رايت أن أن أفتح بوستا منفصلا للحوار مع الأستاذ عادل حول مداخلته التي كتبها في موضوع الأدب و الدين
الادب والدين :بين محمد محمد علي ومحمود محمد طه
و ذلك لان جوهر القضية في ذلك البوست هو موضوع الأدب و الدين .. و مقال الأستاذ عادل فيه نقد شخصي قد يحيد بالبوست عن قضيته الاساسية ... لذا كان ذلك تقديري .. و بناءا عليه كان هذا الإجراء
الأستاذ العزيز عادل
تحية و تقدير و محبة
لم تكن بنيتي الكتابة ثانية في ذلك البوست إذ أنني كنت أعتقد أنني قلت كل ما عندي .. و أردت أن أصبح متابعا لإستمرار الحوار.. خصوصا و أن الأستاذ النور حمذ عنده النية في الكتابة في الموضوع و اتوقع أن تكون كتابته مثرية و مضيفة
مقالك أعلاه أنا أعتقد أنك تحاول أن تثبت به موقفا فكريا خاصا بك قد صرحت به منذ زمن .. و قد نال إعجاب الكثير و ناقشك فيه الكثير .. خصوصا من الجمهوريين .. و قد دار بيني و بينك حوار قديم حول تلك المسألة .. أنا بطبيعة الحال لم أتوقع أن تكون قد غيرت موقفك الفكري ذاك .. و لكني توقعت أن تكون قد عرفت ماهية موقفي الفكري على الأقل .. و لكني سأعود لإلتقاط عباراتك واحدة واحدة .. و أرد عليها بصراحة و شفافية .. عسى أن أكون مفهوما عندك
اتابع باهتمام هذا النقاش الشيق؛ واقول انه ينتقصه كثيرا؛ عدم وجود النص الاصلي لمقولات الاستاذ محمود؛ ولكن اذا كانت الاقتباسات التي اتي بها الاستاذ محمد محمد علي صحيحة ؛ ولم نجد من ينفها حتي الان؛ ففما لا ريب عندي ان الاستاذ محمود قد كان مشتطا في دعواه لتفضيل الدين علي الادب؛ ولنصح الادباء بترك الادب والتوجه نحو الدين
إعتبارات (مشتط) أو غيره هي مسائل تقديرية بطبيعة الحال .. فأنا مثلا لا أجد الشطط إلا في كلام الأستاذ محمد علي .. و قد أوردت فهمي هذا بشكل واضح أعلاه .. و إن كانت رؤيتك أن الأستاذ هو الذي كان مشتطا فأرجو أن تدخل في الحوار بالنقاط الموضوعية التي يدور حولها الحوار .. كمسألة الغاية مثلا .. لاحظ أنني كتبت عن مسألة الغاية هناك بشكل واضح .. و كذلك كان الأستاذ محمود واضحا فيها أشد الوضوح .. في حين لم يحدد محمد علي ما هي غاية الأدب في نظره .. و لم يتحدث عن مسألة الغاية حديثا شافيا و إنما أصبح يذهب لنقاط أخرى جانبية كثيرة محاولا تجنب القضية المحورية.. و قد أخفق في تلك أيضا في نظري كما وضحت أعلاه بالمنطق العلمي الذي أراه .. فقد أخطا محمد علي من الناحية اللغوية .. و أخطا من الناحية التاريخية .. و كل هذه لم تجد ردا من أحد إلى الآن .. فهل لديك أنت يا أستاذ عادل ردا عليها؟
ثم إن دعوة الأستاذ للمثقفين للإلتفات لدينهم هي دعوة قديمة جدا .. و ما تخصيصه الدعوة للدكتور عبدالله الطيب إلا لإعتبار شخص عبدالله الطيب نفسه و مدى تهيئه لمثل تلك الدعوة .. فليس في حديث الأستاذ محمود جديد في موقفه الفكري المتسق .. و الأستاذ محمود كان واضحا جدا في موضوع أفضلية الدين على كافة أنواع المناشط البشرية و وسائل التعبير .. و هو نذر حياته لذلك الموقف .. فهل هذا شطط ؟ .. قد يقودنا الحديث إلى صراع مصطلحات و لكني أسمي هذا (مبدأية راسخة) و ليست شططا .. فالأستاذ كان من أبرز من دعا إلى نبذ الشطط في شتى الأمور
