان ؛ وهو الذى نقدهم – فكريا – بصورة جذرية ؛ كما لم ينقدهم احد فى السودان ؛ حيث شبه الاستاذ محمد ابراهيم نقد استشهاده ببطولة فرسان القرون الوسطى ؛ وباستشهاد ود حبوبة وابطال النضال الوطنى . وليس غريبا ان يستلهم تراثه ومواقفه وشخصه ؛ العديد ممن لا تربطهم بالفكر الجمهورى صلة ؛ وتربطهم بالاستاذ محمود الف صلة وصلة .
                  

02-07-2003, 06:06 PM

السوباوي
<aالسوباوي
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 209

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: Abdel Aati)

    لك التحية الاستاذ بكري وبقية الاساتذة الإجلاء
    عذرا إن لم أتابع مقالاتكم السابقة عن الاستاذ محمود محمد طه ...
    ولكني أود أشير غلى أضائتين ... في أعدام الأستاذ بالرغم من أني فقير جدا عن معرفة الكثير من تفاصيله الفكرية .. ولكن ما يهمني أن أقوله هنا فقط وجهة النظر القانوينة ولا أدري أن كان من تطرق لها قبلي أم لا ...
    أولا كل السودانيين أو السواد الأعظم منهم المهتم بقضية الأستاذ محمود محمد طه وبالرغم من أن معظمهم غير قانونيين ولكنهم يعرفون ... أن الأستاذ محمود قد حكم تنفيذا لنصوص وقواعد القانون الجنائي السوداني لعام 1983م ... وذلك لتجريمه بأرتكاب جريمة الردة ... مع العلم أن القانون السوادني لم يكن في نص يشير إلى هذه المادة ولا إلى عقوبتها .... وهذا ما صححته المحاكم لاحقا ولا زال وصمة عار في جبين القضاء السوداني .. والذي كان يعترف به ويخجل منه كبار دكاترتنا في كلية القانون .. وكنا نحترم فيهم ذلك .. هذه نقطة أولى
    أما الثانية ... وهذه يشهد بها من حضروا تنفيذ الإعدام عن قرب ومن كان حاضر من هيئة السلطة القضائية أو من منفذين أو غيرهم وهذا ما يجب أن يعرفه التاريخ ويعلن عنه هؤلاء الحضور إن كانت بهم شجاعة مع احترامي أيضا لبعض أساتذتي القانونيين الكبار .. الذين لا زال هذا الموقف يؤثر فيهم ولكن كنت أتمنى لو أنهم تمكنوا من نشرة في كل وسائل الأعلام ... وهي كالآتي وكما ذكر أحد الاخوان أن الاستاذ كان وقت تنفيذ الإعدام يبتسم بثبات ولكنه لم يبتسم فقط .. أتدرون أن الاستاذ محمود محمد طه لما أزفت ساعة التنفيذ قد حرك شفايفه نطقا بالشهادة ولم يكن صوتا مسموعا بقدرما يمكن أن تسميه درجة تحت الهمس ولكن طريقته في تحريك شفائفه بنطق الشهادة .. لا تغيب على الرجل العادي بأن هذه التي تتحرك بها الشفاه ما هي إلا شهادة أن لا اله إلى الله وأن محمد رسول الله ... وأن تقضينا عن تطبيق النص الغير موجود أصلا .. فتعتبر هذه شبه تدرأ الحد لو كان في الذين حضروا من له ضمير ومسألة الحدود تدرأ بالشبهات أمر لا يحتاج إلى مفتي ولكنه حديث وامر وضح في تعاليم ديننا الحنيف ....

    فهناك الكثير أعزائي حول ذلك الظلم الذي الحقته المحكمة بهذا الاستاذ ...
    لا يجدر بنا سوى أن نقول أن الله المستعان
                  

02-07-2003, 07:13 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50077

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: السوباوي)

    الأخ سوباوي

    تحية طيبة
    لقد أعجبتني مساهمتك ولكنني ضحكت كثيرا، وتألمت لعدم معرفتك للأستاذ، عندما قرأت مداخلتك في هذه النقطة:

    Quote: أتدرون أن الاستاذ محمود محمد طه لما أزفت ساعة التنفيذ قد حرك شفايفه نطقا بالشهادة ولم يكن صوتا مسموعا بقدرما يمكن أن تسميه درجة تحت الهمس ولكن طريقته في تحريك شفائفه بنطق الشهادة .. لا تغيب على الرجل العادي بأن هذه التي تتحرك بها الشفاه ما هي إلا شهادة أن لا اله إلى الله وأن محمد رسول الله ...


    من قال لك أن الأستاذ محمود لم ينطق الشهادة من قبل؟؟ ارجو أن تتمكن من قراءة كتابه الإسلام ، وكتابه "محمود محمد طه يدعو إلى طريق محمد" على هذا الرابط، لتعرف مدى علاقة الأستاذ محمود بالشهادة..
    http://www.alfikra.org/books/index.htm

    وفي الختام لك مني التقدير والاحترام
                  

02-07-2003, 06:31 PM

WadalBalad
<aWadalBalad
تاريخ التسجيل: 12-20-2002
مجموع المشاركات: 737

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: بكرى ابوبكر)

    أيها الإخوة الكرام

    لكل هذا وذاك فتحنا حلقة فى سلسلتنا "نحو سودان جديد" لمناقشة "الحركة الجمهورية والمستقبل" وذلك لمعرفتنا التامة بأن هذه الفكرة تحوى الكثير الذى يمكن أن يفيد السودان وأرجو من الإخوة العارفين ببواطنها توضيح ذلك حتى نتمكن من تصور أتجاهات السياسة السودانية بصورة أفضل
                  

02-07-2003, 07:26 PM

السوباوي
<aالسوباوي
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 209

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: WadalBalad)

    الاستاذ العزيز ياسر الشريف
    لك كل الشكر والود
    أرجو أن لا تضحك ولا تحزن ... فأنا اقول لم أعرف تفاصيله الفكرية وقد يكون ذلك لظروف كثيرة .. ليس هنا الآن وقت لسردها

    أما بخصوص الشهادة .. أنا لم أقل أنه لم ينطق الشهادة من قبل ولم أكفره على الأطلاق ولم أقل أن شهادته في لحظة الأعدام هي أول شهادة له
    ولكن حتى لو كان هذا الموقف انطبق على ارفع رجال الدين .. باتهامه بالردة ... وفي لحظة الحكم نطق بالشهادة أنا أقول أنه قد نطق الشهادة وليس معنى هذا ... أنني أنفي منه صفة الإيمان في كل ماضيه ..... فعذرا عزيزي ... قرأت للأستاذ الكثير ... ولي كثير من الأصقاء الذين عاشروه وحدثوني عنه .. وأظنك تعرف العم خيري .. الأخ عاصم ... أحترم كل هؤلاء ... قرأت له عزيزي ياسر ... ولم أقل أنه لا أعرفه ولكن كان تعبيري أن لا أعرف الكثير عن تفاصيله الفكرية فأرجو أن تركز لي على تفاصيله ...

    لك الود الاستاذ ياسر .. ويجب أن نستفيد منكم .. فيما نجهله .. بس بدون ضحك أو حزن
                  

02-08-2003, 06:43 AM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: السوباوي)




    قبل أن أبدي رأيي .. و قبل أن أقوم بحقي و واجبي في نقد الناقد .. أريد الإشادة بما يقوم به السيد عادل عبد العاطي من دراسة بحث و نقد جادة لشخصية المفكر محمود محمد طه .. و للحركة الجمهورية كجسد متكامل

    أنا على قناعة بأن النقد الصحيح لفكر الأستاذ محمود (و أسميه فكر الأستاذ مسايرة لما جرت عليه العادة بتسمية الفكر بأصحابه .. و هو أمر له سلبياته و إيجابياته) .. لا يتأتى إلا بالدراسة المسهبة لتاريخ الصوفية الطويل و تاريخ شخصياتها المشهورة .. بالإضافة إلى دراسة الفلسفات التاريخية القائمة على تطوير المجتمع إجتماعيا و أخلاقيا و سياسيا .. ذلك لسبب بسيط .. هو أن الفكرة الجمهورية جامعة للقضيتين .. و هذا الجمع ليس مأخذ سلبي كما يوحي به عادل عبد العاطي (و ذلك رأيه الذي أحترمه).. و إنما هو عين الإيجاب في هذه الفكرة الكونية .. ذلك أن الصوفية .. و من قبلها البوذية و الكونفوشيوسية .. و حتى المسيحية .. لم تفلح في جمع خصائص علم نفس الإنسان، و علم الإجتماع .. لاحظوا أنني أتكلم و أقارن فكر الأستاذ محمود بجميع أشكال الفلسفات و الديانات العالمية .. و ذلك لأني لا أرشحها لمركز غير أن يكون في منافستها جميعا بجميع أشكالها .. و لكن لا حظوا أيضا أنني لم أذكر الإسلام .. و لم أذكر النبي عليه الصلاة و السلام كصاحب فكرة الإسلام على الأرض .. ذلك لأن هذا من هذاك .. و ليس هناك في حقيقة الأمر إختلاف بين ما جاء به النبي محمد بن عبد الله قبل خمسة عشر قرنا، و بين ما جاء به محمود محمد طه في هذا العصر إلا إختلاف مقدار لتقدير الزمان و المكان .. و هذا هو عين الفهم الذي يختص المقولة الشهيرة بأن الإسلام رسالة خلاص الإنسانية جمعاء .. و هي خلاصة الحقيقة التي يبحث عنها الفلاسفة و العلماء في كل زمان و مكان .. لذلك فإن الزمان و المكان لا يحتويها.. و إنما تتطور الإنسانية في هذين الأطارين لفهمها و الإحاطة بها.. فزمان الرسالة الأولى من الإسلام كان زمانا لم يرتق فيه البشر إلى فهم الحقيقة .. إلا رجل واحد .. و لهذا كان تكليفه بالوصاية على هؤلاء الذين لا يعرفون و لا يطيقون المعرفة .. و كذا كان المكان أرض الديانات .. حيث تودع الطاقة الكامنة لفكرة الإسلام .. و يودع معها السبيل للوصول لها.. حتى تتطور البشرية عبر الزمان للخروج بهذه الطاقة

    فالزمان الآن إختلف عن القرن السابع إختلافا عظيما نحو الأعلى و الأفضل .. و المكان أصبح أصغر من المكان في القرن السابع الميلادي .. فالأن كل العالم قرية واحدة .. و بهذا الإعتبار يمكن أن نقول أن كل الأرض أصبحت في حجم ما بين مكة و المدينة بقياس القرن السابع الميلادي .. و بهذا أصبحت الأرض كلها أرضا خصبة للأفكار العالمية القديمة قدم التاريخ، و الحديثة حداثة العصر و اللحظة .. وحدها دون الإقليمية... أو الموسمية ... و هنا ظهر قصر جميع الفلسفات الأرضية مقارنة بالإسلام .. حيث ظهر لنا كيف أن الفلسفات الحالية غير قادرة على هذا الإحتواء العظيم .. رغم محاولة المسيحيين قصارى جهدهم كوكبة فلسفتهم سواءا بالأداء السياسي أو التبشيري .. و أخص بالذكر المسيحية هنا لسبب واحد هو أنها أكبر ديانة في العالم من حيث عدد المعتنقين و تنوع خلفياتهم الثقافية و العرقية (يليها الإسلام طبعا).. ظهر لنا قصر كل هذه الفلسفات بإزاء الإسلام ... أما هذا العجز .. فلم يظهره لنا الفقهاء الأربعة .. و لم يظهره لنا إبن رشد كأحد المفكرين العقلانيين في التاريخ الإسلامي .. و لم يظهره الإخوان المسلمين كتنظيم إسلامي حديث .. و إنما أظهره محمود محمد طه .. ذلك الرجل الأسمر بسيط المولد و النشأة و الحياة .. من أرض السودان التي ليس لأهلها عهد بأن يكون فيهم من يمتد بفكره فيغالب ماركس .. و يغالب فرويد .. ويغالب سقراط و أرسطو و أفلاطون معا.. و يتفوق بجدارة على بوذا في السرد الروحاني و التحليل النفسي .. و يطور منظار السيد المسيح في المعاني الخالدة و يزيح عنها غبار الزمان لتلمع من جديد بعد أن فقدنا الأمل في تجديدها ... كل هذا إعتمادا على محمد بن عبدالله .. صاحب فكرة الإسلام .. و الذي لم يعرفه و لم يعرف حدة و دقة فكره حق المعرفة حتى صحابته و أهله

    لا حظوا أنني في الفقرة الأخيرة أيضا لم أذكر الصوفية .. و هم لم يسقطوا سهوا .. بل هم جذور محمود محمد طه .. و هم مدده الذين أصبح بإستقاءه من منبعهم منهم .. و فيهم .. و اصبح مميزا بينهم .. و جوهرة فريدة في عقدهم

    هذا الكلام قد يفسره الكثير بأنه مبالغة أتية من احد أتباع محمود محمد طه يحاول أن يظهر فيها أستاذه على أنه هو .. و هو وحده .. صاحب الحقيقة .. و هذه عادة اصحاب الملل و الفلسفات عندما يتحدثوا عن متبنياتهم الفكرية و المعتقدية .. و لكني أضيف هنا للمعلومية فقط أنني لا أتكلم من هذا الباب لأنني صاحب إرث تاريخي يحتم علي أن أكابر و أنقض معه جميع سلبيات فكرتي .. و لا أظهر إلا إيجابياتها حتى لا أظهر أمام الناس كصاحب الأخطاء في التقدير و التحليل .. فأنا ليس لي أي إرث مادي أو معنوي من الحركة الجمهورية التي قامت في أرض السودان .. و لا ينسب إلي منها أي شرف أو مذمة (إن كانت هناك مذمة).. و هذا على ما أعتقد كافي لأن يجعلني ناقدا مثلي مثل السيد عادل عبد العاطي


    سأنتقل الآن إلى نقطة شدت إنتباهي جدا في مقال عادل عبد العاطي .. و هي ما قاله أن محمود محمد طه لم يفلح في تبني منهاجين مغايرين لبعضهما من صوفية تدعو إلى التفرد و الإنعزال .. و حركة إجتماعية سياسية تدعو إلى فضائل المدنية .. هذا طبعا كلام يعود و يرجع في النهاية إلى رأي و منطق حسب فهم صاحبه و إستيعابه .. و هو ليس إستيعابا قاصرا .. و لكن فلنقل فقط أني أختلف معه في هذه النظرة .. و سأبين هنا لماذا

    بدأت منذ فترة ليست بالوجيزة الإهتمام بالفلسفات الإنسانية و تتبع مساراتها .. الشرقية منها و الغربية .. هذا لأني عرفت ببساطة أن كوننا الذي نعيش فيه تحكمه فلسفات بعينها .. معاصرة و تاريخية .. يتبعها الناس في كافة الأرجاء و الأقطار .. منهم من هم على علم بها و منهم من هم ليسوا كذلك .. و لكن يتبعوها دون ان يعرفوا أنها في الحقيقة مدونة و فيها شرح لتصرفاتهم و آرائهم العامة في أحد الكتب .. في مكان ما .. و هذا ليس تعميما غير مؤسس .. إذ أنه تعميم لما هو عام من تصرفات و أفكار .. و ليس فيه حديث عن تفاصيل .. و تعميم العام و تصنيفه ليس فيه خلل .. و ليس مستحيلا

    ما توصلت إليه هو من ما توصل إليه قبلي من دارسي الفلسفة .. و هو أن هناك فرقا كبيرا في شرح علم الإنسان و الكون بين الفلسفات الشرقية و نظيرتها الغربية .. و كلاهما ينطلق من نفس الهدف .. و هو أن غاية الإنسان المطلقة هي السعادة .. السعادة الدائمة في كل يوم .. و كل ساعة .. و كل لحظة .. تقول الفلسفات الشرقية بأن السعادة الإنسانية هي غاية ذاتية .. و غاية ليس من سبيل للوصول إليها إلا بالتعمق في النفس الإنسانية و سبر أغوارها حيث تكمن الإجابة .. و أتباع هذا المنهاج منهم البوذية .. و منهم الكونفوشيوسية .. و المسيحية .. و يصنف معهم الصوفية.. في حين نجد أصحاب المنهاج المغاير.. اصحاب الفلسفات الغربية .. يجدون تحقيق السعادة الإنسانية في التكامل الإجتماعي البشري، و يسعون إلى تكوين هذا المجتمع عن طريق تأهيل الفرد ليكون عضوا صحيحا في جسد مجتمعه المدني .. فالمجتمع هو الغاية .. و الفرد هو الوسيلة ... و لا تحقق السعادة المطلقة لفرد في ذلك المجتمع إلا بعد كمال جسد المجتمع .. و من هذه الفلسفات اليوتاليتيرية (المنفعية) .. و الكانتية (رغم قرب بعض مفاهيمها من الفردية).. و الماركسية .. و الإسكيبتيسيزم (أو هلامية الأخلاق حسب ترجمتي).. و غير هذه و تلك الكثير

    هذا جزء بسيط دون إسهاب لماهية تكون و تطور الفلسفات الإنسانية في حاضرنا و تاريخنا البشري .. و كما يلاحظ الواحد منا فإن المعضلة تكمن دوما في تفسير العلاقة بين الفرد و المجتمع .. و تقديم إحداهما على الأخرى في حالة تعارض المصالح .. و للصوفية مكانها المرموق في مصاف الفلسفات المعنية بالبحث الداخلي عن السعادة .. و الصوفية طبعا تدرس في مدارس الفلسفات العالمية بإزاء البوذية و غيرها من مناهج الرياضة الروحية و النظريات البصيرية (نقيض البصرية) .. و لهذا ليس من الغريب أن يتعجب عادل عبد العاطي من كون محمود محمد طه صوفيا .. و مصلح إجتماعي في نفس الوقت

    الحقيقة الفلسفية أيضا تقول .. أن جميع الفلسفات ما زالت تدور .. و قد حققت إنتصارات في مجالات .. و حاقت بالهزائم في مجالات أخرى .. و لا يخرج من هذا الإطار الصوفية .. غير أن الصوفية تعود إلى حقيقة لم يتأتى لأي فلسفة أخرى فهمها .. و هي مسألة أدب الوقت المعروفة لدى العارفين من الصوفية .. فالصوفية لم يدعوا يوما أن علمهم قد إكتمل .. في حين إدعى ذلك بوذا (حسب ما نقل عنه .. و هو ما أشك فيه) ... و غيره من أصحاب الرياضات الروحية .. فكلمة بوذا مثلا تعني صاحب النور ، أو المتنور .. بمعنى صاحب الحقيقة ..أو عارف الحقيقة .. في حين أن الصوفية لم يدعي أحد منهم يوما علم كل العلم .. بل هو واضح في تاريخهم تطور الأفكار و ظهورها من عدمها النسبي كما هو الحال في كتب إبن عربي و الفرق بينها و بين كتب الصوفية قبله .. فإبن عربي أتى بالجديد الكثير إضافة للصوفية .. و لم ينكر عليه أحد من المتصوفة ذلك لأنهم عرفوا أنه يأخذ من نفس المعين الذي إستقى منه العارفين قبله .. و حقيقة هذا الأمر تتجلى عندما نعود إلى أصل الصوفية .. و هو النبي الكريم .. فهو صاحب الحديث الشهير الذي يقول فيه أن من يتوكل على الله حق توكله لعلمه الله من العلم ما لم يعلمه لأحد حتى هو صلى الله عليه و سلم .. و فسر ذلك بأن الله أعظم من أن يحيط بكامل علمه أحد

    من هنا نقول أن محمود محمد طه لم يخالف خط الصوفية .. فهو قد أضاف إليها الكثير .. في نفس الوقت الذي أمن فيه على أن ما لديه ليس كل موعود البشرية .. بل هو قد قال أن من المعرفة ما هو قادم و لم يأت بعد .. فهو كان إضافة للسلسلة الطويلة .. و لكنه لم يدع أنه آخر السلسلة .. و بالتالي هو لم يخرج من خط الصوفية إطلاقا .. إنما تابعه و قومه من جديد حيث كان قد زاغ بعض الشيء مع الزمان عن طريقه الأوحد ... ثم إرتحل

    خطوة محمود محمد طه في تعريف المعرفة الصوفية و تقديمها للمجتمع الخارجي هي خطوة جريئة كان هو اهل لها من تأهيله الكافي لها .. فهو قد مارس النشاط السياسي و الإصلاح الإجتماعي لسنين إكتسب منها خبرة عملية .. ثم إعتكف و خلا إلى نفسه و إلى ربه سنينا بعد ذلك .. ثم خرج على العالم بفكرة ذات توفيق للنقائض .. نقائض الفرد و المجتمع .. عن خبرة و دراية بالمجالين .. فهو إذا دخل بالصوفية عهدا جديدا .. لم تعرفه من قبل.. لهذا تنكر له قليلي الإدراك .. من صوفية و غيرهم .. و رحب به أصحاب الإدراك من الصوفية .. و أصحاب الإطلاع و الثقافة من غير الصوفية .. و هذا إنجاز سيشهده له التاريخ .. عاجلا أم آجلا

    أما بعد .. فللمعلومية أذكر أن أفكار محمود محمد طه تلقى ترحابا و إقبالا خارج السودان الآن أكثر مما هي داخله .. و قد أثارت أفكاره ضجة في جنوب أفريقيا .. و أوروبا .. وآسيا .. و أمريكا اللاتينية ... و هي ضجة خافتة .. و لكنها تكبر كل يوم .. و ستبقى تكبر حتى يسمعها كل العالم .. و تأخذ مكانها في مصاف عظائم الأفكار الإنسانية ... و سوف ينسب كل هذا للإسلام .. و لمحمد بن عبدالله بن عبد المطلب .. و النقد العلمي الجاد الذي يقوم به أمثال عادل عبد العاطي يعد بلا شك من تروس هذه الحركة المتطردة .. و ستظهر نتائجه على السطح عما قريب .. لذا ترقبوا معي .. فأنا أيضا مترقب


                  

02-08-2003, 08:42 AM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: Yaho_Zato)

    الاخ يا هو ذاتو

    تحياتى القلبية لك ؛ ومن قبل للجهد العظيم الذى تبذله قراءة وكسبا ؛ ثم تطرحه لنا كالدرر فى هذا المنبر وفى غير هذا المنبر

    اتفق معك فى وحدة التفكير الانسانى ؛ وفى صيرورته الى فكر عالمى انسانى ؛ حاول اغلب المفكرين والمصلحين وضعه ؛ ولكن عاقتهم ظروف الزمان والمكان ؛ ومستوى تطور الفكر والعلم فى زمانهم ؛ وهى عوائق موضوعية ؛ اذا سلمنا بالنظرة التطورية ؛ والتى تقول بتفوق الفكر الانسانى فى كل عصر جديد؛ على ما سبقه ؛ وليس النظرة الماضوية التى تبحث عن العصر الذهبى فى زمن غابر

    بهذا المنطق ؛ ما اسهام الرسل والفلاسفة والعلماء والمصلحين ؛ الا احجار تضع فى هذا البناء العظيم ؛ وما اتى به موسى ؛ وعيسى ؛ ومحمد ؛ وكونفوشيوس ؛ وزرادشت ؛ وبوذا ؛ ولاوتسى ؛ وهيجل ؛ وماركس ؛ وفرويد ؛ وداروين ؛ ومحمود ؛ الا اضافات للقكر الانسانى ؛ هذا اذا نظرنا من خارج نظرة المتدينين والعقائديين ؛ والذى يرى كل منهم فى ديانته وعقيدته الكلمة الفصل ؛ والحقيقة المطلقة ؛ المتنزلة من الله او الخارجة من رحم التجربة او المنبثقة من عبقرية الروح

    وليست الصوفية والنشاط الاجتماعى ضدان ؛ كما فهمت من نصى ؛ وانما هما طريقان صعب الجمع بينهما؛ فى صورة تنظيم ؛ بل ان اغلب الصوفية قد كان لهم موقف اجتماعى واضح ؛ من الظلم ؛ ومن انتهاك كرامة الانسان ؛ ومن قمع حرية التدين والتفكير ؛ بل ان الفعل الصوفى فى ذاته ؛ هو موقف واضح ؛ واعتراض بين ؛ على سير الاشياء فى هذا العالم ؛ وقد كان للمتصوفة السودانيين باع كبير فى الوقوف مع المظلومين ؛ وفى نشر التعليم ؛ وفى الخدمات لمجتمعاتهم ؛ ومن يرغب فى تحقيق ذلك ؛ فدونه كتاب طبقات ود ضيف الله ؛ او كتاب الفقهاء والسلطنة فى سنار ؛ لمولفه عبد السلام سيد احمد ؛ وغيرها من الكتب والدراسات

    ما قصدت الاشارة اليه فى المقال ؛ وما اوضحته فى كتابات لاجقة ؛ اتمنى ان انشرها على هذا البورد ؛ هو ان الاختيار الصوفى اختيار فردى ؛ ولا يمكن ان يكون اختيار مجتمع او جماعة ؛ اى يمكن للمراة او الرجل ان يكونا صوفية او صوفي ؛ ولا يمكن للحزب او المجتمع ان يكونا صوفيان ؛ ولذلك فاننى وددت لو فرق ما بين الصوفية كاختيار فردى - معرفى ؛ والعمل الاجتماعى كاطار سياسى - اجتماعى ؛ وقد كان الحزب الجمهورى فى مطلع ايامه كذلك ؛ ولو كانت به شخصيات مؤثرة اخرى ؛ لكان الحزب تجمعا سياسيا اجتماعيا ؛ ذو اهداف وطنية واصلاحية يتفق عليها الكثيرون ؛ ولكان الاختيار الايدولوجى للقادة والاعضاء متعددا ؛ وفى ذلك لا عتب على اختيار الطريق الصوفى لمحمود ؛ او العلمى لاخر ؛ او الفلسفى لثالث

