من هذه المقدمة يتضح لنا شيئاً من السيرة العطرة لمفهوم الدين والعبادة عند الأستاذ محمود، هو لم يحجبه حبه وتقديره للمتصوفة، أن يحتجب في الكهوف أو الخلوات، كما فعل السلف الصالح من المتصوفة، بل كان يري أن حكم الوقت يقتضي أن تمارس حصيلة عبادتك في حضرة السلام وهي معايشة الخلق على جميع أصنافهم وأنت على دين.. وعلى خلق وعلى تقوى.. كان يري أن المحك الحقيقي للعبادة هو معاملة الخلق، لقد كان متمدناً متحضراً في حياته الخاصة.. من أصغر الأشياء إلى أكبرها، ذو محبة جياشة عظيمة لكل طبقات الشعب السوداني بجميع تصانيفه، هذا الذي جذب نحوه كبار العلماء والمفكرين والشعراء والساسة، من أمثال أستاذنا طيب الذكر الدكتور عبد الله الطيب الذي ألف قصيدته العصماء في ليلة تنفيذ الحكم على الأستاذ.محمود. كذلك الشاعر الفحل محمد المهدي المجذوب.. الذي احتوي ديوانه (نار المجاذيب )على مجموعة قصائد نادرة.. و صنو المجذوب الشاعر منير صالح عبد القادر.. وغيرهم الكثير من الشعراء الفحول الذين لا يسع المقام لذكرهم كل على حده..
يري الأستاذ محمود كما الحديث النبوي( الخلق عيال الله، أحبهم الى الله أنفعهم لعياله) لذلك كان كل وقته للناس وفي قضاء حوائجهم وتأليف المؤلفات التي تصلح حالهم، يحملها أبنائه الجمهوريون والجمهوريات، ويوصلونها إلى جميع طبقات الشعب بأنفسهم، يتحملون الأذى ويتقبلون المدح بخجل..، يصرفون غوغائية المعارضة من أناس مهووسين أعمتهم خصومة المعارضة عن الحق، وحتى عن الخلق السوداني العادي، يتقبلون المدح بتواضع ويدفعون الأذى بصبر وجلد وحسن خطاب.. وحادي ركبهم يقول
0 الناس ناسكم..السودان والإسلام ما عندي شك فيهم..اصبروا عليهم..لعل الله فاتح بينكم وبين قومكم..)..من هذا البحث يتضح أنه ،ليست هنالك حياة خاصة للأستاذ محمود، وإنما كان كل وقته للناس بما في ذلك أسرته الخاصة..هكذا قد كانت سيرته وهكذا قد كانت حياته.. هذا وسوف نورد هنا بعض الأمثلة الواقعية التي شاهدناها عن قرب.. وبعض التي وردتنا من ثقاة.. سوف نذكر بعض الأمثلة والوقائع...
قطاع يوم معيشي من حياة الأستاذ محمود الخاصة:-
تكاد تكون هي نفس الشدة ونفس التشميرة ونفس الجد الشديد منذ أن عرفته منذ أواسط السبعينات والي التحاقه بربه.. ثم ما هو قبل ذلك نروي بعضه من ثقاة يرونه عنه وهم منه على قرب...فإذا أخذنا مثلاً يوماً من الأيام في أواسط السبعينات، فإن قطاعه يكون هكذا تقريباً
يبدأ اليوم الصباحي في داره قبل طلوع الشمس.. يتوافد على داره الأخوان الجمهوريين والأخوات الجمهوريات والضيوف..يبدأ اليوم بقراءة القرآن والإنشاد العرفاني.. وتـفتيق بعض معاني القرآن والإنشاد في مستوي عرفاني وسلوكي.. يتخلل ذلك شرب الشاي، النظر في أمر الدعوة، سماع البرنامج اليومي من بعض القياديين في التأليف والطباعة والدعوة.. وداع المسافرين. قضاء بعض حوائج الضيوف، والمداح من خارج إطار الجمهوريين... الختام بالقرآن الكريم... وداع المسافرين إلى المدن القريبة ووداع أصحاب العمل...