Designed by Ali Eljack (The Coordinates of Man) By Muhsin Khalid First edition 2001 Abu Dhabi Second edition 2006 Beirut
من رواية إحداثيات الإنسان الفصل السادس الرجل الأميبي
إنَّ بحث الرجل النسر -الذي يحبس الفريسة بمخلب ويضرب الريح بجناح، الصلد، الذي عيناه مثبتتان على مدى الأفق- لم يهتدِ بعد إلى الخط المستقيم. هاهنا درب يشقَّه العقل، ولا عودة لمن سار فيه، درب لا يمكن ملصه كحذاء إن لم يناسب مقاسنا، أقول لصوفيا، فتسألني: وبلدك؟ "بلدي؟ أي بلد كان يا تُرى؟ إنه طاحون هواء حين يعز الهواء. إن البدائية جِينٌ معتبر جداً في التوريث الإفريقي"،.. "ولِمَ لا تعتنق جنسية هذا البلد؟". "أعتنق؟ ياه، إنّ أمريكا دين جديد إذاً؟"،.. "أليست قديسة هذه الأمريكا؟". "فعلاً قديسة، ولكن بلا معنى. أو على الأقل ليس لها معنى بالنسبة لي"،.. "أشعر بأنه حتى أنت عند نفسك بلا معنى يا كمال. ربما أنت نفسك طاحون الهواء حين يعز الهواء. أحياناً كثيرة أفكر فيك فأجدك الرجل الذي استقال من كل شيء حتى من واجبات شخصه. ألن تقف يوماً عند محطة ما يا كمال كي تعثر على شيء له معنى؟". أُراوغها أنا: "لقد قرأت في إحدى القصص أنَّ مخترعاً قام بصنع قاطرة تسير بسرعة فلكية. وما عاب تلك القاطرة أن المخترع فشل في أن يحتويها بمحطات منتظمة"،.. يستلفني صمتٌ لبرهة قليلة، فمللٌ عريض أن تحكي الأشياء وفاجعة إن تصمت على حروقها الداخلية،.. "وماذا حدث؟"، تستفسر صوفيا، أو تدفعني نحو الخلاصات، نحو عُقْدَتي خاصَّةً. "لا شيء حَدَث يا صوفيا. وليت الكاتب تركها عند هذا الجفاف كأي إعلان عن اختراع فاشل. فقد تحوَّل إلى ميكانيكي ذكي، وانحشر تحت قاطرته تلك ليبحث بدراية الميكانيكي العادي مسألة الكابح وأنابيب الزيت وغيرها من الشؤون التي تخرج بالقصة من محيط الإبداع الأدبي وعمقها، وتُدخلها الورش كأي تدوين لمعالجة هندسية أُجريت لوابور متعطل. ثم ختمها بأن القاطرة انصاعت للمحطات وفَرِح الإنسان واحتفل"،.. "وما الذي في ذلك My Baby؟ فالتبشير بفوز الإنسان في صراع الزمن واضح وجيد. وهو هدف له معنى كما أفهم". "لا تكوني غبية يا صوفيا. إنَّ الآلة لن تحسم شيئاً. هي ليست السلاح. بل حين تتَعَيَّن الآلة كليةً كموظف تعمير يتفَرَّغ الإنسان المبدع للجنون، أما الإنسان العادي فسيوظفه السعر. إنها تلعب لكي تكسب هي نفسها ولن ترمي بالأوراق الرابحة في جيوبنا أبداً. كما أنَّ الإنسانية تجاوزت ذلك الإنسان الذي يُريد أن ينقل متاعه وجسده، إلى الإنسان الذي يريد أن ينقل ذاته. قصة هذه القاطرة بدأت من حيث وصلت الإنسانية. وهذا رائع كي يليه تصور يتوَلَّد من مغامرة السفر على تلك القاطرة التي لا يمكن إيقافها. ولكن الكاتب أحجَم، وفسد تماماً حين صار فني قاطرات. كان عليه أن يخلق لهذه القصة أرجلاً ما كي تمضي على نحو غير ذلك. لقد بدأت من حيث رُفِض اللجام. أي من أمام القطار. ولكنها انتهت بقطار له ذنب كي يشدَّه أحدُ الرعاة من الخلف. لقد أطلق على قصته اسم السفر المجنون ولكنه لم يُكَلِّف نفسه استكشاف ذلك السفر. وصيانته لتلك القاطرة تعزل القصة عن اسمها وفحواها، أو لنَقُل تُلغي ادعاءه الأول وتجعلها السفر المحفوظ"،.. "إنّ المُضي إلى الأمام بدون تَحَكُّم انفلات خطر، والذي يفلت من جاذبية المدار لا بُدّ له أن يحترق يا كمال". "الشهب أجرام ألقت بنفسها خارج المدار. منها ما يحترق هذا صحيح، ولكن منها أيضاً ما يبلغ الأرض ويستقر"، أُحاججها أنا لأجل تمضية الوقت فحسب، يمكنني أن أشعل سيجارة بدل إجابتي هذه،.. "ولكن ما يبلغ الأرض منها يستقر في شكل رماد!"، تطاردني صوفيا،.. "لا بأس هكذا هي الأيام دوماً، لا تصالحنا إلا على بقايا الرماد، منّا من يكتشف ذلك ومنَّا من يموت بسهومه"،.. إلحاح صوفيا الذي لا أدري من أين تحصل عليه بهذه الكميات، يلاحقني "إن مثل هذا الانفلات لن ينتهي بالاستقرار. وإنما سيزج بسير الإنسانية في فوضى الموت"،.. "النكتة الكبرى يا صوفيا أن تَنَبُّؤكِ المستقبلي هذا قد أصبح واقعاً منذ زمن طويل. لقد كانت الفوضى مرتبطة بالموت بمعناه الواحد لضيق الدنيا وسعة الغباء. أما الآن فهي أقتل ما يكون لأنها متخفيَّة. وعلى العَالَم أن يُبْلِغَ الفوضى ذروتها الآن بإرادته كي يتمَكَّن المجتمع من خلق بواعث الأنبياء الجدد والمُصْلِحين. أما إن بلغت الفوضى ذروتها بإرادتها الخاصة، فلن تتوقف إلا بإرادتها. على كل فقد قمت أنا بإكمال هذه القصة كما كان يستوجب لها أن تُكمل"،.. "ماذا فعلتَ بها؟"، تضحك صوفيا وتغمزني، "لا بد أنك أقحمتها في قالب بذيء الأفكار والأحداث". "انسي أمرها الآن لأنها ليست معي، ولكن قطعاً سأقرؤها عليك. أخبريني يا صوفيا ماذا فعلتِ مع صاحبة البنسيون؟"،.. "فقط أنتظر أن يُلْقَى بي خارجاً بعد أن تنتهي المهلة التي منحتنيها تلك العجوز". "عجوزكم هذه بلغت من الكِبَر أن تداخلت كُلُّ خطوط التعبير فيها واكتظ بها وجهها حتى أصبح بلا تعبير. أو ربما أصبح بكل التعبير لوجه لا يخصه هذا العالم. ألا تلاحظين أن الحياة عندكم يسيطر عليها العجائز؟ شركات التأمين والغذاء والترحيل والمزارع الكبيرة والمؤسسات التي بحجم بلادي، كلها يسيطر عليها العجائز. إنهم يستخدمون حاضر الشباب ويتركونهم على أعتاب ماضٍ يخصهم. لا عليك يا صوفيا سأتصَرَّف مع هذه العجوز"،.. "كمال.. Oh my God، أنت تقتلني رعباً بحديثك هذا. انسَ تماماً موضوع سكني فإن عجزت عن تدبير أموري فسآتي لأسكن معك". "هكذا.. ياه ياه، إذن من اليوم فسأُصَلِّي من أجل أن تقذف بك العجوز إلى شقتي. لا تخافي يا صوفيا سألتقطك قبل أن تسقطي على الأرض"،.. "Oh yah،.. سيكون ذلك سيئاً. على العجوز أن تُلقي بي بعيداً عنك". "لا بل سيكون رائعاً يشبه إلي درجة التطابق قصة رجلين يدمنان التدخين. كانا يجلسان في غرفة مظلمة. يقوم أحدهما بوضع سيجار في فمه ويطلب من الآخر عود ثقاب كي يشعله. يقذف زميله بعلبة الكبريت في العتمة ويتلَقَّاها الرجل براحتيه المتشوقتين. فتصطدم بهما وتُصَوِّت كالقُبلة في الظلام، بطريقة مُحَبَّبة ويحتاجها الدم. يُشعل الرجل سيجاره بعجلة وتلَهُّف، كي يُلْقِي بعد ذلك بعود الثقاب في بنسيون العجوز ثم.... تقاطعني صوفيا بلؤم، بينما تناولني ولاعة التبغ: ثم يُلْقَى بالرجل في السجن ويُمنع من التدخين،.. "أبداً يا صوفيا الجميلة، أبداً. فليفعلوا به ما يشاؤون إلا السجن. إنها الخرافة الوحيدة التي يصدقها من دنياكم هذه. إنه يطيق أن يفعل أي شيء مهما كان تافهاً، ولكنه سيموت حتماً إن فرضوا عليه أن لا يفعل شيئاً على الإطلاق"،.. "U a Crazy man، أُقسم إنَّكم تأتون إلى بلادنا كي تجنّوا". "هذا غير دقيق. ربما كنت ستبلغين نصف الحقيقة إن قلت إننا نأتي كي نتلقّى كورسات في جنوننا الخاص، لنحترفه. على كل حال نحن نعرف كيف نجن ونحترف الجنون بدونكم. أريد أن أراك غداً يا صوفيا، لأنني سأكون في نيويورك بعد غد"،.. "ماذا تقصد بهذا التشرُّد My big boy؟". "أبداً هو الذي يقصد من حيث لا تحل عقدته ملاجئ الأسمنت"،.. عندما تناصف الدموع عيني صوفيا، تمضي بي المياه إلى مياه: لا تبكي يا صوفيا. المطر في عينيك يُهَجِّرني في قُطعان غمام عَاقَّة وضالَّة"،.. أجابتني بمغالبة لعبراتها: U are right، الحياة أصبحت بلا معنى. "هي أصلاً بلا معنى ونحن من يخلق لها المعنى"،.. "إذن فقد أصبحنا عاجزين عن خلق معنى لها". "بل هي لا ترغب في أن تمنحنا معناها"،.. "أيُّ لعبة استغمائية هذه يا كمال؟"، صاحت صوفيا من ضجرها، وضجر لغة الأفكار. "إنها الاستغمائية المتوفرة يا صوفيا وليست من اختراع رجل. فحين يستوجب علينا أن نخلق معنى للحياة نكتشف أن المعنى تمتلكه هي ولا نخلقه نحن. وحين نبحث في الحياة عن المعنى نكتشف أن معناها فينا لا فيها"،.. "والمعالجة!"، تسألني صوفيا بعيون تتمسخر، ومُترقرقة في بحيرة يدفُّ فيها إوز التعجُّب. أُجيبها أنا بتهكم يدوس على نفسه أول ما يدوس: الحل، أو المعالجة هي أن لا تكتشف هذه اللعبة أبداً. وإذا اكتشفتها أن لا تسأمها. وإذا سئمتها أن لا تبحث عن غيرها. أما إذا تجاوزت كل هذا فإما أن تصير الرجل الأميبي. أو أن يصير كونك الكون الأميبي. وهاأنذا في عمق خرافة السجن التي خفتها تحت تهديد صوفيا بعد تسعة أعوام من التيه. هنا حيث يُفصل ظلَّك عن جسدك وينبت السنجك في مكانه. لم تكن هنالك حاجة للسجن فأنا بدون سجن زنزانة كريهة. كما أنَّ قربان إله الفن يُقَدّم إلى الحياة لا إلى الموت. ولكن ماذا سيهم؟ فليس هنالك شيء اسمه خطة حياة في تصوراتي. ولعلَّ هذا هو الفرق الأساسي بيني وبين الآخرين. أنا دخلت الحياة لأبحث فيها عن الخطط. وهم يأتون إليها وجيوبهم محشوَّة بالخطط، وكل ما يريدونه من الحياة فرصة لتنفيذها. يبدو أن النزاهة في امتحان مثل هذا لا تفيد. كان عليّ أن أحتال كي أدخل إليها وجيوبي مليئة بأوراق الغش. لقد كنت ترمومتراً من الدخان يقيس إلى أعلى فقط. لا أكاد أجد رأسي حتى ينقلب مؤخرة بومة. ما هذا الركود المميت؟ إنّ بحث الرجل النسر -الذي يحبس الفريسة بمخلب ويضرب الريح بجناح، الصلد، الذي عيناه مثبتتان على مدى الأفق- لم يهتدِ بعد إلى الخط المستقيم. الخط الذي يمر موازياً لكل شيء يسعى لجعله يلتف حول نقاطه القديمة. إنّ ما هو عندي الآن ليس تراكم تجربة يمكن الاستفادة منه لتعديل المسار. وإنما كوم ضلال. تتباين هذه النفايات في درجة طَيْفها ولكنها في النهاية تَلَّة ضلال. ولكن فلنفترض أنها تراكم حقائق عن تجربة بعينها. ماذا سيكون إذن؟ وأية مسؤولية ستُلقى على عاتقي؟ إنّ هذا الشيء الذي يسكنني كمهمة أصعب من مهمة ابن زياد التاريخية. فهو كان يريد أن يغزو الأندلس، التي لم يكن بإمكانها أن تتنَكَّر في الخُرَط، ولم تكن لها طاقية إخفاء تواريها من أمام الفاتح طارق. لقد نجح لأنَّ الفشل كان يرتبط بالموت لا بالحياة، ولم يضع زمنه لأن مهمته كانت تُكَلِّف بعض الأيام المريرة فحسب، ولا تستنزف العمر بأكمله. ابن زياد كان على الخط المستقيم ولم يكن عليه أن يجده. إنّ كل تلك الفتوح التي تبَجَّح بها التاريخ ملء صفحاته المُمِلَّة. كانت دنياها تحتاج أربع عشرة ليلة فقط كي يتضح فيها القمر بأكمله. أما هذا العصر فضياؤه لم يعد يأتي من حيث لا تقصد حركة الكون، وظلامه يأتي من حيث يُرَاد تنويره. وعليك أن تسير في عتمته بين الأشياء المُدَبَّبة والصلبة. وأن لا تخشى ارتطام ساقك العارية بها. ابن زياد الآن لن يزيد على كونه طَبَّاخاً بلا تميُّز، يُعِدُّ وجبةً في مطبخ مكتمل التدابير. ولمّا كانت الأندلس تنتظر ابن زياد.. فقد صدق له أن المشي يحذف من الطريق ويضيف إلى الأمل. ولهذا فهم عصره أن الذي يمشي فقد بدأ وصوله فعلياً، أما في عصرنا هذا، فالذي مهما اقترب لم يتخَلَّص من بُعْدِه نهائياً. احتمال أن هذا الحديث هذيان، وإن كنتُ لا أظنه بالجنون. عدة سنوات في هذا السجن كافية ليهذي الرجل، وليعيش بين سراب عقله ومائه، ولكنها لن تبلغ به ذُرا الجنون الباردة أبداً. ما زلت أذكر جامعة الخرطوم، ولكن كصوت لمنادٍ بعيد، لا تستطيع أن تُمَيِّز صاحبه ولا نوع العاطفة التي يحملها. يوم بكت صوفيا في حضني تذكرت دموع صديقي عاطف وهو يتشبَّث بي كي لا أدع الجامعة. كان يُصرُّ على أنها كلية الهندسة المدهش الاجتماعي الذي لا يُقَاوم، والنعيم الذي لا بد لآدم أن يكون أعرجَ في عقله كي يطرد نفسه منه. أُتمتم في وجهه وأنا لا أشعر بأي شيء مما كان يدور حولي،.. "إنني مشدود إلى ما هو أمامي من مجهول، بحبلٍ من الغيب والحنين الرمادي"،.. ومنذ ذلك اليوم الذي تركت فيه الجامعة مضت الدنيا في حالها وأنا مضيت في حالي. لا تُنكر عليّ شيئاً ولا أُنكر عليها شيئاً. كنت كقطعة صغيرة من الحديد لا تملك إلا أن تستجيب لإغراء المغنطيس الضخم الذي يشدَّها ويهرب أمامها. أُسرتي نذرت المال والدموع ومن بعد أعَدّت حبالها كي أُقيّد وأُعالج. أبي كل الذي يفهمه عني أنه ليس بمقدوري أن أتصالح مع مكان واحد لمدة طويلة. أما ذلك الحبل الذي يشدني نحو المجهول الذي يمتد لي منه فلم يكن يراه. وأنا كنت كمتزلج انزلق من قمة جبل جليدي شديد الانحدار.. فليس في مقدوره أن يفعل شيئاً. وكل ما عليه هو أن يحفظ توازنه فوق الزحافتين ويملأ داخله بصيحات الحماسة حتى تطفر خارجه، كي لا يسمع صوت خوفه. هَيَّا هَيَّا.. والزحافتان يزيد جنونهما وهما تبصقان الثلج في وجه المدى والمنحدرات. هَيَّا هَيَّا.. والخوف يبدأ ينز من صدى صيحاته. كنت أُريد أن أسقط بهذا السفر الذي أعنيه في السفر الذي يعني نفسه بداخلي. الزحافتان يزيد جنونهما والمتزلج يطمئن نفسه قائلاً: "لا بد أن يحفك الموت لتعرف أنك حي". أنت تقول للمجهول أيها الكلب سأتقدّم ولن أهابك، ويتظاهر هو بأن عضته ستكون من الخلف. فيصبح المجهول الذي أمامك فخاً والذي وراءك قَنّاصاً. لقد وقفت طويلاً أمام ذلك القرص الورقي الذي يحمل جميع الألوان. وحين يُدار ذلك القرص بسرعة حول محوره تتلاشى ألوانه جميعها في الأبيض. قلت لنفسي لا بُدَّ لي من حركة ما ترسو بي على طبيعة واحدة. وكلما اخترعت حركة ما أكتشف أنني لست قرص الورق. لم أستطع أن أخدع طبائع آدميتي كما خَدَع نيوتن طبائع الأشياء. لم أجد ذلك الأبيض الذي أرسو عليه. فعقدت العزم على العدو والتحَرُّك من الآن وبلا تردد. فربما أجد تلك الحالة التي أخدع بها طبيعتي. "لن تهرب بك ساقاك بعيداً عن عقلك مهما ركضت"، يحاول عاطف تشتيت عزمي. "أنا لا أهرب. كل ما في الأمر أنَّ العقل ملقى في الخلاء. فلا بُدّ أنه سيعوي ويلحق بالذئاب"،.. يرجوني عاطف: إذن اجرِ قدر رجليك. "بل سأجري قدر ما أحلم بالوصول إليه"،.. كان يتملكه إحساس أنه يرثيني: ستنفق يا كمال ليستقبلك قبرٌ عادي. سيبلغه حتى الذين لا يعرفون المشي. لم أكن أدري ساعتها كيف ينفق الرجل وسط المدنية. ولكنني رجّحت حدوث ذلك إذا توسّط الرجل المدنية وهو يحمل ضياع الصحراء والأدغال في كيانه. بأي حال يا عاطف، أُجيبه: الذي لا يرغب في الجري وحده من سينفق. والقبور العادية للذين يركضون قدر أرجلهم. أما الذين لا يعرفون المشي فهم أصلاً يشغلون قبراً. "مهما عدوت فستصير موطئ حذاء"، يناكفني هو. "حينها سألتهم القبر وموته"، أُراهنه أنا. "إنه الجحيم يا كمال"،.. "الجحيم حيث تنتظر"،.. تركتُه وهو يحاول أن يخترع طريقة يقفل بها فمه. وتوَجَّهت تلقاء بور تسودان بعد أن فشلت في الحصول على تأشيرة إلى أي واحدة من دول أوربا. وصلت مدينة الصدأ والرطوبة منهكاً ومستنفداً. ولكنني أصررت على أن أقضي بعض الوقت بجوار البحر. في الطريق إلى الساحل صادفتني فتاة بجاوية تركب حماراً، وبينما هي تسير بمحاذاتي أبصر الحمار الذي تركبه أنثاه. فأخذ ينهق بتشهٍّ وعنفوان، ليُعْقِب ذلك بإطلاق جشاءه التحتاني كأفظع ما يكون. واندفنت ملامح الفتاة في وحل بِرْكة من الخجل والوجوم. ما أقوى حقيقية هذا المشهد. الحمار يُخْلص في رغبته لدرجة تعتصر عواطفه حتى تصبحَ ريحاً تخرج من الدبر، والفتاة شعورها يعمل لدرجة أن يحيلها الحرج من الآخر إلى تمثال. زلزلتني صيحة من الداخل... إنها الحقيقة،.. وا ضَلالاه.. لن أترك الحياة إن لم تنبعث مني بهذا الوضوح والصدق والسطوة. جلست قريباً من ذلك البحر الذي تَعَلَّقت في سمائه غمائم باهتة. قلت في نفسي: "هذا البحر يرقد على أنفاس أن أمشي. سأمشي، سأجتازه. هذا البحر الوقح لن يكون مقبرة توقي للعبور. وهذه الغمائم البالية لن تحجب عني ما أحلم به من فضاء. لن أقبل أن أرى حدود دنياي. سيعجزك أيها البحر أن تغلقني. إن لي إرادة تتفَجَّر من الأعماق كالتي جعلتك تنشق في هذا المكان بالذات. إنني يا بحر أو أيّاً كنت، أدير نفسي من الشاطئ الآخر. نعم أنت تراني على شاطئك هذا. ولكنه انعكاس لي أنا الذي أقف على شاطئك الآخر. إنه رجل يعتقد بعظمة أنحائه البعيدة. فلا بُدّ أن يكون انعكاسه مهولاً، يسد ما بين شاطئين يرقدان على جنبتي بحر عظيم مثلك. يمكنك أن تغلق الأرض كي لا تهرب من دارة الأرض، أما الإنسان فحكمته تختلف. إنني رجل تحَوَّل إلى طاقة من جنس الروح ليقطعه بأسرع ما يكون، فهو ههنا فانٍ لا محالة وعليه أن يجتاز عدمه". غفوت على ذلك الشاطئ رأساً برأس مع البحر، وجنباً بجنب مع الصدف وقحف الملح وفضلات الأعماق والطحالب. استيقظت وأنا معافى من كل ما يربطني بهذه الأرض. إذ إنّني أتخَلّص من الحب والحنين أو أي عاطفة أخرى تربطني بالعالم، كما أتخلَّص من التعب والإعياء. بضع ساعات من النوم وينتهي الأمـر. كُلُّ شيء وكل أحد في هذا الوجود يمكن تكفينه بهدوء والترَحُّم عليه، ولن يرفع رأسه بعدها أبداً. بضع ساعات من نوم الرجل الأميبي تفني في الدم غَيْرته على الماضي. لا عجب، فالعواطف عنده ضرب من وهن الإنسان. لقد ضَخَّمني ذلك التحدي للبحر في أعماقي. فهي تبدأ هكذا بشعور أنّك شيء، إلى أن يُصيبك جنون أنّك كل شيء. لا بحر ولا نار ولا تخوم تسد الطريق أمام ما تنويه. ما يُحَيّرني أنني لا أجد في نفسي الأسئلة الميتافيزيقية بقدر ما أجد سؤال الحياة. ورجال الكهنوت هؤلاء الذين يذكرونهم، لا أدري مهمتهم ولو على وجه التقريب. فأنا لست مؤمناً بالميتافيزيقية لأنني لم أنتبه، ولست ملحداً بها لأنني لا أدري كيف أخلق لي موقفاً ثابتاً تجاه قضية معيّنة. على كلٍّ فقد مكثت في بورتسودان أرقب البواخر والسفن وأفهم حركتها. حتى وجدت الفرصة لأتسَلّل إلى إحدى البواخر المتجهة إلى بلاد الأبيض المتوسط الأوربية. عندما اكتشفوا أمري لم يكن هنالك من سبيل للتخلص مني إلا بإلقائي في البحر.. ولم يفعلوا. فَتّشوا أشيائي فعثروا على أوراقي الثبوتية. حينها صَفَّق القبطان وقهقه بانتصار كأنَّه حَلَّ لغز برمودا. مسح على ذقنه الخشنة بمكر، وليسخر: إذن فأنت لك تفسير، ولست الإنسان اللغز كما تَوَهَّمنا؟ "أتعني أن هذه الأوراق تُفَسِّرني؟"،.. "على الأقل تجعلني أُصَدِّق أشياءَ عنك"،.. "هكذا إذاً؟"،.. "بالنسبة لي هي مسألة أن أُكَذِّبك أو أُصَدِّقك لا غير. أما شرطة الموانئ فلن يشهد لك عندها الثالوث ذاته بدون أوراق"،.. استغلّيت انتشاءه بذلك الانتصار فاختطفت الأوراق من يديه وقذفت بها في البحر. لأحتج في وجهه وأنفاسي حامية ولها دخان كمراكب ابن زياد ساعة حرقها: لست بضاعة لأحمل هذا المنفستو. يصيح الرجل بتوتر محموم: أيها الأحمق. لِمَ فعلت ذلك؟ "هكذا،.. ليس لأي دعوى أو سبب"،.. يبدو أن ريبته تجاوزت إجابتي وأخذت تتشكك في الحياة نفسها التي تمنح فرصة عيش لأمثالي. يزداد لؤمي: حُدوث الفعل في حد ذاته مبررٌ لحُدوثه. "جَيّد، ربما هو تفلسف عظيم لك، ولكن ما الذي ستفعله مع شرطة الموانئ؟ إنها لن تعشيك سمكاً على هذه البطولة"،.. أُجيبه بلكنة بحارة متحدية ولا يعنيها وعيد العاصفة: سور المزرعة الذي تتسحَّب من تحته الذئاب لعلوِّه، تقفزه حينما تطاردها الكلاب. الغريب في الأمر أنه ضحك بعمق وأمرني أن أتبعه إلى صالة على قمة الباخرة. يبدو أنه استلطفني أو استغربني، أو ربما قَرَّر أن يجعلني موضوع تسليته لتلك الليلة. فقد دعاني للعشاء والشراب معه. وفي وسط صفاء الخمر سألني بمودّة ناعسة: ما الذي تريده بالضبط؟ "لا أعرف، ربما أُريد أن أفهم"،.. يقول لي هو بثقة عابثة: تزوّج.. حينها ستفهم كل شيء. ضحكت أنا بطريقة فيها نكهة مسرات قديمة. ولكن لا يبدو أن ضحكة القبطان كانت تستنزف مخزون ذكرياته المرحة. فقد أضاف بكل جدية بعد أن مسح قطرات الخمر من فوق شاربه الكث. ثم تأمَّل حركة الموج التي تضرب هنا وهناك بعشوائية مرحة وبلا انتظار،.. "صديقي القبطان دانفودي من ساحل العاج. كانت تؤرقه مسألة الحياة وما الحياة هذه، لنقل إنّه مثلك، وأراد اختبار "يفهم" الغامضة هذه. ولكنّه كبحّار منضبط ومواظب تحرّك في الوقت المناسب وتزوّج. فبدت له الحياة مفهومة تماماً. لا مبالاة من قبل الزوجة وتهرب من جانبه هو. وهكذا.. شتيمة منها وسوء أدب منه. بصقة من هذا وركلة من ذاك.. ثم تمضي الأمور"،.. سألته وأنا يرجني الضحك: ولكن تمضي إلى أين؟ "لا يهم، فقبل أن يتزوَّج كانت ستمضي إلى أين؟"،.. تعالت قهقهاتنا وسط البحر ولَفَّنا ضباب الملح. بدا لي أن ذلك القبطان طريف وأكثر في الشراب. ولكن من يدري فربما هذا كل ما تحتاجه الحياة من مؤهلات. لقد فهمت من حديثه أن صديقه بلغ بالسخف آخره، وربما قصد القبطان أن صديقه أسلم أمره لذلك الصاري وبات ينتظر. ولكن تلك قلوب القباطنة التي ترقب صارياً خارجها، ويُصيبها بالصمم أضعف زعيق للريح. أما قلبي أنا ففيه الصاري وعبث الريح. والبحر إن لم يجلس أمامي لجلست أنا أمامه. لا لشيء، إلا لأنني أريد أن أتفَحّص الأشياء من ناحية وجهها المخفي والموارب. لقد ادَّعى ذلك القبطان أمام شرطة الموانئ بأنني من الشغّيلة الصغار على ظهر الباخرة. سَبَّبتُ له الكثير من المتاعب ولكنه ألقى بي مع تجارته في أوربا. فهبطت أرض أوربا بنظرية أننا –كلنا- قطرٌ واحد في دائرة واحدة، حُرِّكت بسرعة حول محورها، ما يجعل القطر الواحد يشغل فراغ الدائرة كلها بظلاله. فالحركة وحدها التي تجعل لنا ظلالاً كثيرة في ذلك الفراغ. ونحن لا نمتاز بالكثرة والتنوُّع كما نظن. قلت متآمراً على نفسي: "ستكفر بك إما لأنك منزعج غاية الانزعاج، أو لأنّك لا تعرف الانزعاج مطلقاً. إنها أوروبا في هذه الساعة، والطُعم قد أصبح على رأس الصنارة. لقد أصبح الصيد حتمياً الآن. والذي يقتحم شروره سيكون في وضع أفضل للقتال من الذي تُفاجئه شروره". تعَلّمت كل ما يجب أن يتعلمه الباحث عن الحياة في جثثها. فهمت أن السرقة ليست مدرسة كما يتوَهَّم سانتينو، بل طوراً نندهش به كطور البلوغ تماماً. تشردت في أوربا حتى لم أجد مكاناً أضع فيه قدمي لأول مرة. عايشت أوربا وهي تقول: "التآكل استعادة بناء الخام. والتفَتُّت تجميع بشكل آخر". في ذات العصر الذي كنا نفتي فيه بأن تلك حَذْلَقة علماء ستفضي بنا إلى أن نبول على كل شيء. يا لغبائي في تلك الأيام، لقد بصقت على وجه أحد العجائز لأنه قال لي: "العلم لا يشرح لنا سوى اللحظات القليلة التي نتخَلَّص فيها من غبائنا الذي حالاً ما يعود. فلسنا أذكياء على كل حال". ولكنني أفدتُ أن الإنسان لعبة أكبر منه، فإذا ما تَحَاذَق وحاول أن يكون بحجمها، يكتشف أنه تراكمات لأوهام كثيرة وقصيرة القامة، فُخِّخَت لتصيد أوهاماً أكبر وأطول منها. لقد أعجبني ذلك العجوز الإيطالي الذي صادفني أمام كنيسة داكنة البنيان، وأجراسها تدوّي وتضج كالقطارات ببطن ريف قاحل. أظنه قد لمح زيغ التشرد في عيوني، فقد استدرجني إلى حوار طويل قَرَّبنا من بعض، سألني أثناءه: ما هي غايتك؟ "غايتي!؟"،.. حككت جلدي قليلاً، لا إجابات "تيك أوى take away" معي، بأي حال يا سيدي، أُريد أن أضع فمي على ينابيع الحياة مباشرة. لا أظن أنه يمكن نعتي بالطمع إن رَفَضْتُ الحَلَمات المُقَتِّرة لمص الحياة. ضحك العجوز بخبث وقور: الشيطان يا ولدي لا يعرض على الإنسان الطمع. بل المشاريع فقط، لأنه يعلم جيداً أن الإنسان أطمع منه. "أنا لم أخرج من داري قاصداً السوق، لكي أساوم الغرباء بعد ذلك"،.. "وماذا عن الثالوث المقدّس؟"،.. "هؤلاء غرباء أيضاً، كما أنني قادم من أصقاع موحّدين. ولكنني بشكل شخصي أقول إن ثالوثكم هذا فاشل وكفر منكم لا أكثر. لأنّ التشاركية لخلق مُطْلَق تلغي فكرة الإطلاق نفسها". "وجودي أنت؟"،.. "لا أبداً. لست وجودياً ولا بوهيمياً كما تظن. أنا فقط شخص فاشل في كل شيء"،.. "اسمع يا ولدي كل شيء يؤكِّد معناه في الحياة لينفيه بصورة أعمق. الذي يحفر دون توقف ليميز مكان حفره عن باقي الأرض يُلغي مجهوده بجعل الأرض كلها حفرة. الغناء يبدأ مُشَبَّعاً بالطرب فيخفت ويخفت حتى يصير حنيناً ثم حزيناً وينتهي بالدموع. إن الحياة كلها تنبني على مسيرة بين طرفين في كل شيء. حينما تنفصل تماماً عن أحد الأطراف تتصل به كأمتن ما يكون. فتعال إليّ يا ولدي"،.. سألته بمناسبة كلامه فقط، فلا طمع لي في إجابة منه مطلقاً: ولماذا أجيئك؟ "لأُعَمِّدك.. إن طريقك معنا"،.. "لقد عمّدني الزمن له وانتهى الأمر.. صار طريقي مع الأيام"،.. "إن كنت تفهم خطيئتك يا ولدي، فحسبك هذا من أنك قديس عظيم"،.. "لا أشعر يا سيدي بأنه يوجد أحدٌ خارجي يخنقني بقدر ما أخنق أنا نفسي"،.. لقد أجابني العجوز على عبارتي هذه بإجابة لن تفارق ذاكرتي أبد الدهر. فقد قال لي بصورة حانية ومتوَعِّدة: جهنم ليست حل الله الوحيد. لاكَ دماغي هذه العبارة طويلاً، يا سيدي أنا فاشل، هنالك خَدَر ما لا أعرفه، أصاب منطقة مني فعزلها بالكامل. أريد تنشيط تلك المنطقة بأي ثمن، أُريدُ امتلاك طاقتي في تلك الجهة المعزولة، حقيقتي. "الأديان يا ولدي تهدف لما هو فوق الحقيقة. إنها تريد مشيئة الحقيقة، أي التحَكُّم فيها. فالحقيقة بدون مشيئتها لا تجعل مِنّا حَقِّين"،.. تأملت وجهه بفتور كان يعينني عليه تهور الصبا: الكل يا سيدي يُخفي البارود تحت قُبّعته ويُميلها ناحية جبهة الصلاة. تسكعت في أوربا حتى شعرت وكأنني قائد دَكَّته معركة فاصلة، وانهزم من حوله جنوده كلهم. ولما أخذ يصيح ليشيع فيهم روح الحماسة لم يجد إلا حصانه من تحته. فبلغتُ أمريكا وهي حانة أقاموها على ذيل مُذَنَّب يشق أبراج السماء. كنت أتساءل: ما الذي ليس بوسعك أن تفعله هنا؟ إنهم يفعلون أي شيء يريدونه وبكل برود جريء. ويقولون كل ما يودون قوله بكل عفوية فَجَّة. لقد أدهشني صدقهم. كنت أستمع إلى محطة إذاعية تُجري حواراً مع روائي من أمريكا الأخرى، اللاتينية. سألوه باللؤم كله: كيف صنعت عبقريتك؟ أجاب ببساطة تُعَبِّر عن الصدق مباشرة: عبقريتي!؟ أوه، كان لا بد أن أكون عبقرياً. وما العبقرية سوى أنها واجب؟ لقد وُلِدتُ في طبقة يُفقرها الرب ويتعنصر ضدها البشر. وطني يقص لي الأقاصيص ريثما أموت. وقبحي الشخصي على استعداد لأن يربك عِدّة أشخاص. ربما شَدَّني حديث هذا اللاتيني لأنه صلة الرحم بين أمريكا اللاتينية وإفريقيا المتوحشة. وكلمتا اللاتينية والمتوحشة في هذا التناظر كلتاهما تعنيان الوصول إلى مرحلة لبس السراويل من تطور الإنسان. وأيضاً سحرني بحثهم عن العمق. فقد تناولت أحد كتب الفيزياء النظرية فوجدت أن صاحبه كتب عليه تأليف... وأعقب ذلك بنقاط وليس باسمه. ووضع أسفل تلك النقاط بصمته ليُعَلِّق موضحاً: "إنها الشيء الوحيد الذي يُعَبِّر عن الذات موضوعياً". وأيضاً أدرت مفتاح التلفاز في أحد الأندية ذات مرة، لأجد إحدى وكالاتهم التلفزيونية تستضيف شاعراً هي أكثر من بادله العداوة في العالم. فقط لأنه قذر الهيئة والأسلوب ولا يهتم بمظهره كما تَدّعي الوكالة. وجّهوا إليه الكثير من الأسئلة السمجة التي تتعَقّب الإنسان حتى ملابسه الداخلية. لينتقم منهم هو بسلاطة لسانه: إنّ كل ما آسف عليه أنني لم أحضر معي منشفتي وحوض الغسيل الخاص بي، كي أستحم في أستوديهاتكم النظيفة هذه. فإنها لن تخدم الإنسان بأكثر من ذلك. كما أنني سأكون قد حَقَّقت رغبتكم التاريخية في أن أكون نظيفاً. لم أكن أتخيل أنه سيكمل حديثه، بل توقعت أن يُوقفوا البث فوراً. ولكن لا شيء من ذلك حدث في ذلك العالم الحر. فالمذيعة ما زالت تُلاحقه بالصابون وهو يؤكِّد على أنها ليست أنظف من جدودها فلا يبدو مهماً أن تُعاصر تطور صناعة الصابون. قلت لنفسي: "إنها الوقاحة التي تفرض الخصوصية ومن ثم الابتكار". إنها بلاد الرجل الذي لا يحيا بين الآن والتالي، وإنما بين التالي والتالي. ونحن ما نزال نعتقد بأن الحلم قرارة النوم. والصحيح أن العين لا تنام إلا إذا خلت من الحلم. يكفينا في هذه الحياة أن نستيقظ لنشرب الشاي، ثم ننهض من على الأرض وننفض ثيابنا، فلن تسقط الجاذبية الأرضية من طَيّاتها بأي حال. هذه الجاذبية الضد التحليق، لا بد أنهم سيخضعونها ذات يوم ويجعلونها وقوداً للتحليق. وليكتفِ عباقرتنا بابتكار مقولة أن التخَلُّف لا يُسقط المدنية لأنه مرحلة ما قبل المدنية.. وأنت لن تتعثر إلا فيما هو أمامك. ومدنية الغرب سيهلكها كبرياؤها الذي هو أمامها. ربما هذا صحيح،.. ولكن الرجل الأميبي والكون الأميبي احتفلا ببعضهما. تضاد الكيان الواحد، وسواحل تتسكّع في منتصف البحر. والإرادة الإنسانية كما تشتهي نفسها، لا كما تشتهيها الكتب السماوية والمحاذير. الجنون هنا يتقافز في الهواء كما تتقافز اللعب النارية. الناس يصدمون بسياراتهم الجسور. ويُلقون بعود الثقاب في مخزن الغَلَّة الوحيد الذي يملكونه. ويتناسون إغلاق أنبوبة الغاز في المطبخ كي تحرق المنزل. كل ذلك يتم عن عمد والذي فوقه أنهم يكسبون. فكسب المال أصبح ليس بالعمل، ليس بالبناء، وإنما بإحلال اللعنة. لا تعجب. فالسبب هو شركات التأمين. حتى الموت أصبح لعبة برجوازية وGame Boy طفولي بوسعهم أن يُدخلوا عليه شيطان الربح والعبث. الموت الأشهر شيء في الدنيا، والذي عَنَى لزمن طويل احتمال خسارة فقط، هاهو بلا مقاومة يقبل احتمال الربح. وربما يمضي الزمن ليجعله يقبل احتمالات أكثر من ذلك. إنها سياسات البرجوازيين التي إن حكمت عليك بالإعدام فلن تسلَّ روحك إلا بدولار. فلا عجب أن يمر أحد بائعي استمارات التأمين بفلاحة اختلطت بمعولها منذ أمد بعيد فلا تعرف أيهما يصفع الأرض، ليسخر من تلك الفلاحة. أو في الحقيقة ليكون عملياً حينما يسألها: أليس زوجك يملك ورقة مثل هذه؟ "بلى نملك واحدة"،.. "إذن لماذا الشقاء؟ ألا ترين أن رقعة الأرض أوسع من سِنَّة فأسك بكثير؟ أوه يا إلهي! لدرجة أنها لا تساوي شيئاً إذا قُورنت بها"،.. تلاحظ المسكينة لتوِّها: "هذا صحيح". "إذن لماذا لا تربحين قوتك هذا العام بضربة فأس واحدة"،.. لم تتعَجَّب المرأة البسيطة لظنها أن المتعلمين يملكون طرقاً سحرية لحل مشاكلهم. بل توسَّلته ببراءة: كيف ذلك؟ "ليس صعباً يا عزيزتي. فقط اهوي بهذه الفأس على رأس زوجك"،.. وقد قصد ذلك الرجل بالفعل أن يعوضها تعويضاً ضخماً كي يخلق دعاية أضخم لشركته وسحره عند أولئك البسطاء. فالعصر عصر لا تستسلم، فلن تعد لك الأرض كفناً من الرضا، ولن تُسبّحك العزلة بالسكون المبثوث. قاوم، واحرق، ووَزِّع معاناتك الشخصية على الآخرين بقدر ما تستطيع. وانبت كشجر للرماد في ذات الصخر الذي تهَشَّمت عليه. إنها حرب الشيطان فيها مع الجميع والله فيها ضد الجميع. اجتهدت لأقول: إن الإنسان لا يُمَثِّل في الواقع ولكن عيشه المفروض عليه هو الذي يتم كدور في مسرحية. لقد توثّقت من أنَّ الإنسان يعيش في سلام حينما يكون عمقه انعكاساً لسطحه. أما إن كان سطحه انعكاساً لعمقه فذلك يعني أنه فتح نفسه محلاً حربياً في شارع للمعارك. وعليه أن يُتقن حفر الخنادق وإلقاء قنابل اليد. فليس ثمة رسائل معجبين من قِبَل الآخرين. وليس إلا الأسئلة التي تُلقي بنفسها كهاوية ذَرّية تنحدر حتى الانفجار من قِبَل الذات. كل ذلك والرجل الأميبي يخون حتى معناه، ويستهتر حتى بالموت حين يرسل إلى القبر بدل نعشه صندوقاً حُزِمت فيه ضَحْكَة ممتلئة البطن ولها دبر خنزير. وما تزال الريح تعدو خلفه كرغبة أنثى نزقة وعيناها تشدان كذراعي بحار، تُمسكان بحبل الصاري جيداً حين ترتمي عتمة الريح وصبيب الموج في صدره، وليس أمامه سوى موت الخوف والبرد. لقد فقدتُ دفئاً حقيقياً، من نوع الدفء الذي ينبعث والوعاء ما يزال على علاقة بمصدر التدفئة. لا يشبه على الإطلاق دفء ما وضعناه في حافظة. فأنت قطعاً إذا شربته ستميّز طعم التصبير الذي ألمّ به. آه.. أو طعم الدفء المفتعل والمطبوخ. لذلك ارتميت إلى داخلي كي أناقشني بمنطق إلهام روحي رياضي مُتَعَمِّق. أفتاني بأنَّ التفكير المُجَرَّد بلادة التفكير الخلاق. وأنّ الجنون برود العقل لا التهابه. وأنّ الحضارات تُكمل بعضها بعضاً من أجل معناها، وتهدم بعضها بعضاً من أجل قيمتها. وأنّ كل شيء يتضح ليكون أكثر إبهاماً. وأنّ لا شيء ولا أحد له رأي أو حالة واحدة. وأنا شخصياً لست متحققاً إن كنت من ذوات النفس الواحدة أم لا. لقد صرتُ مستوطنة لحالة غريبة من الشك. فلا شيء يبقى عندي ليوم واحد كموضوعة إيمان مقبولة أبداً. كتبت: هنا وحدك.. في بحر العزلة تخوضان بلا تأنيب، أنت والتيّار وتتعَثّران على الموج، أنت والريح الشك قرحة دماغك المريض ولا حانة تُبلغك آخر الليل بلا وهم هنا في قلبك الشك جشاء النار ليت لك بصيرة من حَتْم غاية ما هو شوفك الشكوك تجد نفسك دلواً فارغاً كالذين انتشلوا أنفسهم من المرايا فالتطابق كان... خارج أوجه الشبه وداخل كل ما هو محدود إن بطن الأرض لا تضجر منا غداً يحتفل شكنا والدود فليس لنا مهمة أكثر من ثلاجة للشكوك
تفلسفت كثيراً لصوفيا، قبل أن أقرأ عليها قصتي التي قمت فيها بتطوير قصة تلك القاطرة، وجعلها قصة بالغة. حكيت لها أن الفيلسوف يمشي مزدحماً بكيان المدينة الفاضلة، أما الشاعر فتلوح المدينة الفاضلة مزدحمة به. أفتيتها بأن الشعر في المسرح والرواية تهيؤ له فقط. وأن الرواية منطقها الوحيد أنها رواية، ويجب أن نخرج بها من لونية الروايات التي تحدثنا عن آل فلان وبني علان. فالشخص قد أصبح بمفرده آل. كما أن سينما المؤلف هَمُّها خلق دنيا كل إنسان فيها عاصمة لبلاد الإنسان. والمسرح ليس بوفيه ليستوجب علينا أن نخلق له الزبائن. والممثل ليس طبنجة لتفريغ النص في رأس الجماهير. بل هو خلوة شخصية الدور لحظة سرها. والمطلوب منه القبض على ضلالات الشخوص كما تقبض الشخوص على ضلالاتها حينما تختلي بنفسها، فلا بُدّ له من التنقيب في أرضية النص والتنجيم في سمائه، ليكتشف مع الجماهير وينسحر معها. طمعت في أن أقول الكثير من نوع هذه المقولات التي تملؤني بحيوية العجائز، وتمنحني إيماناً كالنزوة، ليس مرهوناً بشيء مُحَدّد أؤمن به. ولكن صوفيا تضجرت، فقد كانت ترغب في معرفة ما فعلته بتلك القصة المسكينة. تناولت أوراق القصة الممزقة بعد أن طلبت مني صوفيا ذلك، ليس شفاهةً، ولكن بكثرة تململها وفشلها في العثور على مكان تجلس فيه على كرسيها. تأمَّلت بعض الوجوه الفخمة للجالسين في النادي الليلي ثم قرأت،.. تجمهر أهالي بلدة كمون Come on ذات صباح حول ملصق على آلة عجيبة. اخترعها رجل مهووس واختفى بدون مبررات. الناس يتصايحون ويُلقون الأسئلة على بعضهم عن كيفية عمل الآلة وعن التوقعات المحتملة في حالة امتطائها. كان الكل يمتلك كراسة من الأسئلة وليس ثمة إجابة واحدة بحوزة أحد. المفتش ترَبّع على مكتبه يلقي أسئلته على الفورمان الذي كان يقف أمام مكتب المفتش حانياً رأسه في إطراقة غليظة ومستنداً بساعديه على طاولة المكتب. وقد انتقل توتره إلى ركبتيه فثناهما باتجاه المكتب لتستندا عليه أيضاً. لم يكن يبدو أنه يمتلك إجابة، ما شَجَّع جاكوب الساخر لينادي في رفاقه،.. "المفتش ينتظر إجابة من الفورمان يا للأبله. انظروا إلى الفورمان الذي عليه أن يجيب. إن وقفته بتلك الانحناءة من أعلى والانثناءة عند المنتصف طبق شكل علامة السؤال. لقد صاغه لغز هذه القاطرة سؤالاً من ابن آدم". امتطى الضحك أفواه الجميع. فقد كان جاكوب من النوع الذي إذا لقيه أحد الناس من أمثال غاليلو وذكر له بأن الأرض بيضاوية الشكل. فسيرد عليه جاكوب بأنه لا بد نظر بالتلسكوب أسفل دجاجته. لم يتوقفوا عن الضحك إلا عندما بدأ الفورمان يتمتم: إنه الرجل المخترع الذي يدعونه... آه ماذا؟ لا أتذكر. الرجل الذي يتعاون مع المصلحة في تحديث القاطرات. هو الذي أتى بهذه البهيمة وذكر بأنه سيأتي لتجربتها بنفسه. صمت الفورمان قليلاً ليهرش رأسه، يلمح الملصق: أوه، هو الذي ثَبَّت عليها ذلك الملصق يا سيدي. احتاج المفتش لأن يثبت نظارته كي يقرأ الملصق من مكانه، يدمدم، أي ملصق، نعم نعم، "انتبه! فإن سرعة هذه القاطرة فلكية وليس لها كابح". همهم المفتش كأنه فهم كل شيء من ذلك الكلام المُفَكَّك، وقال وهو يدفع بطنه المقوسة أمامه كأنه سيزيح بها حُشرية الناس عن طريقه: لا بأس، مادام هي إحدى ابتكارات عالمنا الجليل. فلينصرف الناس بحقيقة أن العالم رجل مجتهد ومثابر. كما أنه لا يمانع في المبالغات والادعاءات الغامضة ما كانت الظروف مواتية. وسواء أتى بهذه البدعة أم لم يأت فقد كنا ننوي تكريمه. انصرف الناس وهم يروون آلاف القصص عن معجزات ذلك العالم العبقري. والذي هم في الحقيقة لم يسمعوا اسمه حتى في هذا اليوم. لقد كان نهراً جَدَّد حياة أهل "كمون" وكُلٌّ اغتسل على طريقته. أحد الشبان كان قد وصل لتوِّه يحمل جراب آلة موسيقية في يده. إنه سيلفستر الشاعر والمغني المغمور تحت درجة الصفر. وإنها نفس مشيته التي تحلم بأن تسبح في أضواء كاميرات التصوير وأن تتعَثّر في تصفيق الجمهور. صاح في ريتا المغنية المشهورة مثله،.. "إنّ أهل "كمون" يتطلعون خارج محفظات نقودهم، ماذا يجري؟"،.. تبادله ريتا السؤال: أين كنت أيها الكائن العقيم؟ هَلُمَّ سأحكي لك في المنزل. أينعت الحكاية في سيلفستر بمغامرة فاكهة ما، فانسجمت تلك النظرة التي غَطّت عينيه مع غرفته التي هي أشبه بالاستديو. أخرج جيتاره بزهوٍ أربك أنامله وتحَدّث إليه بهمس يُرجى منه نقل الانفعال قبل الكلام. يخاطب جيتاره: منذ أمد بعيد يا جيتاري وأنت تعاني من لوثة أن لا تكتشف ما هو أمامك من بصيرة الغناء. دعه إذن واكتشف ما أمام ذلك الوحش الآلي فالرجل هنا امتداد لموتور سيارته. لحقت به ريتا وشهدت تلك المغازلة للجيتار. ثم سهر شبحاهما في تلك الغرفة مخنوقة الإضاءة حتى الصباح. ليُعِدّا معجزة تستفز "كمون" العاطلة عن إدراك الرحيل الذي يحفها. في الصباح التالي كان سيلفستر ومعه ريتا يغنيان هذا المقطع بقرب الآلة العجيبة،.. المحطّات عكازة أعمى ولن تفيد إلا المشي الضرير فلنمت إلى الأمام إذن فلنسِرْ فلا شيء يعني ذاته دون أن يكون
تجمهرت كل المدينة بقرب الآلة كي تستمع ولم تفلح محاولات الفورمان والمفتش وحتى الشرطة في تفريق الجموع. فقد استسلموا أو رحلوا في ترديد ذلك المقطع الذي كان يؤديه الثنائي الشهير منذ تلك الحادثة. أحد الحضور وصف ذلك الغناء بأنه يشبه أعراض الحمل عند البقر، وإن أضاف: لكنه مدهش للغاية. أمّن من كان بقربه على تعليق الرجل. فقد أدَّى سيلفستر وريتا جعاراً مدهشاً بكل ما فيه من تمَرُّغ وحنين وانجذاب. كَفَّ الثنائي عن الغناء واتجها ناحية الآلة الشيطانية وبكل يسر قفزا إلى داخلها. أخذ الناس يتدافعون من خلفهم وكُلٌّ يحاول أن يُخفي أنفه من رائحة الآخر حتى يجد له مقعداً داخل الآلة ذات الرائحة العطرة والحالمة. أحدهم همهم مخاطباً رفيقه: ماذا أيها الرجل البارد؟ "أشعر بأنه يعضني كلب"،.. يردّ البادئ منهما: إني لأرثي لذلك الكلب الذي سيسعر. تضجر أحد المتزاحمين من سلوك متزاحم آخر،.. "إنك تركلني على قفاي يا هذا!"،.. ليتعجّب منه رفيقه: بل قل إني أساعدك في المضي إلى الأمام. إنها خدمة يا رجل ويجب أن تشكرني عليها. حينما امتلأت الآلة أغلقت أبوابها بنفسها وتَحَرّكت ببطء لتقف عند مفترق الخط الحديدي القديم والخط المرسوم للآلات الحديثة. ثم أضاءت إشارة بيان صغيرة وحمراء في شكل أسهم الاتجاه، كأنّها تُخَيّرهم. وكان بعضهم قد تذَمّر وبدأ يحتج على بطئها ويرمي العالم بالدجل. ولكنهم بعد وقوفها صمتوا إذ فهموا أنها تُريد أن تحدد وجهتها فحسب. صاح الجميع: القديم.. القديم. وأضاف بعضهم أن خط القاطرات الحديثة مكتظ بالقاطرات والناقلات المخيفة ويمر عبر أنفاق ومَطَبّات ويقفز فوق أودية. فلا بد أنه خطر. وبعد أن أكملوا تمنياتهم بالسلامة انطلقت تلك البهيمة كما أسماها الفورمان كشهاب من نار السماء في خط الناقلات الحديثة. وغرقوا هم في نشوى الرحيل يُرَدّدون المقطع خلف سيلفستر وريتا بصوت ملتهب ومصادم. في تلك اللحظة استطاع الفورمان والمفتش أن ينسلا من تحت أقدام الناس الذين كانوا قبل انطلاق الآلة يحاولون اقتحامها للمشاركة في سطوة ذلك الصباح ولكنهم فشلوا. تساءل الفورمان: أين القاطرة؟ يا إلهي لقد اختفت حتى قبل أن تنطلق. يا للمقطع الملعون، إنّه يرحل بنصف المدينة، لا بُدّ أنه كان سيرحل بالعالم كله لو أنهما أكملا الأغنية. أجابه المفتش بينما هو يحاول أن يضع البوريه على رأسه،.. "وما أدراك أيها الأبله بأن مقطع الشيطان ذلك لا ينمو؟"،.. لم تظهر تلك الآلة العجيبة في الوجود مرة أخرى، ولم يعد أيُّ أحد ممن انحشروا بداخلها. ولكن بعض سكان الريف المتاخمين للخط الحديدي في أنحاء كثيرة ومُتَفرِّقة يربطها ذلك الخط، ذكروا بأنهم أحياناً يسمعون كلمة أو كلمتين على الأكثر من ذلك المقطع يؤديها نفرٌ كثيرون بصوت ملتهب. ثم تختفي تلك الهمهمة الجبارة في البعيد. آخر الأخبار تُؤَكِّد أن رجلاً أقسم على إنّه سمع جملة تامة تقول: داخلك نهبٌ لهذا الحنين فانهض أمام القافلة والفظ ظل جسدك كمَدّ بحر
سمعها تأتي من اتجاه الخط الحديدي وبصوت سيلفستر وريتا. وقد كَذَّبه الناس لأنها لم تكن في المقطع).