    مهم هنا ؛ استذكار تجربة الشهيد كمال جنبلاط ؛ مؤسس وزعيم الحزب التقدمى الاشنراكى فى لبنان ؛ فقد كان الرجل صوفيا ؛ وماركسيا ؛ ولكنه لم يفرض خياراته على الحزب ؛ بل كان ما يجمع الناس فى حزبه هو البرنامج السياسى والاجتماعى ؛ ورغم خروج كمال جنبلاط من اسرة طائفية ؛ وتراث درزى ؛ كان يمكن ان يستغنى بهما عن اى تاسيس برامجى ؛ فقد طور هو الحزب ليتجاوز حدود الطائفة ؛ واحتفظ بخياراته االمعرفية لخاصة نفسه ؛ فى نفس الوقت الذى نشط فيه اجتماعيا عن طريق العمل السياسى والبرنامج الاجتماعى الذى يوحد الناس على اساس مصالحهم وخياراتهم السياسية والاحتماعية العامة ؛ لا على اساس الايدولوجية

    وقد ذكرت انا من قبل ؛ ان معضلة المرحلة الثانية من تطور الحركة الجمهورية ؛ اى عند تحولها الى تنظيم دينى ؛ تتمثل فى ان فكرها لن ينال التطبيق ؛ الا اذا اصبح كل االمجتمع جمهورى ؛ وهذا من المحال ؛ فالمجتمعات تتاثر بالايدولوجيات ؛ ولكنها لا تتادلج كلية ؛ ناهيك عن ان الفكر الجمهورى مربوط ربطا لا فكاك منه بالدين الاسلامى ؛ وهو من هذا المنطلق يقصى من حدوده غير المسلمين ؛ ولعلك قد تابعت تطور الفكرة البهائية ؛ والتى رغم مرور اكثر من قرن ونيف عليها ؛ وتخولها الى دياتة مستقلة ؛ الا انها لا تزال تراوح مكانها ولا تستطيغ فكاكا من اصلها الاسلامى ؛ ولا تزال علاقتها بالاسلام مثار جدل وصراع وخلط وعداءات

    ما هو اتجاه التطور فى نظرى ؛والذى يمكن ان تسير عليه المجتمعات ؛ لو لم تدمر الحكومات والساسة كوكبنا هذا ؛ اتجاه التطور فى الفكر يمر فى نظرى بعدة مراحل :

    - المرحلة الاولى هى مرحلة التعايش ؛ وهى مرحلة ان يتم الاعتراف لكل شخص بحقه فى اختيار ما يشاء من فكر او عقيدة ؛ وهى مرحلة العلمانية السياسية ؛ والدولة القومية ؛ والحرية الفكرية والدينية
    - المرحلة الثانية وهى مرحلة التلاقح ؛ وعى مرحلة تحتفظ فيها المجتمعات كما الافراد ؛ بما تشاء من افكار وعقائد ؛ وللكنها تتحاور وتتلاقح فيما بينها ؛ وتكسر حواجز الشكوك والمرارات التاريخية وسؤء الفهم والتعصب ؛ وهى مرحلة تستدعى الحوار الفكرى ؛ ووضع الاسس الرئيسية التى تجمع الناس - مواثيق دولية مصاغة بالتراضى وبقبول الجميع ؛ وهى كذلك مرحلة التجمعات الاقليمية والتعاون الدولى
    - المرحلة الثالثة وهى مرحلة الوصول الى الجامع المشترك الاعظم فى مجال القيم ؛ وهى مرحلة القيم الانسانية العالمية ؛ ؛ وهى مرحلة المجتمع العالمى ؛ وربما مرحلة الحكومة العالمية ؛ وهى مرحلة عالية فى تقارب الجنس البشرى

    اننا نرى الان ؛ فى العديد من الافكار والمنظمات ؛ بذورا من كل هذه المراحل ؛على تفوت فى تطورها ؛ فنحن فى السودان لم نصل بعد الى المرحلة الاولى ؛ بينما تخطو بعض الاقاليم ؛ كالاتحاد الاوربى مثلا ؛ الى منتصف المرحلة الثانية ؛ ونرى فى بعض عبقرى الاقكار والنشاطات ؛ بذور المرحلة الثالثة

    ان اسهام الاستاذ محمود ؛ كان يمكن ان يصب فى المجال الاجتماعى والسياسى ؛ فى تعزيز المرحلة الاولى ؛ ؛ وفى المجال الفكرى والمعرفى فى اجتراح افق المرحلتين الثانية والثالثة ؛ ولكن كل انسان محكوم بظروفه ؛ وبخياراته ؛ ولو لاحظت رسالة الاستاذ محمود ؛ والمعنونة : اعداد الانسان الحر ؛ لوجدت فيها بذورا لقيم المرحلة الثانية والثالثة ؛ ولوجدت ايضا انه يعطلها حين يربطها بدين بعينه ؛ وكتاب بعينه ؛ قد لا يرى فيه غير المسلمين ؛ او حتى بعض المسلمين ؛ ما يراه فيه الاستاذ محمود

    ولو نظرت حتى الى الجمهوريين ؛ لوجدت بينهم اختلاقا عظيما ؛ فى تقييم شهصية وفكر الاستاذ محمود ؛ فعمر القراى مثلا ؛ لا يرى فيه الصوفى ؛ وانما ينظرقبل كل شى الى السياسى ؛ ويزعم بامكانية تحقيق السياسى فى الفكرة الجمهورية ؛ بينما يراها ياسر الشريف فكرة دينية فى المقام الاول ؛ ويحاول حيدر بدوى ؛ والباقر العفيف ؛ ان ينظرا الى افقها الكونى ؛ ويحاولا ان يفك الربط ما بين الفكرة ؛ كتوجه شخصى ؛ والنشاط السياسى ؛ كاسهام عام ؛ يوحدهما مع آخرين ؛ من منطلقات فكرية مختلفة ؛ ويحاول نفس الشى محمد عثمان سليمان ؛ وان بقراءة مختلفة تماما لسلم الاولويات ؛ حيث يراها فى محاربة الطائفية ؛ والترابية ؛ وبتعامل مع حيثيات النظام الراهن

    اعتقد انا ؛ انه قد حان الاوان ؛ لفك المتشابك فى شخصية وسيرة وفكر الاستاذ محمود ؛ وفرز ما هو ظرفى وتاريخى ؛ مما هو مستقبلى وعالمى وعبقرى ؛ وفرز الاكتساب الفكرىوالسياسى والحركى ؛ عن الموقف الشخصى ؛ والذى تجاوز به العديد من نواقص الفكر والتنظيم ؛ وفك التنظيم عن الايدولوجية ؛ واعادة مرحلة الواجبات والمهام من جديد ؛ واستخلاص الحكمة الكاملة من التجرية

    وآمل حقا فى ان يكون لى حظ بسيط من عملية التفكيك واعادة التركيب هذه ؛ليس فى مجال الفكر الجمعورى فحسب ؛ وانما فى مختلف مكونات الفسيفساء الفكرية السودانية ؛ ونترك لمن ياتى بعدنا ؛ من الشباب الواعد ؛ من امثال ياهو ذاتو ؛ وموديك ؛ وغيرهم ؛ واجب اجتراح افاق جديدة

    مع التقدير

    عادل
                  

02-08-2003, 07:25 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50077

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: السوباوي)

    عزيزي السوباوي

    تحية ملؤها التقدير والإخلاص

    وأنا جد آسف لسوء الفهم، فأرجو المعذرة.. والحمد لله زعلتك مرقت درر.. نعم أعرف كل الذين ذكرتهم ولهم في قلبي مكان خاص، ولك كذلك..

    ولك العتبى حتى ترضى
                  

02-08-2003, 11:00 AM

السوباوي
<aالسوباوي
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 209

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: Yasir Elsharif)

    الاستاذ العزيز جدا ياسر الشريف
    نحن فوق أن نحوج بعضنا ... لأعتذارات وسوء فهم .. كل شيء جائز حدوثه ... أتمنى أن نعلم منك المزيد .. عن ما لم تسعفنا الظروف على معرفته عن الاستاذ محمود ... وأتمنى أن يكون رأي أو مساهمتي الأولى في حق الرجل هي من وجهة نظر قانونية فقط لا غير
    أما بالنسبة لمن ذكرتهم لك
    فالعم خيري الأمدرماني بالثورة الحارة التامنة ... فجلست معه كثيرا .. وحكي لي الكثير الكثير عن الأستاذ من الأشياء التي لم يعرفها عنه إلا من كا نوا لصقين به كالعم خيري ويبدو لي أنك تعرف علاقتهم مع بعض ... أما الاستاذ عاصم حامد فبيني وبينه علاقة دم قبل كل شيء ... وأما الباشمهندس معاوية الجاك فهو في مقام خال بالنسبة لي ... ومن هؤلاء كنت ... أتشوق لأن أكون قد عايشت هذا الرجل المعجزة

    ولك تحياتي ...
                  

02-08-2003, 06:30 PM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: السوباوي)




    الأخ عادل .. و لك من التحايا أجزلها ... و النقاش معك له مذاق طيب


    Quote:
    بهذا المنطق ؛ ما اسهام الرسل والفلاسفة والعلماء والمصلحين ؛ الا احجار تضع فى هذا البناء العظيم ؛ وما اتى به موسى ؛ وعيسى ؛ ومحمد ؛ وكونفوشيوس ؛ وزرادشت ؛ وبوذا ؛ ولاوتسى ؛ وهيجل ؛ وماركس ؛ وفرويد ؛ وداروين ؛ ومحمود ؛ الا اضافات للقكر الانسانى ؛ هذا اذا نظرنا من خارج نظرة المتدينين والعقائديين ؛ والذى يرى كل منهم فى ديانته وعقيدته الكلمة الفصل ؛ والحقيقة المطلقة ؛ المتنزلة من الله او الخارجة من رحم التجربة او المنبثقة من عبقرية الروح

    كلامك أعلاه لا غبار عليه .. و هو عين الفهم الصحيح الذي لم يخالفه محمود محمد طه ... ولكنني لم أتطرق إليه في قضية النقاش لأنه من الأساسيات التي تبنى عليها لا حقاتها .. و لو لم أكن مقتنعا بكلامك لما كان لذكر الفلسفات الأخرى و مقارنتها جدوى .. و لك العذر إن فهمت من كلامي غير ذلك

    Quote:
    وليست الصوفية والنشاط الاجتماعى ضدان ؛ كما فهمت من نصى ؛ وانما هما طريقان صعب الجمع بينهما؛ فى صورة تنظيم ؛ بل ان اغلب الصوفية قد كان لهم موقف اجتماعى واضح ؛ من الظلم ؛ ومن انتهاك كرامة الانسان ؛ ومن قمع حرية التدين والتفكير ؛ بل ان الفعل الصوفى فى ذاته ؛ هو موقف واضح ؛ واعتراض بين ؛ على سير الاشياء فى هذا العالم ؛ وقد كان للمتصوفة السودانيين باع كبير فى الوقوف مع المظلومين ؛ وفى نشر التعليم ؛ وفى الخدمات لمجتمعاتهم ؛ ومن يرغب فى تحقيق ذلك ؛ فدونه كتاب طبقات ود ضيف الله ؛ او كتاب الفقهاء والسلطنة فى سنار ؛ لمولفه عبد السلام سيد احمد ؛ وغيرها من الكتب والدراسات




    فعلا .. كلامك صحيح .. فالمتصوفة في كل زمان كانوا أصحاب مواقف لا تشوبها شائبة من الناحية الأجتماعية و السياسية .. و لكنهم لم يتخذوا طريق إصلاح المجتمع بنشر أفكارهم الإجتماعية بالشكل المتعارف عليه .. و إنما كانوا دوما يتمركزون حول الفرد .. في التعامل و الخطاب ... لهذا السبب أخذت الحركة الصوفية مسمى الحركة اللادنيوية .. مثل البوذية و غيرها .. فمن المعروف أيضا أن البوذيين أصحاب مواقف واضحة إجتماعيا و سياسيا.. و أنا عرفت أنك لم تقصد أن الصوفية منعزلين عن المجتمع إنعزالا تاما .. و لكن كان علي أن أختارإحدى طرفي المعادلة فقط حتى يصبح نقدى مركزا و متوسط الحجم

    Quote:
    ما قصدت الاشارة اليه فى المقال ؛ وما اوضحته فى كتابات لاجقة ؛ اتمنى ان انشرها على هذا البورد ؛ هو ان الاختيار الصوفى اختيار فردى ؛ ولا يمكن ان يكون اختيار مجتمع او جماعة ؛ اى يمكن للمراة او الرجل ان يكونا صوفية او صوفي ؛ ولا يمكن للحزب او المجتمع ان يكونا صوفيان ؛ ولذلك فاننى وددت لو فرق ما بين الصوفية كاختيار فردى - معرفى ؛ والعمل الاجتماعى كاطار سياسى - اجتماعى ؛ وقد كان الحزب الجمهورى فى مطلع ايامه كذلك ؛ ولو كانت به شخصيات مؤثرة اخرى ؛ لكان الحزب تجمعا سياسيا اجتماعيا ؛ ذو اهداف وطنية واصلاحية يتفق عليها الكثيرون ؛ ولكان الاختيار الايدولوجى للقادة والاعضاء متعددا ؛ وفى ذلك لا عتب على اختيار الطريق الصوفى لمحمود ؛ او العلمى لاخر ؛ او الفلسفى لثالث


    كلامك صحيح نظريا .. و فيه نظر معلوماتيا .. فالحزب الجمهوري لم يفرض على متبعيه إيمانهم بفكر الإستاذ .. و حقيقة الأمر الذي عرفته من إخوة جمهوريين بعينهم هو أن الحزب الجمهوري إستقطب الناس بفكره السياسي كما إستقطبهم بفكره الكوني و الديني .. و لكن لنضع في عين الإعتبار أن الحزب الجمهوري لم يعد حزبا سياسيا بعد عام 1969 بعد نقض الأحزاب .. و أصبح جلل إهتمامه و نشاطه فيما يختص الثورة الثقافية الموسوعيةالشاملة سياسيا و دينيا و إجتماعيا .. و لكنه كان يضع آراءه فكريا .. و ليس سياسيا (بمعنى مانيفيستو الحزب الجمهوري) .. فالأستاذ محمود كان منذ البداية صاحب خط واحد منذ أن آل إليه منصب رئيس الحزب (و الحزب لم يكن فكرته هو حسب تعليقه بنفسه).. إلى أن إرتبط الفكر الجمهوري بشخصه إرتباطا موثقا.. و لم يكن يفرض آراءه الدينية و الإجتماعية .. و لا حتى السياسية على اعضاء تنظيمه الحزبي .. و الجدير بالذكر أنه لم يفعل ذلك مطلقا حتى لحظة إعدامه .. و لكن الرجل كان صاحب قدرة على الإقناع و سوق الحجج و الدلائل .. فشمل بفكرته من جاء من باب السياسة فقط .. و من جاء من باب الفكر فقط .. و من جاء من باب الدين فقط .. فأصبحت فكرته موزعة بالتساوي على أعضاء تنظيمه بكامل قناعتهم .. و أما من لم يقتنع منهم فقد ترك الحزب دون شقاق لأن رأيه أصبح يتعارض مع رأي الأغلبية .. لذا فليس هناك غير التنظيم الديموقراطي البحت في سير الحركة الجمهورية .. و سيرة محمود محمد طه .. قائدا و عضوا

    Quote:
    وقد ذكرت انا من قبل ؛ ان معضلة المرحلة الثانية من تطور الحركة الجمهورية ؛ اى عند تحولها الى تنظيم دينى ؛ تتمثل فى ان فكرها لن ينال التطبيق ؛ الا اذا اصبح كل االمجتمع جمهورى ؛ وهذا من المحال ؛ فالمجتمعات تتاثر بالايدولوجيات ؛ ولكنها لا تتادلج كلية ؛ ناهيك عن ان الفكر الجمهورى مربوط ربطا لا فكاك منه بالدين الاسلامى ؛ وهو من هذا المنطلق يقصى من حدوده غير المسلمين ؛ ولعلك قد تابعت تطور الفكرة البهائية ؛ والتى رغم مرور اكثر من قرن ونيف عليها ؛ وتخولها الى دياتة مستقلة ؛ الا انها لا تزال تراوح مكانها ولا تستطيغ فكاكا من اصلها الاسلامى ؛ ولا تزال علاقتها بالاسلام مثار جدل وصراع وخلط وعداءات



    إسمح لي أن أخالفك هنا قلبا و قالبا .. فما أفهمه من كتب الأستاذ و من دعوته أن كون المجتمع الإنساني يصبح تحت راية واحدة .. فكرية و عقائدية .. هو أمر لم يسع محمود محمد طه لتحقيقه .. و لكنه كان يحلم به .. و يضع الأسس للوصول إليه و هو يضع في عين الإعتبار صعوبة تحقيق ذلك .. و هذا في الحقيقة ليس مطلبه هو فقط .. إنما هو مطلب صاحب كل فكر منذ قيام الفكر في التاريخ البشري

    الفكرة الجمهورية ليست فكرة دينية ... بالمعنى المفهوم للأديان .. فهي تخاطب جميع الناس بكافة خلفياتهم المعتقدية و الثقافية و العرقية .. و تطلب منهم تحقيق حد ادنى من التفاهم و الإنسجام .. و ليس في هذا إجحاف أو شطط .. و لو تأملت في كتب الفكرة جيدا .. لوجدت أن الجانب الديني دائما يخاطب ضمير الفرد .. لا ضمير الجماعة .. في حين ليس للحد الأدنى المطلوب من الجماعة علاقة بالدين (نظريا).. إنما هو المنطق وحده .. و هنا يكمن السر في كونية الفكرة الجمهورية .. و هو ما تحدثت عنه بإسهاب في مقالي الأول .. حيث التوفيق بين الرؤى و الطموحات الفردية .. و الوحدة الجماعية .. إذا ففقرتك أعلاه هي التي كان فيها التفصيل في خطابي الأول ... و بدونها لأصبحت الفكرة الجمهورية كمثيلاتها من الأفكار الهائمة على سطح الارض

    أما كلامك على إقتصار الفكرة الجمهورية على نطاق الإسلام (بمعناه المفهوم حاليا).. فأنا أيضا أخالفك فيه .. فالفكرة الجمهورية لديها من الأدوات ما يجعلها بابا منفردا للإسلام .. بمعنى أنه لا يشترط في الفرد أن يكون مسلما حتى يستوعب الفكرة الجمهورية .. و يعتنقها .. و يصبح مسلما عن طريقها .. و هذا أيضا ينصب في مصب ما قلته لك عن كونيتها .. و إعذرني إن ذكرت لك أن محاولة مقارنة الفكرة الجمهورية بالبهائية لا تنساق لي .. حيث أن البهائية ممثلة الآن دوليا و تنظيميا في شكل ديانة منفردة .. لها ممثليها المنفردين في هيئة الأمم المتحدة .. و لها معتنقيها ممن لا و لم يمتوا للإسلام بصلة يوما .. و الفكرة البهائية فيها طرح عقائدي قوي ... في شخص بهاء الله و كلامه .. و ليس فيها سرد علمي لدعوتها بالشكل الكافي .. لذلك فهي تختلف عن الفكرة الجمهورية كليا من الناحية العلمية (التي كانت عماد فكر محمود محمد طه).. و من الناحية الإنتمائية .. فإذا تحدثت مع بهائي و آخر جمهوري .. ستجد الخطاب العقائدي الميت المعتاد عليه في كلام البهائي .. في حين لا يفترض أن تجد ذلك في كلام الجمهوري .. إنما يفترض أن تجد النظرة العلمية و التحليل العلمي للامور .. و فكرة محمود محمد طه كان جل رهانها على الجانب العلمي من الإسلام ... فمحور الفكرة الجمهورية قائم على أن المجتمع الإنساني الكوني سيتوحد بالعلم .. لا بالعقائد.. فتأمل

                  

02-10-2003, 06:28 AM

Haydar Badawi Sadig
<aHaydar Badawi Sadig
تاريخ التسجيل: 01-04-2003
مجموع المشاركات: 8271

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: Yaho_Zato)

    الأخوين العزيزين عادل و"ياهو ذاتو"


    أشكركما على إمتاعي فقد ساهمتما الليلة في دعم ثقتي اللامحدودة بالإنسان، من حيث هو إنسان. وقد أشعرتماني بأن ظلام ليل الغربة الحالك الطويل الذي ظللنا نكابده كجمهوريين، والذي ظللت أساكنه شخصياً منذ العام 1977، قد شارف وقت زواله. وإن الصبح آت، وقريباً، بلا ريب. فهمكماالعميق الرصين، وإختلافكما الهادي الرزين يشكلان عندي معني إعادة "تفكيك" وتذوق فردي للفكرة الجمهورية ينم عن مسؤولية فكرية تليق بمثليكما. فإن تذوق هذه الفكرة في المستوى الفردي، سيتمم، في الزمن، فهمها وتجسيدها في الكيان المجتمعي بنواصيه المختلفة. وثورة الاتصال الراهنة، والتي جمعتنا على غير موعد، تبشر بأن هذا الأمر سيتم، ربما، باسرع مما نتصور.

    سعدت بملاقاتكما في هذالمنبر الحر. كما أسعدني لقائي الاول بك يا "ياهو ذاتو" في أيوا سيتي في يوم 18يناير 2003 بمناسبة الاحتفال بذكري إستشهاد الاستاذ محمود. أرجو أن يمتعني الله بمعيتكما ما حييت وما حيينا بإكسير الحياة، بالفكر الحر.

