دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
الدين والدولة : ورقة في غاية الاهمية والعمق ... للقانونى الضليع محجوب ابراهيم حسن
|
مولانا محجوب ابراهيم حسن هو مرجع ومراجع في القانون صارم وواضح وجزل فى كل شىء وهو المتهلل كرما وإكراما ولعلنى كنت من المحظوظين الذين عرفوا محجوب عن قرب في هذه الدوحة ابان فترة عمله بها ولم تزل الدوحة تذكره كواحد من النوابغ السودانية النادرة في مجال القانون. اتوقف معكم اليوم عند هذه الورقة الجزلة التى خطها يراع محجوب قبل فترة ولم تزل تفاصيلها نابضة بمرارة واقعنا ( الدين والدولة ) وهى جديرة بالاطلاع وفتح المدارك
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الدين والدولة : ورقة في غاية الاهمية والعمق ... للقانونى الضليع محجوب ابراهيم حسن (Re: بدر الدين الأمير)
|
الدين والدولة
ظلت علاقة الدين بالدولة تشغل حيزا معتبرا من ساحة الجدل والفكر السياسي في السودان خاصة في مرحلة الديمقراطية الثانية ( اكتوبر 1964- مايو 1969 ) بعد ان نجح الاخوان المسلمين ( جبهة الميثاق ) في حشد قيادات وقطاعات من قيادات وقواعد الحزبين الكبيرين ( الامة والاتحادي ) حول هذا الشعار الهلامي . ولم يكن هذا الحشد ناجماً عن حوار واقناع وانما جاء اما نتيجة ابتزار للقيادات التقليدية او نتيجة إلهاب مشاعر العامة وتضليلها بخطاب ديني عاطقي يصور لها ان العمل على العودة الى دولة الرسول ( ص ) ودولة الخلافة الراشدة امر مطلوب شرعا وانه فرض عين على كل مسلم ، وانه لاسبيل الى حل اي مشكلة من مشاكل المجتمع السوداني الا بإقامة الدولة الاسلامية التى يتوحد فيها الدين والدولة على أسس عقدية حتمية .
وقد كان منطقيا في ساحة سياسية وفكرية ما كانت تتسع للحوار ان تستسيغه وانما كانت تتسع وتضيق بالاستقطاب الحاد بين مختلف قواها السياسية ، ان تتخذ الدعوة الى التةحيد القسري بين الدين والدولة مساراً صداميا مع القوى السياسية التى تدعو الى الدولة المدنية . وانتهى الامر الى انتصار تحالف جماعة الاخوان و الحزبيين التقليديين وحل الحزب الشيوعي وحظر نشاطه عام 1965 م وادخال تعديلات دستورية وقانونية كانت بمثابة اول لبنات لمشروع الدولة الدينية التى كادت ان تؤسس بالفعل على الدستور الاسلامي عام 1968 لولا وقوع إنقلاب مايو 1969 م .
وفي عام 1983 م سن نميري قوانين سبتمبر من ذات العام التى قامت عليها ثاني دولة دينية ( بعد المهدية ) في السودان و تحققت فيها وحدة الدين والدولة على النحو الشائه والخطير الذى اورث البلاد مااورثها من كوارث ومحن . وكان مثار العجب ان يقيم النميري دولة دينية بذلك المنهج الفوقي القمعي الذى يعلمه الكافة رغم انه ظل طوال الفترة من 1969 م وحتى سبتمبر عام 1983 م يقف على رأس نظام حكم مدني لاعلاقة له بالدين . وبعد انقلاب يونيو 1989 توحد الدين والدولة على ايدي جماعة الجبهة الاسلامية القومية ومازالت هذه الوحدة قائمة حتى يومنا هذا دون ان تحقق اي حلم من الاحلام التى باعوها للعوام والجهلة . ولقد كان ملحوظاً طول الفترة من استقلال السودان وحتى انقلاب يونيو 1989 ان الداعين الى وحدة الدين والدولة لم يفصلوا في احاديثهم وادبياتهم علاقة الدين بالدولة فظل شعار " الاسلام دين ودولة " هلامياً بلا اي ابعاد او مضامين تبرر استنزاله على واقع كالواقع السوداني . وكان عجيباً بذات القدر ان الداعين الى المجتمع المدني رفضاً للدولة الدينية لم يتصدوا بالجدية والمسئولية اللتين تقتضيهما مواجهة فكر ديني سياسي متخلف . ولم يبذلوا الجهد المطلوب لتوعية الجماهير بواقعية وعملية وضمانات الدولة المدنية . وعدم واقعية وزيف الدولة الدينية ومخاطرها المضمرة تحت ذلك الشعار الفارغ الذى كان مقدمة وتبريرا لقيام الدولة الدينية التى نراها اليوم . ويبدو انهم لم يكونوا يدركون حقيقة اخطار التلويح بالشعار في مجتمع متخلف كالمجتمع السوداني ، ولاجدية رافعية في اقامة دولتهم الدينية حتى فاجأهم الطوفان وكان ما كان .
المقابلة بين الدين والدولة
الدولة ، بلا تطويل اكاديمي ، هي الوحدة السياسية المستقلة لشعب ما تأسيسا على عقد اجتماعي ينزل بمقتضاه الناس عن بعض حرياتهم وحقوقهم البدائية المطلقة لقاء ما توفرة لهم مؤسسات السلطة من ضمانات . وقد عرف التاريخ الانساني الدولة ، بهذا المعنى ، منذ عصور بعيدة كنتاج طبيعي لتطور النظام الاجتماعي من الاسرة الى القبيلة الى النظام الارحب والاشمل ( الدولة ) . والدولة كمصطلح عصري تعني ذات الوحدة التى يكفل نظامها السياسي والدستوري والقانوني التعايش السلمي بين مختلف مجموعاتها العرقية والدينية والسياسية ويضمن لكل مجموعة منها حقوقها كاملة غير منقوصة . كما تكفل لكل فرد من مواطنيها حق المشاركة في الحياة العامة وفي مركز اتخاذ القرار ، وتضمن لمواطنيها ، جماعات وافراداً ، كافة الحريات الاقتصادية . الدولة ، كمصطلح عصري ، تعني الدولة القومية ذات النظام السياسي الديمقراطي التعددي القائم على الدستور والمؤسسات التى ينشئها وتتشكل بملامحه ، والتى تحصن ضمانات الحقوق والحريات اعلاه وتساوي بين المواطنين امام القانون مساواة مطلقة بصرف النظر عن الدين او العنصر او اللون او الانتماء السياسي او الجهوي . الدولة ، بهذا الفهم ، هي ، في ايجاز ، الوحدة السياسية التى يكون معيار الانتماء اليها هو الجنسية Nationaltiy والمعيار الاوحد فيها لاكتساب الحقوق والاهلية اللازمة لتحمل المسئوليات العامة من سفحها الى قمتها هو معيار المواطنة ، والتى يكون الشعب فيها مصدر ومعقد السلطات ومرجعيتها ، ينتخب ويحاسب ويعزل ، يعطي السلطة لمن يشاء وينزعها ممن يشاء بلا معقب عليه ، ويكون فيها قطب الرحى الذى يبدا الامر منه ويرد اليه فينتهي عنده . الدولة ، بهذا الفهم ، تقوم على فكر عملي علمي جائز متحرك لا فكر ديني ثابت جامد .