عندما فرغت من قراءة القصة وقفت لبرهة أتأمل أبعاد قصتي في أبعاد صوفيا. لاحَت لي نقطة في مدى عينيها ذات مفترق الخط الحديدي. وما خلف اللون الذهبي في شعرها ترامى وترامى كذاك الريف الذي تاخم الهمهمة جبارة المجهول. عندما جَذَبَت صوفيا أنفاسها قبل أن تُطلقها مرة أخرى مع تنهيدة حَارَّة ومتعاطفة انهدّ فيها تماسك أنها ليست مغزوّة بهلوسة حنين ما. سألتها بما تبَقَّى في صوتي من الانفعال الشعري الذي ألقيتُ به المقطع: ما رأيك يا صوفيا؟ "هذا جنون رائع". "بل جنون انكشفت به أهم مواطن الروعة. كالمواطن التي تتكَشَّف من امرأة فاتنة أثناء ركضها تحت المطر". ينحدر بي الصمت، وقبل بلوغ قاعه أقول، والذي فوق ذلك يا صوفيا، يظل الجنون ليس حقيقة ذات ثوابت، بل مكيالاً بشرياً يمتلكه الجميع، ما يُخَوّلهم جميعاً حق أن يكيلوا به. والأمور تمضي على هذا النحو والعَرَج حتى تتعثّر في القيامة. "ذلك أفضل من لو أنها تعَثّرت في العصر الحجري، أم ماذا"، تريدُ صوفيا طمأنينةَ هذه النقطة بالذات، ولكني أُجيبها: هااه، لقد أعربوا التاريخ كجملة غير مفيدة. لكم وددت أن أعيد كتابة التاريخ لأقول: "إن التاريخ ليس نافذة تطل على أصقاع الماضي. بل مخاوف تدفع بنا إلى الأمام". كنت سأحذف منه كل القصص، وأثبت ما بلغني منه بدراسة شخصيتي ولغتي. "ليصبح التاريخ ماذا؟"،.. "ليصبح باختصار أنا"،.. إن الدنيا تعيشنا ولا نعيشها.. أناس كثيرون يمرون من هناك ومن هنا بظلالهم فقط. فالناس في هذه الدنيا لم يعبروا بذواتهم قط. الأشباح الآدمية تمضي يومياً وفي جلبة لأكل الموت، لبصق الموت ولبول الموت. وأنا ما أزال عند ملامحي كأي رجل مجهول.. يُرَكّز في مشيته ويسبق خطواته كثيراً. نادراً ما أخرج من معطف ذاتي، فرداءة الطقس الإنساني المستحكمة ما كانت لتعجبني. هل صحيح يا ترى الذي تَدّعيه صوفيا من أنه بإمكاني أن أغدو خلاقاً لا بأس به بدل ذلك المتحرّر المخادع، إن اعتمدت على موهبتي في الكتابة؟ لا أظنني أوافقها. فأنا لا أملك ذلك الإلحاح الذي يدفع الخلاقين لأن يكونوا ويميزوا أنفسهم عن بعضهم بعضاً. ولكن رغماً عن ذلك يَظَلُّ من الحقائق الطريفة أن نتَكَسّب أنا وصوفيا أحياناً كثيرة من عوائد بعض كتاباتي التي تنشرها صوفيا بطريقتها الخاصة تحقيقاً لرغبتها في ذلك، وباسمها هي تنفيذاً لشروطي حول ذلك. وأيضاً من الطريف للغاية أن تُثير تلك الكتابات هرجاً يشبهها. ليقوم المعجبون بعد ذلك بالتوَدّد إلى صوفيا والتمَسُّح بكاتبتهم المفضّلة. كنا نضحك كثيراً ونُسَرُّ بالنقود أكثر. في إحدى المرات التي ناقشتني فيها صوفيا بذات الإلحاح الذي كنت محتاجاً إليه لأنجح في الكتابة، وكان النقاش حوله أيضاً. تغدو صوفيا أكثر حلاوة حينما تقول شيئاً بطريقة طفل يطالب بدمية: الذي يسمح لنفسه بأن يمتطي ظهرك لن تحتاج إلى مبادئ كي تنزله. يجب أن تفكر في الكتابة بجد وأن تكف عن تمثيل كونك رجلاً أبله. أُلاججها بلسان أدخره للمراوغة: للبَلَه دور عظيم في الحياة. والبلهاء إن لم يكونوا قادرين على إثبات أنهم أذكياء، فإن وجودهم في الحياة على الأقل، يكون الدليل على أن الأذكياء ليسوا هم البلهاء. تناومتُ عن الجدية التي طَرَحتها صوفيا بيقين أنها تحبني. فالرجل الأميبي نومه مواربٌ كالباب، ويقظته ضَلَّت إلى الداخل. تُطالبني هي، أرجو أن تكون جَادَّاً معي يا كمال. أنا لا أتهمك بعدم الأمانة وإنما بالتقصير. إلى متى تحب أن تتباكَى عليك؟ ليس هنالك أدنى موهبة في أن تبقى الرجل الذي لا يعترف بشيء وهو نكرة لا يعرفه أحد ليعترف به أو ينكره. "أنا لست مهموماً بفكرة التحَقُّق من الرجل الذي يجيد الكذب في المجلات والصحف. وإنما بفكرة التحَقُّق من الرجل المكذوب في قاعه. إن الإنسان أصبح مشكلة، وحتى مشكلة هذه فإنه لم يصبح مشكلة محترمة. فهنالك دهليز بداخلنا لا نشعر به ينمو فيه رجل كنبات الظل... تقاطعني: يبدو أن رأسك بدل أن يوضع فيه عقل تغَوَّط فيه خنزير. وأجدها فرصة لتطويل المناورة أكثر،.. إنَّ عملية وضع العقل في الرأس نفسها تغَوُّطٌ يرد للخنزير كرامته المهدرة. لقد كانت إضافته كإضافة الكابح للقاطرة. إذ كان الإنسان في الماضي كائناً غيبياً جباراً ومطوَّلاً، والعقل جاء كدخيل في مرحلة ما ليلخصه أو ليغشّه. وذلك سبب أن يمتلك بعضنا هامش مقدرات فوق العادية، فربما هم لم يتخلّصوا من بقايا ذلك الكائن القديم كلية. أو ربما أن تكوينهم اهتدى إلى جذوره فرغب في العودة ولكنه لم يتقن ذلك جيداً بعد. إن العقل في اعتقادي لم يأت إلا لكي يجعل الإنسان كائناً متواضعاً. فإن تلك التنزُّلات التي تفاجئنا أحياناً نادرة هي بلا شك مُخَلّفات كائن أسطوري. ويمكننا أن نقول ولو إلى حين إنّ الإنسان أسطورة أفسدها العقل. وما أقوله ليس ردة عن التطور، وإنما هو نبشٌ لآليات التطور العملاق. حاولت صوفيا أن تُطيل النقاش أكثر من ذلك، وحاولت أنا أن أُنهيه من جانبي. فقد كنت مرهقاً وملتصقاً بها. قلت لها محاولاً تقليد لهجة ديكتاتور إفريقي: الذي يستطيع أن يقنع مسدسي بلسانه فليجادل. تتوتَّر ابتسامة صوفيا في فمها: ولكن البندقية ليست حلاً. لقد حَدّدتُ موقفي من الجدل. إن أضفت كلمة أخرى فسأعتبر أن محاولة الإقناع قد بدأت. ولن أُجيبك إلا بسحب مؤمِّن سلاحي. ضحكنا معاً وبإهمال. فقد كنا نصل إلى هذه النقطة كثيراً ولا شيء يطرأ على علاقتنا. فحينما يختلف شخصان حول القيمة التي يرجوها كُلٌّ منهما للآخر فسيظلان صديقين إلى الأبد. أما إذا اختلفا حول القيمة التي يرجوها كُلُّ واحد منهما لنفسه فسيصبحان عدوَّيْن في الحال. قَرَّبتُها إلى أنفاسي بذاك التوقع المعروف والذي يُربك رغماً عن معرفته. كتقريبك عود ثقاب إلى شمعة مضيئة بإرادتك وتعجز عن احتواء الرعشة الخفيفة التي تجتاح يدك حينما يشتعل العود. ألقت بي أنفاس صوفيا في ذكرى تلك التجربة التي لا مثيل لها في حياتي. إذ إنّ كل الجنس الذي خبرتُه في تجوالي انحصر لي في أنه صلب يمتد لي من أمامي ويحتوي على دفء شخص ما، فأقضي فيه حاجتي ثم أدفعه إلى أمامي مَرّة أخرى. ليس تمسكاً به، ولكن احتياطاً له. المرة الوحيدة التي أقنعتني بأن الجنس جزء من الأمام الذي يُغريني. وحَقَّقَتْ لي بعد شعور أنني وجدت الخط المستقيم، ضربة الفأس التي تهوي بها قوة خفية فتحذف صلبي الذي يؤخرني، هي تلك المرة التي لم أفهمني فيها إلا ونحن كوحشين يتصارعان على الحشائش المبتلة في مجاهيل غابة نائية لا أُنس فيها سوى العواء. صلب الوحش العاتي واندفاعته إلى أسفل مع استقامتها، تُوحي بأنّ الوحش سينغرس كله لا عضو منه فحسب في مهبل الغابة ويخطئ الأنثى. وتبدو الأنثى من كثرة ما تصدره من حركات مقاومة في اتجاهه كأنها نسيت أنه ذَكَر، وأصبحت كمن يتصدّى لثقل السماء التي انهدَّت عليه. كان ذلك على متن أحد القطارات المتجهة إلى تكساس. الجو صحوٌ ولا يُفسده إلا كثرة حركة الناس وصياحهم. والضجة التي يُثيرها عادة الأشخاص المسافرون لأوَّل مرة. يمكنك في ذلك الصخب والإزعاج أن تفقد أحداً أو محفظتك. أما أن تَحْظَى بامرأة مع كامل خلوتها! فذلك أمر سينكره من يملك أدنى فكرة عن المعقول. ولكن هذا معقول زمانٍ وَلّى. كما أنني رجل يريد أن يمشي رحباً بلا طريق. فالمحطة لا تختلف عندي عن مكمن أشجار بغابة مجهولة في شيء. تفَحّصت المركبات باهتمام من لا تذكرة له، وانحشرت في واحدة تخص المهمين. فالمهم الذي بدون تذكرة، لا يساوي نظيره من غير المهمين. فتحت كتاباً كنت أحمله معي وانهمكت في مطالعة نظيفة، فأنا عادة تتخلل رؤيتي ما يراه الغير. سمعت صوت فتى وفتاة يدخلان إلى المركبة ويجلسان بعد أن أصدرا أصوات تعثر خافتة، ولكني لم أعرهما انتباهي. حينما أعلن المضيفون ابتداء الرحلة عبر مُكَبّرات الصوت سمعت خطوات أحدهما يغادر القطار، بعد أن تبادلا كلمات الوداع التي يتبادل فيها الناس منذ نشوء الكون ولا يرحلون. لم أكن أدري أيهما قد نزل وما كان يهمني. كانا خلفي مباشرة أو في الحقيقة أنا لم أنتبه لهما، وإلا لكان في مقدوري أن أحدّد أيهما قد نزل. ولو لم تحدث لي تلك التجربة الخاصة مع الفتاة لما تذكرت شيئاً من هذا الذي أحكيه بالمرّة. انهمكت في مطالعتي لفترة غير قصيرة ثم وضعت كتابي لأشعل سيجاراً. لقد أحدثت قداحتي صوتاً لا يمكن اعتباره دوياً فحسب بل كأنما تقَمَّصتها روح شريرة. صاحت الفتاة من خلفي بذعر: ما الذي هناك؟ "الذي هناك رجل يشعل سيجاراً". كانت قد ملأتني روح شجار عاصفة، ما جعل الكلمات تخرج من فمي في مظاهرات صبيانية. فسؤالها بتلك الطريقة واللهجة يوحي وكأنّ ذلك الذي هناك لا يمكن تمييزه عن بقية كراسي المركبة. أجابت بعد أن رمقتني بنظرات تختلس مرحاً حزيناً: أوه إني لا أراك. ولأنني كنت متعجلاً للشجار -ذلك لم أعرفه عني إلا في تلك الحادثة- فقد اندفعت،.. "عاطفة عينيك لا تهمني في شيء مادمت أقف أمامك مباشرة"،.. كنت أقف أمامها كشيطان من غضب. فقد ازداد حنقي وأخذ دمي يغلي ويدخّن كاللافا. لافا حامية تقطر من لا مبالاة الصخر ورعونته. قالت لي معتذرة وبصوت خافق كجناح طائر في الحلكة: أنا أقصد أنني كفيفة. لذلك لم أدر أنَّ أحداً يشاركني المركبة. كما أنني لم أسمع أيَّ صوتٍ أو حركة لكل هذه الفترة. ولكن ألا توافقني أن صوت القداحة كان هائلاً؟ لقد انخمدت كجمرة أُلقيت في ماء. ثم تملكني ذهول يشبه نسيان الهدف الغريزي. وإحساس أن عليك أن تحمل مع الآخرين عاهاتهم وخطاياهم. وتمنِّي لو أنه لم يكن هنالك هدف غريزي من أساسه، ولو أنك لم تذهب إلى هناك ولم تكن أنت بالتحديد. ما أحسست به تجاوز تخوم المواقف ولاح كحياة كاملة ورغدة التفاعلات. تُطابق في محتواها أن تبلغ فناء حديقتك ليلاً، بعد سهرة بيرة خالدة، والبول يكاد يشق مثانتك. فتجد هنالك جثة قتيل مرمية في الفناء. لم أعِ نفسي إلا وأنا بجانبها وقد مددت يدي لها بكل تلك الفوضويات لأُرَبّت على كتفها، آخيتُها كنهشة برق يشق سماء احتضانه،.. "لا عليك. إن كنت تصدقين أنها فتيلة القداحة. فأنا لا أنكر تآمرها علينا"،.. قلت لنفسي: هاأنت ذا اعتذرت! مالك إذن؟ عُد إلى موقعك. ولكن فوضويات أخرى تمَلّكتني إذ أحسست بأني مَرَّرت يدي على أورغ حين رَبّتُ على كتفها. شعرت بنفسي كمُطارَد جريح اقتحم بيتاً منعزلاً، فلا بُدّ له أن يحمي نفسه من أهل البيت كما يحتمي بهم تماماً. ري، دو، رويداً رويداً،.. ثم أخذت تنتقل إلى الأورغ رهبة الكنائس الغابرة ووحشية التدين القديم. تأمَّلت عينيها الزرقاوين كسماء بلادي، ويدي ما تزال على كتفها تشفط بقوة وخدر في نفس الوقت، حيوات تلك الفتاة المشبوبة كالجحيم جمالاً. انتشيت.. فالجمرة التي تُلقى في ماء كنت قد نسيت أنها تشفط الماء بقوة الرغبة في الحياة والديمومة. فهي تكافح فجأة لأنها تكتشف فجأة أنها حَيَّة. حتى إنني صدقت إحساس ساعتئذ في أنك: حينما لا تعني شيئاً يعنيك كل شيء حينما لا تقصد شيئاً تقصد كل شيء حينما لا تُفَكّر في شيء يُفَكّر فيك كل شيء