    وأطمأنك يا عادل بأن البحث جار عن المقال الذي طلبته. لم اوفق اليوم في العثور عليه، رغم المحاولة الجادة في البحث. لكني علي يقين بأني سألبي لك طلبك، بعون الله وتوفيقه

    (عدل بواسطة Haydar Badawi Sadig on 02-10-2003, 06:30 AM)
    (عدل بواسطة Haydar Badawi Sadig on 02-10-2003, 06:32 AM)

                  

02-10-2003, 08:10 PM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: Haydar Badawi Sadig)

    الاخ ياهو ذاتو

    تحياتى

    بادئا من بدء ؛ ينبغى ان نتفق ؛ او على الاقل ان نتحاور ؛ حول فكرة ان اى جهد انسانى ؛ سواء كان فى مجال العلم ؛ او الدين ؛ او السياسة ؛ انما هو جهد بشرى ؛ انسانى ؛ محدود بحدود الزمان والمكان ؛ الذى انتج فيهما؛ مهما بلغت العبقرية بالافراد الذين ينهضون به

    من هذا المنطلق ؛ فاننى انظر الى جهد ؛ وفكر ؛ وسيرة الاستاذ محمود محمد طه ؛ وخلافا لاغلب الجمهوريين ؛ فاننى لا ارى ان ما اتى به هو الدين ؛او الاسلام ؛ او الرسالة الثانية من الاسلام ؛ وانما هو قرائته للدين ؛ وقرائته للاسلام ؛ المحكومة بظروف تجربته الفكرية والحياتية ؛ ومكوناته النفسية ؛ والاجتماعية ؛ والظروف المحيطة به ؛ كما تبدت فى سودان النصف الثانى من القرن العشرين

    وانا اذ اقول ذلك ؛ فاننى اريد ان انزع عن الاجتهادات البشرية ؛ غلالة التقديس ؛ دون ان اقلل من اهميتها ؛ وما بين التقدير والتقديس ؛ كما تعلم ؛ كمثل ما بين الارض والسماء ؛ كما اريد ان انزع احتكار التفسير ؛ والذى يحرص عليه السلفيون ؛ ولكننا نجده ايضا عند اصحاب المذهب العقلى ؛ ولك اضطهاد المعتزلة لمن يخالفهم الراى عندما تمكنوا ؛ وحصوصا فى عهد المامون والمعتصم ؛ وليس المتوكل كما اخطات وكتبت سابقا ؛ حيث قام المتوكل بالثورة عليهم لما شطحوا ؛ وكرهوا الخلق فى مذهبهم ؛ والذى ارادوا نشره بقوة السلطان ؛ لا بقوة العقل والمنطق

    كما انه ؛ واذا سلمنا بان لكل دين ؛ اصل واحد ؛ يعتمد عليه ؛ او قل قواعد اساسية واحدة ؛ موجودة فى نص او عدة نصوص ؛ او فى الوعى الجمعى للمؤمنين به ؛ واذا كان للعلم ايضا ؛ بعض القوانين الثابته الاولى ؛ فان باب القراءة متعدد ؛ لذلك النص ؛ وتلك القوانين ؛ بحسب تعدد القراء؛ ولا ينتقص هذا من قيمة النص ؛ بل يضيف اليه غنى ؛ ومعان ؛ بقدر تعدد القراءات ؛ وخصوبتها ؛ ولك فى النص الادبى وقراءاته ؛ خير مثال

    واختلاف القراءات الدينية ؛ او العلمية ؛ هو خير ؛ واحتكار الدين او العلم ؛ انما هو منهاج الظلاميين والظلمة ؛من كل شاكلة ولون . واذا كان الدين ؛ نصا كان ام سيرة ومواقف ؛ مفتوح لقراءات مختلفة ؛ فان اصرار ايا من التيارات الدينية او الفكرية على ان قرائتها للدين هى الصحيحة ؛ وما عداها باطل ؛ انما هو استلاب واضح لحق الاخرين ؛ فى التدين ؛ وفى الفهم ؛ وفى الممارسة بما يمليها عليهم فهمهم وقرائتهم وتدينهم ؛ وقد جاء فى الاثر ؛ ان القران حمال اوجه ؛ وجاء فى الاثر ايضا ؛ نقلا عن الرسول الكريم : اختلاف امتى رحمة

    ولعلك تكون قد رصدت حوارا لى ؛ مع الاخت الكريمة مهيرة ؛ فى نقاش ابتدأ حول وحدة الوجود ؛ وتفرع ؛ حيث كان رايى انه من المحال التحدث عن فهم واحد صحيح للاسلام اليوم ؛ وعن خطر ذلك ؛ وان الاسلام اليوم هو حصيلة العقل الجمعى للمسلمين ؛ وحصيلة الاحتهادات الفكرية المختلفة ؛ والتى ينبغى ان تفتح بينها ابواب الحوار ؛ وصولا الى القاسم المشترك ؛ والذى يجعل العلاقة بينها علاقة حوار ؛ لا اشتجار ؛ وتبادل افكار ؛ لا احتراب وخندقة مذهبية وطائفية

    اننى اذ اسرد هذه البديهيات ؛ فذلك لغرض ان تكون لنا هاديا ؛ ونحن نحاول ان نفكك ونعيد تركيب الثابت والمتحول ؛ والاصيل والعارض ؛ والمستقبلى والماضوى ؛ فى الفكرة الجمهورية ؛ وللخروج من دائرة ان ننظر لكل نتاج الاستاذ محمود وفكره وسيرته ؛ وكانها كل واحد ؛ علينا اما ان نتقبله كله ؛ او نرفضه كله ؛ وهذه لعمرى نظرة جائرة تجاه الرجل وفكره ؛ فقد كان له انجاز عظيم ؛ وكانت له هنات وقصور ؛ ولا يكون جهد الانسان او المفكر كاملا ؛ ما دامت الحياة تتطور ؛ والمعارف تتسع ؛ والفكر الانسانى يتطور فى كل يوم

    لقد كان محمود محمد طه رجلا حرا ؛ يفكر كما يريد ؛ ويقول كما يفكر ؛ ويعمل كما يقول ؛ ومن البديهى ان ايا منا لن يكون حرا ؛ اذا ما سار فى درب محمود ؛ سير الحافر على الحافر ؛ وقد فتح لنا محمود بجرأته ؛ وعبقريته ؛ افاقا جديدة ؛ فحرام ان نختصرها باجترار ما قال ؛ بدلا عن ان نبدأ القول من حيث توقف هو ؛ ولكننا لن نصل الى ذلك ؛ اذا لم نتحرر من كل اشكال العقائدية ؛ بما فيها العقائدية الجمهورية

    لقد تنبه الكثير من الجمهوريين ؛ ومن بينهم الاستاذ ياسر الشريف ؛ لبعض النواقص الكامنة فى الطرح الجمهورى ؛ فى حيثياته التاريخية ؛ ومنها مثلا ما اورده محمود من الالتزام بالعقوبات الحدية ؛ فى لقاء فى منتصف السبعينات ؛ وعلى حسب علمى لم ينقض رايه ذلك حتى مماته ؛ الامر الذى يرفضه الكثيرون اليوم ؛ من منطلقات دينية وتاريخية وانسانية ؛ بما فيهم بعض الجمهوريون


    كما ان فكر الاستاذ محمود ؛ قد تعرض الى التطور ؛ والتغيير ؛ من مرحلة وطنية اصلاحية فى الاربعينات ؛ الى مرحلة سلفية - صوفية فى اوائل الخمسنات ؛ الى مرحلة صوفية - تجديدية ؛ فى الستينات والسبعينات ؛ الى مرحلة سياسية - ثورية - واقعية ؛ فى سنواته الاخيرة ؛ والنظر الى فكره ؛ وسيرته ؛ ككتلة واحدة ؛ وعدم رؤية التحولات فيها ؛ والتناقضات ؛ والتطور ؛ والنواقص ؛ انما هو ابتعاد عن المنهج العلمى ؛ الذى قاربه محمود ؛ ولكنه لم يضع فيه كلمته الاخيرة ؛ وكما نحاول مقاربته نحن ؛ ونحن نعلم انه سيغلبنا

    مع التحية

    عادل

    (عدل بواسطة Abdel Aati on 02-11-2003, 00:18 AM)

                  

02-10-2003, 08:21 PM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: Haydar Badawi Sadig)

    الاخ حيدر

    تحياتى القلبية

    شكرا لك على كلماتك الرقيقة ؛ وشكرا لك على مساهماتك القيمة ؛ والتى اثريت بها البورد ؛ كما قدمت لى فيها؛ نموذجا لقراءة جمهورية مختلفة ومنفتحة ؛ لا تكتفى باجترار نصوص الاستاذ محمود ؛ وانما تحاول ان تذهب الى مستويات اعمق من ذلك ؛ وهو ادراك روحها ؛ ومنهجها ؛ وخط التطور الذى ينبغى ان تسير عليه الفكرة ؛ اذا ارادت الا تتحنط ؛ والا تتحول الى عقيدة

    لا ازال انا فى انتظار مقالك ؛ وكلى عشم ان يجاوب على بعض اسئلتى ؛ وان نجد الوقت كافيا ؛ لكيما نتحاور حوله ؛ بحثا عن الحقيقة ؛ هذه الطريدة التى نبحث عنها كلنا ؛ ثم لا نكاد نقبض الا طرفها

    عادل
                  

02-11-2003, 05:25 AM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: Abdel Aati)



    الأخ عادل عبد العاطي ... لك التحايا

    Quote:
    بادئا من بدء ؛ ينبغى ان نتفق ؛ او على الاقل ان نتحاور ؛ حول فكرة ان اى جهد انسانى ؛ سواء كان فى مجال العلم ؛ او الدين ؛ او السياسة ؛ انما هو جهد بشرى ؛ انسانى ؛ محدود بحدود الزمان والمكان ؛ الذى انتج فيهما؛ مهما بلغت العبقرية بالافراد الذين ينهضون به


    ليس هناك ضرورة في الحقيقة على أن نتفق على هذا .. لأنني حقيقة لا أتفق معك فيه .. و لكن الإتفاق الذي هو أس النقاش هو أن نتحاور علميا .. و هذا أنا معك فيه .. و قد ركزت عليه في خطابي السابقين تحسبا .. و حتى أكون صريحا معك، فأنا لدى حدس لا أظنه خائبا في أنك تلمح لي أنني أتكلم بنبرة عقائدية بعض الشيء .. و أنا في الحقيقة لست كذلك .. إنما هي رؤاي التي تختلف عن رؤاك في مناطق كثيرة .. فأنت على ما أظن تلاحظ على الأقل من كلامي أنني مقتنع بالفكر الجمهوري .. و متشرب له .. و هذا في الحقيقة ليس له علاقة بما نحن فيه الآن .. و ليس له تأثير .. فأنا إنما كان إقتناعي بطرح الفكرة عن طريق فكر حر .. و تأمل متجرد .. و دراسة و مقارنة إمتدت فترة زمنية ليست بالقصيرة (تقديرا) ... و لهذا فإني أقدر جل ما أقدر فكري الحر و تأملي المتجرد .. و لو كانت الفكرة الجمهورية حرمتني هذا الحق لما كنت إلتفت إليها بادئ ذي بدء ... ففهمي للفكرة أنها لم تأخذ من أي شخص حق الفكر الحر المستقل .. بل هي قد طالبته به كما هو واضح .. و لهذا فهي فكرة منفتحة على التطور و الإرتقاء .. و هنا تكمن سعتهاالكونية التي أشرت إليها أكثر من مرة منذ بدء نقاشنا في هذا البوست

    من هذا المنطلق أقول لك أن كل ما ذكرته لك أعلاه كان نقدا علميا .. و قد دافعت عنه بأسلوب علمي .. و ليس لي نية غير المواصلة في هذا النقاش بنفس الأسلوب .. و يبدو أن هناك نقطة أحب أن أنوه لها فقط .. فأنا قد ذكرت في مقدمة خطابي الأول هنا أنني اقوم بـ(نقد الناقد) ... و معنى ذلك أنني أنتقد رؤاك أنت و أناقشها بحكم أنني إستقرأت فكر و حياة محمود محمد طه ..و لم أجد ما وجدته أنت .. و بالتالي فالنقاش من جانبي كان يدور حول رؤاك أنت .. و هذا قد وضعني بواسطة المعادلة البديهية في طرف المدافع عن الفكرة أو المتحدث بإسمها ... في حين أنني حقيقة لست كذلك .. و لم يكن هناك رغبة لي منذ دخلت في هذا النقاش أن أكون كذلك .. إنما وجدت كلامك منطقيا ..و وجدت أن لدي منطق آخر، فأحببت أن أستفيد من نقاش منطقي بيننا حول ما أراه و ما تراه .. و هذا كل ما في الأمر

    لهذا أنا أقر لك كل ما تراه في فكر و حياة الأستاذ محمود .. و لست في حاجة أن أوافقك على كل "البديهيات" التي سقتها لي .. لأنها في نظري المتواضع ليست جميعها بديهيات بالنسبة لي . . و لن يؤثر إختلافنا في هذه النقاط على سير الحوار .. فاطمئن

    Quote:
    كما ان فكر الاستاذ محمود ؛ قد تعرض الى التطور ؛ والتغيير ؛ من مرحلة وطنية اصلاحية فى الاربعينات ؛ الى مرحلة سلفية - صوفية فى اوائل الخمسنات ؛ الى مرحلة صوفية - تجديدية ؛ فى الستينات والسبعينات ؛ الى مرحلة سياسية - ثورية - واقعية ؛ فى سنواته الاخيرة ؛ والنظر الى فكره ؛ وسيرته ؛ ككتلة واحدة ؛ وعدم رؤية التحولات فيها ؛ والتناقضات ؛ والتطور ؛ والنواقص ؛ انما هو ابتعاد عن المنهج العلمى ؛ الذى قاربه محمود ؛ ولكنه لم يضع فيه كلمته الاخيرة ؛ وكما نحاول مقاربته نحن ؛ ونحن نعلم انه سيغلبنا


    و ما رأيك إذا قلت لك أنني لا أرى هذه السلسلة من تطور الفكرة دقيقة تركيبيا؟ .. كما أنني أذهب أبعد من ذلك و أقول أننا إذا قلنا مجازا بصحة تصنيفك أعلاه لمراحل تطور الفكرة، فإن ذلك ليس فيه دليل على تحول مسار محمود محمد طه فكريا .. بالمعنى الدقيق للتحول الفكري .. و أنا أرى أنك لم تسهب في شرحك لمراحل تطور الفكرة التي ذكرتها أعلاه .. لذاك فإن تصوري غير مكتمل لها .. و بالتالي سأنتظر منك التفضل و الزيادة في شرحها حتى تتضح لي النقاط بشكل أكبر .. حتى يكون لنا عودة

    و لك جزيل الشكر على هذا الحوار البناء .. وجزيل التقدير لثقتك في جيلي ثقة كافية جعلتك تقول ما قلته اعلاه في خطابك قبل الأخير هذا

    و ختاما ...... للعزيز حيدر بدوي أجزل التحايا و الشكر

                  

02-11-2003, 08:41 PM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: Yaho_Zato)

    العزيز ياهو ذاتو

    تحية طيبة ؛ وعيد سعيد ؛ وكل عام وانت بخير

    ما وددته من اتفاق ؛ حول ان كل جهد انسانى ؛ هو جهد محدود ؛ وان اللامحدود ؛ هو قدرة الجنس البشرى على التطور ؛ والتقدم ؛ واجتراح افاق جديدة ؛ من العلم والفكر والشعور ؛ ظننته كامن فى كل منهجية علمية ؛ ولكن لا باس الا نتفق حوله ؛ وقد يتيسر لى ان اشرح ما اعنيه ؛ واحاول الاقناع به ؛ من خلال النقاش

    قلت انت فى معرض النقاش
    -----------
    ففهمي للفكرة أنها لم تأخذ من أي شخص حق الفكر الحر المستقل .. بل هي قد طالبته به كما هو واضح .. و لهذا فهي فكرة منفتحة على التطور و الإرتقاء .. و هنا تكمن سعتهاالكونية التي أشرت إليها أكثر من مرة منذ بدء نقاشنا في هذا البوست
    -----------

    وهذا ممتاز ؛ الا انه يبقى فهمك انت ؛ وقد تلاحظ ان هناك من الجمهوريين من ينظر الى الفكرة وكانها قد اكتملت ؛ او انها الاسلام عينه ؛ ويحسب قرائته هو الفكرة ؛ كما تحسب انت قرائتك هى الفكرة ؛ وقد اشرت اليك ان الاستاذ عمر القراى ؛ قد حاورنى فى مقال طويل ؛ كان من اهم حيثياته نفى الصوفية عن الاستاذ محمود ؛ واثبات سياسيته ؛ وقد تجد فى فهم جمهوريين آخرين ؛ تثبيت للصوفية ؛ كمرجع اساسى للفكر الجمهورى ؛ اواعلاء للجانب الدينى ؛ وتقليص للسياسى فيها ؛ كما يذهب الاستاذ ياسر الشريف ؛ وقد تجد من يحاول الخروج بها الى آفاق كونية ؛ كما ترى انت ويرى الاستاذ حيدر

    كل ذلك ؛ يعزز رايي فى تعدد القراءات ؛ واذا كان ذلك ممكنا ؛ بصدد فكرة ؛ توفر لمؤسسها حوالى 40 عاما من التاصيل لها ؛ ولم يغب عن دنيانا الا منذ حوالى العقدين ؛ فما بالك بظاهرة حضارية ثقافية مثل الدين عموما ؛ او الدين الاسلامى فى خصوصه ؛ واذا كانت هذه قرائتك للفكرة ؛ فانا ازعم ان قراءة الاستاذ محمود كانت قراءة من ضمن قراءات اخرى ؛ للنص الدينى ؛ وللواقع الدينى والاجتماعى ؛ ولن يتاح لها التطور ؛ اذا ما لم نتفق على طابعها البشرى ؛ العبقرى ؛ ولكن المحدود بحدود الزمان والمكان وظروف المؤسس

    هذا ينقلنى الى قضية العقائدية ؛ او المذهبية كما يقول الاستاذ محمود ؛ وقد نعى الاستاذ محمود على الحركة السياسية السودانية ؛ خلوها من المذهبية ؛ واعتمادها على التهريج ؛ وهو فى ذلك صادق . واذا كانت المذهبية هى المنهجية ؛ وهى الاطر العامة التى يتحرك الفكر فى اطارها ؛ فلا غبار عليها ؛ ولكنها لما تتمرد على العلم ؛ وتنحو نحو العقائدية ؛ فهى تصبح من كوابح الفكر ؛ ولا احسب بهذا المعنى ؛ اان الاستاذ محمود قد كان عقائديا ؛ بل قد غرف من كل منهل متاح ؛ فشرب من نبع الصوفية ؛ ودرس الفقه والمدارس الشرعية ؛ ونقب فى العلوم الحديثة والفلسقات المعاصرة ؛ ثم سمع حديث عقله وقلبه ؛ وكان منهجهفى كل ذلك ؛ البحث عن الحقيقة ؛ والحقيقة كما تعلم ؛ فوق كل عقيدة

    والتحرر من العقائدية ؛ امر صعب ؛ فلكل منا عقيدة او مذهب ؛ وان لم يعترف بذلك ؛ او لم يدركه . وانا انظر الى كل افعالى واقوالى وكتابتى ؛ وارى فى كل حرف تاثيرا من مذهبية معينة ؛ وقد قلت انى فى بعض كتاباتى المبكرة عن الحركة الجمهورية ؛ قد كنت متاثرا بالمنهح الماركسى ؛ وان حاولت وسعى التخلص من ميكانيكيته ؛ كما انى ؛ وان زعمت انى اتبع المنهج العلمى ؛ مدرك تماما ان العلم يتحول مرات الى عقيدة ؛ وللعلماء دوغمات - عقائد لا تقبل الجدل - لا تقل فى تصلبها عما لدى العقائديين والمذهبيين

    اذن ؛ فان حديثى عن التحرر من اسر العقائدية ؛ موجه لك كما هو موجه الى نفسى ؛ وكما هو موجه للعديد من الاخوة الجمهوريين ؛ وغير الجمهوريين ؛ ممن يودوا قراءة الفكرة الجمهورية ؛ وغيرها من الافكار ؛ وقد تلاحظ ان العديد من المناقشين ؛ ممن يودوا الاستاذ ؛ يركزوا على المشترك ؛ وعلى تقييمهم له كفرد ؛ ولكنهم لا يدخلوا الى الماء العميق ؛ اى نقاش الفكرة ؛ ومنظلقاتها ؛ ومصيرها ؛ وفى الحوار حول الفكرة الجمهورية ؛ لا نود ان نكون محكومين من جهة بالسلفيين الذين يرفضونها جملة وتفصيلا ؛ وببعض الجمهوريون الذين يرون فيها الاسلام وقد تجسد ؛ ولا يبصروا فىها اى نقص او قصور ؛ ولا يروا فيما عداها منهجا للفكر او النشاط او الحياة

    اما حديثك عن السعة الكونية ؛ فقد نجد له مرجعية فى بعض كتابات محمود ؛ لكننا نجد ايضا ما يناقضه فى كتابات اخرى ؛ وفى مجمل نهج الاستاذ ؛ والمعتمد على قاعدة اسلامية ؛ او على الاقل دينية ؛ والمبنى كل تصوراته على فرضية من العلاقة بين الله والانسان ؛ وعلى فرضيات من وجود الله ؛ وهنا يطرح السؤال نفسه ؛ كيق يجد اللادينى ؛ او الملحد ؛ او غير المسلم قواسم مشتركة ومنهجا موحدا يجمعه مع اسس واستناجات الفكرة الجمهورية ؛ وهل اذا اسقطنا العامل الاسلامى ؛ او قل العامل الدينى ؛ ورفعنا الفكرة الى مستوى فكرة انسانية عامة ؛ تدعو الى العدالة ومكارم الاخلاق وتطوير الفرد والمجتمع ؛ من مواقع علمانية او متعددية - ثقافية ؛ فهل نكون بذلك مخلصين لمنهج الاستاذ ؛ ام محرفين لكلمه ؟ وهل تكون هذه قرائتنا ومحاولتنا لبناءفكرة جديدة ؛ ام هى تطور منطقى يحمل بذوره فى ثنايا الفكرةالجمهورية ؟


    ان الاستاذ عبدالله النعيم مثلا ؛ قد اعتمد على بعض مقولات الفكرة الجمهورية ؛ لبناء منهجه ودعوته الى تطوير التشريع الاسلامى ؛ وربط كل ذلك ؛ بمفاهيم حقوق الانسان المعاصرة ؛ الا انه نسب كل ذلك ؛ اى الدعوة والمنهج ؛ الى نفسه ؛ خوفا من ان ينسبها للفكرة ؛ فيشوه ما فيها ؛ برؤاه الخاصة ؛ واذا عن لاحد ان يرفض العقوبات الحدية ؛ هذه التى لم يرفضها الاستاذ محمود ؛ وان يطالب بتجاوزها ؛ وفق منهجية اسلامية او علمانية ؛ فهل يكون محتهدا يتحمل مسؤولية اجتهاده ؛ وينسبه لنفسه او للفكر االانسانى عامة ؛ ام هو مطور للفكرة الجمهورية ؛ ويمكن ان ينسب ما اتى به اليها ؛ وهل يمكن عموما ؛ لانسان مثلى ؛ لم يكن يوما جمهوريا ؛ولا يتوقع ان يكون ؛ ان يطور فى الفكرة ؛ بما هى فكرة كونية ؛ ثم ينسب ذلك اليها ؛ ام ان هناك حاجة ؛ للجمهوريين وغير الجمهوريين ؛ فى البحث عن بدائل منهجية جديدة؛ وقواسم مشتركة انسانية ؛تتجاوز الاختلافات العقيدية ؛ ثم لا تقتصر على السياسى او التحالفات الوقتية ؛ او لا تسعى الى طمس الخلافات ؛ وانما الى فهمها وتشذيبها وتجاوزها ؟

    اما ما زعمته من مراحل تطور فكر ومواقف الاستاذ ؛ فهو تقسيم قد تنقصه الدقة ؛ الا اننا قد ؤصدته من قراءة سريعة ؛ ويحتاج الى تفصيل لاثبات صحته او عدمها ؛ ولى مقال قيد الكتابة منذ وقت ؛ عن اعادة اكتشاف محمود : قراءة فى الكتابات الاولى ؛ كما لامست بعضا من ذلك فى مقالى الاولى عن الحركة الجمهورية ؛ وقد اعود الى ذلك بشى من التفصيل فى المستقبل ؛ لكن ما يهمنى تثبيته ؛ هو مبدأ التطور والتغير فى مواقف ورؤى الاستاذ محمود ؛ وهو امر لا اعتقد انه محور خلاف بيننا ؛ الا ان تكون من القائلين بان افكار الاستاذ ومواقفه فى العام 1945 ؛ كانت هى هى افكاره ومواقفه عام 1965 ؛ وعام 1985 ؛ وهذا امر بعيد الاحتمال ؛ ولا تسنده طبائع الاشياء او قراءة متمعنه لادبيات الفكرة

    اما ما قد قلت عن جيلك ؛ فهو حق ؛ فجيلنا لم تتوفر له بعض ما توفر لمن سبقنا ؛ ولا التعليم الصلد الذى تلقوه اكاديميا ؛ كما اننا بالكاد نستفيد من خيرات الثورة التكنلوجية ؛ فلا اخذنا ايجابيات القديم ؛ ولا ظفرنا بمنجزات الجديد؛ وكنا وسط ذلك مشلهتين ؛ ولبست كل محاولاتنا طابع الدافورى ؛ يصيب مرة ويخيب مرات ؛ والعقبى لنا فيكم ؛ وانت وموديك والعديد من عضوات واعضاء البورد الشباب ؛ والذين بما تكتبون ؛ تحفزوا فينا روح التفاؤل والامل ؛ وتحببوا الينا البورد

    مع التحية

    عادل

    (عدل بواسطة Abdel Aati on 02-11-2003, 08:51 PM)

                  

02-12-2003, 00:13 AM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: Abdel Aati)


    العزيز عادل

    و كل عام و انت بخير .. و كل تحية عيد .. موصولة لكل المشاركين في هذا البوست .. وفي هذا البورد

    أنا أستفيد منك كل مرة أكثر مما قد تظن .. و كلامك في مجمله جميل و منسق .. و منطقه واضح .. و هو صحيح في نظري في نقاط عدة

    سأتخذ نقاط بعينها من مقالك الأخير للحوار فيها .. فمقالك تناول مواضيع كثيرة أوسع من مجال زمني و معلوماتي الحالية

    بالنسبة للعقيدة ... فكلامك كان جميلا .. و أنا لم أبين لك في مقالي السابق أين اتفق معك و اين لا أفعل .. فالعقيدة بالنسبة لي موجودة قبل المنطق ... و هي دليل المنطق .. و العلم لا يملك تجاوزها مهما إدعى من قدرة .. و حتى أضرب لك مثلا بسيطا مبسطا على هذا القول .. ففي علم الكيمياء مثلا نجد أن الجدول الدوري للعناصر الطبيعية موجود أصلا قبل إكتشاف الكثير من تلك العناصر .. و من ثم بدأت العناصر المجهولة تظهر و تأخذ مكانها الذي لا يشغره غيرها في الجدول .. لقد كانت فكرة الجدول الدوري عقيدة .. بالمعنى الأصيل للعقيدة .. و كانت ستبقى عقيدة لولا أن أتى الواقع بتأييدها... أرجو أن يكون هذا المثال موضحا لما أعنيه في معنى وجود العقيدة قبل العلم و المنطق .. أنا أعرف تداخل العقيدة و العلم العميق و المتشعب .. و لكن كان هذا تلخيصا للخلاصة

    من هذا المنطلق ..فانا عندما قلت أن لا تأثير لعقيدتي في حوارنا .. فقد كان جل ما أرمي إليه هو انني لن أخاطبك عقائديا .. و لن يكون تحليلي لآرائك عقائديا .. قدر طاقتي .. حتى لا يكون لعقيدتي التأثير السافر على هذا النقاش العلمي

    من حيث هذا ..فانا أضع على باب هذا البوست قبل دخولي .. كل ما أمكنني وضعه من نظرة تسليمية للأمور.. و الأفكار.. و الأشخاص .. و لا ادعي كمال ذلك .. و أنا افهم أن كمال ذلك غير مطلوب مني في هذا الموقف

    و هناك نقطة أحب أن انوه لها دون النقاش فيها .. فأنا قد قرأت رسالة الأستاذ عمر القراي في الرد على مقالك القديم (تأملات في أفق المعرفة و الشهادة) .. و أقرأ بشكل دوري منذ فترة كلام الدكتور ياسر .. و الاستاذ حيدر بدوي .. و فهمي لما يقولون و يكتبون أن هناك إختلافا نسبيا .. و ليس منهجيا .. أو جذريا .. و حتى هذه أنا لدي شك في أن يعترف بها و يقر بها الإخوة الجمهوريون بطيب خاطر .. و تلك أنهم أضحوا اليوم في نوع من الخلاف لم يكن معهودا لديهم .. و لهذا فهو يسبب لهم شيئا من الجزع .. و قد أفقدهم الحكمة و التأني في مواقف كثيرة .. على مستويات متعددة .. و لكني لن أواصل في هذه النقطة .. لسبب بسيط .. هو أنني حقيقة لم اتوصل إلى موقف صريح و رؤيا واضحة لما يواجهه الجمهوريون الآن

