|
حتى لا تضيع قضية دار فور بين (2) / على التوم
|
حتى لا تضيع قضية دار فور بين تغيب الحقائق والطموحات السلطوية(2) ــــــــ
مستقبل دارفور : إذا افترضنا بأن القارئ يقبل الأسس والمبادئ التى استند إليها نهجنا التحليلى لقضية دارفور ، وخاصة تلك المبادئ المرتبطة بالعلاقة الجدلية بين الأسباب0 والآثار والنتائج ، فإننا نتوقع قبوله ( القارئ ) للرؤيا المستقبلية لحل قضية دارفور والمرتكزة على أنها ثورة إجتماعية تعبّر عن مظالم اقتصادية حقيقية وعميقة الأبعاد والجذور 0 فالحل العادل والمستدام للقضية يكمن فى إصلاح زراعى شامل يعيد توزيع الموارد الانتاجية وخاصة الأراضى الزراعية والمراعى ومواقع المياه الجوفية 0 أما الإجراءات الأخرى الخاصة بحقوق المشاركة السياسية والإدارية فى السلطة وأدوات الحكم فلا بدّ أن تأتى كعوامل مساندة للاصلاح الاقتصادى والاجتماعى الذى من أجله اندلعت الثورة 0 وينبغى ألا يتوجس أهالى دارفور ذوى الحقوق المغتصبة خيفة من الاعتراف بأنهم هم الذين بدأوا بالهجوم تعبيراً عن ما لحق بهم من ظلم 0 والسؤال الملح الذى يطرح نفسه هنا هو هل لحكومة الانقاذ المصداقية للقيام بتنفيذ هذه الاصلاحات الجذرية ؟ والجواب الصريح هو بالطبع لا لعدد من الأسباب ، أهمها أولاً أن الحكومة لا يمكن أن تكون هى الخصم والحكم ، وثانياً أن الثقة معدومة وستظل معدومة بينها وبين الأهالى الثائرين والآملين فى استرداد حقوقهم ، وثالثاً فإن أى استثمارات أو مجهودات تنموية تصّب فوق هذا التوزيع الهيكلى الاجتماعى غير المنصف للموارد سيعنى تكريس المظالم وتوسيع الشقة بين الأغنياء والفقراء ، مما يؤدى إلى مزيد من المواجهات وفقدان الثقة وعدم الاستقرار 0 فالحل الوحيد هو الحلّ الذى ينطبق على كل السودان بما فى ذلك تخومه المهمشة ، وهو الإسراع بتأسيس وتركيز نظام ديموقراطى متكامل بجميع حقوقه وواجباته ومؤسساته الداعمة له والمؤمنة على استدامته .ومن أهم متطلبات تأسيس النظام الديموقراطى إجراء استفتاء شعبى بمراقبة إقليمية ودولية حول جدوى الحكم بالشريعة الاسلامية فى بلد كالسودان، علماً بأن الجنوبيين سيصوتون حتماً لصالح الانفصال إذا أصرّ الشماليون على حكم الشريعة برغم السلطات الكونفيدرالية الواسعة التى منحتها اتفاقية السلام للجنوبيين ، وعلماً بأن الحرب فى دارفور كانت بين الحكومة وانصارها ضد الأغلبية الافروسودانية المسلمة والمنحدرة من أصول غير عربية 0 وثمة نصيحة نقدمها لقيادات ثورة دارفور الذين لا نعرفهم كأشخاص والذين وصفهم الكثيرون بقلة الخبرة السياسية 0 وإن صحّ هذا الزعم أم لم يصحّ، فإن انقسامهم غير مفهوم وربما يشير إلى أجندات خفية ليست فى صالح أصحاب المصلحة الحقيقية فى التغيير الثوري والذين تصدّت تلك القيادات للدفاع عن قضاياهم 0 أما ذلك الفصيل القيادى الذى يحارب باسم الاسلام فخير له إما أن يعيد النظر فى طبيعة ثورة دارفور وأهدافها ويركز على الحقوق الاقتصادية و الإجتماعية ويبحث عن مبرّرات مقنعه لعمله من منبر مستقل ، وإما أن يرجّح الخطاب الدينى فينضم إلى صفوف الحكومة شريكاً أو حليفاً ـ لأن مثل تلك الأزدواجية فى سياق قضية جوهرية مرتبطة بحياة وحقوق ومصائر الناس ، من شأنها أن تؤدى إلى أضرار بالغة 0 إن تركيز قيادات ثورة دارفور على الحلول السياسية يعنى أنها تسعى للسلطة