دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
يا (د. منصور خالد) لصديقك في الغياب
|
يا (د. منصور خالد) لصديقك في الغياب
ابتداءً ألف رحمة وغفران على روح عالمنا الفذ والنادر (صلاح الدين عثمان هاشم)، ليتقبّله الله في الخالدين لقاء عمره الذي أفناه في الكد والعلم والتبشير بالمعرفة، والمعرفة النادرة والعصيّة على العقول الرخوة، غير الباسلة وذات الجَلَد. وتحياتي لك يا أستاذي الكريم د. منصور خالد. باسم أمانة التحرير في مشروع (ارتياد الآفاق)، ومركز البحث الجغرافي العربي، سبق وأنّ أجريت اتصالاتٍ واسعة بكل مكان ربما تمر منه، لندن، باريس، القاهرة ونيروبي، لكي تكتب شهادةً في حق الراحل، تُرفق والطبعة الجديدة من كتابه المُتَرْجم، (تاريخ الأدب الجغرافي العربي) لشيخ المستشرقين الروس، (أغنياطوس يوليانفوتش كراتشكوفسكي)، لعلاقتكم الوثيقة والمدركة للراحل ولعبقريته، ولم يقدّر لنا التوفيق في الاتصال بكم، وهذا نداء لك أو لكل من يعرف طرقاً للوصول إليكم. كما أشير إلى أنني عجزت بالاتصال بأبنائه أو بورثة علمه وفضله، لصعوبات معيّنة ذكرها أقرباؤه، فأرجو منهم الاتصال بي في حال تيسّر لهم ذلك والرغبة فيه. وأُوجّه هذا النداء أيضاً للأمدرمانيين بشكل عام ولبني الهاشماب تحديداً، في المساعدة على توفير أكبر قدر من سيرة الراحل. سأقوم هنا بإنزال المقدمة التي قمت بإعدادها للكتاب بعد مراجعته وتحريره، لإعطاء اخوتنا المستنيرين فكرةً عن قيمة الكتاب اليتيمة بحق وسط الثقافة العربية، والذي صدر أوّل ما صدر عن جامعة الدول العربية في مجلدين ضخمين في 1963م،... أشير إلى أنّ أستاذنا الجليل د. يوسف نور عوض، له أجزل الشكر قدّ قدّم شهادة قمينة في حق الراحل، ونحن ارتأينا توسيع الباب ليشمل أكثر من شهادة ومنحى في سيرة الراحل.
مقدّمتنا للكتاب
سلسلة دراسات في الادب الجغرافي دار السويدي – أبو ظبي يشرف على السلسلة نوري الجرّاح
المقدمة
عن ثقة كبيرة يُنَصَّب العالم الروسي أغناطيوس يوليانوفتش كراتشكوفسكي على قائمة كبار المستشرقين إجمالاً والمستشرقين الروس خصوصاً، "شيخ المستشرقين الروس" كما يحلو للكثير من العلماء أن يُعَرِّف به. وربما تعرفه الثقافة العربية ومثقفوها على نحو أكثر في إطار مشاريعه التي أنجزها في حقل التأريخ للأدب العربي القديم والحديث؛ وتحديداً فيما يخص المواضيع المرتبطة بالآداب والفنون، لاعتبارات رواجها السهل وتوافر الدارسين والقراء في حقلها أكثر من المباحث الحضارية الأخرى. ككتاباته عن الشنفرى وذي الرمة وأبي العتاهية والبحتري وابن المعتز والمتنبي والوأواء الدمشقي وأبي العلاء المعري وحتى أحمد شوقي وحافظ إبراهيم والرصافي والجواهري وعداهم من مواضيع الدرس التي يكثر وراءها الطالبون والبحاثة. وتقدَّر أعماله بنحو 600 بحث تتوزع بين مقالات وكتب وإسهامات شَتَّى؛ وقد بدأ النشر منذ سنة 1904 ولم يتوقف حتى وفاته عام 1951. وقد نُشر فهرست كتبه بعد تجديده في عام 1949 وكان يحتوي على 434 اسماً من أسماء مؤلَّفاته الأخيرة المتعلقة بالرُقُم العربية؛ وقد ظهرت باللغة الروسية في المجلة السنوية المدعوة "الرقيم الشرقي" والتي كانت تديرها زوجة كراتشكوفسكي المهتمة أيضاً بالكتابات القديمة. أما اهتمامه الكبير في حياته فقد كان منصبَّاً بأكمله على استخراج المخطوطات العربية من أضابيرها ومعالجتها بالذي كان متوافراً في عصره من تكنيك ووسائل بحثية، وكمثال على حرصه الشديد هذا نورد مقولته التي اختتم بها استدراكه الذي نظَّمه في إثر كتاب الأب لويس شيخو اليسوعي، حول موضوع "المخطوطات العربية لِكَتَبَة النصرانية في المكاتب البطرسبرجية"؛ فهو يقول بعد استدراكه الذي جاء كدائرة معارف مهولة ومترامية الحيازة: "وفيما ذكرنا من المخطوطات دليل كافٍ على ما لخزائننا من الأهمية في عالم العربية. ولنا وطيد الرجاء أن يتحفنا يوماً ما أصحاب البحث والتنقيب بعنايتهم كما فعلوا ذلك بمكاتب رومية، وباريز، ولوندرا، وبرلين وغيرها". ورحلة العالم الكبير كراتشكوفسكي بدأت بميلاده في "ويلنا" Vilnius عاصمة ليتوانيا القديمة بتاريخ 16 مارس 1883 وأنهى دروسه بموطنه الصغير "ويلنا" ثم التحق سنة 1901 بمعهد الدراسات الشرقية في جامعة بطرسبورغ وظلَّ فيها حتى العام 1905. وفي هذا المعهد تلقى معارفه على أيدي أساتذة من العلماء الكبار والمشهود لهم؛ أمثال ميدنيكوف (Miednikov)؛ وشميد (Schmidt)؛ وبرتولد (Bartold)؛ والبارون روزن (Rosen) الذي لقَّبه في أحد مؤلفاته "بمؤسس المدرسة الجديدة للدروس الشرقية في روسيا" قبل الثورة السوفياتية. وتحت إرشاد هذا العالم الكبير سيواصل كراتشكوفسكي دروسه وأبحاثه حتى يوليو عام 1908؛ حيث انتُدِبَ للذهاب إلى الشرق في بعثة علمية للاطلاع عن كثب على اللهجات العربية الحيَّة وعلى الأدب العربي وثقافته، وخصوصاً للاتصال بتعليم الأدب العربي الذي باشر به معهد الآداب الشرقية في جامعة القديس يوسف في بيروت، والاتصال أيضاً بالحركة العلمية في المعهد المذكور. وبهذه الوضعية يبقى كراتشكوفسكي في بيروت منذ يوليو 1908 حتى يوليو 1910 يتتبع دروس تاريخ الأدب العربي ومحاضراته التي يلقيها الأب لويس شيخو اليسوعي و"سيرة محمد" بواسطة الأب هنري لامنس؛ ويدرس اللهجة العربية على الأب لويس رونزفال (Ronzevalle) والعبرانية على الأب بولس جوون (Jouön)؛ كما وأخذ يساهم في تصحيح أغلاط الطباعة في ديوان الأخطل حتى شارك بعد ذلك مع الأب صالحاني في عملية نشر كاملة للديوان. استغل كراتشكوفسكي فرصة تواجده في الشرق العربي ليزور لبنان وسوريا وفلسطين ومصر. وكل هذا أعان كراتشكوفسكي على أن يكون واحداً من المستعربين الأكملين؛ وأن يتقن روح اللهجات الدارجة إلى حد يعجز عن اكتشافه الناطقون بها في الشارع العربي؛ وهو يروي عن نفسه أنه حاول زيارة مكتبة تيمور باشا في مصر ولم يتيسر قصده؛ فعاد أدراجه لينتظر القطار في إحدى المحطات من ضواحي القاهرة؛ وفي هذه الأثناء أدار حواراً مع أحد ماسحي الأحذية وأظهر له كراتشكوفسكي الأسف على أنه سيترك مصر مغادراً إلى بلده روسيا دون أن يرى مكتبة تيمور باشا؛ فضحك ماسح الأحذية بسخر وأجابه: "أنت لست فرنجي ولا مصري، أنت سوري. عرفت هذا من لهجتك... مع السلامة وسنلتقي في الشام". وينظر كراتشكوفسكي إلى هذه القصة على أنه سمع هذا الحكم أو الإجازة من الجهة التي يجب أن تجيزه فعلياً؛ فهو أتى إلى الشرق ليعرف روح اللغة وحسّها اليومي وليس كلماتها؛ الأمر الذي ما كان ليتحقق له في بلده روسيا أبداً. وجاء رحيل الكاتب عن عمر بلغ 69 عاماً أفناها جميعاً في خدمة الحضارة والثقافة العربية؛ وحتى شَكلَ اختتامها المتواضع اختار له أن تكون علامته الباقية ما أوصى بأن يكتب على شاهد قبره: (الموت بابٌ وكلُّ الناسِ داخله) للشاعر العربي أبو العتاهية إسماعيل بن القاسم. أما سِفْرُهُ موضوع تقديمنا هذا "تاريخ الأدب الجغرافي العربي" فهو يمثل ملحمة جغرافية عملاقة وبالغة الأهمية. تبدأ من مجرد ذكر ألفاظ ذات صلة عفوية بالجغرافية، كما هو الحال مع الألفاظ الواردة في الشعر الجاهلي والقرآن والحديث، ثم تَدَرُّج هذه الظاهرة البطيء جداً لتنتج لنا بدايات الجغرافيا الرياضية عند العرب؛ وما يتلو هذه المرحلة من تأثر الفكر الجغرافي العربي بالمدارس اليونانية القديمة؛ وتطور هذه الأخيرة لتنتج الخامة الأولى والهشة لتأسيس الفكر الجغرافي العربي؛ أي المدرسة التي أسماها كراتشكوفسكي بمدرسة "الجغرافيون اللغويون". ثم المرحلة التالية لذلك التي تميزت بمصنفاتها في الجغرافيا الوصفية والعامة وبمصنفاتها في الجغرافيا الإقليمية؛ وهكذا يتتبع كراتشكوفسكي الأدب الجغرافي العربي شارده ووارده إلى أن يبلغ القرن الثامن عشر فينتهي بذلك الكتاب نتيجة رحيله في عام 1951؛ دون أن يختتمه المؤلف بتناول القرنين التاسع عشر والعشرين اللذان كان يخطط لاستعراضهما. أما لحظة التاريخ الجوهرية التي يعتبرها كراتشكوفسكي بداية انطلاق الأدب الجغرافي العربي كعلم له قسطاسه ومناهجه وأسسه العلمية الصارمة فهي نهاية