    بالنسبة لما قلته عن رأي الأستاذ محمود محمد طه في حدود القصاص الأربعة .. فأنا حقيقة أختلف معك معلوماتيا بشكل يجعل النقاش عقيما .. و لا أعني بكلمة "عقيم" غير معنى أننا لن نستطيع النقاش في تفاصيل معلوماتية .. إلا أن يرشدنا شاهد حق على صحة ما لدي أو صحة ما لديك .. بإختصار أنا أرى أن الأستاذ محمود كان يرى بأن الحدود الأربعة مازالت صالحة للتطبيق .. و لكن لا يجوز تطبيقها إلا بعد تحقيق دولة الإنسان التي دعا إليها بعماديها الديموقراطي و الإشتراكي .. و ليس لتطبيقها معنى خارج تلك الشروط .. و بناءا على ذلك انا لا أرى أن الجمهوريين قد خالفوا رأي أستاذهم في هذه النقطة .. و أبقى على هذا الفهم حتى يتضح لي خطأه

    أما حديثك عن المفارقة بين موسوعية الفكرة الجمهورية .. و إلتزامها بالخط الإسلامي في نفس الوقت (حتى في تفاصيله العقائدية).. و الذي أفهم أن رأيك فيه منطقي بالنسبة لي .. إلا أنني أفهم أيضا كما ذكرت لك سابقا أنه لا يوجد هناك تعارض .. فمحمود محمد طه قدم الإسلام في لباسه العلمي المعرفي .. و هذا لا يلغي اللباس العقائدي ... بل إن الإثنين مكملان لبعضهما .. ففي حين أن عصرنا هذا عصر العلوم و المعارف .. لهذا كان إظهار الوجه العلمي للإسلام أصلح و انفع .. يبقى الجانب العقائدي أيضا في الحقيقة أزلي و حاصل و موجود في كل زمان و مكان .. بإختلاف مقداره .. و الجانب العقائدي لا يمكن بدونه أن نقدم المعرفة الصوفية الكونية ..في معنى ما تقدمه الفكرة الجمهورية .. إلا إذا كنت لا تعتمد كون المعرفة الصوفية معرفة كونية بعد المقالات التي أوردتها عن شيخا الصوفية النفري وإبن عربي .. و ذلك حقيقة لا يحتاج إلى إثبات أو تعليل مني .. فالصوفية بالفعل أصحبت منذ فترة فهما عالميا فلسفيا لحقيقة الأكوان .. و حقيقة الإنسان .. و حقيقة الوجود بصفة عامة... بقولي هذا أعني أنها أصبحت مصنفة عالميا.. بغض النظر عن الإتفاق أو الإختلاف معها

    هذا و انا ما زلت على رأي في النقطة التي تخص مسار الأستاذ الفكري .. و بماأن التفصيل لم يقع منك في هذه النقطة .. فلن يقع مني التفصيل فيها أيضا ... لشيء في نفس يعقوب

    و ختاما أعجبني و ابسمني تشبيهك بتاع "الدافوري" ... و لكننا حقيقة ولدنا في وطيس هذا "الدافوري" .. لذا فما له لنا و ماعليه علينا لدرجة كبيرة .. و أتمنى حقيقة أن يكون لجيلي إضافة ... رغم أني أصارحك بعدم تفاؤلي الشديد... و لك الشكر مجددا على العموم

                  

02-12-2003, 00:29 AM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: Yaho_Zato)

    العزيز ياهو ذاتو

    من اين اتيت بهذا الاسم ؛ وهل هناك شخص آخر ؛ يمكن ان يشتبه بك ؛ حتى سميت نفسك ياهو ذاتو ؟

    شكرا للمساهمة ؛ وساعود لك غدا

    مع التحية

    عادل
                  

02-12-2003, 09:09 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50077

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: بكرى ابوبكر)

    الأخ الكريم عادل عبد العاطي

    تحية وسلاما

    وكل عام وأنتم بخير

    لقد قرأت مساهمتك الثانية التي طلبت أن تنشر بصحيفة الزمان.. أذكر أنني قد كتبت لك بعض التصحيحات، فهل تذكرها؟ ولعلك لم تجد الوقت لتنزلها فقد قرأت لك قولك:

    Quote: وفى كل ذلك واصل الاستاذ تاييده المعلن للنظام حتى العام 1983 ؛ حيث تم الاختلاف بين النظام والجماعة ؛ وبدا الاستاذ محمود نشاطه المناهض لسياسات النظام الاصولية المتزايدة ؛ وتعرض من جراء ذلك للاعتقال لاول مرة تحت نظام مايو قى اوائل يونيو 1983 ؛ بعد اصدارالجمهوريين لكتيب ينتقد مباشرة النائب الاول للنميرى : عمر محمد الطيب ؛ ليقضى فترة حبس دون محاكمة حتى 19/12/1984 ؛ حيث اطلق سراح الجمهوريين فى خطوة محسوبة ظاهرها العفو ؛ وفى باطنها تدبير مؤامرة جديدة تجاه الاستاذ ؛ الذى ما لبث بعد خروجه ان اصدر بيانا بعنوان "هذا او الطوفان" فى 25/12/1984 ؛ ينتقد فيه قوانين سبتمبر وجملة من سياسات السلطة


    أرجو أن تضيف أن الأستاذ محمود قد منع من المحاضرات العامة منذ عام 1973.. وفي منتصف السبعينات، تعرض هو والجمهوريين أثناء إقامة محاضرة مصدق بها في نادي الخريجين بمدني إلى الهجوم بالقنابل المسيلة للدموع ولكن الجمهوريين والأستاذ محمود جلسوا على الأرض وتفرق الجمهور..

    لم يكن الاعتقال في 83 هو الاعتقال الأول فقد تعرض الأستاذ محمود إلى السجن لمدة شهر في ديسمبر 1976 بعد أن أصدر الجمهوريون كتابا أسموه
    "اسمهم الوهابية وليس إسمهم أنصار السنة"

    كان سبب الاعتقال الثاني في 1983 هو كتاب "الهوس الديني يثير الفتنة ليصل إلى السلطة" وقد ورد فيه انتقاد لرئيس جهاز الأمن عمر محمد الطيب لأن شرارة الفتنة انطلقت من مسجد يحمل اسمه هو بحي كوبر في مدينة الخرطوم بحري.. ثم انتقلت الحملة التي قادها الشيخ المصري محمد نجيب المطيعي إلى التلفزيون والراديو.. وقد اتهم الجمهوريون عمر محمد الطيب بتفريطه في أمن السودان عندما سمح لشيخ أخذ شهرته من حقيقة أنه قاد الفتنة الدينية في مصر ــ الزاوية الحمراء ــ بين المسلمين والمسحيين..

    بدأ الجمهوريون ينتقدون زحف الإسلاميين نحو السلطة منذ المصالحة الوطنية وهناك كتب كثيرة صدرت في هذا الجانب، وقد انتقدوا تعديل القوانين لتتمشى مع الشريعة الإسلامية وانتقدوا ما سمي بالاقتصاد الإسلامي وتجربة البنوك الإسلامية خاصة بنك فيصل.. وقد كانت خطة الإسلاميين هي احتواء نظام مايو والتأثير عليه من داخله..

    لم يكن الجمهوريون في تأييدهم لنظام مايو في يوم من الأيام أعضاء في أجهزته أو حتى في الاتحاد الاشتراكي، وعدم ذكر هذه الحقيقة يخفي الكثير مما لا يسمح بفهم موقف الجمهوريين الحقيقي..


    وسأعود للتعليق على الحوار بينك وبين ياهو ذاتو..

    ولك شكري

    (عدل بواسطة Yasir Elsharif on 02-12-2003, 09:14 AM)

                  

02-12-2003, 12:53 PM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: Yasir Elsharif)

    الاستاذ ياسر

    عيدك مبارك وكل سنة وانت طيب ومبدع

    شكرا للمعلومات القيمة ؛ وحقيقة قد ارسلتها انت لى من قبل ؛ كما ارسل لى الاخ عمر عبدالله تصويبات اخرى ؛ ولكن كثرة المشغوليات لم تسمح لى بذلك

    عن تاييد الجمهوريون للنظام ؛ فمسالة قيها نظر ؛ فليس الامر كما يقولون الان انه كان اختيار اخف الضررين فقط ؛ ولكنه كان اختيارا واعيا ؛ وسارجع الى ذلك قريبا ؛ من كتابات ولقاءات الاستاذ ومن شهادات الجمهوريين ؛ اما ما قلت هن الاتحاد الاشتراكى ؛ فحسب معلوماتى كانت الاستاذة اسماء محمود محمد طه عضوا باللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى السودانى ؛ ارجو ان تؤكد لى هذا او تنفيه

    مع التقدير

    عادل
                  

02-12-2003, 10:39 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50077

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: بكرى ابوبكر)

    العزيز ياهو ذاتو

    تحية وسلاما لك وللأستاذ عادل

    لقد قلت يا ياهو ذاتو:

    Quote: بالنسبة لما قلته عن رأي الأستاذ محمود محمد طه في حدود القصاص الأربعة .. فأنا حقيقة أختلف معك معلوماتيا بشكل يجعل النقاش عقيما .. و لا أعني بكلمة "عقيم" غير معنى أننا لن نستطيع النقاش في تفاصيل معلوماتية .. إلا أن يرشدنا شاهد حق على صحة ما لدي أو صحة ما لديك .. بإختصار أنا أرى أن الأستاذ محمود كان يرى بأن الحدود الأربعة مازالت صالحة للتطبيق .. و لكن لا يجوز تطبيقها إلا بعد تحقيق دولة الإنسان التي دعا إليها بعماديها الديموقراطي و الإشتراكي .. و ليس لتطبيقها معنى خارج تلك الشروط .. و بناءا على ذلك انا لا أرى أن الجمهوريين قد خالفوا رأي أستاذهم في هذه النقطة .. و أبقى على هذا الفهم حتى يتضح لي خطأه


    وهذا نفس المعنى الذي وضحته أنا.. إنك لن تعبر الجسر قبل أن تصله.. وأنت لن تطبق القوانين قبل أن تقيم المجتمع السليم.. ولكن إذا أقمت المجتمع السليم فلن تكون هناك حاجة إلى هذه العقوبات..

    المهم في الأمر أن آخر ما قاله الأستاذ محمود هو المطالبة بإلغاء قوانين سبتمبر وما به من عقوبات حدية وقصاص..

    أحاول اقتطاع الوقت للمساهمة ولكنني أستمتع بالحوار بينكما.. ارجو من الأخ عادل أن ينشر رد القراي عليه في هذا البوست حتى يكون مكتملا..

    ولكما ودي واحترامي
                  

02-12-2003, 11:10 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50077

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: بكرى ابوبكر)

    الأخ عادل عبد العاطي

    سلامي


    هذه اللمحات من سيرة الأستاذ محمود محمد طه نشرت في صحيفة الحرية قبل عام..
    أرجو أن تكون إضافة لهذا البوست ..


    صحيفة الحرية 18 يناير 2002 لمحات من سيرة الأستاذ محمود محمد طه

    ولد الأستاذ محمود محمد طه في مدينة رفاعة – التي تقع غرب النيل الأزرق – في عام 1909 م، هذا في أغلب الظن . توفيت والدته فاطمة بنت محمود في عام 1915 م ولحق بها والده في عام 1920 م فنشأ الاستاذ وإخوته الثلاثة أيتاماً وعملوا في وقت مبكر بالزراعة.
    بدأ تعليمه في الخلوة في زمن مبكر ثم دخل المدرسة الأولية برفاعة بعد وفاة والده وأتم المدرسة الوسطى بها كذلك. وفي أوائل عام 1932 م دخل الأستاذ محمود – كلية غردون – قسم المهندسين – وتخرج منها عام 1936 م والتحق بمصلحة السكة الحديد حيث مكث ست سنوات التزم خلالها جانب العمال وصغار الموظفين السودانيين في مواجهة ظلم الانجليز وأبعد الى كسلا فتقدم باستقالته من السكة حديد عام 1941 م وعمل بعد ذلك في الأعمال الحرة كمهندس مقاول.
    شارك الأستاذ محمود في الحياة الأدبية والسياسية منذ وقت مبكر وقد نشرت له عدة مقالات في الصحف آنذاك وكانت تتسم بالقوة والمواجهة للإستعمار ولأحزاب مؤتمر الخريجين التي ارتمت في احضان الطائفية بشقيها بحثاً عن السند الشعبي الجاهز.. وفي أواخر أكتوبر عام 45 نشأ الحزب الجمهوري وكان حزباً سياسياً وقد أنتخب له الأستاذ محمود رئيساً في نفس الشهر فكتب بيانه الاول وكان الأستاذ وزملاؤه أول من دعا للنظام الجمهوري في السودان في الوقت الذي كانت الأحزاب الطائفية تدعوا الى ملكية تحت التاج البريطاني (حزب الامة) أو ملكية متحدة مع مصر (الإتحاديين).
    كان الحزب الجمهوري يدعوا الى بعث الاسلام من جديد ولم تكن يومئذ تعرف تفاصيل الفكرة الإسلامية فإنصرف عمل الحزب الى تصعيد المعارضة للإستعمار البريطاني ( أو ما يعرف بملء فراغ الحماس ) وقد تم ذلك في صورة منشورات بالرونيو توزع بالليل وبالنهار على المواطنين وتحمل إمضاءات الجمهوريين وفي صورة ندوات وخطب حماسية في الأماكن العامة.
    تسبب هذا الصنيع في إستدعاء الأستاذ محمود ليمثل أمام السلطات وطلب منه أن يمضي تعهداً بحسن السلوك والإقلاع عن التحدث في السياسة لمدة عام أو يسجن، فلما رفض الأستاذ الإمضاء قرروا أن يقضي عاماً في السجن على أن يتم الإفراج عنه متى ما أمضى التعهد.. كان ذلك في شهر يونيو من عام 1946 فكان بذلك أول سجين سياسي في الحركة الوطنية ضد الإستعمار الإنجليزي المصري.. لم يقض الاستاذ العام المقرر له ولم يمض التعهد ومع ذلك ونسبة لمقاومته لقوانين السجن من داخل السجن ولمقاومة الأخوان الجممهوريين من خارج السجن فقد خرج بعد خمسين يوماً بإستصدار عفو شامل من الحاكم العام البريطاني وكان موضوع المنشورات الذي بسببه دخل الأستاذ السجن هو الخفاض الفرعوني حيث شعر الجمهوريون أن الإنجليز يبيتون أمراً بإستصدار قانون لمحاربة هذه العادة الذميمة ورأوا أن محاربتها لا تكون إلا بالتوعية والتربية.
    بعد خروج الأستاذ محمود من السجن بشهرين وقع حادث رفاعة حيث سجنت إمرأة خفضت بنتها
    خفاضاً فرعونياً فاستغل الاستاذ الفرصة لتصعيد الكراهية ضد الاستعمار.. ذهب الأستاذ ومعه جمهرة من أهل رفاعة وقابلوا مفتش المركز وتم إطلاق سراح المرأة إلا أن الانجليز عادوا لاعتقالها بعد أيام قلائل مما أثار حفيظة الاستاذ محمود فخطب خطبته الشهيرة في مسجد رفاعة بعد صلاة الجمعة فتحرك معه جمهور رفاعة وأخرجوا المرأة من السجن وملأوا ساحته وأصروا على أن يأخذوا مكانها إلا أن مأمور السجن أخلا سبيلهم جميعاً.. في ليلة السبت تم إختطاف المرأة والعبور بها الى الحصاحيصا بنية ترحيلها الى مدني.. في صباح اليوم التالي علم الاستاذ محمود بما تم فقاد ثورة اشتركت فيها جموع غفيرة من مواطني رفاعة وعبروا الى الحصاحيصا بالقوارب في مشهد مهيب ثم أحاطوا بالمركز وأحدثوا ضجة كبرى وقد كان بداخل المركز المدير والكمندان والمفتش فما كان من المدير الا أن اتصل بمدير السجن وطلب منه أن يحضر السجينة بنفسه ويسلمها لأهل رفاعة فرجعوا بها منتصرين بعد أن مرغوا هيبة المستعمر في التراب.. وقد تم إلقاء القبض على الأستاذ محمود وعلى بعض المواطنين وأرسل الاستاذ محمود الى السجن للمرة الثانية ولمدة عامين. ( يمكن معرفة تفاصيل أكثر عن تأسيس الحزب الجمهوري وحادثة رفاعة بمتابعة لقاء معهدالدراسات الأفريقية والاسيوية مع الاستاذ ).
    أنفق الأستاذ محمود في السجن أربعاً وعشرين شهراً واصل فيها عادته في مقاومة قوانين السجن وعصيان أوامر السجانين والنكاية بالمستعمر وكان كثيراً ما يودع في الحبس الإنفرادي (الزنزانة) فيصوم صيام المواصلة (سبعة أيام بلياليها) وقد أخذ نهج الصوفية في العبادة والتحنث.. وعندما خرج من السجن في عام 1948 إعتكف برفاعة لمدة ثلاثة أعوام واصل فيها تحنثه وإنفتحت في هذه الاثناء في ذهن الأستاذ معالم فكرة التجديد. وفي أكتوبر من عام 1951 ترك الأستاذ إعتكافه برفاعة وواصل نشاط الحزب من جديد حيث تم اصدار بيان الحزب والذي بدا فيه واضحاً النهج الجديد، نهج ملء فراغ الفكر بعد أن دب النشاط في الحركة السياسية.
    في عام 1952 ظهر المؤلف الأول بعنوان (قل هذه سبيلي) وتوالت المنشورات والمقالات والمحاضرات والندوات عن موضوع بعث الاسلام من جديد. في عام 1955 صدر كتاب ( أسس دستور السودان ) وذلك قبيل استقلال السودان حيث نادى الأستاذ فيه بقيام جمهورية رئاسية، فدرالية، ديمقراطية، وإشتراكية.
    عمل الأستاذ محمود بين عامي 1952 – 1954 بالمرتب الشهري كمهندس مدني لشركة النور والقوة الكهربائية ( الإدارة المركزية للكهرباء الآن ). وفي عام 1954 بدأ الأستاذ في العمل الموسمي كمهندس في المشاريع الخاصة بمنطقة كوستي – مشاريع الطلمبات – كان يعمل كمقاول يقوم بالجانب الفني في المساحة وتصميم القنوات والتنفيذعلى الطبيعة.
    تم تكوين لجنة لصياغة مسودة لدستور السودان بعيد الاستقلال في يناير 1956 ، وقد اختير الأستاذ محمود في اللجنة ممثلاً للحزب الجمهوري الا أنه استقال بعد أشهر قليلة إثر تدخلات من السلطة التنفيذية للتأثير على عمل اللجنة والزج بمصالحها الضيقة في الأمر.. وكان نتيجة عمل تلك اللجنةصياغة مسودة لدستور يعكس فهم الاحزاب الطائفية الضيق للاسلام وتشريعاته ولكن قبل أن يتم تبنيه بواسطة البرلمان تم إنقلاب الفريق عبود في نوفمبر 1958 وقد تم حل جميع الاحزاب السياسية.. كتب الأستاذ محمود خطاباً لحكومة عبود أرفق معه كتاب أسس دستور السودان وطالب فيه بتطبيق مقترح الجمهوريين بإقامة حكومة ديمقراطية، إشتراكية، وفدرالية وقد تم تجاهل ذلك الطلب.. واصل الاستاذ نشر أفكاره في المنتديات العامة مما أزعج قوى الهوس الديني والدعاة السلفيين ففصلوا ثلاث من الطلاب الجمهوريين من معهد أمدرمان العلمي في عام 1960 لتبنيهم أفكار الأستاذ محمود.. وتم بعد ذلك منع عمل الأستاذ في المنتديات العامة ودور العلم بواسطة السلطات كما منعت كتاباته من النشر في الصحف العامة فاتجه الى الندوات الخاصة فيما ازداد نشاط الدعاة السلفيين في تشويه أفكاره فأخرج كتاب – الاسلام – في عام 1960 لتصحيح التشويه الذي لحق بدعوته وتبيينها, ويعتبر هذا الكتاب هو الكتاب الأم للدعوة الاسلامية الجديدة.
    منذ ثورة أكتوبر عام 1964م وحتى بداية الثمانينات توالت مؤلفات الأستاذ محمود حتى فاقت الثلاثين مؤلفاً صغيراً أوسعت فكرة البعث الإسلامي شرحاً وتفسيراً وتبسيطاً.. في عام 1966 ترك الاستاذ محمود عمل الهندسة نهائياً وتفرغ تماماً للتأليف ونشر الفكرة الجمهورية. وفي الفترة من 1966 - 1967 صدرت ثلاث من الكتب الاساسية وهي طريق محمد و – رسالة الصلاة و – والرسالة الثانية من الاسلام.
    ثم كان الأسـتاذ محمود أول من دعا العرب للدخول في سلام مع إسرائيل ليوجدوا هدنة يبحثون في أثنائها
    أسباب مشكلتهم الحقيقية بدلاً من الدخول في عداوات لا طاقة لهم بها مع اسرائيل ومع الغرب مما يدفعهم في احضانالشيوعية الدولية.. فصدر كتاب – مشكلة الشرق الأوسط – ليبحث في جذور المشكلة ويستخرج الحلول الناجعة لها وكان أن سبقه كتيب – التحدي الذي يواجه العرب.
    في هذه الأثناء كانت الطائفية وقوى الهوس الديني تتآمر على الشعب وتسعى لتصفية مكتسباته. فقد عدل الدستور مرتين للتمكين للحكم الطائفي في الاستمرار: مرة ليتمكن أزهري من أن يكون رئيساً دائماً لمجلس السيادة، في إطار الاتفاق بين الحزبين على اقتسام السلطة. ومرة أخرى لحل الحزب الشيوعي، وطرد نوابه من الجمعية التأسيسية.. فقد عدلت الجمعية التأسيسية المادة 5 /2 من الدستور، والتي تعد بمثابة روح الدستور.. وهي المادة التي تنص على الحقوق الاساسية، كحق التعبير، وحق التنظيم.. ولما حكمت المحكمة العليا بعدم دستورية ذلك التعديل أعلن رئيس الوزراء آنذاك، السيد الصادق المهدي (( ان الحكومة غير ملزمة بان تاخذ بالحكم القضائي الخاص بالقضية الدستوري ة)).. ليتعرض القضاء السوداني بذلك لصورة من التحقير لم يتعرض لها في تاريخه قط!! ولما رفعت الهيئة القضائية مذكرة الى مجلس السيادة تطلب فيها تصحيح الوضع بما يعيد للهيئة مكانتها وصف مجلس السيادة حكم المحكمة العليا بالخطأ القانوني فاستقال رئيس القضاء السيد بابكر عوض الله، وقد جاء في الاستقالة: (( إنني لم أشهد في كل حياتي القضائية اتجاهاً نحو التحقير من شأن القضاء، والنيل من استقلاله كما أرى اليوم. . أنني أعلم بكل أسف تلك الاتجاهات الخطيرة عند قادة الحكم اليوم، لا للحد من سلطات القضاء في الدستور فحسب، بل لوضعه تحت إشراف الهيئة التنفيذية )).. قابل الأستاذ محمود هذه الخروقات والتجاوزات بنقد قوي ولم يفوت أي فرصة لكشفها وتوعية الشعب بها.
    لذا لم يكن مستغرباً أن دبرت قوى الهوس الديني والطائفية محاكمة لردة الأستاذ محمود في نوفمبر من عام 1968 من محكمة( شرعية) بالخرطوم فسفه الاستاذ تلك المحكمة ولم يكلف نفسه مشقة المثول أمامها فأصدرت حكمها المعد سلفاً غيابياً فاستغل الأستاذ هذه المناسبة فصعد نشاطه ومواجهته للسلفيين وكشف زيفهم وجهلهم.
    في هذا الجو المظلم والفوضى السياسية استولى تنظيم – الضباط الاحرار – على مقاليد الحكم في انقلاب عسكري في مايو 1969 وقد قام بحل جميع الأحزاب السياسية ومنع نشاطها.. بدأ نظام مايو بخطوات جادة لحل مشكلة الجنوب واقامة مشاريع التنمية مما أكسبه تأييد قطاعات واسعة من الشعب وقد أيده الجمهوريون برغم إيقافه لنشاطهم لهذه الأسباب ولأنهم أيضاً رأوا فيه نظاماً مرحلياً يعد الأفضل بين بدائله المطروحة في الساحة السياسية حينها ولإسهامه الواضح في كسر شوكة الطائفية والهوس الديني.
    لم يدخل الجمهوريون في أجهزة النظام المايوي واستمروا في عملهم المتمثل في توعية الشعب بالدعوة الاسلامية وكشف أدعياء الدين وذلك رغم العنت والصعوبات التي كانوا يواجهونها من أجهزة الدولة التنفيذية والأمنية ومن ورائها بعض قوى الهوس الديني والتي أخذت تتغلغل في أجهزة النظام المايوي.. تكثف نشاط الجمهوريين في الجامعات ووجدت دعوتهم تفهماً كبيراً وقبولاً في أوساط الطلاب والمثقفين.
    تركز عمل الأستاذ محمود في هذه الفترة على تربية الاخوان والأخوات الجمهوريين والجمهوريات وترشيدهم وفق المنهاج النبوي ليكونوا نواة التغيير المرتقب.. وقد طبقوا هذا المنهاج في محتمعهم الجمهوري الصغير ما وسعتهم الحيلة فجاءت مناسباتهم من زيجات ومآتم وغيرها مصبوغة بهذه التربية والنهج الجديدين على المجتمع السوداني.
    في ديسمبر 1976 تم اعتقال الأستاذ محمود وبعض قيادات الجمهوريين واودعو سجن كوبر لمدة شهر بأمر من نميري وذلك ارضاء للحكومة السعودية حيث واجههم الجمهوريون في كتاب ( إسمهم الوهابية وليس إسمهم أنصار السنة ) والذي صدر عنهم آنذاك.
    في عام 1983 اعتقل الأستاذ ومعه حوالي خمسين من تلاميذه وتلميذاته لمدة عام ونصف إثر إخراجهم كتاب عن الهوس الديني أدانوا فيه تجاوزات عمر محمد الطيب، النائب الاول لرئيس الجمهورية ورئيس جهاز الأمن، وذلك حينما سمح بأن يكون مسجده بؤرة للهوس والفتنة الدينية والتحرش بالجمهوريين وغيرهم.. أثناء هذا الاعتقال صدرت قوانين سبتمبر 1983 والمسماة زوراً – بقوانين الشريعة الاسلامية – فعارضها الأستاذ محمود والجمهوريون من داخل وخارج المعتقلات.
    اطلق سراح الأستاذ وجميع الجمهوريين والجمهوريات المعتقلين في 19 ديسمبر 1984 م بعد أن قضوا نحو 19 شهراً في الحبس من غير محاكمة أو حتى تهمة واضحة وسرعان ما إتضح أن النية قد كانت مبيتة وراء هذا الإفراج المباغت والذي أدى الى إعدام الأستاذ بعد أربعة أسابيع.. بالرغم من معرفة الأستاذ بالتآمر والنية المبيتة ضده إلا أنه رأى أن الواجب المباشر هو مقاومة قوانين سبتمبر ولذا أصدر الجمهوريون منشورهم الشهير ( هذا أو الطوفان ) بعد خروجهم من المعتقل بإسبوع في مقاومة قوانين سبتمبر ودفاعاً عن الإسلام والشعب السوداني.
    بدأت حملات إعتقال الجمهوريين وهم يوزعون المنشور وقد وجهت لبعضهم تهمة إخلال السلام العام بينما أفرج البوليس عن البعض الآخر حينما لم يجد في المنشور ما يستدعي الاعتقال.. في هذه الأثناء تدخل وزير الدولة للشئون الجنائية وأمر المدعيين في المدن الثلاث باعتقال الجمهوريين..
    فاعتقل إثر ذلك الأستاذ للمرة الثانية ومعه أربعة من تلاميذه وقدموا للمحاكمة يوم 7 يناير1985 م وكان الأستاذ قد أعلن عدم تعاونه مع تلك المحكمة الصورية في الكلمة المشهودة فصدر الحكم بالاعدام ضده وضد الجمهوريين الأربعة بتهمة إثارة الكراهية ضد الدولة من محكمة ( المهلاوي ). حولت محكمة المكاشفي التهمة الى تهمة ردة!!! وأيد نميري الحكم ونفذ في صباح الجمعة 18 يناير1985م وسط حشد كبير في ميدان سجن كوبر.. تحرك الأستاذ نحو حبل المشنقة بثبات مهيب وكشف وجهه عن ابتسامة لم يرى مثلها ثم تم التنفيذ وحمل الجسد الطاهر بطائرة عمودية الى مكان مجهول.
    لم يترك الأستاذ الشهيد غير منزل مبني من الجالوص بام درمان، عاش فيه بالزهد كله وبالتواضع كله.. ومنزله هذا هو ( العقار) الذي أمرت المحكمة المهزلة بمصادرته.
    في أبريل 1985 م (أي بعد 76 يوماً من تنفيذ حكم (الإعدام) هب الشعب السوداني هبته الثانية ليسقط نظام مايو في انتفاضة شعبية سلمية شبيهة بثورة أكتوبر1964 ..