قبل إجبار الطرف الآخر على الاعتراف الواضح بالأسباب المحورية للمشكلة وهى حقوق الناس المغتصبة وضرورة ردّها لأصحابها 0 ولا شك أن التركيز على هذا المطلب المحورى ينبغى ألا يقلّل من أهمية تولى أبناء دارفورـ كلّ دارفور لمسئوليات تخطيط وتصريف شئون أقليمهم فى إطار وحدة الوطن الديموقراطى الفيدرالى 0 فالمطالبة بما حققه أبناء الجنوب من مكاسب لا يضع فى الاعتبار خصوصية قضية الجنوب واختلافها تاريخياً عن قضايا المناطق الأخرى فى الشمال مثل دارفور، القضايا المرتبطة الي جانب التهميش الجهوي بالمظالم الاقتصادية ونهب وسلب الموارد وسُبل كسب عيش السواد الاعظم من الاهالي البسطاء. ونحذر قيادات دارفور من المزايدات ومن الاسراف فى المطالب التعجيزية مثل المطالبة بتعيين نائب رئيس ثاني لرئيس الجمهورية من دارفور، بالدرجة التى تعطى الطرف الآخر الفرصة للتدليل على أنهم لا تهمهم حقوق أهلهم بقدر ما يهمهم الوصول للسلطة . 000 ومن جهة أخرى ينبغى أن يحذر القياديون الدارفوريون الأفراط فى التصريحات والدعاوى والاتهامات الجذافية التى لا تسندها حقائق أو أدلة مقنعة، وذلك مثل تصريح فى أحد وسائل الاعلام الخارجية منسوب إلى القيادى خليل ابراهيم 000 وفحواه أن عناصر من تنظيم القاعدة تدعم مليشيات الحكومة المتحالفة مع الجانجويد وتشارك معها فى القتال ضد القبائل الأخرى 0
ربما كان من بين مبّررات انفراد الشباب بقيادة الثورة فى دارفور خيبة أملهم فى الشيوخ (الكبار ) ولكننا نعرف بأن أعداد لا يُستهان بها من أولئك الشيوخ لم تُتح لهم الفّرص للتعبير عن آمال وطموحات شعبهم وأن خبراتهم فى مجالات مهنية وسياسية كثيرة ما يزال اهلوهم فى حاجة ماسة لها، وعلى الشباب أن يسعى لتكامل الجهد معها من أجل تحقيق أمانى وطموحات أهلهم 0 وأما الأحزاب التقليدية الشمالية داخل التجمع أو خارجه فعليها أن تحدّد موقفها بوضوح من قضية دارفور والمناطق الأخرى المهمشة وأن تجعلها جزء لا يتجزأ من برامجها المستقبلية ، وأن تنتقد نفسها على إهمالها المزمن لاحتياجات تلك المناطق ولامكانيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية فيها فى سياق الوطن الواحد 0
محاولات الحكومة لكسب الوقت : أما لجنة تقصى الحقائق برئاسة مولانا دفع الله الحاج يوسف ولجنة التحضير للمؤتمر القومى حول دارفور برئاسة السيد عز الدين السيد ، فمع احترامنا لرؤوسها وعضويتها يصعب الاعتراف لها بالمصداقية لأنها لجان حكومية تكونت بموجب مراسيم جمهورية 0 والحكومة طرف فى القضايا والنزاعات المطروحة 0 هذا يعنى ألاّ بديل لتشكيل لجان محايدة لتقصى الحقائق ولمراقبة فضّ النزاعات المسلحة0 ونقترح كياناً برئاسة الأمم المتحدة وعضوية الجامعة العربية والاتحاد الأفريقى والاتحاد الأوروبى 0
حاشية: فى اللحظات الأخيرة قبيل إرسال هذا المقال لصحيفة الحياة بالبريد الالكترونى ، أطّلعت على المقال الجيد والموضوعى عن قضية دارفور بقلم الأمير الحسن ابن طلال والمنشور فى عدد اليوم (الثالث من أغسطس) من الحياة 0 وأكاد اتفق مع الأمير الحسن فى اغلب ما جاء فى مقاله ، إلا أن بعض جوانب المقال تحتاج للتعقيب والتدقيق ،خاصة ذلك الجانب الذي يدعو فيه الأمير الحسن العالم الاسلامي للتدخل (او التوسّط) لحل قضية دارفور . فالذي نرجوه هو ألايتأثر العالم الاسلامي بالخطاب