لقد وجدت اللغة والعقل من هذه الناحية مُمتعيْن وطَيّعين. لدرجة أن بإمكاني اختراع مثل هذه الأفكار إلى أن تنتهي الدنيا، أو على أقل تقدير حتى يبلغ القطار تكساس. اكتشفت أننا لا نعي ما نقوله أو نفعله جيداً إلا عندما نُصِرُّ عليه على نحو لا نعلمه. لا أستطيع أن أقول إنني أصبحت كُلِّي عيوناً ترى. لأنها في الحقيقة لم تكن تقتصر على "ترى" هذه المتواضعة. بل كانت عيوني تُحَوِّل كل شيء عقيم إلى صرخة امرأة حُبْلَى. لم تكن لحظة ازدحام بالجنس وإنما مرحلة بلوغ كاملة وجديدة انفجرت في ثانية بكل تفاعلاتها النفسية والعضوية في كيان رجل ناضج. كنت وما أزال أُصِرّ على أن مضاجعة امرأة ليست مضطربة لا تختلف عن فحص طبيب لجنين بداخلها في شيء. لا بُدّ من رائحة خوف مسعور في عينيها، لا بُدّ من توابل أنكما تفعلان شيئاً يهز الإنسان ويريعه. إذ من الواجب أن يرفس الجسد أثناء كَسْر عزلته. ولكن الذي داهمني في تلك اللحظات لا يشبه هذه المقولة على الإطلاق. بل لا يشبه الجنس بالمعنى الذي نفهمه عليه بتاتاً. فقد كنت أعتقد قبل هذه الحادثة أنّ المرأة خُلقت لتوحي لنا بفكرة العادة السرية لا أكثر. وأنّ المرأة التي تُوجد تحت ملاءة أي رجل حينما يخلو بنفسه هي الأفضل. ولكنني بعد فتاة القطار أضفت لذلك المعتقد: مادمنا لا نعرف كيف نجعل من هذه المرأة الموجودة الأفضل. ولذلك أسميتها فتاة القطار ولم أسألها عن اسمها أو أي سؤال من شأنه أن يُعَرّفها كآدمية تسكن في شارع كذا ويمكن مهاتفتها على تلفون كذا. فقد ارتجلني تصميم بأن أجعل تلك الفيوض والتنَزّلات لا ترتبط بأحد يعيش على هذه الأرض وفي مدنها المتعَفّنة. لقد أكّدت لي أنّ المرأة التي تباغتك من بين فخذيك كالمشاجرة وبسرعة أفضل من تلك التي تبادلها الأحاديث التافهة وأنت تماشيها بطول أمسية كاملة. فلنفعل ما نشاء وبأي طريقة. فإنه الجنس الذي سيظل ثأر الطبيعة الأبدي تجاه الأحياء. تأخذه باستبداد وبدون نقاش. هذه هي طبيعة الإنسان والقدر ومزالق الدنيا المبرشمة في القفا. لقد اشتعلت فتاة القطار كامرأة لا ترتوي حتى حين يخلع الرجل نفسه ويلقمها فوهتها، ولا يزيد بركانها إلا جحيماً فوق جحيم. ثم قمنا باستعادة ملكوت جسدينا، وحكمنا لأنفسنا في عالم حقيقتها بما تشاء حقاً. فملكوت الجسد يقوم عندما تنقضي الشهوة. إذ يصبح التأمل حقيقياً، والعواطف تعني ذاتها بدقة ولا تزيد. وحتى الاحتياج إلى أشياء أخرى يصبح حقيقياً وغير مُضَلِّل. أشعلتُ سيجاراً بعد ذلك وكنت كلما أنفض دخانه تتحتحت بصماتي بدل الرماد. كنت أتجدّد. إنها لحظات يموت فيها رجل ويبعث آخر. كنت مبتهجاً ورغماً عن ذلك فقد بَلّلتني دموعي. بصدر امرأة لا نعرفها نبكي لغاية يعرفها البكاء. لقد ألهمتني: منتهى الحزن أن لا نفهم مَرَدّ الحزن انبت وأنت تغالب جذورك وابكِ إن كان لك معنى في البكاء
لك التحية يا فتاة القطار. فما عدت أذكر منك سوى أني ما نسيت. فقد كانت أشياء قابلة لأن تسكنك إلى الأبد ولا تُمَكّنك من تذكرها إلا كضباب جميل. عندما غادرتْ القطار حَرّكت يديها لتقول لي وداعاً. كانت إشارات يديها تتوزّع في اتجاهات كثيرة، لأنها عمياء، أو لأنّ الرحيل في كل اتجاه. لقد انطبعتْ تلك الإشارات في أعماقي كالإيماءات أو الحركات التي يقوم بها قائد أوركسترا عبقري، للدخول في لحن غامض الجمال وعميق لدرجة أنه أصبح غريزة في جسد الآلات الموسيقية. لقد منحتني صوفيا في بداية تعارفنا روعة مشابهة. ولكن ثِقْ أنّ روعة فتاة القطار لا ترجع إلى الغرابة. إنّ صوفيا تمتاز بأمومة زائدة ومع ذلك فقد جعنا إلى بعضنا كوحشين جميلين، ثم أخذ ما بيننا لوناً من طابع الاحتواء الأسري والتفَهُّم. لقد كانت ضفتي، وربما أفيض عليها أو أنحسر عنها، ولكنني أبقى عندها إلى الأبد. أيامي كانت تمضي كشريط سينمائي مبتذل. وأنا أبحث عن نافذة أعلى من قامة الريح الداعرة التي تمر. نافذة لا بُدّ أن تكون في مثل قامتي كي أتفَرّج على ذلك الشريط من الخارج ولا أُضطر للدخول والمشاركة فيه. كل ذلك والكتابة ترفض بقوة أن تكون للاحتراف. ولا تكف عن التهديد بأنها ستبقى مغامرة بائسة حتى الموت. مَكّنتني تلك الفترة من التوَصّل إلى أن معارك "إنها معركة" نشبت لأنه كان هنالك رجل حاله كحال جاموس بَرّي، لَمَحَ وحده وحشاً كامناً وسط أدغال مُقْفِرَة، ويتربّص من بعيد. فلن يستطيع أن يدس بصره في عمى القطيع، ولن يكف عن التوجس والالتفات حتى ينعزل عن القطيع وهو في داخله. ولا بُدّ للعواء الضاري أن ينبع من أعماقه إن حاول أن يدسَّ سَمْعَه في لا سمع القطيع. والقطيع يندفع ناحية مياه الوادي يملأه استبسال شجاعة قوامها أنه فَقَد حسه الغريزي برائحة الخطر. ذلك الرجل يقعد كل يوم في سوق المزدهر ليتأمّل البنايات التي نشأت في جسد التاريخ بجمال خاوٍ لدرجة التبَلُّد. يسيطر عليه جوع من جنس جوع الغابة.. المُرَكّب من خام الغرائز ومغالاتها. يراقب المداخن التي لا يخرج منها إلا الدخان في كل يوم. يُقَلِّم أظافره بأسنانه بعد أن يُمَشّط بها شعره. يرسم على الأرض معارك من أجل التسرية، حروباً بلا خصومة، ومؤذنين ينادون بأنّ الحضارة إنْ كانت بنايات مُلَوّنة فإنها تطول كي تصعد روحها إلى السماء. يخط على الأرض رغبته كوليد نبنيه لا من الطين، صرخة نطلقها حين تزدحم الشوارع فينتبه الإنسان لا الناس، نقود ليست كتذاكر الشيطان، تسميع لذواتنا في المركبات العامة فنحفظ بدون أخطائنا النحوية، تعَرّياً يُظهر من أجسادنا ما هو ليس للّذة، ومجرى لمشاغيلنا يجعل الكل راضٍ عن مهمّته ومعناه. وفي صباح كان يمكنه ألاّ يتميَّز عن تكراره السابق، وقف ذلك الرجل أمام أحد المارّة وسأله،.. "أتأتي لتأخذ الخضار لبيتك كل يوم؟"،.. "هذا صحيح. ولكن لِمَ تسأل؟"،.. "هل أنت تسكن معدة كبيرة من الطوب والناس؟"،.. "لا.. واسمح لي يا سيدي،..."، يهم الرجل بالانصراف،.. ولكن رجل السوق يعترضه، فقد انبعجت قِرْبة المواعيد: إذن لماذا لا تفكر في شيء آخر؟ "أولاً أنا لا أفهمك. وثانياً لا أريد أن أفَكّر إلا في هذا. ما دخلك أنت؟"،.. "بل يجب أن تُفَكِّر"،.. "ومن أنت لتفرض عليّ ذلك؟"،.. "أنا الشق الآخر منك الذي لم تتعَلّم كيف تشتري له خضاراً يستسيغه". "بالله، ألم يعد ينقصنا سوى أن يصير المتسولون فلاسفة!؟". ولم يجبه رجل السوق إلا بإرسال ساطوره الغليظ شواظاً من جهنم على رأسه وهو يصيح،.. ياهو.. ياهوو. وانتبه الناس إلى ذلك الصباح الذي بدأ على غير العادة، بدأ بهم، بالأنفس. رأى أحدهم المشهد فأخذ يدعك عينيه، آه، تعملان، يصيح في غلامه: لقد طَوَّقت الأعضاء آفاقنا كثيراً. فلتكن هذه الصولة تطويقة الآفاق للأعضاء. أين ساطوري؟ إنّ الذي مع الله ليس ملعوناً من الجميع، والذي مع الشيطان ليس ملعوناً من الجميع. أما الذي بينهما فلا بُدّ أن يكون ملعوناً من الجميع. إليّ بساطوري.. ياهوو ياهوو. في جانب آخر من السوق كان يقف أحد الرجال مقبوضاً عليه في دين لم يُؤَدّه. كان يقول للدائن الذي هما في متجره: اقتلني إذن يا رجل، فيبدو أنَّ دراهمك أثمن من روحي. رِدْفَا التاجر الثقيلان، يدليهما الكسل من تحت مقعده ويخضهما كسِعْنَي الرائب، ينود رأس التاجر، فُرْصَة الخراء، ويجاوب: إن قَتْلَك يُكَلّفني أن أنهض من مكاني. ولكن الجلبة تصل إلى باب المتجر. قرقعة الفؤوس وصليل السواطير تلف مسامعهما فيفقد الرجلان موضوعهما وينحشرا تحت جرار البارود المعبأ للبيع. فيجدا أن مساعد التاجر قد سبقهما إلى هناك. يبرّر لجبنه: لست سكيراً بما يكفي لأتمَيّز بلا مبالاة الجنود. خارج المتجر كان يرتمي رجل لن تكملَه أشلاؤه المتناثرة كما كان إذا جُمِعَت. فقد كان عملاق الجسد وعُرِف عنه أنه كان يُكَرّر دائماً: "لقد غَذَّوني غباءهم كيف لا أعيش تائهاً وضالّ القلب". وإلى جانب أشلائه كان يحوم رجل كالضفدعة وهو يُنَطِّطُ فرحاً ويفخر: لقد هزمتُه.. هزمتُه. لو كنت هجمت عليه بقوتي لما تمَكَّنت منه أبداً. ولكنني هجمت عليه بضعفي وخوفي. وما أعنف أن يهجم عليك شيء بانهياراته. حَقّاً يا له من عملاق، ولكن القامة ليست امتداد الجسد إلى أعلى. أحد القواد المتقاعدين كان يقول لأحد أصدقائه الضبّاط في أثناء مرورهما بالسوق، الشجاع أكثر الناس شعوراً بالخوف في لحظات الخطر، لأنّه يعلم أنه ليس بوسعه أن يُجْبَن. أما أمثالي فلا يمكنك الحكم عليهم. إذ إنّ لامبالتهم موهبة في حد ذاتها. والعواطف بالنسبة إليهم واجب أو مهمة تكتمل بها صورتهم الاجتماعية. ينتبه القائد المتقاعد إلى أن المكان تملؤه الجثث فيهتف متلَذّذاً: ياااه، "إنها معركة". اقترب القائد من أحد القتلى ورفع وجهه المضرَّج ليجسَّه: بالفعل هو مُتَبّلٌ بالتراب والدم. إنه موت غير مغشوش. يُقلِّب وجه القتيل هنا وهناك، من جانب لآخر: إنّه أصلي تماماً. أنا أعرف ذلك. يجدها القائد فرصة ليؤكِّد نبوءاته: ألم أقل لك إنّ الموت ليس غبياً كالنوم ليستوجب عليه أن يقبضك بعد لحظة نعاس ما. وليس ذكياً كبائع اللبن ليُخَمِّن أنك غير موجود حينما يطرق بابك ولا يجيبه أحد؟ يتساءل القائد مع جنون اللحظة، الجنون الذي يحصل عليه الشخص كأُعطية إلهام، وليس كحالة تشويش: أين هو؟ تباً،.. آه إني أجده. يا لساطوري العتيق ياهوو.. ياهوو... كان أحدهم قد ألقى بشعلة في المداخن التي حَمِيت، ما جعل الخفافيش لأول مرة تمرق من المداخن مذعورة وتنتشر في الجو بدل الدخان. أنت تستطيع أن ترى ذلك بوضوح كافٍ إذا اقتربت من المداخن قليلاً، أو إذا ارتفعت ثلاث شهقات فوق سطح جثة صديق القائد مباشرة. فالصداقة، والاجتماعيات الأخرى من جنسها، لدى ذلك الرجل لا يُبَرِّر لها إلا القانون وشح الفوضى.