القرن الثامن؛ التي أنبتت فروعاً متنوعة لعلم الجغرافيا؛ وقامت بخلخلة وتنقية الفروع الموجودة أصلاً عبر إرسائها لمعايير نقدية وتملكها لمناهج بحثية متكاملة ودقيقة ساعدتها في قيادة علم الجغرافيا في ذلك العصر. فالفصل الأول من الكتاب المعنون "الجغرافيا عند العرب قبل ظهور المصنفات الجغرافية الأولى" يحاول فيه المؤلف من خلال معلومات شحيحة وتفتقر إلى الترابط استيضاح التصورات الأولية عند العرب للجغرافيا. مع تقديمه لبلاد العرب الجنوبية لاعتبارات ينسبها كراتشكوفسكي لعامل حراكها التجاري مع جغرافيات وثقافات أخرى؛ فهي بذلك لعبت دور الوسيط بين الهند وأفريقيا الشرقية من ناحية؛ وبلاد دجلة والفرات والإمبراطورية الرومانية من ناحية أخرى. ويرجح كراتشكوفسكي أن المعلومات التي جمعها التجار العرب إبان رحلاتهم الطويلة قد تردد صداها في ما خلفوه من أوصاف الطرق المختلفة، حيث يرد بالإضافة إلى ذكر الأماكن ذكر أهم الآبار وموارد المياه والجبال والقبائل التي يخترق الطريق أراضيها. وقد تبقى الكثير من هذه الأخبار والمعلومات التي وصلت من السكان المحليين مباشرة في بعض مصنفات العالم الكلاسيكي القديم، مثال ذلك "المحطات البارثية" (The Parthian Stations) لأيزيدور الخركي Isidorus Characensis الذي عاش في القرن الأول للميلاد وهو من سواحل الخليج الفارسي، ويرجح المؤلف كراتشكوفسكي بكل جرأة أن يكون عربي الأصل. كما يقوم بتحليل للشعر الجاهلي وخصوصاً للألفاظ التي إما ناقشت بعض المواقع الجغرافية أو خاضت في وضع تصور ما للجغرافيا الفلكية، وذلك من خلال تصوراتهم لحركة النجوم والكواكب والأجرام السماوية وربطها بما يحدث على الأرض. ويقرر كراتشكوفسكي بكل وضوح أنه من العسير أن نتوقع اتساعاً في المدارك الجغرافية بين بدو الجاهلية، غير أن قوة ملاحظتهم للظواهر الطبيعية المحيطة بهم أمر بدهي مرده إلى طبيعة حياتهم نفسها. ويركز كراتشكوفسكي بشكل خاص على إيراد روايتين لرحلتين مختلفتين؛ إحداهما رحلة تميم الداري التي يروي فيها لقاءه ببحر الشام كما يدعي، أو "البحر الأبيض المتوسط" حيث قذفت به عاصفة هو وصحبه إلى جزيرة مهجورة رأوا فيها رأي العين المسيح الدجّال (Antichrist) مقيداً ورأوا أيضاً الجساوسة (The Apocalyptic Monster). أما القصة الثانية فيتناول فيها رحلة عبادة بن الصامت التي قصدت إلى القسطنطينية، والتي تنقسم أسطوريتها إلى شقين: الأول يتعلق برؤية رقيم أهل الكهف كما يزعم تميم؛ والشق الثاني: قصة الخرقة السوداء التي يُستخرج منها الأنبياء. ويقرِّر كراتشكوفسكي أن الحكاية أكثر تلفيقاً من سابقتها وكذلك ظروفهما التاريخية وأيضاً تاريخهما الأدبي. والفكرة التي سيخلص إليها كراتشكوفسكي من إيراد ما يسميه بأدب العجائب Mirabilia هي أن هذه الأقاصيص أدَّت لظهور ما يعرف في بدايات تكون علم الجغرافيا العربي بنمط كتب "الفضائل" التي تصف محاسن البلاد وساكنيها؛ والتي سريعاً ما ابتُدع خلفها نمط كتب "المثالب". وكراتشكوفسكي من خلال نقده المتوازن وموضوعي التحليل ـ إذ هو يرفض تطرف الأصمعي في النقد؛ الذي لا يكتفي بنفي الروايات فقط؛ وإنما ينخرط في نفي وجود الرواة أنفسهم ـ يتوصل إلى أن نمط الفضائل يعود إليه الفضل في استيلاد الرسائل الجغرافية الحقيقية. وأنها أطرف محاولة في ذلك العصر لصياغة التصورات الجغرافية في قالب أدبي. كما يجزم بصورة قاطعة بأن بعض أمثلة "الفضائل" صحيحة الأصل، وترجع فعلاً إلى العصر الذي تشير إليه المراجع وأنها تحتفظ بنفس القالب الذي صيغت فيه. ومع ذلك يرى في هذا النمط أن البلاغة واللفتة البارعة قائمة على حساب الصحة والواقع والتحليل. ومن هذا المدخل يتطرق إلى دراسة الألفاظ الجغرافية التي وردت في القرآن الكريم؛ الأمر الذي ربما شعر معه مترجم الكتاب صلاح الدين عثمان هاشم ببعض الحرج؛ لأن المؤلف ولج إلى هذا الباب من منطلقات الدراسة الجغرافية فحسب وبأدوات التحليل العلمي والموضوعي لا غير. فالمؤلف كراتشكوفسكي أبعد نفسه عن الخوض في مسائل القداسة والاعتقاد منذ البداية، وألزم نفسه بخط التنقيب الذي اتبعه مع الروايات السابقة له، سواء من الشعر الجاهلي أو غيره من المرويات القديمة. ومع ذلك التزم صلاح الدين عثمان هاشم بخط الترجمة الحرفية التي ربما تقوم أحياناً على حساب أسلوبه، كما ذكر ذلك هو نفسه. كما أفرد لبنت الشاطي فصلاً أتبعه ملحقات الكتاب تردُّ فيه على ما يراه كراتشكوفسكي بصدد الألفاظ الجغرافية في القرآن الكريم. أما هيئة التحرير في مشروع "ارتياد الآفاق" فقد رأت أن الفصل مجانب للمعنى الذي وُضِع في إطاره الكتاب. إذ مبتغى هذا الكتاب دراسة وتتبع الجغرافيا منذ كَلِمها الأول وليس الخوض في مسائل دينية؛ ولذلك قامت باستبعاد هذا الفصل من مادة الكتاب ورأت أن تنوِّه إليه لمن أراد الرجوع لمادته. وبصرف النظر عن وجهات نظرنا كعرب ومسلمين، فإن كراتشكوفسكي يتوصل من خلال مناقشته لهذا الموضوع إلى أن إجراء أية مقارنة بين المادة الجغرافية في كل من الشعر الجاهلي والقرآن نخرج منها دون عناء بنتيجة مؤداها أن الشعر يزخر بالواقعية لكونه يحتوي على ظواهر متصلة بالأمكنة والعيش، أما القرآن فالمادة الجغرافية فيه قليلة ويصعب تتبعها. ويسترسل أنه كان للأعوام العشرة الأولى للخلافة أن اتسعت فيها المعلومات الجغرافية كما أن سيل الفتوحات العربية الجارف الذي ذهب بالعرب بعيداً عن حدود جزيرتهم إلى مختلف الأقطار كان من شأنه أن يحدث تغييراً شاملاً في تصورهم للعالم، ويؤدي بلا ريب إلى اتساع أفقهم الجغرافي نتيجة للتجربة المباشرة. ويضيف أن هذه الصدمة المعلوماتية لم تكن الأولى؛ فالنظرية قد اختلفت منذ البداية عن التجربة الواقعية، كما وأنَّ هذه التجربة الواقعية نادراً ما وجدت طريقها إلى الوسط العلمي آنذاك. ويستعرض كراتشكوفسكي نوعية العلم المعتمد آنذاك، ويصفه بأنه ترعرع خاصة بالمدينة، وكان حَمَلَتُه صحابة محمد والتابعين، أما هدفه الأساسي فهو دراسة القرآن وتدوين جميع ما يمت بصلة إلى السيرة النبوية والخلفاء الأولين. ويتوافق لديه أن الأسماء الجغرافية في الحديث نادرة الوجود كما هو الحال مع القرآن؛ وإن كان يرى أن فيها تصحيحاً وصراعاً مع تصورات الجاهلية حول الأنواء والنجوم في جانب الجغرافيا الفلكية. ولكنها إجمالاً مادة يسيرة يتسلل فيها ذكر الصين من حين لآخر كرمز لأبعد قطر في العالم كما هو في الحديث المشهور الذي يهيب بطلب العلم حتى في تلك البلاد النائية؛ أو ذكر الهند في الحديث الذي يتنبأ بحملة عسكرية على تلك البلاد. كما يرى كراتشكوفسكي أن النمط الذي ازدهر بشكل حقيقي وانتعش هو ما يسمى بالجغرافيا الأسطورية، كالكلام عن حجم الأرض وعن البحر المحيط ومنبع الأنهار من الفردوس وأعماق البحار والبحيرات وسلاسل الجبال. نهايةً يُلِّخص الفصل في مثل هذه المادة بما فيها من لامعقول ويتوصل إلى أنها قد أثرت حتى على المصنفات الجغرافية المتخصصة التي تلتها فلم تستطع أن تخلص نفسها من ربقتها. في الفصل الثاني يُرْجِع كراتشكوفسكي أصل الجغرافيا العلمية عند العرب إلى الفلكيين اليونان؛ ومن قبلهم الهنود والإيرانيين. ويقرر أن المذهب اليوناني الذي يدور بشكل أساسي حول أعمال بطلميوس قد بدأ في التفوق على غيره منذ بداية القرن التاسع، ثم أخذ ينفي المذهبين الآخرين تدريجياً؛ وبالرغم من ذلك ظلا محتفظين ببعض أهميتهما لمدة لا تقل عن المائتين عام وبشكل شامل بلغ أقصى المناطق، كالأندلس. أما السؤال الذي يراه كراتشكوفسكي يفرض نفسه هو: لماذا ظهرت الجغرافيا العلمية عند العرب في العصر العباسي فقط، أي في النصف الثاني من القرن الثامن؟ ولماذا كانت نقلتها في أول الأمر من الإيرانيين غالباً ـ على الرغم من أن الأُمويين كانوا أقرب إلى المهد القديم للحضارة الهلنستية (Hellinistic Civilization) في أنطاكية والإسكندرية ـ حيث لعب السُريان في العادة دور الوسيط بين الحضارتين؟ ثم يشرع كراتشكوفسكي بعد ذلك في توصيف ماهية الجغرافيا العلمية ويتطرق بالشرح الدقيق لرؤاها الرياضية في وضع الجداول وحساب الأطوال ورجالاتها الذين يأخذ منهم الرياضي الخوارزمي نصيباً كبيراً؛ كما يذاكر مرجعية وثبوت قواعد نظام "السِّنْد هِنْد" والرسائل التي نقلته إلى بيئة الجغرافيا العربية؛ ويراجع هذه الجداول الفلكية الموضوعة في تحركات الأجرام السماوية وطلوع ومغيب البروج؛ منذ رؤاها الفطرية وتصوراتها في مجرد أشعار "الكوميديا الإلهية" لدى دانتي؛ إمعاناً في التقصي والتأريخ المتراتب لتولد الأفكار. كما يتابع كيفية بقاء هذه الجداول وتنقلاتها إلى أن تبلغ جغرافيين عاشوا في القرن الحادي عشر كالبيروني مثلاً. ويعرض بعد ذلك لمصطلحي "قبة الأرض" و"خط الأرين" والخلط والتصورات الخاطئة حولهما؛ يفصِّل في الأمر ويفصِّل بعد ذلك في كيفية انتقاله الأكيد إلى أوروبا نقلاً عن العرب؛ وفي احتمالية أن يكون ناقلها هو أديلارد الباثي Adelard of Bath الذي جاب المشرق بين عامي (1110-1114) والذي اعتنق المفاهيم الجغرافية العربية حول هذه النظرية؛ كما يعود إليه الفضل في ترجمة الجداول الفلكية للخوارزمي للَّغة اللاتينية؛ ويؤكد كراتشكوفسكي أيضاً أن نفس هذه الفكرة قد دعا إليها المترجم الشهير جيرارد الكريموني Gerard of Cremona (1114-1187) والذي يرشح كراتشكوفسكي أن يكون اقتبسها عن حضارة المسلمين في طليطلة Toledo. بل واعتنقها عدد من كبار علماء القرون الوسطى الأوروبية مثل روجر باكون Roger Bacon والبرت الكبير Albertus Magnus. ويعرض كراتشكوفسكي أيضاً للدور الذي وصفه بالخطير، والذي لعبه بطرس ألآيي Petrus de Aliaco أسقف كمبري Cambrai (1330-1420) بالنسبة للعلم الأوروبي والكشوف الجغرافية التالية له، ولرسالته "صورة العالم" Imago Mundi التي صَنَّفها بطرس حوالي عام 1410 وتَمَّ طبعها حوالي (1480 –1487). ويشرح في الواقع عدم فائدتها الكبيرة من وجهة نظر الدراسات العربية، بالرغم من احتوائها على مقتطفات من الترجمات اللاتينية لابن رشد وابن سينا وهالي Hali والفرغاني، ولكنه فوق ذلك يتعجب من وجود نظرية الأرين بحذافيرها في المتن وفي الخارطة. ويسترسل كراتشكوفسكي أن الأغرب من ذلك أن يعرفها كريستوفر كولومبس Christopher Columbus وفي تعليقاته الشخصية بخط يده على النسخة التي كان يمتلكها من كتاب "صورة العالم" Imgo Mundi نجد آثارها. ويخلص كراتشكوفسكي إلى أن نظرية الأرين هي المسؤولة بالذات عن ظهور نظرية الشكل الكمثري للأرض عند كولومبس، التي تفترض أنه يوجد في نصف الكرة الغربي من الأرض وفي مواجهة "قبة الأرين" مركز آخر للأرض على موضع أكثر ارتفاعاً من رصيفه الموجود بالجهة الشرقية. وبعد نظرية الأرين ينخرط كراتشكوفسكي في دراسة المقاييس عند العرب، ويحاول مزاوجتها توفيقياً مع المقاييس الحاضرة، ويصل فيها إلى نتائج مبهرة. ومع كل ذلك يختتم كراتشكوفسكي هذا الفصل بأن عدداً كبيراً من مسائل تاريخ الفترة الأولى للجغرافيا العلمية عند العرب يظل غامضاً بالنسبة لعصرنا، لأن الآثار الأولى لم تصلنا كما لا يمكن الحكم عليها، إلا من خلال الاقتباسات المضطربة والإشارات العابرة، التي قام بها علماء لم يكن بمقدورهم أن يعملوا حساباً لمطالب العصر الحديث. اللهم إلا نجاة الأثر الوحيد لذاك العصر، والذي يتمثل في الترجمة المُصحَّحَة لجغرافيا بطلميوس للرياضي العربي محمد الخوارزمي والتي يعتبرها كراتشكوفسكي أول مصنَّف عربي في الجغرافيا يمكن اعتماده بصورة مباشرة. وكما أسلفنا في استعراضنا للفصل السابق، فإن كراتشكوفسكي ختمه بوقوفه لدى الترجمة المعدَّلة التي أجراها الخوارزمي على مؤلف بطلميوس، وهو في الثالث الذي يوقفه كراتشكوفسكي على ما يسميه بعصر الجداول الجغرافية؛ يناقش بشكل أساسي الزيج الذي وضعه الخوارزمي؛ كما يقوم بنسبة معظم الأعمال، إن لم يكن كلها، إلى التأثر بالمدرسة اليونانية القديمة، وهذا الفصل معنون بـ "جغرافيو المدرسة اليونانية والزيجات الكبرى". وهو يحاول أيضاً أن يدلل على علاقة جداول الخوارزمي بالتراث الهندي الإيراني من خلال التواضعات الموجودة بداخل جداول الخوارزمي المعروفة بجذورها الهندية الإيرانية. ويتابع كراتشكوفسكي التهيئة المستقبلية والصياغة لجداول الخوارزمي التي أجراها الفلكي الأندلسي مسلمة المجريطي حوالي عام (1007) وإدخاله للتقويم الهجري على هذه الجداول، وجعل نقطة الابتداء فيها هي خط منتصف النهار المار بقرطبة. ويضيف كراتشكوفسكي أنه بالرغم من فقدان جداول الخوازمي وكذلك فقدان صياغة مَسْلَمة المجريطي لها إلا أن الترجمة اللاتينية التي قام بها أديلارد الباثى Adelard of Bath عام 1126 لجداول الخوارزمي بعد صياغة المجريطي لها لا تزال موجودة. ويتوصل إلى أنه يمكن القول بالكثير من الثقة إن الجداول الفلكية للخوارزمي في صورتها الجديدة للمجريطي كانت أساساً للمؤلفات الفلكية المتأخرة في أوربا الغربية. ثم يقوم بعد ذلك بمناقشة أعمال سهراب وإضافاته التي حققها على الخوارزمي؛ ووصف مادته بالاتساع، وبكونها مأخوذة عن مصادر عربية؛ ويتناول في إثره المعاصر الأصغر للخوارزمي "فيلسوف العرب" الشهير يعقوب الكندي (المتوفى حوالي عام: 874) الذي ترتبط به أولى ترجمات جغرافيا بطلميوس؛ والذي يعتقد أن تأثيرها قد ظهر في تأليفه لكتابه "رسم المعمور من الأرض" الذي يشير إليه المسعودي، والذي، للأسف، لا يعرف عنه شيء. وأيضاً له رسالة كبرى "في البحار والمد والجزر" كما يدعوها المسعودي؛ وقد استعملها الأخير في الفصل الذي أفرده للمحيط الهندي. ويعتقد كراتشكوفسكي أن الفضل في تعريف العلم الأوروبي بها يعود إلى بحثين للعلامة فيدمان Wiedemann. ويوضح كراتشكوفسكي أن نظرية الكندي في المد والجزر تستند على أفكار خاطئة ولكن ما هو مهم فيها أن الكندي قد اعتمد على الملاحظة والتجربة العلمية ليثبت صحتها. ويناقش بشكل موسَّع زيج البتاني وجداوله التي يذكر عنها أنها لسبب ما لم تجد حظاً في ترجمة أفلاطون التيفولي اللاتينية. ويناقش الزرقالي الذي يعده كراتشكوفسكي الرجل الذي لعب دور الوسيط بين الشرق والغرب؛ ويقف على ذكر "جداول طليطلة" التي كان للزرقالي دوراً رئيساً في وضعها. كما يوضح أن شهرة الرجل العلمية "أبو إسحق إبراهيم بن يحيى الزرقالي 1029 –1087" الذي عرفته أوروبا الوسيطة باسم Arzachel؛ مَنْ كان في بادئ أمره نَقَّاشاً، تحول ليعمل في تحضير الآلات الفلكية الدقيقة وانتهى إلى اختراع أسطرلاب جديد بلغ حد الكمال، ولم يلبث حتى صار أكبر راصد في عصره. وهذا الفلكي قرطبي أمضى حياته بأجمعها تقريباً بطليطلة التي كانت آنذاك المركز الثقافي للأندلس. ويتعرض كراتشكوفسكي لرسالته في الأسطرلاب المسماة "صفيحة الزرقالي". كما يسترجع من خلال هذا الموضوع مرجعية كلٍّ من الجداول الفلكية والمرصد اللذان يرتبطان باسم واحد من أكبر علماء الإسلام قاطبة وهو نصير الدين الطوسي (1201-1274). الذي يُكتب اسمه في المراجع الأوروبية أحياناً على هيئة ناصر الدين. وأيضاً يناقش تلميذ الطوسي ومعاونه قطب الدين مسعود الشيرازي (1236-1311) الذي يتوصل المؤلف بصدده إلى أن مواهبه العلمية تجاوزت حدود الجغرافيا الرياضية بكثير، فهو كشيخه نصير الدين الطوسي كان جامعاً لصنوف المعارف مما حدا بأبي الفدا إلى أن يلقبه "بالمتفنن". ويرى كراتشكوفسكي أنه فاق نصير الدين في بعض النواحي وأبدى أصالة أكثر منه. وبدوره يرى بارتولد فيه "فلكياً عظيماً بحث عن طرق جديدة في الفلك"، بينما اعتبره سارطون Sarton من كبار علماء الفرس عامة. ويقرأ كراتشكوفسكي على وجه التحديد مصنفيه اللذين ارتبطا ارتباطاً وثيقاً ببعضهما البعض، أحدهما "نهاية الإدراك في دراية الأفلاك" الذي فرغ من تأليفه عام (1281)، والآخر "التحفة الشاهية في علم الهيئة" الذي يرجع إلى عام (1285)، ويمثل هذا المؤلَّف إلى حد كبير مسودة مصحَّحة للمصنف الأول. ويخلص في حق كتاب "نهاية الإدراك" بأنه ليس مصنفاً فلكياً بالمعنى الدقيق للَّفظ بل كتاب يعالج بصورة منظمة مسائل الكوزمولوجيا والجيودوسيا والمترولوجيا والميكانيكا والبصريات. أما المستشرق فيدمان الذي اهتمَّ كثيراً بدراسة هذا الأثر