حركة الجمهوريين فى السودان -جزء 1 من 2

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-16-2024, 04:10 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   

    مكتبة الاستاذ محمود محمد طه
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-13-2003, 05:21 PM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حركة الجمهوريين فى السودان -جزء 1 من 2

    نبذة عن المؤسس :

    الاستاذ الشهيد محمود محمد طه :



    لا يمكن تناول الحركة الجمهورية ؛ بعد حوالى55 عاما من تاسيسها ؛ و16 عاما على توقف نشاطها الرسمى ؛ بمعزل عن شخصية الرجل الذى اسسها وعاصرها وقادها ؛ منذ مولدها الاول وحتى ماساتها الدامية فى يناير 1985 . ان الفكرة والحركة الجمهورية قد ارتبطتاارتباطا لا فكاك منه ؛ بشخصية مؤسسها ومفكرها وزعيمها الاول والاخير ؛ الاستاذ الشهيد محمود محمد طه .

    ولد الاستاذ محمود محمد طه فى العام 1909 بمدينة رفاعة ؛ شرق النيل الازرق ؛ وتلقى تعليمه الاولى والمتوسط بمدينة رفاعة ؛ والتى رغم صغرها فقد كانت واحدة من اهم مدن السودان فى سبقها للتعليم الاهلى والعمل الاصلاحى ؛ والتى خرج منها المصلح الاجتماعى والتربوى الكبير الشيخ بابكر بدرى ؛ ثم التحق بكلية غردون التذكارية (جامعة الخرطوم لاحقا) ؛ كلية الهندسة ؛ والتى تخرج منها بتفوق فى العام 1936 ؛ و مارس عمله كمهندس بمصلحة سكك حديد السودان بمدينة عطبرة ؛ وقد كان ملتزما طوال عمله بعطبرة جانب العمال وصغار الموظفين السوداننيين فى مواجهة عنت وظلم الادارة الانجليزية ؛ وكان ذلك موقفا متفردا وسط كبار الموظفين والمهندسين ؛ وعاملا حاسما للدفع عن مصالح المستضعفين ؛ فى غياب التنظيم النقابى للعمال وصغار الموظفين . ثم ما لبث بحثا عن الاستقلااية ان استقال من عمله فى الحكو\مة فى العام 1941 ؛ ليمارس عمله الخاص بعد ذلك فى المجال الهندسى ؛ والذى مارسه حتى انطلاقة نشاطه السياسيى فى منتصف الاربعينات .

    فى اكتوبر 1945 ؛ عقدت مجموعة من الخريجين اجتماعا بنادى الخريجين بالخرطوم ؛ اسست فيه الحزب الجمهورى ؛ وانتخبت المهندس محمود محمد طه رئيسا له ؛ وما لبث الاستاذ ان دخل فى مواجهات حادة مع الادارة الاستعمارية ؛ وتصاعدت الحملة لتصل الى اعتقال الاستاذ محمود ومجموعة من رفاقه لمدة خمسين يوما ؛ اطلق سراحه بعدها ؛ ثم ما مضى حين الا واعتقل مرة اخرى ؛ حيث قاد حملة تضامن مع امراة ؛ فى مدينة رفاعة ؛ اعتقلت لممارستها الختان الفرعونى تجاه ابنتها ليمضى حوالى العامين فى السجن ؛ ويخرج منه فى العام 1949 ؛ ليدخل فى خلوة بمدينة رفاعة استمرت حتى العام 1951؛ سيخرج بعدها بشخصية دينية واضحة ؛ ومذهبية جديدة عرفت فى السودان بالفكرة الجمهورية .

    مارس الاستاذ من بعدها نشاطه السياسى والفكرى والتعليمى ؛ عن طريق الاشتراكات فى النشاطات الوطنية والتحررية ؛ فكان من المناهضين لقانون النشاط الهدام فى اوائل الخمسينات ؛ وغيره من القوانين المقيدة للحريات ؛و كما اتجه للكتابة الصحفية ؛ فكانت مقالاته ورسائله حول القضايا المحلية والاقليمية والعالمية تحتل صفحات الصحف الرئيسية فى الخمسينات ؛ومن بينها صحيفة الحزب القصيرة العمر ؛الجمهورية ؛ والتى استمرت لمدة 6 اشهر ؛ اضافة الى اصدارات الحزب الرسمية ؛ والى كتبه والتى بدا سيلها ينهمر منذ اوائل الستينات ؛ والتى توجها باصداره للكتاب الام للدعوة الجمهورية ؛ والذى ضمن فيه افكاره التجديدية والاصلاحية ؛ تحت عنوان : "الرسالة الثانية من الاسلام " والذى صدرت طبعته الاولى فى يناير 1967 ؛ وصدرت منه بعد ذلك اربع طبعات لاحقة ؛ وترجمة للانجليزية ؛ ودارت حوله الكثير من الدراسات والكتب ؛ والتى تراوحت ما بين الاطراء والتاييد ؛ ومحاولات النقد الهادف ؛ والهجوم السلفى عليها بدعوى الكفر والردة والالحاد .

    فى سياق ذلك ؛ فقد تعرض الاستاذ محمود الى المؤامرة الاولى تجاهه فى العام 1968 ؛ حيث رفع بعض ممن يسموا نفسهم برجال الدين قضية ضد الاستاذ محمود امام محكمة للاحوال الشخصية (المحكمة الشرعية ) يزعموا فيها بردته ؛ وقامت المحكمة فى غياب الاستاذ وتجاهله لها ؛ وكان ان حكمت بغلاظة وجهل بردته ؛ وبتطليق زوجته منه ؛ ودعت الى حل الحزب الجمهورى واغلاق دوره ومصادرة مملتكاته ؛ فى سابقة قد تكون هى الاولى فى العالم الاسلامى فى النصف الثانى من القرن العشرين .

    كان حكم المحكمة الشرعية سياسيا ؛ وقد كان جزءا من الحملة الفكرية والدعائية الى قادتها قوى الطائفية والظلام ضد ثورة اكتوبر ومنجزاتها ؛ والتى اسست على استغلال الدين لاهداف سياسية ؛ فتم تحتها حل الحزب الشيوعى وطرد نوابه من البرلمان ؛ ومطاردة وتحجيم الحركة النقابية ؛ وبناء ديكتاتورية مدنية باسم الدستور الاسلامى . ان اختيار الاستاذ محمود ليكون هدفا لحكم الردة لم يكن عبثا ؛ فقد كان من ابرز الناشطين فى مؤتمر الدفاع عن الديمقراطية ؛ ومن اكثر الناقدين للطائفية وسياساتها ؛ ومن اكثر المتصدين لدعوات الهوس الدينى والظلامية المرفوعة من تنظيم الاخوان المسلمين ؛ فحق بذلك عليه غضب هذا الحلف غير المقدس من تجار الدين ومستغلى الشعب من قادة البيوتات الطائفية وانصارهم من الجهلاء وغلاظ القلوب ممن اسموا انفسهم زورا بعلماء الدين .

    بعد وصول انقلاب مايو 1969 الى السلطة ؛ وحله لجميع الاحزاب السياسية ؛ بما فيها نشاط الحزب الجمهورى ؛ فقد انتهى الحزب كتنظيم ؛ بينما ساند الاستاذ محمود ومؤيدوه النظام ؛ باعتباره انقاذا للبلاد من السياسات الطائفية المعادية للديمقراطية والفكر ! وفى العام 1973 اعاد الاستاذ محمود تنظيم الحركة الجمهورية فى صورة جماعة ؛ اخذت اسم الاخوان الجمهوريين ؛ والتى مارست نشاطها الفكرى والدعائى منذ ذلك الحين عن طريق توزيع الكتيبات والنشرات والندوات فى الجامعات والمعاهد وما اسموه باركان الحوار فى الاسواق واماكن التجمعات العامة . وفى كل ذلك واصل الاستاذ تاييده المعلن للنظام حتى العام 1983 ؛ حيث تم الاختلاف بين النظام والجماعة ؛ وبدا الاستاذ محمود نشاطه المناهض لسياسات النظام الاصولية المتزايدة ؛ وتعرض من جراء ذلك للاعتقال لاول مرة تحت نظام مايو قى اوائل يونيو 1983 ؛ بعد اصدارالجمهوريين لكتيب ينتقد مباشرة النائب الاول للنميرى : عمر محمد الطيب ؛ ليقضى فترة حبس دون محاكمة حتى 19/12/1984 ؛ حيث اطلق سراح الجمهوريين فى خطوة محسوبة ظاهرها العفو ؛ وفى باطنها تدبير مؤامرة جديدة تجاه الاستاذ ؛ الذى ما لبث بعد خروجه ان اصدر بيانا بعنوان "هذا او الطوفان" فى 25/12/1984 ؛ ينتقد فيه قوانين سبتمبر وجملة من سياسات السلطة ؛ فما كان من النظام الا اعتقاله مرة اخرى فى 5/1/1985 ؛ وتدبير محكمة – مهزله له واربعة من رفاقه ؛ قامت على قوانين امن الدولة مواد اثارة الكراهية ضد الدولة ومحاولة قلب نظام الحكم ؛ وقد رفض الاستاذ محمود مطلق التعامل معها ؛ وحكمت المحكمة على المتهمين بالاعدام . ورفع الحكم الى محكمة الاستئناف ؛ والتى لم تناقش جوهر اللقضية وانما اضافت لها اتهاما بالردة ؛ وهى جريمة لا ينص عليها القانون ؛ وايدت الحكم ؛ الذى رفع الى السفاح نميرى ؛ الذى لم يؤيد فحسب وانما اضاف اتهامات جديدة وبينات جديدة ؛ فى خرق واضح للقواعد القانونية والقضائية ؛ واعطت نحكمة الاستئاف ةتاييد السفاح لبقية المتهمين حق التوبة ؛ بينما حجبته عن الاستاذ ؛ مما يوضح سؤء النية وابعاد المؤامرة التى كان غرضها تصفية الاستاذ ؛ الامر الذى تم فى صبيحة الجمعة الحزينة ؛ فى 18 يناير 1985 .وتم نقل جثمانه بطائرة هيلكوبتر حيث تم دفنه بمكان مجهول فى الصحراء شمال غرب ام درمان .

    كان اغتيال الاستاذ محمود ؛ الشيخ البالغ من العمر 77 عاما ؛ واحد مؤسسى وقادة الحركة الوطنية السودانية ؛ وواحدا من ابرز المفكرين السودانيين ؛ ماساة دامية على جبين عصرنا؛ وعلامة لا تقبل الجدل على الانحطاط الاخلاقى والعجز الفكرى والجبن السياسى لمناهضيه من السلفيين ونظام نميرى . فقد تميز الاستاذ محمود ؛ على عكسهم ؛ فى طول حياته ؛ بسعة الافق والتسامح الشخصى مع مناهضية ؛ والحوار الراقى والجدل الفكرى مع اطروحاتهم ؛ والنشاط السلمى والبعد عن اى مظهر للعنف ؛ فى ظل التمسك التام بافكاره ومبادئه ؛ رغما عن سؤء الفهم العام وتشويهات السلفيين لها. ومارس حياة متقشفة زاهدة ؛ ولم يستفد من دعم مناصرية وايمانهم المطلق بشخصة ورسالته ؛ فى جلب مكسب مادى لشخصه ؛ كما انه وطوال سنوات تاييده ومسايرته لمايو لم يسع الى مكسب مادى من ذلك التاييد وتلك المسايرة ؛ وحين اتت محاكم النظام الجائرة بحكم مصادرة مملتكاته ؛ لم يجد المنفذون ما يصادرون غير سرير خشبى شعبى –عنقريب- وبضع بروش ؛ ومنزل مبنى من المواد البلدية – الطين والجالوص - ؛كان فى حقيقته بيتا للجماعة اكثر منه ملكا شخصيا للاستاذ ؛ وحزمات من الكتب والمخطوطات احرقوها فى شوارع الخرطوم ؛ فى ممارسة اعادت للاذهان تجارب النازية فى حرقها للكتب ؛ كمظهر اعمى للعداء الثقافة والفكر والعجز عن الحوار .

    ان الاستاذ محمود محمد طه ؛ وغض النظر عن الاختلاف او الاتفاق مع اجتهاداته الفكرية والدينية ؛ وغض النظر عن تقييمنا لمجموعة من مواقفه السياسية ؛ يبقى معبرا رئيسيا لكرامة الفكر والمفكرين فى السودان . ومثالا حيا ابد الدهر ؛ للشجاعة المرتبطة بالوعى ؛ ورمزا متميزا عن الانتهازيين من الساسة والمفكرين ؛ والذين يبدلوا مواقفهم كما يبدلوا ملابسهم ؛ ويذبحوا المبادى الغالية على اعتاب السلطة ؛ وينكسروا امام جهل الجمهور او تحريضات الجهلة او عنف الخصوم . ان محمود على غرابة افكاره وعلى جراة تجديده وعلى اشكالية مواقفه الاجتماعية والسياسية ؛ قد وجد الاحترام والتقدير من العديد من مفكرى السودان والعالم ؛ فلم يكن غريبا ان يكتب عنه الشاعر الفذ محمد المهدى المجذوب ؛ عند اعتقاله الاول فى كوبر ؛ ممجدا لصمود محمود ؛ ومستنكرا ان تضم جدران كوبر الضيقة تلك الهامة الفارعة ؛ ولم يكن غريبا ان يكتب الاستاذ عبدالله الطيب ؛ وهو من هو من من سلفية الافكار والمواقف ؛ قصيدة رثاء حارة ينعيه فيها بعد استشهاده ؛ ولم يكن غريبا ان يرفعه فى سلم التقدير درجات قادة اليسار الماركسى فى السودان ؛ وهو الذى نقدهم – فكريا – بصورة جذرية ؛ كما لم ينقدهم احد فى السودان ؛ حيث شبه الاستاذ محمد ابراهيم نقد استشهاده ببطولة فرسان القرون الوسطى ؛ وباستشهاد ود حبوبة وابطال النضال الوطنى . وليس غريبا ان يستلهم تراثه ومواقفه وشخصه ؛ العديد ممن لا تربطهم بالفكر الجمهورى صلة ؛ وتربطهم بالاستاذ محمود الف صلة وصلة .

    ان كاتب المقال الحالى ؛ قد تناول شخص الاستاذ محمود ومواقفه فى غير هذا المجال ؛ ونحاول فى عملنا الحالى ؛ ان نستخلص القيمة الكامنة فى نشاط الاستاذ ؛ ليس بالتبجيل والتقديس الاعمى ؛ كما درج بعض تلاميذه ؛ ولا بالرفض والتشويه المغرض ؛ كما درج على ذلك اعداؤه ؛ وانما بالتحليل والنقد الواعى ؛ لتنقيح الايجابى والسلبى من تراثه ؛ واستخلاص الحكمة الباقية من سيرة حياته وجهاده ؛ و فكره واستشهاده ؛ فى جهد نؤمن بانه لو تواصل ؛ فسيكون هو التقدير الحقيقى للاستاذ ؛ والمواصة الحقيقية لرسالته ؛ فى اعلاء راية الفكر والبحث عن الحقيقة والبحث عن بديل يسعد الفرد ويصلح من حال الوطن والشعب .

                  

01-13-2003, 05:22 PM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حركة الجمهوريين فى السودان -جزء 1 من 2 (Re: Abdel Aati)

    الحركة الجمهورية :

    البدايات والنمو والتطور :



    بدأت الحركة الفكرية –الدينية –السياسية التى عرفت لاحقا بحركة الاخوان الجمهوريين ؛ بدات نشاطها كاحد اوائل الاحزاب السياسية السودانية فى النصف الثانى من الاربعينات ؛ باسم الحزب الجمهورى تحت قيادة المهندس محمود محمد طه ؛ والذى عرف لاحقا بالاستاذ ؛ وهو اللقب الذى اطلقه عليه مؤيديه ؛ وانتهى نشاطها الرسمى ؛ فى العام 1985 ؛ فى اعقاب المحكمة الجائرة واعدام مؤسسها وقائدها فى يناير 1985 ؛ فى واحدة من اكبر مآسى الفكر والحرية فى تاريخ السودان الحديث .

    ان الحزب الجمهورى الذى تاسس فى اكتوبر 1945 ؛ قد كان من اوائل الاحزاب السياسية السودانية التى يمكن ان نطلق عليها حركات القوى الجديدة ؛ فقد تناءى منذ قيامه عن الطائفية ؛ وقام على اكتاف مجموعات من المثقفين والخريجين والطلاب ؛ وهى القاعدة التى ظل يستقى منها نفوذه ؛ والتى انحصرت فيها الحركة الجمهورية ؛ حيث لم تتوسع الى صفوف العمال والمزارعين ؛ الامر الذى نجحت فيه بمقدار الحركة اليسارية ؛ والتى عاصرته فى النشاة ؛ كما ان الحزب قد قام واستند طوال تاريخة ؛ ومن بعد ذلك استندت الجماعة ؛ على النفوذ العظيم للاستاذ محمود محمد طه ؛ والذى كان القائد الفكرى والسياسى والروحى للحزب ؛ ومن بعد ذلك لجماعة الاخوان الجمهوريين .

    ان المتابع للتاريخ الحديث لا بد ان يقر بالدور الايجابى الذى لعبه الحزب الجمهورى عشية الاستقلال ؛ فقد نشأ هذا الحزب على اسس وطنية واضحة ؛ وتناءى عن دعوات الوحدة تحت التاج المصرى التى قامت عليها دعاية الاحزاب الاتحادية ؛ كما ناهض حزب الامة المؤيد حينها للادارة الانجليزية تحت شعاره المخادع : " السودان للسودانيين " ؛ كما عارض بصورة واضحة الدعوة الملكية المضمنة فى خطاب حزب الامة والانصار ؛ طارحا بديلا جديدا هو الجمهورية السودانية المستقلة . ولقد ارخ الاستاذ احمد خير المحامى لذلك فى كتابه الرائد " كفاح جيل " ؛ فكتب الاتى عن الحزب الجمهورى :

    "ولما وضحت معالم الخلاف واشتد وطيسه بين الاتحادية والانفصالية ؛ نشأ الحزب الجمهورى ؛ وهو حزب ينادى باستقلال السودان عن مصر وانجلترا على السواء ؛ وقيام جمهورية سودانية . ولقد همس بالفكرة جماعة من انصار الوضع الحاضر ؛ وكانت تبدو حلا وسطا وقنطرة يلتقى عندها دعاة الوحدة والوئام من صفوف الفريقين ؛ ولكنها لم تلق رواجا لان اساسها انفصالى . وبعد فترة من الزمن نادى بها رئيس واعضاء الحزب الجمهورى القائم الان .

    لقد برهن رجال الحزب الجمهورى على صدق عزيمتهم وقوة ايمانهم ؛ لذلك يتمتعون باحترام الجميع . كما برهن رئيسهم على اخلاص وصلابة وشدة مراس ؛ ولعل هذه الاسباب هى نفسها التى جعلتهم يقفون فى عزلة وانفراد ؛ غير ان شدة العداء بين الجمهوريين وحزب الامة ؛ قدم دليلا جديدا لعله الاقطع على انطواء الاخيرين على فكرة الملكية . فالحزبان استقلاليان ؛ ولما لم يكن بين الجمهورية والملكية توسط ؛ كان من البديهى ان ان تقوم الملكية فى الجانب الثانى ؛ بعد ان قامت الجمهورية فى الاول ؛ والا لما كان هناك مجال لعدم التعاون او الاندماج "

    ان الكلمات السابقة لا تحمل اى مبالغة ؛ فقد اشترك الجمهوريون فى كل النشاطات الوطنية من اجل الاستقلال ؛ كما تعرضوا للملاحقة والسجن من جراء نشاطاتهم هذه ؛ واعتقل وحوكم وسجن الاستاذ محمود مرتين ؛ فى المرة الاولى لمدة خمسين يوما ؛ اطلق سراحه بعدها بعد التضامن الواسع الذى لقاه من مواطنى مسقط راسه رفاعة ؛ومؤيدى الحزب الجمهورى وناشطى الحركة الوطنية ؛ وفى المرة الثانية لمدة اطول ؛ خرج بعدها الاستاذ محمود ليدخل فى خلوة استمرت قرابة العامين ؛ ليخرج منها بافكاره الدينية التى كونت لب الدعوة الاصلاحية اللاحقة ؛ والتى عرفت بها الفكرة الجمهورية .ان الجمهوريين الذين يرصدون تلك المواقف فى تاريخهم للحركة فى هذه الفترة ؛ يزعموا ان الاستاذ محمود هو اول سجين سياسيى فى السودان ! وقد يكون رايهم صحيحا ؛ اذا ما اضافوا : بعد معتقلى الغزوالانجليزى المصرى من ثوار المهدية ؛ ومساجين مختلف التمردات والثورات ضد المستعمر الانجليزى ؛ و بعد ثورة 1924 ؛ والتى امضى قادتها السنين الطوال فى سجون المستعمر ؛ واستشهدوا بها ؛ ومن بينهما زعيمى الحركة عبيد حاج الامين و على عبد اللطيف ؛ والذى استشهد الاول منهما سجينا فى العام 1933والثانى فى العام .. 1948 ؛ فى محبسه الاخير بمصحة العباسية بمصر ؛ بعد 24 عاما من انطلاق الثورة .