الأيام كانت تتشَتّت خلفي وأنا ما أزال أُطالع من الداخل. كراكب قطار قَرَّر أن يُذاكر الريف، كُلَّ الريف، عبر نافذة وحيدة وعقيمة إلى جانبه. أعيش كالطائر الذي فقد سربه. الأفق يمتد أمامه حتى يُعيي جناحيه، والأرض من تحته صقيعة تمتد حتى تغتاله الوحدة. عزلتي تخلو من الكون تماماً، فليغمرني هذا النور، أُلفة أنِّي نصلٌ لجفير وحدتي. والوجوم من حولي يضرب كموج البحر،.. لا يطرق طينتي أحد أفتح لوحشة الصمت الذي تحفظ فيه الطبيعة سِرّها وتشيع روحُه الغاربة في المجرّات وفي الأبد أنا الآن أكبر من حدود الحنين وتنويهات الذاكرة أنا الآن يقظة الموتى واحتضار كل شيء
ثم تَخَطَّت عزلتي مرحلة فَصْلي عن الكون وأخذت تفصلني عن نفسي،.. الليلة في وحدتي الحَقَّة كبريائي لا يبلغني ورغبتي ضَلّت طريقها إلي مع الريح ألقيت دمعي وتركت حزني للعدم
سئمت أمريكا التي كنت في السابق سأنتحر إن لم أذهب إليها. رغبت في أن أجد ذات الرائحة التي وجدها كولومبس حينما وضع قدمه على تلك الأرض لأوّل مرة. رائحة الأرض التي تنخلق في عرض البحر ومن ملحه. كنت أطمح إلى أن أبلغ مكاناً مختلفاً بحق، وتحجبه عَنّي البحار بالفعل، ولا يدل على وجوده سوى أن النوارس تُحَوِّم في البحر بعيداً عن الشاطئ. ولكن ما أحبطني أنَّ طَعْم الأشياء والناس لم يتبدل عندي إلا يسيراً. فالطَعْم الكريه الذي تعوّدت أن أجده في كل مطعم لم يبرح طبيعته ولؤمه. لقد كتبت في مذكرتي التي تركتها لصوفيا بمناسبة الطعوم هذه،.. الليمون ذو طعم يمنح وجه الحسناوات حقيقته ويعلن وجهي أجمل بلاد الفوضى
لم أجد كالعادة مبررات لمكوثي أو رحيلي. فظلي من خلفي ما يزال يحمل مسدساً ولا يحمي ظهري الإسراع والتلَفُّت. قَرَّرت أن أعود إلى قومي الذين فيهم من السذاجة ما يُبَرّر لقيام حرب ضدهم. ثم أضفت إلى مذكرتي لصوفيا،... لكل الأشياء حنين يجذب إليها حتى الأشياء غير المهمة تباغتنا بحنينها ذات وقت صَمْت الجماد يتسرّب إلى سَمْع مثله كل الأشياء على اتصال ببعضها
ثم عدت بعد رحلة غثيان طويلة إلى ريف السودان الشمالي. خندق السباريت كما يقول الفليل. وجدته مكاناً يصلح لأن يُبَدّد فيه أحد عمره. ولكن لا طائل من وراء أن يقيم فيه أحد أو أن يغادره. فالذي وُلِد فيه مُحَصّنٌ بالميلاد ضد الحياة كما هي عليه في الخارج. وضد الموت الفوري بالداخل. هذا البلد يمتلك خيارين فقط: "يا تَعَدِّي يا تخَلّي المراكب للعِرِق". إنني لا أدري إن كنت قد استسلمت لمصيره هذا أم لا. فأنا رجل كلما تحَسّس نفسه ووجدها ما تزال بداخل زهوه اطمأن. شعرت بأنني قربان لضياع أبدي. فالعالم الذي تركته ورائي شخصياً جداً وبارداً لمنتهى التصوّر. إذا أرادوا فيه تصوير مشهد لقبلة حب حارة فلا بُدّ لهم من دوبلير. البشر هناك حفنة من التروس من ورائهم إرادة المهندس الغليظ الذي يُدير الماكينة. والبشر هنا شخوص ساذجة في قصة، من ورائهم إرادة القاص الساخر الذي يحبك القصة. ليس ثمة كون حقيقي تطلع فيه الشمس من أجل الإنسان، وبعيداًً عن أنّ ذلك قدراً وجدت نفسها فيه منذ الأزل. ربما الحياة ليست بائسة في مجملها ولكن أكثر ما يصادف الإنسان منها ما هو بائس. قصدت الحارة التي وُلِدت فيها بإحساس كئيب على كل حال. انطلقت في شارع بدأ رحباً ومعتدّاً بنفسه، ولكنه بعد امتداد قصير له وهو على تلك الرحابة فَضّل أن يجذب إلى داخله بعض المباني، واكتفى من أُبّهته تلك بزقاق ضيق يخنق المشي. البيوت لا يدل على أنها بيوت إلا دخول الناس إليها وخروجهم منها، ما يجعلها تلوح كمأوى للناس قبل كونها بيوتاً. الذين قصدتهم كانوا ما يزالون هناك. أمي عانقتني بأحاسيس من يعانق وليده، وأنا تلقيت عناقها ككائن لا يحس تجاه ميلاده بمِنّة سوى أنه موجود. أبي رفض أن يسلم عليّ، وبكل عفوية فاتني أن آسف على ذلك. كان يجلس على مصلاته عند حضوري. وربما أسرع إليها عند سماعه لخبر عودتي كي يترك لي الأرض. ألقيت عليه نظرة من نوع التي تفحص كالمس باليد. لم يعد يمتلك شباب قلعة الشنّاوي القديم، وإنْ كان ما يزال يتحشرج عنده صوت الريح كبوابة كانت متينة ثم تَرَهّلت. جلس مُقاصداً النافذة الوحيدة في تلك البناية التي هي أشبه بالممر. حيث يجلس كان حيث تُلقي النافذة بضوئها. لقد حسدته بعض الشيء، فقد بدا لي وجهه يطل على الضياء في الخارج، ونفسه تمتلك طاقة تُوَفِّر لها راحة الباطن ولا تذهب بها أبعد من المصلاة. قلت في نفسي: "المهم هو أن يرسو قاربك.. حتى ولو على فَكّ تمساح". الهرج الذي كان يحدثه الناس من أجل قدومي كان يتم في مكان بعيد لا يبلغني إزعاجه. كنت كالمخمور بعدم معرفتي لأصول الترحاب بالناس. أختي منال بكت في حضني كما لو أنّ عودتي إليهم موت. وأنا ما أزال بعيداً كأنّني عُدْت لأتحَقّق من جلافتي نحوهم. ماذا أفعل!؟ فأنا لم أعد لأنهم يعنون شيئاً. ولا حتّى ألِفْتُهم كالتدخين والسهر. لقد عدت فقط لأن طريقي مَرَّ بهم. نزلت بديوانهم ثلاثة أيام ثم سافرت إلى الريف الشمالي وبقيت هناك لمدة شهر. انتقلت بعده إلى مدينة ود مدني. في الطريق طافت أمي في خاطري كربوة مخضَرّة تجشأتها الرمال في قلب صحراء قاحلة. شعرت بدفء بسيط ولا يختلف كثيراً عن إحساسي بصوفيا. كنت أتذكرها في أمريكا كعروس نيل يُلقيها ابنها بدل السلطان بجوف النيل. سألتني عنها صوفيا ذات مرة قائلة بمرح،.. "هل هي حلوة؟". "نعم إنها جميلة. ولكن ليمنح وجهها لطابع بريد لا لزوج". على طول الطريق إلى مدني كانت تطالعني البيوت التي لا تمتلك دليلاً واحداً على تلك الشبهة. عندما نزلت في محطة المواصلات المركزية لم أكن أقصد وجهة بعينها في المدينة. تمشيت من هناك إلى أن بلغت شارع النيل. كنت أنوي أن أقضي الليل في غابة أمبارونا. ولكن حالة خَدَر غريبة ألَمّت بي بحرص وتأنٍّ كما تلم الشيخوخة بالبدن. شعرت بالإعياء فدخلت إلى واحدة من حدائق شارع النيل واستسلمت لذاك الخدر. كنت أسمع أصوات المخلوقات الغامضة وهي تقضم أشياء أخرى غامضة في الليل. طقطقة السقف وفرقعة مفاصل الحشرات. أصوات الزحف المكتوم. وقع الخُطَا المسرعة التي لا تقترب ولا تبتعد فكأنما تركض في مكانها. العالم الحقير وغير المرئي كله أخذ يدب ويتنفس. كنت كمن ينام في برزخ. فقد اقترب مني غموض كل ما هو حي وناءٍ. كل ما هو على صلة بالحياة وغير متضح الوجود. فجأة انفجر صوته من ورائي... نعم صوت عاطف، بكل ما له من ارتباط بماضيّ. لقد أخرجني من بئر الهلاويس تلك ليس بطريقة انتشال الدلو من عمق البئر. ولكن كما يجذب المطل على البئر انعكاسه من على الماء حين ينصرف. نهضت متثاقلاً كيفما تنهض الأشجار. ثم ضممته إلى صدري كبعض من ثمار لي أُريد إنضاجه. فقد أورقت بعيداً عنه ولا بُدّ أن أتأكد إنْ كان ما يزال هنالك سماد وملح يسعفان حنيني إليه. حاولت أن أبكي فلم أستطع ولم تظفر عيناي إلا بقَرَّاص الملح الذي يعقب الدموع. لعله شعر بفشلي في البكاء فضَمّني إلى صدره كي لا تُحرجني أمامه عيوني الجافة. شعرت به وكأنه يعتذر لنفسه بذلك الصنيع عن جفائي. قلت لنفسي: "لا داعٍ لاعتذار فإنّه إحراج تُعِدَّه الطبيعة". قال لي بصوت تَعَثَّر برفق فوق أنقاض قبلته التي أنهاها بتحرير فمه للحديث، هاأنت ذا مرة أخرى يا كمال في بلادنا. بلاد الأساطير. المشكلة ليست الأساطير يا رجل. فأينما وُلِد الإنسان وُلِدَت الأسطورة. المشكلة أننا في الوقت الذي نعيش فيه أسطورة أبو اللّمّاس يعيش الغربيون أسطورة النظرية العظيمة التي تُفَسِّر الكون. ليس المهم أن لا تُوجد أساطير، ولكن المهم أن تُوجد الأساطير الصحيحة بمواصفات زمانها. "لقد أهدرت عمرك يا كمال!". وأنتم؟ لا أظنكم اكتشفتم طريقاً يمكن السير فيه دون أن يُهدر العمر. كلنا مصوّبون باتجاه الموت وحياة الإنسان مداخلة قصيرة جداً تكاد لا تُلحظ في حياة الطبيعة الشاسعة. الإنسان يولد لائقاً للموت وعصياً على الحياة. "ولكنك لم تستغل هذه المداخلة. فلا أظنك قد عدت بغير الحسرة". مادمنا جميعاً نموت ونحن لا نعي ما عشناه. فالاستغلال الوحيد لهذه المداخلة القصيرة، الذي يمكن الجزم به، هو كم صار بعدك من القبر. أما الحسرة التي تتحَدّث عنها فلست محظوظاً لأعود بها بكل هذه البساطة. إنّ الحسرة لحظة متقدة جداً بالحياة. شعور أن هنالك ما فاتك، أو أن هنالك ما كان يجب أن تضعه في الحسبان. ذلك يعني أنك تطارد أشياء بعينها وتحلم بقبض أشياء محدودة. أنت إذن عضو في ميكانيزم الأحداث والحيوية. تؤمن بالتبادل التجاري والزيارات الودّية وغيرها من الشؤون السخيفة للحياة. وهذا ما خرجت من أجله ولم أعد به. ولكني سأمشي حتى تهترئ الدروب. فإني أعلم أن حب الرحيل بذرة تُؤَسّس للموت، أو شيء يخلص للخروج من كل –هنا- خروج أبدي وعظيم. لآخر ما فينا من أحد. "إذن فما تزال كمال!؟"،.. "ومن غيره!؟". "لماذا عدت إذاً؟"،.. ياه.. ما زلت تعتبرني مسؤولاً عمّا يجري يا عاطف! لقد أعادتني الأرواح المُلَثّمة التي ذهبت بي قديماً. كما لا تنسَ أنكم أيضاً اتّجاه للمشي. ثم أطلقت ضحكة نحيلة تصلح كمقدمة ترشد إلى أن الذي يعقبها من حديث يمكن حمله على غير محمل الجد،.. ربما عدت للقبر الذي يوصي راقديه بأن الحياة معنى أن تمسك بتلابيبك الأرض. قال لي وفي عينيه خفوت حزين يكاد يلاشيهما: هل تذكر هذه الأبيات؟ ليقرأ عليّ بصوت رهيب الخلجات، كنتُ على الدوام أفضِّل صوته في قراءة الشعر. حين نُذعر من بعضنا ويلُفُّنا صمتُ الحذر أسمع تَكَّةَ المسدسات في قِرَابها وأتزحزح لأكونَ قريباً من سيفي
قلت له وقد شعرت بتلك الكلمات تعض أحاسيسي وتجذبني نحو هاوية أشعر بها فقط، وإن كنت لا أراها: إنها كلماتي. ولكني لا أظنها تُعَبِّرُ عن حالنا الآن. "ربما هي تُعَبِّرُ عن حالنا ولكن بوجه لا نعلمه عنها"،.. لم أتعجَّل لنفي ما قاله، فربما هو محقٌّ فيما أبداه من تشخيص. ولكنه أدهشني حينما أردف: لا عليك. الشعراء جسد الحقيقة في زمن مجاعة الطاعون. الدهشة على وجهي كان يمكن لمسها. لقد استكثرت عليه أن يقول تلك العبارة الواشية، إنه ذكي بحق، ولكن ليقول أشياءَ لن تناسب هذه الأبيات مهما اجتهد. لم تدم دهشتي طويلاً فقد استرسل موضّحاً بعد أن لمح في عيوني تلك المباغتة التي باغتني إياها،.. "لا تعجب إنه مقطع شعري لك أيضاً. ربما دار بخاطرك أنني لست الشخص المناسب لاختراع مثل هذا الكلام. ولكن صَدِّقني إن قلت لك إنّ ذلك لن يُشَرِّفني أبداً. إنّ ما فعله بك هذا الكلام لم تفعله الرسالات في أنبيائها". وأضاف ضاحكاً: إن كان هذا زمن مجاعة الطاعون فلن يسر أحداً أن يكون وجبة له. قلت في نفسي، لقد فهم أنني دهشت وإن لم يدرك من ذلك شيئاً. إنه يفهم بدرجة سطحية لا بأس بها. ولكن الاختلاف بيننا ليس قائماً على عامل الفهم. إنه اختلاف قائم على عامل الخلق والابتكار، فلن يفهمني كما ينبغي إلا إذا استطاع أن يستشعر المفهومات في عجنتها الخام وأغوار الحس. لذلك لم أُسَفِّه ما قاله. فمنذ الابتدائية أنا في جهة والأطفال في جهة. كانوا يتعَجّلون لدخول مَكّة مع حمزة بن عبد المطلب، وكنت أفارقه على أعتابها تمَسّكاً مني بالإنسان مرؤوس الخُطا والخارجي. هم يحبون التجَوُّل معه في شعاب مكة ليُسَفِّه لهم الكفار. وليكون لهم البطل الذي يتمنون طاقته ليعيشوا بها مهابين بين الناس. وكنت أُريده حمزة المُقْفِر. الذي يرد جبين جواده سراب الصحراء، مَن يدندن مع أصوات الريح وعواء الليل وخوار الوحوش، الفتى الذي يحرث ظهور الخيل بصلبه، حمزة المأهول بالرحيل والوحشة. كانوا يفهمون التاريخ كبحيرة وكنت أفهمه مجرى لنهر. هَزّ عاطف رأسه بأسى: العتمة تُسَجِّي قلبك يا كمال. لقد جعلته بئر ظلال قاحلة، ليس بوسعها أن تسقي إلا ضالات الطرق. "أنت مخطئ يا عاطف. لأن الأشياء المعتمة لا تكتظ بالظلال، إذ إنّها تبوح بها. الأشياء الشفّافة وحدها التي تبتلع ظلالها". تنَهّد عاطف بطريقة مسرحية ثم تطلع إلى وجهي دون أن يتأمّل فيه بعمق. أو راجعه كاستذكار. فبدا وكأنَّه يُقارن بعض الأشياء التي طرأت على وجهي الجديد مع مطالعة قديمة لوجهي يحتفظ بها منذ أيام الدراسة، ليستجوبني بتحَسُّر: هل تذكر سلمى؟ وسلمى هذه فتاة زعمت بأنها تُحِبُّني وأنا أكّدت لها بأن هذا ليس موضوعنا. قالت لي: تزوجني. وقلت لها: لستِ أكبر تساؤل في حياتي لأتزوجك. يُمنتج عاطف قصتها أمامي من جديد،.. "لقد أحَبّتك سلمى حُبّاً عظيماً، من أجلك لا من أجلها. لم تكن أنانية حتى في شوقها إليك. كانت تشتاق إليك لتمنحك ثمار لقائها وليس لتجنيك. قالت لك: كن لي. وأنت لم تكن لها سوى شجرة الصبّار غلفاء الشجر ومنزوعة البركة". لقد هَزّني تشبيهه لي بالصَبّار وأفرح فيّ الرجل المغرم بالإبداع حتى ولو كان إساءة شخصية. ولكن هنالك أحداً ما من الذين يسكنون قُطِّيتي لم يكن راضياً عن ذلك المجادل الذي يفترض أن عالم الفتى الأميبي يمكن تنقيته بالزواج أو بغيره لنكتشف أنه أعظم ما لدينا من ضمير إنساني. ضحكت. فبعضي يؤسس لكلٍّ غريبٍ عني. والرجل الأميبي ليس متأكّداً من بطلان وجوده فحسب، بل حتّى بالذي هو يمتد أمام وجوده من سراب. ومضى صوت عاطف جارفاً وعميقاً كنهر لا يشيخ. واندفنت أنا تحته كحجارة شلال باردة ومتفائلة السواد. أقبع في تراص جامد. ووجهي يُطل على الظلمة التي تختبئ في قوس الفراغ المثبّت -كقوس لأحد الآلهة القديمة- بين الماء وجسد الشلال. أُرهف السمع لتشَظّي المياه والتيار على بعضي المتناثر أسفل النهر. مضى صوت عاطف العميق لدرجة الأبدية: كُراستك التي نسيتها معي مكتوب فيها: "لقد أدركنا الدنيا والحبيبات فيها بلا رحيق. والأمهات أثداؤهن للّذة في فم الغريب.. والآباء هم ذلك الغريب. لقد مضى زمان الحبيبة التي تطوف على المصابيح بالزيت. والأم التي تلدنا بلا تساؤل عاق. إنه آن الهواجس الكبرى وغامضة. آن منافي القلق والريبة الفاتحة على طول الحياة". ولكن فتاة كسلمى يا كمال لم تُوجد في دنيا رجل من بني آدم. تضجرت بعض الشيء. فأنا لا أرفض محاكمته لي على أنني رجل ملعون. ولكن الذي لا يفهمه هو أنني لست ملعوناً لسبب مُعَيَّن، ولا أنني أقصد أن تكون لعنتي ضد أحد. وسلمى التي يتحدث عنها تلك، كنت كأنني أسمع بها لأول مرة، أو كأنّها نكتة سمجة تسمعها للمرة الألف. كما أنني لست إلا رجلاً من زبالة، وما أنا بإله، ليجوز له أن يسألني عن مصير أحد. ومضت دوامة نهره تتدفق بمعدلات أضخم. لتزداد في المقابل كثافة الظلام الذي أطل عليه. وليتمَتَّن قوس الفراغ ذلك ويلوح أكثر إلهيةً ولمعاناً في القَدَر. يمضي في المونتاج: لو كنتَ كل أحلام حياتها يا كمال، لكان بإمكانها أن تستبدل تلك الأحلام بأخرى. ولكنك كنت الحياة المخَصّصة لكل أحلامها. فلم ينبها من الأحلام بعد تخليك عنها إلا الجثث. شعرت بالرجل الأميبي ينازعني مقاطعة عاطف أو بالأحرى السخرية منه. ولكنني استطعت أن أكبت الضحكة في عيوني ثم أفْلَتُّ ابتسامة باهتة من فمي. تلَفّتت ابتسامتي غريبة ومبهمة ثم مضت في حال سبيلها. وهذه إحدى ملكات الرجل الأميبي المعتوهة. إنه يستطيع أن يمنع انفعالاته من بلوغ عينيه إن رغب في ذلك، بالرغم من أنهما الشاشة التي تظهر فيها تعابير الإنسان لا إرادياً. فقد خنقني فضول هبط عَليّ فجأة وعلى غير العادة لمعرفة مصير تلك السلمى وكأنّها آخر فرصة فضول تُتاح لي في حياتي. ولَمّا كنت أؤمن بأن انعكاسك في أي مرآة ذكية سيزيد على مرآك ببعض الشتائم، فقد سألته متعجلاً نهاية القصة،.. "اختصر يا عاطف.. هل انتحرت؟"،.. "لا. ولكنها تزَوّجت رجلاً الانتحار أفضل منه"،.. "بل الزواج نفسه كفكرة وكممارسة الانتحار أفضل منه. قل لي يا عاطف هل تزوجت أنت؟"،.. "نعم تزوجت"،.. "وماذا فعلت بتلك المرأة التي تحالفت معها فيما يُسَمّى بالزواج؟"،.. "أنجبت منها طفلين يملآن عليّ حياتي"،.. لم أستطع الهرب من الضحك هذه المرة. ليسأل هو ضاحكاً: تضحك ها؟ "ما أضحكني فكرة أنّ الحياة كالجوال والأطفال عبوة مناسبة لملء ذلك الجوال"،.. يشاء مناكفتي، فأُسابقه بالقراءة: رغوة البحر شهوة أعماقه للخلود لأن يتمَدّد مهولاً كالآفاق وبلا حدود