فيعتبره أفضل عرض للفلك (الكوزموغرافيا) باللغة العربية يخلو من الرياضيات. ويختتم المؤلِّف هذه السلسلة من واضعي الزيجات والجداول بزيج ألوغ بيك (1393-1449) حفيد تيمورلنك؛ ويورد عنه أن العالم الكبير بارتولد بَيَّن في بحث مفصَّل حول هذا الأمير مكانته وإنجازاته في التاريخ والعلم، فهو من قام بتشييد المرصد الهائل بسمرقند في سنة ( 142. ويعرض في حديثه أيضاً إلى أهم معاوني ألوغ بيك في مرصده؛ وأحد واضعي الأزياج علي بن محمد القوشجي (المتوفى عام 1474) مؤكداً أن من الصعب جداً حصر عدد من يمثلون هذا الاتجاه بصورة كاملة ومنتظمة، وأنه اكتفى بمعالجة جميع الآثار الكبرى التي كانت فاتحة عهد جديد بالنسبة لعصورها. ويصف كراتشكوفسكي هذا العصر بشح الخارطات في المادة الجغرافية التي تحتويها، والسبب في وجهة نظره يعود إلى كون الفلكيين أنفسهم لم يحاولوا القيام بذلك، فضلاً عن أنَّ معظم الجغرافيين لم تكن لهم دراية بمسائل الفلك. ويخلص المؤلِّف في هذا الفصل إلى أن الاستثناء الوحيد المثمر إنما يمثله في النصف الأول من القرن العاشر سهراب الذي حفظ لنا نفس النظام الموجود لدى الخوارزمي ولكنه اهتم كثيراً بإيراد المادة العربية المعاصرة له، ويصف منهجه بأنه، من دون شك، يتصل بالرياضيات من جهة وبالجغرافيا الوصفية من جهة أخرى. وجرياً على منهجه في الارتقاء بمادة كل فصل على نحو يحكم أسبابه وموضوعاته بمادة الفصل الذي يليه فإن كراتشكوفسكي يصل ببحثه للجغرافية الفلكية إلى تظهير العناصر المؤسِّسة لـ"الجغرافيا الوصفية" فيوضح ماهيتها ويعالج ظروف نشأتها في عصر الخلافة العباسية. في الفصل الرابع "الجغرافيون اللغويون ورحالو القرن التاسع" نجد أن الاهتمام اللغوي يطغى على المنهج الواقعي في مسألة جمع وتدوين الحقائق والمعلومات الجغرافية، وإن كانت المادة المدروسة من الضخامة بحيث تحتوي على نواحٍ مختلفة تكشف عن الكثير من الجوانب الجغرافية كما يصفها المؤلف. ففي بدايات القرن التاسع ظهرت لدى العرب الجغرافيا الرياضية؛ وفي أواسط القرن نفسه بدأت الجغرافيا الوصفية تتشكل ببطء ملحوظ في أول الأمر كأنها تستكشف خط سيرها القادم؛ بسبب عدم وجود رؤية واضحة. ويعتبر كراتشكوفسكي أن هذا التيار كانت بدايته مع ما يعرف "بكتب الأنواء" التي يرى المؤلف أن الجغرافيين الذين نعتهم باللغويين قد حشدوا فيها مختلف صنوف الملاحظات عن الطقس وظواهر الطبيعة الأخرى مصحوبة بتعليقات لُغَوية وغير لُغَوية. ويبدأ كراتشكوفسكي مناقشة هذه الرسائل بتناول مؤرج السدوسي ويرى أن أشهر هذه الرسائل وأنفذها سمعة هو مصنف المؤرخ أبي حنيفة الدينوري (المتوفى: 895). ويضرب كراتشكوفسكي مثلاً بالمؤلف الذي ينعته بالفرادة "تقويم قرطبة" The Calendar of Cordova الذي اشتهر عام 961هـ؛ وفي اللاتينية تحت عنوان Liber Anoe ولا يعتبره مصنفاً لغوياً وإنما يسميه مرشداً لصغار المزارعين يقدم لهم معلومات لا في الزراعة فحسب، بل وفي الفلك والطقس. ويعرض بعد ذلك للفلكي الشهير عبد الرحمن الصوفي (المتوفى: 986) الذي امتدح كثيراً مصنف الدينوري سالف الذكر. ثم يعقبه بتناول النضر بن شميل (المتوفى عام: 81 الذي قام بتأليف ما يشبه موسوعة قائمة بذاتها في الحياة البدوية بعنوان "كتاب الصفات". وبعد أن يفصل في مادة وبنية المصنف يخرج بنتيجة مفادها أن تبويب مادة الكتاب يمكن اعتبارها نموذجاً للمؤلفات من هذا النوع، إذ هو يحفل بمادة تحوي خليطاً من الجغرافيا الطبيعية والاثنوغرافيا والجغرافيا الحيوية وغيرها، وبالتالي فهو يفتقر إلى الكثير من الترابط والانسجام من وجهة نظر البحث الحديث. ويمكن أن نفترض أن طريقته في العرض تشبه إلى حد كبير مؤلفات اللغويين من الصنف نفسه، وتتلخص في سرد ألفاظ كل موضوع على حدة مع توضيحها بشواهد عديدة من أمثلة استعمالها في الشعر الجاهلي. ثم يعرض المؤلف بعد ذلك للجغرافيا الإقليمية (Regional) على حدة؛ بوصفها تمثل شِقاً مما تناوله الجغرافيون اللغويون ويرى بصددهم أنهم قد قصروا جهودهم كلها على جزيرة العرب وأهملوا غيرها من الأماكن. ويستشهد بملاحظة ياقوت الحموي للمسألة نفسها بالكثير من الدقة والمتابعة، خصوصاً عند تحليله لمصادر معجمه. فياقوت يقسِّم المصنفات التي وُضِعَت في أسماء الأماكن إلى صنفين: "منها ما قصد بتصنيفه ذكر المدن المعمورة والبلدان المسكونة المشهورة.... ومنها ما قصد به ذكر البوادي والقفار واقتصر على منازل العرب الواردة في أخبارهم والأشعار"، فأولئك "الذين قصدوا ذكر الأماكن العربية والمنازل البدوية" فهو ينسبهم إلى "طبقة أهل الأدب"، أي اللغويين؛ والذين يرى كراتشكوفسكي بحقهم أنهم بالرغم من عددهم الكبير إلا أن منهجهم جميعاً في التأليف يكاد يكون واحداً. ويضع المؤلِّف المؤرخ المشهور هشام الكلبي (المتوفى حوالي عام: 820) على قائمة مؤسسي هذا التراث الجغرافي اللغوي، وذلك ليس من ناحية الأسبقية الزمنية فحسب، بل فوق ذلك لكونه خبيراً ممتازاً بالجاهلية وصاحب "كتاب الأصنام" الذي يكاد يمثل إلى الآن المصدر الأساسي للتعريف بأديان عرب الجاهلية، وأيضاً قام بتأليف كتاب كبير في الأنساب هو "جمهرة الأنساب". كما يزكيه ياقوت الحموي بشكل قاطع في قوله "ما تنازع العلماء في شيء من أمور العرب إلا وكان قوله أقوى حجة وهو مع ذلك مظلوم وبالقوارص مكلوم". ويسترسل كراتشكوفسكي في سيرة هذا الرجل ويورد ما أثبته ابن النديم للكلبي في فهرسْته بعد تعديد مؤلفاته والتي من بينها 10 مؤلفات في الجغرافيا وحدها، ويركز حديثه على كتبه: "كتاب تسمية مَنْ بالحجاز من أحياء العرب" و "كتاب قسمة الأرضين" و "كتاب الحيرة وتسمية البيع والديارات ونسب العباديين". ويشير المؤلف مرة أخرى من خلال هذه التسميات إلى نمط انحصار اللغويين في تآليفهم على وصف جزيرة العرب. ولكنه يقوم باستثناء ابن الكلبي بالذات من هذه العلة؛ فيقدم مجموعة من الافتراضات حول أسماء كتب أخرى نسبها ابن النديم لابن الكلبي؛ ويكتفي فيها بمجرد توقعات توحي بها عناوينها أن هذه الكتب ربما تحدثت عن بلاد خارج الجزيرة العربية. كما يفترض مرة أخرى بشكل أكثر مجازفة أن الكتاب الذي نقل عنه الإدريسي كثيراً في القرن الثاني عشر تحت اسمه المختصر "كتاب العجائب" مشيراً إلى اسم المؤلف على أنه حسن بن المنذر بدلاً من هشام أبي المنذر. ويخلص كراتشكوفسكي إلى أن ابن الكلبي يمثل ظاهرة نادرة بين لغويي ذلك العهد بما اتصف به من اتساع الأفق، ويؤكد بعد هذه الافتراضات التي ساقها تميز ابن الكلبي إذ أن أغلبهم قد اكتفى بوضع ملخصات لُغَوية عن بلاد العرب. ويضرب مثالاً على هؤلاء الجغرافيين اللغويين بالأصمعي المشهور المتوفى حوالي عام (831) الذي يدين له العلم بحفظ عدد من آثار الشعر الجاهلي. وإلى جانب مصنفه في الأنواء له أيضاً رسالة ذات طابع عام هي "رسالة في صفة الأرض والسماء والنباتات" إلا أن ياقوت الحموي يعتبره المصدر الأساسي عن جزيرة العرب بفضل مصنفه "كتاب جزيرة العرب"؛ ويشير كراتشكوفسكي الذي يتحدث عن ياقوت دائماً بفخر إلى أن اسم الأصمعي ورد عند ياقوت حوالي ثلاثمائة وخمسين مرة. وبعد أن يعدد مؤلفات أخرى للأصمعي ويوفيه حقه يرجع ليؤكد أن مؤلفاته لم تتعد نطاق جزيرة العرب. وينخرط المؤلف بعد ذلك في تعداد الكثير من الأسماء التي يصنفها ضمن مدرسة اللغويين وكذلك يعدد مصنفاتهم ويتناولها بالشرح والتحليل أمثال عَرَّام بن الأصبع الذي حفظت مقتطفات هامة من مصنفه "كتاب أسماء جبال التهامة ومكانها" في المعجمين الجغرافيين الهامين لأبي عبيد عبد الله البكري وياقوت الحموي. وهذه المقتطفات حظيت بتحليل دقيق من قِبَل إلزا رايتمير Else Reitemeyer ثبت من خلاله أن مصنف عَرَّام اشتمل على مادة تخرج عن نطاق عنوانه. وأيضاً تعرض كراتشكوفسكي بشكل طفيف لمناقشة السيرافي الذي كان واحداً من ضمن الكثيرين الذين رووا كتاب عَرَّام بن الأصبع. ونجده يستثني بشكل قاطع كبار العلماء من خطأ حصر نشاطهم في حدود ضيقة كاللغويين، ويضرب مثالاً على هؤلاء بالعالم الجاحظ المتوفى عام (869) فهو يرى أن مادة الجاحظ الجغرافية تنعكس فيها شخصيته الأدبية الفريدة بما تمتاز به من سعة الأفق وتنوع الموضوعات التي يطرقها وملاحظاته الفنية الدقيقة؛ ويعيب عليه من جهة أخرى افتقار مادته إلى الترتيب، ويعيب عليه ميله إلى الإمتاع على حساب الفائدة. وينبِّه إلى أن مؤلفات الجاحظ تحفل بمادة جغرافية ضخمة؛ وأن مؤلفه الكبير "كتاب الحيوان" يحفل بالكثير في الجغرافيا الحيوانية والأنثروبولوجيا والإثنوغرافيا على الرغم من غلبة الموضوعات الأدبية عليه. ويعيد الفضل في سهولة مذاكرة الجاحظ والبحث في عمله دون عناء ـ بالنسبة للغربيين ـ إلى العرض الموجز لمحتويات الكتاب الذي قام به آسين بلاسيوس Asin Palacios. ويأسف كراتشكوفسكي على أن مصنف الجاحظ في الجغرافيا لم يُعثر عليه إلى الآن؛ وبالتالي يقرر أنه ليس من الممكن الحكم عليه إلا مما نقله عنه الآخرون؛ ويرجح أن يكون العنوان الصحيح لمؤلَّف الجاحظ هو ما أورده المسعودي "كتاب الأمصار وعجائب البلدان". ويستبعد أن تكون الشذرة المحفوظة في إحدى مخطوطات المتحف البريطاني والتي تحمل اسم "كتاب الأوطان والبلدان" الاسم الفعلي للكتاب. كما يرى كراتشكوفسكي من خلال ما نقله ياقوت عن الجاحظ أن الأخير قد تابع إلى حد ما نمط ما يسمى بالفضائل أو الخصائص الذي ازدهر في العصر الأموي، أي صفات ومحاسن الحواضر الكبرى، حيث يدور الكلام أحياناً على مواطنيها أكثر مما يدور على البلاد نفسها. وفي هذه المقتطفات يتحدث الجاحظ عن أهل دمشق وعن عجائب البصرة ومساوئها وعن مساوئ مصر. ونجده يحاول بعد ذلك تحديد أول مَنْ ألَّفوا في المسالك والممالك ويقوم بمناقضة ابن النديم في أن أبا عباس جعفر بن أحمد المروزي هو أول من ألَّف في هذا المجال ويؤكد أنه ابن خرداذبه بدلاً عن المروزي. ويعقب الرجلين بذكر أحمد بن محمد السرخسي (المتوفى عام: 899) الذي كان تلميذاً للكندي وصديقاً له. ويصنفه كراتشكوفسكي على أنه ينضوي تحت المدرسة الرياضية الجغرافية ذات النزعة اليونانية ـ تأثراً بأستاذه الكندي ـ من ناحية؛ ومن المهتمين بالجغرافيا الوصفية من طراز "المسالك والممالك" من ناحية أخرى. ثم يرجع المؤلف إلى بدايات تنور العرب حول أقطار الغرب ويقوم بمناقشة حادث عودة الأسير مسلم بن أبي مسلم الجَرْمي من ديار آسريه البيزنطيين. وبعد أن يحلل ما أورده المسعودي حول هذه القصة والمعارف ببلاد البيزنطيين التي جاءت عبرها يقوم المؤلف بتناول حادثة الأسير الآخر هارون بن يحيى من القطعة الكبيرة التي أوردها فيها الجغرافيان ابن رسته والقزويني. ثم يتناول كذلك حادثة الملاحين المغرورين، وقصص سليمان بن وهب التي دونها أبو زيد الحسن السيرافي. ويقدر كراتشكوفسكي أمر هذه القصص والرحلات بإكساب العرب سعة في أفقهم الجغرافي ويؤكد على إفادتها لهم خصوصاً في معرفة البلاد الواقعة إلى الشرق من العالم الإسلامي. يعتبر كراتشكوفسكي أن القرن التاسع كان يمثل استهلالاً جيداً لعهد جديد في تاريخ الأدب الجغرافي العربي، لأنَّ عدداً من الأنماط الجديدة قد رأى النور فيه وأيضاً لظهور رسائل ذات طابع عام تسلسلت إلينا في صيغ مختلفة. أما الميزة التي يراها كراتشكوفسكي لمادة هذا العصر عن غيرها من المواد فهي ميزة القدر الكبير من الوثائقية. مما يسهل عملية الحكم عليها ليس بمجرد ذكر عناوينها ولا حتى بالمقتطفات المحفوظة منها في آثار متأخرة فحسب؛ بل بالعودة للمادة في أصولها الأولى. أما الفصل الخامس المعنون "المصنفات العامة في الجغرافيا في القرن التاسع. الجغرافيا الإقليمية في القرنين التاسع والعاشر"؛ فإن المؤلف يستفتحه برفضه لفرضية أن يكون ابن خرداذبه أول مؤلِّف يصل عنه مصنَّف في الجغرافيا الوصفية، وإن كان يقر بأنه أول شخص يصلنا منه مؤلَّفٌ كامل باعتبار أن مَنْ سبقوه لم تصلنا عنهم إلا مجرد مقتبسات. كما يرى كراتشكوفسكي أن مؤلَّف ابن خرداذبه "كتاب المسالك والممالك" أملته عليه طبيعة منصبه في الدولة ولذلك جاء كحدث عابر وثانوي يخلو من القصدية. ويرى أن مؤلَّف أبا القاسم عبيد الله بن عبد الله بن خرداذبه قد أُخرج وفقاً للتقليد المعروف بالمعلومات المعهودة من محيط الجغرافيا الرياضية خاصة وصف شكل الأرض كما لدى بطلميوس. كما ينبّه إلى أن الكتاب يقوم على عنصرين متميزين كل التميز عن بعضهما البعض؛ عنصر يتمثل في طرح جدي لمادة متناولَة بشكل رسمي؛ وآخر يتمثل في توفر كمية من الغرائب Mirabilia الجغرافية المختلفة. وتعاني هاتان المادتان من الافتقار للصهر والتحليل، وتفتقر المادة بكاملها إلى التبويب الجيد. ويُرجع كراتشكوفسكي التناقض في حكم الجغرافيين العرب المتأخرين عليه إلى عدم التناسق في مادة الكتاب. ويشير إلى من أخذ عنه من المتقدمين أمثال اليعقوبي وابن رسته وابن حوقل والمقدسي والجيهاني والمسعودي وذلك عن مخطوطة ثالثة لابن خرداذبه تعتبر أفضل المخطوطات جميعاً. ويؤكد على أن اعتباريته ظلت حتى بين المتأخرين أمثال الإدريسي وابن خلدون، وعرفه جيداً الجغرافيون الفرس، سواء المتقدمون منهم مثل المؤلف المجهول لكتاب "حدود العالم" أو المتأخرون مثل حمد الله قزويني وميرخوند وخوندمير. ثم يتوقف كراتشكوفسكي بعد ذلك مع المعاصر المهم لابن خرداذبه الجغرافي والمؤرخ اليعقوبي؛ ومؤلَّفه في الجغرافيا المعنون بـ"كتاب البلدان" ويقرر أن المؤلَّف خرج وفقاً لما قطعه اليعقوبي على نفسه من عهد بإخراجه من خلال خطة دقيقة يلتزمها في تبويبه، وإن كان العرض العام للكتاب قد جانَبَ حد التناسق بعض الشيء لإسهاب اليعقوبي في وصف بغداد وسامرا. وقد اعترف لليعقوبي عددٌ من الباحثين بأمانته العلمية وتفرده بمعلومات وافية تُفْتَقد في المصادر الأخرى. ويشيد المؤلف بوصف اليعقوبي للخطط التاريخية لبغداد وسامرا كما يشيد بوصفه لأفريقيا قبل انفصالها مباشرة عن بقية أراضي الخلافة على يد الفاطميين، ويرى أن اليعقوبي يمتاز على ابن خرداذبه بصورة قاطعة من ناحية أسلوبه الأدبي؛ ما يعني توفّر البساطة وحسن ومهارة الطرح، بالرغم من كون القراء الذين توجه إليهم الكاتبان هم أنفسهم. وهكذا يسترسل المؤلف في وضع المقارنات والتحليل حتى ينتقل إلى شخصية البلاذري التي يستفتحها كراتشكوفسكي بأن التاريخ لديه يغلب على الجغرافيا. ويرى أن مكانة البلاذري في التاريخ كبيرة لأنه حاول تطبيق المنهج البراغمي (Pragmatic)؛ ولا يرى فيه المؤلف جامعاً فحسب بل يعتبره مؤرخاً بمعنى الكلمة. ومن هذا الجانب يشير إلى أن البلاذري حفظ مادة هامة في محيط الجغرافيا التاريخية يستحيل معها إغفال ذكر صاحبها. ثم يتناول مؤلَّفه المهم من الناحية الجغرافية؛ مصنف البلاذري الأصغر "كتاب فتوح البلدان" الذي يمثل تاريخاً للفترة الأولى للفتوحات الإسلامية، ويخلص إلى أنه يقدم تفاصيل عديدة في مجال التاريخ الحضاري كمسألة دخول اللغة العربية الدواوين، ويكتب عن الخراج، وعن مسائل السكة، وتاريخ الكتابة العربية. ثم يُتبع كراتشكوفسكي شخصية البلاذري بشخصية ابن الفقيه الهَمَداني؛ صاحب المصنف الضخم الذي لم يتبق منه إلا مختصره فحسب؛ والذي نقل عنه ياقوت ووقف منه المقدسي موقف الحذر. ويقوم بتشبيه أسلوب ابن الفقيه بأسلوب الجاحظ؛ أي يتبنى رأي المقدسي في ابن الفقيه وينفي عن المؤلَّف أن يكون مصنفاً في الجغرافيا بالمعنى الدقيق للكلمة. ويتبع كراتشكوفسكي شخصية ابن الفقيه بشخصية ابن رسته الذي يردُّ مرجعيته الأساسية إلى الجيهاني. ويأسف لضياع الموسوعة الضخمة لابن رسته "الأعلاق النفيسة" التي لم يتبق منها سوى الجزء السابع في الفلك والجغرافيا وهو موجود في مخطوطة فريدة على حد وصفه. ويعتبر أن ابن رسته أستاذاً للكوزموغرافي القزويني، ويلاحظ أنه يتوخى الحذر في كتابته كي لا يتهم بحرية الفكر فهو يعتمد على شواهد من القرآن لإثبات التنجيم، وعَرْضُهُ للجغرافيا الفلكية والرياضية وافٍ جداً ويعتمد في ذلك على الفرغاني وأبي معشر الغنيان عن التعريف. ويرى أن عرضه لا يخلو من تأثر بعرض ابن خرداذبه. ويتعرض لنشاطه في خصوص الجغرافيا الطبيعية، وبعد أن يعالج غرائبيته ينتقل للحديث عن شخصية قدامة بن جعفر الأثير