    اننا فى تاريخنا للحركة الجمهورية ؛ نرصد انها قامت على اسس سياسية وطنية ؛ وفق برنامج ليبرالى واضح ؛ وان الحزب قد تجمد عمليا فى نهاية الاربعينات ؛ وذلك بدخول رئيسه فى خلوته ؛ وذلك حتى العام 1951 ؛ وهو عام خروج الاستاذ من خلوته حيث بدات النزعات الدينية تظهر فى خطاب الاستاذ والحزب ؛ وتتاسس عليها ايديولوجيته الجديدة . ان الحزب سيواصل نشاطه طوال الخمسنينات فى معركة الاستقلال والحريات ؛ وفى مناهضة الاحزاب والسياسات الطائفية ؛ الا انه سيظل حزبا صغيرا ؛ غائبا عن التاييد الشعبى ؛ رغم النفوذ العظيم والاحترام الكبير لقائده على مستوى المثقفين وناشطى الحركة السياسية ؛ وسيستمر فى النشاط حتى انقلاب الفريق عبود فى العام 1958 ؛ والذى حل جميع الاحزاب السياسية ؛ ليدخل الحزب فى تجميد جديد لنشاطه ؛عدا عن اخراج اصدارات متقطعة لمحمود ؛ منها الكتيب الرائد فى دعوتهم " الاسلام " ؛ والذى صدر فى العام 1960 ؛ عقب فصل ثلاثة من الطلبة الجمهوريين من المعهد العلمى ؛ والضجة والتشويه الذى دار فى ذلك المعهد عن الفكرة الجمهورية ؛ وقيما عدا ذلك فقد سجلوا سلبية واضحة وغيابا شبه تام عن العمل السياسى ؛ حتى ثورة اكتوبر 1964.

    بعد ثورة اكتوبر واصل الجمهوريون نشاطهم ؛ فى اطار الحزب الجمهورى الذى اعاد تكوين نفسه ؛ وتركز نشاطهم على دعم ثورة اكتوبر ومنجزاتها ؛ ومحاربة سياسية القوى الطائفية المعادية للديمقراطية ؛ وعلى عملهم الفكرى والدعائى فى نشر وتعميم دعوة الاستاذ محمود التجديدية والاصلاحية ؛ فكان اشتراكهم فى مؤتمر الدفاع عن الديمقراطية ؛ وفى الكتابة الصحفية ؛ وشهدت هذه الفترة اصدار مجموعة من اهم كتبهم ؛ والتى تحوى الدعوة التجديدية للاستاذ محمود ؛ ك" رسالة الصلاة " يناير 1966 ؛ و " طريق محمد " مارس 1966 ؛ و"الرسالة الثانية من الاسلام " المشار اليه قبلا ؛ و " الاسلام برسالته الاولى لا يصلح لانسانية القرن العشرين "يناير 1969 ؛ وغيرها . كما اسهموا فى النقاش والصراع حول مختلف القضايا السياسية المحلية والعالمية ؛ فكانت لهم رؤيتهم لمشكلة الشرق الاوسط ؛ وتميزوا بموقف مضاد للناصرية والكتلة الشيوعية ؛ كما تصدوا لدعوة الدستور الاسلامى المطروحة من قبل الاحزاب الطائفية والاصولية بالمعارضة والنقد والتحليل ؛ اضافة الى التصدى للدعاية السلفية والاصولية لحركة الاخوان المسلمين الناهضة حينها ؛ وكان لهم اسهامهم فى معارك حماية الدستور والحقوق الاساسية ؛ فى ظل موقف واضح ومبدئى من الاحزاب الطائفية وقيادتها وسياساتها وحكوماتها .
                  

01-13-2003, 05:23 PM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حركة الجمهوريين فى السودان -جزء 1 من 2 (Re: Abdel Aati)

    من الحزب الى الجماعة

    جدل الدينى والسياسى فى تطور الحركة :

    بعد قيام انقلاب مايو فى العام 1969 ؛ وحله لجميع الاحزاب السياسية ؛ تعطل الحزب الجمهورى ؛ وابتعد قائده واعضاؤه عن ساحة النشاط العام ؛ رغم ترحيبهم بمايو واعتبارها انقاذا للبلاد من السياسات الطائفية ؛ ليعودوا وينظموا انفسهم من جديد ؛ فى العام 1972 ؛ ليس كحزب سياسى هذه المره ؛ وانما كجماعة دينية –اجتماعية –تربوية اطلقت على نفسها وفكرها ابتداءا اسم الدعوة الاسلامية الجديدة ؛ ثم ما لبث ان تحولت عنه الى الاخوان الجمهوريين ؛ وهو الاسم الذى عرفت به من ذلك الحين ؛ والذى لا يزال قيد الاستعمال ؛ وان كان بعض اتباع الفكرة قد تخلى عنه بعد التوقف شبه الرسمى لنشاط الجماعة بعد استشهاد الاستاذ ؛ ويفضلوا ان يستعملوا بديلا عنه اسم الحركة الجمهورية ؛ للدلالة على مجمل تراث الجمهريين ؛ فى تحولاتهم التنظيمية المختلفة ؛ ويطلقوا على اغلب التراث الفكرى الذى خلفه محمود ؛ وانجزته الحركة فى تطوراتها المختلفة ؛ اسم الفكرة الجمهورية .

    ان اعادة تاسيس الحركة باسم الاخوان الجمهوريين ينبع فى اعتقادنا من سببين رئيسين ؛ الاول منهما سياسى ؛ وهو عدم سماح النظام المايوى لاى شكل من اشكال النشاط السياسى المستقل خارج اطار مؤسساته الواحدية ؛ والتى كانت حينها ذات طابع علمانى واضح ؛ فى الوقت الذى تسامح فيه الى حد كبير مع قيام ونشاط الكثير من الحركات الدينية على اختلاف مشاربها ؛ بدءا من الحركات والتجمعات الصوفية الصغيرة والمتعددة ؛ مرورا بحركة انصار السنه السلفية ؛ وانتهاءا بحركة الجمهوريين التجديدية . ان نظام مايو بهذا الشكل كان يرمى الى تحييد هذه القوى او الى جلبها لمواقع التاييد له ؛ مقابل السماح لها بنشاطها" الدينى"–التعبوى . ومن الجهة الاخرى فقد كان يلعب على تناقضاتها ويستخدمها بذكاء فى مناوراته السياسية ؛ ضد بعضها البعض او ضد اطراف اخرى ؛ مع عدم قطع شعرة معاوية مع اى منها . ان اختيار الاستاذ محمود اذن لشكل الجماعة الدينية قد كان فيه قراءة واقعية لمجال العمل المتاح ؛ فى نفس الوقت الذى كان فيه تقبل النظام لاعادة تاسيس الحركة ونشاطها نابعا من قرائته لها كجماعة صغيرة محدودة التاثيرشعبيا وغير مضرة سياسيا ؛ وهى فى المحصلة مؤيدة له .

    الا ان السبب الاساس يكمن فى اعتقادنا فى طبيعة التحولات الفكرية التى تراكمت فى مسيرة الاستاذ محمود ؛ والتحولات الاجتماعية التى طرات على تركيبة الحركة ؛ وفى مجمل الكيان الاجتماعى السودانى ؛ لتحول الحركة من تنظيم وطنى سياسى معاد للاستعمار الى حركة دينية وتربوية وربما صوفية فى المقام الاول ؛ كما استقرت عليه الحركة فى العقد الاخير لنشاطها .

    ان النزعات الدينية فى شخصية الاستاذ قد كانت ظاهرة منذ البدء ؛ بل ان حتى حملة التضامن مع امراة رفاعة قد فجرت من داخل المساجد ؛ اضافة الى المسلكيات الدينية والصوفية للاستاذ فى فترة السجن وفى خلوته الطويلة ؛ حيث مارس الاستاذ الصيام بكثافة فى فترة السجن ؛ الامر الذى فسره بعض مؤيدوه وناشطى الحركة الوطنية كاضراب عن الطعام وشكل من اشكال مقاومة الاستعمار . الا ان دخول الاستاذ فى خلوة لمدة عامين بعد خروجه من السجن والتعطيل العملى لنشاط الحزب فى هذه الفترة ؛ والشخصية الدينية الطاغية التى خرج بها الاستاذ بعد انتهاء خلوته ؛ قد وسمت الحركة بهذا الطابع الدينى المتزايد ؛ والذى تجلى فى اول خطاب للاستاذ حول الحزب الجمهورى ومبادؤه بعد خروجه من خلوته ؛ حيث ابرز المبادى السياسية التى يقوم عليها الحزب ؛ فراى المهمة الاولى فى الجلاء ؛ واوضح موقفا مستقلا من القائلين بالتعاون مع الاستعمار البريطانى ؛ والداعين الى التعاون مع مصر ؛ و دعا الى زمالة جهاد مع المصريين ؛ لا الى زمالة وحدة او اتحاد ؛ واوضح معالم سياسة الحزب فى الدعوة للجمهورية السودانية ؛ التى تتطلب ضم كل الصفوف ؛ لانجاز الجلاء التام ؛ واقامة الجمهورية السودانية التى تتحقق فيها العدالة الاجتماعية والحرية الفردية .

    الا ان هذه المبادى السياسية الواضحة ؛ قد ارتبطت بفكرة دينية منذ البدء ؛ حيث شن الاستاذ هجوما فكريا مكثفا على الانظمة الراسمالية الغربية ؛ والانظمة الشيوعية ؛ والتى ارجعها الى مصدر واحد هو المادية الغربية ؛ ودعا الى بديل جديد هو الديمقراطية الشعبية ؛ والتى راى فلسفتها الاجتماعية فى الاسلام ؛ لانه الفلسفة التى جمعت بين الروح والمادة ؛ والقادرة على تحقيق الحرية الفردية ؛ والعدالة الاجتماعية .

    كما راى الاستاذ فى نفس الخطاب ان الوحدة الوطنية وجمع الصفوف لا تتم الا تحت راية الاسلام ؛ والذى راى فيه الفكرة الجامعة ؛ والمدخل للحكم الصالح ؛ والحافز للجهاد الصادق ؛هذا الجهاد الذى ينتهى باحدى الحسنيين ؛ اما شرف الشهادة ؛ او عزة النصر .

    ان الاستاذ يختم خطابه بالقول " ان حركتنا الوطنية لا يمكن ان تحقق طائلا الا اذا جمعت اشتات الفرق ؛ والطوائف ؛ والاحزاب ؛ ايضا ؛ حول الفكرة الخالدة التى جاء بها الاسلام ؛ والتى اشرت اليها انفا ؛ والتى اجتمع عليها اوائلنا ؛ فحققوا العزة ؛ والحرية والعدل ؛ ولن تجد سودانيا واحدا يتخلف عن دعوة تجمع بين عز الدنيا ؛ و شرف الآخرة .." ( التلخيص والفقرة المقتبسة من :البيان الذى القاه رئيس الحزب الجمهورى فى الاجتماع العام للحزب ؛ الخرطوم ؛ 30-10-1951 ؛ المصدر : مكتبة الفكرة الجمهورية ؛ فى صفحة الانترنت : http://www.alfikra.org)

    ان قراءة تحليلية لهذا الخطاب؛ والذى يشكل احدى الوثائق الاولى للحركة ؛ اضافة الى السفر الاول للجمهوريين (بمثابة وثيقة التاسيس ) ؛ توضح جملة حقائق رئيسية ؛ هى :

    1. ان الدعوة الجمهورية هى دعوة فكرية ؛ حملت منذ تاسيسها مبادى سياسية راقية ؛ من دعوتها الى الحرية الفردية ؛ والعدالة الاجتماعية ؛ فى ظل جمهورية سودانية فدرالية ؛ وفى موقف واضح من رفض الانزلاق لمساندة طرفى الحكم الاجنبى ؛ والذى تورطت فيه الاحزاب الطائفية والاتحادية ؛ مع موقف مصادم من الاستعمار ؛ ومطلب واضح فى الجلاء التام .

    2. ان هذه الدعوة قد ارتبطت منذ البدء بموقف سلبى حاسم ؛ من المؤسسات والنظم السياسية الغربية ؛ فى صورتها الراسمالية اوالشيوعية ؛ ودعت الى فكرة اسلامية بديلة عنهما ؛ رات انها تؤدى الى تحقيق نظام الحكم الصالح القائم على تحقيق الحرية الفردية والعدالة الاحتماعية .

    3. ان الدعوة الاسلامية للاستاذ فى مطلعها ؛ ورغم بعض الملامح التجديدية ؛ الا انها قد كانت تقليدية وسلفية الى حد كبير ؛ كما قامت على حشد الشعور الوطنى من مواقع الحماسة الدينية ؛ كما تجلى ذلك عمليا فى حملة الدفاع عن امراة رفاعة ؛ و نظريا فى الخطاب المشار اليه .

    4. ان هذه الدعوة ؛ قد قامت على اسس تؤدى عمليا الى تديين السياسة ؛ والى استبعاد غير المسلمين من اطار الفكرة والحركة ؛ اللهم الا اذ تقبلوا الاسلام كحل وفلسفة ونظام للحكم ؛ الامر الذى طرحته الحركة فيما بعد كبديل شامل للانسانية .



    اننا فى مقال آخر ( تاملات فى افق المعرفة والشهادة ؛ فى موت وحياة محمود محمد طه) ؛ قد ذهبنا الى ان قيام الحركة فى وقت تصاعد فيه النضال ضد الاستعمار ؛ وبدا فيه نمو الاحزاب والتيارات الفكرية والسياسية ؛ قد فرض عليها شكلا من النشاط السياسى والتنظيمى بدات وانطلقت منه ؛ وهو شكل الحزب السياسى ؛ ونضيف هنا ان شخصية الاستاذ الصوفية ؛ وتوجهاته الدينية ؛ قد جرت الحركة تدريجيا الى مواقع دينية تتعزز باستمرار ؛ حيث سيتضائل العامل السياسى الاول بجلاء الاستعمار ومجى الحكومات الوطنية ؛ وخصوصا تحت الانظمة العسكرية ؛ فى مقابل توجه اكثر نحو الجانب الدينى . ان ما يثير الاهتمام هنا هو هجر الحزب الجمهورى للعملية الانتخابية ووسائل الحشد و النشاط الجماهيرى العام ؛ منذ تحقيق الاستقلال ؛ وهى الاشكال التقليدية للممارسة السياسة ؛ والتركيز فى المقابل على العمل الفكرى والتربوى ؛ والمخاطبة الشخصية ؛ مع الاحتفاظ بالحد الادنى من الروابط التنظيمية ؛ والتى كفلت لحزبهم فى البدء ولجماعتهم من بعد سبل البقاء والحركة والانتشار ؛ الامر الذى ااستمر حتى استشهاد الاستاذ والحل شبه الرسمى للحركة .



    اننا هنا لا نملك الا ان نعلق على التسمية التى اختارها الجمهوريون لتنظيمهم ؛ بعد خروجهم من مرحلة الحزب ؛وهى تسمية : الاخوان الجمهوريين . فالتسمية فى شكل ما تؤكد الطبيعة الدينية للتنظيم ؛ كونهاغالبا تعتمد على مرجعية الحديث النبوى الذى يستشهد به الجمهوريون كثيرا ؛ والقائل : " وا شوقاه لاخوانى الذى لم ياتوا بعد !! قالوا: او لسنا اخوانك يا رسول الله ؟ قال: بل انتم اصحابى..الخ " . اننا لا ننفى هنا ايضا امكانية التاثر و/او المعارضة فى آن بتجربة وتسمية الاخوان المسلمين القديمة والراسخة ؛ وهى الحركة ذات الاصول الدينية الاكثر ديناميكية ونشاطا فى البلدان العربية والبلدان ذات الاغلبية الاسلامية فى الاربعينات والخمسينات ( وقت تاسيس الحزب الجمهورى ) ؛ وفى السودان فى الستينات والسبعينات ( عند الانتقال الى مرحلة الاخوان الجمهوريين) . وفى الحقيقة فان مقارنة هاتان الحركتان توضح انهما قد تطورتا فى اتجاه مناقض ؛ فحين بدا الجمهوريون كحزب سياسى ؛ ما لبث مع الزمن ان تحول الى حركة دينية تجديدية وتربوية ؛ فان حركة الاخوان المسلمين قد قامت فى البدء كحركة اصلاحية تربوية دينية ؛ لكيما تتحول مع الايام الى حركة سياسية صرفة ؛ تمارس السياسة وتدخل اليها من اردأ ابوابها .

    نقطة اخرى تستحق التعليق فى التسمية ؛ وهى طابعها الذكورى الواضح ؛ للدلالة على مجمل التنظيم ؛ فرغم ان الجمهوريين فى حديثهم عن عضواتهن من النساء قد كانوا يرمزوا اليهن بالاخوات الجمهوريات ؛ الا ان تسميتهم للتنظيم ككل قد كانت ذكورية بحته : الاخوان الجمهوريين . ان هذا الموقف يوضح حجم القيود التى تضعها آليات الفكر الدينى والنصوص المرجعية الدينية حتى على حركة تدعى لنفسها التجديد فى فهم وطرح الاسلام ؛ وعلى الطابع المحدود والمحافظ لتقدمية الحركة فى مجال موقفها من المراة ؛ والذى نتمنى ان نناقشه لاحقا فى ثنايا هذ المقال .

                  

01-13-2003, 05:24 PM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حركة الجمهوريين فى السودان -جزء 1 من 2 (Re: Abdel Aati)

    محاولة للتشريح الاجتماعى

    من هم الاخوان الجمهوريين :



    رغما عن عدم توفر احصائيات لنا وتحليلات اجتماعية وفئوية لعضوية الاخوان الجمهوريين ؛ ورغم التقلبات التى طرات على الحركة من بدايتها كحزب وطنى متطرف ؛ وانتقالها الى حزب سياسى –دينى ؛ وانتهاءها الى جماعة دينية تربوية فى المقام الاول ؛ ورغما عن طول الفترة الزمنية التى يغطيها مقالنا (اربعين عاما ) ؛ والتغير الطبيعى فى تركيب الحركة بين الاجيال والافراد ؛ وغيرها من العوائق الموضوعية ؛ الا اننا فى هذه الفقرة نغامر بمحاولة للتشريح الاجتماعى ؛ لمعرفة الاصول الاجتماعية والفكرية لللاخ الجمهورى ؛ من هو الاخ الجمهورى ؛ وما هى جملة الخلفيات الاجتماعية والفكرية التى جعلت مجموعات من النساء والرجال عبر اربعين عاما تنتمى الى هذه الحركة المتفردة فى مجال السياسة والفكر فى السودان ؟

    ان متابعة بسيطة وشخصية لحركة الاخوان الجمهوريين فى اواخر السبعينات والنصف الاول من الثمانينات ؛ فى مدينة عطبرة ( والتى قد تكون مثالا نموذجيا لمراكز تجمعات ونشاط الجمهوريين ) ؛ قد اوضحت لنا ان الاغلبية العظمى من مؤيدى الفكرة الجمهورية قد كانت تتكون من شريحة المثقفين ؛ ونعنى هنا تحديدا الطلاب ؛ صغار المثقفين ؛ المعلمين ؛ الخ . اى بلغة اخرى ؛ هى شريحة تنتمى الى فئة الافندية السودانية ؛ او لو شئت المصطلحات الطبقية فهى تنتمى الفئات المثقفة والمحدودة الدخل من الطبقة الوسطى السودانية . اننا نلاحظ قلة عدد الجمهوريين وسط جماهير العمال والمزارعين ؛ وربما انعدامهم وسط الرعاة . اننا اذا سلمنا بالصفة التمثيلية للجمهوريين فى مدينة عطبرة ؛ واذا استتثنينا المخضرمين من الجمهوريين ممن تابعوا الحركة منذ بدايتها ؛ ومجموعات الاطفال والايافع الذين انتموا الى الحركة من منطلق التاثير الاسرى ؛ فيمكننا ان نرصد ان الحركة ؛ فى فترة السبعينات والثمانينات على الاقل ؛ قد كانت حركة تضم شرائح المثقفين المدينيين الشباب ؛ والمثقفين من ذوى الاصول الريفية القريبة من المدن ؛ او الذين عاشوا ودرسوا بالمدن ؛ من بنات وابناء وسط وشمال السودان .

    ان هذه الشريحة من الشباب المدينى المثقف قد كانت دائما فى واقع السودان الاكثر ديناميكية وفعالية على مستوى النشاط الفكرى والسياسى ؛ وان كان اتجاه ميولاتها قد انقسم طوال الفترة مدار البحث ما بين التيارات والاتنظيمات اليسارية والسلفية ؛ مع هامش صغير وسطها داعم للاحزاب التقليدية ؛ هذا اذا استثنينا بروز ظاهرة المستقلين وسط تالطلاب فى السبعينات والثمانينات لظروف متعددة ليس هنا مجال ذكرها . فاين هو موقع الاخوان الجمهوريين وسط هذا التقسيم العام ؟

    فى اعتقادى ان الشباب من الجمهوريين ؛ وقد تلقوا قسطا من التعليم الاكاديمى والوعى بما يسمح لهم بتجاوز الاطر الطائفية فى الفكر والؤلاء ؛ فقد ووجهوا باختيار مؤلم ومعادلة صعبة ؛ وهم ينظروا الى الساحة السياسية والفكرية حينها ؛ ما بين التوجه والانضمام الى التنظيمات السلفية والاصولية ؛ وهى التى طرحت لفترة طويلة فكرا جامدا ومسطحا ؛ لا يجيب على الكثير من التساؤلات الاجتماعية ولا يستوعب ضرورات العصر ؛ والتغييرات المختمرة فى احشاؤء المجتمع السودانى ؛( فى تلك المرحلة من تطوره) ؛ وبين التوجه الرايكالى الثورى للتنظيمات اليسارية على اختلاف مشاربها ؛ والتى بتركيزها على قضايا سياسية واجنتماعية جذرية ؛ وبطابعها العلمانى الواضح ؛ لم تكن قادرة على اختراق البنية والخلفية النفسية والفكرية التقليدية لشباب منحدرين من بيئة تقليدية دينية ؛ واغلبهم ذو الرتباطات ريفية ؛ مليئة بالكثير من الافكار والمفاهيم والارث التقليدى والصوفى ؛ الامر الذى يكثر وجوده فى ريف وحضر شمال ووسط السودان .

    بهذا المعنى ؛ فان الفكرة الجمهورية والحركة الجمهورية قد كانت اختيارا نموذجيا وحلا وحيدا ؛ فى غياب وجود حركة ليبرالية وسطية قوية ومستقرة فى الفضاء السياسى ؛ لشرائح من الشباب المتعلم والحساس ؛ ممن لم تكسر بعد حواجزها الاخيرة مع التقليدى ؛ وفى نفس الوقت كفت عن ان تتقبله كاملا . انه اختيار وسطى بجدارة ؛ بين سلفية الاخوان المسلمين والتى قدمت اجترارا مريضا لفكر السلف ؛ وان بواجهات حديثة ؛ وبين راديكالية الحركات اليسارية والثورية ؛ والتى افترضت درجة اكبر واكثر حدة من الانقطاع عن الفكر والخلفية والبينية التقليدية لمجتمع شمال السودان ؛ ودرجة اوضح من الالتزام التنظيمى والسياسى .