                  

02-12-2003, 11:22 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50077

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: Yasir Elsharif)

    وهذه إضافات أخرى نشرت ايضا في صحيفة الحرية ووردت ضمن الملف الذي أرسله الأخ عمر في بوست منفصل، ولكنني أرى أنه مهمة في هذا البوست:



    مؤامرة محكمة الردة الثانية وخلفياتها :
    لما اخذ نظام نميري يتهاوى بفعل اضراب واستقالات القضاة وتحرك النقابات قفز النميري قفزة في الظلام بمناورة وظف فيها الاسلام العظيم نفسه ليصبح مؤسسة عقابية يسوق بها المواطنين للاستكانة لنظامه ولما استعصم القضاة المؤهلين المستقلين باستقلاليتهم وقانونيتهم استجلب النميري عقائديين من خارج القضائية تنقصهم الخبرة وخلطهم باشباههم فرضوا جميعهم بان يجلسوا مجلس القضاء باسم القضاء اكثر من ذلك باسم شرع الله ليجروا محاكمات ايجازية لا تقبل المحامين ولا تستانف احكامهم وحتى في حالة احكام الاعدام لا ترفع للمحكمة العليا حسب القانون وانما يرفعونها لكبيرهم النميري وهكذا قفلت فرص العدالة امام المواطنين ولم يبق امامهم الا التشهير باجهزة الاعلام وسوقهم الى سلخانة العدالة الناجزة وقال كبيرهم انه سيحكم القانون (البطال) واباح التجسس واعلن الطواري فاطلق يد الامن وبعد اقامة هذا الحصن الملتهب ظن النميري وبطانته وكهنته انه لن يقترب من هذا الحصن احداً فاطلق سراح السيد الصادق المهدي والانصار من الاعتقال كما اطلق سراح الاستاذ محمود والجمهوريون وفي ليلة الخروج من المعتقل 19 /12 /1984 م قال الاستاذ: ( الجمهوريون ما خرجوا ليرتاحوا انما خرجوا ليواجهوا ميدانهم بقوة) خرجنا في وقت برضو الشعب وقع عليه شئ كثير جداً من الاضطهاد ومن الجوع بصورة محزنة ) وفعلاً خرج الجمهوريون بكتبهم وحركتهم الميدانية في العاصمة المثلثة وكانت المفاجأة ان الاستاذ خرج مع الجمهوريين وقال لهم هذه المرة خروجنا هذا هو عصيان مدني وهنا لابد ان اكون معكم وأمامكم واستمرت الحركةالميدانية بالكتب حتى اخرج منشور هذا او ( الطوفان ) يوم 25 /12/ 1984 م ناقداً قوانين سبتمبر ومدافعاً عن حقوق الاخوة الجنوبين المستضعفين فاعتقل بعض موزعي المنشور من الجمهوريين بتهمة ازعاج السلام حسب المادة 127 ولما كان النميري قد عين اخاً مسلماً كوزير جنائي يحول القاضايا لمحاكم العنف والتشدد والإرهاب فقد حول الوزير تهمة الجمهوريين لمواد مقاومة السلطة وضم الاستاذ محمود للمتهمين واستعجل النظر في المحاكمة وكان الاستاذ قبل اعتقاله في نهار 5 /1 /1985 م قد ذكر في مساء 4 /1 /1985 م أن الصوفي الكبير كان يموت بالوباء فيرفعه عن الناس والآن عليكم انتم الجمهوريون ان تفدوا الشعب وقد قدم الاستاذ محمود والجمهوريون للمحاكمة امام المهلاوي والمهلاوي حديث عهد بالقضاء وقد كان عضواً بمجلس قضاة بحري ولكن لصلته بالقصر عن طريق قريبه النيل ابوقرون (اظهر) ثالوث القصر قد رفّع ضمن قضاة الطوارئ وكان موقف الجمهوريين وموقف الاستاذ خاصة ان حاكموا محاكم السلطان بقولة الاستاذ الشهيرة وقد اصدر المهلاوي حكمه بالاعدام على الاستاذ والجمهوريين بالمواد 96 عقوبات بفقرتيها و، وك، و105 عقوبات و20 امن الدولة جريدة الايام 9 /1 /1985 م ولما حضر المحامون للدفاع عن الاستاذ ومنهم الاستاذ غازي سليمان شكرهم الاستاذ وبعد صدور الحكم حضر الاستاذ مصطفى عبد القادر وقابل الستاذ طالباً الاذن بإستئناف ذلك الحكم المعيب من كل الوجوه فشكره الاستاذ وقال له (نحن رأس الرمح لهذا الشعب وسنضحي بارواحنا من اجله وابقوا عشرة على قضايا المواطن ضد تغول السلطة وجبروتها واحموا الاسلام من هذا المسخ الذي سمي شرعاً وشريعة) وكان الحكم المهزلة مستنكراً من كل السودانيين على إختلاف اتجاهاتهم عدا اقلية الهوس التي اخرسها التيار العام وتحركت نقابة المحامين ونقابة الاستاذة وعدد من النقابات واتحادات الطلاب والعمال في حركة سافرة كما اصدرت الجهات المذكورة مذكرة احتجاج رفعتها للسيد رئيس الجمهورية وكانت هذه أول معارضة منظمة سافرة تداعت الى نشوء التجمع الذي قاد الانتفاضة واحال النظام الى مكانه في مزبلة التاريخ بعد 76 يوماً تقابل سنين عمر الاستاذ وانفجر الطوفان الموعود.
    وبعد أن انفجر الطوفان الذي انذرت به السلطة وانهار النظام وقضاؤه العشوائي وعاد القضاء المؤهل المستقل رفعت قضية دستورية ضد حكم المهلاوي وحكم المكاشفي لما زخر به من انتهاكات دستورية صارخة وسافرة فابطلت حكم المحكمتين الجائرتين.
    القضية الدستورية وتبرئة الاستاذ محمود
    القضية نمره م ع/ ق د/1406 /2
    وقد اصدرت المحكمة العليا الدائرة الدستور حكمت ببراءة الاستاذ محمود يوم 18 /11 /1986 م
    ولما اعلنت المحكمة العليا النائب العام وطلبت منه تقديم رده كتابة قد تم ايداع رد النائب العام بتوقيعه وكان رده.
    ( 1- نعترف بان المحاكمة لم تكن عادلة ولم تتقيد باجراءات القانون 2 - ان المحاكمة اجهاض كامل للعدالة والقانون 3 - لا ترغب في الدفاع إطلاقاً عن تلك المحاكمة ) ورغم ( أن النائب العام قد أقر بالدعوى في كافة تفاصيلها إلا أن المحكمة قد أعلنت في وضوح قرارها في عدم سلامة التعويل على تلك الاقرارات أو ترتيب آثار مطلقة عليها..) وقالت المحكمة العليا انها بدون جحود لحق النائب العام ( لان طبيعة الدعوى بما تثيره من مسائل دستورية وقانونية تجعل الفصل فيها من صميم اختصاصات المحكمة التي تضطلع بها بمعزل عن إقرارات وأراء الخصوم أو ممثليهم ).

    محكمة الاستئناف حكمها سياسي
    بعد حيثيات مسببة قانوناً خلصت حيثيات المحكمة العليا إلى قولها (ومن ثم تنتقل المحكمة إلى تناول إجراءات التأييد في محكمة الإستئناف على إعتبار أنها تشكل جوهر العيوب التي تقدم عليها هذه الدعوة مما يحتاج إلى تقرير مفصل. على أنه يجمل القول ومهما كان وجه الرأى فيما يتعلق بتلك العيوب أنه يبين من مطالعة اجراءات محكمة الاستئناف تلك انها انتهجت نهجاً غير مألوف وأسلوباً يغلب عليه التحامل مما جعل الإطمئنان إلى عدالة حكمها أمراً غير ميسور وعرضه للمعايير السياسية التي لا شأن لها بالاحكام القضائية) كما قررت المحكمة العليا في حكمها(على أن محكمة الإستئناف لم تكن عابئة فيما يبدو بدستور أو قانون إذ انها جعلت من اجراءات التأييد التي ظلت تمارسها المحاكم المختصة في سماحة واناه بغرض مراجعة الاحكام مراجعة دقيقة وشاملة، محاكمة جديدة قامت فيها المحكمة بدور الخصم والحكم بما حجبها عن واجبها) كما قالت المحكمة العليا (ففي المقام الأول اخطأت محكمة الإستئناف فيما ذهبت إليه من أن المادة 3 من قانون أصول الاحكام لسنة 1983 كانت تبيح لها – أو لأي محكمة أخرى – توجيه تهمة الردة وان كان ثمة ما يفرق في هذا بين محكمة الإستئناف وأي محكمة أخرى فإن ذلك هو أن محكمة الاستئناف كانت مقيدة كسلطة تاييد بقيود اضافية اخرى) كما قال حكم المحكمة العليا أن محكمة الاستئناف(انحدرت إلى درك من الإجراءات المستحدثة انتهت بها في نهاية الأمر إلى اصدار حكم جديد لا صلة له بالحكم الذي عرض عليها للتأييد)كما قال حكم المحكمة العليا ( على أن محكمة الاستئناف وفيما نوهنا به اشتطت في ممارسة سلطتها على نحو كان يستحيل معه الوصول إلى حكم عادل تسنده الوقائع الثابتة وفقاً لمقتضيات القانون). كما قالت المحكمة العليا عن حكم محكمة الاستئناف (ولعلنا لا نكون في حاجة الى الاستطراد كثيراً في وصف هذا الحكم فقد تجاوز كل قيم العدالة سواء ما كان منها موروثاً ومتعارفاً عليه أو ما حرصت قوانين الاجراءات الجنائية المتعاقبة على النص عليها صراحة أو انطوى عليها دستور 1973 (الملغي) رغم ما يحيط به من جدل).
    كما قالت المحكمة العليا ( ونخلص من كل ما تقدم إلى أن اجراءات محكمة الاستئناف الجنائية في اصدار حكم الردة في مواجهة محمود محمد طه ورفاقه كانت وللأسباب التي سبق تفصيلها جاحدة لحقوق دستورية وقانونية شرعت أصلاً لكفالة محاكمة عادلة ) كما جاء في حكم المحكمة العليا ( ففي هذا الشأن لم تقتصر مخالفات محكمة الاستئناف الجنائية "التي استقلت بسلطة التأييد" في إصدار حكم بالردة وإنما امتدت إلى تأييد احكام الاعدام التي صدرت ترتيباً على الإدانة بموجب قانون العقوبات وأمن الدولة وهذا التأييد وان كان في ظاهره محمولاً على أسباب في ظاهرها اقتناع المحكمة بثبوت الإدانة وتناسب العقوبة إلا أنه في وقع الأمر محمول على الردة التي إستحوذت على جل ان لم يكن كل إهتمام محكمة الاستئناف.. وقد ترتب على استقلال محكمة الاستئناف بسلطة التأييد على هذا الوجه ان فات على المحكمة العليا ليس فقط حصر الادانة – ان كان ثمة ما يسندها- في الاتهامات الموجهه بوجب قانوني العقوبات وأمن الدولة دون غيرها وإنما ايضاً ان تقصر العقوبة على ما كان يتناسب وفعل المحكوم عليهم وهو فيما نعلم لا يتعدى اصدار منشور يعبر عن وجهة نظر الجمهوريين في قوانين كانت وما زالت محلاً للأراء المتباينة على الساحتين الدولية والمحلية مما لا يعدو أن يكون مخالفة شكلية (ان كانت كذلك أصلاً) لا تتناسب عقوبة الإعدام جزاء لها غير أن محكمة الإستئناف وفي محاولة متعجلة لربط الفعل بقناعتها المسبقة في ردة المحكوم عليهم انتهت إلى تأييد حكم الإعدام كعقوبة (شاملة) فيما اسمتها.
    على أن الآثار المترتبة على حجب الاجراءات عن المحكمة العليا وحصرها في محكمة الاستئناف الجنائية اتخذت شكلها المأساوي حين تم تنفيذ حكم الإعدام على محمود محمد طه بإغفال تام لنص المادة 247 من قانون الإجراءات الجنائية رغم أنه كان من الثابت أنه جاوز السبعين من عمره وقتئذ. ولعلنا لا نتجنى على الحقيقة لو أننا قلنا أن تنفيذ الحكم ما كان ليتم لو لا أن محكمة الاستئناف اضافت الإدانة بالردة وهو ما لم يكن ليصدر اصلاً لو كانت الاجراءات قد عرضت على المحكمة العليا بدلاً من أن تستقل محكمة الاستئناف بإجراءات التأييد لتنتهي إلى ذلك الحكم من خلال المخالفات القانونية والدستورية التي تناولتها فيما تقدم).

    اسرار وخفايا محاكمة الاستاذ محمود
    هل افتعال محكمة الاستئناف لجريمة الرده له صلة بتوجيه نميري لكهنة القصر؟!!
    مما أوردناه من حيثيات حكم المحكمة العليا ظهر افتعال محكمة الاستئناف للردة واصرارها على الحكم بها مخالفة بذلك الدستور والقانون كما أنها باستقلالها بالتأييد قد فوتت على المتهمين فرصة عدالة المحكمة العليا لتصل لفرضها بتنفيذ الحكم على الاستاذ محمود عبر المخالفات الدستورية والقانونية ومن وراء المحكمة العليا؟ هل لمسعى محكمة الاستئناف هذا صلة بما كان يجري في القصر بين نميري وثالوث القصر؟!!
    جاء في وثائق القصر أن النيل أبوقرون أظهر ثالوث كهنة القصر قد رفع منشور الجمهوريين للنميري معلقاً بقوله ( فقد اتاحوا لنا فرصة تاريخية لمحاكمتهم وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) نشرت هذه الوثيقة بجريدة الأيام 22/5/1985م وكان رد النميري ( الأخوة عوض، النيل، والأخت بدرية سلام الله عليكم آخر هوس الأخوان الجمهوريين هذا المكتوب الذي أرى بين سطوره "الرده بعينها" ارجو الإطلاع ومعكم الأخ بابكر وساجتمع بكم للتشاور في الأمر إن شاء الله بعد أن تكونوا على إستعداد). وهكذا يحكم النميري قبل حكم المحكمة فيضع كلمة الردة بعينها بين قوسين. وها هي المحاكمة التاريخية التي يتشاور بخصوصها مع كهنة القصر وينظرها قضاء السلطان قضاء القصر.
    ولا أحد يستغرب ما جرى من محكمة الاستئناف في محاكمة الاستاذ عندما يعلم أن محكمة الاستئناف وحينما كان من اعضائها المكاشفي وحاج نور كانت قد عرضت خدماتها بتكفير الاستاذ محمود بدون أن تكون أمامها قضية أو اتهام وبدون بينات وبدون سماع وإنما اصدرت حكماً استطرادياً في نظرها لقضية الرجل الشجاع صلاح المصباح.
    كان الاستاذ محمود وهو في المعتقل الطويل المدة قد أصدر بياناً يعارض فيه قوانين سبتمبر وأنها قوانين مفارقة للشريعة وللدين ويعارض إعلان رئيس الجمهورية اباحة التجسس وتعديل الدستور لتكون رئاسة نميري لمدة غير محدودة وقد أنذر المنشور بأن العمل الذي يجري عمل خطير للغاية ( وهو قد شوه الاسلام وهدد وحدة البلاد) وقد صدر هذا المنشور يوم 11 /8 /1984 م فجاءت جريدة الايام بتاريخ 17 / 8 /1984 م تحمل حكم محكمة الاستئناف الاستطرادي على الاستاذ محمود إذ تقول عن السيد صلاح المصباح ( بالإضافة الى ذلك ترى المحكمة أن تصرف المتهم وما وجد لديه من وثيقة يؤكد إرتباطه بجبهات معادية للتوجه الاسلامي عامه وبفئات من أهل البدعة والضلال الخارجين على الكتاب والسنة وإجماع المسلمين من أمثال محمود محمد طه مما يؤكد سوء القصد في تصرفه بتلك الطريقة).

                  

02-12-2003, 01:18 PM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: Yasir Elsharif)

    رد الاستاذ عمر القراى فى اجزاء متتالية
    ---------------------------------------


    قراءة نقدية لتأملات أفق المعرفة والشهادة
    بسم الله الرحمن الرحيم
    " وزنوا بالقسطاس المستقيم *ولاتبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين "
    صدق الله العظيم

    كنت قد إطلعت قبل سنوات ، على مقال كتبه الاستاذ عادل عبد العاطي بعنوان ( تاملات في أفق المعرفة والشهادة حول حياة واستشهاد محمود محمد طه ) ، ولما كان المقال يعتمد في اثبات فكرته الاساسية ، على تصورات مسبقة ، ومعلومات سماعية ، واشاعات لا حظ لها من الصحة ، فقد تحدثت في ذلك الوقت عام - 1999 مع كاتب المقال ، وأوضحت له ذلك فوعد بالمراجعة ، وكنت اتوقع ان أرى المقال بصورة جديدة ، خاصة وان كاتب المقال جم النشاط في الحركة الفكرية والسياسية ، وكان يمكنه التحري من المعلومات وتصحيحها ..
    ولما أعيد نشر المقال كما هو دون تغيير ، بتاريخ 25 / 5 /2002 في منتدى السودانيين للحوار في "الانترنت" رأيت ان أعقب عليه ، على أمل إيضاح جانب من الفكرة الجمهورية ، لكاتب المقال ، وغيره من المهتمين .. ذلك ان هذه الفكرة الرائدة ، هي الفكرة السودانية الوحيدة ، ومع ذلك لم تحظ حتى الآن بتقييم محايد من المثقفين السودانيين ، باستثناء قلة قليلة لا تزيد على أصابع اليد..
    أود في البداية إثبات الملاحظات الآتية ، على أن يتابع القارئ الكريم تفاصيلها ، والتعليق عليها ، في متن المقال : ـ
    1- لم يتعرض المقال في صورته التي ظهرت عام 1999 أو صورته الحالية ، لجوهر الفكرة الجمهورية ، وانما أكتفى باصرار الكاتب على أن الأستاذ محمود صوفي ، وان الصوفيه لا يتدخلون في السياسة، ولا ينشئون التنظيمات ، وان موقف الاستاذ محمود يتناقض مع خلفيته الفكرية ، وهذا في نظر الكاتب ما أدى الى مأساة الاستاذ محمود ، وايقاف حركته بعد ذهابه.. وكل ذلك تقرير خاطئ ، كما سنوضح ، ومع ذلك بنى عليه الكاتب مقاله . . ـ
    2- وحين تجنب المقال مؤلفات الاستاذ محمود ، وحاد عن أفق المعرفة التي أدعى انه سيناقشها ، ركن الى سماع الشائعات ، والأقاويل التي أشعاعها خصوم الفكرة ، واصدقاؤها ، ومن ذلك مثلاً قوله( مما لا ريب فيه ان محمود قد أوصى تلاميذه بتجنب الموت ومسايرة السلطة ، حتى ولو وفق مبدأ التقية)!! ولقد سبق أن أوضحت له بان ذلك لم يحدث ، ووعدني ان يبحث عن صحة هذه المعلومة ، ويغير مقاله وفقها .. فلماذا ظهر البيان بنفس المعلومة المغلوطة ، والتحليل الذي أعتمد عليها ؟ الجواب قريب : وهو ان الكاتب قد بنى مقاله ، على ان الاستاذ محمود صوفي ، وأنه كان يرغب في الموت ، ولذلك لم يرد لاصحابه ان يموتوا فأوصاهم بالتنازل ، والتراجع عن الحركة .. أقرأ قوله (هل كان محمود يبحث عن الموت ؟؟ هذا ما قد يتراءى من الوهلة الأولى ، في تعامل محمود مع المحكمة ومع مجمل مؤسسات النظام ، في الشهور الأخيرة من حياته وفتحه لمعركة واضحة ضد النظام وسياساته ، وهو الذي يعلم مبلغ الحقد الذي تكنه ضده القوى السلفية ، وخصوصاً جماعة الأخوان المسلمين ، كما لابد يعلم الطابع الدموي ، والطغيان المنفلت للسفاح نميري ..)!! ـ
    3- اتسم المقال بالاضطراب ، فتأرجح بين الثناء على موقف الاستاذ تارة ، وبين أدانته تارة أخرى ، فهو مرة يقول ( قد رفض محمود التعامل معها (المحكمة) وهذا وان كان بتقدير سياسي يحسب في دائرة الخطأ ...) ومرة أخرى يقول ( ان محمود بهذا النص القصير ( امام المحكمة) قد سجل تقدماً في الفهم السياسي لطبيعة النظام القائم ) !! ـ
    4- أورد المقال شذرات من بعض أراء الصوفية دون أن يناقشها ، وكأن خطأها أمراً مفروغاً منه ، ولقد كانت العلمية تقتضي ان يورد دفعهم عنها ، وشرحهم لها ، حتى لا يظن القراء ان أصحابها أوردوها بهذه الصورة المبتورة ، ودون حجة من صريح النصوص .. ـ
    5- أدان المقال الجمهوريين بسبب عدم نقدهم لآراء الاستاذ محمود فقال ( إلا ان الظلم الحقيقي يتبدى في فشل معظم اتباعه ومؤيديه عن ان ينظروا بعين النقد والتحليل لنتاج فكره ونشاطه ومنهجه ..) والحق ان هذا واجب غيرهم من المثقفين ، لان الجمهوريين مؤمنين بصحة ، وصلاحية ، وواقعية أفكار الاستاذ محمود ، وهو يسعون لمعيشتها ، ويدعو بعضهم لاشاعتها وسط الناس .. فاذا كانت الفكرة الجمهورية تحتاج الى نقد ، فان المناقشة الموضوعية تتوقع من المثقفين ، ولقد كنت اود لو استطاع الاستاذ عادل ، القيام بهذا الدور ، ليضع ايدينا على الخطأ في صلب الفكرة ، بدلاً من مطالبتنا نحن ، بادانة الحق الذي لا مراء فيه .. أم لعل الاخ عادل يظن انه قد قام بهذا الدور ، بكتابته لهذا المقال الذي بين ايدينا؟! ـ
                  