اما الدين فهو ، في جوهره ، عقيدة faith تتصل بعالم الغيب ، والفكر الديني ، تبعاً لهذا ، هو فكر تجريدي موضوعه الضروري والمطلق والكلي لا الجزئي او الاحتمالي ، الثابت لا المتغير . الدين ، بطبيعته ، شمولي لا يقف عند وحدة جغرافية او سياسية ، والاسلام ، في خصوص الذكر ، لايعرف هذا ولايعرف جنسية بحكم عالميته . المعيار في الدين ، وبخاصة في الاسلام ، هو العقيدة التى هي مناط التكاليف والانتماء في الدنيا ، ومناط الجزاء ، ثوابا و عقابا ، في الاخرة .
يبدو جليا مما تقدم ان الشعار " الاسلام دين ودولة " الذى اطلقه حسن البنا في النصف الاول من هذا القرن كرجع صدى لشعار " الحاكمية لله " الذى اطلقة الخوارج ابان الفتنة الكبرى ، شعار مستحيل التحقق على ارض الواقع للتناقض والتضاد الحدي الظاهر بين جوهر عناصره وعناصر الدولة ، اللهم الا اذا كان ممكناً التوحيد بين المطلق الكلي الضروري والنسبي الجزئي الاحتمالي ، وبين العلمي والعملي والتجريدي ، وبين المعنوي والمادي ، وبين الولاء المطلق للوطن والولاء المطلق للعقيدة ، وبين الغيب والشهادة ، وبين العامية المطلقة والوطنية المطلقة . وربما يفسر لنا هذا مجمل الاسباب الكامنة وراء عجز مطلقي هذا الشعار عن اعطائه اي مضامين عملية فيما يتصل بالجوانب الحياتية وقصر جل عطائهم على الجوانب الشعائرية في الدين . اما القليل النادر من عطائهم في الجوانب الحياتية التى تتصل بالدولة فلا يعدو ان يكون رؤى خاصة لم يجمع عليها المسلمون في اي مرحلة من مراحل تاريخهم .
الدين والدولة بمنظور النص الديني
الثابت ان القرآن والسنة ( النص الديني ) لم يأتيا البتة على ذكر الدولة وبالتبعية لم يفردا اي احكام مجملة او مفصلة بشأنها القول بأنهما فرضا اقامة الدولة على المسلمين . ولهذا فان الراي الغالب عند الجمهور يقضي بأن الدولة ليست اصلا من اصول الدين ولا ركناً من اركانه وانها من " الفقهيات " ، وان الخطأ في اصل الأمامة ( اي في الدولة ) لايوجب التكفير ، وانها ( الدولة ) من المصالح العامة المفوضة الى نظر الخالق ...... الخ . ولانغالي اونجافي الحقيقة ان قلنا ان النص الديني ، على نقيض مايروج له دعاة التوحيد القسري بين الدين والدولة ، قد قضى صراحة بأن الدولة شأن متروك للناس . قال تعالى " وامرهم شورى بينهم " ، والامر ، كما معلوم في المصطلح الاسلامي هو مايتصل بالدولة ونظام الحكم . وقال ( ص) " ماكان من امر دينكم فخذوه عني وماكان من امر دنياكم فأنتم اعلم به " ، والمقابلة هنا واضحة لاتترك مجالا لأي شك في ان الدولة امر يختلف تماما عن الدين وان المرجعية بشأن الدين ( الرسول ص ) تختلف عن المرجعية بشأن الدولة ( الناس ) . ولم يشذ عن هذا الاجماع على استقلالية الدولة عن الدين الا الخوارج والشيعة لاسباب تاريخية ومذهبية سنتطرق اليها فيما بعد . خلاصة الامر ان الله ، وفقا لتنزيله ، والرسول ، وفقا لاحاديثه وافعاله ( سنته العملية والقولية ) ، قد امدنا بحجج بالغة القوة بأن الدين والدولة ليسا امرا واحدا ، وذلك اتساقا مع مبدأ " الاستخلاف " الذى استخلف الله الانسان بموجبه على الارض لاعمارها في اطار كليات وغاية ومقاصد تتمثل في العدل والخير والحق .
ومع كل ماسلم به الجمهور من السلف وما سلم به المعاصرون ممن ينسبون الى تيار التنوير ، فانهم يعودون فيقولون ان كون الدولة ليست ركنا من اركان الدين لا يعني انتفاء العلاقة بينهما ، يريدون بذلك ان يميزوا موقفهم من موقف العلمانيين الشامل من الدين بمنظور علمي وفلسفي . ويذهب هؤلاء ، في سبيل الترويج لمقولة العلاقة بين الدين والدولة ، الى ان القرآن الكريم الذى لم يفرض على المسلمين اقامة الدولة ، قد فرض عليهم من الواجبات الدينية مايستحيل عليهم القيام به والوفاء بحقوقه اذا هم لم يقيموا دولة الاسلام ، فهناك من فرائض الاسلام وواجباته الدينية حدود لابد لقيامها واقامتها من الولاية والدولة والسلطان .....مثل الزكاة من مصادرها ووضعها في مصارفها ومثل القصاص ومايلزم له من تعديل الشهود وتنظيم القضاء .......... ومثل القيام بفريضة العلم .........ومثل وضع الاية القرانية التى توجب على المسلمين طاعة اولى الامر منهم موضع التنفيذ .....!!!! والمغالطة واضحة هنا من حيث ان منطق هؤلاء قائم على افتراض خاطئ مؤداه ان الدولة القائمة على غير علاقة ضرورية بالدين لا تكفل للمسلمين اقامة فرائضهم الدينية ، ومن حيث انه قائم على افتراض خاطئ مؤداه ان كل الواجبات الدينية التى يتحدثون عنها هي واجبات دائمة لا تقف عند حدود الزمان والمكان اللذين فرضت فيهما ، ( ا ي تجريدها كلها من سياقها التاريخي ) . وعوج هذا المنطق يتبدى في انه يتصور ان الدولة للاسلامية امر يختلف عن الدولة الدينية ( التى يتوحد فيها الدين والدولة ) ، وكأن " الاسلامية " صفة على غير موصوف ، وكأن " الاسلام " ليس ديناً . وخطل المنطق كله يتمثل في ان انتهاءات القائلين به الى وجوب قيام الدولة الاسلامية تستند الى قاعدة فقهية مؤداها " ماكان لا سبيل الى اداء الواجب الديني الا به فهو واجب " ، هو منطق غاية مايمكن ان يقال عنه انه غلب الفقة ( اجتهاد البشر ) على النص الديني ، ( الالهي ) او ساري بينهما ، على اقل تقدير ، اي انه غلب البشري على الالهي او ساري بينهما . والمنطق المذكور لايصمد امام مقتضى العقل الذى يرفض ان يقال ان الله لم يفرض على المسلمين اقامة الدولة المرتبطة بالدين رغم علمه ان اقامتها ألزم مايلزم لإقامة الواجبات الدينية !!!! ، اي يرقض المنطق الذى ينسب العجز او الغفلة او العبث الى الله في شأن خطير كهذا !!!!
تلازم الدين والدولة بمنظور تاريخي
لم تطرح هذه الدعوة ولم تثر ايام الرسول ( ص) تسليما من المسلمين آنذاك بأنه كان موصولا بالسماء . ولم تثر ايام الخلافة الراشدة ايام ابي بكر وعمر وعثمان ( حتى مقتله ) تسليما منهم بأن هؤلاء كانوا ألصق الناس بالرسول واحرصهم على الاقتداء به . واحسب انها لم تثر لسبب جوهري هو استقرار السلطة السياسية حتى ذلك الوقت وعدم نشوء الظروف الموضوعية للصراع على السلطة لقرب عهد الدولة بالرسالة التى وحدت المسلمين واسكتت نزعاتهم وتطلعاتهم الى السلطة الى حين ، والا لما سكت المسلمون على اجتهادات عمر الى تجاوزت النص الديني ، ولا على اجتهاداته في شئون الدولة والرعية الى حد تبني النظم الادارية لدولة فارس وبيزنطة غير المسلمين ، بل وعدوتي الدولة الاسلامية .