محالفتي الاساسية للاخوين قصي همرور - ياهو ذاتو - وخيدر بدوي؛ تاتي من انهما لا ينطلقان مما قاله الاستاذ محمود؛ وما نقده الاستاذ محمد محمد علي؛ وانما من دفاع عن موقف الاستاذ محمود؛ المتعين ذاك؛ بوسائل شتي؛ هي من خارج حيثيات ذلك الحوار
أنا أدافع عن موقف الأستاذ محمود ..نعم .. و لكن ليس بوسائل من خارج حيثيات الحوار .. إن هذه التهمة قد دفعتها أنا إبتداءا في وجه مقال محمد علي نفسه ... و دللت عليها بالحجة التي أراها واضحة .. فإن كنت ترى غير ذلك ففرصتك هنا لتبيان ما تزعمه ..فافعل
ثم إنني هنا في هذا المنبر و في غيره أمثل نفسي فقط .. و مع إحترامي و تقديري و حبي للأستاذ حيدر .. إلا أنني أقول بوضوح أنه لا يمثلني .. و لا أنا أمثله .. و لا أظنه يقبل بوضع غير هذا .. فأرجو أن تميز بين حجتي و بين حجة الأستاذ حيدر في هذا السياق .. و تتعامل مع كلاهما بانفصال .. إلا فيما تجدنا متفقان فيه بشكل واضح .. فانا يا أستاذ عادل أسعى جهدي أن أكون قادرا على تحمل مسؤولية ما اقوله .. و لا طاقة لي بحمل مسؤولية ما يقوله غيري
قالاخ قصي؛ يخيلنا الي مؤلفات اخري للاستاذ محمود؛ كتبت في فترات لاحقة .. ونحن لا نجادل في ان مفهومها للادب قد يكون متطورا ؛ ولكن هذا المفهوم لم يكن هو نفسه عند الاستاذ محمود؛ عندما جادل الادباء وحاور الاستاذ محمد محمد علي . ومما لا شك فيه عندي ان اراء وافكار الاستاذ محود؛ كاراء كل مفكر؛ قد تعرضت الي التغيير والتطور ؛ في خلال الاربعين عاما من اسهامه الثقافي والاجتماعي؛ ومن هنا يمكن ان نفهم ان يكون له راي ما في مرحلة معينة ؛ يتطور الي راي محايث او مخالف في مرحلة اخري
أنا أزعم أن آراء الأستاذ في موضوع الأدب الذي بين يدينا الآن كانت ثابتة .. و لم تتغير منذ ذلك الوقت و حتى في كتاباته و محاضراته اللاحقة في نفس الموضوع .. و تستطيع يا أستاذ عادل أن تثبت خطأ نظرتي هذه باقتباس بسيط من كتابات الأستاذ عن الأدب (أو الفنون بشكل عام) بعد تلك الحقبة الزمنية التي جرى فيها ذلك الحوار أعلاه .. و لكني أدرك تماما أن آراء الأستاذ قد تطورت أو تبلورت بالأصح في قضايا كثيرة و في مراحل معينة من تاريخه الفكري ... و هذا بتصريحه هو شخصيا.. فالأستاذ محمود يا أستاذ عادل نفسه قد صرح بما يثبت خطأ تصورك هذا .. لهذا لا حاجة لي بأن أبرئ نفسي من ظنك .. إلا إذا كنت محددا أكثر في هذه النقطة فسأكون عندها محددا معك أكثر
هذا التطور في مواقف وشخصية الاستاذ محود؛ لا يراه اغلب الجمهوريون؛ اذ هم يعتقدوا ان ادوات المعرفة والتنظير عنده؛ غير قادمة من جهد بشري؛ اي لا تسري عليها القوانين العادية التي تسري علي كل مفكر وناشط عام؛ وانما هي من قبيل العلم اللدني؛ والذي اكتسبه منذ البدء - منذ متي تحديدا؟ - ولذلك لا يروا ولا يسعوا لان يروا ما فيها من تطور؛ وما فيها من تناقضات مرات؛ وما فيها من قصور احيانا