لدى الخليفة المكتفي؛ ليثبت تشابهه مع ابن خرداذبه في تولي منصب صاحب البريد، ويثبت أيضاً تشابهه به في ناحية نشاطه وميوله الأدبية. ويقرر كراتشكوفسكي أنه ليس لقدامة مصنف جغرافي بالمعنى الدقيق بل لديه مدخل من أجل عُمَّال الدولة هو "كتاب الخراج وصنعة الكتابة". كما يعيد مرجعية قدامة فيما يخص وصف طرق البريد والولايات وتقسيم الأرض إلى ابن خرداذبه؛ وما يخص تاريخ الفتوحات الإسلامية إلى البلاذري. وبعد أن يوفي المؤلف شاكلة هذا الأدب حقها من التناول يستعرض مجموعة من أسماء وأعمال وضعت حول تاريخ المدن. ويكشف عن أن حقلها الأساسي بدأ بتناول تاريخ المدن المقدسة أو ذات الاعتبار الديني، ثم ينسحب بعد ذلك ليغطي معظم المدن بحيث لم تعد هناك مدينة إلا ولها مؤرخها المعروف. وهو يضع المدن المعنية في هذا السياق "مكة؛ بغداد؛ دمشق؛ بخارا" من التناول، ويناقش أعمال كتَّاب من أمثال (أبو الوليد الأزرقي، محمد بن اسحق الفاكهي، أحمد بن أبي طاهر طيفور، الخطيب البغدادي، النرشخي). ويلاحظ أن الطابع المستحكم في نوعية هذه المؤلفات هو احتواء مقدماتها على الجوانب المتعلقة بالجغرافيا موضوعة كراتشكوفسكي التي ينشدها؛ إذ هي تبدأ بتقديم وصف طوبوغرافي للمدن؛ وتُسْتَكمل مادتها بعد ذلك بالسِّير وحياة المشاهير من أهل المدينة. ويُرجع أهمية هذه الكتب أيضاً في تناوله لها إلى عامل الجغرافيا التاريخية المتضمنة في مدلولاتها الفضفاضة جداً كما يصفها. ثم يعرض المؤلف بعد ذلك للأدب الجغرافي – الطوبوغرافي؛ الذي انتشر في مصر ومثَّل ابتداعاً وميلاداً حقيقياً لنوع فريد ومستقل لمصنفات من طراز "الخطط"؛ المختص بوصف الأحياء والنواحي. ويأخذ بالتناول في إطار هذا الصنف الجديد المؤلِّف ابن عبد الحكم وكتابه "فتوح مصر" ويصفه بالمؤلَّف المقدَّر رغماً عن انعدام موهبة النقد فيه. ويثبت في حق ابن عبد الحكم أن المقريزي والسيوطي وأيضاً ياقوت كلهم نقلوا عنه. ويتناول بعده محمد بن يوسف الكندي، كما يورد رأي المقريزي فيه بأنه أول من ألَّف كتاباً في باب "الخطط". ويعقبه بتناول ابن زولاق ومحمد بن يوسف الورَّاق وأحمد بن محمد الرازي المؤرخ الشهير في أوروبا بـ Elmore Elrasis. ويرى المؤلف ختاماً لهذا الحديث في الجغرافية الإقليمية أنه لا يمكن حصر المصنفات فيها التي تلت هذا العصر. ويختار ختاماً لهذا الفصل "الخامس" من الكتاب ككل تناول الهَمْداني الحسن بن أحمد؛ الذي قضى نحبه بأحد سجون صنعاء؛ والمنسوب للقبيلة العربية هَمْدان. ويشير إلى الخلط الذي يمكن أن يقع في حالة الخلط بينه وبين ابن الفقيه الهَمَداني المنسوب إلى مدينة هَمَدان بإيران. ويرى كراتشكوفسكي أن مصنف الهَمْداني "وصف جزيرة العرب" لا يجوز ضَمَّه بأي حال من الأحوال إلى ذلك النوع من المصنفات الجغرافية اللغوية المخصصة لجزيرة العرب والتي سبق أن وجَّه إليها النقد لهذه العلة. ويؤكد كراتشكوفسكي معرفة الهَمْداني بمثل هذه المصنفات معرفة تامة ومعرفته بالجغرافيا الفلكية الرياضية أيضاً. ويرى كراتشكوفسكي أن الهَمْداني فشل في مزج المنهجين وتوحيدهما في كلٍ متماسك ومنسجم. ويقرر المؤلف بحق الهَمْداني أنه تملَّك باقتدار ناصية المادة الأدبية بأكملها وأن ملاحظاته المباشرة لم تكن أقل من ذلك بأي حال من الأحوال، ويثبت أن كتاب الهَمْداني "وصف جزيرة العرب" لا يزال يحتفظ بقيمته إلى عصرنا الحالي. ويرى أن مصنف الهَمْداني في مجال الجغرافيا الإقليمية قد امتاز على جميع مصنفات القرنين التاسع والعاشر؛ ولا يمكن لأحد أن يبزه في القرن العاشر إلا أثرٌ واحد وهو كتاب "الهند" للبيروني الذي يصفه كراتشكوفسكي دائماً بالعظيم. ويواصل المؤلف تتبعه الدقيق لهذا التشكل في المفاهيم والبناء والتطور لعلم الجغرافيا العربي حتى تبدأ مرحلة بزوغ الجغرافيين بمفهوم التخصصية والوعي بنوع العلم الذي يتعاطونه؛ وكذلك نضج النقد الجغرافي بحيث سمح للقرون التالية وعلمائها بمحاولات الابتكار وتفادي النقل المحض؛ والبدء في إرساء دعائم وتقاليد خاصة بطريقة جمع المادة الجغرافية وكيفية فحصها ودخول مرحلة القصدية والتأسيس الفعلي والجاد لعلوم الجغرافيا. ونحن في استعراضنا المبتسر هذا لمادة الفصول الأولى من الكتاب توقفنا عند الفصل السادس الذي تبدأ من عنده عنونة الفصول بأسماء الجغرافيين الكبار. فالجغرافي الكبير المسعودي نجده في "الفصل السادس: المسعودي والرحالة الذين زاروا الأصقاع الشمالية في القرن العاشر"، و"الفصل التاسع: البيروني"، "الفصل الثاني عشر: ياقوت"؛ الفصل السادس عشر: ابن خلدون"؛ "الفصل السابع عشر: المقريزي". وقد حاولنا عرض هذه الفصول الأولى من الكتاب بلغة المؤلف ما أمكن لتعريف القارئ بالحقول التي يبحث فيها الكتاب ونوعية المادة المتوفرة لدى المؤلف ومحاولة الاقتراب من أسس التحليل والقراءة لديه؛ إذ لا يمكن لنا في تقدمة مبتسرة كهذه استعراض جميع مباحث الكتاب؛ أو إنشاء كتاب مرافق بهدف فحص أو مسايرة المادة المجموعة؛ فقمنا بتقديم هذه الفصول الأولى التي نعتقد بأن أهميتها تنبع من كونها تُعَرِّف بعلم الجغرافيا في أطواره الابتدائية وكيفية تناول كراتشكوفسكي له. كما نشير هاهنا إلى أن الجزء الثاني من الكتاب الذي يتناول المؤلف في أول فصوله جغرافيي مصر تحت عنوان "الفصل السابع عشر: المقريزي وجغرافيو مصر إلى الفتح العثماني" وهو يتناول فيه أيضاً بعض الشخصيات التي لا تزال تلاحق علم الجغرافيا من منطلقات كونها شخصيات موسوعية وليست جغرافية بالمعنى الحرفي للكلمة كالسيوطي؛ الذي يعتبره المؤلف مضرب المثل للرجل الموسوعي المتوحد وغزير العلم. ويخصص الفصل الذي يليه "الثامن عشر" لدراسة الجغرافيا الإقليمية وبصفة خاصة في الشام وفلسطين خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر، الموضوع الذي سيعود إلى مناقشته أيضاً في الفصل الثاني والعشرون "المصنفات الجغرافية للقرن السادس عشر بسوريا والأقطار المجاورة" أما الإضافة الحقيقية التي تميز بها الجزء الثاني عن الأول فهي تناول كراتشكوفسكي للأدب الجغرافي الفارسي في الفصل التاسع عشر: "الأدب الجغرافي الفارسي من القرن الخامس عشر إلى الآونة الحاضرة" ويعرض فيه لطائفة كبيرة من العلماء على رأسهم حافظ آبرو، وعبد الرزاق، وعلي أكبر، وأبي الفضل علي، إلى آخر تلك القائمة من الأسماء التي وضعت مؤلفات ضخمة مثل "أطلس الإسلام" و"أكبر نامه...آئين أكبري" و"مرآة البلدان" وغيرها؛ وفي طرحه لهذا الموضوع يناقش كراتشكوفسكي المتاخَمة الفكرية بين الأدبين الجغرافيين العربي والفارسي، ويؤكد أن المصنَّفات التي كتبت بلغة فارس ذات صلة وثيقة وقديمة بالخطوط الرئيسية لتطور الأدب الجغرافي العربي؛ بل وتسير في الاتجاه نفسه لذلك الأدب وتتمم مهمته. فهي إما أن تحفظ لنا مواد لم تصل في أصولها العربية، وإما أن تكون في ذاتها مصدراً لآثار دُوِّنت باللغة العربية. ويُبَيِّن كيف أن الأدب الجغرافي العربي ظَلَّ مهيمناً وذا حضور نافذ على الأدب الفارسي، ويقوم بالتدليل على ذلك من خلال تناول أعمال المؤرخ الفارسي الكبير حافظ آبرو. ومن المنطلقات نفسها التي تناول بها كراتشكوفسكي الأدب الجغرافي الفارسي، ويعمل على تشريح ارتباطاته ومتاخمته الفكرية للأدب الجغرافي العربي، وهو يقوم بتناول الأدب الجغرافي التركي بالطريقة نفسها؛ وعلى وجه الخصوص في الجغرافيا الملاحية التي تمثل عنوان المبحث "الفصل العشرون: الجغرافيا الملاحية لدى العرب والترك من القرن الخامس عشر إلى القرن التاسع عشر"؛ ونجد أن المؤلف ينظر إلى التاريخ الذي عقب القرن الخامس عشر كتاريخ ميت بالنسبة للإبداع العربي، ويرفض بصراحة اعتبار الغزو المغولي مسبباً لذلك، فهو يؤكد أن هذه الفترة شهدت تقدم البرتغاليين وطوافهم حول القارة الإفريقية واكتشافهم للطريق البحري إلى الهند؛ مع ملاحظة بلوغ كولومبس أمريكا. ويُرْجع كراتشكوفسكي هذا القصور إلى نقص جوهري في الأدب الجغرافي العربي يتمثل في تطور العلم الجغرافي العربي على صعيد النظرية وتقصيره في الجانب العملي والكشفي؛ وهاهنا يتخذ مبحثه منحىً هاماً يحاول المؤلف فيه أن يجيب عن السؤال الذي أرَّق الشرقيين قاطبة ولا زال؛ فلو كان السبق أو لنقل السير حذواً بحذو هو الصفة التي كان يتصف بها التنافس الحضاري بين الشرق والغرب؛ فكيف تَمَّ للغرب بعد ذلك كسب الرهان المعرفي بشكل حاسم؟ هل يكمن السبب في أن الشرق لم يكن بحجم مغامرة المعرفة؟ أم أن الشرق لم يعرف كيف يُقَطِّر المعرفة ويستدخلها في حياته بكيفيتها التي ترث الدنيا من خلال بعدها المنظور والملموس؟ أو لكونهم لم يهتموا أصلاً لحراك الدنيا من حولهم في ذلك العصر؟ وهو بشكل متحمس للغاية يرى في ابن ماجد معلماً كبيراً لذاك العصر؛ ويرى في كتابه "كتاب الفوايد في أصول علم البحر والقواعد" كتاباً اهتم بكلا الجانبين النظري والعملي واصطبغت أسطره بتجربة أسفار ابن ماجد نفسه؛ بوصفه الربَّان الكبير الذي جاب البحر الأحمر والخليج الفارسي والمحيط الهندي وأرخبيل الهند الشرقية "الملايو" طولاً وعرضاً. أما تناوله للأدب الجغرافي التركي هاهنا فيخلص منه تسمية مؤلفين أتراكاً كباراً مثل سيدي علي بن حسين أو "علي ريس (جلبي)" كما هي شهرته؛ ومؤلَّفه الضخم "محيط" الذي جمع بين دفتيه مادة نقلية لا مثيل لها بحيث يمكن مقارنتها بأفضل الآثار البرتغالية من هذا الطراز كما يقرر توماشك؛ ويؤكد بحماس ضئيل أن الجوانب المهمة منه فيما يخص رسم الخرط لسواحل المحيط الهندي وجميع الأرخبيل الشرقي قد خضعت بعض الشيء لتأثير الخارطات الشرقية؛ ويوافقه على ذلك العالم كونتي روسيني Conti Rossini. ويضيف كراتشكوفسكي أنه بعد اكتشاف المصادر العربية لكتاب "محيط" فقد اتضح أن التقدير والإطراء اللذان كانا من نصيب الكتاب لهما ما يبررهما؛ ولكن يجب أن يتجه الشكر إلى ناحية أخرى، ويقصد بها العربية. أما المستشرق الكبير فيران فيصر على نحو حاسم أن كتاب "محيط" بأجمعه ليس إلا ترجمة حرفية لمؤلفات أحمد بن ماجد وسليمان المهري؛ وما "علي ريس" إلا بناقل حرفي لأعمالهما. ويواصل المؤلف استعراضه لأعمال تركية أخرى ولمؤلفين كبار مثل بيري ريس وكتابه "بحرية". الذي يرى في مؤلفاته ـ علي ريس ـ أن المذهب العربي فيها لا يمثل سوى عنصر من الدرجة الثانية ضمن العناصر العديدة الثاويةفي مؤلفاته. ويواصل كراتشكوفسكي بحث الموضوع بتخصيص الفصل التالي لحديثه هاهنا "الفصل الحادي والعشرون: الأدب الجغرافي التركي من القرن الخامس عشر إلى القرن التاسع عشر" والذي يقرر من خلاله بأن الأدب الجغرافي لدى الأتراك العثمانيين ربطته علاقات جِد حيوية مع الأدب الجغرافي العربي. أما الفصل الأخير "الرابع والعشرون" فيخصصه لدراسة القرن الثامن عشر الذي ينتهي عنده الكتاب كما أسلفنا في حديثنا عن سيرة المؤلف؛ وبيَّنا أنه كان يخطط لتقديم دراسة شاملة حتى أيامه ولكن المنية لم تمكنه من ذلك؛ فهي بذلك أفقدت الثقافة العربية أحد مخلصيها وعلمائها الكبار؛ وأفقدت الكتاب منتهاه الذي كان يتأمله المؤلف. وبشكل إجمالي نرى أن كراتشكوفسكي يعمل من خلال هذا الكتاب وفقاً لرؤى علمية وبحثية خالصة تختص بالجغرافيا وحدها دون وضع أي اعتبارات أخرى للمؤلِّف أو مصنفه؛ فالسمعة للكاتب أو اعتباريته بعيداً عن حقل الجغرافيا لا تعنيه بأي شكل من الأشكال؛ بل يمكننا أن نقول بأن من أهم الفوائد التي يقدمها هذا الكتاب هي تخطيط وفرز الحقول المعرفية لعمالقة الأدب العربي السالفين؛ فالسمعة المختلطة والمتحصل عليها من خلال العمل في حقول علمية كثيرة لا قيمة لها مطلقاً بالنسبة لكراتشكوفسكي؛ ولا بالنسبة لكتابه هذا المكرَّس لدراسة الأدب الجغرافي البحت وحسب. فكراتشكوفسكي يرى أن الإدريسي مثلاً سعى بجهد كبير من أجل المقاربة بين الجغرافيا الوصفية والفلكية، ويخلص إلى أنَّ جهده لم يكلل بالنجاح. وهو يقول عنه حرفياً: "الإدريسي Idrisi (أو Edrisi كما تعود أن يكتبه الأوروبيون منذ القرن السابع عشر). وهو أبعد من أن يكون أكبر الجغرافيين قاطبة داخل الإطار العام لتطور الأدب الجغرافي العربي، بل ولا نستطيع أن نضعه في مصاف العلماء المبرزين الممتازين، ورغماً عن ذلك فكتابه أكثر الكتب الجغرافية باللغة العربية رواجاً وصيتاً في أوروبا؛ إذ ليس هناك مؤلف حفظ لنا معطيات وافرة ذات قيمة كبرى عن بلاد الغرب كما فعل الإدريسي". كما يرى أن كتابه قد وضع تحت ظروف من العجلة وخصوصاً القسم الثاني منه. والموقف نفسه تقريباً يتخذه من ابن خلدون حينما يتحدث عن فائدته كجغرافي؛ فهو بعد أن يقول عنه إنه لا يمكن النظر بسلبية تامة إلى مصنفه في التاريخ الذي تمثل مقدمته أثراً فريداً بالنسبة لعصره وبالنسبة للأدب العربي كله. ثم يتعرض للنقطة الجوهرية التي ميزت عمل ابن خلدون وهي أنه أول عالم في تاريخ العلوم يقوم بدراسة التاريخ على ضوء تطور الأوضاع الاقتصادية للمجتمع البشري في صوره البدوية والحضرية والمدنية. أي بعكس كل نظريات اليونان وغيرهم ممن قرأ التاريخ على ضوء تطور النظم السياسية. كما يرى أن ابن خلدون بتتبعه لآثار الأقاليم والوسط الجغرافي على حياة البشر يعتبر في هذا المضمار مجدداً بلا ريب، ومثل أفكاره هذه لم تظهر في أوروبا إلا بعد مضي عدة قرون وذلك ابتداء من البارون مونتسكيو Montesquieu (1689 –1755). كما يثبت له كراتشكوفسكي بعض الفائدة بالنسبة للجغرافيا كموضوعة عريضة حين يقرر أنه في فصول من "المقدمة" تتناثر أفكار تتميز بالأصالة والجدة حتى بالنسبة للأدب الجغرافي العربي نفسه. ويعطيه الكثير من الأهمية في حقل الجغرافيا الاقتصادية لأن عدداً من أقسام "المقدمة" يمتاز بقيمة لا تجارى كما يقول كراتشكوفسكي. وأيضاً يرى أن اهتمام ابن خلدون بالأمم شبه المتحضرة يمثل واقعة نادرة في الأدب الجغرافي العربي، فبوسع علماء الاثنوغرافيا المعاصرين أن يجدوا مادة قيمة في تصنيفه للأجناس، كما وأن القسم المفرد للبربر من تاريخه قد تم الاعتراف به بحق كأقيم ما في مصنفه. ويلخص كراتشكوفسكي تناوله لابن خلدون ككل بأنه لا علماء الأجناس ولا علماء الاقتصاد ولا علماء الاجتماع قد فرغوا من دراسة ابن خلدون من وجهات نظرهم المختلفة، كما أن كُلاً من المؤرخ وعالم الجغرافيا يستطيع الكشف عن الكثير الهام لدى ابن خلدون. وعلى الرغم من ذلك فإنه يؤكد مرة ثانية بأن ابن خلدون لا يحتل مكانة ممتازة في التطور العام للأدب الجغرافي العربي، كما أنه لم يترك أي أثر أو طابع في ميدان الجغرافيا على الأجيال التالية له. وما أردناه من إيراد هذين المثالين (الإدريسي؛ ابن خلدون) لفت النظر إلى مدى تجرد المؤلف لدراسته المختصة في الجغرافيا؛ فهذا الكتاب أبطاله مختلفون؛ من أمثال ياقوت والبكري والمسعودي والبيروني الذي يرد عند كراتشكوفسكي متبوعاً بوصفة العظيم. ومما يجمل سماعه أيضاً حول هذا الكتاب مقال غ. تسرتيلي الناشر للطبعة الروسية؛ فهو قد لخَّص فكرته عن الكتاب لقرائه الروس بنقاط ثلاث: * اعتماداً على مادة علمية ضخمة استطاع المؤلف، دون سائر من سبقوه، أن يؤكد مكانة الحضارة العربية في تاريخ البشرية والدور المرموق الذي لعبه علم الجغرافيا العربي في هذا الميدان. * لقد حالف التوفيق المؤلف إلى أقصى الحدود في أن يدلل على أن ممثلي حضارات آسيا الوسطى (تركستان) والقوقاز وإيران وتركيا وغيرها من الأقطار الإسلامية قد أسهموا في تشييد هذه الحضارة، وأنه قد برز من بينهم علماء كبار في ميدان الجغرافيا العربية. * وأخيرا يتبين لنا أن المؤلف قد انتهج منهجاً علمياً دقيقاً إذ أن دراسته العميقة لجميع الآثار الكبرى في الأدب الجغرافي قد أثبتت أن من الممكن استخراج مادة واقعية تساعد إلى حد ما في دراسة المسائل المتعلقة لا بالجغرافيا التاريخية وحدها بل أيضاً بعلم الآثار وعلم الأجناس.. إلخ، وذلك من أكثر المصادر إغراباً وخيالاً؛ أي كتب "العجائب" Mirabilia. بيد أن أهمية كتاب كراتشكوفسكي لا تقف عند هذا الحد بل تتجاوزه إلى ما هو أبعد من ذلك؛ فهو قد كشف النقاب عن مسائل عديدة يجب أن يعنى العلم ببحثها وإيجاد الحلول لها. ونأمل أن يكون في نشر هذا الكتاب حافزاً قوياً إلى ظهور أبحاث عديدة تتناول نقاطه المختلفة.