    ان الفكر الجمهورى قد كان هو البديل المتاح حينها عن هذه المعادلة الصعبة ؛ حيث كان يهدف الى تطويع الدين مع متغيرات الحياة العصرية ( قدمنا الاسلام فى المستوى العلمى الذى يظفر بحل مشكلات الحياة المعاصرة ) " بيان : هذا او الطوفان" .ان الفكرة الجمهورية ؛ كدعوة دينية تجديدية ؛ مطعمة بعناصر صوفية ؛ وملطفة بعناصر اخلاقية ؛ وكحركة اصلاح اجتماعيى داعية الى طريقة سلمية للتغيير قائمة على تربية الافراد والاصلاح الاجتماعى ؛ وليس عن طريق اجراء تغييرات ثورية مرتبطة غالبا بشكل من اشكال الممارسات العنيفة ؛ (ثورة ؛ انقلاب ؛ مصادمات مسلحة ) ؛ كما كان الامر فى كل من ايديولوجية الاخوان المسلمين واليساريين ؛ قد كانت تشكل الملجا الوحيد لهذه الفئة الوسطية المتارجحة ما بين الارث التقليدى المتراكم وطموح الحداثة وتياراتها الجارفة .

    اننا نزعم انه فى طبيعة الخلفيات التقليدية للشرائح المتعلمة السودانية ؛ وابوية وسلمية التكوينات الاجتماعية فى شمال السودان ؛ وطابع التعليم الذى تتعايش فيه المتناقضات من المفاهيم العلمية والخرافات الشعبية ومؤثرات الفكر الدينى ؛ تكمن الاسباب التى تحفز على قيام حركة مثل حركة الاخوان الجمهوريين ؛ وعلى انضمام الفئات المذكورة الى صفوفها ؛ رغما عن كل الحديث الصفوى عن الذكاء والاذكياء فى فهم الاسلام والعصر ؛ والذى كان يبرر به الجمهوريون اختياراتهم الفكرية والسياسية .

                  

01-13-2003, 05:27 PM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حركة الجمهوريين فى السودان -جزء 1 من 2 (Re: Abdel Aati)

    اشكال النشاط والدعوة

    الطابع السلمى والاتصال الفردى :



    لقد تميز نشاط الاخوان الجهوريين بتفرد مميز ؛ طوال سنوات نشاطهم ؛عن بقية تيارات الحركة الفكرية والسياسية فى السودان ؛ فى مجال الدعوة والتنظيم ؛ مما يمكن اجمالها فى التالى :

    · انعدام النشاط المعارض او التصادم مع السلطات .

    · الطابع السلمى للنشاط والدعوة .

    · الاتصال الفردى والمخاطبة الشخصية فى كسب التاييد .

    ان الخاصية الاولى ؛ ورغم النشاط المصادم للجمهوريين ؛ والاستاذ محمود شخصيا ؛ ضد الحكم الاستعمارى ؛ وضد نظام مايو بعد قوانين سبتمبر ؛ الا انها تبدو لنا واضحة خلال موقفهم من نظامى الفريق ابراهيم عبود 1958-1964 ؛ ومن نظام جعفر نميرى 1969-1983 ؛ حيث انعدم نشاطهم المعارض طوال سنوات حكم الفريق عبود ؛ رغم المضايقات التى كانوا يتعرضوا لها ؛ ضمن بقية مكونات القوى الفكرية والسياسية ؛ ومجمل قطاعات الشعب السودانى . بل ان الاستاذ محمود قد وجه الى الفريق عبود رسالة ينصحه فيها بتطبيق افكار الجمهوريين ؛ وتبنى مقترحاتهم الدستورية فى بداية عهده ؛ الامر الذى واجهه الفريق عبود بالتجاهل التام .

    ان هذا الموقف السلبى ؛ اى انعدام النشاط المعارض ؛ قد تحول ايجابيا بعد مايو ؛ حيث دعم الجمهوريون النظام ؛ واعلنوا ذلك فى نشراتهم ومواقفهم ؛ رغم الاختلافات الفكرية بينهما ؛ الا انهم عدوا النظام خيرا من تحالف الطائفية والاصولية ؛ واعتبروه مرحلة انتقالية لكيما يتاهل الشعب بالتربية لاستشراف الحرية والنظام الاسلامى الصالح .

    ان انعدام النشاط المعارض هذا ؛ قد يكون جزءا من مفهوم " التقية " الممارس من قبل الكثير من الحركات الاسلامية والصوفية السابقة ؛ لحقن الدماء وحفظ المال والبدن . وربما كان لدواع تكتيكية ؛ تتمثل فى الاستفادة من تسامح السلطة للنشاط الاعلامى والدعوى . الا ان الباعث الاساسى يكمن فى نظرى فى طبيعة فكرهم الاصلاحى والسلمى ؛ وفى انعدام الافق السياسى الجذرى فى حركتهم ؛ وفى الطابع الصفوى لها ؛ والذى يركز على تربية الافراد اكثر مما يركز على استنهاض الجمهور والثورة .وعموما فان لنا عودة فى فقرة قادمة لهذه الثيمة .

    اما الخاصية السلمية فى نشاط الجمهوريين الواضحة ؛ وموقفهم فى عدم الرد لمواجهة القوى السلفية (الاخوان المسلمين وانصار السسنة تحديدا) ؛ وفى مواجهة العنف البدنى واللفظى تجاههم فى العديد من المحافل والمواقع ؛ فقد وصلت الى مراحل متطرفة . فكم من اعتداءات تمت تجاههم فى الجامعات والمدارس بل وحتى فى الشوارع ؛ تعرض فيهم كوادرهم للضرب والتجريح ؛ دون ان تحرك فيهم ساكنا . بل ان الاستاذ محمود نفسه لم يسلم من هذا العنف فى مناسبات مختلفة ؛ والذى كانت قمته فى اغتياله الدامى بيد السفاح نميرى . ان موت محمود بالطريقة التى تم بها ؛و التسليم او الاستسلام الذى واجهت به حركتهم هذه المحنة ؛ يدل على نوع متطرف من الروح السلمية وانعدام روح المصادمة فى بنيتهم .

    هذا الطابع السلمى ؛ قد يجد جذوره فى طبيعة الفكر الصوفى نفسه ؛ وهو فى رأينا نبع اساسى ومرجع فكرى ومسلكى رئيسى للاستاذ والجمهوريين . ففى مسلك اقطاب الصوفية الذين ووجهوا بالمحن ؛ وتميزوا بروح عالية من المسالة ؛ يكمن قدر كبير من التسامح الفكرى والسياسى . هذا التسامح والروح السلمية ؛ تسنده صفوية الفكر والفعل الصوفى نفسه ؛ اضافة الى معرفة الصوفيين ( ومن بعدهم الجمهوريين ) ؛ بتفرد طريقهم وغرابته للعامة واهل الشريعة ؛ حيث جاء فى الاثر الصوفى ( لا يبلغ احد درج الحقيقة ؛ حتى يشهد فيه الف صديق ؛ بانه زنديق " الجنيد") .وفى نفس الاتجاه كان الجمهوريون يكرروا الحديث النبوى ( جاء الدين غريبا ؛ وسيعود غريبا ؛ فطوبى للغرباء ..) . اضف الى ذلك تسليم مطلق لله ؛ وفق فهم راسخ بان كل ما فى الكون ؛ وفى حياة الانسان ؛ انما يجرى بمسيرته ؛ ولذلك فقد كان مقتل مختلف الصوفيين ؛ مربوط بنوع من الاستسلام اللامبالى بالمصير ؛ وانعدام اى نوع من المقاومة تجاه الجلادين ؛ واستشهاد محمود فى ذلك لا يشكل استثناء.

    غير هذه المصادجر المرجعية ؛ فاننا نرجح مصدرا آخر يمكن ان يكون له تاثيره فى تكوين الروح السلمية عند الاستاذ والجمهوريين ؛ وهو ظاهرة المقاومة السلمية لغاندى ( satia grasha ) فى فترة نهاية الثلاثينات والاربعينات ؛ وهى فترة التكون النفسى والسياسى والفكرى لمحمود . ان هذا الاستناج غير مستبعد ؛ اذا ما علمنا بان منهج غاندى السلمى ؛ قد تجاوز حدود الهند ؛ الى العديد من المجتمعات الشرقية والغربية . لقد اثرت تكتيكات غاندى لفترة طويلة على النهج السلمى لحزب المؤتمر الوطنى الافريقى فى جنوب افريقيا ؛ وهى البلد التى عاش ونشط فيها غاندى لفترة من الزمن ؛ كما امتد الى المنهج السلمى لمارتن لوثر كنج ؛ والتيار الذى قاده فى حركة الحقوق المدنية لزنوج امريكا . اننا لا نبالغ بالقول ان هذا المنهج قد اثر حتى على بعض القوى اليسارية الماركسية ؛وهى التى لا تستبعد العنف فى العمل السياسى ؛ وترى فيه مرات قابلة التاريخ (ماركس) . ان محمد ابراهيم نقد قد اشار الى ان احد جذور فكرة الاضراب السياسى ؛ ترجع لممارسات وتكتيكات غاندى فى افريقيا وفى نضاله من اجل التحرر الوطنى فى الهند ؛ وقد تم من بعد تبنى الاضراب السياسى العام ؛ وهو اسلوب سلمى فى مجمله ؛ فى ارث واستراتيجية اليسار السودانى ؛ كاداة اساسية اللنضال والتغيير ( من ندوة لمحمد ابراهيم نقد ؛ جامعة القاهرة فرع الخرطوم ؛ اكتوبر 1985).

    اننا ورغما عن عدم توفر دلائل اكيدة على وجود هذا التاثير الغاندوى ؛ الا انه محتمل جدا فى نظرنا ؛ بطبيعة التكوين الفكرى والنفسى لمحمود ؛ واتباعه من الجمهوريين ؛ وتقارب الجذور الفلسفية للفكر الهندى الذى استقى منه غاندى ؛ مع الاصول الفكرية والمرجعية الصوفية التى استند عليها محمود . اننا نزعم هنا ان فى حياة الرجلين تشابهات اعمق ؛ ليس هنا مجال دراستها ؛ ولذلك فاننا لا نراها مجرد بلاغة لفظية ؛ حينما وصفت صحيفة اللوموند الفرنسية محمود بعد بموته ؛ بانه "غاندى افريقيا" .

    خاصية اخرى فى نشاط الجمهوريين ؛ وهى اتصالهم الفردى والمباشر مع الجمهور ؛ عن طريق جماعاتهم الصغيرة التى توزع وتبيع مطبوعاتهم فى الاسواق والشوارع والبيوت ؛ فى ممارسة قريبة لنشاط "شهود يهوة" فى امريكا واوروبا ؛ وكذلك عن طريق المخاطبة المباشرة ؛ عن طريق اركان النقاش التى كانوا يقيموها فى امكن التجمعات العامة ؛ والتى اسموها "بمنابر الحوار ". واخيرا عن طريق المؤسسة المسماة ببيت الجمهوريين ؛ والذى كان يتبع لهم فى كل مدينة لهم بها بعض الوجود . ان هذا الاتصال المباشر قد كانت فيه محاولة للاتصال مع الشعب عن طريق اللسان ؛ وهو الطريق الاكثر قربا من المواطن ؛ اضافة الى سيطرة الحكومة على وسائل الاعلام العامة ؛ وقد كان هذا الاتصال ميسورا لهم ؛ حيثما لم يكونوا واقعين تحت ضغوط العمل السرى ؛ والتى وقعت فيها التنظيمات السياسية المعارضة ؛ من اطراف اليسار واليمين .اما مؤسسة بيت الجمهوريين ؛ فقد كانت محاولة عصرية ؛ لبناء المسيد او المثابة ؛ التى تمارس فيها واجبات دينية (الصلاة والذكر ) اضافة الى الواجبات التنظيمية (الاجتماعات وحلقات الشرح والندوات للاعضاء الجدد وتنسيق النشاط ) ؛ والواجبات الاجتماعية وهى ربط الاخوان اجتماعيا ؛ واسكان من لا سكم لهم بالبيت . وقد كان منزل الاستاذ نفسه بامدرمان ؛ بمثابة البيت الرئيسى للجمهوريين ؛ والمركز العام لحركتهم ونشاطهم ؛ والرمز الذى اليه يرجعون .

    اننا نلاحظ هنا ان الجمهوريين ورغم نشاطهم الفكرى والدعائى الكثيف ؛ فى ظروف سودان السبعينات واوائل الثمانينات ؛ ورغم امكانيات العمل العلنى المتيسرة لهم ؛ لم يفلحوا فى خلق تنظيم جماهيرى ذو نفوذ ؛يمتد الى طبقات وشرائح اجتماعية متعددة وواسعة . ان احد الشهادات تقول ان عدد الجمهوريين فى لحظة وفاة الاستاذ ؛ لم يتجاوز الالف عضو ؛ بما فيهم الاطفال والايافع ! اننا نرجع هذا الى طبيعة تنظيمهم الصفوية ؛ والى غرابة طرحهم الفكرى ؛ وعدم قدرتهم على تبسيطه وشرحه للمواطن البسيط . وقد يرجع ايضا الى الدعاية الضادة من قبل القوى السلفية والتقليدية ؛ والتى كانت تنظر لهم ككفار ومرتدين . وقد يرجع ضعف وجودهم فى الريف ؛ لموقفهم العدائى الواضح من المؤسسات الطائفية . كما ان من الاسباب المحتملة لضمورهم دفاعهم المستمر عن نظام مايو اليكتاتورى ؛ على الاقل حتى منتصف 1983 ؛ وهو نظام مكروه حتى النخاع من المواطن البسيط ؛ ويفتقد الى اى سند شعبى حقيقى ؛ وخصوصا وسط فئات العمال والمثقفين . وقد تكون كل هذا الاسباب مجتمعة ؛ وكون فكرهم قائم على اساس الطريق الفردى للتربية والتجويد والوصول ؛ وتناقض ذلك مع الشكل الجماعى للنشاط والدعاية والتنظيم ؛ كما يتبدى فى شكل المنظمات الجماهيرية ؛ذات التاييد الشعبى الواسع .
                  

01-14-2003, 03:11 PM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حوار مع الاستاذ عمر القراى (Re: Abdel Aati)

    خطوات فى طريق الحقيقة
    حوار مع الاستاذ عمر القراى





    اهتم الاستاذ عمر القراى ؛ بالحوار مع شخصى الضعيف ؛ وافرد من وقته وجهده ؛ ما سمح له بتسطير مقاله:" قراءة نقدية لتأملات أفق المعرفة والشهادة" ؛ فى محاورة لما كتبته عن سيرة وحياة واستشهاد الاستاذ محمود محمد طه ؛ زعيم الاخوان الجمهوريين ومؤسس الفكرة الجمهورية ؛ فى مقالى الراجع للعام 1999 ؛ والمعنون : " تاملات فى افق المعرفة والشهادة – حول حياة واستشهاد محمود محمد طه ".



    والاستاذ عمر القراى فوق التزامه بالفكر الجمهورى ؛ ومعرفته الثرة به وبكتابات الاستاذ محمود محمد طه ؛ فهو كاتب وباحث فى التراث وقضايا الحاضر ؛ وهو من اعلام التيار الاسلامى التجديدى ؛ وتغدو مساهماته حول المراة والاسلام ؛ والجهاد وحرية الاجتهاد ؛ وغيرها مساهمات قيمة فى اضابير المكتبة السودانية والفكر السياسى السودانى .



    واذ كانت الكتابة الحالية لا تطمح الى حوار تفصيلى عميق ؛ مع اطروحات الاستاذ القراى ؛ فانها تحاول تصحيح بعض المعلومات ؛ وتوضيح منهجى فى البحث ؛ السير بعض خطوات فى درب الحقيقة ؛ والتى اعتقد انها ضالتنا المشتركة ؛ اعنى الاستاذ عمر القراى وشخصى الضعيف.



    يكتب الاستاذ عمر :



    كنت قد إطلعت قبل سنوات ، على مقال كتبه الاستاذ عادل عبد العاطي بعنوان ( تاملات في أفق المعرفة والشهادة حول حياة واستشهاد محمود محمد طه ) ، ولما كان المقال يعتمد في اثبات فكرته الاساسية ، على تصورات مسبقة ، ومعلومات سماعية ، واشاعات لا حظ لها من الصحة ، فقد تحدثت في ذلك الوقت عام - 1999 مع كاتب المقال ، وأوضحت له ذلك فوعد بالمراجعة ، وكنت اتوقع ان أرى المقال بصورة جديدة ، خاصة وان كاتب المقال جم النشاط في الحركة الفكرية والسياسية ، وكان يمكنه التحري من المعلومات وتصحيحها ..



    والحقيقة ان بعض ما كتبه الاستاذ عمر صحيح ؛ فقد ارسلت له فى ذلك العام نسخة من مقالى ؛ حال فراغى من كتابته ؛ كما ارسلت نسخة الى العديد من المهتمين ؛ وقد كان الاستاذ عمر مبادرا فى الرد وتقديم بعض المعلومات ؛ وابداء الراى فى منهجية المقال . وقد سعدت برده واستاذنته فى نشر رده على الملا ؛ فاذن لى وقمت فى حينها بنشر الرد على قائمة السودان الجديد للحوار والتراسل NSMDL ؛ فليرجع اليه من يود الاطلاع علية فى ارشيف هذه القائمة .

    الا ان رد الاستاذ عمر ؛ قد كان فى نقطة واحدة يتعلق بمعلومة ؛ كان قد تحصل لى من قبل نقيضها ؛ وفى نقطة اخرى يتعلق بالمنهجية ؛ وقد اوضحت له اختلافى معه فيها . وفى هذا وذاك ؛ لم اجد فى رد الاستاذ عمر حينها من المسوغات ؛ ما يجعله يفترض ان مقالى قائم على تصورات مسبقة ، ومعلومات سماعية ، واشاعات لا حظ لها من الصحة ؛ وغيرها من الاحكام التى تفضل بذكرها فى المقدمة ؛ فوصل الى حسم الحوار قبل ان يبدأه .



    ويواصل الاستاذ عمر فيقول :

    وحين تجنب المقال مؤلفات الاستاذ محمود ، وحاد عن أفق المعرفة التي أدعى انه سيناقشها ، ركن الى سماع الشائعات ، والأقاويل التي أشاعها خصوم الفكرة ، واصدقاؤها ، ومن ذلك مثلاً قوله( مما لا ريب فيه ان محمود قد أوصى تلاميذه بتجنب الموت ومسايرة السلطة ، حتى ولو وفق مبدأ التقية)!! ولقد سبق أن أوضحت له بان ذلك لم يحدث ، ووعدني ان يبحث عن صحة هذه المعلومة ، ويغير مقاله وفقها .. فلماذا ظهر البيان بنفس المعلومة المغلوطة ، والتحليل الذي أعتمد عليها ؟ الجواب قريب : وهو ان الكاتب قد بنى مقاله ، على ان الاستاذ محمود صوفي ، وأنه كان يرغب في الموت ، ولذلك لم يرد لاصحابه ان يموتوا فأوصاهم بالتنازل ، والتراجع عن الحركة ..



    واعود واؤكد مرة اخرى صحة ما ذكر عن حوارى مع الاستاذ عمر ؛ الا انى اصححه فاقول بانى ؛ حين لم يتح لى الوقت لتصحيح المقال ؛ فقد اوردت المعلومة التى ذكرها لى فى هوامش المقال ؛ ونشرت المقال بهامشه ذاك على موقعى بالانترنت ؛ واعاد نشره آخرون مع نفس الهامش ؛ وفى هذا الهامش الذى كتبته مباشرة بعد حوارى مع الاستاذ عمر ؛ اوردت التالى:



    فى حوار لاحق لى بعد كتابة هذا المقال ؛ مع الاستاذ عمر القراى ؛ اوضح لى وجهة نظره بان معلوماتى بهذا الصدد خاطئه ؛ حيث لم يطلب الاستاذ محمود من اتباعه حينها التراجع عن افكارهم بل طلب منهم على العكس التمسك بها وتقديم التضحية ؛ وقال القراى انهم ببساطة عجزوا عن ذلك ..واذا كان الامر كما ذكر الاستاذ القراى ؛ فان معظم الجزء الاخير من المقال الحالى يحتاج الى اعادة صياغه ؛ الامر الذى سنقوم به –فى اطار مناقشة فرضية استاذ القراى - فى مكان آخر . ما يهمنا ههنا انه حتى ولو صدقت معلومة الاستاذ القراى ؛ فمواجهة محمود للموت وحده وانشراحه فى مواجهته تثبت قسطا كبيرا من تحليلاتنا .



    والشاهد هنا انى ذكرت معلومة الاستاذ القراى بحذافيرها ؛ وزعمت بانها لو صحت ؛ فهى ستغير الجزء الاخير من المقال ؛ ووعدت بالرجوع اليها فى مكان آخر . لكنى اكدت ايضا ؛ بان صحة المعلومة لن تغير الكثير من فرضيات المقال ؛ كونها فرضيات عامة ؛ تعتمد على قراءتى لمواقف الاستاذ محمود ؛ وعلى العبرة من سيرة حياته . وافيد الان بان هذه المعلومة كما ذكرها استاذ القراى لم تغير من رؤيتى العامة ؛ وانما من تفاصيلها ؛ ولا ازال اتمسك بالكثير من وجهة نظرى التى وردت فى ذلك المقال.