ساتحدث هنا عن نفسي .. إذ لا أملك غير التحدث باسمها .. و ليس بصفتي جمهوريا ( و لآ يستحب أن نناقش موضوع الإسم هذا الآن) .. و لكن بصفتي مؤمنا بطرح الأستاذ محمود و محاولا الإلتزام بالمنهاج الذي رسمه قدر إستطاعتي .. أنا مؤمن بأن أدوات المعرفة و التنظير عند الأستاذ تختلف إختلافا كبيرا و جوهريا عن تلك المعهودة عند معظم مفكري عصرنا و العصور التي قبله .. و هذا الإيمان عندي يدعمه كلام الأستاذ نفسه .. فأنا لم أفتعل هذا الإعتقاد من عندي .. و الأستاذ قد تكلم و أسهب بشكل طويل بلسان حاله و لسان مقاله أن أدواته لا تشبه باقي الادوات المعهودة .. و لكن قولك (جهد بشري) فيه خلل بائن ... فالأستاذ محمود بشر بطبيعة الحال .. و كل جهده كان جهدا بشريا بذلك المعنى .. أما إذا أردت أن تشير إلى مسألة أخرى .. فليست عندي حاجة إلى الإضافة في هذا الموضوع .. فالأستاذ قد قال بوضوح أن مرحلة الأصالة هي مرحلة التلقي عن الله كفاحا دون واسطة .. و قد كان يصلي صلاة الأصالة .. و كان يقول ( أنا أرجو أن أكون الأصيل .. و على شك) .. و أنا ليس عندي ما أضيفه لذلك ,, و هو(الأستاذ) لم يتصف يوما بالكهنوت .. و قد طرح نفسه في الساحة كمفكر موسوعي دقيق الفكر و حصيفه... كما أنني لست أحاول إخفاء إيماني و تصديقي للأستاذ فيما يقوله و لا يقين لي به .. و تصديقي للأستاذ في كلامه هذا قائم على منهج منطقي .. و نموذج حياته و أفكاره ماثل امام الناس ليقرروا إن كان صادقا أم لا (هاؤم إقرءوا كتابيه)... و لكن عن نفسي أنا أصدقه .. و لا يمنعني ذلك من الحوار بمنطق علمي مع كل من أحاوره .. فقط إرجع إلى كل كتاباتي في هذا المنبر لتعرف ماأعني
أما عن التناقضات .. و التي لا أراها أنا شخصيا .. فما هي فائدة هذا المنبر إن لم يتح لك الفرصة لتوضحها؟ .. و الفرصة امامك متاحة بالفعل.. و أنا لا أقدر مثل ما أقدر الصدق في الطرح .. ولهذا اقدر جانبا كبيرا من كتاباتك .. وقد قمت أنت بتوضيح طرف من التناقضات التي تتحدث عنها قبل الآن.. و تبادل عدد كبير معك الحوار فيها .. و الحوار ما زال مستمرا .. و سيستمر إلى حين .. أما عن نفسي أنا .. فما زلت لا أرى أي ذرة تناقض في كلام الأستاذ .. و قد كان من السهل علي أنا شخصيا أن أجد ذلك إذ أنني قرأت كتب الأستاذ بعين الناقد المحايد منذ البدء .. و أنا الآن على ماتراني عليه
و قد ورد بعد كلامك اعلاه كلاما أعتبره موجها للاستاذ حيدر بدوي .. و لا علاقة لي به .. إلا إذا أنباتني بخطأي .. لهذا لن أنقله لأرد عليه هنا.. و أنتقل للفقرات التي ذكرتني فيها
لماذا اذن؛ يلجأ عقلان جباران مثل عقل الشاب قصي والمخضرم حيدر؛ الي مثل هذه التخريجات ؛ ولا يروا التناقضات الكامنة فيها؛ وانهم انما يتحدثوا بلسانهم هم ؛ وبفهمهم هم ؛ وليس بمنطوق كلمات الاستاذ محمود؛ في ذلك الحوار؛ ومعناها الواضح المباشر؟
لانهم لا يريدوا النظر الي انتاج الاستاذ محمود؛ بمنهج نقدي تاريخي؛ ولانهم لا ينظروا لها؛ كاسهام بشري ؛ محدود بحدود تجربة منتجها؛ وبظروف الزمان والمكان ؛ والتكوين والمزاج .