نشأت الدعوة الى التلازم بين الدين والدولة في اتون الفتنة الكبرى بعد مقتل عثمان وخلال صراع سياسي محض على السلطة . كان اول من اثارها الخوارج حين قالوا :-
" لا حاكمية الا الله " رافضا لتحكيم البشر في النزاع بين علي ومعاوية . ومعلوم كيف انتهى الامر بحاكمية بني امية ثم بني العباس والفاطميين وغيرهم حتى العثمانيين . ومن المفارقات ان كل دولة من هذه الدول القائمة على اساس قبلي كانت تزعم انها دين ودولة . ولعل من اكبر المفارقات ان الامر انتهى الى سلطة ارضية خالصة يعبث فيها البشر بمصائر البشر بإسم السماء والى صيرورة الواجبات الدينية التى قامت هذه الدول بحجة انفاذها الى واجبات خالصة للحكام يؤديها المحكمون عن يد وهم صاغرون . وقد تلقف الدعاة المعاصرون لتسييس الدين هذه الدعوة فذهبوا بها مذهبا بعيدا ، كما سنرى لاحقا ، دون ان يعطوها اي مضمون .
وقد اخذت هذه الدعوة عند الشيعة منحى وابعاداً اخطر حين جعلوا " الامامة " ركنا من اركان الدين واسبغوا على الامام ، الذى اشترطوا ان يكون من نسل علي من فاطمة ، عصمة تفوق عصمة الانبياء والرسل ، بإعتبارها عصمة قائمة على غير واسطة بين الامام والسماء وانما على صلة مباشرة بينه وبينها على نقيض عصمة الرسول المستندة الى الوحي ( الواسطة ) .
وقد جاءت دعوة الشيعة بلا اساس من النص الديني ، فكانت نتاجا لضيقهم بظلم البشر لعلى وسيطه بإنكار حقهم المزعوم في خلافة الرسول منذ السقيفة وحتى الفتنه الكبرى ومقتل علي . وتجذرت دعوتهم هذه وتكرست بعد محنة الحسين ومقتله المأساوي في كربلاء وبعد توالي مصارع الطالبيين . وبقدر ماجاءت دهوة الشيعة ردة فعل على ظلم البشر جاءت تعبيرا عن رجاء وامل في عدل السماء . ومن هنا خرجت مقولة " المهدي المنتظر " الذى يأتي ليملأ الارض عدلا بعد ان ملئت جورا . ومازال الشيعة ينتظرون امامهم الغائب ومابدلوا تبديلا .
نواصل ماتبقى من الورقة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الدين والدولة : ورقة في غاية الاهمية والعمق ... للقانونى الضليع محجوب ابراهيم حسن (Re: بدر الدين الأمير)
|
تكملة ورقة الدين والدولة:
تلازم الدين والدولة بمنظور عقلي
ان حتمية العلاقة بين الدين والدولة تتصادم مع البدهيات التالية :-
1. لو كان الدين والدولة شأنين متلازمين لكان لزاما ان يقرر هذه الحتمية النص الديني الذى يرد المسلمون اليه امرهم حين يختلفون ، ولكان لزاما ان يحدد شكل ومضمون ومؤسسات الدولة . 2. التلازم المزعوم يتصادم مع حقيقة ان الله قد استخلف الانسان على الارض لاعمارها ، وحقيقة ان الانسان ، من دون سائر المخلوقات ،هو الذى حمل هذه الامانة التى عرضها الله على السموات والارض والجبال فاشفقن منها وابين ان يحملنها . 3. ان التلازم المزعوم يغلق الاسلام على المسلمين ويختزله في شكل او مكون سياسي يعادي غير المسلمين وينسف الاسس التى يقوم عليها الدولة القومية المعاصرة من وطن وجنسية . 4. ان المجتمعات البشرية جاءت سابقة ، من وجهة تاريخية ووقائعية ، على الاديان . فقد نظم الناس انفسهم في مجتمعات اولا لمقابلة حاجات تاريخية قبل ان تنزل عليهم الاديان . ذلك انه مامن دين من الاديان الا ونزل او وجه بالضرورة الى مجتمع قائم سلفا ، بصرف النظر عن حظه من الرقي او التخلف . ولو كانت الاديان تؤكد ، حتى بمنظور ايماني وعقدي ، ان الدولة يصح ان تقوم استقلالا عن الدين وبجهد بشري خالص نزولا عند الحاح وضرورات الواقع التاريخي المعين . 5. الاديان السابقة للاسلام ، باستثناء اليهودية التى قصرت الدين على " بني اسرائيل " فوحدت بين الدين والعنصر او العرق ، لم توجب او تفرض انشاء دول على اساسها ، اي انها جاءت اديانا محضة . ولو كان الدين لازما لزوما مطلقا لاقامة الدولة او كانت الدول لازمة لزوما مطلقا لاقامة الدين لما جاءت الاديان كما جاءت ووقتما جاءت . 6. بمفهوم عقدي اساسه القرآن والسنة فإن الاديان الاخرى هي جزء وبعض من الاسلام الذي يزعم زاعمون انه دين ودولة ، فكان منطقيا وحتميا ان يكون كل منها دينا ودولة ، لكنها لم تكن كذلك فلماذا يصير الاسلام وحده ، والذى هو جماعها ومحصلتها النهائية ، دينا ودولة ؟ واذا كان تلازم الدين والدولة خيرا مطلقا ، كما يزعمون ، فان حرمان معتنقي الديانات السابقة للاسلام من هذا الخير واختصاص المسلمين به على سبيل الحصر هو منطق لايجد قبولا عند من يؤمنون بأن العدالة الالهية ضرورية لا جائزة ، مطلقة لا نسبية . فإذا كان ماتم لاسباب تاريخية راعت فيها السماء مقتضيات زمان ومكان كل مرحلة ، فذلك ينطبق ايضا على علاقة الاسلام بالدولة ، بمعني ان العلاقة بين الاسلام والدولة هي ، مثلها مثل العلاقات بين الاديان الاخرى والدولة ، علاقة تاريخية وليست عقدية على سبيل الدوام . ذلك ادعى لإتساق اديان الله وسننه . 7. اذا كان الرسول المعصوم ( ص) هو مؤسس الدولة الاسلامية الاولى ، فانه يلزم ، بمنطق القائلين بالتلازم بين الدين والدولة ، ان تكون تلك الدولة التى اسسها الرسول ( ص) على صحيفة المدينة المثال والنموذج وهي الدولة المعيارية عند المسلمين في كل زمان ومكان . هذا المنطق تدحضه حقيقة ان دولة المدينة ، اذا سلمنا بانها دولة بالمفهوم العصري ، قامت ولما يكن الدين قد اكتمل بعد ، اي انها لم تقم ، في اول اطوارها على اقل تقدير ، على كامل الدين ، الامر الذي يعني ان الدولة المنشودة يمكن ان تقوم على دين جزئي او ناقص . ولما كان النقصان يشمل الجزئي والكلي ، فإنه يصح القول ان الدولة يمكن ان تكون استقلالا عن الدين . 8. اذا كانت دولة الرسول ( ص ) حتى يوم وفاته هي الدولة الاسلامية المثلى ( النموذج ) ، باعتبار منشئها ( الرسول ) متصلا بالسماء عن طريق الوحي ، فان هذا يعني لزوما ان تقف اي دولة اسلامية لاحقة لها عند حدودها لا تتعداها بحسبانها تدبيرا وتنظيما ربانيا . لكن الدولة ظلت اسلامية حتى نهاية الخلافة الراشدة بما طرأ عليها من تطور مغاير ملحوظ قام على معطيات الدولتين الفارسية والبيزنطية ايام عمر ، فتعدت بذلك حدود دولة الرسول تأسيسا على معطيات بشرية خالصة ، ثم تطورت ، تأسيسا على عطاء بشري وضرورات تاريخية ، فاتخذت اشكالا ومضامين ونهجت مناهج مغايرة منذ قيام الدولة الاموية وحتى نهاية الخلافة الاسلامية .