تلجلجت في فم عاطف بعض الجمل المبهمة ثم أبان بدمدمة ساخرة: لك خيال جيد لولا أنه مريض. "الخيال الذي تفتك به أمراض جمال شَتَّى خير من واقع طبيبه الوحيد النقود". يقفز هو بساقي انتصار واكتشاف: هنا إذن نلتقي بالفيروس. أعترض فرضيته فوراً: هنا إذن برنامج إذاعي للمشاركين الأغبياء. "لذا....."،.. قاطعته أو اختصرت على تحليله طريق الوصول للاشيء. فالذي أكثر يقيناً في نفس راعي ماعز جاهل واستيقظ باكراً، أنَّ حقل جاره تحت مشيئة سوائمه هو قبل مشيئة الله. لذلك أخذت تلك "اللذا" التي أراد عاطف أن يبدأ بها هرطقته لأفترع بها السخرية الواجبة الآن: لذا لو كنت حبيبتك يا عاطف فسأقول لك: "أحبك لأنك تضحكني". لم يغضب عاطف كما عهدته. كان يُسَمّي عدم غضبه ذلك بالحلم. وكنت أحاول أنا أن أقنعه بأن حصته من البرود رائعة ويمكن استغلالها على نحو أفضل. ولكن يبدو أن طبخي لنكتة هو صلصتها كارثة تستنفر طوارئ المعدة. فقد تغيَّر وجهه كمن يعاني من مغص حاد، ثم قال كلاماً كثيراً أهمّه، سأتركك للمصير الذي يُشَرِّفك يا كمال. ربما هذا المقطع الشعري لبشرى محمود يعني لك شيئاً. أطرق عاطف برأسه في صورة تقيسُ أكثر من كونها متأمّلة، إطراقة من يود القفز فوق بِرْكَة وحل، وقرأ: دون أن أقصد يقابلني في السكة الوصول فأجيئك كالطريق لا يقصد شيئاً من مجيئه
هاهو عاطف يقول شيئاً ذا بال! ولكن من هو بشرى محمود هذا؟ سألته. تشاغَل قليلاً ليقول، إنه شاعر. الناس متأكّدون من جنونه كتأكدهم من عبقريته. يُعتبر وجوده في أي مناسبة عامة مخالفة يُعاقب عليها القانون. دور النشر تُفَضّله لأنّ هنالك من يقرؤون له، والحكومات لا تطيقه لذات السبب. دورة حياته تتلخص في كتابة شعره داخل المعتقلات والسجون، ثم خروجه لفترة لا تكفي لغسل ملابسه، يقوم فيها بقراءات شعرية داخل منابر الجامعات. ليعود بعدها بتهمة التحريض للمعتقلات من جديد كي يواصل كتابته و-هكذا. اصطفى عاطف كلمة "هكذا" الأخيرة بتحقير خاص. وقلت أنا رَدَّاً لا يشبه أن يكون مُوجَّهاً إليه. قلت رامياً ببصري ناحية المراكب التي بدأت تغطس في غبش المساء وهي في طريقها للضفة الأخرى من النيل الأزرق. "الشعراء النظيفون عادة تنظفهم الحكومات، وهم كثمن لذلك يصيرون نظيفين من كل شيء". كانت تلك المرة الأولى التي أسمع فيها ببشرى محمود. فقد كان من الأسماء التي توَهَّجت بعد رحيلي. ولم أكن أدري أن نفقاً معكوساً كذيل العقرب -حلزوني ويطفح بالسموم. مدخله يلسع ومخرجه يقضم- سيجمعني به بعد ثلاثة أشهر فقط. إنه أكثر مخلوق استنفر حيرتي. لأنه ليس بساذج وليس بمدرك على طريقتي. ناقشني بشرى في السياسة فقلت له رأيي القديم فيها. بأنها لن يُوَفَّق أحدٌ في انتقاء عبارات تليق بوصفها إلا الفليل. إننا نولد هنا كي تبتزنا أرض خلاء باسم الوطن. كل يوم والقيود تنمو في أيدينا كالأظافر. برنامج أتفه ديكتاتور يُوضع بادعاءات أوسع من الرسالات السماوية جميعاً. ورغماً عن ذلك لا يسع لمؤمن واحد. أما الديموقراطية فهي قيلولة نصف العام التي تُحَضِّرُ البلاد لمجيء ديكتاتور أكثر عوراً من سابقه، والسياسة عندها تصبح كتشينة، الجوكر فيها رئيس الحزب، أمَّا أعضاء حزبه فهم الورق المُفَضَّل. ثم ليكنِ المواطنون -باقي الورق- فوجودهم ضروري كي تكتمل اللعبة. الذي كان من شأني مع عاطف أنه ضَيّفني ثلاثة أيام في بيته نسيت خلالها أن أسأله عن الكُرّاسة. لم يفارقني خلال تلك الثلاثة أيام شعور أنني لا أعيش داخل البيوت بقدر ما أنا مُخَزَّن فيها لموسم لا يأتي. حتى منامي لم يعد من أجل حلم شهواني، ولم يكن إلا فرصة للاوعي كي يواصل مسيرة يقظتي. في كون يركض كله نحو البعيد بلا ذعر أو عجلة. وإذ أنهض أجد في يديَّ أعراف الخيول التي تقتلعني من فوق ظهورها وتدس من تحتي صهوة برق. فأنطلق كرجل ذي مناخ خامل.. يصلح كمكان تُجرى فيه التجارب العلمية التي يُرجى لها عدم تدخل الظروف المحيطة. وعندما أهم بالبوح يتوتيني الشعر كحبل البهلوان: اللغة كائن من قصور التاريخ وتَفَشٍّ لانحسار البيان حتى لازمة الحديث
يا للرحيل الراهب في هذا الكون المبتذل. الأشياء هنا ذات اسم لا يحيط بها. والقواميس لا تعني سوى الشق الذي يمكن تدوينه من اللغة. ليس هنالك على الدوام إلا الأسئلة ذات الكتلة الحرجة: إيه الخلاني ضيعتك يا روح وعمّدك في ريفي الحزين لو فكرة جابوك من وجود ذي حداشر بُعُد الباقي من أبعادي وين؟ ومن قبلك كيف كان طقس الكلام وآدم صَانّي طين
إنه السودان الذي وسع ما لم تسعه سفينة نوح. ولكن أي حمام أو بوم يأتيه بغصن زيتون؟ ما يزال الطقس داخل طينة الأميبي ترابي وملفوف في ورق جرائد تافهة. ملامح وجهي تخَثَّرت فيها تعابير السلام، فلم تعد تُتقن إلا تعابير الاستياء والضجر. ودواخلي تنبطح كأرض فيها مُخَلَّفات جذور لنباتات كثيرة. لا يمكن لهذه النباتات أن تحيا أصلاً إلا في جو من الاحتراب وقتل بعضها بعضاً. قلت لنفسي وأنا أتصَفّح شوارع ود مدني، "الكارثة نعاني منها ولكنها تُغَيِّر الحياة. ربما لو أشعلت النار في هذه الأرض المحتربة أقترب من موسم حصاد ما. فالمزارعون في أنحاء كثيرة من بلادنا لهم إيمان تجريبي بأن اخضرار الأرض من قِيَم الحريق. لا بُدّ من انفجار عظيم يأتي بالإنسان. كالانفجار العظيم الذي دَسَّ الكون تحت قدمي ابن آدم. ولنلغي ذلك الإنسان مزولة التراب، الذي قدره أن تراقبه السماء وهو يفور كالدود إلى الأبد". وعندها تدَفَّق الشعر عبر لحائي كالصمغ، وبروح عجوز إغريقي موغل في الحكمة: يا ابن آدم عش كمعول يلهث كي يمد نفسه للعمق
في أثناء تجوالي غازلتني فكرة العودة إلى أمريكا. فالجوع هناك بأي حال ليس السبب الوحيد الذي يؤدي للوفاة. كما أنّ العيش مع إنسان فَقَدَ صوابه أفضل من العيش مع إنسان فَقَدَ ميزاته. الحقيقة أنّ عبارة: "يا تَعَدِّي يا تخلي المراكب للعِرِق" لم تكن تحتوي على خيار. أرورووك: "يا تعَدِّي يا تعَدِّي". ولما بلغت من الغزليات تلك مراودة السفر صراحة لاحَ بنك السودان أمامي كمصاريف أو كتذكرة سفر يطير بها الهواء. ولم يكن هذا الذي أسموه جريمة سوى أنني قبضتها. اضطررت للمكوث بود مدني ثلاثة أسابيع أخرى مضت كيفما اتفق. جمعت خلالها من الرجال البلهاء اثنين. لم يساعداني في العملية كلها بغير أن أوحيا إلى الذين كانوا بداخل البنك أن يرونني أنا بمفردي ثلاثة رجال. لقد استخدمتهما كخدعة بصرية لا أكثر. على كل حال الدور العظيم الذي لعبه الأبلهان في العملية أتى لاحقاً. فقد كان لهما خصوصية الإيقاع بنا في أيدي الشرطة بعد انتهاء العملية بعدّة أشهر. لقد رحلت أنا بعد الفراغ من العملية إلى الدندر مباشرة. ما كنت أقصد الاختباء وذهابي إلى هناك كان حالة تخص نفسها وتعنيها بدقة. كما أنّ الذي فعلته ما كنت لأعتبره سوى إضافة نظرية لعلم الاقتصاد. فعلم الاقتصاد اليوم علم نهب واسع جداً، ولن يُعجزه استيعاب عمليتي هذه في سلع قائمة الشرف: السلاح، النفط الحدودي، الأدوية الفاسدة والمنظمات المشبوهة. أكثر ما لفت انتباهي في مدينة الدندر هو الكتابة على الحيطان. كتابات نسيها أهلها ونسيتها الحيطان. الذي كتب أنه يحب فتاة تركها من نفسه أو تزوّجت هي بغيره. والذي كتب تسقط حكومة كذا إما أنه ترك مثل هذه الأمور وانشغل بغيرها، أو سقطت الحكومة من تلقاء نفسها يأساً. إذ إنّ الحكومات عندنا تُحبط كادرها قبل الجماهير. عبارات أخرى كثيرة على الحيطان لدرجة تجعلك تعتقد بأننا نبني المدن من كلام. كُتِبَت بألوان الأطفال والفحم والحجارة الجيرية والطباشير وكل ما يمكنه أن يترك أثراً على الحائط. مقولات مُهَرِّجة وأخرى حازمة في غير موضعها. تلك الكتابات على الجدران كانت موضوعاً مطوَّلاً وتافهاً كحملة انتخابية. وربما نحن أنفسنا موجودون هنا كتلك الكتابات التي يخطها أشخاص مجهولون ثم يمضون. يا لها من فكرة، أن نكون تذكارات لإله نسيَ موضوعنا وانشغل بغيره. لقد ذَكّرتني تلك الكتابات بمقطعي الذي يقول،.. في مدينة قاحلة تتربص بي اشتهيت لاسمي لافتةً يُكتب عليها
ولكن في ماذا يعني كمال وشعره أهل الدندر؟ كنت أخرج من زقاق وأدخل في زقاق. لا أدري ما الذي يمكن تفتيشه هنا. فالمدينة تنتمي للأدغال مائة بالمائة. وسكّانها بلا حيلة ومذلولين كالشياطين المرجومة. قسوة الريف تسرقهم الشهوة والطموح وتقدير الأمور. لمحت ورقة أو غلاف صابونة على الأرض فالتقطّتُها. يا له من اجتهاد غريب على ورقة صابون. ألوانٌ وخَطٌّ راقٍ ورسوم وشعارات، وكتاب سيرة حوى بطولات منقطعة النظير لتلك الصابونة. شيء كفكرة الحياة. اجتهاد في تفاهة وإصرار مهما طال به العمر فلا بد أن يسيح زيتُه في السكّة. انتابني ضحك جنوني حينما اكتشفت أنَّ الدندر وسكانها لا ذنب لهم. وأنّ الذي ينقصني لكي أعيش في سلام هو تلك الابتسامة التي كانت تُزَيِّن فم الرجل الذي أنتج هذه الصابونة. تلك الابتسامة التي تراوغ وتطمع وتعني السرور. ويا لها من ابتسامة صعبة وربما مستحيلة بالنسبة لي. الآن بالضبط الرجل الأميبي يشعر بالجفاف. مواعين أضخم ساقية تهب وتحتل في أعماقي ما تطلع إلا بالطين. ولذلك انسحبت إلى خارج المدينة. حيث يُطلق السودانيون اسم حظيرة الدندر على تلك الأحراش. وفي رأيي أنها جمهورية الدندر. لأنها تكاد تكون الدائرة الوحيدة الثابتة على مبدأ الانتخاب الطبيعي. وجدتُ أنّ إنسان هذه الأجمة منسوخ من طبيعتها. فالذي ينمو هنا على نحو محترم ومهاب هو الحشائش السامة والأضراس. أو إنسان بدائي تشَعّب في قبائل تلعق ثأرها للأبد. قمت باستئجار كوخ في تلك الناحية لا أعود إليه إلا للنوم أحياناً. إنها بيئة تصلح لمراجعة معاني العزلة في مناخها الطبيعي. أدغال ووحوش وظلام وإنسان عَارٍ لا يهمه شيء. لقد شجبت تصوري القديم للَّيل.. إنّه هنا لا شيء. الليل هنا يضعف لأن الإنسان يستيقظ. هنا الحياة لا تلعب والأمور كلها جد في جد. لقد أراحني الحذر الذي فرضته عليّ الأحراش من أثقال كثيرة كانت تُتعبني بلا فائدة. كنت قادراً على أن أخوض في حديث مُحَبّب مع كل شيء يحيط بي دون أن أنطق. فقط أرقد على قفاي فأجدني خائضاً فيه. كنت في الماضي أتملَّص مولولاً وراجياً: "اتركيني يا ذكرى فتاة القطار فحياتي تافهة. ولا شك أنني سأعتذر إن كنت سأعود لذات الحياة مرة أخرى. إنها كلُهاث الكلب ولا تستحق التكرار". ولكن حياتي في الأدغال حاولت أن تقنعني بأن الذي ينقصني هو الحب. وأنّ الجسد بكامله فمٌ للجوع والذي يشبع هو القلب. لقد صَدَّقتُ لمدى انتشاءة مقطعي هذا،.. لأنني بلا حب يرصدني هذا الجوع للنساء رغبة حيوان صادقة لا تختار لها امرأة فأية عابرة للطريق تدلف بالنبيذ
لقد امتدّت ذكرى فتاة القطار إلى ذاكرتي أيام ذلك الكوخ، كصوت حليب بعيد. يصدم إناء الحَلْب بوقع رتيب يتجه خافتاً نحو الامتلاء. ألحّت على قلبي بشراسة كحال كل المتطلبات في الأحراش. فاستضفتها في قارب تسلخ مقدمته جلد المياه. وتغري مؤخرته الطحالب الضالة فتتبعه في سَفَه. مجاديفه ترتفع كأكُفٍّ للدعاء ببطن الغابة ثم تهوي في المياه من جديد لتدك تجمعات الطحالب وعفونتها. رَحّبت بفتاة القطار كشخص موجود بالفعل ويشاركني غزو الغابة وظهر جَوّادي المائي. الذي استأجرته من أجل واقعة تتم بين الإنسان وذكرياته الموغلة في القدم. الإوز كان يطبطب من حولي في المياه وينقر أخشاب القارب المهترئة. حين أمسكت بقلمي لأكتب الشعر فاجأني شعور أنني أقبض على ذيل محراث،.. لفمي مرور النيل بين شفتيها الضفاف قطار السابعة ينهب جانباً من الأرض وحياة الناس وأنا منتشر على الرصيف كرائحة الكبريت كالطازج من الدم كبُقَع الرعاف