يتخلل الفترة الصباحية عمله في التأليف ومقابلة الضيوف، حيث كان يفتح الباب بنفسه ويقدم المشروب بنفسه في أغلب الأحوال..من توجيهاته.إذا طرق الباب أي زائر.. كل الحذر أن يقال له أن الأستاذ نائم..وهو قليلاً ما ينام.. ولكن لا يحب أبداً أن يقال له بأن الأستاذ محمود نائم.. وغالباً ما يستيقظ بنفسه من صوت الباب..تنتهي فترة القيلولة التي غالباً ما يقضيها في التأليف أو استقبال الضيوف..تنتهي فترة القيلولة هذه ببرنامجها هذا بفترة الغداء..يناول الغداء مع ضيوف المنزل وبعض الزوار والجمهوريين في صالون الدار..ينزل إلى المائدة بعد أن يقدم كل الضيوف عليه..هي صينية واحدة كبيرة تحوي عدداَ من الناس غير يسير...يحتوي على إدام أو إدامين.. وسيد صحانتها هو ملاح الويكة بالكسرة يرافقها صحن القرع أو البامية او السلطة.. وكان عندما يأتي دوره..يكون بعض الإدام قد نفد.. وليس هنالك إمداد بالبيت بعد أن زيدت مائدة الطعام اربع أو خمس مرات...كان يأتي بالكسرة وينثر عليها الماء والملح والشطة والليمون ويقول..( صوفيتنا في السودان..يقولوا العندو كسرة عندو غداء) كان يجمع فضلات بعض الضيوف التي تناثرت في الصينية ويزودها إلي لقمته إحساناً للنعمة. وقد يكون في بعض هؤلاء الضيوف بعد البسطاء او المتصوفة أو الدراويش.. الذين لهم معه بعض المداعبات. يكون من بين الضيوف مثل هؤلاء، يبرهم اكثر من غيرهم وهم قد يكونوا قد مر عليهم العام أو العامين بعضهم يفترش الثري يلوذ بالطرقات، على الإطلاق ليست كانت عنده نفس منفوسة منبوذة..بل كان تقديره لجملة الأحياء والأشياء وما يهمنا هنا في هذا المتن ، هو إعاشة الأستاذ محمود لأفكاره على أرض الواقع ، ورؤية وجهه الله فيما يعمل ويدع، وهو في هذا قد ربي تلاميذه على ذلك، فهم لا يعرف العنف إلي تفكيرهم ولا إلي قولهم ولا إلي فعلهم سبيلا.
ثم نمضي في حصاد قطاع ذلك اليوم الذي ذكرناه، حيث تقام أمام منزله حلقة الذكر اليومية إلي قبيل صلاة المغرب، حيث يكون فيها الذكر باسم الله المفرد من غير مصاحبة أي من آلات الذكر المعروفة عند الصوفية، تتم صلاة المغرب في جماعة ثم ينصرف الناس إلي حملة الكتاب التي تكون في مدن العاصمة الثلاث وإقامة الأركان الحرة لنقاش الشعب في الطرقات والأماكن العامة،يقفل بعدها راجعين إلي جلسة انطباعية تستمر إلي منتصف الليل أو بعده بقليل، يتناول الناس وجبة العشاء التي هي سندويتشات الفول. يتم تناولها في صورة جماعية، يتم والوداع بالذكر المفرد على أمل اللقاء قبل طلوع الشمس، يذهب الأخوان إلي منازلهم وبيوتهم ليبدأ المنهاج الفردي في قيام الليل وصلاة الصبح في جماعة تتم بعد الصلاة جلسة سلوكية غالباً ما تناقش المنهاج على طريق النبي صلي الله عليه وسلم، بعدها يستعد الأخوان للذهاب لجلسة الصباح في صالون الأستاذ حيث القرآن والإنشاد ثم الانصراف إلي مواقع العمل المختلفة...لقد كانت حياة متصلة بالذكر والفكر ومحبة الناس..