· إشارة نلفت نظر القارئ الكريم إلى أننا تجنبنا عن عمد إثقال المتن بالحواشي والتعليقات نظراً لما يحمله النص في أصله من توثيق دقيق ومحترف لمادته ومراجعه، وأيضاً لوضوحه الشديد، ولاحترام كونه دراسة متعمقة ومؤسسة تُقَارع من خلال أعمال مستقلة ومطولة وليس بتعليقات وهوامش مبتورة. رغماً عن ذلك أوضحنا ما ارتأيناه ملتبساً من ناحية اللغة أو ما هو بحاجة لتعريفات بسيطة لا تقحم نفسها في جدل هامشي مع النص. كما نلفت القارئ إلى أنَّ كلاً من الكشاف الحضاري وثَبْت المراجع والمصادر الملحقان بالجزء الثاني من الكتاب يحتويان على استيفاءات أكثر لشرح المواد المطروحة؛ وهذا بدوره جعلنا نتغاضى عن إيرادها بداخل المتن تحاشياً للتطويل والتكرار وأيضاً كي لا نفسد على القارئ متعة قراءته وتركيزه بكثرة التعليق والإشارات. كما نشير إلى أن الفصل الأول "الجغرافيا عند العرب قبل ظهور المصنفات الجغرافية الأولى"، الذي من بعض مناحيه ومقاصده تدارس ما ورد في القرآن من دلالات وألفاظ جغرافية؛ وجدنا فيه أخطاءً وخلطاً كبيراً في الاستدلال؛ أي أن أرقام السور والآيات لم تكن مضبوطة بما يوافق المعنى الذي يستدل عليه المؤلِّف كراتشكوفسكي؛ وغالباً وقعت هذه الأخطاء نتيجة تنضيد المادة وطبعها في النسخة الأولى؛ وأيضاً نتيجة لاستخدام الأرقام بدلاً عن أسماء السور. ولذلك رأينا أن نستبدلها بإيراد أسماء السور كتابة؛ وأن نقوم بتصويبها في النص مباشرة ونشير إلى ذلك إذا استدعت الضرورة أو كان هنالك مجالاً للَّبس. وننبه إلى أن وجود مثل هذه الأقواس {..} بداخل نص مقتبس من أحد المؤلفات القديمة يعني تدخل المؤلف أو المترجم أو مُراجع النص بشرح لعسر ما داخل النص الأصلي المقتبس منه. وأخيراً نشير إلى أن الحواشي التي تعقب الفصول مباشرة هي حواشٍ مثبتة من قبل المؤلف؛ وأن الهوامش المثبتة من قبل المترجم صلاح الدين عثمان هاشم فأوردناها بداخل صفحاتها وبالصفة "المترجم". أما الهوامش الملحقة أيضاً بداخل الصفحات وبالصفة "م" هي هوامش أدخلها مراجع النص. والله ولي التوفيق والسداد. محسن خالد أبو ظبي في 30 يوليو 2003
|
|
|
|
|
|
|
|
ندعو لك بعاجل الشفاء (Re: محسن خالد)
|
ندعو لك بعاجل الشفاء
وندعو الله ان يطلع د. منصور على هذا البوست. و إذا لم يطلع لنا وسائل أخرى فى جلب عنوانه و ربما رقم تلفونه فلا تقلق.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ندعو لك بعاجل الشفاء (Re: هشام المجمر)
|
الراجل المجتهد والكبير محسن أعيد عبارة كتبتها في احتفاء بكتاب الصديق محمد يحيي عن أبوذكرى أتعرض فيها لمشقة الوسائل التي يتبعها الباحثون وبخاصة السودانيون تقول".. والغربلة ربما كانت أكثر تعذيباً من الحفر عند شعب طيب و(ونّاس)" فالذي يريد شهادة من شفاه سودانية يجد ما تجده ... الله يعينك .. على مشقة المرض ومشقة البحث ومنازلة الأسئلة ... ولابد أن الرجل - الذي أراه أكثر الرافضين لشفاهتنا كسودانيين والمحاربين لها بقلم برته المعرفة وسعة الفكر الأستاذ منصور خالد- سيوفي الأمر حقه .. فالعارف ليس مثله في الوفاء للعارفين ، فقط لو وجدت مناشدتك طريقها إليه. أتمنى ذلك .. كما أتمنى لك عاجل الشفاء ، فهنالك دروب لم تشهد معاركاتنا بعد .. وهناك ذلك المقعد قبالة بائع الصحف -الذي يستعجل اليوم التالي - ينتظر جلوسك المعافى عليه.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ارجو ان تكون فى احسن حال اليوم (Re: بدري الياس)
|
أصدقائي الأعزاء، أولاً تقديري لكم لسؤالكم عني والالتفات لحالي، رغم الازدحام الكوني، ورهق مجابدة المعايش وسخف اليومي ولعنة كل شيء وغربته وغرابته،.. هشام،... ياخي شاكر وألف شكر يا عزيز، الكتاب لم يصدر بعد، فقط أنا بنتظار هذه الشهادة، وفي انتظار الفراغ من تسوية الكشاف الحضاري الخاص بفهرست الأعلام والأمامن والكذا وكذا ووو... وربما تجده في معرض أبو ظبي القادم بإذن الله...
سمبتيكو،... يا راقي يا إنسان،... شكراً يا عزيز،..
بدري الياس،... مافي ليك شكر، دا واجبك يا مسخوت،...
عاطف عبد الله،.. يا زول يا تمام، جبتني هنا وشيل شيلتك،..
خالد أحمد عمر،... خالد إزيك، يا المتشربك معاي في اسمي، أشكرك يا حبيب يا فاضل، علي سؤالك ومواصلتك لي، وريني بس قاعد وين، وإن بقيت قريب بصلك،...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يا (د. منصور خالد) لصديقك في الغياب (Re: محسن خالد)
|
Quote: كما أشير إلى أنني عجزت بالاتصال بأبنائه أو بورثة علمه وفضله، لصعوبات معيّنة ذكرها أقرباؤه، فأرجو منهم الاتصال بي في حال تيسّر لهم ذلك والرغبة فيه. وأُوجّه هذا النداء أيضاً للأمدرمانيين بشكل عام ولبني الهاشماب تحديداً، في المساعدة على توفير أكبر قدر من سيرة الراحل. |
I know that he has two sons one living in the USA and the other in Canada. If this matter is vital to you I have some friends in either places who can help in getting their contact numbers Thank you
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يا (د. منصور خالد) لصديقك في الغياب (Re: محسن خالد)
|
الاستاذ محسن خالد
سلاما وتحية
يا إلهى كم نحن أغبياء!! لا نذكر كبار مفكرينا وعباقرتنا الراحلين إلا عندما يذكرنا بهم الآخرون!! رحل العالم العلامة والمفكر صلاح عثمان هاشم والذى عرفته وانا بعد فى بواكير شبابى اخطو اولى خطواتى فى مدارج السلك الدبلوماسى وكان الدكتور منصور خالد وهو وقتها ملء السمع والابصار وزيرا للخارجية والعالم صلاح عثمان هاشم سفير لدى البلاط الشاهنشاهى وعرش الطاووس والبهلوية فى قمة مجده يبسط ذراعيه على الخليج الفارسى (العربى).. كان الراحل الكبير يبعث بتقارير عن ايران ومنطقة الخليج وتحالف ايران وتركيا وباكستان ودور ايران المتعاظم اقليميا.. كنا نقرأ تقاريره بشغف.. لآنها مليئة بالمعلومة التاريخية والسياسية وبلغة ادبية رصينة تجبرك على قراْءته ومتابعة افكاره.. كان أخر عهدى بهذا العملاق فى اواخر السبعينات.. كان من الذين تركوا بصماتهم على صفحة من صفحات حياتى.. عندما جئت منقولا للعمل بسفارة السودان فى واشنطن قبيل إقالتى من السلك الدبلوماسي بعد إنقلاب الجبهة الاسلامية القومية فى السودان سألت عنه وقيل لى انه عاش فى اواخر ايامه عيشة كفاف وصار يعرض بعض مقتنياته للبيع فحزنت لذلك كثيرا لحاله ولعجزى فاليد قصيرة.. رحمه الله فى الخالدين وارجو ان تذكر وزارة الخارجية السودانية شوامخهاوتكرمهم فلا اقل من تكريم من مات.. بضع كلمات نذكر فيها أعلامنا.. ولا افضل من دكتور منصور خالد وهو الاديب الاريب فى ذكر محاسن ومناقب هذا العلم.. ويبقى من الناس الآحاديث والذكر..
والشكر للاستاذ محسن خالد الذى نكآ جرحا قديما..
نورى جليلة (نورالدين منان)
| |
|
|
|
|
|
|
يا (د. منصور خالد) لصديقك في الغياب (Re: Mannan)
|
Zoul (Ibn) Zoul،.... تحية وسلام، شكراً لاهتمامك، أعرف معلومة ابنيه هذه، ولو استطعت من خلال أصدقائك أن تعثر لي على أرقام تليفونيهما سأكون ممتناً لصنيعك، وأرجو أن تسعى في هذا الأمر، فالرجل شيخٌ وأستاذٌ لنا جميعاً، وشكراً يا أمير،..
منّان،.... الفاضل والعزيز،.. التحية لك وأنت تخوض في السيرة، السيرة العطرة للعالم الراحل صلاح الدين عثمان هاشم،... وأقول لك، هذا هو حالنا، وهذا هو صانع حالنا، ويبدو أنّ معك الكثير من جميل تذكّر للراحل،... فالسلك الديبلوماسي له إخاءه وطريقه الخاص في الإخاء حسب علمي،.. الذي أعجب له هو تجاهل حتّى من عرفوا الرجل عن الخوض في سيرته، مجرد الخوض في سيرته،... وكتبه كلها وخصوصاً الكتاب موضوع النقاش لم نستطع إخراجه من المكتبة العلمية المحفوظ فيها إلا بأهوال إثر أهوال، لقيمة الكتاب الكبيرة والاستثنائية في مجمل الثقافة العربية،... أرجو أن تتابع من قِبَلك الموضوع، فهو ليس موضوعي وحدي بأي حال، وإن كنتُ قد تمثّلت حربه باختياري،... وأرجو إن وقعت على أي دربٍ يدلّ على شيء إشراكي معك فيه،... وأنا بدأت الآن أستغرب فعدد من قرأ هذا الموضوع شارف تعدادهم الـ500 متصفح، ألا يبدو موضوعاً مهمّاً، ألا يكون منصور خالد قد سمع شيئاً عن هذا الموضوع؟ (لأنه كما قيل لي الأعرف به، وهو قد كتب عنه في أحد كتبه)،.. أهذا ما يُبشّر به السودان مصيراً لعلمائه؟؟؟ بس موتوا وبنعرف نردمكم تراب؟؟؟؟ أرجو أن أكون من أكبر الخاطئين!! وشكراً يا سيدي الجميل لكرمك وانتباهتك وعفواً وصبراً جميلاً أيها الراحل!!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: يا (د. منصور خالد) لصديقك في الغياب (Re: محسن خالد)
|
Quote: Zoul (Ibn) Zoul،.... تحية وسلام، شكراً لاهتمامك، أعرف معلومة ابنيه هذه، ولو استطعت من خلال أصدقائك أن تعثر لي على أرقام تليفونيهما سأكون ممتناً لصنيعك، وأرجو أن تسعى في هذا الأمر، فالرجل شيخٌ وأستاذٌ لنا جميعاً، وشكراً يا أمير،.. |
Please check your messenger in this site. I sent you some information I managed to gather so far. More later as I get it
Good Luck
| |
|
|
|
|
|
|
|