    يقرر الاستاذ عمر القراى :

    لم يتعرض المقال في صورته التي ظهرت عام 1999 أو صورته الحالية ، لجوهر الفكرة الجمهورية ، وانما أكتفى باصرار الكاتب على أن الأستاذ محمود صوفي ، وان الصوفيه لا يتدخلون في السياسة، ولا ينشئون التنظيمات ، وان موقف الاستاذ محمود يتناقض مع خلفيته الفكرية ، وهذا في نظر الكاتب ما أدى الى مأساة الاستاذ محمود ، وايقاف حركته بعد ذهابه.. وكل ذلك تقرير خاطئ ، كما سنوضح ، ومع ذلك بنى عليه الكاتب مقاله . .



    ان فى تلخيص الاستاذ القراى لجوهر المقال فيما اعتقد ؛ تبسيط مخل ؛ فقد تناولت فيه العديد من المحاور ؛ عدلا صوفية محمود . كما ان المقال قد كتب عن الاستاذ محمود كشخص ؛ وليس عن الفكرة الجمهورية فى عمومها؛ وقد كان فى مجمله مجرد تاملات فى افاق المعرفة والشهادة التى اجترحها ؛ وكان عنوانه الثانى ؛ حول حياة واستشهاد الاستاذ محمود محمد طه . وهذا ان دل على شى ؛ فانما يدل على ان غرضنا لم يكن هو دراسة الفكرة الجمهورية بتفاصيلها ؛ او سرد سيرة الاستاذ من ناحية تاريخية . وانما كتب المقال استقبالا للذكرى ال15 لاستشهاد الاستاذ محمود ؛ وكان بمثابة وردة وددت لو اضعها على ضريحه ؛ ومحاولة للوصول الى الحكمة من التجربة ؛ والتى قال عنها الاستاذ محمود ؛ بان التجربة التى لا تورث حكمة ؛ تكررنفسها .
                  

01-14-2003, 03:12 PM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار مع الاستاذ عمر القراى (Re: Abdel Aati)

    ويواصل الاستاذ القراى فيقول :

    أدان المقال الجمهوريين بسبب عدم نقدهم لآراء الاستاذ محمود فقال ( إلا ان الظلم الحقيقي يتبدى في فشل معظم اتباعه ومؤيديه عن ان ينظروا بعين النقد والتحليل لنتاج فكره ونشاطه ومنهجه ..) والحق ان هذا واجب غيرهم من المثقفين ، لان الجمهوريين مؤمنين بصحة ، وصلاحية ، وواقعية أفكار الاستاذ محمود ، وهو يسعون لمعيشتها ، ويدعو بعضهم لاشاعتها وسط الناس .. فاذا كانت الفكرة الجمهورية تحتاج الى نقد ، فان المناقشة الموضوعية تتوقع من المثقفين ، ولقد كنت اود لو استطاع الاستاذ عادل ، القيام بهذا الدور ، ليضع ايدينا على الخطأ في صلب الفكرة ، بدلاً من مطالبتنا نحن ، بادانة الحق الذي لا مراء فيه .. أم لعل الاخ عادل يظن انه قد قام بهذا الدور ، بكتابته لهذا المقال الذي بين ايدينا؟!



    ورغم ان الاستاذ عمر يبدا فى صدر مقاله من التبرير ؛ والقاء المسؤولية على الاخرين ؛ الا انه فى متن مقاله ياتى للموافقة على بعض ارائى ؛ ويكيل من النقد للجمهوريين ؛ ما لامسته انا مجرد ملامسه ؛ ولا اعتقد انى فى تقييمى للجمهوريين ؛ ولردة فعلهم بعد مقتل الاستاذ ؛ قد اختلفت كثيرا عن اراء الاستاذ عمر عن رفاق دربه ؛ وحالة الانكفاء والنكوص التى ركبتهم ؛ ولا تزال تتلبس الكثير منهم . .



    كمالا ازعم انا ان مقالى ذاك المتواضع ؛ قد قام بمهمة النقد والتحليل للفكر الجمهورى ؛ وذلك بسبب ظروفه التى قام فيها ؛ ولامكانياتى المتواضعة فى هذا الصدد ؛ ولاسباب اخرى . الا انى قد حاولت مقاربة هذه المهمة ؛ حين كتبت مقالا بعنوان :"الاخوان الجمهوريين تحت منظار النقد والتاريخ 1945-1985 "؛ والذى قمت بنشر الجزء الاول منه على الشبكة العالمية ؛ وببعض الصحف . وقد تفضل الاخوان ياسر الشريف وعمر عبدالله بالرد على بعض اطروحات هذا المقال ؛ وتصحيح بعض المعلومات . ورغم انى قد اخذت بعين الاعتبار تصحيحاتهما فيما يتعلق بالاحداث ؛ الا انى احتفظت برايى كما هو فيما يتعلق بالتحليل ؛ والذى يعتمد على منهجى ونظرتى ؛ وليس منهج الجمهوريين او نظرتهم .



    وفى الرد على كل من المقالين ؛ عن محمود والجمهوريين ؛ والذين حرصت على ارسال نسخ منهما الى بعض الجمهوريين للاستئناس بارائهم ؛ فقد كانت بعض التعليقات حادة جافة ؛ فى اسلوب لم اعهده من الجمهوريين ؛ وكنت اتمنى لو كان الاحترام مشتركا ؛ والنظر بعين العطف الى الاجتهاد مبذولا ؛ حتى ولو ارتكب صاحبه الاخطاء ؛ طالما كان مبغاه الحقيقة وحاول ان يلتزم فيه بقواعد البحث والمراجع المتوفرة .



    يقول الاستاذ عمر :

    أورد المقال شذرات من بعض أراء الصوفية دون أن يناقشها ، وكأن خطأها أمراً مفروغاً منه ، ولقد كانت العلمية تقتضي ان يورد دفعهم عنها ، وشرحهم لها ، حتى لا يظن القراء ان أصحابها أوردوها بهذه الصورة المبتورة ، ودون حجة من صريح النصوص ..



    وفى الحقيقة فقد دهشت لهذه الفقرة . فحين اوردت شذرات من اقوال الصوفية ؛ فلم اشر تلميحا او تصريحا بانها خطا ؛ ولم افترض الخطا فيها . وانما اعتمدت علييها كنصوص تفسر رؤيتى لماساة محمود ؛ وذلك مثل قول الجنيد " لا يبلغ أحد درج الحقيقة ؛ حتى يشهد فيه ألف صديق ؛ بأنه زنديق" ؛ وفى متن النص اوردت اقوال لبعض الصوفية ؛ وذلك لمقاربة الاتفاق والاختلاف بينها وبين اطرحات الاستاذ محمود ؛ ولم يكن موقفى منها فى كل ذلك موقف الحكم ؛ ناهيك ان افترض خطأها او ادفع القارى الى هذه النتيجة ؛ والتى لم تطرا على بالى ؛ ولا ادرى تحت اى ظرف توصل اليها الاستاذ القراى .



    بعد هذه المقدمة ؛ حاور الاستاذ عمر اطروحاتى فى ثلاثة محاور رئيسية ؛ وهى صوفية الاستاذ محمود ؛ وتقييم الجمهورين ما لهم وما عليهم ؛ وبؤس النقد اليسارى للفكر الجمهورى ؛ وفى هذا الصدد فانى اعلق ببضع جمل عامة ؛ دون الدخول فى التفاصيل .



    اما حول صوفية الاستاذ محمود ؛ فقد اورد الاستاذ عمر ما يراه من طريق الصوفية ؛ ومن مقاربتها لسنة الرسول ؛ ومن تقدير الاستاذ محمود للصوفيين . وهو فى كل هذا وذاك لم ينقض ما رايناه من تماهى الفكر الصوفى مع الفكر الجمهورى ؛ وقد راينا نحن ان منهج الاستاذ محمود ؛ حين يتقارب مع الصوفية ؛ الا انه ايضا يتقاطع معها ؛ فكتبنت :

    أن محمود في فكره ؛ يتماهى مع الحلاج والسهروردى وابن عربي ؛ وان كان في صورة سودانية معصرنة ؛أي بالشكل الذي فرضه واقع الزمان والمكان الجديدين

    إن محمود بتنظيمه للحزب الجمهوري ؛ ومن بعد للإخوان الجمهوريين ؛ قد خالف طريق الصوفية الفردي ؛ فإذا كانت العلاقة بين الصوفي والمريد ؛ بين الشيخ والحوار ؛ بين القطب والسالك ؛ هي علاقة فردية قائمة على الاتصال الشخصي والتأثير المباشر ؛فان محمود حاول بناءها عن طريق تنظيم ؛ رابطة ؛ جماعة ؛ تغير اسمها من الحزب إلى الإخوان ؛ إلا إنها احتفظت دائما بصورتها كتنظيم له أفكاره الفلسفية والاجتماعية وله نشاطه السياسي .[iv]

    ومن الطبيعي أن نمو الأحزاب السياسية والنقابات ومعركة الاستقلال ؛ وهى الأحداث التي عاصرها محمود ؛ ووجود ونشاط التنظيمات الدينية القديمة والجديدة ؛ في شكل طرائق دينية أو طرق صوفية أو حركات سلفية ؛ قد فرضت على أي مفكر جاد الانخراط في درجة من درجات العمل التنظيمي والفعل الاجتماعي والسياسي ؛

    إن محمود في سعيه لنشر فكره ؛ قد كان مواجه بمشكلة الأداة ؛ وقد اختارها بان يطرح كل أفكاره أو جلها في كتبه وإصداراته ؛ حتى يتصل بها مع تلاميذه ومؤيديه ؛ لكنه بهذا طرحها أمام الجميع ؛ فعرضها بذلك لسوء الفهم –أو سوء النية – المعشعشة في البيئة السلفية ؛ التي حاصرت بها المؤسسات الدينية الرسمية المسلم العادي في وسط وشمال السودان لعشرات السنين.



    انى وان ان زعمت مماهاة سيرة الاستاذ للسهروردى والحلاج ؛ بنهايتهما الماساوية ؛ الا اننا رايت ان قتل كل منهم قد كان لاسباب سياسية ؛ حيث كتبت :



    وفى الحقيقة فهناك تشابهات مذهلة ما بين شخصية محمود ومصيره وشخصية الحلاج ومنتهاه – يذكر هادى العلوي أن الحلاج قد قتل لتأسيسه تنظيما سريا لمعارضة السلطة ؛ وليس لشطحاته الصوفية – ومحمود رغم انه لم يذهب إلى مرحلة الحلاج ؛ من معارضة السلطة منذ البدء أو تصريحات الانجذاب ؛الا انه قد قتل حتما لاسباب سياسية.



    ان هذا الذى ذكرت ؛ يقف فى تناقض واضح مع النتيجة التى توصل اليها الاستاذ عمر القراى ؛ حيث يكتب :

    . ولعل غاية ما يرمي اليه الاخ عادل ، هو ان يؤكد ان الفكرة الجمهورية ، ليست فكرة سياسية قادرة على تغيير المجتمع..



    ويمضى الاستاذ عمر ؛ فى تحليل طويل لسلوك الاستاذ محمود السياسى ؛ ليصل لاثبات التناقض والاضطراب فى تحليلاتنا ؛ الذى اشار اليه فى البدء ؛ حين قال :

    اتسم المقال بالاضطراب ، فتأرجح بين الثناء على موقف الاستاذ تارة ، وبين أدانته تارة أخرى ، فهو مرة يقول ( قد رفض محمود التعامل معها (المحكمة) وهذا وان كان بتقدير سياسي يحسب في دائرة الخطأ ...) ومرة أخرى يقول (ان محمود بهذا النص القصير ( امام المحكمة) قد سجل تقدماً في الفهم السياسي لطبيعة النظام القائم ) !!



    وانى ازعم بن لا تناقض ولا اضطراب ؛ فموقف محمود الكلى بعدم التعامل مع المحكمة احسبه فى دائرة الخطا السياسى ؛ حيث كان يجب اتخاذ موقف اكثر ايجابية من مجرد المقاطعة . وفى هذا لا ادعو انا الى الانكسار للقانون الظالم وقضاة السوء ؛ كما فعل الاب فيليب عباس غبوش ؛ وانما الى مقارعة الجلادين ؛ وهزيمتهم حتى فى المحاكم؛ والاستفادة من التحركات الشعبية ؛ والتى حصرها الجمهوريون فى انفسهم ؛ بمسيراتهم السلمية . ورفضوا التنسيق مع الاخرين ؛ لبناء جبهة مقاومة لمحاكمة الاستاذ ؛ ولتسيير المظاهرات ضدها – وهذا ما حدث فى عطبرة مثلا – وفى كل هذا فقد ضيعوا فرصا للعمل المعارض لا تعوض .



    اما تقييمى العالى لمقولة الاستاذ امام المحكمة ؛ وهى تفصيل خرج به عن عموم رفض التعامل ؛ فينبع من تسجيلها لتطور موقف محود ووصوله الى قناعات راسخة مع الديمقراطية والتعددية وكرامة الانسان ؛ ومقاربته للفكرة العلمانية ؛ وقطعه لاخر الخطوط مع النظام المايوى ؛ والذى وقف معه الجمهوريين فى كل تقلباته حتى العانم 1983 .



    وانى اذ احيى الاستاذ عمر فى ايصاله لنا المعلومات عن تطور حركة الجمهوريين بعد مقتل الاستاذ ؛ ونقده لبعض المواقف والاراء والسلوكيات ؛ من موقعه هو كجمهورى ؛ فانى لا ازال احتفظ بارائى التى سطرتها فى ذلك المقال ؛ واضيف اليها فى تقييم الجمهوريين ما كتبته عنهم تحت منظار النقد والتاريخ ؛ وهو مقال اعد بنشر الجزء الثانى منه قريبا بالشبكة العالمية .
                  

01-14-2003, 03:13 PM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حوار مع الاستاذ عمر القراى (Re: Abdel Aati)

    وتبقى نقطة اخيرة ؛ وهى متعلقة ببؤس النقد اليسارى ؛ والذى احسب ان الاستاذ عمر يضمنى اليه ؛ حيث كتب فى متن مقاله :



    . ولعل غاية ما يرمي اليه الاخ عادل ، هو ان يؤكد ان الفكرة الجمهورية ، ليست فكرة سياسية قادرة على تغيير المجتمع ، وهو ليصل الى هذا التقرير المريح ، لكافة الحركات العلمانية ، واليسارية بصورة خاصة ، حاول جهده ، ان يركز على ان الاستاذ رجل صوفي ، وليس رجل سياسة ..



    اننى حين بدات كتابة المقال مثار الحوار ؛ لم ارم كما ذكرت الى تقييم الفكرة الجمهورية فى مجملها ؛ او الاخوان الجمهوريين ؛ وانما حاولت ان استشف كنه هذه الشخصية العظيمة المعقدة فى آن ؛ وان اصل الى محركها الاول فى سلم القيم . ولم انف ان لمحمود وجهه السياسى ؛ وان رايت ان وجهه المعرفى – الصوفى –السلوكى اهم كثيرا من وجهه السياسى – الاجتماعى .



    واعود هنا واكرر بانى اذا نظرت للاستاذ محمود كقمة من قمم الفكر والمواقف والانسانية فى مجتمعنا السودانى ؛ فاننى انظر الى جماعة الخوان الجمهوريين كجماعة تضائلت كثيرا عن ان تلحق بخطاها ؛ سيرة مؤسسها العظيم . ويكون تقييمى النهائى لها سلبيا ؛ وهى ابعد عندى ما تكون ؛ بصورتها السابقة والراهنة ؛ عن تقديم اجابات واقعية وشافية لحاجيات المجتمع السودانى ؛ وبعيدة كل البعد عن التقدمية التى يراها فيها بعض اتباعها او المتعاطفين معها .



    الا ان موقفى هذا لا ينبع من حسابات سياسية ؛ فقد كنت من المعارضين لاصدقائى اليساريين الذين راوا فى هذه الحركة فى فترة ما ترياقا ضد الحركة الاصولية ؛ وان فكرها يمكن ان يشكل ايديولوجية للتجديد الدينى فى السودان . ودعوت ولا زلت ادعو الى ان يحدد الجمهوريين والليبراليين واليساريين اراؤهم واضحة فى القضايا المفصلية للمجتمع السودانى ؛ من قضايا الهوية الثقافية والتعددية ودولة القانون والعدالة الاجتماعية وحقوق المراة والشباب والقوميات المهمشة . كما دعوت اكثر من مرة لان يعمل الجميع اداة النقد والمراجعة لكل ارثهم الفكرى والسياسى والتنظيمى ؛ وذلك لتجديد الحياة الفكرية والسياسية فى السودان ؛ وبذلت جهدى فى محاورة التيارات الرئيسية للفكر السودانى ؛ حسب ما اتاحته لى معرفتى المتواضعة ؛ وفى هذا الاطار كان اهتمامى بالفكر الجمهورى وكانت كتابتى لهذا المقال .



    الا ان الانسان يظل دائما حبيس تجاربه ومحيطه وقراءاته وخياراته فى الحياة ؛ وفى ذلك فقد كتبت الى صديقة شابة ؛ من المتاثرات بالفكر الجمهورى ؛ حين ناقشتنى حول نفس المقال ؛ فقلت :



    "اما عن ما ناقشتيه عما ورد من آراء فى مقالى عن الاستاذ محمود ؛ فلك الشكر على كلماتك اللطيفة ؛ والتى تشعرنى بان هناك صدا لما اكتبه وافكر فيه ؛ وفى الحقيقة فرغم تعميمى لهذا المقال فى الانترنت ؛ وطلبى من العديد من الاصدقاء والمهتمين ابداء رايهم فيه ؛ فقد جائنى الرد من بعض الاصدقاء فى بولندا - حيث اقيم – ومن الاستاذ عمر القراى ؛ والذى قدم رده لى معلومات مهمة ؛ ساضمنها فى اى محاولة قادمة لاعادة كتابة هذا المقال وتعميمه على نطاق اوسع ؛ وفيما عدا ذلك فقد فضل الكثيرون الصمت الدفين ؛ فشكرا على الاهتمام .



    وفى الحقيقة فان اهتمامى بالفكر الجمهورية ودور الاستاذ قديم ؛ حيث كنت طوال فترة المدرسة المتوسطة على علاقة قريبة بالجمهوريين فى عطبرة ؛ والتهمت حينها معظم كتابات الاستاذ ومطبوعات الجمهوريين . وقد كدت قريبا من الانضمام لهم ؛ الا ان ما منعنى حينها ما كان من موقفهم المؤيد للنظام – قبل قوانين سبتمبر 1983- المكروه بيولوجيا من العطبراويين ؛ وما صاحب نشاطهم من روح سلمية ؛ كانت تتناقض مع العنف المستخدم ضدهم من قبل الاخوان المسلمين وانصار السنة ؛ وموقفهم السلبى من الشيوعيين ؛ والذين كنت اكن لهم احتراما كبيرا ؛ وجملة من المواقف والافكار ؛ والتى كانت تتناقض مع شخصيتى حينها ؛ الا اننى ظللت اكن لهم كل احترام ؛ الامر الذى تضاعف بعد وقفة الاستاذ الصلبة امام السفاح نميرى ؛ واكتشافاتى اللاحقة للدور الكبير الذى لعبته هذة الشخصية فى الفكر السودانى .



    الا ان هذا الاحترام والتقدير والتضامن ؛ قد كان مرتبطا بروح نقدية عالية تجاه ما رأيته سلبيا ومفرطا فى الغيبية من اطروحات الاستاذ والجمهوريين . وقد سطرت بعضا من ذلك فى دراسة طويلة عن الجمهوريين والفكر الجمهورى ؛ كتبتها قبيل عدة سنوات . ورغم انى وقتها قد كنت متاثرا بالمنهج المادى التاريخى فى نمط تفكيرى ؛ الا انى لا ازال احتفظ بالكثير من الانتقادات لبعض ابجديات الفكر الجمهورى ؛ والذى اعتقد انه اذا اراد التطور والانتشار ؛ فلا بد من اعادة قرائته ونقده وتجاوزه ؛ ضمن عملية شاملة من النقد والنقد الذاتى فى مجمل مدارس الفكر السودانى . الا انى لا ارى فى اغلب الجمهوريين الان من له الرغبة والقدرة فى انجاز هذا التطوير ؛ والذى بدونه فسيبقى هذا الفكر مرتبطا بالاستاذ ؛ مقيدا بحدود تجربته الذاتية والفكرية ؛ المحدودة فى الزمان والمكان ؛ وانت تعلمين ان اقرب الطرق لقتل فكرة هو تحنيطها وتقديسها ؛ والتعامى عن قصورها ؛ وهو منهج اكثر ضررا من تعامل الاعداء .



    من هذا المنطلق انظر الى ما كتبتيه عن منبع افكار الاستاذ ؛ حيث عزيتها انا الى اختيار صوفى وبحث فلسفى ؛ ورايتيها انت الهاما من عند الله . و فى الحقيقة فان هذه احد انتقاداتى للجمهوريين ؛ وهى مدى الغيبية الطافح الذين يضفونه على شخصية وعمل الاستاذ محمود . ان قراءة سريعة لمؤلفات الاستاذ ؛ ومحاوراته مع مدارس الفكر السلفى والليبرالى والماركسى ؛ واراءة حول جملة من القضايا الفلسفية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ؛ توضح عمق الجهد الذى بذله الاستاذ فى متابعة تيارات الفكر المعاصر ؛ وفى دراستها وهضمها ونقدها ؛كما توضح الطابع الانسانى لاجتهاداته .



    اننى لا نفى هنا دور العامل الغيبى فى تكوين شخصية الاستاذ ونظرته الى منبع افكاره ؛ فالانسان مهما كان عبقريا الا انه محكوم بقصور شخصه وحدود تجربته ؛ ولكننى اعتقد ان ارجاع افكاره لمجرد الهام الهى ؛ يحرمنا من تقدير جهده الفذ فى بحثه عن الحقيقة ؛ ويحوله من انسان مفكر و فاعل ؛ الى مجرد منفعل وناقل . ان هذه النظرة فوق طابعها المثالى والبعيد عن حيثيات الواقع ؛ تجعلنا نقف عاجزين عن اى محاولة لمقاربة افكار الاستاذ وتطويرها ونقدها ؛ فما ياتى كالهام الهى لا مجال للحوار معه ؛ فاما ان نتقبله كله او نرفضه كله ؛ وما بين المصدقين بالهام الاستاذ ؛ والمتخرصين عليه والزاعمين بارتداده ؛ تضيع الحقيقة العلمية ؛ وتضيع شخصية الاستاذ كانسان عظيم ؛ خط باحرف من نور سجلا فذا للفكر والمواقف ؛ ولكن كان له ما له من الهفوات والقصور الفكرى والسياسى ؛ والذى هو من طبائع البشر والاشياء .