وفي عزوف الأستاذ محمود عن السيطرة، كانت حتى داره يديرها أهل البيت والضيوف من الجمهوريين والجمهوريات، تتنقل إدارة المنزل فيها في شكل أمانة شهرية.يكون أمين الشهر قائماً على كل الأمور المعيشية في الدار في كل صغيرة وكبيرة، حتى جلابية الأستاذ والعراقي والسفنجة تقع تحت الأمانة الشهرية وهذه كل ما يملك جلابية لايكون منها صنوناً إلا إذا بليت وكذا العراقي والسفنجة والمركوب الأبيض لا يحب أن يملك غيرهم..كما قلت آنفاً هو متمدن متحضر ولما كان في العيش سعة كان يفيض على من يعولهم، ويلبسهم الألبسة الأفرنجية الكاملة ويأخذهم الي دور السينما وهم أطفال ويلبي حاجياتهم من العاب وغيرها ويطلب لهم الأطعمة في أرقي المطاعم .فلما صاروا رجالاً ونساءاً مكتملين كان يأخذهم على الجادة..يحب الإرتفاق بوسائل الحياة التي تزيد من طلاوتها وحلاوتها ولكن ليس على حساب الفاضل على المفضول..بيته لم يعرف الثلاجة ولا التلفزيون حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى، مشاركة لفقراء الشعب السوداني، حتى تصير غالبية البيوت بها هذه الوسيلة..أخرج كتابه الذي يقول0( ساووا السودانيين في الفقر إلي أن يتساووا في الغنى).. لم يسأل من شئ قط قال لا..حتى مذياعه الوحيد الذي يسمع به الأخبار طلبه مرة أحد الزوار فأعطاه له..فقال جار السائل
0 أنا ما كنتا قايل الراديو بيدوهو عشان كدة طلبت الجلابية.يا ريتني لو طلبت الرادي).كان يعتبر الأشياء رق، ولا يتمسك بها مهما عزت قيمتها، وكان يقول يجب الإرتفاق بها فقط..كان رقيقاً في تصرفه ومعاملته ليست المعاملة الهائمة التي لا ترتبط بارض الواقع، او تظهره كانه فوق مستوي الحياة المعاشة وإنما كان واقعياً وعملياً في جميع ضروب الحياة المختلفة.. بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى عرفنا بأعداد كبيرة من الأسر الفقيرة قد كان قوتها منه..كان حينما يعطي مبلغاً من المال لأي سائل لا يجعل يده هي العليا ويد المتلقي هي السفلي وإنما يضع المبلغ في يده ويفرج عنه أصابعه ويجعل السائل يأخذ المبلغ لتكون يد السائل هي العليا.. طاف معظم مدن السودان وعمل بها.. كوستي حيث كان مهندساً منفذاً ومخططاً لشق القنوات في مشاريع النيل الأبيض وقتما كان يعمل بالعمل الحر..الرنك.الجبلين.. رفاعة .مدني.. عطبرة..جبيت.. ففي عطبرة قد حول نادي السكة حديد حينما كان مهندساً فيها حوله إلى ساحة لتداول القضايا الوطنية، والعمل علي كسر شوكة الإنجليز، فكان النادي يؤم آلاف المستمعين والمشاركين.. ولما شعر الإنجليز بخطره نقلوه من مدينة عطبرة..بالرغم من ذلك كان الأستاذ محمود مثالاً للإنضباط في العمل.وكان مبدعاً مخترعاً بصورة أذهلت رؤسائه القدامى من الإنجليز... حكي لنا جاره في عطبرة.. أنه لم يري في حياته رجلاً بهذا الإنضباط والرجل كان من جماعة الختمية.. قال0( انا اقوم بالليل اقرأ اورادي.اسمع صوت الأستاذ محمود يصلي طول الليل.. والله لما السواق بتاع السكة حديد يجيهو الصباح بالسيارة.. يلقاهو ماسك اوراقو ومنتظرو برة باب الحوش..ما حصل يوم واحد السواق دقاليهو بوري عشان يطلع.. انا والله بضبط ساعتي على أستاذ محمود) هذا ما رواه عنه الرجل سالف الذكر وهن كثر مثل هذه لو ذهبنا في تعدادها وإحصائها... لما كان بكوستي وهو يعمل هناك في تخطيط مشاريع النيل الأبيض..