كل ذلك ، منظورا اليه في ضوء حقائق ان الدول الاسلامية التى اقامتها جماعات الاسلام السياسي المعاصر في ايران والسودان وافغانستان قد قامت على نمط منقطع الصلة بنمط دولة الرسول في اطوارها كافة وبنمط دولة الخلافة الراشدة والدولة العباسية والاموية والفاطمية والعثمانية الخ .......، يعني ان الدولة التى تريدها جماعات الاسلام السياسي على اساس ان الاسلام دين ودولة لاتقوم بالضرورة على مثال او نموذج محدد ، ويعني غياب الاساس المعياري للدولة الاسلامية المنشودة ( دين ودولة ) . وفي غياب الاساس المعيار ومرجعية النموذج ، فان شعــــار " الاسلام دين ودولة " يغدو شعارا خاويا وغير ممكن تحقيقه على نحو يلقى الاجماع عليه . 9. اذا كانت دولة الرسول ( ص) حتى وفاته وانقطاع الوحي هي الدولة المثال الاوحد والنموذج الحصري التى جسدت شعار " الاسلام دين ودولة " ، فان الالتزام بنموذجها او العودة اليها ، بصرف النظر عما يقتضيه ذلك من قيام رسول على راس الدولة المأمولة ، يعني ان نلغي عطاء دولة الخلافة الراشدة فيما خالف المثال وان تلغي كل عطاء الدولة الاسلامية بعد صيرورتها ملكا عضوضا يورث ، وان تقف عند دولة الرسول لانتعداها بما يعنيه ذلك بالضرورة من رفض تام لجل عطاء البشرية في الميادين كافة ، والسياسة والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية ......الخ حتى يومنا هذا والى يوم الدين . ان استحالة تحقيق هذا تقتضى القول ، بالتبعية ، ان شعار " الاسلام دين ودولة " ، بالمضامين التى تتحدث عنها جماعات الاسلام السياسي المعاصر ، مستحيل التحقق في واقع اليوم . 10. اذا كانت الخلافة الراشدة قد التزمت جوهر الدولة المثال ثم اضافت اليه الكثير مما اقتضه حاجات زمانها ومكانها وواقعها ، فانه يصح القول ان مضمون الدولة القائمة على الدين هو مضمون بشري في جزء كبير منه وليس إلهيا خالصا . فاذا جاز ، في اطوار قديمة ، ان يعبر عن شعار " الاسلام دين ودولة " بدولة ذات مضامين بشرية خالصة في حدود غايات ومقاصد الحق والعدل والخير . 11. حقيقة ان الرسول ( ص) ظل يدعو للاسلام بمكة لثلاث عشره سنة دون ان تنطوي السور المكية على اية سورة او آية توجب عليه اقامة دولة على اساس الدين او على اي اساس اخر ، ودون ان يقيم هذه الدولة اصلا او يقول بذلك ( السنه العملية والسنة القولية ) تعني ان الظروف الذاتية والوضوعية لاقامتها لم تكن قد نشأت بعد ، وتعني ان قيانها مشروط بتوافر هذه الظروف التى لم يتطرق النص الديني الى ذكرها صراحة او ضمناً . هذا يعني ، بالضرورة ، ان علاقة الدين بالدولة هي علاقة تاريخية جائزة وليست علاقة ضرورية وملازمة . 12. هجرة الرسول ( ص) الى المدينة فرضتها ظروف اضطهاد قريش للمسلمين وتبييتهم النية لقتل الرسول على نحو مابينته السيرة . مؤاخاة الرسول ( ص) بين المهاجرين والانصار ثم تنظيم مجتمع المدينة على نحو ماجاء في بالصحيفة فرضته ظروف مابعد الهجرة ولم يفرضه نص ديني . هذا يعني ان كل ماتصل بدولة المدينة كان نتاجا لظروف تاريخية ، وكان جائزا الا يحدث ماحدث لو كانت الظروف مغايرة . اذن فإن علاقة الدولة الاسلامية التى اقامها الرسول هي علاقة تاريخية جائزة واحتمالية وليست ضرورية او حتمية . 13. ان كافة الاشكال والمضامين التى نطوت عليها الدولة الاسلامية بعد وفاة الرسول ، سواء كانت دولة الخلافة الراشدة او الدولة القبلية ( الاموية والعباسية وماتلاهما) نجمت ، بالضرورة ، من ظروف تاريخية كان لابد ان تستجيب لها ، خاصة والوحي قد انقطع . وكان جائزا ومحتملا الا تقوم حروب الردة والا تحدث الفتوحات او اي من الاحداث التى اقتضتها ضرورات المحافظة على الدين والدولة وحمايتها او التوسع والحفاظ على الملك ، وكان من الجائز ، تبعا لذلك ،ان تختلف اشكال ومضامين الدولة الاسلامية لو كانت الظروف غير الظروف والاحداث والواقعات غير الاحداث والواقعات . ولهذا فإنه يصح الخلوص الى ان علاقة الدين بالدولة الاسلامية كانت علاقة تاريخية ولم تكن علاقة ضرورية حتمية . 14. حقيقة ان الدول قد جاءت سابقة على الاديان من جهة وقائعية وتاريخية ( وليست مفهومية ) تعني ان الله قد اعطى الانسان ، من حيث هو انسان ، القدرة على تدبير وتنظيم شئون السياسة والاقتصادية والاجتماعية استقلالا عن الدين ، وتعني انه قد وهبه القدر اللازم من المعرفة لاقامة الدولة استقلالا عن المعرفة الدينية . وقد جاء النص الديني ذو الصلة مصداقا لهذا المنطق ، اذا قال تعالى " انا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال فأبين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان انه كان مظلوما جهولا " . وقال :- " اقرا وربك الاكرم الذى علم بالقلم علم الانسان مالم يعلم " ( ارجــو التوقف عند كلمة " الانسان" ) . وقال :- " وشاورهم في الامر " " وامرهم شورى بينهم " ( الامر هو الحكم وشئون الدولة ) وقال ( ص) " ماكان من امر دينكم فخذوه عني وماكان من امر دنياكم فأنتم اعلم به " . خلاصة ماتقدم ان الدولة ضرورة زمنية تلبي وفقا لمقتضيات الزمان والمكان ، على حركيتها وتغيرها ، وليست ضرورة دينية ، على ثبات اصول الدين وعدم استجابتها لاحداث التاريخ المتغيرة على الدوام . 