    ان روح التقديس والاكبار هذه ؛ لهى من اعدى اعادء تطور الفكر ؛ وهى فى الحقيقة لا تقتصر على الجمهوريين ؛ وانما تتعداهم الى مختلف مدارس الفكر السودانى ؛ بما فيها مدرسة اليسار الماركسى ؛ والتى يفترض ان تكون ابعد ما يكون من منطق التقديس – وهذا فى مجموعه يرجع الى انعدام الروح النقدية فى مجتمعاتنا ؛ والى سيطرة الفكر الاسطورى على تراثنا وتاريخنا ؛ وهذا ما يفسر- جزئيا- روح التطور المازوم الذى يعانى منه مجتمعنا ؛ والى الثبات فى الافكار والتحنط فى القديم الذى تتصف به معظم نخبتنا واغلب جماهيرنا .



    اننى فى مخطوتتى التى ذكرت عن الفكر الجمهورى ؛ قد حاولت مقاربة بعض هذة القضايا ؛ ونزع الحجب الاسطورية عن فكر الاستاذ . الامر الذى لا ازعم النجاح فيه ؛ ولكنها كانت خطوة اعتقد باهميتها ؛ من الناحية الاخرى ؛ فقد قمت بامر مماثل فى مخطوطتى عن الشهيد عبد الخالق محجوب ؛ وهو شخصية اخرى فذة فى تاريخ الفكر السودانى ؛ وحاولت فيها نزع الغيبية المادية هذه المرة ؛ والتى اضفاها عليه انصاره . ان هاتين المخطوطتين سوف تجدان طريقهما للنشر فى القريب العاجل ؛ ولكنى اعدك بارسالهما لك قبل نشرهما العام . من الجهة الاخرى فانا مدرك لمكامن القصور فى شخصيتى ومعارفى وتجاربى ؛ والتى يمكن ان تلقى بظلالها على قرائاتى هذه ؛ وفى الحقيقة فاننى فى السنتين الاخيرتين قد غيرت الكثير من ارائى حول بعض افكار الاستاذ ؛ واعكف الان على كتابة دراسة عن السنوات العشر الاولى من نشاط الاستاذ والحزب الجمهورى ؛ اى الفترة 1945-1955؛ باسم "اعادة اكتشاف محمود – قراءة فى الكتابات الاولى للاستاذ" .



    اننى فى هذه الدراسة القادمة ساحول مقاربة الافكار السياسية والاجتماعية للاستاذ فى هذه الفترة ؛ واحاول توضيح طابع بعضها العبقرى . من الجهة الثانية فان هذه القراءة ستحاول متابعة التغيرات والتطور الذى حدث فى الفكر الجمهورى فيما بعد ؛ وحصر الثابت والمتحول فى اجتهادات الاستاذ . ان معظم الجمهوريين لم ينظروا او يحللوا التغيرات التى تمت فى اطروحات الاستاذ ؛ وخط التطور الذى حكمها ؛ وربما كان ذلك لسيطرة الروح الغيبية على نظرتهم ؛(النظرة لهذه الاراء كالهام الهى ) وانعدام النظرة النقدية والعلمية فى تجربتهم ؛ والتى يمكن ان تساعد فى التأريخ للفكرة من جهة ؛ ومن الجهة الثانية فى اكتشاف الجوهرى والسليم فيها ؛ استهدافا لتطويره والانطلاق به الى افاق جديدة ."



    والشكر والتقدير للاستاذ عمر القراى على مقاله والشكر موصول للذين اعادوا نشر مقالى فاتاحوا بذلك فرصة هذا الحوار.



    عادل عبد العاطى

    9 اغسطس 2002
                  

01-14-2003, 05:28 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 50077

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حركة الجمهوريين فى السودان -جزء 1 من 2 (Re: Abdel Aati)

    أشكرك أخي عادل

    أرجو أن أجد الوقت للقراءة ثم الوقت للتعليق.

    أذكر أن الأخ عمر القراي قد كتب تعليقا على دراستك القيمة هذه فأرجو أن تنشره هنا لتعميم الفائدة.

    وسلامي وودي

    ياسر
                  

01-14-2003, 05:58 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-02-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حركة الجمهوريين فى السودان -جزء 1 من 2 (Re: Abdel Aati)


    الأعزاء دكتور ياسر وعادل
    سأقوم بنشر رد الدكتور عمر القراى علي مقال الأستاذ عادل ومن ثم تحديد النقاط التي لم يتم الرد عليها إن كانت هناك حتى تعم الفائدة ونتحرك الى الأمام فإلى الجزء الأول: ـ

    قراءة نقدية لتأملات أفق المعرفة والشهادة
    بسم الله الرحمن الرحيم
    " وزنوا بالقسطاس المستقيم *ولاتبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين "
    صدق الله العظيم

    كنت قد إطلعت قبل سنوات ، على مقال كتبه الاستاذ عادل عبد العاطي بعنوان ( تاملات في أفق المعرفة والشهادة حول حياة واستشهاد محمود محمد طه ) ، ولما كان المقال يعتمد في اثبات فكرته الاساسية ، على تصورات مسبقة ، ومعلومات سماعية ، واشاعات لا حظ لها من الصحة ، فقد تحدثت في ذلك الوقت عام - 1999 مع كاتب المقال ، وأوضحت له ذلك فوعد بالمراجعة ، وكنت اتوقع ان أرى المقال بصورة جديدة ، خاصة وان كاتب المقال جم النشاط في الحركة الفكرية والسياسية ، وكان يمكنه التحري من المعلومات وتصحيحها ..
    ولما أعيد نشر المقال كما هو دون تغيير ، بتاريخ 25 / 5 /2002 في منتدى السودانيين للحوار في "الانترنت" رأيت ان أعقب عليه ، على أمل إيضاح جانب من الفكرة الجمهورية ، لكاتب المقال ، وغيره من المهتمين .. ذلك ان هذه الفكرة الرائدة ، هي الفكرة السودانية الوحيدة ، ومع ذلك لم تحظ حتى الآن بتقييم محايد من المثقفين السودانيين ، باستثناء قلة قليلة لا تزيد على أصابع اليد..
    أود في البداية إثبات الملاحظات الآتية ، على أن يتابع القارئ الكريم تفاصيلها ، والتعليق عليها ، في متن المقال : ـ
    1- لم يتعرض المقال في صورته التي ظهرت عام 1999 أو صورته الحالية ، لجوهر الفكرة الجمهورية ، وانما أكتفى باصرار الكاتب على أن الأستاذ محمود صوفي ، وان الصوفيه لا يتدخلون في السياسة، ولا ينشئون التنظيمات ، وان موقف الاستاذ محمود يتناقض مع خلفيته الفكرية ، وهذا في نظر الكاتب ما أدى الى مأساة الاستاذ محمود ، وايقاف حركته بعد ذهابه.. وكل ذلك تقرير خاطئ ، كما سنوضح ، ومع ذلك بنى عليه الكاتب مقاله . . ـ
    2- وحين تجنب المقال مؤلفات الاستاذ محمود ، وحاد عن أفق المعرفة التي أدعى انه سيناقشها ، ركن الى سماع الشائعات ، والأقاويل التي أشعاعها خصوم الفكرة ، واصدقاؤها ، ومن ذلك مثلاً قوله( مما لا ريب فيه ان محمود قد أوصى تلاميذه بتجنب الموت ومسايرة السلطة ، حتى ولو وفق مبدأ التقية)!! ولقد سبق أن أوضحت له بان ذلك لم يحدث ، ووعدني ان يبحث عن صحة هذه المعلومة ، ويغير مقاله وفقها .. فلماذا ظهر البيان بنفس المعلومة المغلوطة ، والتحليل الذي أعتمد عليها ؟ الجواب قريب : وهو ان الكاتب قد بنى مقاله ، على ان الاستاذ محمود صوفي ، وأنه كان يرغب في الموت ، ولذلك لم يرد لاصحابه ان يموتوا فأوصاهم بالتنازل ، والتراجع عن الحركة .. أقرأ قوله (هل كان محمود يبحث عن الموت ؟؟ هذا ما قد يتراءى من الوهلة الأولى ، في تعامل محمود مع المحكمة ومع مجمل مؤسسات النظام ، في الشهور الأخيرة من حياته وفتحه لمعركة واضحة ضد النظام وسياساته ، وهو الذي يعلم مبلغ الحقد الذي تكنه ضده القوى السلفية ، وخصوصاً جماعة الأخوان المسلمين ، كما لابد يعلم الطابع الدموي ، والطغيان المنفلت للسفاح نميري ..)!! ـ
    3- اتسم المقال بالاضطراب ، فتأرجح بين الثناء على موقف الاستاذ تارة ، وبين أدانته تارة أخرى ، فهو مرة يقول ( قد رفض محمود التعامل معها (المحكمة) وهذا وان كان بتقدير سياسي يحسب في دائرة الخطأ ...) ومرة أخرى يقول ( ان محمود بهذا النص القصير ( امام المحكمة) قد سجل تقدماً في الفهم السياسي لطبيعة النظام القائم ) !! ـ
    4- أورد المقال شذرات من بعض أراء الصوفية دون أن يناقشها ، وكأن خطأها أمراً مفروغاً منه ، ولقد كانت العلمية تقتضي ان يورد دفعهم عنها ، وشرحهم لها ، حتى لا يظن القراء ان أصحابها أوردوها بهذه الصورة المبتورة ، ودون حجة من صريح النصوص .. ـ
    5- أدان المقال الجمهوريين بسبب عدم نقدهم لآراء الاستاذ محمود فقال ( إلا ان الظلم الحقيقي يتبدى في فشل معظم اتباعه ومؤيديه عن ان ينظروا بعين النقد والتحليل لنتاج فكره ونشاطه ومنهجه ..) والحق ان هذا واجب غيرهم من المثقفين ، لان الجمهوريين مؤمنين بصحة ، وصلاحية ، وواقعية أفكار الاستاذ محمود ، وهو يسعون لمعيشتها ، ويدعو بعضهم لاشاعتها وسط الناس .. فاذا كانت الفكرة الجمهورية تحتاج الى نقد ، فان المناقشة الموضوعية تتوقع من المثقفين ، ولقد كنت اود لو استطاع الاستاذ عادل ، القيام بهذا الدور ، ليضع ايدينا على الخطأ في صلب الفكرة ، بدلاً من مطالبتنا نحن ، بادانة الحق الذي لا مراء فيه .. أم لعل الاخ عادل يظن انه قد قام بهذا الدور ، بكتابته لهذا المقال الذي بين ايدينا؟! ـ



    (عدل بواسطة Omer Abdalla on 01-14-2003, 06:04 AM)

                  

01-14-2003, 03:10 PM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حركة الجمهوريين فى السودان -جزء 1 من 2 (Re: Omer Abdalla)

    تأملات في أفق المعرفة والشهادة

    حول حياة واستشهاد محمود محمد طه



    بقلم : عادل محمد عبد العاطى





    "لا يبلغ أحد درج الحقيقة ؛ حتى يشهد فيه ألف صديق ؛ بأنه زنديق ."

    الجنيد : توفى 297 هجرية .
    "إذا استطعت بذل الروح فتعال ؛ وإلا فلا تشتغل بترهات الصوفية .."

    ذو النون المصري ت:245 هجرية .
    "علماء الظاهر هم زينة الأرض والملك ؛ وعلماء الباطن هم زينة السماء والملكوت ..وعلماء الظاهر هم أهل الخبر واللسان ؛ وعلماء الباطن من أرباب القلوب والعيان "

    أبو طالب المكي ت:368 هجرية .





    تعرض الأستاذ محمود محمد طه (1909-1985) لظلم تأريخي كبير في تقييمه ؛ شخصا وفكرا ومواقف ؛ من قبل بعض مؤيديه وجل معارضيه على السواء .. ومما يؤسف له أن محاولة جادة لتقييم نشاطه وجهده على ساحة الفكر والفلسفة والسياسة والسودانية ؛ لم تتم حتى الآن ؛ رغم مرور اكثر من 15 عاما على رحيله من دنيانا .

    وان كان الظلم من قبل أعداءه ؛ والذي تبدى في ابشع صوره ؛ في مهزلة إعدامه البشعة في يناير 1985 ؛ قد لقي جزاءا من التصحيح على مستوى القانون ؛ بحكم المحكمة العليا ببطلان حكم الإدانة والإعدام (1987) ؛ إلا أن التصحيح على مستوى الفكر لم يتم حتى الآن ؛ولا يزال الكثير من المواطنين السودانيين ؛ وغير السودانيين ؛ والذين وان رفضوا مهزلة إعدامه لاسباب عرفوا أنها كانت ؛ ولا زالت ؛ سياسية ؛ ألا انهم لا يزالوا ينظروا حتى الآن ؛ إلى الكثير من أفكاره ومواقفه من خلال منظار التشويه الذي لعبت فيه دعاية القوى الظلامية والسلفية القسط الأكبر ؛ ولعب دورا غير قليل منه عدد من اتباعه نفسهم ؛ وان بنيات طيبة .

    وإذا كان اتباعه قد ظلموه في حياته ؛ فقد فعلوا ذلك عندما حملوه اكثر مما يحتمل من آيات التقدير والتقديس ؛ فلم ينظروا إلى فكره بمنظار النقد العلمي التاريخي ..وحين ربطوا مجمل حركتهم بشخصه ؛ وحين راؤا فيه الكمال ..وظلموه اكثر ؛ حينما روجوا قبل أيام من موته أوهاما لا يسندها منطق ؛ حول عدم قدرة الحكام على اغتياله ..فتركوه بذلك في يد الموت وحيدا ؛ في وقت كان اكثر ما يحتاج فيه إلى التضامن ؛ وغلوا بذلك أيادي قوى شعبية كثيرة ؛ كانت سحائب غضبها تتجمع ضد النظام . وحين زعم بعضهم استحالة إعدامه ؛وضعوا الناس قسرا في حالة ترقب في انتظار المعجزة ؛ وأخلوا بذلك الساحة بينه وبين السفاحين .

    وظلمه بعض اتباعه بعد موته ؛ حين تراجعوا بغير انتظام ؛ ودعموا تراجعهم بفكرة انه مات فداءا لكل الشعب ؛ مدخلين مزيدا من الغيبية على معنى موته البطولى النبيل ؛ وجاعلينه ستارا للإحباط والسلبية ؛ دون أن يفرقوا بين معاني الفداء الإيجابي المحرك لدواعي النضال ؛ والتضحية السلبية التي ترتبط بالانكسار والاستسلام .. وحين تركوا للمتطرفين منهم وهم انه لم يقتل ؛ أو على الأقل سيعود من جديد ؛ لم يفعلوا غير أن تأخروا عن قامته خطوات وخطوات .

    إلا أن الظلم الحقيقي يتبدى في فشل معظم اتباعه ومؤيديه عن أن ينظروا بعين النقد والتحليل لنتاج فكره ونشاطه ومنهجه ؛وتركوا بذلك الجهد الذي بناه عبر عشرات السنين ؛ يضيع بين طيات التجاهل و النسيان أو سوء الفهم ؛ وفى تركهم الحركة التي بناها تتحطم وتقف عند الحدود التي رسمها لها ؛ والتي ما كان لها إلا أن تنهار وتندثر بموته ؛ إذا أرادت أن تلتزم بمنهج فكره القديم . أن مقتل هذه الحركة الذي تكرس بمقتله وتحللها من بعده ؛ ليجد جذوره في مجمل النهج الفكري والاجتماعي لمحمود ؛ الأمر الذي سنناقشه لاحقا ؛ إلا إن تلاميذه لم يخطوا خطوة واحدة للأمام ؛ لإنقاذ هذا التراث العظيم ؛ بفهم هذا المنهج نفسه وتطويره ؛ بدلا من التكلس في صورته المثالية ؛ التي تكرست في أذهانهم عنه ؛ والتي تعرضت للاهتزاز بشدة ؛ في درامية موته ورحيله .

    في أفق المعرفة

    نظرة في فكر محمود الفلسفي :

    بالرغم من تعدد اوجه نشاط محمود الفكري ؛ وكتابته في العديد من المواضيع السياسية والفكرية والاجتماعية ؛ إلا إن تصنيفي الأول والأخير له يقوم باعتباره صوفيا ؛ صوفيا في عالمه الفكري ؛ صوفيا في ممارسته ؛ صوفيا في صورة استشهاده ورحيله .

    و قد لا يدرك الكثير ؛ بمن فيهم بعض اتباع محمود ؛ أن جل أفكاره تتماهى مع لب أفكار الصوفية ؛ سواء في مدارسها الكونية ؛ أو في صورتها العربية الإسلامية ؛ أو في تجليها في الواقع السوداني ..إن التناقض –أو التمايز –بين الظاهر و الباطن ؛ بين الحقيقة والشريعة ؛ والذي هو ركن أساسي في نظرية المعرفة عند الصوفية ؛ قد تحول عند محمود محمد طه إلى تناقض وتمايز الأصول والفروع في القران ؛ أو كما سماها بالقران في مرحلته المكية والمدنية ؛ كما إن الطريق للوصول إلى الحقيقة ؛ والقائم على السعي و مجاهدة النفس عند الصوفية ؛ هو نفسه طريق التقليد والأصالة عند محمود ؛ والذي يتبلور حول فكرة أن الرسول محمد كان هو الأصيل الأول ؛ والذي وصل إلى أصالته –الأخذ مباشرة عن الرب في ليلة الإسراء والمعراج – بعد جهد من تقليد عبادة إبراهيم ؛ واتباع جبريل ..كذلك طريق الأصالة لأي فرد يقوم على تقليد الرسول ؛ و إجادة التقليد ؛ حتى كشف الحجب و إدراك الأصالة ..

    بل أن فكرة الإنسان الكامل عند محمود ؛ إنما هي فكرة قديمة ومفهوم أساسي عند قدامى الصوفية ؛ ويقوم عليها مجمل اعتقادهم في وحدة الوجود المادي والإلهي والإنساني ؛ يكتب ابن عربي "إن مرتبة الإنسان الكامل إنما هي جميع المراتب الإلهية والكونية التي تضم العقول والنفوس الكلية والجزئية ؛ ومراتب الطبيعة إلى آخر تنزلات الوجود ؛ فهي (مرتبة الإنسان الكامل ) مساوية للمرتبة الإلهية ؛ولا فرق بينهما إلا في الألوهية ؛ لذلك صار الإنسان الكامل خليفة الله في الأرض "

    أن فكرة الإنسان الكامل ؛ أي الربوبية متجسدة في صورة إنسان مكتمل ؛ أو الإنسانية الفائقة كتبد للرب متشخصنا ؛ تجد انعكاسها في العديد من الأديان والفلسفات ؛ وعلى رأسها المسيحية ؛ وقد انعكست في الفلسفة الصينية التاوية ؛ وكان لها وجودها في الفلسفة العربية الإسلامية ؛ إن مفاهيم مقاربة ايضا لهذا المفهوم ؛ مثل وحدة الوجود ؛ و المعية (وهو معكم أينما كنتم )؛ والسريان ؛ الذي وسعه صلاح الدين الشيرازي ؛ ليجعل وجود الله حضورا فعليا في الموجودات ؛ والمشابه لمفهوم التاوTAO ؛ كقوة مادية في الموجودات ؛ عند الفيلسوف الصيني تسونغ تسه ؛ تحتاج إلى قراءة دقيقة لمعرفة مدى تقاربها أو توازيها ا مع الفكر الجمهوري[ii] .

    أن محمود في فكره ؛ يتماهى مع الحلاج والسهروردى وابن عربي ؛ وان كان في صورة سودانية معصرنة ؛أي بالشكل الذي فرضه واقع الزمان والمكان الجديدين ؛ لكن المأساة الكبرى في حياة وفكر محمود ؛ انه حاول دمج طريق الصوفية ؛ والذي هو طريق للخلاص والمعرفة فردى ؛ قائم على البعد عن العالم والزهد فيه ؛ والبعد عن الجماعة والانصراف عنها ؛ والبحث عن الحقيقة في ذات الإنسان الصوفي ؛ والوصول إلى الله والى منابع الحق متفردا ؛ حاول جمع كل ذلك مع طريق جماعي ونشاط اجتماعي ؛ و هو طريق مخالف تماما لنهج الصوفية الفردية (في عالمها الفكري والسلوكي وليس في كاريكاتوراتها الطرائقية )
      .

      إن محمود بتنظيمه للحزب الجمهوري ؛ ومن بعد للإخوان الجمهوريين ؛ قد خالف طريق الصوفية الفردي ؛ فإذا كانت العلاقة بين الصوفي والمريد ؛ بين الشيخ والحوار ؛ بين القطب والسالك ؛ هي علاقة فردية قائمة على الاتصال الشخصي والتأثير المباشر ؛فان محمود حاول بناءها عن طريق تنظيم ؛ رابطة ؛ جماعة ؛ تغير اسمها من الحزب إلى الإخوان ؛ إلا إنها احتفظت دائما بصورتها كتنظيم له أفكاره الفلسفية والاجتماعية وله نشاطه السياسي .[iv]

      ومن الطبيعي أن نمو الأحزاب السياسية والنقابات ومعركة الاستقلال ؛ وهى الأحداث التي عاصرها محمود ؛ ووجود ونشاط التنظيمات الدينية القديمة والجديدة ؛ في شكل طرائق دينية أو طرق صوفية أو حركات سلفية ؛ قد فرضت على أي مفكر جاد الانخراط في درجة من درجات العمل التنظيمي والفعل الاجتماعي والسياسي ؛ ألا أن طريق أهل الحق ؛ طريق الصوفية ؛ لا يمكن الوصول إليه بوسائل أهل الدنيا ؛ أهل الظاهر .إن محمود في سعيه لنشر فكره ؛ قد كان مواجه بمشكلة الأداة ؛ وقد اختارها بان يطرح كل أفكاره أو جلها في كتبه وإصداراته ؛ حتى يتصل بها مع تلاميذه ومؤيديه ؛ لكنه بهذا طرحها أمام الجميع ؛ فعرضها بذلك لسوء الفهم –أو سوء النية – المعشعشة في البيئة السلفية ؛ التي حاصرت بها المؤسسات الدينية الرسمية المسلم العادي في وسط وشمال السودان لعشرات السنين.