وكان هذا العمل يدر عليه عائداً ضخماً بمقياس ذلك الزمن، كان كله يذهب إلي أصحاب الحاجة.. كان يقيم في كوستي في حي المرابيع.. ومكان العمل يبعد حوالي مائة كيلو أحياناً عن المدنية لما تطلب العمل شراء عربة قام بذلك حيث اشتري عربة لاندروفر.. حيث كان عدد العربات قليلاً في المدنية، كانت لاندروفر أستاذ محمود معروفة يركبها الغاشي والماشي بشهادة معظم أهالي كوستي..كان لا يرفض أن يتوقف لك، أو يؤشر لك على أنه ليس ذاهباً في اتجاهك لا لا يفعل ذلك، وإنما يوقف لك العربة حينما تؤشر له، أو لم تؤشر له .حتى ولو كانت العربة ممتلئة.. أنت الذي تحدد تركب أو لا.. كانت لاندروفر الأستاذ محمود معروفة لدي السكان برأسها المرتفع من الأمام لكثرة الركاب فيها.من الخلف.الكل يعرفها... كانت عمالته في المشاريع غالباً تتراوح ما بين خمسين إلي مائة عامل حينما يتطلب شق القنوات ذلك.. ولما كانت المسافات بعيدة عن كوستي.. فكان يقيم لهم السرادق والخيم و يتفقدها ويتفقد صلاحيتها.. كان يعطيهم أجرهم اليومي وبزيادة وهم داخل القنوات قبل أن يخرجوا بعد انتهاء اليوم.. وكان يعرف أن العمالة التي تشتغل مع أستاذ محمود يصعب عليها أن تشتغل مع غيره، لعدد الإمتيازات التي يهبها لهم.. ولأجورهم العالية عنده. ولما يقفل راجعاً في نهاية الأسبوع إلي كوستي كان يسألهم عن إحتياجاتهم جميعها ويلبيها لهم.. حكي لى واحد منهم قائلاً( أستاذ محمود يوم الخميس لمان يجي راجع كوستي كان يوقفنا صف وعندو نوتة يقول كل واحد يمليني إحتياجاتو.. فلما ينتهي يشوف هو .أنو في ناس ما سألوهو...يقوم يسألهم هو.. يا فلان انتا مالك ما سألتني مع أنو جزمة الباتا بتاعتك دي شايفا مشرطة... يا فلان إنتا ما قاعد تشرب سجاير مالك ما سألتني خجلان والله شنو؟.. وكان يحضر كل هذه الحاجات ومرات يحضر لينا حاجات نكون ما سألناهو منها..... ) وقال آخر..( مرة جينا في الخلا..في منطقة قريبة للجبلين... الأستاذ محمود شاف وادي صغير يصب بين صخور... قال هذا الوادي لو عملنا فيه حفرة بين إلتقاء المرتفعين.لأصبح خزاناً لأهل هذه القرية يغنيهم عن المشاوير الطويلة لجلب الماء من الجبلين.. وبالفعل بدأ في تنفيذ السد والحفرة واحضر العمال لتنفيذ ذلك من غير ما يقول له أي شخص. ومن حر ماله.) وحكي لى مدير مكتبه بكوستي قبل مدة من الزمان عدة أشياء يصعب سردها في هذه الصفحات البسيطة كلها في مساعدة المساكين والأيتام والفقراء.. وقال لى بالحرف الواحد( شايف الناس هسه ديل البيتبجحوا ويعارضو محمود الآن في كوستي.. بعد ما مشي وهسه جاهم. الناس ديل كلهم محمود صاحب فضل عليهم.. اعطاهم من حر ماله الآلاف في الستينات زمن المائة جنيه قروش فما بالك بالآلاف. أعطاهم الي أن اصبحوا ناس كبار.. واتمكنوا كل هذا من خير محمود..هسه كانه لا يعرفوا... ويعارضوا كمان..ديل ناس عديمين أصل..) قال لي مرة.. كنت وأستاذ محمود نجلس في برندة المكتب بسوق كوستي.نشرب في قهوة.. سامعين صوت إمرأة تتكلم مع التاجر فلان الفلاني ثالث جار من دكانا.. المرأة صوتها عالي.تقول يا فلان.... راجلي دا كان شغال معاك عمرو كلو... مات ما جيت عزيتني... ترك لي سبعة ا