02-12-2003, 01:23 PM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: Abdel Aati)

    مواصلة لرد الاستاذ عمر القراى
    ---------------------------


    هل الاستاذ محمود صوفي ؟!
    ان التصوف في حقيقته ، هو محاولة إتباع النبي صلى الله عليه وسلم في عمله في خاصة نفسه ، كل ما هناك ان الصوفية إعتبروا النبي الكريم ، على نهج مسدد قبل البعثة النبوية ، وبعدها ، فأخذوا يقلدون نهجه في العبادة قبل البعثة ، ومن هنا جاء انقطاعهم في المغارات ، يحاكون حاله حين كان يتعبد ، ويتحنث في غار حراء قبل نزول الوحي .. لقد ربى منهاج التصوف في العبادة ، والزهد ، والأدب ، والتواضع ، ومراقبة النفس ، والانشغال بعيوبها عن عيوب الناس ، رجالاً أفذاذاُ كانوا منارات هدى ومثابات رشد للامة ، يسعون الناس باخلاقهم ، وعلمهم ، وما أكرمهم الله به من الكرامات ، في غير تكلف ولا منة..
    وحين انتصر معاوية بن ابي سفيان ، على الأمام علي بن طالب رضي الله عنه ، ودالت الدولة لبني أمية، قتل أل البيت في كربلاء ، ففر احفادهم بدينهم ، واعتزلوا الدنيا ، وركنوا الى الله ، ومنهم جاءت المناهج السلوكية التي قام عليها التصوف ، ولقد سمي التصوف بالادب ، فكان يقال أخذ العلم عن فلان ، يعنون الفقه، واخذ الادب عن فلان ، ويعنون به الطريق الصوفي .. ولقد أحب الاستاذ محمود السادة الصوفية ، وذكر تلاميذه بسيرهم واخبارهم ، وحثهم على زيارة قبورهم ، ومشاهدهم ، وانشاد اشعارهم.. ولما كان منهج الصوفيه ، اقرب المناهج الى السنة النبوية ، حيث ركزوا على العمل ، بخلاف الفقهاء الذين انشغلوا باستذكار الحواشى والمتون ، فقد اتفق الاستاذ محمود معهم في اساليب التربية ، في مراحل مختلفة ، من تطور المجتمع الجمهوري ، نحو المستوى العلمي الذي هو جوهر الفكرة ..
    وبمرور الزمن ، أضطر مشايخ الصوفية ان يضيفوا الأوراد ، والشعائر وتفرقت الطرق ، باصحابها ، ولما لم يسعوا هم لتغيير المجتمع أثر هو فيهم ، فآلت زعامة الطرق الى ابناء المشايخ ، فكانوا أقل كفاءة من آبائهم ، حتى دبت الدنيا الى الطرق ، واصبحت الشعائر بلا روح ، وتحولت الطرق الصوفية الى طائفية ، يطاع فيها الزعيم دون ارشاد يقدمه لاتباعه ، وتحول زهد الشيوخ الى طمع في دنيا الاتباع .. ثم راينا في آخر الوقت ، أبناء زعماء الطرق ، يوالون الاخوان المسلمين ،أويخشون الوهابية !! لقد قصر منهاج الصوفية الداعي لنبذ الدنيا ، والبعد عن تغيير المجتمع ، عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك لان النبي الكريم قد كان على زهده ، وعبادته ، يعيش في المجتمع، ويتفاعل معه ، ويسعى لتغييره ، وهذا هو النهج المتكامل الذي لا يهمل الدنيا ، ولا ينشغل بها عن الآخرة، وهو هو نهج السنة ..
    ولقد كان الاستاذ محمود محمد طه ، أول من نبه الى نهاية الطرق الصوفية ، ودعا أتباعها لتركها ، والأخذ بنهج السنة فقال ( الى الراغبين في الله ، السالكين اليه ، من جميع الاطرق ، وجميع الملل ، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، أما بعد فان الزمان قد استدار كهيئته بوم بعث الله محمداُ داعياً اليه ، ومرشداً ، ومسلكاً في طريقه ، وقد انغلقت اليوم بتلك الاستدارة الزمانية، جميع الطرق التي كانت فيما مضى واسلة الى الله ، وموصلة اليه ، الا طريق محمد .. فلم تعد الطرق الطرق ، ولا الملل الملل ، منذ اليوم ... ان على مشائخ الطرق منذ اليوم ان يخرجوا انفسهم من بين الناس ومحمد، وان يكون عملهم أرشاد الناس ، الى حياة محمد ، بالعمل وبالقول ، فان حياة محمد هي مفتاح الدين ، هي مفتاح القرآن، وهي مفتاح لا اله الله التي هي غاية القرآن ، وهذا هو السر في القرن في الشهادة بين الله ومحمد ، لا اله الا الله محمد رسول الله ).
    والسبب في نهاية الطرق الصوفية ، هو ان البشرية ، تطورت وتعقدت مشاكلها ، وساعد تطور المواصلات ، وسبل الاتصال ، في ربط ربط اطراف الارض ، بصورة لم تحدث من قبل ، فتهيأت البشرية، بفضل الله ثم بالتوحد الجغرافي ، الى فكرة واحدة توحد خلافاتها ، وتحقق حلمها في السلام المنشود ، وهذه الفكرة الانسانية، فيما نزعم ، حوتها السنة النبوية ولم تحوها كافة شرائع الأديان ، بما في ذلك الشريعة الاسلامية .. وجوهر السنة أقامة العدل في النفس ، وفي المجتمع ، ومن هنا جاءت الدعوة في الفكرة الجمهورية ، الى تنظيم حياة الناس، باقامة المجتمع الصالح ، كوسيلة اساسية لانجاب الفرد الحر .. يقول الاستاذ محمود ( واعادة الوحدة الى البنية ، تعني ان الانسان يفكر كما يريد ، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول ، وهذا هو مطلوب الاسلام ، وذلك حيث يقول " يا ايها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتاً عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون " ولا يبلغ أحد هذا المبلغ الرفيع من الحياة ، الا بوسيلتين اثنتين أولاهما وسيلة المجتمع الصالح ، وثانيتهما المنهاج التربوي العلمي ، الذي يواصل به مجهوده الفردي ، ليتم به تحرير مواهبه الطبيعية من الخوف الموروث. والمجتمع الصالح هو الذي يقوم على ثلاث مساويات : المساواة الاقتصادية ، وتسمى في المجتمع الحديث الاشتراكية ، وتعني ان يكون الناس شركاء في خيرات الأرض ، والمساواة السياسية ، وتسمى في المجتمع الحديث الديمقراطية ، وتعني ان يكون الناس شركاء في تولي السلطة التي تقوم بتنفيذ مطالب حياتهم اليومية . ثم المساواة الاجتماعية وهي الى حد ما نتيجة المساويتين السابقتين ومظهرها الجلي محو الطبقات ، واسقاط الفوارق التي تقوم على اللون ، أو العقيدة ،أو العنصر ، أو الجنس من رجل وأمرأة ).
    ولكن عادل على الرغم من كل ذلك ، لا يرى في الاستاذ محمود أكثر من صوفي ، فهو يقول ( ان تصنيفي الأول والاخير له يقوم باعتباره صوفياً ، صوفياً في ممارساته ، صوفياً في صورة استشهاده ورحيله ، وقد لا يدرك الكثير بما فيهم اتباع محمود ، ان جل افكاره تتماهى مع لب افكار الصوفية ) .. اما نحن فقد أوضحنا خطأ هذا الرأي ، ونؤكد هنا ان الاستاذ محمود لم يهتم بقراءة التصوف ، وانما ركز على اتباع نهج السنة ، وحيث التقى فكره مع الصوفية ، ألتقى معهم حول حقائق الدين ، التي علمها مثلهم عن طريق التقوى ، فالاشياء التي يظنها عادل من مخترعات الصوفية ، انما هي ببساطة حقائق الدين ، التي يمكن ان تؤخذ من القرآن ، ولهذا فان قول عادل ( ان التناقض-أو التمايز- بين الظاهر والباطن ، بين الحقيقة والشريعة ، والذي هو ركن اساسي في نظرية المعرفة عند الصوفية ، قد تحول عند محمود الى تناقض وتمايز الاصول والفروع في القرآن ...) يحتاج الى مراجعة . فالظاهر والباطن في معاني القرآن ، سببه ان القرآن كلام الله ، والله ( هو الاول والآخر والظاهر والباطن ) ، وكلامه صفة قديمة ، قائمة بذاته ، ولذلك فقد جاء ايضاً ظاهر وباطن .. والحقيقة هي معرفة اسرار الذات الالهيه ، والشريعة هي الاحكام من الاوامر والنواهي ، التي باتباعها يقوى الفكر ويسدد ، فيستطيع معرفة هذه الاسرار ، والتأدب مع الله وفق هذه المعرفة ، وهذا لايتطابق ولا يترادف ، مع الاصول والفروع ، لان كلاهما شريعة ، كل ما هناك ان الفروع شريعة اسلامية تناسب الماضي ، والاصول شريعة اسلامية تناسب العصر الراهن ، الاصول هي السنه عائدة لتكون شريعة المجتمع الحديث ، وهذا هو محك الخلاف بين الفكر الجمهوري والتصوف .. فالقول بان الاسلام مستويين ، وان الشريعة لا تناسب الواقع ، وانما السنه هي التي تناسبه ، لم يقل به أحد قبل الاستاذ محمود لا من الصوفية ولا من غيرهم .. أما قول عادل ( ان محمود في فكره يتماهى مع الحلاج والسهروردي وابن عربي ) فهو ما دل على ان يحتاج ان يتعرف على التصوف بصورة أدق.. فالحلاج ليس بموضوعه عبرة كبيرة عند الصوفية ، لانه كان في حالة فناء ، في حالة جذب ، لم يشعر فيها حتى بالتعذيب والصلب ، فقد روي ان الجنيد مر به ، وهو مصلوب ، وقد قطعت اطرافه ، فقال له : ( لم تركتهم يخربون بيتك؟ قال: أنا لست فيه وانما ذهبت للقاء ربي !! ) .. ويقرب حال السهروردي من الحلاج ، وقد قتل مثله بسبب الشطح .. أما الشيخ الاكبر محي الدين بن عربي ، فقد استوى على معرفة كبيرة ، ولكنه لم يكن مسلكاً أو مرشداً ، وهو كسائر الصوفية ، لم يسع الى تغيير حياة الناس .. فاذا كان لا بد لكاتب المقال ، من ان يشبه موقف الاستاذ ، بموقف احد السلف ، فانه أشبه بموقف الامام الحسين رضي الله عنه ، فقد سعى الى الاصلاح والتغيير ، وبذل نفسه ، بكل وعي ، بغرض الوفاء لقضية التغيير ، هذا مع فارق ان الحسين عليه السلام ، كان يسعى داخل اطار الشريعة ، ولذلك قاتل بالسيف ، بينما دعا الاستاذ محمود لنهج السنة، ولهذا واجه بالنقد السلمي ..
    يقول عادل ( المأساة الكبرى في حياة محمود وفكره ، انه حاول دمج طريق الصوفية الذي هو طريق للخلاص والمعرفة فردي ، قائم على البعد عن العالم والزهد فيه ،والبعد عن الجماعة والانصراف عنها، والبحث عن الحقيقة في ذات الانسان الصوفي ،والوصول الى الله والى منابع الحق منفرداً ، حاول جمع كل ذلك مع طريق جماعي ونشاط اجتماعي وطريق مخالف تماماً لنهج الصوفية الفردية ... ان تناقض محمود وحركته اراه في تناقض الطريق الفردي الصوفي للمعرفة والسلوك ، مع الشكل الجماعي الواسع المكشوف للنشاط الذي اتخذته حركته وهو تناقض كان لا بد ان يؤدي للانفجار ، وتحطيم احد طرفي التناقض ) . . ولعل غاية ما يرمي اليه الاخ عادل ، هو ان يؤكد ان الفكرة الجمهورية ، ليست فكرة سياسية قادرة على تغيير المجتمع ، وهو ليصل الى هذا التقرير المريح ، لكافة الحركات العلمانية ، واليسارية بصورة خاصة ، حاول جهده ، ان يركز على ان الاستاذ رجل صوفي ، وليس رجل سياسة .. لهذا فهو يقول ( لقد رفض محمود مطلق التعامل معها "المحكمة" وهذا وان كان بتقدير سياسي يحسب في دائرة الخطأ ، حيث كان يمكن تحويل المحكمة ، بعمل سياسي وقانوني منظم ، الى مظاهرة كبرى ضد النظام ، كما تم في محاكمات فاطمة أحمد ابراهيم ، والبعثيين في ذلك الوقت ، وان يتم بذلك غل يد القتلة، قانونياً وتحريك العمل الشعبي سياسياً وتعبوياً الا ان الصوفي عند محمود له مرجعية أخرى ، انها مرجعية التسليم (سلمت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفاً وما انا من المشركين ) ..
    أول مايجب ايضاحه ، في هذه العبارة المليئة بالاغلاط ، هو ان تقدير الاستاذ في مقاطعة المحكمة، قد كان في المقام الأول ، لاعتبار الحق ، فما دامت المحكمة قد كونت بقوانين تتعارض مع جوهر الدين (كرامة الانسان) ، ومع حقوق الانسان ، فان التعاون معها، هو اقرار مبدئي باهدار هذه القيم ، خاصة اذا علم انها وضعت ، واستغلت، لتبرير ظلم النظام الحاكم .. أما في المقام الثاني فان المقاطعة لهذه المحاكم ، عمل سياسي، في القمة ، ذلك لان كسر هيبتها يهز السلطة التي كونتها، ويوضح للشعب، الخلل فيها ، ومبلغ مخالفتها لابسط قواعد العدالة، فيسوقه للثورة .. وهذا ما حدث بالمقاطعة والمواجهة ، ثم الصبر على اقسى نتائج المحاكمة .. فقد تأثر الشعب وثار وأسقط نظام مايو ، ولم يحدث ذلك بسبب التكتيك ، الذي تم في محاكمة الاستاذة فاطمة أحمد ابراهيم أو البعثيين .. ان تضامن المحامين ، والانفعال والتظاهر في القاعة في محاكمة فاطمة ، لم يكن هو السبب في عدم تعرضهم لما تعرض له الاستاذ محمود ، وانما السبب ان النظام لم يكن يراهم أخطر خصومة ، ولم يكن يائساً تماما ، ً من ان يصل معهم ، لصيغة يأمن بها شرهم ، والا فان النظام الذي طرد القضاة ، وعطل الدستور، لم يكن ليحفل بأي مقاومة قانونية .. يقول عادل ( ان شهادة محمود في المحكمة ، تشكل على قصرها قمة أدب السهل الممتنع ، وشهادة وإفادة للتاريخ والاجيال .. كما انها تعبر عن درجة عالية من النضج السياسي والفكري، وبها وحدها أدان محمود قوانين سبتمبر الى أبد الدهر ادان السلطة وقضاتها المأجورين ووضع على جبينهم وصمة العار الأبدية .. لقد أصبح محمود اذن هو القاضي الحقيقي وشاهد العصر وضمير الشعب ...) .. هذا تقييم الاخ عادل لموقف الاستاذ محمود !! فهل ترى كان يمكن ان يكون بنفس المستوى ، لو وقف الاستاذ نفس موقف الاستاذة فاطمة والبعثيين ؟!
                  

02-12-2003, 01:30 PM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: Abdel Aati)

    مواصلة لرد الاستاذ عمر القراى
    --------------------------
    الجمهوريون : ما لهم وما عليهم
    يقول عادل عن الجمهوريين ( واذا كان اتباعه قد ظلموه في حياته فقد فعلوا ذلك عندما حملوه اكثر مما يحتمل من آيات التقدير والتقديس ، فلم ينظروا الى فكره بمنظار النقد العلمي التاريخي . وحين ربطوا مجمل حركتهم بشخصه وحين رأوا فيه الكمال . وظلموه أكثر حينما روجوا قبل أيام من موته أوهاماً لا يسندها منطق حول عدم قدرة الحكام على أغتياله ، فتركوه بذلك في يد الموت وحيداً في وقت كان أكثر ما يحتاج فيه الى التضامن وغلوا بذلك ايادي قوى شعبية كثيرة كانت سحائب غضبها تتجمع ضد النظام. وحين زعم بعضهم استحالة اعدامه وضعوا الناس قسراً في حالة ترقب في انتظار المعجزة واخلوا بذلك الساحة بينه وبين السفاحين. وظلمه بعض اتباعه بعد موته حين تراجعوا بغير انتظام ودعموا تراجعهم بفكرة انه مات فداء لكل الشعب مدخلين مزيداً من الغيبية على معنى موته البطولى النبيل وجاعلينه ستار للاحباط والسلبية دون ان يفرقوا بين معاني الفداء الايجابي المحرك لدواعي النضال والتضحية السلبية التي ترتبط بالانكسار والاستسلام) .. ـ
    أول ما تجدر الاشارة اليه هنا ، هو ان الاستاذ محمود لم يسمح للجمهوريين بان يقدسوه ، فقد انشغل بعبوديته لربه و زهد في السيطرة على الناس ، وسار بين اتباعه يعلمهم التفكير ويحثهم على النقد ، ويربيهم تربية الاحرار.. ولكن موقف الجمهوريين، بعد تنفيذ الحكم على الاستاذ ، انما كان نتيجة صدمة ، سببها فقدانهم الانموذج الرفيع، الذي وجدوا طعماً لحياتهم في معيته ، فلم يكن غريباً ان تحدث هزة في النفوس ، يتأثر بها التفكير ، وتشل بها الحركة . والذين زعموا ، منهم ، بان الاستاذ لن يمكن الله منه هؤلاء السفاحين ، كان منطلقهم محبة الاستاذ.. ورغم ان مثل هذا القول يعتبر في موازين الفكرة خطأ، لانه تقييد للارادة الآلهية ، بمستوى علمنا أو آمالنا ، الا انه موقف ديني ، مقبول ، في مستوى العقيدة الذي يقوم على الايمان .. ولعله اشبه بموقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، حين التحق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى ، فقد قال ( من قال ان محمداُ مات علوته بسيفي هذا ) !! ولم يرجع عن موقفه ، الا حين أظهر له ابوبكر رضي الله عنه ، المعرفة الاكبر، وذلك حيث قال ( من كان يعبد محمداً فانه قد مات ومن كان يعبد الله فان الله حي لا يموت )!! وقرأ الاية " وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على اعقابكم ؟! ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين ).. ولقد رجع كثير من الجمهوريين الى أنفسهم ، واستعانوا بمنهجهم في تلمس الحكمة ، والرضا بالارادة الآلهية ، وخرجوا من أزمتهم على تفاوت لهم في ذلك ، بمرور الزمن .. ـ
    أما النقد المقبول في حق الجمهوريين ، فهو انهم عجزوا ، بعد فترة طويلة من ذهاب الاستاذ ، عن استئناف حركتهم . واسهموا بذلك ، في غيابها عن الساحة ، ومكنوا ، من ثم ، لخصومها واعدائها ، وشاركوهم ولو بحسن نية ، في وأدها، حتى نشأت اجيال لا تعرف شيئاً عن الاستاذ ولا عن الفكرة .. وحين أوقف الجمهوريون حركة الترشيد الداخلية ، وحركة الدعوة الخارجية ، وظل مجتمعهم متماسكاً إجتماعياً ، بقريب مما كان عليه في الماضي ، ضعف تحقيق الافراد ، من قيم السلوك الديني الرفيع ، وضعف الفكر ، وأصبح الجمهوريون يعيشون على تذكر ماضي ، حركتهم مع الاستاذ .. وبتوقف حركة التربية ، والترشيد ، والنقد ، تأخرت الفكرة في أولويات الأفراد ، وتباعدت آراءهم ، وضعف تحقيقهم.. و تأثر مجتمعهم الى حد ما، بالمجتمع الخارجي الذي كانت رسالتهم هي تغييره ..هذه مفارقة ، وعجز لا استثني منه نفسي ولا أحد من أخواني واخواتي .. ورغم عدم وجود الحركة، انضمت مجموعات كبيرة من الشباب ، الى الجمهوريين ، وتعلقوا بالقيم التي يجسدها كبار الجمهوريين ، ولكنهم لم يجدوا التوجية ، والترشيد ، أوحتى شرح الفكرة نفسها ، مما زاد المجتمع ترهلاً ، وبعداً عن مستوى الفكرة .. ولما اصبح إدعاء الالتزام لا يستتبع مسئولية في حمل الدعوة ، ومصادمة خصومها ، أوفي الالتزام االدقيق المراقب للسلوك الفردي ، انضمت مجموعة من اصحاب الاغراض، وبعض المندسين من كوادر تنظيمات أخرى، الى مجتمع الجمهوريين ، فاخذ بعضهم يكتب أو يتحدث ، بلسان يشبه الجمهوريين ، ويمارس من السلوك ، ما يسئ للفكرة عند من يعرفها ، وادى ضعف التنظيم ، والعفوية ، والمجاملة الزائدة ، الى عدم مساءلتهم ، وايقاف عبثهم ، ورفض سلوكهم ، الذي يتعارض مع جوهر الفكرة.. وكل هذه السلبيات ، ما كان لها ان تحدث ، لو كانت الحركة ولو بشقها الداخلي ، مستمرة بصورتها الفكرية المعروفة .. ـ
    ومما يجب ان يعرفه الناس ، أن الجمهوريين تحاوروا كثيرا ،ً ولا زالوا يتحاورون ، حول موضوع ايقاف الحركة أو استئنافها .. فالذين كانوا يرون ايقاف الحركة ، حجتهم ان الفكرة الجمهورية ليست مجرد حركة فكرية ، أو حزب سياسي لتستأنف حركته ، بمجرد تنفيذ الاعدام على مؤسسه.. وانما هي حركة بعث ديني ، كان يقودها رجل محقق لمستوى من العلاقة بالله ، والمعرفة بالدين لم تتأت لغيره .. ولما لم يكن في اتباعه من يقرب ولو من بعيد من مقامه ، فان الحركة اذا استؤنفت ربما اصبحت تشويه لفكره ، وربما كانت منفرة وضارة .. يضاف الى ذلك ، ان الجمهوريين مستهدفين ، من كافة القوى السلفية ، في داخل السودان وخارجه ، وان الحكم على الاستاذ ، والذي اعتمد على حكم الردة ، سيظل سيفاً مشرعاً فوق رؤوس اتباعه ، فاقامتهم للحركة ، وهي حركة سلمية ، مبرأة من العنف ، ومن استعمال السلاح ، انما يعني الانتحار الجماعي.. وهو امر لا فضيلة دينية فيه ، واولى منه ايقاف الحركة ، والانشغال بالسلوك الفردي ، والانتظار حتى يقضي الله أمراُ كان مفعولاً ، وهم يؤملون ان يظهر الله امر دينه ، في اى لحظة ، على النحو الذي يريده .. ولقد وجد كثير من الجمهوريين ، في هذه الحجج ، متكأ للتنصل من مسئولية السلوك والحركة ، واتخذ بعضهم من عجزهم فضيلة ، فانشغلوا عن نقد أنفسهم ، بتبرير تقصيرهم بان الحركة مستحيلة ، وعاشوا حياتهم كغيرهم من الناس ، لا يميزهم غير اصرار بعضهم على القول بانهم جمهوريين .. ـ
    والذين يرون ضرورة الحركة ، لم يتفقوا مع هذا الرأي ، وعندهم لو ان ابوبكر الصديق رضي الله عنه قد قال به ، عشية التحاق النبي عليه السلام بالرفيق الأعلى ، لانتهى الاسلام ولم يصل الينا ، ولم تكن هناك فكرة جمهورية .. ورغم انهم يوافقون على ان قامة الاستاذ ، لا شبيه لها ، الا انهم يرون ان واجبهم ، هو الدعوة للفكرة على قدر طاقتهم ، ومعرفتهم ، في صدق واخلاص .. وهم يرون ان الصمت عن الفكرة ، وإيقاف الحركة ، انما هو امر مغاير لاتجاه الاستاذ ، الذي لم يوقف الحركة حتى آخر اللحظات ، ولم يوص بايقافها حتى بعد حكم الاعدام ، بل على العكس كان يدعو لتصعيدها .. وهم أيضاً، يرون صعوبة الحركة و يشعرون بخطورتها، ويرون امكانية ابتداع اساليب في محدوديتها ، حتى تتغير الظروف ، ولكنهم لا يرون ان بطش أي سلطة ، هو سبب كاف لانهاء حركة فكرية ، ذلك ان مقاومة الدكتاتورية والهوس الديني هي مسئولية الافكار المستنيرة ، قبل ان تكون مسئولية الشعب عامة .. والانتظار الروحي لامر الله ، عند هؤلاء ، لا يكون في فراغ ، وانما يجب ان يتم اثناء الحركة نفسها، ذلك ان الاستاذ نفسه ، وهو اكبر المنتظرين لأمر الله وبعث الدين ، كان يعمل في منشطه ومكرهه لهذا الامر ..
    وكان من نتائج هذا الحوار ، ومن التطور الطبيعي ، ان بدأت حركة محدودة ، متعثرة ، لبعض للجمهوريين في السودان، واستطاع الجمهوريون بالخارج ، ان ينشئوا موقعاً في الانترنت ، انزلوا فيه معظم مؤلفات الاستاذ ، وبعض الاناشيد العرفانية ، وتسجيلات لمحاضرات ، وبريد الكتروني لنقل اخبار مجتمعهم ، واثارة بعض الحوارات بينهم ، وقاعة لقاء صوتية تنشدون فيها ، ويتحدثون في بعض المواضيع ، وكان لهذا العمل اثر كبير ، في تعريف الكثيرين بالفكرة ، وتوفير مادة للباحثين ، ووصل الجمهوريين في جميع انحاء العالم ببعضهم البعض .. ومع ذلك ، فان هذا جهد لا يوجهه تنظيم ، وانما هي مبادرات فردية ، لاتزال في مراحلها البدائية ، والناشطون فيها لم يوظفوها حتى الآن ، في الاتجاه المطلوب ، من النظر في حال المجتمع ، والبحث الجاد للخروج من هذا التيه .. ـ
    وإني لأوكد هنا لمن عسى يحتاجون الى تأكيد، ان الخلاف بين الجمهوريين ، يختلف عن الانقسامات والصراعات ، التي نراها في الاحزاب ، والتنظيمات الاخرى .. ذلك ان المصالح الذاتية ، الضيقة ، هي التي تدفع المختلفين في تلك التنظيمات ، الى الاحتراب ، والتآمر ، والحقد والاضرار ببعضهم البعض .. فالجمهوريون رغم اختلافهم حول الحركة العامة ، وحوارهم المستمر حولها ، ونقدهم لبعضهم البعض ، لازالوا يلتقون على محبة صادقة ، واحترام متبادل ، وتقدير عميق لبعضهم البعض ، وتعاون بينهم لا يوجد في غيرهم من المجتمعات ، وانما كان ذلك كذلك ، بفضل الله ، ثم بفضل الفكرة ، التي قامت على قدر كبير من التربية الفردية ، وفق المنهاج النبوي الشريف .. واني لأرجو ان يتدارك الجمهوريون أمرهم ، فهم بذلك جديرون، وينهضوا بفكرتهم ، قبل ان تدركهم النذارة الآلهيه ( وان تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) .. ـ
                  