      إن تناقض محمود وحركته أراه في تناقض الطريق الفردي الصوفي للمعرفة والسلوك ؛ مع الشكل الجماعي الواسع والمكشوف للنشاط ؛ الذي اتخذته حركته ؛ وهو تناقض كان لا بد أن يؤدى إلى الانفجار ؛ وتحطيم أحد طرفي التناقض .

      في أفق الشهادة

      او الابتسام في مواجهة الموت :

      موت محمود محمد طه ؛ يشكل في تاريخنا الفكري –السياسي الحديث ؛ علامة بارزة على حجم الأزمة والمأساة إلى عاناها مجتمعنا ؛ في أواخر سنوات حكم الطاغية نميري ..ويطل كحصيلة مرة للتردى الشامل الاقتصادي والسياسي والفكري الذي ساد تلك الحقبة .انه وصمة عار في جبين عصرنا ؛ ويوم كالح في تاريخ شعبنا .

      لكن الميدالية لها وجهان ..فأمام العنف الوحشي للسلطة ؛ والهوس اللاعقلاني والتشنج المرضى الذي ركب السلفيين ؛ و رغبتهم العارمة في رؤية انهار الدم وهى تسيل ؛ كان الوجه الآخر يتمثل في الصمود البطولى لمحمود ؛ وانشراحه في مواجهة الموت ؛ الذي شبه بصمود فرسان العصور الوسطى وبصمود ود حبوبة و أبطال المهدية (حسب محمد إبراهيم نقد) ..وتكرر مرة أخرى ؛ وان بشكل المهزلة هذه المرة ؛ مقتل الحلاج والسهروردى وبنفس السيناريو : تحالف الحكام الفاسدين المفسدين + علماء السوء الذي وضعوا نفسهم مطية لكل ظالم + أسوا حثالات المجتمع التي وقفت تطالب بدمهم و تستمتع بمشهد موتهم !!.

      الصمود والبطولة والجمال في استشهاد محمود ؛ قدم للوجدان الشعبي مادة غنية للعديد من الحكايات التي دخلت حيز التداول والانتشار ..وبغض النظر عن مدى الدقة والحقيقة التاريخية الكامنة في هذه القصص ؛ إلا إنها تشكل معيارا لحساسية الشعب وتعامله مع مجمل القضية ؛ ولاتجاه خط تعاطفه ..فقد تردد أن محمود قبل صياغة بيانه الشهير : هذا أو الطوفان .. قد طلب إحضار تسجيل أغنية احمد المصطفى أنا أم درمان ؛ وكان يسمعها ويردد معها المقطع القائل :

      (فيا سودان إذا ما النفس هانت اقدم للفداء روحي بنفسي )

      وتردد ايضا أن محمود كان يقول إن محنة مايو لن تنقشع إلا إذا كانت هناك تضحية كبرى ؛ كان يموت رجل عظيم ؛ أتراه كان يقصد نفسه ؛ ومن اعظم منه كان بارزا على الساحة وقتها ؟؟

      المحكمة ذاتها التي حكمت زورا وبهتانا على محمود ؛ كانت مربضا للقتلة ؛ لا منبرا للقضاء ..ويصح في وصفها ووصف موقف محمود منها قول الشاعر المصري كمال عبد الحليم في رثاء الطالب اليسارى السوداني صلاح بشرى ؛ والذي استشهد في السجون المصرية بداء الصدر ؛ عام 1948:

      صاح فيهم لن أدافع لن أقول كلمة

      يا شياطين المدافع كيف صرتم محكمة ؟

      فقد رفض محمود مطلق التعامل معها ؛ وهذا وان كان بتقدير سياسي يحسب في دائرة الخطأ ؛ حيث كان يمكن تحويل المحاكمة بعمل سياسي وقانوني منظم ؛ إلى مظاهرة كبرى ضد النظام ؛ كما تم في محكمات فاطمة احمد إبراهيم والبعثيين في ذلك الوقت ؛ وان يتم بذلك غل يد القتلة والنظام قانونيا وتحريك العمل الشعبي سياسيا وتعبويا ؛ إلا إن الصوفي عند محمود له مرجعية أخري ؛ إنها مرجعية التسليم (سلمت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ) .. إن شهادة محمود في المحكمة ؛ تشكل على قصرها قمة أدب السهل الممتنع ؛ والاختصار المحكم ؛ وشهادة وإفادة للتاريخ والأجيال ..كما إنها تعبر عن درجة عالية من النضج السياسي والفكري ؛ وبها وحدها أدان محمود قوانين سبتمبر إلى ابد الدهر ؛ أدان السلطة وقضاتها المأجورين ووضع على جبينهم وصمة العار الأبدية ..لقد اصبح محمود أذن هو القاضي الحقيقي ؛ وشاهد العصر وضمير الشعب ؛ وتحولوا هم إلى مدانين .. فلنتأمل في هذا النص المعجز :

      (.. أنا أعلنت رأيي مرارا في قوانين سبتمبر 83 ؛ من أنها مخالفة للشريعة والإسلام ؛ اكثر من ذلك ؛ فإنها شوهت الشريعة وشوهت الإسلام ..ونفرت عنه .يضاف إلى ذلك إنها وضعت واستغلت لإرهاب الشعب ؛ وسوقه إلى الاستكانة عن طريق إذلاله ..ثم أنها هددت وحدة البلاد ؛ هذا من ناحية التنظير ..

      أما من ناحية التطبيق ؛ فان القضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها ؛ غير مؤهلين فنيا ؛ وضعفوا أخلاقيا ؛ عن ألا يضعوا نفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية ؛ تستعملهم لإضاعة الحقوق ؛ وإذلال الشعب ؛ وتشويه الإسلام ؛ وإهانة الفكر والمفكرين ؛ وإذلال المعارضين السياسيين ..

      ومن اجل ذلك فأنا غير مستعد للتعاون مع أي محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقل ؛ ورضيت إن تكون من أدوات إذلال الشعب وإهانة الفكر الحر والتنكيل بالمعارضين السياسيين )[v]

      بهذا النص أنهى محمود محمد طه سيرة حياة عامرة بالنشاط الفكري والمواقف الاجتماعية ببطولة نادرة ؛ كما انه تجاوز به كل نواقص فكره السياسي ؛ وكل تأييد سابق له لمايو . رافضا بصورة قاطعة للديكتاتورية والإرهاب ومسخ الدين . بل انه انتقل إلى أفق أخر اكثر واقعية ؛ في التعامل مع مسالة الشريعة ؛ حيث انتقل من المفاهيم المجردة والمثالية المطروحة في نظرية "الرسالة الثانية من الإسلام "؛ والتقسيم –الغير مفهوم شعبيا والغير متجانس منطقيا – بين آيات الأصول والفروع ؛ وبين الشريعة والسنة ؛ إلى منهج يتعاطى مع الإطار السياسي و الاجتماعي لوظيفة القانون ؛ وكون القانون –أي قانون – يأخذ محتواه في مجرى تطبيقه ؛ وبمقدار تعبيره عن السلطة التي تكرس به سيادتها..وان القيمة الحقيقية للقانون تأتي عندما يستجيب لنوازع الحرية ؛ ويعبر عن احتياجات المجتمع والشعب الملحة في لحظة معينة من لحظات تطوره ( وفى تلك الأيام تمثلت هذه الاحتياجات في القيم التي دافع عنها محمود ؛ كالديمقراطية / الوحدة الوطنية /حرية الفكر والاعتقاد الخ الخ .) هذه القيم التي صيغت وطبقت قوانين سبتمبر لقمعها وإهدارها ..

      إن محمود بهذا النص القصير ؛ قد سجل تقدما في الفهم السياسي لطبيعة النظام القائم ؛ مقابل تقليص لجانب الاجتهاد الفكري المختلف عليه ؛ حيث لم يبنى رفضه لقوانين سبتمبر على أسس أيدلوجية (عدم صلاحية الشريعة للقرن العشرين و عودة الإسلام بالسنة لا بالشريعة ) و إنما علي أسباب قانونية وسياسية (التشويه في هذه القوانين لمبادئ الشريعة المدرسية ؛ والغرض السياسي القهري من تطبيقها ). إنها واقعية اكثر ؛ و أصالة اقل إذن ؛ تجاوز بها محمود نفسه وتنظيمه بوعي سياسي عال وحس وطني وتأريخي مرهف وعميق ..

      رجوعا مرة أخرى إلى روايات الوجدان الشعبي ؛ انه في تلك الأيام الحرجة بين حكم المحكمة والتنفيذ ؛ قامت مجموعة من بيروقراطيي الاتحاد الاشتراكي ( في صراعها داخل ذلك التنظيم ضد الهيمنة المتزايدة للإخوان المسلمين ) ؛ قامت بالتدخل لدى نميري لاسترحامه حول قضية محمود ؛ على أساس أن محمود قد دعم النظام دائما وفى ظل أوقات حرجة وعصيبة ؛ فلا يمكن أن تكون هذه نهايته .فرد السفاح بما فيه من عنجهية وطغيان وبطر ؛ بأنه مستعد للعفو عن محمود ؛ شرط أن يعتذر له علنا. ووصلت المساعي والإخبار إلى محمود ؛ فكان رده بعد التأكد من أن رده سيصل السفاح :"قولوا لنميرى أنا ما بنكسر ليك ؛ وأنا بموت وبقابل ربى نضيف ؛ لكن أنت حتموت بى سوء الخاتمة !!"

      هل كان محمود يبحث عن الموت ؟؟ هذا ما قد يتراءى من الوهلة الأولى ؛ في تعامل محمود مع المحكمة ومع مجمل مؤسسات النظام ؛ في الشهور الأخيرة من حياته ؛ وفتحه للمعركة واضحة ضد النظام وسياساته ؛ وهو الذي يعلم مبلغ الحقد الذي تكنه ضده القوى السلفية ؛ وخصوصا جماعة الأخوان المسلمين ؛ كما لابد يعلم الطابع الدموي والطغيان المنفلت للسفاح نميري ..ومما يعزز هذه الرؤية كذلك فكرة الفداء التي لا بد من وجود سند واقعي لها في تفكير محمود ؛ طالما قد كررها الجمهوريون مرارا بعد استشهاد محمود ؛ بان "الأستاذ قد فدى الشعب السوداني[vi].

      إلا إن تعامل محمود مع تلاميذه ورفاقه المتهمين معه في نفس القضية ؛ قد سجل جانبا آخر .فمما لا ريب فيه ؛ أن محمود قد أوصى تلاميذه بتجنب الموت ومسايرة السلطة ؛ حتى ولو كان ذلك بالتبرؤ منه [vii].. وفق مبدأ " التقية " الذي سارت عليه العديد من الحركات الإسلامية المعارضة؛ وحتى بعض أقطاب الصوفية ؛ إلا أن محمود قد رفض هذا الخيار لنفسه ؛ فيما حاول حماية حياة رفاقه وتلاميذه ..

      هنا مرة أخرى يظهر سلوك الصوفي ؛ السائر وحده في درب الحقيقة ؛ والموت هو أقصي تجلى للحقيقة ؛ سواء في صورته البيولوجية أو في صورته المعرفية ..في صورته البيولوجية باعتباره الحقيقة الوحيدة الثابتة حتى الآن ؛ والخاضع لها كل بشر ..وفى صورته المعرفية ؛ باعتباره الكسر الآخير للحاجز بين الإنسان ومصدر الحقيقة ؛ باعتباره افناءا للجسد واندماجا بالروح مع مركز الأنوار وسر الأسرار ..وبالنسبة لصوفي يؤمن بوحدة الوجود فما كانت فكرة الموت لتشكل له رعبا أو فزعا ( إذا استطعت بذل الروح فتعال ؛ وإلا فلا تشتغل بترهات الصوفية ) .. لهذا فقد كانت ابتسامة محمود الغامضة حين النطق بالحكم (أكانت يا ترى ابتسامة رضى أم ابتسامة سخرية ؟) ؛ ولهذا كان انشراحه وتماسكه وهو يصعد درج المشنقة .

      توصية محمود لتلاميذه بالتنكر له ؛ان صحت ؛ تظهر مبدأ الفردية عند الصوفي ؛ وتحمله للمسئولية وحده ؛ وهذا يذكرنا بالحلاج الذي دافع عن تلاميذه وأصدقائه وحماهم من الموت ولم يدافع عن نفسه ؛ بل كان يرى انه يستحق الموت ؛ لأنه ( أفشى الأسرار ) ..وفى الحقيقة فهناك تشابهات مذهلة ما بين شخصية محمود ومصيره وشخصية الحلاج ومنتهاه –يذكر هادى العلوي أن الحلاج قد قتل لتأسيسه تنظيما سريا لمعارضة السلطة ؛ وليس لشطحاته الصوفية – ومحمود رغم انه لم يذهب إلى مرحلة الحلاج ؛ من معارضة السلطة منذ البدء أو تصريحات الانجذاب ؛الا انه قد قتل حتما لاسباب سياسية .كما انه انه بهذه الوصية وذاك السلوك قد انخرط تماما في درب مشابه ؛ درب الوحدانية الصوفية ؛ وتخلى عن فكرة الصوفية الجماعية " في شكل تنظيم أو جماعة " ؛ حيث رفض أي تحمل للمسئولية من قبل تلاميذه ؛ او حملها وحده حينما تراجع عنها الآخرين ؛ ومضى إلى الموت وحده ؛ كآباذر ؛ وهو الذي يعلم بان موته سيكون موتا للجماعة والتنظيم ؛ اللذان هما مرتبطان به اشد الارتباط ..إضافة لمعرفته بالدور السلبي الذي ستقوم به عملية المسايرة للسلطة من قبل تلاميذه على الروح المعنوية والتماسك الداخلي لمجمل الجمهوريين؛ وعلى هؤلاء التلاميذ الذي رافقوه في أيامه الأخيرة ؛ والذين اضطروا الي التبرؤ منه على الملأ -حسب نصيحته او حسب خوفهم - وقلوبهم تتمزق ؛ ولسانهم لا يسايرهم ؛ إنقاذا لحيوات كان يقدرها محمود ؛ وما كان يتورع عن إهدارها السفاح .. لكنه التناقض الأصلي الذي ذكرناه من قبل ؛ والذي كان لا بد له من الانفجار ؛ وشطب أحد طرفيه ؛ هذا الطرف كان التنظيم ؛ وكان الخلود للأستاذ ..





      هوامش :



      --------------------------------------------------------------------------------

      نستثنى من ذلك محاولات متفرقة ؛ من أهمها الكتاب الصغير الذي أصدره مركز الدراسات السودانية بالقاهرة ؛ تحت إشراف د: حيدر إبراهيم على بعنوان : محمود محمد طه : رائد التجديد الديني في السودان- القاهرة يناير 1991؛ ومحاولة للتاصيل القانونى لافكار الاستاذ محمود فى مساهمات الاستاذ عبدالله احمد النعيم ؛ ومن اهمها كتاب نحو تطوير التشريع الاسلامى .

      [ii] حاولنا إنجاز بعض من ذلك في مخطوطاتنا : " مفهوم الإنسان الكامل قديما وحديثا " ؛ و"دراسة أولية في فكر وتاريخ حركة الإخوان الجمهوريين ".

        راجع حول الطابع الثوري للفكر الصوفي وتدهوره اللاحق حسين مروة : النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية ؛ المجلد الأول دار الفارابي –بيروت لبنان وكذلك مخطوطتنا : "الصوفية الاجتماعية كفلسفة للحياة وآداه للتغيير" .

        [iv] حاولنا إنجاز ذلك في مخطوطتنا عن الأخوان الجمهوريين : "دراسة أولية في فكر وتاريخ حركة الإخوان الجمهوريين".

        [v] عن منشور للإخوان الجمهوريين بعنوان : ماذا قال الأستاذ محمود محمد طه في المحكمة ؟! ..أم درمان الاثنين 7 يناير 1985 الموافق 15 ربيع الثاني 1405 ه .

        [vi] من بيانات الإخوان الجمهوريين بتاريخ 9-1-1985 و 21-4-1985 .

        [vii]فى حوار لاحق لى بعد كتابة هذا المقال ؛ مع الاستاذ عمر القراى ؛ اوضح لى وجهة نظره بان معلوماتى بهذا الصدد خاطئه ؛ حيث لم يطلب الاستاذ محمود من اتباعه حينها التراجع عن افكارهم بل طلب منهم على العكس التمسك بها وتقديم التضحية ؛ وقال القراى انهم ببساطة عجزوا عن ذلك ..واذا كان الامر كما ذكر الاستاذ القراى ؛ فان معظم الجزء الاخير من المقال الحالى يحتاج الى اعادة صياغه ؛ الامر الذى سنقوم به –فى اطار مناقشة فرضية استاذ القراى - فى مكان آخر . ما يهمنا همنا انه حتى ولو صدقت معلومة الاستاذ القراى ؛ فمواجهة محمود للموت وحده وانشراحه فى مواجهته تثبت قسطا كبيرا من تحليلاتنا .



                  

01-14-2003, 06:00 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-02-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حركة الجمهوريين فى السودان -جزء 1 من 2 (Re: Abdel Aati)