15. الخلاف المذهبي الحدي حول الدولة والامامة ، بين الشيعة ( من اركان الدين وقصرا على نسل فاطمة ) والمذاهب السنية ( من فروع الدين وفقهياته ) من جانب ، وبين اهل السنة واهل السنة ( خلافة ام امارة ام رئاسة ، بالبيعة ام بالانتخاب ، بالتداول ام مدى الحياة ، في قريش ام للمسلمين كافة ) من جانب اخر ، ينفي الاجماع اللازم على مسائل هي من اساسيات وجوهر الدولة المتلازمة مع الدين مما يسوغ القول ان هذه الدولة تتشكل وتنطوي على مضامين متعددة ومتباينة الى حد التصادم والتنافر برؤى بشرية في غالبها الى حد استحالة الاستيقان من ماهو إلهي فيها . ان تأثر الدولة المزعومة بالصراعات السياسية والمذهبية في مختلف مراحلها واطوارها يعني انها تفتقر الى البعد الالهي فيها الذى هو بعد ثابت جوهر بطبيعته لا عرض متغير ، ويعني انها نتاج التاريخ وليست فرضا اوواجبا دينيا . ولعل هذا مايفسر لنا التباين البالغ الشدة بين الدولة الدينية المعاصرة في ايران ( شيعية امامية ثورية اصولية ) . والدولة الدينية في السودان ( سنية انقلابية بوليسية فوضوية ) ، والدولة الدينية في افغانستان ( هلامية متبدلة متقاتلة ) . ولعله يفسر لنا لماذا جاءت الدول الاسلامية المعاصرة خالية من قيم الدين ، بل مستوية على قيم تناقضها كل التناقض . ان كل ماتقدم يفضي الى يقين بأن علاقة الدين بالدولة الاسلامية ، في مختلف عصورها واشكالها ومضامينها ، كانت علاقة تاريخية جائزة لا الهية ضرورية . 16. على افتراض ان النصوص التى يستند اليها القائلون بأن الاسلام دين ودولة هي نصوص قطعية الثبوت والدلالة ( هي ليست كذلك يقيناً ) ، فان هذا لايعني ، بالضرورة ، ان الاحكام والقواعد التى انطوت عليها ذات النصوص تطبق في كل الاحوال وفي كل زمان ومكان بغض عن الظروف . فقد كانت آيه مصارف الزكاة ومازالت وستظل نصا قطعي الثبوت والدلالة ، ومع ذلك فان عمر بن الخطاب قد اقفل مصرف " المؤلفة قلوبهم " بإعتبار حكمه حكما موقوتا بضعف الاسلام يسري ما استمرت حالة الضعف ولا يسري اذا زالت وقوى الاسلام ( اي ان الحكم كان مشروطا بضعف الاسلام ولم يكن مطلقا ) . من هنا يمكننا القول ان النصوص المذكورة ربما قد تكون وجهت الى العرب بسبب الظروف التاريخية والاجتماعية والثقافية والحضارية التى كانت سائدة وقت نزولها فجاء حكمها مشروطا بإستمرار ذات الظروف موقوتا بها متغيرا بزوالها ولم يجيء مطلقا يقيد الناس الى يوم الدين ، مثلها مثل حكم مصارف الزكاة ( المؤلفة قلوبهم ) حكم الغنائم وحد السرقة ..... الخ . 17. قواعد تفسير وتأويل النص الديني وضع وتدبير بشري ألجان المسلمين اليه الحاجة الى فهمه لانه لاينزل مفسرا . وفهم النص الديني سواء قام على هذه القواعد او لم يقم عليها هو فهم بشري يتأثر بالبيئة التاريخية ( الزمان والمكان ) كما يتأثر بأهواء الناس وميولهم . والفهم البشري ليس معصوما وليس مقدسا . ولهذا فإن فهم الداعين الى شعار " الاسلام دين ودولة " للنصوص الدينية التى يستندون اليها قد يكون صحيحا وقد لا يكون ، اي ان تفسيرهم للنص الديني هو امر جائز ، فلا يسوغ ، تبعا لهذا ان يقال انه صحيح صحة مطلقة او خاطيء خطأ مطلقا ، وانما الصحيح ان يقال ان احتمالي الصواب والخطأ يردان عليه . والخلاصة ان الفهم البشري للنص الديني لا يجب ان يعطي قدسية النص ذاته والزاميته وانما ينبغي ان يؤخذ على انه اجتهاد لا يقيد احدا .
الدين والدولة في فكر الاسلام السياسي والمعاصر
مثلهم مثل الخوارج فيما سلف سرده من فكرهم الذى ولده صراع مرير على السلطة بعد مقتل عثمان ، ذهب مفكرو ومنظرو الاسلام السياسي المعاصر الى القول بحاكمية الله في شئون الدولة وجعلوا نظام الحكم دينيا خالصا وشأناً إلهيا صرفاً فقننوا للسلطة الدينية والاستبداد والقهر ، كما قننوا لحماية نظم الحكم الثيواقراطية بهدف استبقائها في السلطة على سبيل التأبيد ومحق خصومها واستئصالهم ماديا ومعنويا ، تماما كما فعلت الدولة الاموية والدولة العباسية وغيرهما على مدى تاريخ الخلافة الاسلامية بعد صيرورتها ملكا عضوضاً .
فأنت تقرأ المودودي يقول بالصوت العالي : ان الله معبود بالمعاني الدينية " وسلطان حاكم وحده بالمعاني السياسية والاجتماعية . وهو لم يهب احدا حق تنفيذ حكمه في خلقه ...... وان الانسان لاحظ له من الحاكمية اطلاقا .......وان الاساس الذى ارتكزت عليه دعامة النظرية السياسية في الاسلام ان تنتزع جميع سلطات الامر والتشريع من ايدي البشر منفردين ومجتمعين .." ومثل المودودي يذهب سيد قطب الى حد المطالبة " بإزاله " مملكة البشر ... ورد سلطان الله اليه من مغتصبيه من العباد ..... إلغاء القوانين التى سنها البشر لتسود الشريعة الالهية وحدها .... " كانت هذه انتهاءات لابد ان ينتهي اليها طرح هلامي لمسألة الدين والدولة ، مسرف في غيبيته وتطرف يستحيل ان يتحقق من وجهة عملية لانه لا يتحقق الا على انقاض ما هو قائم و لانه غير عملي البتة . ولا ريب ان فكر المودودي قد تأثر كل التأثر بالظروف الخاصة لإسلام شبة القارة الهندية ، وان سيد قطب قد تأثر كل التأثر بنكبة الاخوان المسلمين في الخمسينيات و الستينيات وبما طاله هو شخصياً من معاناة وابتلاءات .
هذه الحقائق تبرر القول بأن هذا الفكر المعاصر جاء في مجمله ردة فعل على ظروف واوضاع خاصة بمن طرحوه جعلتهم يستدعون فكر الخوارج ويزيدون عليه تطرقاً وتزمتاً ، او انه جاء تعبيرا عن تقليد احتجاجي عنيف شكل مسار المعارضة في الدولة الاسلامية منذ مقتل عثمان وحتى نهايتها لظروف قد تقارب في شدتها الظروف التى عاشها هؤلاء ، خاصة سيد قطب ومن ساروا على دربه .
ولاريب ان جماعات الاسلام السياسي المعاصر استدعت " الاسلام دين ودولة " لتسوق دعوتها غير العقلانية لاقامة الدولة الدينية التى تتوحد فيها السلطتان الزمنية والدينية في يد تنظيماتهم للانفراد بالسلطة الى الابد . والواضح ان الطرح على هلاميته قائم اساسا على تصور بشري خالص لنظام سياسي بعينه ، الامر الذي يسوغ رفضه لهذا ولاستحاله تطبيقه ولانه لا احد يعرف كيف تقام " مملكة الله على ارضه " .
وبالنسبة للمتأمل فإن الدعوة كلها لاتعدو ان تكون دعوة الى تطبيق الشريعة الاسلامية ، بمفهوم هذه الجماعات ، على وجه يضمن لهم جهازا قمعيا فعالا لحماية سلطتهم السياسية ( أرجـــو الرجوع الى الاوراق المرفقة – مرفق 1 ) .
الاشكاليات
يثير القول بعلاقة الدين بالدولة علاقة ضرورية اشكاليات وقضايا لا قبل لاي مجتمع مدني بإيجاد اي حلول في اطار طبيعته المدنية ودون قهر وعنف شديدين ومصادرة قمعية قسرية لحقوق الناس كافة .