02-12-2003, 01:36 PM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: Abdel Aati)

    مواصلة لمقال القراى
    -------------------


    بؤس النقد اليساري:ـ
    درج بعض المثقفين اليساريين ، أو الذين تأثروا بالافكار اليسارية ، في بعض مراحل حياتهم ، الى محاولات متفرقة لنقد الفكرة الجمهورية .. ولعل ماشجعهم على هذا الاتجاه ، بالاضافة الى غياب حركة الجمهوريين من المسرح ، النموذج المنفر عن الدين الذي طرحته الجبهة الاسلامية.. فقد ظنوا ان الفهم الاسلامي التقليدي ، لن يستطيع منافستهم حين تسقط الجبهة ، وان الفرصة اصبحت سانحة ليكونوا جبهة عريضة من الفكر التقدمي ، خاصة وان بعضهم قد تخلوا عن الماركسية، بعد سقوط الشيوعية الدولية ، وأخذوا يروجون لليبرالية الغربية .. ولهذا رأوا ان يؤسسوا نقداً للفكرة الجمهورية ، حين راوا اهتمام الناس بها ، باعتبارها فكراً تقدمياً رائداً خاصة بعد موقف الاستاذ الأخير .. ولما لم يستطيعوا ان يجدوا أي مدخل على الفكرة في أصولها ، بحثوا عن المواقف السياسية ، ولعلهم جميعاً اعتمدوا على ما كتب د. محمد سعيد القدال أستاذ التاريخ بجامعة الخرطوم عن ثورة رفاعة . فقد ذكر ان الاستاذ محمود دافع عن الخفاض الفرعوني ، وواجه الحكومة البريطانية بسبب ذلك !! ولقد قابله الجمهوريون وصححوا له هذا الفهم الخاطئ ، واوضحوا له انه كمؤرخ كان يجب ان يكون قد اطلع على بيان الحزب الجمهوري الذي صدر عام 1946 وقد أكدوا فيه انهم لا يؤيدون عادة الخفاض الذميمة ، ولكنهم يعارضون تدخل المستعمر في عادات الناس وأخلاقهم .. ولقد تبع اتجاه د. القدال ، د. محمد احمد محمود ، وركز عليه في مقال باللغة الانجليزية نشر في قائمة حوار السودانيين تحت عنوان ( بداية ونهاية الحركة الجمهورية ) ولقد علقت عليه في نفس الموقع ، خاصة وانه زاد على د. القدال ، واعتبر الاستاذ محمود عدو المرأة !! كما تحدث عن تأثر الاستاذ بالصوفية ، ولعل مقال الأخ عادل هذا ، قد تأثر كثيراً بمقال د. محمد محمود ، فقد حاول كلاهما ان يؤكد ان الاستاذ محمود صوفي وانه لذلك أخطأ في السياسة !! ـ
    وفي لندن أقاموا فليماً سينمائياً عن الخفاض الفرعوني ، دعوا له المفتش البريطاني الذي كان قد حضر ثورة رفاعة ، وفي بداية الفيلم ملأت صورة الاستاذ محمود الشاشة ، مع صوت باللغة الانجليزية ، يقول ان الاستاذ كان مدافعاً عن الخفاض الفرعوني !! وحين حاول الأخ عرمان محمد أحمد التصدي لهذا الاتجاه ، وطلب فرصة للتعقيب ، أخطر بانه ليس هناك فرصة للنقاش !! ومن امثلة هذا النقد غير المسئول ، ما كتبه المنصور جعفر الذي ذكر ان نصر حامد أبوزيد ، تفوق بجدارة على الاستاذ محمود !! وذكر ان الاستاذ محمود اقحم الحزب الجمهوري في الطهارة الفرعونية !! ومن أبأس هذه الكتابات ما كتبه الأخ د. محجوب التيجاني في حواره مع أحد الاخوان الجمهوريين ، بعد ذكرى 18 يناير حيث قرر نهاية حركة الجمهوريين ، ودعاهم بجرأة لا يملكها العارفون للانضمام للحزب الشيوعي !! ـ
    وحتى لا أظلم كل الأخوة الذين تأثروا بالفكر اليساري، أود ان أختم هذا الحديث بماكتبه الأخ د. عبد الله بولا ، في مقال نقد فيه الفكرة الجمهورية ، بمستوى عال من المسئولية العلمية ، ودقة الفكر.. فقد قال (اضيف ان مساهمة الاستاذ محمود محمد طه لم تقف باصالتها عند حدود التجديد النظري ، بل امتدت الى كافة مجالات العمل الحركي السياسي والتربوي المنظم . فقد كان تنظبم الاخوان الجمهوريين نموذجاً ممتازاً للجماعة الملتزمة المنضبطة النشيطة. وكانت حلقات حوارهم التعليمية "ندوة الخميس" ومؤتمراتهم واركان النقاش في الشوارع والؤسسات التعليمية "وهي تقليد ابتدعوه ثم انتشر عنهم في الحركة الفكرية والسياسة في السودان" صوراً حية للممارسة الديمقراطية الراشدة...) الى ان يقول عن المحاكمة ومواجهة الموت ( كان هذا حديث الرجل الى المحكمة التي كان يعلم انها اضمرت قتله أو اذلاله بالتراجع عن آرائه ، حديث رجل سلط على عنقه سيف إرهاب مشرع مديد طوله ألف وثلاثمائة عام ونيف، فما زاغ بصره وما طغى ولا أقول لم يرمش له طرف ، بل لم يهتز منه ظل من خاطرة في أعمق أعماق طبقات وعيه الباطن : ـ
    وقد كان فوت الموت سهلاً فساقه اليه الحفاظ المر والخلق الوعر
    وامام المشنقة ثانياً : فعندما أحكموا حبل الموت حول عنقه وازاحوا غطاء الرعب عن وجهه االوضئ ، وجدوا رجلاً يبتسم لا ساخراً ولا مستهزئاً بالموت بل موقناً بالفداء الكبير مطمئناً الى اختيار ربه منسجماً حتى النهاية مع منطقه التوحيدي وهذا أقصى ما يصل اليه الصدق. وهكذا فقد مضى "الى الخلود بطلاً ورائداً وقائداً رعيل الشهداء ورمز ايمان جديد بالفداء..... وبالوطن ". أقول هذا وأنا جد مستوحش من أن اكون قد أسات الوقوف في حضرة هذا الشيخ الجليل ) .. ـ

    هذا وللأخ عادل والاخوان الذين أعادوا نشر مقاله شكري وتقديري .. ـ

    عمر القراي
    الولايات المتحدة الامريكية 30 /5 /2002
                  

02-12-2003, 01:44 PM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: Abdel Aati)

    وهذا تعقيبى على رد الاستاذ عمر القراى
    ------------------------------------
    خطوات فى طريق الحقيقة
    حوار مع الاستاذ عمر القراى

    اهتم الاستاذ عمر القراى ؛ بالحوار مع شخصى الضعيف ؛ وافرد من وقته وجهده ؛ ما سمح له بتسطير مقاله:" قراءة نقدية لتأملات أفق المعرفة والشهادة" ؛ فى محاورة لما كتبته عن سيرة وحياة واستشهاد الاستاذ محمود محمد طه ؛ زعيم الاخوان الجمهوريين ومؤسس الفكرة الجمهورية ؛ فى مقالى الراجع للعام 1999 ؛ والمعنون : " تاملات فى افق المعرفة والشهادة – حول حياة واستشهاد محمود محمد طه ".

    والاستاذ عمر القراى فوق التزامه بالفكر الجمهورى ؛ ومعرفته الثرة به وبكتابات الاستاذ محمود محمد طه ؛ فهو كاتب وباحث فى التراث وقضايا الحاضر ؛ وهو من اعلام التيار الاسلامى التجديدى ؛ وتغدو مساهماته حول المراة والاسلام ؛ والجهاد وحرية الاجتهاد ؛ وغيرها مساهمات قيمة فى اضابير المكتبة السودانية والفكر السياسى السودانى .

    واذ كانت الكتابة الحالية لا تطمح الى حوار تفصيلى عميق ؛ مع اطروحات الاستاذ القراى ؛ فانها تحاول تصحيح بعض المعلومات ؛ وتوضيح منهجى فى البحث ؛ السير بعض خطوات فى درب الحقيقة ؛ والتى اعتقد انها ضالتنا المشتركة ؛ اعنى الاستاذ عمر القراى وشخصى الضعيف.

    يكتب الاستاذ عمر :

    كنت قد إطلعت قبل سنوات ، على مقال كتبه الاستاذ عادل عبد العاطي بعنوان ( تاملات في أفق المعرفة والشهادة حول حياة واستشهاد محمود محمد طه ) ، ولما كان المقال يعتمد في اثبات فكرته الاساسية ، على تصورات مسبقة ، ومعلومات سماعية ، واشاعات لا حظ لها من الصحة ، فقد تحدثت في ذلك الوقت عام - 1999 مع كاتب المقال ، وأوضحت له ذلك فوعد بالمراجعة ، وكنت اتوقع ان أرى المقال بصورة جديدة ، خاصة وان كاتب المقال جم النشاط في الحركة الفكرية والسياسية ، وكان يمكنه التحري من المعلومات وتصحيحها ..

    والحقيقة ان بعض ما كتبه الاستاذ عمر صحيح ؛ فقد ارسلت له فى ذلك العام نسخة من مقالى ؛ حال فراغى من كتابته ؛ كما ارسلت نسخة الى العديد من المهتمين ؛ وقد كان الاستاذ عمر مبادرا فى الرد وتقديم بعض المعلومات ؛ وابداء الراى فى منهجية المقال . وقد سعدت برده واستاذنته فى نشر رده على الملا ؛ فاذن لى وقمت فى حينها بنشر الرد على قائمة السودان الجديد للحوار والتراسل NSMDL ؛ فليرجع اليه من يود الاطلاع علية فى ارشيف هذه القائمة .

    الا ان رد الاستاذ عمر ؛ قد كان فى نقطة واحدة يتعلق بمعلومة ؛ كان قد تحصل لى من قبل نقيضها ؛ وفى نقطة اخرى يتعلق بالمنهجية ؛ وقد اوضحت له اختلافى معه فيها . وفى هذا وذاك ؛ لم اجد فى رد الاستاذ عمر حينها من المسوغات ؛ ما يجعله يفترض ان مقالى قائم على تصورات مسبقة ، ومعلومات سماعية ، واشاعات لا حظ لها من الصحة ؛ وغيرها من الاحكام التى تفضل بذكرها فى المقدمة ؛ فوصل الى حسم الحوار قبل ان يبدأه .

    ويواصل الاستاذ عمر فيقول :

    وحين تجنب المقال مؤلفات الاستاذ محمود ، وحاد عن أفق المعرفة التي أدعى انه سيناقشها ، ركن الى سماع الشائعات ، والأقاويل التي أشاعها خصوم الفكرة ، واصدقاؤها ، ومن ذلك مثلاً قوله( مما لا ريب فيه ان محمود قد أوصى تلاميذه بتجنب الموت ومسايرة السلطة ، حتى ولو وفق مبدأ التقية)!! ولقد سبق أن أوضحت له بان ذلك لم يحدث ، ووعدني ان يبحث عن صحة هذه المعلومة ، ويغير مقاله وفقها .. فلماذا ظهر البيان بنفس المعلومة المغلوطة ، والتحليل الذي أعتمد عليها ؟ الجواب قريب : وهو ان الكاتب قد بنى مقاله ، على ان الاستاذ محمود صوفي ، وأنه كان يرغب في الموت ، ولذلك لم يرد لاصحابه ان يموتوا فأوصاهم بالتنازل ، والتراجع عن الحركة ..

    واعود واؤكد مرة اخرى صحة ما ذكر عن حوارى مع الاستاذ عمر ؛ الا انى اصححه فاقول بانى ؛ حين لم يتح لى الوقت لتصحيح المقال ؛ فقد اوردت المعلومة التى ذكرها لى فى هوامش المقال ؛ ونشرت المقال بهامشه ذاك على موقعى بالانترنت ؛ واعاد نشره آخرون مع نفس الهامش ؛ وفى هذا الهامش الذى كتبته مباشرة بعد حوارى مع الاستاذ عمر ؛ اوردت التالى:
    ---------------
    فى حوار لاحق لى بعد كتابة هذا المقال ؛ مع الاستاذ عمر القراى ؛ اوضح لى وجهة نظره بان معلوماتى بهذا الصدد خاطئه ؛ حيث لم يطلب الاستاذ محمود من اتباعه حينها التراجع عن افكارهم بل طلب منهم على العكس التمسك بها وتقديم التضحية ؛ وقال القراى انهم ببساطة عجزوا عن ذلك ..واذا كان الامر كما ذكر الاستاذ القراى ؛ فان معظم الجزء الاخير من المقال الحالى يحتاج الى اعادة صياغه ؛ الامر الذى سنقوم به –فى اطار مناقشة فرضية استاذ القراى - فى مكان آخر . ما يهمنا ههنا انه حتى ولو صدقت معلومة الاستاذ القراى ؛ فمواجهة محمود للموت وحده وانشراحه فى مواجهته تثبت قسطا كبيرا من تحليلاتنا .
    ----------------
    والشاهد هنا انى ذكرت معلومة الاستاذ القراى بحذافيرها ؛ وزعمت بانها لو صحت ؛ فهى ستغير الجزء الاخير من المقال ؛ ووعدت بالرجوع اليها فى مكان آخر . لكنى اكدت ايضا ؛ بان صحة المعلومة لن تغير الكثير من فرضيات المقال ؛ كونها فرضيات عامة ؛ تعتمد على قراءتى لمواقف الاستاذ محمود ؛ وعلى العبرة من سيرة حياته . وافيد الان بان هذه المعلومة كما ذكرها استاذ القراى لم تغير من رؤيتى العامة ؛ وانما من تفاصيلها ؛ ولا ازال اتمسك بالكثير من وجهة نظرى التى وردت فى ذلك المقال.

    يقرر الاستاذ عمر القراى :

    لم يتعرض المقال في صورته التي ظهرت عام 1999 أو صورته الحالية ، لجوهر الفكرة الجمهورية ، وانما أكتفى باصرار الكاتب على أن الأستاذ محمود صوفي ، وان الصوفيه لا يتدخلون في السياسة، ولا ينشئون التنظيمات ، وان موقف الاستاذ محمود يتناقض مع خلفيته الفكرية ، وهذا في نظر الكاتب ما أدى الى مأساة الاستاذ محمود ، وايقاف حركته بعد ذهابه.. وكل ذلك تقرير خاطئ ، كما سنوضح ، ومع ذلك بنى عليه الكاتب مقاله . .

    ان فى تلخيص الاستاذ القراى لجوهر المقال فيما اعتقد ؛ تبسيط مخل ؛ فقد تناولت فيه العديد من المحاور ؛ عدلا صوفية محمود . كما ان المقال قد كتب عن الاستاذ محمود كشخص ؛ وليس عن الفكرة الجمهورية فى عمومها؛ وقد كان فى مجمله مجرد تاملات فى افاق المعرفة والشهادة التى اجترحها ؛ وكان عنوانه الثانى ؛ حول حياة واستشهاد الاستاذ محمود محمد طه . وهذا ان دل على شى ؛ فانما يدل على ان غرضنا لم يكن هو دراسة الفكرة الجمهورية بتفاصيلها ؛ او سرد سيرة الاستاذ من ناحية تاريخية . وانما كتب المقال استقبالا للذكرى ال15 لاستشهاد الاستاذ محمود ؛ وكان بمثابة وردة وددت لو اضعها على ضريحه ؛ ومحاولة للوصول الى الحكمة من التجربة ؛ والتى قال عنها الاستاذ محمود ؛ بان التجربة التى لا تورث حكمة ؛ تكررنفسها .
                  

02-12-2003, 02:02 PM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: Abdel Aati)

    ويواصل الاستاذ القراى فيقول :

    أدان المقال الجمهوريين بسبب عدم نقدهم لآراء الاستاذ محمود فقال ( إلا ان الظلم الحقيقي يتبدى في فشل معظم اتباعه ومؤيديه عن ان ينظروا بعين النقد والتحليل لنتاج فكره ونشاطه ومنهجه ..) والحق ان هذا واجب غيرهم من المثقفين ، لان الجمهوريين مؤمنين بصحة ، وصلاحية ، وواقعية أفكار الاستاذ محمود ، وهو يسعون لمعيشتها ، ويدعو بعضهم لاشاعتها وسط الناس .. فاذا كانت الفكرة الجمهورية تحتاج الى نقد ، فان المناقشة الموضوعية تتوقع من المثقفين ، ولقد كنت اود لو استطاع الاستاذ عادل ، القيام بهذا الدور ، ليضع ايدينا على الخطأ في صلب الفكرة ، بدلاً من مطالبتنا نحن ، بادانة الحق الذي لا مراء فيه .. أم لعل الاخ عادل يظن انه قد قام بهذا الدور ، بكتابته لهذا المقال الذي بين ايدينا؟!

    ورغم ان الاستاذ عمر يبدا فى صدر مقاله من التبرير ؛ والقاء المسؤولية على الاخرين ؛ الا انه فى متن مقاله ياتى للموافقة على بعض ارائى ؛ ويكيل من النقد للجمهوريين ؛ ما لامسته انا مجرد ملامسه ؛ ولا اعتقد انى فى تقييمى للجمهوريين ؛ ولردة فعلهم بعد مقتل الاستاذ ؛ قد اختلفت كثيرا عن اراء الاستاذ عمر عن رفاق دربه ؛ وحالة الانكفاء والنكوص التى ركبتهم ؛ ولا تزال تتلبس الكثير منهم . .

    كمالا ازعم انا ان مقالى ذاك المتواضع ؛ قد قام بمهمة النقد والتحليل للفكر الجمهورى ؛ وذلك بسبب ظروفه التى قام فيها ؛ ولامكانياتى المتواضعة فى هذا الصدد ؛ ولاسباب اخرى . الا انى قد حاولت مقاربة هذه المهمة ؛ حين كتبت مقالا بعنوان :"الاخوان الجمهوريين تحت منظار النقد والتاريخ 1945-1985 "؛ والذى قمت بنشر الجزء الاول منه على الشبكة العالمية ؛ وببعض الصحف . وقد تفضل الاخوان ياسر الشريف وعمر عبدالله بالرد على بعض اطروحات هذا المقال ؛ وتصحيح بعض المعلومات . ورغم انى قد اخذت بعين الاعتبار تصحيحاتهما فيما يتعلق بالاحداث ؛ الا انى احتفظت برايى كما هو فيما يتعلق بالتحليل ؛ والذى يعتمد على منهجى ونظرتى ؛ وليس منهج الجمهوريين او نظرتهم .

    وفى الرد على كل من المقالين ؛ عن محمود والجمهوريين ؛ والذين حرصت على ارسال نسخ منهما الى بعض الجمهوريين للاستئناس بارائهم ؛ فقد كانت بعض التعليقات حادة جافة ؛ فى اسلوب لم اعهده من الجمهوريين ؛ وكنت اتمنى لو كان الاحترام مشتركا ؛ والنظر بعين العطف الى الاجتهاد مبذولا ؛ حتى ولو ارتكب صاحبه الاخطاء ؛ طالما كان مبغاه الحقيقة وحاول ان يلتزم فيه بقواعد البحث والمراجع المتوفرة .

    يقول الاستاذ عمر :

    أورد المقال شذرات من بعض أراء الصوفية دون أن يناقشها ، وكأن خطأها أمراً مفروغاً منه ، ولقد كانت العلمية تقتضي ان يورد دفعهم عنها ، وشرحهم لها ، حتى لا يظن القراء ان أصحابها أوردوها بهذه الصورة المبتورة ، ودون حجة من صريح النصوص ..

    وفى الحقيقة فقد دهشت لهذه الفقرة . فحين اوردت شذرات من اقوال الصوفية ؛ فلم اشر تلميحا او تصريحا بانها خطا ؛ ولم افترض الخطا فيها . وانما اعتمدت علييها كنصوص تفسر رؤيتى لماساة محمود ؛ وذلك مثل قول الجنيد " لا يبلغ أحد درج الحقيقة ؛ حتى يشهد فيه ألف صديق ؛ بأنه زنديق" ؛ وفى متن النص اوردت اقوال لبعض الصوفية ؛ وذلك لمقاربة الاتفاق والاختلاف بينها وبين اطرحات الاستاذ محمود ؛ ولم يكن موقفى منها فى كل ذلك موقف الحكم ؛ ناهيك ان افترض خطأها او ادفع القارى الى هذه النتيجة ؛ والتى لم تطرا على بالى ؛ ولا ادرى تحت اى ظرف توصل اليها الاستاذ القراى .

    بعد هذه المقدمة ؛ حاور الاستاذ عمر اطروحاتى فى ثلاثة محاور رئيسية ؛ وهى صوفية الاستاذ محمود ؛ وتقييم الجمهورين ما لهم وما عليهم ؛ وبؤس النقد اليسارى للفكر الجمهورى ؛ وفى هذا الصدد فانى اعلق ببضع جمل عامة ؛ دون الدخول فى التفاصيل .

    اما حول صوفية الاستاذ محمود ؛ فقد اورد الاستاذ عمر ما يراه من طريق الصوفية ؛ ومن مقاربتها لسنة الرسول ؛ ومن تقدير الاستاذ محمود للصوفيين . وهو فى كل هذا وذاك لم ينقض ما رايناه من تماهى الفكر الصوفى مع الفكر الجمهورى ؛ وقد راينا نحن ان منهج الاستاذ محمود ؛ حين يتقارب مع الصوفية ؛ الا انه ايضا يتقاطع معها ؛ فكتبنت :

    أن محمود في فكره ؛ يتماهى مع الحلاج والسهروردى وابن عربي ؛ وان كان في صورة سودانية معصرنة ؛أي بالشكل الذي فرضه واقع الزمان والمكان الجديدين

    إن محمود بتنظيمه للحزب الجمهوري ؛ ومن بعد للإخوان الجمهوريين ؛ قد خالف طريق الصوفية الفردي ؛ فإذا كانت العلاقة بين الصوفي والمريد ؛ بين الشيخ والحوار ؛ بين القطب والسالك ؛ هي علاقة فردية قائمة على الاتصال الشخصي والتأثير المباشر ؛فان محمود حاول بناءها عن طريق تنظيم ؛ رابطة ؛ جماعة ؛ تغير اسمها من الحزب إلى الإخوان ؛ إلا إنها احتفظت دائما بصورتها كتنظيم له أفكاره الفلسفية والاجتماعية وله نشاطه السياسي .[iv]

    ومن الطبيعي أن نمو الأحزاب السياسية والنقابات ومعركة الاستقلال ؛ وهى الأحداث التي عاصرها محمود ؛ ووجود ونشاط التنظيمات الدينية القديمة والجديدة ؛ في شكل طرائق دينية أو طرق صوفية أو حركات سلفية ؛ قد فرضت على أي مفكر جاد الانخراط في درجة من درجات العمل التنظيمي والفعل الاجتماعي والسياسي ؛

    إن محمود في سعيه لنشر فكره ؛ قد كان مواجه بمشكلة الأداة ؛ وقد اختارها بان يطرح كل أفكاره أو جلها في كتبه وإصداراته ؛ حتى يتصل بها مع تلاميذه ومؤيديه ؛ لكنه بهذا طرحها أمام الجميع ؛ فعرضها بذلك لسوء الفهم –أو سوء النية – المعشعشة في البيئة السلفية ؛ التي حاصرت بها المؤسسات الدينية الرسمية المسلم العادي في وسط وشمال السودان لعشرات السنين.