أيتام ما جيت سألت عني... أها أنا جيتك بي نفسي بعد ما تميت العدة.. عايزة لى شوال فيتريته... قال سكرتير مكتب الأستاذ تاجر المحاصيل قال ليها... راجلك كان شغال معانا بي بلاش.. ما قاعد ياخد راتبو.؟. وأنا والله مشغول مع الحصاد ما فاضي ليك...لكن لو بي تعرسيني بديكي شوال الفيتريتة.... قال مدير المكتب وأنا عيني في عين الأستاذ..محمود تاني فنجان القهوة داك ما رفعوا على خشمو.. وراح دخل في المكتب عشان ما يسمع باقي الكلام...وأنا سمعت المرأة قالت للتاجر.... دا آخر كلام عندك؟ قال ليها وما عندي غيرو... فانصرفت المرأة.... قال السكرتير لما أستاذ محمود شعر بأن المرأة انصرفت... ناداني وذهبنا لها حصلناها. الأستاذ قال لها..تاني مونة اولادك ومصاريفهم تشيليها من الزول دا في المكتب لغاية ما أولادك أكبر واحد فيهم يبقي راجل ويشتغل....وبرضو إذا احتجتي بعد كدة تعالي..لما كان في مشاريع النيل الابيض.. وكان وقتها لايملك عربة لاندروفر فقد خصص له أحد أصحاب المشاريع الذين كان ينفذ لهم شق بعض القنوات.قد خصص له عربة لاندروفر بسائقها لتلبية أغراضه ولجلب المعدات من العاصمة.. كان ذات مرة في مشوار مع السائق إلي العاصمة..كان يوصي السائق بعدم الإسراع..فكان السائق يستجيب لحظة ثم ينسي ويعود إلي سرعته العالية مرة أخرى.. وبعد لحظات من تنبيه الأستاذ محمود له..كانت هنالك دجاجة ومعها فراخها الستة تحاول أن تعبر الشارع.. فأرداهم السائق قتلي هي وفراخها...ما كان من الأستاذ إلا أن أوقف السائق وقال: لا اله إلا الله محمداً رسول الله.. وقال للسائق..هذه المسكينة تسعي في فجاج الأرض لجلب قوتها وقوت عيالها.. فما لقيت منك غير الموت بفعل سرعتك العالية.؟. فترجل من العربة. ونظر إلي الدجاجة الميتة وفراخها ساعة من الزمن.. وقام بإخراجهم من الشارع وطمرهم بالتراب.. وحلف للسائق إن هو عاد الي سرعته السابقة أن ينزل من العربة ولا يركبها مدي الأبد.. وأن يحول بينه وبين الأحياء والأشياء من طيشه بأن يرجع العربة إلي صاحبها...وأخري مثلها...مرة واحدة من الأخوات الجمهوريات قد امتلكت عربة جديدة وقد كانت تتدرب على السواقة.. فقتلت كلباً ذات يوم.. وجاءت تكلم الأستاذ بالحادثة...قال لها.. الصوفية قد كانوا يرون ذلك نفساً كاملة..كانك قد قتلت شخصاً..شوفي أنت كيف تتخارجي من المسألة بي صلاة، بي استغفار، بي زكاة بي ترك السواقة، كيفما تشائين... ومثال آخر على عزوفه عن السيطرة. أو إلتواء الفكر...اعتاد عدد كبير من جمهوريين المدن القريبة من العاصمة أن يقضوا الخميس والجمعة وصباح السبت الباكر في معية الأستاذ والسماع والمشاركة في الجلسات الفكرية والسلوكية والعرفانية التي تتم في أيام العطل هذه.. ويقفلوا بعد ذلك راجعين إلي أعمالهم في صباح السبت الباكر..من مدني والحصاحيصا وعطبرة والدامر وشندي..وعادة بعد أن تكاد تنتهي جلسة السبت قبل شروق الشمس يذهب أحد الأخوان لإحضار عربة بوكس بالإيجار من شارع الثورة بالنص.. لتقل العربة المغادرين إلي السوق الشعبي أو محطة السكة الحديد..حضر البوكس بصاحبه وقد كنا نحن في ختام الجلسة بالقرآن وصاحب البوكس قد كان يتوقع أن المسافرين خارج الدار.. فظل يضرب على البوري0( تيت تيت تيت.).فقام الأخ الذي كان يوزع الشاي على الضيوف بإعطائه كباية شاي.. ريثما يفرغ الناس من قراءة القرآن.. فسكت صوت البوري بعد ذلك وانشغل السائق بشرب الشاي بعد إنتهاء القرآن سال الأستاذ محمود كل الحاضرين. الأخ فلان أعطي السائق كباية شاي فصمت مما مكننا من تمامة آيات القرآن..اليس من حقه ان نخرج اليه سراعاً؟. هل هذا غرض صحيح والله غرض ملتوي..؟ أرجو مناقشة ذلك في جلساتكم السلوكية ثم إعطائي النتيجة....كذلك نذهب في مثال آخر من أمثلة تطبيق فكره على أرض الواقع ..معروف عن الأستاذ محمود مساندته لقضية المرأة.. وقال: أن الجهل هو عدو المرأة والرجل معاً.. ثم كتاباته التي تهتم بمعالجة الأصول في القوانين التي صدرت منها حقوق وواجبات المرأة.. احتفل بعام المرأة العالمي واصدر فيه العديد من الكتب.. كذلك عام الطفل وصدر فيه العديد من الكتب..كتابه خطوة نحو الزواج في الإسلام...تطوير شريعة الأحوال الشخصية.. البحث عن حلول جذرية ، وهو لا يألو جهداً في تطبيق ما يقول على أرض الواقع متي ما ارتفع الواقع أو تداني ..روي لي مرة من كان معه في هذه الواقعة التي سوف ارويها..وهي..ذات مرة قد كان في طواف على مدينة سودانية، وقد ذكر له أحد الأخوان الجمهوريين قصة امرأة توفي عنها زوجها، وقد كان يمتلك بيتاً أنيقاً وللزوج بنتان فقط بدون ولد..ومعلوم أنه في الشريعة.. إذا كان ليس لهما اخ فإن أبناء عمومتهم أو من ينوب عنهم يتقاسمون معهما تركة والدهما .للبنتين النصف، وأمهما الثمن، والباقي يذهب للورثة وهذا يسمي( سد الزريبة) بالعامية السودانية.. ولما كان ذلك كذلك فقد طمع شقيق الزوج في حقه واراد ان يخرج زوجة أخيه المتوفي عنها زوجها من البيت ويقوم ببيعه حتي يحصل نصيبه منه..وقد كان السماسرة يغدون ويروحون على الدار وتفحصها وقد هم البعض بإخراجها من البيت، فما كان من الأستاذ إلا أن بعث من ينبههم بعدم إخراج الزوجة من البيت قبل إنتهاء العدة وفترة الحبس، وهي فتوى فقهية ولكنها حتى في فقههم القاصر قد كانت غائبة عنهم، ثم أن الأستاذ أراد بذلك أن يستعد ويجمع أطرافه المالية ليشتري لها المنزل هي وبناتها.. لما انتقضت فترة الحبس ، قام الأستاذ بشراء المنزل وتسجيله لهذه المرأة، واختصر أمر المبايعة والشراء في اقل نطاق من الأشخاص الذين يعرفون ذلك.. ونحن لأسباب اجتماعية وأسرية نمسك عن سم المدينة وأسم الأسرة .كما أراد لذلك الأستاذ محمود أن يكون هذا أمراً مستوراً..... كان دائماً يعالج المعضلات التي ينادي بها فكره في إطار تحركه وحركته في مدن السودان المختلفة..وكان يقول...إذا لم تستطع مساعدة الناس في القضايا التي تطرح عليك..هم بها أن تحل، تعلق بهموم الناس.أحزن لحزن الناس. تكتب لك حسنة..فإن الله سوف يسخر من يقوم بالحلول على يديك أنت المهموم بها أو من غيرك....كان يري أن محاربة الجريمة بعد ان تبرز الي حيث التنفيذ..هذا من الأطوار المتأخرة ولكن يجب أن تحارب الجريمة من منبعها وتعقد أوردة وشرايين منبتها.. يري هو أن الجريمة تبدأ وتحاك في الخاطر.. ثم تلح علي صاحبها فتبرز إلي القول ثم تنفذ.. وكان يري انك إذا أضمرت السوء..أو حاكت النميمة في خاطرك عن إنسان فأنت قد اغتبته أيضاً...( إن تبدوا مافي أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) صدق الله العظيم..يأخذ نفسه بكبريات المسائل،يومه كله خدمة للناس من قطاعات ودوائر مختلفة من المجتمع السوداني..وما ساقني هنا لسرد هذه السيرة التي كلها خدمة للناس مراعياً فيها وجه الله.. ما ساقني لذلك هو تحدث بعض القلة القليلة بصورة فردية يقولون( ماذا قدم الأستاذ محمود للشعب السوداني.