حقوق الانسان التى انطوت عليها المواثيق والعهود الدولية والاقليمية لا تجد مكانها في نظام الدين والدولة لان حاكمية الله تبرر تماما تجاوز واحتقار هذه المواثيق لانها من صنع البشر . وفي هذا الاطار تندرج قضية حقوق غير المسلمين وحقوق المرأة وقضية الديمقراطية والتعدية وتداول السلطة والحريــات العامة........ الخ ( أرجـــــو الرجوع الى المرفق 2 ) . في هذا الشأن .
ويظل هناك اشكال العلاقات الخارجية التى تقوم ، وفقا لفهمهم القاصر ، على اساس نظرية " دار الاسلام " و " دار الحرب " التى تفرض على الدولة الاسلامية ان تكون في حالة استنفار دائم لحرب قائمة او ستقوم بينها وبين بقية العالم الكافر ( دار – الحرب ) ، وان تخضع لسلطاتها المسلمين في دار الحرب وان كانوا من مواطني تلك الدار . كل ذلك استنادا الى فهم مغلوط لحديث الرسول ( ص) " امرت ان اقاتل الناس حتى يشهدوا الا اله الا الله . فإن قالوها عصموا عني دماءهم واموالهم " .
ان الاشكاليات التى تطرحها دعوة " الاسلام دين ودولة " لاسبيل الى حلها اطلاقا ولا قبولها من اي مجتمع متحضر ، وهي في محصلتها النهائية لا تعدو ان تكون تصورات بشرية لكيفية وصول جماعاتهم الى السلطة والاقامة فيها على سبيل الاستيطان الابدي ، وليس فيها قبس رباني ولا شأن إلهي ، وهو ما يؤكد ماتوصلنا اليه من رأي بأن العلاقة بين الدين والدولة علاقة تاريخية لا علاقة ضرورية .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الدين والدولة : ورقة في غاية الاهمية والعمق ... للقانونى الضليع محجوب ابراهيم حسن (Re: بدر الدين الأمير)
|
Quote: المقابلة بين الدين والدولة
الدولة ، بلا تطويل اكاديمي ، هي الوحدة السياسية المستقلة لشعب ما تأسيسا على عقد اجتماعي ينزل بمقتضاه الناس عن بعض حرياتهم وحقوقهم البدائية المطلقة لقاء ما توفرة لهم مؤسسات السلطة من ضمانات . وقد عرف التاريخ الانساني الدولة ، بهذا المعنى ، منذ عصور بعيدة كنتاج طبيعي لتطور النظام الاجتماعي من الاسرة الى القبيلة الى النظام الارحب والاشمل ( الدولة ) . والدولة كمصطلح عصري تعني ذات الوحدة التى يكفل نظامها السياسي والدستوري والقانوني التعايش السلمي بين مختلف مجموعاتها العرقية والدينية والسياسية ويضمن لكل مجموعة منها حقوقها كاملة غير منقوصة . كما تكفل لكل فرد من مواطنيها حق المشاركة في الحياة العامة وفي مركز اتخاذ القرار ، وتضمن لمواطنيها ، جماعات وافراداً ، كافة الحريات الاقتصادية . الدولة ، كمصطلح عصري ، تعني الدولة القومية ذات النظام السياسي الديمقراطي التعددي القائم على الدستور والمؤسسات التى ينشئها وتتشكل بملامحه ، والتى تحصن ضمانات الحقوق والحريات اعلاه وتساوي بين المواطنين امام القانون مساواة مطلقة بصرف النظر عن الدين او العنصر او اللون او الانتماء السياسي او الجهوي . الدولة ، بهذا الفهم ، هي ، في ايجاز ، الوحدة السياسية التى يكون معيار الانتماء اليها هو الجنسية Nationaltiy والمعيار الاوحد فيها لاكتساب الحقوق والاهلية اللازمة لتحمل المسئوليات العامة من سفحها الى قمتها هو معيار المواطنة ، والتى يكون الشعب فيها مصدر ومعقد السلطات ومرجعيتها ، ينتخب ويحاسب ويعزل ، يعطي السلطة لمن يشاء وينزعها ممن يشاء بلا معقب عليه ، ويكون فيها قطب الرحى الذى يبدا الامر منه ويرد اليه فينتهي عنده . الدولة ، بهذا الفهم ، تقوم على فكر عملي علمي جائز متحرك لا فكر ديني ثابت جامد .
|
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الدين والدولة : ورقة في غاية الاهمية والعمق ... للقانونى الضليع محجوب ابراهيم حسن (Re: بدر الدين الأمير)
|
تلازم الدين والدولة بمنظور عقلي
ان حتمية العلاقة بين الدين والدولة تتصادم مع البدهيات التالية :-
1. لو كان الدين والدولة شأنين متلازمين لكان لزاما ان يقرر هذه الحتمية النص الديني الذى يرد المسلمون اليه امرهم حين يختلفون ، ولكان لزاما ان يحدد شكل ومضمون ومؤسسات الدولة . 2. التلازم المزعوم يتصادم مع حقيقة ان الله قد استخلف الانسان على الارض لاعمارها ، وحقيقة ان الانسان ، من دون سائر المخلوقات ،هو الذى حمل هذه الامانة التى عرضها الله على السموات والارض والجبال فاشفقن منها وابين ان يحملنها . 3. ان التلازم المزعوم يغلق الاسلام على المسلمين ويختزله في شكل او مكون سياسي يعادي غير المسلمين وينسف الاسس التى يقوم عليها الدولة القومية المعاصرة من وطن وجنسية . 4. ان المجتمعات البشرية جاءت سابقة ، من وجهة تاريخية ووقائعية ، على الاديان . فقد نظم الناس انفسهم في مجتمعات اولا لمقابلة حاجات تاريخية قبل ان تنزل عليهم الاديان . ذلك انه مامن دين من الاديان الا ونزل او وجه بالضرورة الى مجتمع قائم سلفا ، بصرف النظر عن حظه من الرقي او التخلف . ولو كانت الاديان تؤكد ، حتى بمنظور ايماني وعقدي ، ان الدولة يصح ان تقوم استقلالا عن الدين وبجهد بشري خالص نزولا عند الحاح وضرورات الواقع التاريخي المعين . 5. الاديان السابقة للاسلام ، باستثناء اليهودية التى قصرت الدين على " بني اسرائيل " فوحدت بين الدين والعنصر او العرق ، لم توجب او تفرض انشاء دول على اساسها ، اي انها جاءت اديانا محضة . ولو كان الدين لازما لزوما مطلقا لاقامة الدولة او كانت الدول لازمة لزوما مطلقا لاقامة الدين لما جاءت الاديان كما جاءت ووقتما جاءت . 6. بمفهوم عقدي اساسه القرآن والسنة فإن الاديان الاخرى هي جزء وبعض من الاسلام الذي يزعم زاعمون انه دين ودولة ، فكان منطقيا وحتميا ان يكون كل منها دينا ودولة ، لكنها لم تكن كذلك فلماذا يصير الاسلام وحده ، والذى هو جماعها ومحصلتها النهائية ، دينا ودولة ؟ واذا كان تلازم الدين والدولة خيرا مطلقا ، كما يزعمون ، فان حرمان معتنقي الديانات السابقة للاسلام من هذا الخير واختصاص المسلمين به على سبيل الحصر هو منطق لايجد قبولا عند من يؤمنون بأن العدالة الالهية ضرورية لا جائزة ، مطلقة لا نسبية . فإذا كان ماتم لاسباب تاريخية راعت فيها السماء مقتضيات زمان ومكان كل مرحلة ، فذلك ينطبق ايضا على علاقة الاسلام بالدولة ، بمعني ان العلاقة بين الاسلام والدولة هي ، مثلها مثل العلاقات بين الاديان الاخرى والدولة ، علاقة تاريخية وليست عقدية على سبيل الدوام . ذلك ادعى لإتساق اديان الله وسننه . 7. اذا كان الرسول المعصوم ( ص) هو مؤسس الدولة الاسلامية الاولى ، فانه يلزم ، بمنطق القائلين بالتلازم بين الدين والدولة ، ان تكون تلك الدولة التى اسسها الرسول ( ص) على صحيفة المدينة المثال والنموذج وهي الدولة المعيارية عند المسلمين في كل زمان ومكان . هذا المنطق تدحضه حقيقة ان دولة المدينة ، اذا سلمنا بانها دولة بالمفهوم العصري ، قامت ولما يكن الدين قد اكتمل بعد ، اي انها لم تقم ، في اول اطوارها على اقل تقدير ، على كامل الدين ، الامر الذي يعني ان الدولة المنشودة يمكن ان تقوم على دين جزئي او ناقص . ولما كان النقصان يشمل الجزئي والكلي ، فإنه يصح القول ان الدولة يمكن ان تكون استقلالا عن الدين . 8. اذا كانت دولة الرسول ( ص ) حتى يوم وفاته هي الدولة الاسلامية المثلى ( النموذج ) ، باعتبار منشئها ( الرسول ) متصلا بالسماء عن طريق الوحي ، فان هذا يعني لزوما ان تقف اي دولة اسلامية لاحقة لها عند حدودها لا تتعداها بحسبانها تدبيرا وتنظيما ربانيا . لكن الدولة ظلت اسلامية حتى نهاية الخلافة الراشدة بما طرأ عليها من تطور مغاير ملحوظ قام على معطيات الدولتين الفارسية والبيزنطية ايام عمر ، فتعدت بذلك حدود دولة الرسول تأسيسا على معطيات بشرية خالصة ، ثم تطورت ، تأسيسا على عطاء بشري وضرورات تاريخية ، فاتخذت اشكالا ومضامين ونهجت مناهج مغايرة منذ قيام الدولة الاموية وحتى نهاية الخلافة الاسلامية .كل ذلك ، منظورا اليه في ضوء حقائق ان الدول الاسلامية التى اقامتها جماعات الاسلام السياسي المعاصر في ايران والسودان وافغانستان قد قامت على نمط منقطع الصلة بنمط دولة الرسول في اطوارها كافة وبنمط دولة الخلافة الراشدة والدولة العباسية والاموية والفاطمية والعثمانية الخ .......، يعني ان الدولة التى تريدها جماعات الاسلام السياسي على اساس ان الاسلام دين ودولة لاتقوم بالضرورة على مثال او نموذج محدد ، ويعني غياب الاساس المعياري للدولة الاسلامية المنشودة ( دين ودولة ) . وفي غياب الاساس المعيار ومرجعية النموذج ، فان شعــــار " الاسلام دين ودولة " يغدو شعارا خاويا وغير ممكن تحقيقه على نحو يلقى الاجماع عليه . 9. اذا كانت دولة الرسول ( ص) حتى وفاته وانقطاع الوحي هي الدولة المثال الاوحد والنموذج الحصري التى جسدت شعار " الاسلام دين ودولة " ، فان الالتزام بنموذجها او العودة اليها ، بصرف النظر عما يقتضيه ذلك من قيام رسول على راس الدولة المأمولة ، يعني ان نلغي عطاء دولة الخلافة الراشدة فيما خالف المثال وان تلغي كل عطاء الدولة الاسلامية بعد صيرورتها ملكا عضوضا يورث ، وان تقف عند دولة الرسول لانتعداها بما يعنيه ذلك بالضرورة من رفض تام لجل عطاء البشرية في الميادين كافة ، والسياسة والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية ......الخ حتى يومنا هذا والى يوم الدين . ان استحالة تحقيق هذا تقتضى القول ، بالتبعية ، ان شعار " الاسلام دين ودولة " ، بالمضامين التى تتحدث عنها جماعات الاسلام السياسي المعاصر ، مستحيل التحقق في واقع اليوم . 10. اذا كانت الخلافة الراشدة قد التزمت جوهر الدولة المثال ثم اضافت اليه الكثير مما اقتضه حاجات زمانها ومكانها وواقعها ، فانه يصح القول ان مضمون الدولة القائمة على الدين هو مضمون بشري في جزء كبير منه وليس إلهيا خالصا . فاذا جاز ، في اطوار قديمة ، ان يعبر عن شعار " الاسلام دين ودولة " بدولة ذات مضامين بشرية خالصة في حدود غايات ومقاصد الحق والعدل والخير . 11. حقيقة ان الرسول ( ص) ظل يدعو للاسلام بمكة لثلاث عشره سنة دون ان تنطوي السور المكية على اية سورة او آية توجب عليه اقامة دولة على اساس الدين او على اي اساس اخر ، ودون ان يقيم هذه الدولة اصلا او يقول بذلك ( السنه العملية والسنة القولية ) تعني ان الظروف الذاتية والوضوعية لاقامتها لم تكن قد نشأت بعد ، وتعني ان قيانها مشروط بتوافر هذه الظروف التى لم يتطرق النص الديني الى ذكرها صراحة او ضمناً . هذا يعني ، بالضرورة ، ان علاقة الدين بالدولة هي علاقة تاريخية جائزة وليست علاقة ضرورية وملازمة . 12. هجرة الرسول ( ص) الى المدينة فرضتها ظروف اضطهاد قريش للمسلمين وتبييتهم النية لقتل الرسول على نحو مابينته السيرة . مؤاخاة الرسول ( ص) بين المهاجرين والانصار ثم تنظيم مجتمع المدينة على نحو ماجاء في بالصحيفة فرضته ظروف مابعد الهجرة ولم يفرضه نص ديني . هذا يعني ان كل ماتصل بدولة المدينة كان نتاجا لظروف تاريخية ، وكان جائزا الا يحدث ماحدث لو كانت الظروف مغايرة . اذن فإن علاقة الدولة الاسلامية التى اقامها الرسول هي علاقة تاريخية جائزة واحتمالية وليست ضرورية او حتمية . 13. ان كافة الاشكال والمضامين التى نطوت عليها الدولة الاسلامية بعد وفاة الرسول ، سواء كانت دولة الخلافة الراشدة او الدولة القبلية ( الاموية والعباسية وماتلاهما) نجمت ، بالضرورة ، من ظروف تاريخية كان لابد ان تستجيب لها ، خاصة والوحي قد انقطع . وكان جائزا ومحتملا الا تقوم حروب الردة والا تحدث الفتوحات او اي من الاحداث التى اقتضتها ضرورات المحافظة على الدين والدولة وحمايتها او التوسع والحفاظ على الملك ، وكان من الجائز ، تبعا لذلك ،ان تختلف اشكال ومضامين الدولة الاسلامية لو كانت الظروف غير الظروف والاحداث والواقعات غير الاحداث والواقعات . ولهذا فإنه يصح الخلوص الى ان علاقة الدين بالدولة الاسلامية كانت علاقة تاريخية ولم تكن علاقة ضرورية حتمية . 