    هل الاستاذ محمود صوفي ؟!
    ان التصوف في حقيقته ، هو محاولة إتباع النبي صلى الله عليه وسلم في عمله في خاصة نفسه ، كل ما هناك ان الصوفية إعتبروا النبي الكريم ، على نهج مسدد قبل البعثة النبوية ، وبعدها ، فأخذوا يقلدون نهجه في العبادة قبل البعثة ، ومن هنا جاء انقطاعهم في المغارات ، يحاكون حاله حين كان يتعبد ، ويتحنث في غار حراء قبل نزول الوحي .. لقد ربى منهاج التصوف في العبادة ، والزهد ، والأدب ، والتواضع ، ومراقبة النفس ، والانشغال بعيوبها عن عيوب الناس ، رجالاً أفذاذاُ كانوا منارات هدى ومثابات رشد للامة ، يسعون الناس باخلاقهم ، وعلمهم ، وما أكرمهم الله به من الكرامات ، في غير تكلف ولا منة..
    وحين انتصر معاوية بن ابي سفيان ، على الأمام علي بن طالب رضي الله عنه ، ودالت الدولة لبني أمية، قتل أل البيت في كربلاء ، ففر احفادهم بدينهم ، واعتزلوا الدنيا ، وركنوا الى الله ، ومنهم جاءت المناهج السلوكية التي قام عليها التصوف ، ولقد سمي التصوف بالادب ، فكان يقال أخذ العلم عن فلان ، يعنون الفقه، واخذ الادب عن فلان ، ويعنون به الطريق الصوفي .. ولقد أحب الاستاذ محمود السادة الصوفية ، وذكر تلاميذه بسيرهم واخبارهم ، وحثهم على زيارة قبورهم ، ومشاهدهم ، وانشاد اشعارهم.. ولما كان منهج الصوفيه ، اقرب المناهج الى السنة النبوية ، حيث ركزوا على العمل ، بخلاف الفقهاء الذين انشغلوا باستذكار الحواشى والمتون ، فقد اتفق الاستاذ محمود معهم في اساليب التربية ، في مراحل مختلفة ، من تطور المجتمع الجمهوري ، نحو المستوى العلمي الذي هو جوهر الفكرة ..
    وبمرور الزمن ، أضطر مشايخ الصوفية ان يضيفوا الأوراد ، والشعائر وتفرقت الطرق ، باصحابها ، ولما لم يسعوا هم لتغيير المجتمع أثر هو فيهم ، فآلت زعامة الطرق الى ابناء المشايخ ، فكانوا أقل كفاءة من آبائهم ، حتى دبت الدنيا الى الطرق ، واصبحت الشعائر بلا روح ، وتحولت الطرق الصوفية الى طائفية ، يطاع فيها الزعيم دون ارشاد يقدمه لاتباعه ، وتحول زهد الشيوخ الى طمع في دنيا الاتباع .. ثم راينا في آخر الوقت ، أبناء زعماء الطرق ، يوالون الاخوان المسلمين ،أويخشون الوهابية !! لقد قصر منهاج الصوفية الداعي لنبذ الدنيا ، والبعد عن تغيير المجتمع ، عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك لان النبي الكريم قد كان على زهده ، وعبادته ، يعيش في المجتمع، ويتفاعل معه ، ويسعى لتغييره ، وهذا هو النهج المتكامل الذي لا يهمل الدنيا ، ولا ينشغل بها عن الآخرة، وهو هو نهج السنة ..
    ولقد كان الاستاذ محمود محمد طه ، أول من نبه الى نهاية الطرق الصوفية ، ودعا أتباعها لتركها ، والأخذ بنهج السنة فقال ( الى الراغبين في الله ، السالكين اليه ، من جميع الاطرق ، وجميع الملل ، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، أما بعد فان الزمان قد استدار كهيئته بوم بعث الله محمداُ داعياً اليه ، ومرشداً ، ومسلكاً في طريقه ، وقد انغلقت اليوم بتلك الاستدارة الزمانية، جميع الطرق التي كانت فيما مضى واسلة الى الله ، وموصلة اليه ، الا طريق محمد .. فلم تعد الطرق الطرق ، ولا الملل الملل ، منذ اليوم ... ان على مشائخ الطرق منذ اليوم ان يخرجوا انفسهم من بين الناس ومحمد، وان يكون عملهم أرشاد الناس ، الى حياة محمد ، بالعمل وبالقول ، فان حياة محمد هي مفتاح الدين ، هي مفتاح القرآن، وهي مفتاح لا اله الله التي هي غاية القرآن ، وهذا هو السر في القرن في الشهادة بين الله ومحمد ، لا اله الا الله محمد رسول الله ).
    والسبب في نهاية الطرق الصوفية ، هو ان البشرية ، تطورت وتعقدت مشاكلها ، وساعد تطور المواصلات ، وسبل الاتصال ، في ربط ربط اطراف الارض ، بصورة لم تحدث من قبل ، فتهيأت البشرية، بفضل الله ثم بالتوحد الجغرافي ، الى فكرة واحدة توحد خلافاتها ، وتحقق حلمها في السلام المنشود ، وهذه الفكرة الانسانية، فيما نزعم ، حوتها السنة النبوية ولم تحوها كافة شرائع الأديان ، بما في ذلك الشريعة الاسلامية .. وجوهر السنة أقامة العدل في النفس ، وفي المجتمع ، ومن هنا جاءت الدعوة في الفكرة الجمهورية ، الى تنظيم حياة الناس، باقامة المجتمع الصالح ، كوسيلة اساسية لانجاب الفرد الحر .. يقول الاستاذ محمود ( واعادة الوحدة الى البنية ، تعني ان الانسان يفكر كما يريد ، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول ، وهذا هو مطلوب الاسلام ، وذلك حيث يقول " يا ايها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتاً عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون " ولا يبلغ أحد هذا المبلغ الرفيع من الحياة ، الا بوسيلتين اثنتين أولاهما وسيلة المجتمع الصالح ، وثانيتهما المنهاج التربوي العلمي ، الذي يواصل به مجهوده الفردي ، ليتم به تحرير مواهبه الطبيعية من الخوف الموروث. والمجتمع الصالح هو الذي يقوم على ثلاث مساويات : المساواة الاقتصادية ، وتسمى في المجتمع الحديث الاشتراكية ، وتعني ان يكون الناس شركاء في خيرات الأرض ، والمساواة السياسية ، وتسمى في المجتمع الحديث الديمقراطية ، وتعني ان يكون الناس شركاء في تولي السلطة التي تقوم بتنفيذ مطالب حياتهم اليومية . ثم المساواة الاجتماعية وهي الى حد ما نتيجة المساويتين السابقتين ومظهرها الجلي محو الطبقات ، واسقاط الفوارق التي تقوم على اللون ، أو العقيدة ،أو العنصر ، أو الجنس من رجل وأمرأة ).
    ولكن عادل على الرغم من كل ذلك ، لا يرى في الاستاذ محمود أكثر من صوفي ، فهو يقول ( ان تصنيفي الأول والاخير له يقوم باعتباره صوفياً ، صوفياً في ممارساته ، صوفياً في صورة استشهاده ورحيله ، وقد لا يدرك الكثير بما فيهم اتباع محمود ، ان جل افكاره تتماهى مع لب افكار الصوفية ) .. اما نحن فقد أوضحنا خطأ هذا الرأي ، ونؤكد هنا ان الاستاذ محمود لم يهتم بقراءة التصوف ، وانما ركز على اتباع نهج السنة ، وحيث التقى فكره مع الصوفية ، ألتقى معهم حول حقائق الدين ، التي علمها مثلهم عن طريق التقوى ، فالاشياء التي يظنها عادل من مخترعات الصوفية ، انما هي ببساطة حقائق الدين ، التي يمكن ان تؤخذ من القرآن ، ولهذا فان قول عادل ( ان التناقض-أو التمايز- بين الظاهر والباطن ، بين الحقيقة والشريعة ، والذي هو ركن اساسي في نظرية المعرفة عند الصوفية ، قد تحول عند محمود الى تناقض وتمايز الاصول والفروع في القرآن ...) يحتاج الى مراجعة . فالظاهر والباطن في معاني القرآن ، سببه ان القرآن كلام الله ، والله ( هو الاول والآخر والظاهر والباطن ) ، وكلامه صفة قديمة ، قائمة بذاته ، ولذلك فقد جاء ايضاً ظاهر وباطن .. والحقيقة هي معرفة اسرار الذات الالهيه ، والشريعة هي الاحكام من الاوامر والنواهي ، التي باتباعها يقوى الفكر ويسدد ، فيستطيع معرفة هذه الاسرار ، والتأدب مع الله وفق هذه المعرفة ، وهذا لايتطابق ولا يترادف ، مع الاصول والفروع ، لان كلاهما شريعة ، كل ما هناك ان الفروع شريعة اسلامية تناسب الماضي ، والاصول شريعة اسلامية تناسب العصر الراهن ، الاصول هي السنه عائدة لتكون شريعة المجتمع الحديث ، وهذا هو محك الخلاف بين الفكر الجمهوري والتصوف .. فالقول بان الاسلام مستويين ، وان الشريعة لا تناسب الواقع ، وانما السنه هي التي تناسبه ، لم يقل به أحد قبل الاستاذ محمود لا من الصوفية ولا من غيرهم .. أما قول عادل ( ان محمود في فكره يتماهى مع الحلاج والسهروردي وابن عربي ) فهو ما دل على ان يحتاج ان يتعرف على التصوف بصورة أدق.. فالحلاج ليس بموضوعه عبرة كبيرة عند الصوفية ، لانه كان في حالة فناء ، في حالة جذب ، لم يشعر فيها حتى بالتعذيب والصلب ، فقد روي ان الجنيد مر به ، وهو مصلوب ، وقد قطعت اطرافه ، فقال له : ( لم تركتهم يخربون بيتك؟ قال: أنا لست فيه وانما ذهبت للقاء ربي !! ) .. ويقرب حال السهروردي من الحلاج ، وقد قتل مثله بسبب الشطح .. أما الشيخ الاكبر محي الدين بن عربي ، فقد استوى على معرفة كبيرة ، ولكنه لم يكن مسلكاً أو مرشداً ، وهو كسائر الصوفية ، لم يسع الى تغيير حياة الناس .. فاذا كان لا بد لكاتب المقال ، من ان يشبه موقف الاستاذ ، بموقف احد السلف ، فانه أشبه بموقف الامام الحسين رضي الله عنه ، فقد سعى الى الاصلاح والتغيير ، وبذل نفسه ، بكل وعي ، بغرض الوفاء لقضية التغيير ، هذا مع فارق ان الحسين عليه السلام ، كان يسعى داخل اطار الشريعة ، ولذلك قاتل بالسيف ، بينما دعا الاستاذ محمود لنهج السنة، ولهذا واجه بالنقد السلمي ..
    يقول عادل ( المأساة الكبرى في حياة محمود وفكره ، انه حاول دمج طريق الصوفية الذي هو طريق للخلاص والمعرفة فردي ، قائم على البعد عن العالم والزهد فيه ،والبعد عن الجماعة والانصراف عنها، والبحث عن الحقيقة في ذات الانسان الصوفي ،والوصول الى الله والى منابع الحق منفرداً ، حاول جمع كل ذلك مع طريق جماعي ونشاط اجتماعي وطريق مخالف تماماً لنهج الصوفية الفردية ... ان تناقض محمود وحركته اراه في تناقض الطريق الفردي الصوفي للمعرفة والسلوك ، مع الشكل الجماعي الواسع المكشوف للنشاط الذي اتخذته حركته وهو تناقض كان لا بد ان يؤدي للانفجار ، وتحطيم احد طرفي التناقض ) . . ولعل غاية ما يرمي اليه الاخ عادل ، هو ان يؤكد ان الفكرة الجمهورية ، ليست فكرة سياسية قادرة على تغيير المجتمع ، وهو ليصل الى هذا التقرير المريح ، لكافة الحركات العلمانية ، واليسارية بصورة خاصة ، حاول جهده ، ان يركز على ان الاستاذ رجل صوفي ، وليس رجل سياسة .. لهذا فهو يقول ( لقد رفض محمود مطلق التعامل معها "المحكمة" وهذا وان كان بتقدير سياسي يحسب في دائرة الخطأ ، حيث كان يمكن تحويل المحكمة ، بعمل سياسي وقانوني منظم ، الى مظاهرة كبرى ضد النظام ، كما تم في محاكمات فاطمة أحمد ابراهيم ، والبعثيين في ذلك الوقت ، وان يتم بذلك غل يد القتلة، قانونياً وتحريك العمل الشعبي سياسياً وتعبوياً الا ان الصوفي عند محمود له مرجعية أخرى ، انها مرجعية التسليم (سلمت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفاً وما انا من المشركين ) ..
    أول مايجب ايضاحه ، في هذه العبارة المليئة بالاغلاط ، هو ان تقدير الاستاذ في مقاطعة المحكمة، قد كان في المقام الأول ، لاعتبار الحق ، فما دامت المحكمة قد كونت بقوانين تتعارض مع جوهر الدين (كرامة الانسان) ، ومع حقوق الانسان ، فان التعاون معها، هو اقرار مبدئي باهدار هذه القيم ، خاصة اذا علم انها وضعت ، واستغلت، لتبرير ظلم النظام الحاكم .. أما في المقام الثاني فان المقاطعة لهذه المحاكم ، عمل سياسي، في القمة ، ذلك لان كسر هيبتها يهز السلطة التي كونتها، ويوضح للشعب، الخلل فيها ، ومبلغ مخالفتها لابسط قواعد العدالة، فيسوقه للثورة .. وهذا ما حدث بالمقاطعة والمواجهة ، ثم الصبر على اقسى نتائج المحاكمة .. فقد تأثر الشعب وثار وأسقط نظام مايو ، ولم يحدث ذلك بسبب التكتيك ، الذي تم في محاكمة الاستاذة فاطمة أحمد ابراهيم أو البعثيين .. ان تضامن المحامين ، والانفعال والتظاهر في القاعة في محاكمة فاطمة ، لم يكن هو السبب في عدم تعرضهم لما تعرض له الاستاذ محمود ، وانما السبب ان النظام لم يكن يراهم أخطر خصومة ، ولم يكن يائساً تماما ، ً من ان يصل معهم ، لصيغة يأمن بها شرهم ، والا فان النظام الذي طرد القضاة ، وعطل الدستور، لم يكن ليحفل بأي مقاومة قانونية .. يقول عادل ( ان شهادة محمود في المحكمة ، تشكل على قصرها قمة أدب السهل الممتنع ، وشهادة وإفادة للتاريخ والاجيال .. كما انها تعبر عن درجة عالية من النضج السياسي والفكري، وبها وحدها أدان محمود قوانين سبتمبر الى أبد الدهر ادان السلطة وقضاتها المأجورين ووضع على جبينهم وصمة العار الأبدية .. لقد أصبح محمود اذن هو القاضي الحقيقي وشاهد العصر وضمير الشعب ...) .. هذا تقييم الاخ عادل لموقف الاستاذ محمود !! فهل ترى كان يمكن ان يكون بنفس المستوى ، لو وقف الاستاذ نفس موقف الاستاذة فاطمة والبعثيين ؟!


                  

01-14-2003, 08:14 AM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حركة الجمهوريين فى السودان -جزء 1 من 2 (Re: Omer Abdalla)

    الاخوان ياسر وعمر

    تحياتىالقلبية

    رد الاخ عمر القراى كان على مقال آخر ؛ وهو تاملات فى افق المعرفة والشهادة ؛ وليس على الحقال الحالى ؛ ولكن لا باس ؛ وساقوم بنشر المقال المشار اليه ورد مقتضب على بعض ملاحظات الاستاذ عمر

    كان الاخ ياسر الشريف والاخ عمر عبد الله قد صححا لى بعض المعلومات التى ذكرتها فى طي هذا المقال - اذا لم تخننى الذاكرة - وللاسف فقد جاء الكقال ببعض الاخطاء الطفيفة ؛ وساعود اليها بالتصحيح

    مع دعوة للجميع بالانخراط فى النقاش الهادى

    عادل
                  

01-15-2003, 04:22 PM

مهيرة
<aمهيرة
تاريخ التسجيل: 04-28-2002
مجموع المشاركات: 1128

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حركة الجمهوريين فى السودان -جزء 1 من 2 (Re: Abdel Aati)

    الاخ الفاضل عادل
    تحية وتقدير
    اولا اسجل اعجابى باسلوبك النقدى العلمى للحركة الجمهورية ولغيرها والذى تتبع فيه المنهاج العلمى للنقد وعدم خلطه بالمواقف الشخصية
    ثانيا اود ان اضيف بعض النقاط لما ذكرت فى تحليلاتك للحركة الجمهورية ،من وجهة نظرى بعد قرآتى لتاريخهاالسياسى وفكرتها الدينية ،ولكنى ايضا اتفق معك فى ما ذهبت اليه
    1-اراد الاستاذعصرنة الافكار الصوفية والتفكير الدينى السائد آنذاك بعدتجربته السياسية الاولى_فبل دخول الغار-لأنه ادرك أن الحزب الجمهورى لن يستطيع منافسة الاحزاب الطائفية الموجودة،وأوجدفكرة التجديد الاسلامى لتكون مرجعية دينية لقاعدة جماهيرية، و فعلا استقطبت هذه الفكرة شريحة الطلبة والمثقفين ،كما ذكرت فى مقالك
    2-لجأ- الاستاذ-للفكرة الدينية الجديدة لأن تفكيره فى الاساس دينى،حسب النمط السائد فى تلك الفترة.ولكنه لم يكن خريج مدارس دينية،وكان خريج كلية غردون،ذو التفكير الاسلامى العادى كغيره من الخريجين .ولهذا فهو قداستفاد من تعليمه الاكاديمى وقراءاته الفلسفية والصوفية والدينية،فى كتابة مذهبه الجديد، فجاء هجينا من نظريات علوم الاجتماع والنفس والفلسفة والتصوف فى قالب دينى
    اسلامى
    3-ولأنه لم يكن متخصصا فى علوم الدين الاسلامى وقع فى اخطاء فادحة،لا يقبلها المسلم المعتدل،لأنها تزعزع المبادىء الاساسية فى الاسلام،قد يمرر بعض الناس هذه الاخطاء لجهل بالدين،او لشدة التعلق بالشخصيةلدرجة التقديس كما ذكرت،ولاسباب اخرى( فى نفس يعقوب كما يقال)من بعض الذين يهدفون الى زعزعة الاسلام حقيقة
    ولذا ارى انه اخطأفى تسمية مذهبه بالرسالة الثانية،التى توحى للقارىء بأن الكاتب نبى او-على اقل تقدير-هو فى مقام صاحب الرسالة الاولى وهو سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام،هذا اضافة لماهو موجود من تجاوزات كبيرة داخل الكتب،ومن سوء الطالع انه عمل على نشرها لنشر افكاره، خلافاللعرف الصوفى الفردى كما ذكرت انت،وبذلك يتيحها للعامة،ولذا انا ارجح انه قام بكل هذا المجهود الفكرى لغرض الانتشار والمنافسة السياسية.ولكن جاءت الرياح بما لايشتهى السفن-فأدى هذا الانتشار لنقد الفكرة وتقويضها على اساس دينى،حتى من المسلمين المعتدلين،وليس فقط من علماء الازهر او السلفيين، كما يحاول اتباعه ان ينعتوا كل من ينتقدهم من الناحية الدينية
    اسفة للاطالة
    ولك شكرى
                  

01-15-2003, 08:29 PM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حركة الجمهوريين فى السودان -جزء 1 من 2 (Re: مهيرة)

    الاستاذة مهيرة

    مما لا ريب فيه ان قرائتك فيها الكثير من الملاحظات الذكية ؛ واسئلتك مشروعة ؛ وخصوصا السؤال عن ما هو موقع غير المسلم المسيحى والمؤمن بكريم المعتقدات واللادينى ؛ فى منظومة الحزب الجمهورى او الاخوان الجمعوريين السياسية والاجتماعية

    الامر الثانى هو ان قيام حركات التغيير على اسس دينية فيه مضار للسياسة وللدين ؛ وقد خبرنا كل ذلك من تجربة ايران والسودان ؛ ولا اعتقد ان الاخوان الجمهوريين بقادرين على تغيير المجتمع مع الغيبية الكامنة فيهم ؛ وكون ان تطبيق فكرهم لا يتم الا اذا كانت غالبية المجتمع من الجمهوريين ؛ وهو امر بعيد المنال ؛ فالمجتمعات لا تتادلج ؛ وان كانت تتدين ؛ وعصيان المجتمعات على الادلجة توضحه تجربة الدول الايدولوجية القديمة والحديثة

    البديل فى رايي المتواضع هو فى فصل السياسة عن الخلافات الدينية ؛ وان تقوم الدولة والاحزاب على اساس المواطنة ؛ وحينها فقط تتحقق الحرية المنشودة

    مع التقدير

    عادل
                  

01-15-2003, 12:05 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-02-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حركة الجمهوريين فى السودان -جزء 1 من 2 (Re: Abdel Aati)


    نواصل رد عمر القراى على مقال الأخ عادل "تاملات في أفق المعرفة والشهادة حول حياة واستشهاد محمود محمد طه":ـ
    وليس التسليم للارادة الالهيه ، هو مرجعية الصوفي وحده كما يظن عادل ، وانما هو مرجعية النبي الكريم عليه السلام ، فقد قال تعالى في حقه ( قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وانا أول المسلمين ) ، والاسلام في هذه القمة الشماء ، انما هو التسليم الواعي للارادة ، وهو أرفع مستويات الدين ( ومن أحسن ديناُ ممن أسلم وجهه الى الله وهو محسن ) .. والتسليم لا يعني السلبية والتقاعس ، وانما يعني ان تقوم بالواجب المباشر ، جهد الاتقان ، ثم ترضى بالنتيجة التي قدرها الله ، وتلك ايجابية ما بعدها ايجابية .. وعكس التسليم السخط وعدم الرضا ، وهذا هو العمل السلبي ، لأن ما حدث لا يمكنك أرجاعه ، فلماذا تذهب نفسك عليه حسرات ، بدلا من الانصراف الى الواجب المباشر الجديد؟! ولقد كان التسليم مرجعية الاستاذ محمود ، ولكن بعد ان قام بالواجب الديني ، والواجب السياسي على أتم وجه .. ومن أخطاء عادل في عبارته السابقة ، الآية القرانية فقد أوردها ( سلمت وجهي للذي فطر السماوات والارض حنيفاً وما انا من المشركين ) وصحة الآية هي (إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والارض حنيفاً وما أنا من المشركين ) ..
    يقول عادل ( ان محمود بهذا النص القصير ، قد سجل تقدماً في الفهم السياسي لطبيعة النظام القائم ، مقابل تقليص لجانب الاجتهاد الفكري المختلف عليه، حيث لم يبني رفضه لقوانين سبتمبر على اسس ايدولوجية "عدم صلاحية الشريعة للقرن العشرين وعودة الاسلام بالسنة لا بالشريعة" وانما على اسباب قانونية وسياسية "التشوية في هذه القوانين لمبادئ الشريعة المدرسية ، والغرض السياسي القهري من تطبيقها" انها واقيعة اكثر تجاوز بها محمود نفسه وتنظيمه بوعي سياسي عال وحس وطني وتاريخي مرهف وعميق ) .. ان النص الذي يتحدث عنه عادل هنا، هو كلمة الاستاذ محمود أمام المحكمة وهي الكلمة التي بدأها بقوله ( أنا أعلنت رأي مراراً في قوانين سبتمبر83 من انها مخالفة للشريعة وللاسلام ) فهو قد فرق منذ اللحظة الاولى ، بين الشريعة والاسلام ، وهذا التفريق يعتمد على ايدولوجيته المختلف عليها ، خلافاً لما قرر عادل ، ثم ان المنشور موضوع المحاكمة ، ذكر صلاحية السنة وعدم صلاحية الشريعة .. ان مشكلة عادل هي انه لم يستطع ان يرى ان كلمة الاستاذ ، وما جاء فيها من حديث ادان تشوية الاسلام ، وعدم استغلال القضاء ، وادان ظلم الشعب وتسخير المحاكم المسيسة لاذلاله ، هو من اسس الفكرة الجمهورية ، وان الاستاذ بهذا المنحى السياسي لم يتجاوز فكره ولا تنظيمه ، وانما ساقت الاحداث الفكر ليلامس الواقع ، فتأثر به الناس ، وكان يمكن لعادل ان يرى ذلك ، لولا انه حبس نفسه ، باصرار غريب ، في فكرة ان الاستاذ صوفي وليس سياسي !!
    والاستاذ محمود لم يبدأ رجل دين ، أو متطرقاً صوفياً ، وانما بدأ بالتعليم المدني ، وارتقى فيه حتى آخر المراحل في عصره ، فتخرج من كلية غردون التذكارية مهندساً مدنياً، وحين عمل مهندساً بالسكة حديد بعطبرة ، أشتهر بمقاومة الانجليز ، حتى نقلوه نقلاً كيدياُ ، فخرجت كل مدينة عطبرة تودعه .. ثم نشأ الحزب الجمهوري مناهضاً للاستعمار، فكان الاستاذ محمود أول سجين سياسي في السودان ، وذلك عام 1945 . ولقد قاد الاستاذ محمود ثورة رفاعة ، التي ناهض فيها قانون الخفاض الذي سنه الانجليز ، بغرض اهانة الشعب ، بالتدخل في عاداته ، ثم اظهاره بالتخلف ومنعه من ثم حق تقرير المصير.. ولقد أوضح الجمهوريون في ذلك الوقت _ منشور صدر عام 1946- انهم لا يؤيدون عادة الخفاض ، ولكنهم مع ذلك يرفضون الطريقة ، التي شرعت حكومة المستعمر ، تحارب بها هذه العادة ، التي لا تستأصل الا بالتربية .. وبعد ان نحى الحزب الجمهوري ، منحاً دينياً كتب الاستاذ محمود كتاب اسس دستور السودان ، لقيام حكومة فدرالية ديمقراطية اشتراكية في عام 1954 . ودعا فيه الى تقسيم السودان الى خمس ولايات ، واوضح ان النظام الديمقراطي ، انما يتدرج من النظام البرلماني الى الرئاسي ، الى الديمقراطية المباشرة .. وفي ذلك فصل في انشاء حكومة القرية ، وحكومة المدينة ، وحكومة الولاية ، ثم الحكومة الفدرالية .. وتحدث عن الدستور ، وعن حقوق الانسان. كما شرح خلال حركته فكرته الاشتراكية ، وسندها من القرآن . واوضح مراحل التطبيق في السودان ، وكيف تبدأ بوضع حد أدنى وحد أعلى للأجور ، على الا يكون الحد الاعلى أكثر من سبعة اضعاف الحد الادنى ، ورفع شعار " ساووا السودانيين في الفقر الى ان يتساووا قي الغنى" .. وطرح مسالة ان الغاء الملكية الفردية، يجب ان تتجه الى إقامة التعاونيات ، والا رجع النظام الى راسمالية الدولة .. ثم فصل كيف ان زيادة الانتاج من مصادر الانتاج ، وعدالة التوزيع ، تسوق الى تحقيق الاشتراكية ، كمرحلة مقدمة نحو الشيوعية ، التي فيها يكون الناس شركاء فيما يملكون ، وهو ما أشار اليه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال ( كان الاشعريون اذا املقوا أو كانوا على سفر وضعوا ما عندهم على ثوب واقتسموه بالسوية أولئك قوم هم مني وانا منهم ) .. كما أوضح في سائر كتبه ، ان ماعجزت عنه الحضارة الغربية ، هو الجمع بين الديمقراطية والاشتراكية ، في جهاز حكومي واحد .. ونقد الماركسية ، كمدرسة من مدارس الاشتراكية ، لها حسناتها ، وعليها سيئاتها ، وتنبأ بفشل وسقوط الشيوعية الدولية في الستينات !! وتناول فكره الشامل مشاكل السودان فكتب عن مشكلة الجنوب ، ورفع شعار " حل مشكلة الجنوب في حل مشكلة الشمال " منذ الخمسينات !! وكتب في قضية المراة ، ودعا الى المساواة التامة بين الرجال والنساء ، واثبت ان ذلك جوهر الاسلام الذي قصرت عنه شريعته لحكم الوقت.. وكتب في التربية ومناهج التعليم .. كما تعدى حدود السودان فكتب عن السلام العالمي ، وعجز الراسمالية .. ووقف وحده ، في مناهضة الهوس الديني ، وأظهر عجز دعاته في ميزان الدين وفي ميزان الحضارة .. فاذا كان من يؤسس لكل هذه المواضيع ، في فكر متسق لا يضطرب ولا يلتوي ، تصحبه تربية أخلاقية عالية ، وقد اخرج ما يزيد على مائة وخمسون كتاباً ، وزعت منها عشرات الالاف من النسخ ، يحملها المؤمنون بهذا الفكر من الرجال والنساء في الطرقات ، يطرحون هذا الفكر في أركان نقاش يومية في المؤسسات التعليمية ، اذا كان من فعل كل ذلك ، لا يعتبر مفكراُ سياسياُ فليخبرنا الاخ عادل من هو المفكر السياسي؟!


                  

01-15-2003, 12:08 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-02-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حركة الجمهوريين فى السودان -جزء 1 من 2 (Re: Abdel Aati)


    الجمهوريون : ما لهم وما عليهم
    يقول عادل عن الجمهوريين ( واذا كان اتباعه قد ظلموه في حياته فقد فعلوا ذلك عندما حملوه اكثر مما يحتمل من آيات التقدير والتقديس ، فلم ينظروا الى فكره بمنظار النقد العلمي التاريخي . وحين ربطوا مجمل حركتهم بشخصه وحين رأوا فيه الكمال . وظلموه أكثر حينما روجوا قبل أيام من موته أوهاماً لا يسندها منطق حول عدم قدرة الحكام على أغتياله ، فتركوه بذلك في يد الموت وحيداً في وقت كان أكثر ما يحتاج فيه الى التضامن وغلوا بذلك ايادي قوى شعبية كثيرة كانت سحائب غضبها تتجمع ضد النظام. وحين زعم بعضهم استحالة اعدامه وضعوا الناس قسراً في حالة ترقب في انتظار المعجزة واخلوا بذلك الساحة بينه وبين السفاحين. وظلمه بعض اتباعه بعد موته حين تراجعوا بغير انتظام ودعموا تراجعهم بفكرة انه مات فداء لكل الشعب مدخلين مزيداً من الغيبية على معنى موته البطولى النبيل وجاعلينه ستار للاحباط والسلبية دون ان يفرقوا بين معاني الفداء الايجابي المحرك لدواعي النضال والتضحية السلبية التي ترتبط بالانكسار والاستسلام) .. ـ
    أول ما تجدر الاشارة اليه هنا ، هو ان الاستاذ محمود لم يسمح للجمهوريين بان يقدسوه ، فقد انشغل بعبوديته لربه و زهد في السيطرة على الناس ، وسار بين اتباعه يعلمهم التفكير ويحثهم على النقد ، ويربيهم تربية الاحرار.. ولكن موقف الجمهوريين، بعد تنفيذ الحكم على الاستاذ ، انما كان نتيجة صدمة ، سببها فقدانهم الانموذج الرفيع، الذي وجدوا طعماً لحياتهم في معيته ، فلم يكن غريباً ان تحدث هزة في النفوس ، يتأثر بها التفكير ، وتشل بها الحركة . والذين زعموا ، منهم ، بان الاستاذ لن يمكن الله منه هؤلاء السفاحين ، كان منطلقهم محبة الاستاذ.. ورغم ان مثل هذا القول يعتبر في موازين الفكرة خطأ، لانه تقييد للارادة الآلهية ، بمستوى علمنا أو آمالنا ، الا انه موقف ديني ، مقبول ، في مستوى العقيدة الذي يقوم على الايمان .. ولعله اشبه بموقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، حين التحق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى ، فقد قال ( من قال ان محمداُ مات علوته بسيفي هذا ) !! ولم يرجع عن موقفه ، الا حين أظهر له ابوبكر رضي الله عنه ، المعرفة الاكبر، وذلك حيث قال ( من كان يعبد محمداً فانه قد مات ومن كان يعبد الله فان الله حي لا يموت )!! وقرأ الاية " وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على اعقابكم ؟! ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين ).. ولقد رجع كثير من الجمهوريين الى أنفسهم ، واستعانوا بمنهجهم في تلمس الحكمة ، والرضا بالارادة الآلهية ، وخرجوا من أزمتهم على تفاوت لهم في ذلك ، بمرور الزمن .. ـ
    أما النقد المقبول في حق الجمهوريين ، فهو انهم عجزوا ، بعد فترة طويلة من ذهاب الاستاذ ، عن استئناف حركتهم . واسهموا بذلك ، في غيابها عن الساحة ، ومكنوا ، من ثم ، لخصومها واعدائها ، وشاركوهم ولو بحسن نية ، في وأدها، حتى نشأت اجيال لا تعرف شيئاً عن الاستاذ ولا عن الفكرة .. وحين أوقف الجمهوريون حركة الترشيد الداخلية ، وحركة الدعوة الخارجية ، وظل مجتمعهم متماسكاً إجتماعياً ، بقريب مما كان عليه في الماضي ، ضعف تحقيق الافراد ، من قيم السلوك الديني الرفيع ، وضعف الفكر ، وأصبح الجمهوريون يعيشون على تذكر ماضي ، حركتهم مع الاستاذ .. وبتوقف حركة التربية ، والترشيد ، والنقد ، تأخرت الفكرة في أولويات الأفراد ، وتباعدت آراءهم ، وضعف تحقيقهم.. و تأثر مجتمعهم الى حد ما، بالمجتمع الخارجي الذي كانت رسالتهم هي تغييره ..هذه مفارقة ، وعجز لا استثني منه نفسي ولا أحد من أخواني واخواتي .. ورغم عدم وجود الحركة، انضمت مجموعات كبيرة من الشباب ، الى الجمهوريين ، وتعلقوا بالقيم التي يجسدها كبار الجمهوريين ، ولكنهم لم يجدوا التوجية ، والترشيد ، أوحتى شرح الفكرة نفسها ، مما زاد المجتمع ترهلاً ، وبعداً عن مستوى الفكرة .. ولما اصبح إدعاء الالتزام لا يستتبع مسئولية في حمل الدعوة ، ومصادمة خصومها ، أوفي الالتزام االدقيق المراقب للسلوك الفردي ، انضمت مجموعة من اصحاب الاغراض، وبعض المندسين من كوادر تنظيمات أخرى، الى مجتمع الجمهوريين ، فاخذ بعضهم يكتب أو يتحدث ، بلسان يشبه الجمهوريين ، ويمارس من السلوك ، ما يسئ للفكرة عند من يعرفها ، وادى ضعف التنظيم ، والعفوية ، والمجاملة الزائدة ، الى عدم مساءلتهم ، وايقاف عبثهم ، ورفض سلوكهم ، الذي يتعارض مع جوهر الفكرة.. وكل هذه السلبيات ، ما كان لها ان تحدث ، لو كانت الحركة ولو بشقها الداخلي ، مستمرة بصورتها الفكرية المعروفة .. ـ
    ومما يجب ان يعرفه الناس ، أن الجمهوريين تحاوروا كثيرا ،ً ولا زالوا يتحاورون ، حول موضوع ايقاف الحركة أو استئنافها .. فالذين كانوا يرون ايقاف الحركة ، حجتهم ان الفكرة الجمهورية ليست مجرد حركة فكرية ، أو حزب سياسي لتستأنف حركته ، بمجرد تنفيذ الاعدام على مؤسسه.. وانما هي حركة بعث ديني ، كان يقودها رجل محقق لمستوى من العلاقة بالله ، والمعرفة بالدين لم تتأت لغيره .. ولما لم يكن في اتباعه من يقرب ولو من بعيد من مقامه ، فان الحركة اذا استؤنفت ربما اصبحت تشويه لفكره ، وربما كانت منفرة وضارة .. يضاف الى ذلك ، ان الجمهوريين مستهدفين ، من كافة القوى السلفية ، في داخل السودان وخارجه ، وان الحكم على الاستاذ ، والذي اعتمد على حكم الردة ، سيظل سيفاً مشرعاً فوق رؤوس اتباعه ، فاقامتهم للحركة ، وهي حركة سلمية ، مبرأة من العنف ، ومن استعمال السلاح ، انما يعني الانتحار الجماعي.. وهو امر لا فضيلة دينية فيه ، واولى منه ايقاف الحركة ، والانشغال بالسلوك الفردي ، والانتظار حتى يقضي الله أمراُ كان مفعولاً ، وهم يؤملون ان يظهر الله امر دينه ، في اى لحظة ، على النحو الذي يريده .. ولقد وجد كثير من الجمهوريين ، في هذه الحجج ، متكأ للتنصل من مسئولية السلوك والحركة ، واتخذ بعضهم من عجزهم فضيلة ، فانشغلوا عن نقد أنفسهم ، بتبرير تقصيرهم بان الحركة مستحيلة ، وعاشوا حياتهم كغيرهم من الناس ، لا يميزهم غير اصرار بعضهم على القول بانهم جمهوريين .. ـ
    والذين يرون ضرورة الحركة ، لم يتفقوا مع هذا الرأي ، وعندهم لو ان ابوبكر الصديق رضي الله عنه قد قال به ، عشية التحاق النبي عليه السلام بالرفيق الأعلى ، لانتهى الاسلام ولم يصل الينا ، ولم تكن هناك فكرة جمهورية .. ورغم انهم يوافقون على ان قامة الاستاذ ، لا شبيه لها ، الا انهم يرون ان واجبهم ، هو الدعوة للفكرة على قدر طاقتهم ، ومعرفتهم ، في صدق واخلاص .. وهم يرون ان الصمت عن الفكرة ، وإيقاف الحركة ، انما هو امر مغاير لاتجاه الاستاذ ، الذي لم يوقف الحركة حتى آخر اللحظات ، ولم يوص بايقافها حتى بعد حكم الاعدام ، بل على العكس كان يدعو لتصعيدها .. وهم أيضاً، يرون صعوبة الحركة و يشعرون بخطورتها، ويرون امكانية ابتداع اساليب في محدوديتها ، حتى تتغير الظروف ، ولكنهم لا يرون ان بطش أي سلطة ، هو سبب كاف لانهاء حركة فكرية ، ذلك ان مقاومة الدكتاتورية والهوس الديني هي مسئولية الافكار المستنيرة ، قبل ان تكون مسئولية الشعب عامة .. والانتظار الروحي لامر الله ، عند هؤلاء ، لا يكون في فراغ ، وانما يجب ان يتم اثناء الحركة نفسها، ذلك ان الاستاذ نفسه ، وهو اكبر المنتظرين لأمر الله وبعث الدين ، كان يعمل في منشطه ومكرهه لهذا الامر ..
    وكان من نتائج هذا الحوار ، ومن التطور الطبيعي ، ان بدأت حركة محدودة ، متعثرة ، لبعض للجمهوريين في السودان، واستطاع الجمهوريون بالخارج ، ان ينشئوا موقعاً في الانترنت ، انزلوا فيه معظم مؤلفات الاستاذ ، وبعض الاناشيد العرفانية ، وتسجيلات لمحاضرات ، وبريد الكتروني لنقل اخبار مجتمعهم ، واثارة بعض الحوارات بينهم ، وقاعة لقاء صوتية تنشدون فيها ، ويتحدثون في بعض المواضيع ، وكان لهذا العمل اثر كبير ، في تعريف الكثيرين بالفكرة ، وتوفير مادة للباحثين ، ووصل الجمهوريين في جميع انحاء العالم ببعضهم البعض .. ومع ذلك ، فان هذا جهد لا يوجهه تنظيم ، وانما هي مبادرات فردية ، لاتزال في مراحلها البدائية ، والناشطون فيها لم يوظفوها حتى الآن ، في الاتجاه المطلوب ، من النظر في حال المجتمع ، والبحث الجاد للخروج من هذا التيه .. ـ
    وإني لأوكد هنا لمن عسى يحتاجون الى تأكيد، ان الخلاف بين الجمهوريين ، يختلف عن الانقسامات والصراعات ، التي نراها في الاحزاب ، والتنظيمات الاخرى .. ذلك ان المصالح الذاتية ، الضيقة ، هي التي تدفع المختلفين في تلك التنظيمات ، الى الاحتراب ، والتآمر ، والحقد والاضرار ببعضهم البعض .. فالجمهوريون رغم اختلافهم حول الحركة العامة ، وحوارهم المستمر حولها ، ونقدهم لبعضهم البعض ، لازالوا يلتقون على محبة صادقة ، واحترام متبادل ، وتقدير عميق لبعضهم البعض ، وتعاون بينهم لا يوجد في غيرهم من المجتمعات ، وانما كان ذلك كذلك ، بفضل الله ، ثم بفضل الفكرة ، التي قامت على قدر كبير من التربية الفردية ، وفق المنهاج النبوي الشريف .. واني لأرجو ان يتدارك الجمهوريون أمرهم ، فهم بذلك جديرون، وينهضوا بفكرتهم ، قبل ان تدركهم النذارة الآلهيه ( وان تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) .. ـ



                  

01-15-2003, 12:14 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-02-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حركة الجمهوريين فى السودان -جزء 1 من 2 (Re: Abdel Aati)


    بؤس النقد اليساري:ـ
    درج بعض المثقفين اليساريين ، أو الذين تأثروا بالافكار اليسارية ، في بعض مراحل حياتهم ، الى محاولات متفرقة لنقد الفكرة الجمهورية .. ولعل ماشجعهم على هذا الاتجاه ، بالاضافة الى غياب حركة الجمهوريين من المسرح ، النموذج المنفر عن الدين الذي طرحته الجبهة الاسلامية.. فقد ظنوا ان الفهم الاسلامي التقليدي ، لن يستطيع منافستهم حين تسقط الجبهة ، وان الفرصة اصبحت سانحة ليكونوا جبهة عريضة من الفكر التقدمي ، خاصة وان بعضهم قد تخلوا عن الماركسية، بعد سقوط الشيوعية الدولية ، وأخذوا يروجون لليبرالية الغربية .. ولهذا رأوا ان يؤسسوا نقداً للفكرة الجمهورية ، حين راوا اهتمام الناس بها ، باعتبارها فكراً تقدمياً رائداً خاصة بعد موقف الاستاذ الأخير .. ولما لم يستطيعوا ان يجدوا أي مدخل على الفكرة في أصولها ، بحثوا عن المواقف السياسية ، ولعلهم جميعاً اعتمدوا على ما كتب د. محمد سعيد القدال أستاذ التاريخ بجامعة الخرطوم عن ثورة رفاعة . فقد ذكر ان الاستاذ محمود دافع عن الخفاض الفرعوني ، وواجه الحكومة البريطانية بسبب ذلك !! ولقد قابله الجمهوريون وصححوا له هذا الفهم الخاطئ ، واوضحوا له انه كمؤرخ كان يجب ان يكون قد اطلع على بيان الحزب الجمهوري الذي صدر عام 1946 وقد أكدوا فيه انهم لا يؤيدون عادة الخفاض الذميمة ، ولكنهم يعارضون تدخل المستعمر في عادات الناس وأخلاقهم .. ولقد تبع اتجاه د. القدال ، د. محمد احمد محمود ، وركز عليه في مقال باللغة الانجليزية نشر في قائمة حوار السودانيين تحت عنوان ( بداية ونهاية الحركة الجمهورية ) ولقد علقت عليه في نفس الموقع ، خاصة وانه زاد على د. القدال ، واعتبر الاستاذ محمود عدو المرأة !! كما تحدث عن تأثر الاستاذ بالصوفية ، ولعل مقال الأخ عادل هذا ، قد تأثر كثيراً بمقال د. محمد محمود ، فقد حاول كلاهما ان يؤكد ان الاستاذ محمود صوفي وانه لذلك أخطأ في السياسة !! ـ
    وفي لندن أقاموا فليماً سينمائياً عن الخفاض الفرعوني ، دعوا له المفتش البريطاني الذي كان قد حضر ثورة رفاعة ، وفي بداية الفيلم ملأت صورة الاستاذ محمود الشاشة ، مع صوت باللغة الانجليزية ، يقول ان الاستاذ كان مدافعاً عن الخفاض الفرعوني !! وحين حاول الأخ عرمان محمد أحمد التصدي لهذا الاتجاه ، وطلب فرصة للتعقيب ، أخطر بانه ليس هناك فرصة للنقاش !! ومن امثلة هذا النقد غير المسئول ، ما كتبه المنصور جعفر الذي ذكر ان نصر حامد أبوزيد ، تفوق بجدارة على الاستاذ محمود !! وذكر ان الاستاذ محمود اقحم الحزب الجمهوري في الطهارة الفرعونية !! ومن أبأس هذه الكتابات ما كتبه الأخ د. محجوب التيجاني في حواره مع أحد الاخوان الجمهوريين ، بعد ذكرى 18 يناير حيث قرر نهاية حركة الجمهوريين ، ودعاهم بجرأة لا يملكها العارفون للانضمام للحزب الشيوعي !! ـ
    وحتى لا أظلم كل الأخوة الذين تأثروا بالفكر اليساري، أود ان أختم هذا الحديث بماكتبه الأخ د. عبد الله بولا ، في مقال نقد فيه الفكرة الجمهورية ، بمستوى عال من المسئولية العلمية ، ودقة الفكر.. فقد قال (اضيف ان مساهمة الاستاذ محمود محمد طه لم تقف باصالتها عند حدود التجديد النظري ، بل امتدت الى كافة مجالات العمل الحركي السياسي والتربوي المنظم . فقد كان تنظبم الاخوان الجمهوريين نموذجاً ممتازاً للجماعة الملتزمة المنضبطة النشيطة. وكانت حلقات حوارهم التعليمية "ندوة الخميس" ومؤتمراتهم واركان النقاش في الشوارع والؤسسات التعليمية "وهي تقليد ابتدعوه ثم انتشر عنهم في الحركة الفكرية والسياسة في السودان" صوراً حية للممارسة الديمقراطية الراشدة...) الى ان يقول عن المحاكمة ومواجهة الموت ( كان هذا حديث الرجل الى المحكمة التي كان يعلم انها اضمرت قتله أو اذلاله بالتراجع عن آرائه ، حديث رجل سلط على عنقه سيف إرهاب مشرع مديد طوله ألف وثلاثمائة عام ونيف، فما زاغ بصره وما طغى ولا أقول لم يرمش له طرف ، بل لم يهتز منه ظل من خاطرة في أعمق أعماق طبقات وعيه الباطن : ـ
    وقد كان فوت الموت سهلاً فساقه اليه الحفاظ المر والخلق الوعر
    وامام المشنقة ثانياً : فعندما أحكموا حبل الموت حول عنقه وازاحوا غطاء الرعب عن وجهه االوضئ ، وجدوا رجلاً يبتسم لا ساخراً ولا مستهزئاً بالموت بل موقناً بالفداء الكبير مطمئناً الى اختيار ربه منسجماً حتى النهاية مع منطقه التوحيدي وهذا أقصى ما يصل اليه الصدق. وهكذا فقد مضى "الى الخلود بطلاً ورائداً وقائداً رعيل الشهداء ورمز ايمان جديد بالفداء..... وبالوطن ". أقول هذا وأنا جد مستوحش من أن اكون قد أسات الوقوف في حضرة هذا الشيخ الجليل ) .. ـ

    هذا وللأخ عادل والاخوان الذين أعادوا نشر مقاله شكري وتقديري .. ـ

    عمر القراي
    الولايات المتحدة الامريكية 30 /5 /2002

                  

01-17-2004, 02:48 AM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حركة الجمهوريين فى السودان -جزء 1 من 2 (Re: Omer Abdalla)

    نواصل غدا مع الجزء 2

    عادل
                  

01-17-2004, 02:24 PM

Raja
<aRaja
تاريخ التسجيل: 05-19-2002
مجموع المشاركات: 16054

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حركة الجمهوريين فى السودان -جزء 1 من 2 (Re: Abdel Aati)


    ده فوق..
    ومنتظرين الجزء الثاني..
    رجاء
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de