أي للوطن والدين.اللهم إلا ذاك الجدل الذي إختلف الناس حوله) دعكم من ذاك، فإن له في هذا المنعطف التأريخي الهام أناسه وقومه الذين لا يطلي عليهم الحق لحظة واحدة .. والله بالغ أمره دعكم من ذلك.أما ترون أن في هذه السيرة العطرة شئ من التسامح والمحبة والسعي لخير الناس في السر والعلن.من غير زخم ومن غير تشوف ومن غير رياء..ثم ألم يكن الأستاذ أول سجين سياسي سوداني في عهد الإنجليز... حسب وثائق سكن كوبر ويومياته، وليس بحسب الفبركة التاريخية من البعض..وإذا سقنا مثالاً آخر في الجوانب الحياتية المعيشية التطبيقية للدعوة والسيرة الحسنة.نجد أن الأستاذ محمود من أحرص الناس على تطبيق صور الشريعة في حياته وحياة الذين حوله ومن أحرص ما رأتهم أم عيني حتى الآن.وهو الذي يدعو إلي تطوير الشريعة نحو الدين..تطويرها في مفهوم الرق.. الأحوال الشخصية، الجهاد، الاختلاط...فمثلاً في الإختلاط، كانت دائماً هنالك فواصل مكانية في الجلسات التي تقام في داره أو خارجها،فواصل بين الأخوان والأخوات أو الضيوف من الجنسين، ثم تقام الجلسات السلوكية التي تساعد على ترشيد الإختلاط في المكاتب والجامعات ..فمثلاً جاءت التوصية حينما تكون إحدي النساء مديرة مكتب أو سكرتيرة تنفيذية، وهي في مكتب منعزل عن بقية موظفيها.يجب في هذه الحالة منعاً للخلوة التي هي محرمة ، يجب أن لا يكون باب مكتبها مغلقاً بالكامل.. أن يكون حراً.. بدون قفل تام.وأن يجعل الزائر مثلاً حر الدخول عليها في أي وقت، وهو بالطبع توجيه عام يتوخى تسديد الفجوات التي تخلفها بدايات التربية ثم هي منعاً للشبهات والذرائع.. وإلا فإن الوازع الشخصي هو الرقيب على ذلك وهذا أكمل وأتم.إلا أنه لابد من تأسيس أطر البدايات للعامة، خاصة وأن الاختلاط نفسه ممارسته حديثة عهد في عالمنا العربي، وإلا فإنك قد لا تحتاج أن تنقل هذه الصورة لمجتمع آخر بحذافيرها قال تعالي في محكم تنزيله( والصالحات قانتات، حافظات للغيب بما حفظ الله)صدق الله العظيم....ثم كان يحث الجمهوريين على إقامة الصلاة في أول وقتها وتجويد الوضوء ويحثهم أيضاً على توخي أكل الحلال وتجويد العمل المكتبي والإخلاص فيه وعدم الانصراف قبل نهاية يوم العمل بعذر غير مقبول،مرة كانت مجموعة من الجمهوريين تتوضأ في شكل مجموعة من طست ماء فلاحظ أن أحدهم غسل كعب رجله بسرعة، فجاء ، وقال له: أنا لاحظت أنك غسلت مؤخرة رجلك بسرعة، لابد أن تكون هنالك بعض اللمع، فجاء ووجد منطقة صغيرة غير مغسولة، فملأ الأستاذ محمود يده بالماء وغسلها له...كان يسأل دائماً عن مستوي قيام الليل والتجويد فيه وعدد الركعات، كان أحياناً كثيرة يشرف على قيام الليل مع ضيوفه وتلاميذه وتلميذاته في منزله ويصحح الأداء.. وفي رمضان يوصي بالتشمير في العشر الخواتيم والقيام فيها بصورة متواصلة، وتجديد السور في القراءة ويوصي بصورة أوكد على قيام الليالي الوترية في رمضان، ويوصي عموماً خلال النهار بتقليل فضول الكلام ، وتسخير جملة الوقت فيما هو أنفع لصاحبه وللناس عامة، كان يوصي بأن يكون الزي محتشماً وتحت الركبة بالنسبة للأخوات والأمهات، كان يوصي بأن لاتكشف المرأة أي منطقة من جسمها محرمة حتى ولو لأختها، ناهيك عن الرجال، وبفضل الله وبحمد الله كان الإلتزام بذلك كاملاً قبل التوجيه نفسه وبعده.. كان لا يفرض رأيه إطلاقاً إلا عن طريق الإقناع