14. حقيقة ان الدول قد جاءت سابقة على الاديان من جهة وقائعية وتاريخية ( وليست مفهومية ) تعني ان الله قد اعطى الانسان ، من حيث هو انسان ، القدرة على تدبير وتنظيم شئون السياسة والاقتصادية والاجتماعية استقلالا عن الدين ، وتعني انه قد وهبه القدر اللازم من المعرفة لاقامة الدولة استقلالا عن المعرفة الدينية . وقد جاء النص الديني ذو الصلة مصداقا لهذا المنطق ، اذا قال تعالى " انا عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال فأبين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان انه كان مظلوما جهولا " . وقال :- " اقرا وربك الاكرم الذى علم بالقلم علم الانسان مالم يعلم " ( ارجــو التوقف عند كلمة " الانسان" ) . وقال :- " وشاورهم في الامر " " وامرهم شورى بينهم " ( الامر هو الحكم وشئون الدولة ) وقال ( ص) " ماكان من امر دينكم فخذوه عني وماكان من امر دنياكم فأنتم اعلم به " . خلاصة ماتقدم ان الدولة ضرورة زمنية تلبي وفقا لمقتضيات الزمان والمكان ، على حركيتها وتغيرها ، وليست ضرورة دينية ، على ثبات اصول الدين وعدم استجابتها لاحداث التاريخ المتغيرة على الدوام . 15. الخلاف المذهبي الحدي حول الدولة والامامة ، بين الشيعة ( من اركان الدين وقصرا على نسل فاطمة ) والمذاهب السنية ( من فروع الدين وفقهياته ) من جانب ، وبين اهل السنة واهل السنة ( خلافة ام امارة ام رئاسة ، بالبيعة ام بالانتخاب ، بالتداول ام مدى الحياة ، في قريش ام للمسلمين كافة ) من جانب اخر ، ينفي الاجماع اللازم على مسائل هي من اساسيات وجوهر الدولة المتلازمة مع الدين مما يسوغ القول ان هذه الدولة تتشكل وتنطوي على مضامين متعددة ومتباينة الى حد التصادم والتنافر برؤى بشرية في غالبها الى حد استحالة الاستيقان من ماهو إلهي فيها . ان تأثر الدولة المزعومة بالصراعات السياسية والمذهبية في مختلف مراحلها واطوارها يعني انها تفتقر الى البعد الالهي فيها الذى هو بعد ثابت جوهر بطبيعته لا عرض متغير ، ويعني انها نتاج التاريخ وليست فرضا اوواجبا دينيا . ولعل هذا مايفسر لنا التباين البالغ الشدة بين الدولة الدينية المعاصرة في ايران ( شيعية امامية ثورية اصولية ) . والدولة الدينية في السودان ( سنية انقلابية بوليسية فوضوية ) ، والدولة الدينية في افغانستان ( هلامية متبدلة متقاتلة ) . ولعله يفسر لنا لماذا جاءت الدول الاسلامية المعاصرة خالية من قيم الدين ، بل مستوية على قيم تناقضها كل التناقض . ان كل ماتقدم يفضي الى يقين بأن علاقة الدين بالدولة الاسلامية ، في مختلف عصورها واشكالها ومضامينها ، كانت علاقة تاريخية جائزة لا الهية ضرورية . 16. على افتراض ان النصوص التى يستند اليها القائلون بأن الاسلام دين ودولة هي نصوص قطعية الثبوت والدلالة ( هي ليست كذلك يقيناً ) ، فان هذا لايعني ، بالضرورة ، ان الاحكام والقواعد التى انطوت عليها ذات النصوص تطبق في كل الاحوال وفي كل زمان ومكان بغض عن الظروف . فقد كانت آيه مصارف الزكاة ومازالت وستظل نصا قطعي الثبوت والدلالة ، ومع ذلك فان عمر بن الخطاب قد اقفل مصرف " المؤلفة قلوبهم " بإعتبار حكمه حكما موقوتا بضعف الاسلام يسري ما استمرت حالة الضعف ولا يسري اذا زالت وقوى الاسلام ( اي ان الحكم كان مشروطا بضعف الاسلام ولم يكن مطلقا ) . من هنا يمكننا القول ان النصوص المذكورة ربما قد تكون وجهت الى العرب بسبب الظروف التاريخية والاجتماعية والثقافية والحضارية التى كانت سائدة وقت نزولها فجاء حكمها مشروطا بإستمرار ذات الظروف موقوتا بها متغيرا بزوالها ولم يجيء مطلقا يقيد الناس الى يوم الدين ، مثلها مثل حكم مصارف الزكاة ( المؤلفة قلوبهم ) حكم الغنائم وحد السرقة ..... الخ . 17. قواعد تفسير وتأويل النص الديني وضع وتدبير بشري ألجان المسلمين اليه الحاجة الى فهمه لانه لاينزل مفسرا . وفهم النص الديني سواء قام على هذه القواعد او لم يقم عليها هو فهم بشري يتأثر بالبيئة التاريخية ( الزمان والمكان ) كما يتأثر بأهواء الناس وميولهم . والفهم البشري ليس معصوما وليس مقدسا . ولهذا فإن فهم الداعين الى شعار " الاسلام دين ودولة " للنصوص الدينية التى يستندون اليها قد يكون صحيحا وقد لا يكون ، اي ان تفسيرهم للنص الديني هو امر جائز ، فلا يسوغ ، تبعا لهذا ان يقال انه صحيح صحة مطلقة او خاطيء خطأ مطلقا ، وانما الصحيح ان يقال ان احتمالي الصواب والخطأ يردان عليه . والخلاصة ان الفهم البشري للنص الديني لا يجب ان يعطي قدسية النص ذاته والزاميته وانما ينبغي ان يؤخذ على انه اجتهاد لا يقيد احدا .
salam salam
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الدين والدولة : ورقة في غاية الاهمية والعمق ... للقانونى الضليع محجوب ابراهيم حسن (Re: بدر الدين الأمير)
|
Quote: وفي عام 1983 م سن نميري قوانين سبتمبر من ذات العام التى قامت عليها ثاني دولة دينية ( بعد المهدية ) في السودان و تحققت فيها وحدة الدين والدولة على النحو الشائه والخطير الذى اورث البلاد مااورثها من كوارث ومحن . وكان مثار العجب ان يقيم النميري دولة دينية بذلك المنهج الفوقي القمعي الذى يعلمه الكافة رغم انه ظل طوال الفترة من 1969 م وحتى سبتمبر عام 1983 م يقف على رأس نظام حكم مدني لاعلاقة له بالدين . وبعد انقلاب يونيو 1989 توحد الدين والدولة على ايدي جماعة الجبهة الاسلامية القومية ومازالت هذه الوحدة قائمة حتى يومنا هذا دون ان تحقق اي حلم من الاحلام التى باعوها للعوام والجهلة . ولقد كان ملحوظاً طول الفترة من استقلال السودان وحتى انقلاب يونيو 1989 ان الداعين الى وحدة الدين والدولة لم يفصلوا في احاديثهم وادبياتهم علاقة الدين بالدولة فظل شعار " الاسلام دين ودولة " هلامياً بلا اي ابعاد او مضامين تبرر استنزاله على واقع كالواقع السوداني . وكان عجيباً بذات القدر ان الداعين الى المجتمع المدني رفضاً للدولة الدينية لم يتصدوا بالجدية والمسئولية اللتين تقتضيهما مواجهة فكر ديني سياسي متخلف . ولم يبذلوا الجهد المطلوب لتوعية الجماهير بواقعية وعملية وضمانات الدولة المدنية . وعدم واقعية وزيف الدولة الدينية ومخاطرها المضمرة تحت ذلك الشعار الفارغ الذى كان مقدمة وتبريرا لقيام الدولة الدينية التى نراها اليوم . ويبدو انهم لم يكونوا يدركون حقيقة اخطار التلويح بالشعار في مجتمع متخلف كالمجتمع السوداني ، ولاجدية رافعية في اقامة دولتهم الدينية حتى فاجأهم الطوفان وكان ما كان .
|
| |
|
|
|
|
|
|
|