المنهج النقدي التاريخي يا أستاذ عادل موجود .. و موجود بصورة لا يمكن إنكاره معها ..بل إن التاريخ نفسه و وقائع الأحداث تنتقد الفكرة الجمهورية كل يوم و تثبت بعد رؤيتها .. إلا إذا كنت تعتقد أن النقد يتوجب الخروج بسلبيات .. أنا شخصيا أسألك (ما حيلتي إذ لم أجد سلبيات؟ و ما وجدت غير الإيجابيات؟) .. و أنا صادق جدا في هذا السؤال .. و إسهام الأستاذ محمود و تجربته الفكرية هي عندي (إسهام بشري) كما أشرت لذلك سابقا .. و هو الذي قال أن الدين نبع من الأرض فألمت به أسباب السماء فهذبته .. و هي قطعا محدودة بتجربة صاحبها .. و التي أزعم أنها كانت واسعة بشكل لا يتخيله الكثير .. و قد تكون في مستوى من مستوياتها محدودة بظروف الزمان و المكان .. غير أن فهم ذلك المحتوى يختلف عندي ... فزعمي ان الفكرة الجمهورية تملك في داخلها مولد الطاقة الذي يسير بها لتساير ظروف الزمان و المكان المختلفة ... الحاضرة و القادمة ... و ما دفاعي عنها و إلتزامي لها إلا لهذا الإعتبار .. أما قولك عن إعتبارات (التكوين و المزاج) فهذه بطبيعة الحال لا أتفق معك فيها .. فأنا أجد أن الأستاذ محمود قد بعد تماما عن وصمة (المزاج) خصوصا .. و جوهر فكرته هو المنهاج الذي يحيد بالعقل عن (المزاج) لنرى بعقلنا المحايد وجه الحق الأبلج في كل القضايا التي تمسنا في حياتنا اليومية و ظروفنا الزمانية المكانية و الكونية .. و قد جسد لنا الأستاذ محمود فكرته تجسيدا واضحا بذلك المعنى
أما سؤالك (لماذا يلجأ عقلان جباران ..الخ) فانا أولا أشكرك على هذا المدح الذي ليس لي فيه نصيب .. لا تواضعا مني و لكن حقيقة ماثلة .. هذا اولا .. و ثانيا فأنا دائما أقول أن كل ما أكتبه عن الفكرة الجمهورية يمثل فهمي أنا للفكرة الجمهورية .. و الكلام المباشر الواضح الذي أورده الأستاذ محمود فهمته انا مباشرا و واضحا في الإتجاه الذي سبق و تحدثت فيه .. فإن وجدت تناقضا بين ما أرى أنا وبين ما يقول الأستاذ .. فهذا لا يعني سوى أن فهمك أنت لما قاله الأستاذ محمود كان مخالفا لما فهمته أنا.. و أنا أزعم أن الوضوح كان في جانبي .. و للقارئ أن يحكم
هذا .. و أختم قولي يا أستاذ عادل برسالة إحترام و تقدير لا مجاملة فيهما .. و أرجو أن تصفح عني إذا أحسست في كلامي أعلاه لهجة لم تعجبك ... و هذا يعود لكوني أحيانا كثيرة يخونني حسن التعبير .. و لكن هدفي هنا هو فقط التفاكر و التحاور .. بشفافية و بصدق .. دون كهنوت فكري أو سلطة عقائدية .. فالحقيقة فعلا هي فوق العقيدة كما تقول في توقيعك .. و ما للعقيدة معنى إذا لم تلمس طرفا من الحقيقة .. و من ثم ساقتنا إلى الحقيقة لنخلف ورائنا قيود العقيدة .. فنكون أفرادا أحرارا .. نفكر كما نشاء ... و نقول كما نفكر .. و نفعل كما نقول .. ثم لا تكون عاقبة قولنا و فعلنا إلا برا بالاحياء و الأشياء .. كما كان الأستاذ محمود
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة