|
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد (Re: عبدالله الشقليني)
|
(2)
في مرآة الغياب : هل نستيئس أن نرى صورتك الباسمة ، وقلبكَ المُشرئب إلى العُلا ؟
يصافحنا الفرح .
رشيق بنانك يرسم الدُنيا بلغة تُغسل في صباها كل خطاياها وغُبار الأزمنة . نقرأ ثم ونُشاهد الأحرف ، ويتجمد الطرف ، وينفرِج البؤبؤ فنُشاهد الدنيا تتراقص حواشيها ، تُلملم أطرافها تتلوى بين فاغري الأفواه .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد (Re: عبدالله الشقليني)
|
(3)
في مرآة الغياب :
قالت الدنيا : إن الخاطر المجنون يُجالسك ، ويؤانسك في وحشة أن تكون وحيداً ، أو تستعيد النفس التي نسيتها في هوى الأشياء ، وموسيقى سحرها . تقول لها إنكِ شريكة في الحُلم وفي المصير . تُحبُكَ هي ، وتُصاحبها أنتَ صُحبة الجسد للفراش : لولا تعب الدُنيا لما هجد الجسد إلى مدينة المنام .
عند بوابتها تلك المدينة يصطف أصحاب المزامير ، وألعاب النار من غجر الدُنيا .ينتظرونكَ بكؤوس الشوق ، ولباس المُلوك المُبهرج . ألوان دُنياهُم أنضر بشاعة ، وأطول باعاً في رسم الحكاوي ، وأصدق صورة لأساطير حاضرنا .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد (Re: osama elkhawad)
|
Quote:
حالماً أنتَ ، ونحن الذاهلون ، في معبدك نمشي حُفاة على مرايا الأرض من تحتنا ، والحوائط مُظللة بالهوى والعِشق في ضاحية الغرائب . السقوف تتدلى بثُرياتها ، تمسح أجسادنا بأنوارها . من يتخير الغيبة الصُغرى ؟
من يتخير الغيبة الكُبرى .. بين الخاطر المجنون ، يحنو ويستنطق العُمر . بقي الكثير لتُنجزه في مُنعطفات الدُنيا . في الزحام هُنا لمست شغاف القلوب ، وهيجت أحد الذين تدحرجوا من القرون السحيقة ، وغضب ، بل سخَّر المملكة في حجب ما تكتُب عن سماوات بلادك التي أنجبتك .
|
العزيز شقليني
نتخيّر النطاف من سائل اللغة لتبلغ بنا المراقي
ونوشم صفحة في التداخل السرَي ..
بيننا والمنادى...بينهم واللّزوجة في السائل الحيوي
وبعض التخثر في الضوء ،احدي العينين لن ترى مشهدا مغايرا للأخري
حين تخفت الهذربة في شلال الكون ،غيبة تفضي الي غيبة وتنحسر جرعة اخرى.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد (Re: عبد المنعم ابراهيم الحاج)
|
كهدهد سليمان من سبا...سياتينا ذلك الذى أيقظ عرجونا للإبداع...جهر بصيرة عقولنا...كسر عصاة موسى...بهرت عيون قلوب سحرة فرعون...فخروا سجدا لرب موسى...وأتانا بقبس كالفلق...الذى أتاح لإرخميدس أن يرى سر الإزاحه...ولنيوتن ليرى مغنطة الجذب الخفيه...كعمد السماء التى نعقلها بالتنزيل والتدليل وحاشا للحواس بأن تراها...فمن خلوته تلك فى كهف فكهته سيأتينا بزاد جلوته يلجينا المصفى حليبا ساخية بقرته...................................
تحياتنا والدعاء لمحسن والشكر للأخ الشقلينى لصيحته لذلك الشغيل
منصور
| |
|
|
|
|
|
|
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد (Re: عبدالله الشقليني)
|
عزيزنا الكاتب منصور في حضوره البهي:
لثمتني لُغتك هُنا وهُناك عندما بسط لنا الكاتب : حيدر سِماط الطعام ، وتذوقنا حلاوة مجلسكُم ، وما أطيبه ، وما أطيب الثمر نستطعمه من أيدٍ حانية .
قلت لنفسي : القراءة تمنح الرئة مداً من أكسيد الحياة ، كي لا نعلق إلا في مشجب المحبة .
محبتك لنا وأنت تُلقيها علينا خير صُحبة في دُنيا القراءة . سيعود الماء لمجراه في ساعة صفاء . فكُن قُربنا دوماً .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد (Re: عبدالله الشقليني)
|
(4)
في مرآة الغياب :
كيف حَطَّ نسر الغياب على كتفك ، وأية راحلة ركبتَ لسفرك ، كي نَقتَّص منها حين يَسرت لك سُبل الفرار منا ؟ أ تفقدتَ الزاد ووخز إبر الهجران و دسائس الحنين ؟ تطرف العين ، وترتج غُرف القلب أسرع من رعشها العادي ، فنعلم أن خوفاً عظيماً سيحِل أو ألماً مُبيناً هَمَس هَمساً دون أن نسمع . إن نافذتكَ مفتوحة لتُطل منها وقت تشاء في أركان الأرض ، إلا حين موعد غوصك في الماء الذي تُحب. صديقتك الأمواج ترمي إليها أثقال بؤسك حين يجترح أفراحكَ جارح ، فيختلط الدمع بالماء ، ويختلط الملح بالملح المُذاب . تَشتُتْ المصائر من هندسة الوجود ، فالكون في حراكه الدائم . إن أسرعتَ خفَّ وزنكَ ، وإن حلُمت أنك أسرع خُطى من الكون بأفلاكه المُذهلة ، فإنكَ تُصبح ضوءً خافتاً في صفحته ، نوراني كطيف إلى أن تفيق من جنون الهجران وهاجس الانفلات من جاذبية الأحباب .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد (Re: عبدالله الشقليني)
|
عزيزي الأستاذ عبدالله الشقليني
كل سنة و إنت بخير
Quote: حالماً أنتَ ، ونحن الذاهلون ، في معبدك نمشي حُفاة على مرايا الأرض من تحتنا ، والحوائط مُظللة بالهوى والعِشق في ضاحية الغرائب . السقوف تتدلى بثُرياتها ، تمسح أجسادنا بأنوارها . من يتخير الغيبة الصُغرى ؟ |
محسن خالد من الكتاب الذين يحفرون أخدوداً من الحميمية عندما تقرؤه ، يفاجؤك بما كنت تفكر فيه و يقود خيالك إلى دروب تستهلك الذاكرة تماما فيعود ليترعها بحديث ينساب تباعا كحبات المسبحة.
من يتخير الغيبة الصغرى أو الكبرى أو ما بينهما ؟
دمت
| |
|
|
|
|
|
|
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد (Re: ابو جهينة)
|
حبيبنا أبو جهينة : عندما كتبت :
[ محسن خالد من الكتاب الذين يحفرون أخدوداً من الحميمية عندما تقرؤه ، يفاجؤك بما كنت تفكر فيه و يقود خيالك إلى دروب تستهلك الذاكرة تماما فيعود ليترعها بحديث ينساب تباعا كحبات المسبحة.
من يتخير الغيبة الصغرى أو الكبرى أو ما بينهما ؟ ]
فقد انفتحت صفحة أخرى عنه ، ربما سافر النسر عن العُش في رحلة صيد ، ويحضر بالطعوم
| |
|
|
|
|
|
|
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد (Re: عبدالله الشقليني)
|
سؤال شخصي ، و انت في سماء غير هذي السماء التي انطلق منها، لماذا سميت "بيكاسو"؟ ما علاقة الرسم بالكتابة؟ واين الرسم والفنون التشكيلية في سمائك التي هي في فضاء الوحشة، والعزلة؟ محبتي بلا حدود، كل عام وانت في سماء الانطلاق، او كما قلت.
هل خدشت تطور البوست؟ أم نؤجل ذلك الى بوست آخر ، احاورك فيه؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ المشاء
| |
|
|
|
|
|
|
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد (Re: عبدالله الشقليني)
|
سماؤك يا سيد السماوات الكاتبة، هي سماء من بعض روحك.
تشغلني مسالة علاقة التشكليليين بالكتابة ، أنت ،بولا ،حسن موسى، ابوسبيب ،واصدقاء لي مثل محمد بوب ، والشاعر عمر دفع الله, وآخرين. ففي الغرب مثلا تقتصر علاقتهم بها من خلال البيانات الابداعية في أغلب الاحيان, هل ذلك يرجع الى هامشية الفنون التشكليلية و سيادة الكتابة؟ سألتني:
Quote: لست أدري لم لَم نلتقي ؟ |
وانا ايضا اعبد نفس السؤال لسماء اخرى من الابهام والغموض و التفكر في المصائر. سرني بوستك ذاك الذي بسطته ، ودعنا نتحدث عنه في مقام انتظار واحد من رسول الكتابة الغائبين. تقبل تحيات سلوى . محبتي المشاء
| |
|
|
|
|
|
|
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد (Re: عبدالله الشقليني)
|
(5)
في مرآة الغياب :
سأني الصديق الكاتب : عثمان حامد سليمان على التلفنة عندما سألت عنكَ ، وسألنا العافية أن تلثُمك ، قال لي : ـ ألم تقرأ ( بورتريه الغياب ) المُذهل بعين الحقيقة ؟ قلت له : ـ كنت أظن ذلك من رقص أجنحة الخواطر عند مخاض رواية ، عسيرٌ ميلادها . فتحت النافذة في زمانها ، ونظرت بانبهار الحفاوة بميلاد طفل الرواية يهدهده قلم الجسارة ، .... ثم تلقفتني الدُنيا في شراكها . لم أكن أحسب الغياب صناعة من لحم ودم ، يتلاشى صوت خُفكَ ... ، ثم إلى الرحيل ! . قرأت مرة أخرى فلمست حسرة تختبئ بين حنايا النص و عجائبية السرد . لمحت برقاً من بروق التَوحُّد يُخيط الأحرُف والكلمات . ماذا أنا فاعل !، فرماد بقايا الطبخ عند المضارب قد غطتها الرمال منذ أشهُر . على المشهد الفخيم للمُغادرة : فاكهة حلوةالمذاق على نار الطبخ ، ولحمٌ نيئ وحِساء دمٍ فاتر .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد (Re: عبدالله الشقليني)
|
(6)
في مرآة الغياب :
تصفحت نصوصاً من الذاكرة ، ومن القص المقدس علني أتقصى أين تقودني آثار رحيلكَ منذ مُبتدأ الكلام . فتحت غلاف الإصحاح الأول من العهد القديم وقرأت : في البدء خلق الله السماوات ، وكانت خربة وخاليةً وعلى وجه الغمر ظلمةٌ وروح الله يرُفُ على وجه المياه . تصفحت إنجيل يوحنَّا في إصحاحه الأول وقرأت :
في البدء كان الكلمة ، والكلمة كان عند الله ، وكان الكلمة الله . كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان .
يقول الذكر الحكيم :
{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }النور35
{وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْراً .......}هود31
قرأت كتابك أيها الصديق الغائب من جديد منذ المُبتدأ:
( في البدء كان الله وكان الغياب ) فتحت أنتَ صفحة من الماضي السحيق ، وأعدتَ ترتيب الأشياء وفق رؤاكَ ، وعلى نار وَجدّك اصطلت ، فكتبت سِفراً على صغره ، يصلُح مادة لمن يبتغي أن يصنع من خامة الكلمات سحر طيف مُقدس ، وأركاناً لفلسفة مكتوبة بماء القص .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد (Re: عبدالله الشقليني)
|
صديقنا الكاتب أسامة الخواض :
قلت لي : ( تشغلني مسالة علاقة التشكليليين بالكتابة )
يقولون للفنون مزرعة واحدة ، تستسقي كل الخُضر والغلال من جداولها ، وعلى أطرافها ينبت العُشب الطفيلي كأطفال الطريق : جلودهم مخشوشنة الملمس ، لا يأكلون إلا من نفايات الآخرين . علوم الجمال مستوطنة بين الأشياء ، تُذيب الغليظ ، وتُهدئ الروع . في خلوة الصفاء تشتعل القناديل متوهجة و يستدرج الفنان المُبدع روح الخلق ، تنفث فيه سحرها آلهةُ الأساطير والقص عِطور الكون وألوان الحياة بأطيافها ، والذكريات بحُلاوتها ومُرها والحنظل ويتدفق النهر العظيم .
من هُنا يبدأ العالم مُختلطاً بالأحلام والخواطر ، ومن عجين لا ندري كيف تشكل ينسج العقل المُدبر من علائق الكائنات حِيَّلاً مُبدعة : تخرُج العصافير من أكمام السحرة ، وتنطلق المزامير بين الضفاف وريح الأشجار : لوحة أو موسيقى أو قصيدة أو جسدٌ يرقُص أو مسرحاً تلثُم أغصانه الزهر أو كتاب فيه آلاف الليالي المُقمرة ، ومن فلكلور الدُنيا تُعيد الفنون صياغة الكون بشكل جديد وروح جديدة .
من هُنا يبدأ العالم السحري انطلاقه ، وتختلط الينابيع ...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد (Re: عبدالله الشقليني)
|
(7)
في مرآة الغياب :
قرأنا لك كيف يكون الفراق نصاً مُبدعاً ، ويقولون يصنع الفراق نافورة ماء ، تحته أطفال الخواطر تُنشئ بذور الكتابة . اختلطت مشاعرنا و كتبنا ، ونحن نعلم أن الدُنيا ستسير سيرتها الأولى .
لن يغير العويل واقع الغيبة الكُبرى ، لكن الغيبة الصُغرى تُراوح مكانها ، تركب أُرجُوحة في سماء الأمزجة . من يعلم ؟ .... لعل الخاطر الذي أبعدك ، يعود بكَ مُقيداً بحبائل المحبة .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد (Re: عبدالله الشقليني)
|
Quote: صديقنا الكاتب أسامة الخواض :
قلت لي : ( تشغلني مسالة علاقة التشكليليين بالكتابة )
يقولون للفنون مزرعة واحدة ، تستسقي كل الخُضر والغلال من جداولها ، وعلى أطرافها ينبت العُشب الطفيلي كأطفال الطريق : جلودهم مخشوشنة الملمس ، لا يأكلون إلا من نفايات الآخرين . علوم الجمال مستوطنة بين الأشياء ، تُذيب الغليظ ، وتُهدئ الروع . في خلوة الصفاء تشتعل القناديل متوهجة و يستدرج الفنان المُبدع روح الخلق ، تنفث فيه سحرها آلهةُ الأساطير والقص عِطور الكون وألوان الحياة بأطيافها ، والذكريات بحُلاوتها ومُرها والحنظل ويتدفق النهر العظيم |
ان تجسد الشكل علي سطح لوحة يمكننا من القراءة علي ابعاد خطوطها في الضوء
وان تجسد اللغة علي هيكل المعني تقرأ ابعادها في حيوية النص:
للمشاء
ألا تري ..
كيف تغيّر نشيج اللون من الاحمر الي الاخضر؟
هو سر آخر من اسرار حيوات التوظيف..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: في مرآة غياب رسولٍ من رُسل الكتابة : محسن خالد (Re: عبدالله الشقليني)
|
الكاتب مُحسن خالد: بقي القليل من مسبحةالعُمر
لن يصفعُ خدك خير من نسيم متوسط الحرارة ، بارداً مُحبباً عندما يُسرِف الطقس بحرارته عليك ، أو دافئاً عندما تكون في حاجة لتخرج من موت البرد في الزمن الذي لا يتجمَّل بالحرارة .
من يشهد الأديب مُحسن خالد ، لن يحسب أن تلك القطعة الإنسانية النادرة هي في مطلع الثلاثينات من العُمر ، وأنه قد أسهم وشارك في التحرير والتحقيق وكتب من القصص القصيرة والروايات ما يفوق الثلاثين عَداً ونقداً كما يقول الباعة المتعجلون !.
يعرف هو أدواته اللُغوية جيداً . يُصحح انـزلاق الآخرين عندما تأخذ الفكرة بأصحابها مأخذاً يتركون معه اللغة على نارٍ هادئة ، يلُفها النسيان ..ربما يحترق الطاجن بما يحوي وتجد الكتابة وخليط الروائح الكربونية تأخذ من الطعوم نكهتها . مُحسن غير هؤلاء من الكُتاب . يكتب العربية والعامية ، في موضعهما من رُقعة الحياة التي تُنسجها مُخيلَتِه الجامحة . لست أدري من أين له هذا الصفاء ، أو ذلك الزمن ليكتب كل ذلك في هذا العُمر القصير الذي يمضي ! . تلك التجارب التي عبقت طفولتها من أرياف السودان ثم إلى المدائن الريفية ، ثم إلى مُدن الحضر على ضفاف المتوسط ، أو الخليج . ساقني جسدي في رحلة ترويح عن النفس مما بها ، ولقيته قرب منتصف يونيو 2005 م الماضي . أنا أحتسي كوبا من الشاي ، وهو عائد بعد أن غسل يديه من بعد وجبة عشاء سودانية الصفات . جلس قُبالتي من بعد أشواق حميمة . نلتقي دوماً هو على عجل ، وأنا أستطرد في حديث لا أعرف كيف بدأ . التفت يمنة ويسرى ولا أجده ،إلا اليوم ، يسرت لي الصدفة ألا يكون بيننا حاجب يحجب عنا صفاء اللقاء ، ولا شاغل يمنعني أن أتخذه اليوم أنيساً رغماً عنه .أحكمت قبضتي على زمانه ، وحاصرته برقة :
ـ أتمنى إلا أكون قد أخذتك عنوة من موعد أو عمل ..
طمأنتني إجابته ، لم نكن نحن على عجل . أخذنا من المساء حتى أقبل صباح اليوم التالي . في الثانية والنصف صباحاً افترقنا . نسكن نحن مدينة مُصنعة بالجفوة والحنان . قلت له :
ـ عُمرك لا يناسب ما تكتب . بحر أنت عميق الغور ، ربما تَنَقَل ذهن أحدهم وأنت في عُمر الطفولة ، واستوطن هذه الجُمجُمة التي تجلس بين كتفيك قُبالتي ! تناسخ فكر وروح .
تبسم مُحسن قائلاً :
ـ تقلبت طفولتي بين ريف السودان بخضاب روائحه ، ومدائنه الريفية و أخذت نصيبي من الدهشة وكتبت . لن يُدهشني من بعد شيئا . تعجبت وأنا أقول :
ـ ومن يخرج من عُلب الدهشة ؟ من يصنع لنا الدهشة غير المُبدعين ! هادئ في مجلسه أمامي ، تشابكت الأضواء في بريق عينيه ، فصُور الحضور من حولنا على قلتهم ترسم ملامح مموهة على صفحات عينيه . نظرني قائلاً :
ـ أكاد أكون عرافاً ، يُشغلني إحساس مثلاً بأني أعرف زيداً من الناس ، وأراه على وشك أن يُغادر الدنيا . أسافر للقياه وأحادثه وأنا جازم بأني لن ألقاه مرة أخرى ، ويكون كما حلمت به. كانت والدتي في صغري تتوجس من أحاديثي عن بعض المعارف . كأن المستقبل كتاب مفتوح في ناظري . أصدقك القول أنني أجهِد نفسي بالكتابة ، أكتب على أحجام (22 ) و (24) على الكمبيوتر لأنهما أكثر وضوحاً ، عيناي مُرهقتين وأعاني ضعفاً شديداً في النظر . أحاول جاهداً أن أكتب لأن الزمن والعُمر يلاحقانني . بقي القليل يا عبد الله من مسبحة العُمر . خمس سنوات بيني وبين الرحيل الأبدي . ستعلم يا صديقي وتذكر هذه الليلة من دون الليالي : السادس عشر من يونيو ، خمس وألفان من بعد الميلاد ، كُنت أجلس قُبالتك وكنت أقول الحق ، لا وقت للحزن أو الدهشة فعُمري رقاقة شفافة نظرتها وعرفت كل شيء . أفضل الأشياء أن أكتب كل ما لدي قبل فجيعة من يُحب أن أكون قربه .
انتابتني مشاعر من الحُزن عميقة وكآبة لم أعهدها من قبل . أنا بين مُكذب و مصدق . كان دفء حديثه يوحي صدقاً ورقَّة كأن النفس الصافية الصادقة تتكلم إنابة عنه . أخذت نفساً ثم قلت :
ـ إياك سيدي أن تُبرمِج ساعتك البيولوجية على ذلك الضبط المأساوي . إن العقل كائن يسبح في بركة تصل الواقع بالخرافة ..
قاطعني مُحسن :
ـ هذا ما أراه حقيقة ، ستذكر هذا اليوم وستعرف أنني كنت أصدقك القول .
حاولت أن أتحكم في انفلات العاطفة بين الدفء والحنين والحُزن ، فقلت :
ـ أعرف أن الذهن يستجيب للبرمجة ، وللتطبيب . يفتح بوابته للكثير من الغرائب ، فلا تعُب لنا من الحُزن فوق ما نستطيع . أنت تُهلكني برؤاك ، أنا أصدِّق ما تقول لأن لي تجارب في طفولتي . قرأت وجربت الكثير وعلمت بغرائب الذهن البشري حتى أوشكت على الانفلات . رجاءً قُم بتفكيك هذه الرسالة الحزينة ، وأعد البرمجة من جديد . قُل لعمرك أن يمتد إلى العُلا ، ففجائع مُبدعينا كُثر . والرقم الذي رأيت فيه عُمرك يا صديقي يقارب عُمر رحيل عبد العزيز العميري ، وبوب مارلي ..
ضحك مُحسن وقاطعني :
ـ إنني جاد .. ولا ألوِن حديثي بروائح القص !
على مقهى قرب مسكنه جلسنا سوياً . شربنا خليط الشاي والحليب ، وأخذ أنفاساً من ( شيشة ) أُعدت له . تداعى الحديث بيننا مُتفرقاً . سعت النادِلة أن تُجالسنا . أرادت أن تتدخل لترِفه عنا . وقفت هي في منتصف الدرج واستعصى عليها الصعود إلى سماواتنا . فقالت لي :
ـ أأجهز لك ( شيشة ) ؟
قلت :
ـ إنني ممنوع من التدخين ، لي تاريخ موجِع . كوب آخر من الشاي لو تسمحين .
فتحنا بوابة الكتابة ، بين التعب والإبداع والألق .. ولتلك قصة أخرى .
عبد الله الشقليني 27/07/2005 م
| |
|
|
|
|
|
|
|