    انى وان ان زعمت مماهاة سيرة الاستاذ للسهروردى والحلاج ؛ بنهايتهما الماساوية ؛ الا اننا رايت ان قتل كل منهم قد كان لاسباب سياسية ؛ حيث كتبت :

    وفى الحقيقة فهناك تشابهات مذهلة ما بين شخصية محمود ومصيره وشخصية الحلاج ومنتهاه – يذكر هادى العلوي أن الحلاج قد قتل لتأسيسه تنظيما سريا لمعارضة السلطة ؛ وليس لشطحاته الصوفية – ومحمود رغم انه لم يذهب إلى مرحلة الحلاج ؛ من معارضة السلطة منذ البدء أو تصريحات الانجذاب ؛الا انه قد قتل حتما لاسباب سياسية.

    ان هذا الذى ذكرت ؛ يقف فى تناقض واضح مع النتيجة التى توصل اليها الاستاذ عمر القراى ؛ حيث يكتب :

    . ولعل غاية ما يرمي اليه الاخ عادل ، هو ان يؤكد ان الفكرة الجمهورية ، ليست فكرة سياسية قادرة على تغيير المجتمع..

    ويمضى الاستاذ عمر ؛ فى تحليل طويل لسلوك الاستاذ محمود السياسى ؛ ليصل لاثبات التناقض والاضطراب فى تحليلاتنا ؛ الذى اشار اليه فى البدء ؛ حين قال :

    اتسم المقال بالاضطراب ، فتأرجح بين الثناء على موقف الاستاذ تارة ، وبين أدانته تارة أخرى ، فهو مرة يقول ( قد رفض محمود التعامل معها (المحكمة) وهذا وان كان بتقدير سياسي يحسب في دائرة الخطأ ...) ومرة أخرى يقول (ان محمود بهذا النص القصير ( امام المحكمة) قد سجل تقدماً في الفهم السياسي لطبيعة النظام القائم ) !!

    وانى ازعم بان لا تناقض ولا اضطراب ؛ فموقف محمود الكلى بعدم التعامل مع المحكمة احسبه فى دائرة الخطا السياسى ؛ حيث كان يجب اتخاذ موقف اكثر ايجابية من مجرد المقاطعة . وفى هذا لا ادعو انا الى الانكسار للقانون الظالم وقضاة السوء ؛ كما فعل الاب فيليب عباس غبوش ؛ وانما الى مقارعة الجلادين ؛ وهزيمتهم حتى فى المحاكم؛ والاستفادة من التحركات الشعبية ؛ والتى حصرها الجمهوريون فى انفسهم ؛ بمسيراتهم السلمية . ورفضوا التنسيق مع الاخرين ؛ لبناء جبهة مقاومة لمحاكمة الاستاذ ؛ ولتسيير المظاهرات ضدها – وهذا ما حدث فى عطبرة مثلا – وفى كل هذا فقد ضيعوا فرصا للعمل المعارض لا تعوض .

    اما تقييمى العالى لمقولة الاستاذ امام المحكمة ؛ وهى تفصيل خرج به عن عموم رفض التعامل ؛ فينبع من تسجيلها لتطور موقف محود ووصوله الى قناعات راسخة مع الديمقراطية والتعددية وكرامة الانسان ؛ ومقاربته للفكرة العلمانية ؛ وقطعه لاخر الخطوط مع النظام المايوى ؛ والذى وقف معه الجمهوريين فى كل تقلباته حتى العانم 1983 .

    وانى اذ احيى الاستاذ عمر فى ايصاله لنا المعلومات عن تطور حركة الجمهوريين بعد مقتل الاستاذ ؛ ونقده لبعض المواقف والاراء والسلوكيات ؛ من موقعه هو كجمهورى ؛ فانى لا ازال احتفظ بارائى التى سطرتها فى ذلك المقال ؛ واضيف اليها فى تقييم الجمهوريين ما كتبته عنهم تحت منظار النقد والتاريخ ؛ وهو مقال اعد بنشر الجزء الثانى منه قريبا بالشبكة العالمية
                  

02-12-2003, 02:09 PM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: Abdel Aati)

    وتبقى نقطة اخيرة ؛ وهى متعلقة ببؤس النقد اليسارى ؛ والذى احسب ان الاستاذ عمر يضمنى اليه ؛ حيث كتب فى متن مقاله :

    . ولعل غاية ما يرمي اليه الاخ عادل ، هو ان يؤكد ان الفكرة الجمهورية ، ليست فكرة سياسية قادرة على تغيير المجتمع ، وهو ليصل الى هذا التقرير المريح ، لكافة الحركات العلمانية ، واليسارية بصورة خاصة ، حاول جهده ، ان يركز على ان الاستاذ رجل صوفي ، وليس رجل سياسة ..

    اننى حين بدات كتابة المقال مثار الحوار ؛ لم ارم كما ذكرت الى تقييم الفكرة الجمهورية فى مجملها ؛ او الاخوان الجمهوريين ؛ وانما حاولت ان استشف كنه هذه الشخصية العظيمة المعقدة فى آن ؛ وان اصل الى محركها الاول فى سلم القيم . ولم انف ان لمحمود وجهه السياسى ؛ وان رايت ان وجهه المعرفى – الصوفى –السلوكى اهم كثيرا من وجهه السياسى – الاجتماعى .

    واعود هنا واكرر بانى اذا نظرت للاستاذ محمود كقمة من قمم الفكر والمواقف والانسانية فى مجتمعنا السودانى ؛ فاننى انظر الى جماعة الخوان الجمهوريين كجماعة تضائلت كثيرا عن ان تلحق بخطاها ؛ سيرة مؤسسها العظيم . ويكون تقييمى النهائى لها سلبيا ؛ وهى ابعد عندى ما تكون ؛ بصورتها السابقة والراهنة ؛ عن تقديم اجابات واقعية وشافية لحاجيات المجتمع السودانى ؛ وبعيدة كل البعد عن التقدمية التى يراها فيها بعض اتباعها او المتعاطفين معها .

    الا ان موقفى هذا لا ينبع من حسابات سياسية ؛ فقد كنت من المعارضين لاصدقائى اليساريين الذين راوا فى هذه الحركة فى فترة ما ترياقا ضد الحركة الاصولية ؛ وان فكرها يمكن ان يشكل ايديولوجية للتجديد الدينى فى السودان . ودعوت ولا زلت ادعو الى ان يحدد الجمهوريين والليبراليين واليساريين اراؤهم واضحة فى القضايا المفصلية للمجتمع السودانى ؛ من قضايا الهوية الثقافية والتعددية ودولة القانون والعدالة الاجتماعية وحقوق المراة والشباب والقوميات المهمشة . كما دعوت اكثر من مرة لان يعمل الجميع اداة النقد والمراجعة لكل ارثهم الفكرى والسياسى والتنظيمى ؛ وذلك لتجديد الحياة الفكرية والسياسية فى السودان ؛ وبذلت جهدى فى محاورة التيارات الرئيسية للفكر السودانى ؛ حسب ما اتاحته لى معرفتى المتواضعة ؛ وفى هذا الاطار كان اهتمامى بالفكر الجمهورى وكانت كتابتى لهذا المقال .

    الا ان الانسان يظل دائما حبيس تجاربه ومحيطه وقراءاته وخياراته فى الحياة ؛ وفى ذلك فقد كتبت الى صديقة شابة ؛ من المتاثرات بالفكر الجمهورى ؛ حين ناقشتنى حول نفس المقال ؛ فقلت :

    "اما عن ما ناقشتيه عما ورد من آراء فى مقالى عن الاستاذ محمود ؛ فلك الشكر على كلماتك اللطيفة ؛ والتى تشعرنى بان هناك صدا لما اكتبه وافكر فيه ؛ وفى الحقيقة فرغم تعميمى لهذا المقال فى الانترنت ؛ وطلبى من العديد من الاصدقاء والمهتمين ابداء رايهم فيه ؛ فقد جائنى الرد من بعض الاصدقاء فى بولندا - حيث اقيم – ومن الاستاذ عمر القراى ؛ والذى قدم رده لى معلومات مهمة ؛ ساضمنها فى اى محاولة قادمة لاعادة كتابة هذا المقال وتعميمه على نطاق اوسع ؛ وفيما عدا ذلك فقد فضل الكثيرون الصمت الدفين ؛ فشكرا على الاهتمام .

    وفى الحقيقة فان اهتمامى بالفكر الجمهورية ودور الاستاذ قديم ؛ حيث كنت طوال فترة المدرسة المتوسطة على علاقة قريبة بالجمهوريين فى عطبرة ؛ والتهمت حينها معظم كتابات الاستاذ ومطبوعات الجمهوريين . وقد كدت قريبا من الانضمام لهم ؛ الا ان ما منعنى حينها ما كان من موقفهم المؤيد للنظام – قبل قوانين سبتمبر 1983- المكروه بيولوجيا من العطبراويين ؛ وما صاحب نشاطهم من روح سلمية ؛ كانت تتناقض مع العنف المستخدم ضدهم من قبل الاخوان المسلمين وانصار السنة ؛ وموقفهم السلبى من الشيوعيين ؛ والذين كنت اكن لهم احتراما كبيرا ؛ وجملة من المواقف والافكار ؛ والتى كانت تتناقض مع شخصيتى حينها ؛ الا اننى ظللت اكن لهم كل احترام ؛ الامر الذى تضاعف بعد وقفة الاستاذ الصلبة امام السفاح نميرى ؛ واكتشافاتى اللاحقة للدور الكبير الذى لعبته هذة الشخصية فى الفكر السودانى .

    الا ان هذا الاحترام والتقدير والتضامن ؛ قد كان مرتبطا بروح نقدية عالية تجاه ما رأيته سلبيا ومفرطا فى الغيبية من اطروحات الاستاذ والجمهوريين . وقد سطرت بعضا من ذلك فى دراسة طويلة عن الجمهوريين والفكر الجمهورى ؛ كتبتها قبيل عدة سنوات . ورغم انى وقتها قد كنت متاثرا بالمنهج المادى التاريخى فى نمط تفكيرى ؛ الا انى لا ازال احتفظ بالكثير من الانتقادات لبعض ابجديات الفكر الجمهورى ؛ والذى اعتقد انه اذا اراد التطور والانتشار ؛ فلا بد من اعادة قرائته ونقده وتجاوزه ؛ ضمن عملية شاملة من النقد والنقد الذاتى فى مجمل مدارس الفكر السودانى . الا انى لا ارى فى اغلب الجمهوريين الان من له الرغبة والقدرة فى انجاز هذا التطوير ؛ والذى بدونه فسيبقى هذا الفكر مرتبطا بالاستاذ ؛ مقيدا بحدود تجربته الذاتية والفكرية ؛ المحدودة فى الزمان والمكان ؛ وانت تعلمين ان اقرب الطرق لقتل فكرة هو تحنيطها وتقديسها ؛ والتعامى عن قصورها ؛ وهو منهج اكثر ضررا من تعامل الاعداء .

    من هذا المنطلق انظر الى ما كتبتيه عن منبع افكار الاستاذ ؛ حيث عزيتها انا الى اختيار صوفى وبحث فلسفى ؛ ورايتيها انت الهاما من عند الله . و فى الحقيقة فان هذه احد انتقاداتى للجمهوريين ؛ وهى مدى الغيبية الطافح الذين يضفونه على شخصية وعمل الاستاذ محمود . ان قراءة سريعة لمؤلفات الاستاذ ؛ ومحاوراته مع مدارس الفكر السلفى والليبرالى والماركسى ؛ واراءة حول جملة من القضايا الفلسفية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ؛ توضح عمق الجهد الذى بذله الاستاذ فى متابعة تيارات الفكر المعاصر ؛ وفى دراستها وهضمها ونقدها ؛كما توضح الطابع الانسانى لاجتهاداته .

    اننى لا نفى هنا دور العامل الغيبى فى تكوين شخصية الاستاذ ونظرته الى منبع افكاره ؛ فالانسان مهما كان عبقريا الا انه محكوم بقصور شخصه وحدود تجربته ؛ ولكننى اعتقد ان ارجاع افكاره لمجرد الهام الهى ؛ يحرمنا من تقدير جهده الفذ فى بحثه عن الحقيقة ؛ ويحوله من انسان مفكر و فاعل ؛ الى مجرد منفعل وناقل . ان هذه النظرة فوق طابعها المثالى والبعيد عن حيثيات الواقع ؛ تجعلنا نقف عاجزين عن اى محاولة لمقاربة افكار الاستاذ وتطويرها ونقدها ؛ فما ياتى كالهام الهى لا مجال للحوار معه ؛ فاما ان نتقبله كله او نرفضه كله ؛ وما بين المصدقين بالهام الاستاذ ؛ والمتخرصين عليه والزاعمين بارتداده ؛ تضيع الحقيقة العلمية ؛ وتضيع شخصية الاستاذ كانسان عظيم ؛ خط باحرف من نور سجلا فذا للفكر والمواقف ؛ ولكن كان له ما له من الهفوات والقصور الفكرى والسياسى ؛ والذى هو من طبائع البشر والاشياء .

    ان روح التقديس والاكبار هذه ؛ لهى من اعدى اعداء تطور الفكر ؛ وهى فى الحقيقة لا تقتصر على الجمهوريين ؛ وانما تتعداهم الى مختلف مدارس الفكر السودانى ؛ بما فيها مدرسة اليسار الماركسى ؛ والتى يفترض ان تكون ابعد ما يكون من منطق التقديس – وهذا فى مجموعه يرجع الى انعدام الروح النقدية فى مجتمعاتنا ؛ والى سيطرة الفكر الاسطورى على تراثنا وتاريخنا ؛ وهذا ما يفسر- جزئيا- روح التطور المازوم الذى يعانى منه مجتمعنا ؛ والى الثبات فى الافكار والتحنط فى القديم الذى تتصف به معظم نخبتنا واغلب جماهيرنا .

    اننى فى مخطوتتى التى ذكرت عن الفكر الجمهورى ؛ قد حاولت مقاربة بعض هذة القضايا ؛ ونزع الحجب الاسطورية عن فكر الاستاذ . الامر الذى لا ازعم النجاح فيه ؛ ولكنها كانت خطوة اعتقد باهميتها ؛ من الناحية الاخرى ؛ فقد قمت بامر مماثل فى مخطوطتى عن الشهيد عبد الخالق محجوب ؛ وهو شخصية اخرى فذة فى تاريخ الفكر السودانى ؛ وحاولت فيها نزع الغيبية المادية هذه المرة ؛ والتى اضفاها عليه انصاره . ان هاتين المخطوطتين سوف تجدان طريقهما للنشر فى القريب العاجل ؛ ولكنى اعدك بارسالهما لك قبل نشرهما العام . من الجهة الاخرى فانا مدرك لمكامن القصور فى شخصيتى ومعارفى وتجاربى ؛ والتى يمكن ان تلقى بظلالها على قرائاتى هذه ؛ وفى الحقيقة فاننى فى السنتين الاخيرتين قد غيرت الكثير من ارائى حول بعض افكار الاستاذ ؛ واعكف الان على كتابة دراسة عن السنوات العشر الاولى من نشاط الاستاذ والحزب الجمهورى ؛ اى الفترة 1945-1955؛ باسم "اعادة اكتشاف محمود – قراءة فى الكتابات الاولى للاستاذ" .

    اننى فى هذه الدراسة القادمة ساحول مقاربة الافكار السياسية والاجتماعية للاستاذ فى هذه الفترة ؛ واحاول توضيح طابع بعضها العبقرى . من الجهة الثانية فان هذه القراءة ستحاول متابعة التغيرات والتطور الذى حدث فى الفكر الجمهورى فيما بعد ؛ وحصر الثابت والمتحول فى اجتهادات الاستاذ . ان معظم الجمهوريين لم ينظروا او يحللوا التغيرات التى تمت فى اطروحات الاستاذ ؛ وخط التطور الذى حكمها ؛ وربما كان ذلك لسيطرة الروح الغيبية على نظرتهم ؛(النظرة لهذه الاراء كالهام الهى ) وانعدام النظرة النقدية والعلمية فى تجربتهم ؛ والتى يمكن ان تساعد فى التأريخ للفكرة من جهة ؛ ومن الجهة الثانية فى اكتشاف الجوهرى والسليم فيها ؛ استهدافا لتطويره والانطلاق به الى افاق جديدة ."

    والشكر والتقدير للاستاذ عمر القراى على مقاله والشكر موصول للذين اعادوا نشر مقالى فاتاحوا بذلك فرصة هذا الحوار.

    عادل عبد العاطى

    9 اغسطس 2002
                  

02-12-2003, 01:18 PM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: Yasir Elsharif)

    الاخ ياسر

    لقد انزلت رد الاستاذ عمر القراى ؛ وتعقيبى عليه ؛ وقد كنت تحاورن مرة مع الاخ ياهو ذاتو فى منبر سودان نت حول هذا الامر ؛ وقد قرات مؤخرا سلسلة مقالات وردود متبادلة بين الاستاذ الفراى والاستاذ خالد المبارك ؛ كما قرات حوالى العشرة مقالات من الجمهوريين ردا على الاستاذ المبارك ؛ تراوجت ما بين الدفاع عن الاستاذ محمود ؛ او ابخاس قدر الاستاذ خالد

    اننى كنت اتمنى لو كان بيننا الاستاذ عمر القراى ؛ ولكننى لا اعلن لك سرا اذا ما قلت بانى قد اندهشت للغة الاستاذ القراى الاخيرة فى الحوار مع الاستاذ خالد؛ وهى لغة لا تنسجم مع اسلوب الرجل المعهود ؛ كما دهشت الا اجد من الجمهوريين من يحاول ان ينظر نظرة نقدية الى تراث الحركة والاستاذ ؛ ويخرج من متاريس الدفاع المطلق الى ساحات النقد الموضوعى ؛ للذات والاخرين

    وعموما فاشكر للاستاذ عمر رده ؛ والرجل دائما سريع الى الرد ؛ ولا يهمل خطابا اليه ؛ كما اشكر لك والاخ عمرعبدالله ؛ حواركما الراقى معى عبر السنوات الاخيرة ؛ وكذلك اضم اليكما الان الاخ ياهو ذاتو ؛ والذى يشكل النقاش معه متعة حقيقية لى ؛ حيث هو اصغرنا ؛ وانا لى دائما تقدير للشباب النابغ

    هذا استطراد فقط بالمناسبة ؛ وكل عام وانت بخير

    عادل

    (عدل بواسطة Abdel Aati on 02-12-2003, 02:31 PM)

                  

02-14-2003, 08:44 PM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: Abdel Aati)


    العزبزان عادل و ياسر .. لكما التحايا

    شكرا يا دكتور ياسر على التعقيب

    و يا عادل .. أنا إسمي (قصي همرور شيخ الدين) ..... و إسم ياهو زاتو إسم عتيق .. إتخذته عنما كان كل من بالبوردات السودانية يدخل بأسماء حركية .. و الإسم إخترته من باب الشيطنة .. و هناك موقف حصل لي اكثر من مرة .. و هو أن يلقاني أحد أهل البورد لاول مرة على أرض الواقع .. فيسألني (هل أنت ياهو زاتو؟) ..فأجيب أنا (ياهو زاتو) !! .. و هذه كل الحكاية

    و لكم جميعا السلام

                  

02-19-2003, 03:41 PM

Agab Alfaya
<aAgab Alfaya
تاريخ التسجيل: 02-11-2003
مجموع المشاركات: 5015

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: Yaho_Zato)

    Dear Adil,Yaho,Dr.Yaser,Dr.Hayder and Dr.Algarai
    Salam to all
    May you go ahead with this incisive and impressive discussion.I only joined this nice forum few days ago.I hope I will be able to participate in this rational dailouge.
    Regards,
    Agab alfaya
                  

02-19-2003, 04:57 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50077

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: بكرى ابوبكر)

    عزيزي الأخ عادل عبد العاطي

    تحيتي وسلامي

    وآسف لتأخر الكتابة فلم أطلع على ما كتبته أنت يوم 12 إلا اليوم.. وأشكرك على إنزال رد الأستاذ القراي وتعقيبك عليه..
    قولك:ـ
    Quote: الاخ ياسر

    لقد انزلت رد الاستاذ عمر القراى ؛ وتعقيبى عليه ؛ وقد كنت تحاورن مرة مع الاخ ياهو ذاتو فى منبر سودان نت حول هذا الامر ؛ وقد قرات مؤخرا سلسلة مقالات وردود متبادلة بين الاستاذ الفراى والاستاذ خالد المبارك ؛ كما قرات حوالى العشرة مقالات من الجمهوريين ردا على الاستاذ المبارك ؛ تراوجت ما بين الدفاع عن الاستاذ محمود ؛ او ابخاس قدر الاستاذ خالد

    أنا أعتقد أن الكلام عن إبخاس قدر الدكتور خالد المباركة فيه شئ من المبالغة.. وإن كانت لديك من المقالات نصوصا تدلل على ذلك فارجو التكرم بنشرها..

    قولك:ـ

    Quote: اننى كنت اتمنى لو كان بيننا الاستاذ عمر القراى ؛ ولكننى لا اعلن لك سرا اذا ما قلت بانى قد اندهشت للغة الاستاذ القراى الاخيرة فى الحوار مع الاستاذ خالد؛ وهى لغة لا تنسجم مع اسلوب الرجل المعهود ؛


    أنا مثلك آمل أن يجد الدكتور عمر القراي الوقت للمشاركة في هذا البورد .. وأنا أعتقد أنه مشارك في لستة سودان إل البريدية ويمكنك أن تخاطبه من خلالها..
    قولك:ـ

    Quote: كما دهشت الا اجد من الجمهوريين من يحاول ان ينظر نظرة نقدية الى تراث الحركة والاستاذ ؛ ويخرج من متاريس الدفاع المطلق الى ساحات النقد الموضوعى ؛ للذات والاخرين


    أعتقد أن رد الأخ القراي على هذه النقطة كافيا.. فإن أمر النقد متروك للمثقفين من غير الجمهوريين.. أما الجمهوريون فإنهم مقتنعون بفكر الأستاذ محمود فمن يرى أنه يمكنه أن ينتقده فليفعل..
    أما نقد الذات فقد تعرض له الأخ القراي في رده ايضا..


    Quote: وعموما فاشكر للاستاذ عمر رده ؛ والرجل دائما سريع الى الرد ؛ ولا يهمل خطابا اليه ؛ كما اشكر لك والاخ عمرعبدالله ؛ حواركما الراقى معى عبر السنوات الاخيرة ؛ وكذلك اضم اليكما الان الاخ ياهو ذاتو ؛ والذى يشكل النقاش معه متعة حقيقية لى ؛ حيث هو اصغرنا ؛ وانا لى دائما تقدير للشباب النابغ

    هذا استطراد فقط بالمناسبة ؛ وكل عام وانت بخير


    وأنا أشكرك على جميع ما تقوم به من نشاط وأرجو لك دوام الصحة والعافية، وأدعوك إلى مواصلة قراءة كتب الفكرة الجمهورية بغرض الدراسة العلمية لها ومحاولة سبر غورها ثم مطابقة ما جاء في تلك الكتب مع سيرة الأستاذ ومع مواقفه.. وأبشّرك بأن هناك اتجاه جاد لتوفير أكبر عدد من الكتب التي كتبتها الحركة بخلاف كتب الأستاذ محمود التي هي موجودة بالفعل وإن كان الكثير منها موجود كصور فقط، ولكن العمل جارٍ في وضعها في شكل ويرد دوكيومينت وفي شكل بي دي إف..


    والسلام موصول لقصي وعجب الفيه وجميع قراء البوست الكرام وفي مقدمتهم الأخ بكري..

    وعيدكم مبارك

    (عدل بواسطة Yasir Elsharif on 02-20-2003, 07:15 AM)

                  

02-20-2003, 01:26 AM

Haydar Badawi Sadig
<aHaydar Badawi Sadig
تاريخ التسجيل: 01-04-2003
مجموع المشاركات: 8271

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: Yasir Elsharif)

    Salam Mun3im Agab Al-Faya,

    My deep condolences on the loss of Ismail Mastoor, your soulmate, and our dear brother.

    I am very pleased to know of your joining this wonderful forum. You are indeed a huge addition. Please enrich us with your insights here, and in Assaloon, which I know you have joined a few days ago as well.

    Posting a monkey's picture instead of your gracious face is very telling of your humility and modesty. But don't you think that it underrepresents you?

    WELCOME ِABOARD!!! ِ ِِِ

    (عدل بواسطة Haydar Badawi Sadig on 02-20-2003, 01:35 AM)

                  

02-20-2003, 06:29 PM

Agab Alfaya
<aAgab Alfaya
تاريخ التسجيل: 02-11-2003
مجموع المشاركات: 5015

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محمود محمد طه قال كلمته ورحل - تأملات متأخرة في مغامرة معرفية مبكرة (Re: Haydar Badawi Sadig)

    Dear Dr.Haydar,
    Salamat
    I share you the deep sorrow for the departure of our angelic brother Ismail Mastour.
    Thank you for the honest compliment,but posting a monkey picture was not my choice.It happend by chance.I dont know,may be this has some implications.
    I am going to post a contribution to what Adil Abdel Ati has initiated.I hope this will be soon.His subtle analysis impressed me.
    Regads,
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de