العربي الذي ينطلق من فهم خاطئ للمشكلة وجذورها وأسبابها بأن محاربة المسلم للمسلم في دارفور خطأ بنفس الدرجة التي اسئ فيها فهم ثوابت الاسلام عندما شنّت حكومة الانقاذ الحرب ضد المواطنين الجنوبيين باسم الجهاد في سبيل الله. وبعد دقائق من انتهاء إطلاعى على مقال الأمير الحسن أذاعت قناة الجزيرة التليفزيونية تصريحاً للسيد الزهاوى وزير الاعلام السودانى مفاده أن الحكومة على استعداد للحوار مع قيادات دارفور من أجل حسم مطالب اقتسام الثروة والسلطة . هذه فى نظرنا خطوة إلى الأمام مع افتراض صدق النوايا والتوجه ، وهى الخطوة التى كان من شأنها أن تّغنى الناس عن كلّ التعقيدات والتداعيات السلبية التى رانت على مشكلة دارفور خلال الأسابيع الأخيرة ومن بينها تداعيات وصول تدويل القضية إلى أقصى درجاتها 0 غير أن كلّ ما عبرّ عنه المتحدث الرسمى باسم الحكومة لن يكون بديلاً للاتفاق غير المشروط على تأسيس نظام حكم ديموقراطى مسنود ومؤصّلٍ بكل الدعائم المؤسسية التى تكفل الحريات وتؤمن حقوق جميع الناس وتزيل المظالم الإجتماعية والجهوية بأثر رجعى وبتأمين لمستقبل الأجيال القادمة0 فهل حكومة الانقاذ على استعداد لأن تكون طرفاً فى مثل هذا الحوار الذى لن ينعم السودان بدونه بالوحدة والاستقرار ؟ وماكدنا ننتهي من قراءة الدعوة للحوار حتي طالعتنا وسائل الاعلام بدعوة السيد رئيس الجمهورية وحكومته لتشكيل حكومة قومية لمواجهة التحديات الماثلة في الوطن ولعل الحكومة تقصد بها مشكلة دارفور وتعثر المفاوضات حول التفاصيل الاجرائية للسلام مع الجنوب . لقد جاءت هذه الدعوة من الحكومة التي رفضت بالأمس أيّ مشاركة للقوي السياسية الأخري في مفاوضات الجنوب، كما حمّلت الاحزاب التقليدية كلّ اوزار ما يحدث في دارفور . وبرغم ذلك ، من الصعب علي القوي السياسية رفض مثل هذه الدعوة. غير ان هنالك ثمة تحفظات محورية لابد من ذكرها في هذا السياق – ونضعها في شكل أسئلة :
السؤال الأول: هل تفكر الحكومة في الحصول علي دعم في مفاوضاتها مع الجنوبيين؟ اذا كان الجواب نعم، نري أن تقديم القوي القوي السياسية المعارضة لهذا الدعم سيضعها في حرج شديد مع الحركة الشعبية المتحالفة معها استراتيجياً ، فضلاً عن انها ستعطي الحكومة دعماًبل حدود مقابل مشاركة رمزية للقوي السياسية الاخري في السلطة !
وثانياً: اذا كان المقصود توحيد موقف القوي السياسية الشمالية من قضية دارفور ، فان الحكومة تكون بذلك قد حمّلت المعارضة جزءً من ورطتها في دارفور .
وثاثاً: هل ستُشكّل الحكومة القومية التي تدعو لها الحكومة في ظلّ قانون الطوارئ والقوانين المقيّدة للحريات والدفاع الشعبي وغيرها من ادوات السلطة والتسلّط ؟ اذا كان الجواب بنعم ، يصُبح حالنا "وكأننا يابدر لا رحنا ولا جينا"؟!
وثمة سؤال آخر يطرح نفسه سألته صحفية سودانية شابة للسيد وزير خارجية السودان في مؤتمره الصحفي بالقاهرة أمس الأول . السؤال هو هل ستستمر الحكومة لمعالجتها لقضايا المناطق المهمشة بهذا الاسلوب " القطّاعي " (بالتجزئة)؟! وماذا ستفعل غداً مع ثورة أخري تجمّعت وتكاثفت غيومها في شرق السودان ؟ ، ثور تعبر هي الاخري عن مظالم اقتصادية واجتماعية مزمنة تتحمل بعض اطراف الاحزاب التقليدية جزءً كبيراً من مسئوليتها. اتقوا الله في وطنكم وفي شعبكم وفي دينكم يا هؤلاء .
|
|
|
|
|
|