قلت في نفسي، لو كان الشعر جميلاً فهو لا يزيد على كونه فضلات عالم الحس والشعور، التي يمكن إخراجها. حينها امتلأ إناءُ الحلب ودخلت في زمني القديم، فما زمن فتاة القطار إلا زمن مسافر أخطأ مساره الكوني فاصطدم بأحاسيسي. فما يزال بعضي يشتهي بعضاً مجهولاً للهروب من قَدَر بَعْضٍ وحيد. وما زلت أذكر يوم رأتني صوفيا أبكي في الظلام. كنت أتأمّل من خلال نافذة الغرفة المظلمة عارضة خشبية مخلوعة تتأرجح في ضوء القمر. الريح التي تُحَرّكها هادئة وفيها وحشة حزن طَامٍ. السياج بطوله بدا رهن خصوصيته في الوجود. خطر لي أن الأشياء أيضاً لها مصير خاص. ولكن نحن البشر كل واحد منا يفهم الوجود على أنّه هو.. عقل هارب من وحشته وقلب ينبض بالمخاوف. لقد ملأني ذلك التأمل للعارضة برعب هائل ففَكّرت في الهرب. ولكن من ماذا؟ وإلى أين؟ الرعب الذي شعرت به جعلني شفيفاً فافترسني بكاء مرير. شعرت بصوفيا تتململ وتدفع بفخذها العاري ناحيتي. لقد بدت لي أنها هي لوهلة. ثم بدأت ملامحها في الاغتراب عني. يبدو أن النوم جعلها تخلص لمصيرها الخاص. سمعت صوت طائر ليلي يزعق في الظلمة. فقلت لنفسي، إنّه مصير لأحد تهتم به العناية الإلهية تماماً، كمصير أي نبي انتدبته في مهمة. أيقظ نشيجي صوفيا فرأتني أبكي في الظلام. قلت لها بسماحة دون عاطفة تنديد أو إدانة للحياة، مصيري يا صوفيا ليس فيه أي شيء يدعو لأن يُخَصَّص له بشر كامل. يمكن أن يكون مُجَرَّد تكليف إضافي، يُطلب من أي مخلوق آخر سَوْقِه مع وجوده الأساسي وينتهي الأمر. تحَسّستها في الظلام ثم أضفت ولصوتي مزايا رجاء حار وطفولي، لن تتخَلّي عني يا صوفيا؟ ستقفين معي حتى النهاية، أليس كذلك؟ نعرة الفن قاتلة، كلهم يحتضرون في الخفاء. خاصية النفاذ إلى بواطن الأشياء تشدهم إلى العذاب بلا رحمة. ضَمَّتني صوفيا إلى صدرها بحنو فشعرت بها مختلفة وكلها جلال وسحر. كنت أحتضر وأحتضر في صدرها حتى تُوفيت. ثم دخلت إلى الحياة من باب كانت تستره عني دنيويات أخرى وتافهة لطالما خدعتني بكونها تمثُّلاتٍ لأفكار ما. فقد اختمرت في دماغي عاطفة كالوباء، لأجعل صوفيا من بعدها عارية كضب خلوي، ثم صمتنا ليُثرثر الجسد. حينها انكشف لي أن الجنس مكيدة تخلط مصائر الناس بعضها ببعض. لا أعني إنجاب الأولاد، وإنما اجتياز الهوة وأيدينا بأيدي بعض. ففي حالة الرجل الأميبي يكون المُحَرِّك النفسي للجنس هو المواساة، فرعب الوجود لديه قاسٍ ولا يُحتمل. ثم دَوّنت هذا المقطع في أوراق صوفيا،.. مُدّي إليَّ مصيرك يا امرأة الليلة للعابرين بلا جسور ولنحزم عبورنا فكل ما أمامنا من المرحلة هاوية للعبور
كان القارب قد أوغل في الغابة بمسافة طولها مدى ذكرياتي. أحسست بنفسي معزولاً عن كل تشهّي النفس. ودماغي لم يعد يطلق نفيراً للألم أو تنبيهاً للتشبث بشيء. رجل وحيد ونهر وحيد في هذه البقعة من الأرض. للنهر حاشية من الغابات الشرسة، وللرجل حاشية من الجنون الموهوب. بعد زمن طويل من دخولي السجن تذكّرت هذا الإحساس هائل الجبروت. فقلت ربما في لحظة مثل هذه كتب بشرى محمود،.. سأسند ظهري إلى غير ما جدار وأدعو الأرض إلى مبارزة
يبدو أنّ بشرى قد فرغ من المعركة التي تقوم على أرض منه، وأعلن نفسه كمُخَلِّص للأرض. أو كقديس لا يَكَلُّ من الطيبة والدعوة لالتزام الهدوء. هو سيفعل ذلك كما يقول دائماً، من أجل إنسان جميل وذي مبادئ. أما أنا فمقاتل من طراز لا يأمل في نتيجة معركة ولا إقامة صلح. السلام كله ولا غيره، جنة هنا والآن وبلا تسويف. القارب يتقَدّم وأنا أتصفح عيون الوحوش البريئة. عيون بلا أمل وبلا يأس. لا تطمع ولا تحذر إلا في لحظة الحدث. فليس من خلفها ذاكرة ضمير تسمم براءتها بغازات ما اختزنته وتعَفّن. عيون ماضيها وراء اليم ومستقبلها ما أمام الشبكية. لكم هي المخلوقات رائعة عندما تخلو من قلق الإنسان وحَيْرته وتزامن الحنين فيه مع الموت والبعد. رفعت رأسي إلى السماء المهيبة. كان لون الشفق نظيفاً ودافئاً، تعبره أسراب الطيور وهي في طريقها نحو المغيب. تعبره كوَشْم على يد غجرية، يبدأ غليظ اللون ثم يتدرج باهتاً باهتاً حتى يندفن في المسام. امضِ أيتها الطيور، أنا أدري أن كل الأعشاش في جهة الغروب. لما انتبهت إلى القارب وجدت نفسي أُجَدّف في طريق العودة وأنا لا أدري. تنَهّدت لا إرادياً. فالوعي الباطن هو البئر العفنة في الإنسان. ولكنها للأسف ذات البئر التي يُرجى منها حفظ الحياة وأشياء أخرى كثيرة لا أعلمها. ولكن لا بأس إنّ لحظات الخطر تُطَهّرنا من الذكريات السيئة.. بكونها تجعلنا نشعر كما لو أنّنا خرجنا بشبكة وصدنا حياتنا. الأكواخ تقترب ولم يعد يختلف عندي الخوار والزئير والفحيح عن صياح متفرجين بقاعة سينما أو دار رياضة. عربات الشرطة كانت مختبئة بين الأكواخ كحشرة بنت المطر في فصل غير الخريف. كانت تنتظرني من أجل مسيرة جديدة، بعد أن كنت قد ابتلعت نفسي كنجم سماوي، ومضيت في ابتلاعها حتى اختفيت كهوة سوداء في فضاء الكون. غَيَّبت نوري في أعماقي، وانتشرت كجوع في الفراغ.. له أقدام كاذبة ومجال جذب شيطاني. الداخل إليه لا يمكن تمييزه عن ديناصور أو إنسان أو حجر. وداعاً فتاة القطار، لقد تركتِ لي ذكريات كأشيائي.. أشياء لا يُمكن أن يغادر بها قطار أو يمضي بها زمن. إذ إنّها ترتبط بما تبَقّى للإنسان من عمر وليس بما مضى. سأقضي على بعض العذاب بالعذاب كله كي تُروّض نفسي جحيمها بدلاً عن محاولات هربها الفاشلة
بينما سيارة الشرطة تمضي بنا ناحية ود مدني خطر على بالي أنّ الحقيقة لحظة ما، وليست فكرة بعينها. وعندما تأمّلت القيود في يدي شعرت بأنني متوفى وتذكرت قولي،.. والموتى حين نرميهم في القبور نعمة حياتنا التي نتذكّرها الآن وجدواها التي تُنسى بعد حين
صرخت في وجه البراري بوحي حقيقي وصادق، جدوى الحياة أنّك حي. تذَكَّرت أن العجوز الإيطالي دعاني لصداقته حينما لم تكن لي موهبة التعَرُّف على الناس، ظِلاً يعبر بين ظلال قلت له: أي شخص غريب بالنسبة لي افتراض. وأنا نفسي علي أن أتحاشى الأمور التي يمكنها أن تُحَوّلني إلى افتراض، كالوقوع في حب امرأة، أو الوقوع تحت تأثير حماسة ما. ليحاجج ظِلُّ العجوز ظلّي: هذا هو الضياع بعينه يا ولدي. "الضياع!؟.. أبداً، بل وجه شبه بالقدر. ألا يعني القدر تنفيذ جهلنا الكامل وبكل ما نمتلكه من عُمُر وطاقة؟
من اين ابدا؟ لا اعرف فلقد احتال على النص ومشيت فيه مع كل نسائه ورجاله من صوفيا الى المراة البجاوية الى غيرها وطفت معك فى خيالاتك التى يبدو انها تتقاسم النثر والشعر والحياة والموت والقدر ووقفت متاملة حياتنا التى يرسمها مناخ الرواية لدنك حتما احتاج لقراءة اخرى اكبر واكثر دربة لنص مفتوحة تاويلاته
02-01-2008, 02:11 AM
محسن خالد
محسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961
أنا الليلة سعيد غاية السعادة بزيارتك دي يا سلمى وأنت ممن أحمل لهم محبّة كبيرة وخاصّة، وكثيراً ما حمّلتُ تحياتي لك مع أصدقاء وصديقات مشتركين، وكدنا أن نلتقي في الدوحة إلا قليلا يا صديقة شاكر لك هذه الكلمات وهذا الإعزاز، وأنت وجهٌ من وجوه إعلامنا المحترم ومثقفينا الذين نعزهم ونحبهم. كوني بألف خير ولك أشرق ما في المودة من نهار
02-01-2008, 03:20 AM
إيمان أحمد
إيمان أحمد
تاريخ التسجيل: 10-08-2003
مجموع المشاركات: 3468
شعرت بصوفيا تتململ وتدفع بفخذها العاري ناحيتي. لقد بدت لي أنها هي لوهلة. ثم بدأت ملامحها في الاغتراب عني. يبدو أن النوم جعلها تخلص لمصيرها الخاص. سمعت صوت طائر ليلي يزعق في الظلمة. فقلت لنفسي، إنّه مصير لأحد تهتم به العناية الإلهية تماماً، كمصير أي نبي انتدبته في مهمة. أيقظ نشيجي صوفيا فرأتني أبكي في الظلام. قلت لها بسماحة دون عاطفة تنديد أو إدانة للحياة، مصيري يا صوفيا ليس فيه أي شيء يدعو لأن يُخَصَّص له بشر كامل. يمكن أن يكون مُجَرَّد تكليف إضافي، يُطلب من أي مخلوق آخر سَوْقِه مع وجوده الأساسي وينتهي الأمر. تحَسّستها في الظلام ثم أضفت ولصوتي مزايا رجاء حار وطفولي، لن تتخَلّي عني يا صوفيا؟ ستقفين معي حتى النهاية، أليس كذلك؟ نعرة الفن قاتلة، كلهم يحتضرون في الخفاء. خاصية النفاذ إلى بواطن الأشياء تشدهم إلى العذاب بلا رحمة.
والله نحنا من تيمو لصوفيا الواحد الشوق والرغبة تقتلوا في الحوامة بين كتابات رائعه
لقد قراتها من الصحابي الصادق الهاشمي شفت الاسم ده مليان كيف
سلامي لك وحتما سنتهاتف تاني
02-01-2008, 03:19 AM
Atif Makkawi
Atif Makkawi
تاريخ التسجيل: 03-23-2007
مجموع المشاركات: 2132
العزيز محسن لدى الرغبة الأكيدة لأن أقرأ لك وقبل ذلك لدى اقتراح فان كان ممكنا وعمليا فقد يشاركني فيه الكثيرين والاقتراح هو أن تقوم بتقطيع القصة الي خمسة حلقات لأنه وكما تعلم الاطلاع أمام شاشة الكمبيوتر يختلف تماما عن مسك دفتي كتاب ...فاذا كان ذلك ممكنا ستساعد الكثيرين مثلي 1-2-3-4-5 تنتهي من الحلقة الأولي الآن لتأتي للثانية عند الجلوس للمرة الثانية وهكذا...طبعا هناك من يستطيع وظروفه تسمح بالتهامها كاملة. أرجو أن يكون اقتراحي عمليا.
02-01-2008, 03:37 AM
Ashraf el-Halabi
Ashraf el-Halabi
تاريخ التسجيل: 10-08-2006
مجموع المشاركات: 5508
محسن سلامات حسب رأيي المتواضع كقارئي: الرجل الأميبي أكتر فصول احداثيات الإنسان جمالاً، يمكن لشراسة المنلوج الداخلي بين كمال وذاته اللي فيهو الحفر عميق، عميق والأفكار تعرض كما ولدتها أمها خالية من أي محاولة تجمل عكس ما هو الحال في بعض الحوارات التمت بين أكتر من طرف.
محبتي
02-01-2008, 05:48 AM
هشام المجمر
هشام المجمر
تاريخ التسجيل: 12-04-2004
مجموع المشاركات: 9533
Quote: إن الدنيا تعيشنا ولا نعيشها.. أناس كثيرون يمرون من هناك ومن هنا بظلالهم فقط
أسعدتنى مطالعة كل كلمة و أعدتنا لزمن القراءة و لم تكن ابدا لصور كولن ويلسون و لا (نن) Drift in Soho
Quote: أنا دخلت الحياة لأبحث فيها عن الخطط. وهم يأتون إليها وجيوبهم محشوَّة بالخطط، وكل ما يريدونه من الحياة فرصة لتنفيذها. يبدو أن النزاهة في امتحان مثل هذا لا تفيد. كان عليّ أن أحتال كي أدخل إليها وجيوبي مليئة بأوراق الغش.
لك خالص التهنئة على الطبعة و دمت بألف خير
02-01-2008, 08:59 AM
محسن خالد
محسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961
غايتو أنا بعرف (4) منى، أتوقع تكوني قاصدة منى أبو زيد. تلفوني المباشر في البروفايل، أو دا: [email protected]
أها في رجاك
دينا خالد المجينينة هوووي إنت لافاحة الكلام الفوق دا لإيمان بعدين خطبتيني في البوست البهناك داك شايفك، وأنا موافق. لا داير فتحة خشم ولا قولة خير، ولا أي حاجة. وليه ما وديتي صوري في بوستك بتاع ألن ديلون لالالالايمك
صبري يا عزيز أنا راجيك التلفون مش وصلك بالبريد!
عاطف المكاوي مقترحك والله سمح بالجد، لكن المشكلة بعد المداخلات دي راحت عليّ، كان مِ الأول هسع خلاص، الفاس وقع في الرأس
أشرف يا صديقي في الغار، شن أخبارك أخوي ما تغشني بسطر واحد تعال أكتب ليك كلام كميية كدا، عشان أنا آمن ذاتو كنت ناوي أسلم عليك وبكري عدّمنا حبّة المسنجر، عناويني تستلفها من إيمان دي فوق
هشام المجمّر يا زول مشتاقين وهو كذلك، لا يتوقّف أبداً حتى تموت لساتكه قبل أن يموت بتروله. مش هو قال أنا اتحولت لطاقة من جنس الروح، يعني إسراء ومعراج وهيك سفريات. كن بخير
الزميل أسعد الريفي ألفين سلام
مشكوور يا عزيزي على التهنئة... ما بناباها غايتو لو حولتها لي لتموليلت الغلبني أتمها دي. إلا الطبعات دي قدييمة وكان عاينت في الكتابة أم إنجليزي دي بتوريك التواريخ. نشري الهسّع دا مرتبط ببوست (عبّاس باركليز) أنا وعدت فيهو ناذر الخليفة بنشر حكاية (إسكليتون) تلك القصة، البودي بتاع القصّة دي ياهو عبّاس باركليز، لكن المدى لها هو أفق الإحداثيات السبعة التي نجرتُها لذهنية ونفسية وتربة الإنسان. غايتو كولن ويلسون أنا قصصو ما بتعجبني، إلا عندو أربعة كتب في التفاكر ما زيها، ولو أنّه يوفّر أفكار غيره ولكن يشتغل عليها بشكل محترف وخلاّق. أصول الدافع الجنسي سقوط الحضارة الشعر والصوفية المعقول واللامعقول في الأدب اللامنتمي كان عاجبني زمان، لما كبرت غيّرت رأيي وأصبحتُ أراه كتاباً سيء التأليف أما الكتاب السادس "فنسيتو" ما تضحك في نسيتو دي، قالوا لأشعب، دائماً كلامك في الأكل، كدي الليلة قول لينا حكمة، قال ليهم خبّرني من لا أشك في صدقه، أن سقراط –أو أي حكيم، المهم- قال: خصلتان من كنّ فيه حاز الحكمة. قالوا وما هما يا أشعب؟ قال: نسي محدّثي الأولى ونسيت أنا التانية. النكتة دي بالمناسبة في حديث في البخاري عن الإمامة –كما يرى الشيعة- مضحك أكتر منها. معليش علي الطربقة وكن بألف خير
02-01-2008, 08:13 AM
أبو ساندرا
أبو ساندرا
تاريخ التسجيل: 02-26-2003
مجموع المشاركات: 15493
Quote: جلست قريباً من ذلك البحر الذي تَعَلَّقت في سمائه غمائم باهتة. قلت في نفسي: "هذا البحر يرقد على أنفاس أن أمشي. سأمشي، سأجتازه. هذا البحر الوقح لن يكون مقبرة توقي للعبور. وهذه الغمائم البالية لن تحجب عني ما أحلم به من فضاء. لن أقبل أن أرى حدود دنياي. سيعجزك أيها البحر أن تغلقني. إن لي إرادة تتفَجَّر من الأعماق كالتي جعلتك تنشق في هذا المكان بالذات. إنني يا بحر أو أيّاً كنت، أدير نفسي من الشاطئ الآخر. نعم أنت تراني على شاطئك هذا. ولكنه انعكاس لي أنا الذي أقف على شاطئك الآخر. إنه رجل يعتقد بعظمة أنحائه البعيدة. فلا بُدّ أن يكون انعكاسه مهولاً، يسد ما بين شاطئين يرقدان على جنبتي بحر عظيم مثلك. يمكنك أن تغلق الأرض كي لا تهرب من دارة الأرض، أما الإنسان فحكمته تختلف. إنني رجل تحَوَّل إلى طاقة من جنس الروح ليقطعه بأسرع ما يكون، فهو ههنا فانٍ لا محالة وعليه أن يجتاز عدمه".
ود خالد ...
ما اجمل حضورك ... يا لها من لغة !!! ...
02-01-2008, 08:51 AM
تماضر الخنساء حمزه
تماضر الخنساء حمزه
تاريخ التسجيل: 10-13-2006
مجموع المشاركات: 5215
Quote: قلت في نفسي، لو كان الشعر جميلاً فهو لا يزيد على كونه فضلات عالم الحس والشعور، التي يمكن إخراجها. حينها امتلأ إناءُ الحلب ودخلت في زمني القديم، فما زمن فتاة القطار إلا زمن مسافر أخطأ مساره الكوني فاصطدم بأحاسيسي. فما يزال بعضي يشتهي بعضاً مجهولاً للهروب من قَدَر بَعْضٍ وحيد.
ياالله على هذه التعابير
02-01-2008, 08:54 AM
ناذر محمد الخليفة
ناذر محمد الخليفة
تاريخ التسجيل: 01-28-2005
مجموع المشاركات: 29251
والله يامحسن سعادتي بهذا الرابط لاتوصف، ونفسي اغتنم إحدى رواياتك ولو كلفتني الخمسمائة دولار. تعرف يامحسن مُشكلة الأدباء السودانيين مابعرفوا يروجوا لأنفسهم ولكتبهم القيمة، وربنا حباك بملكة الكتابة أتمنى أن تبرع أيضاً فى كيفية التسويق لهذه الكتابة، وأمنياتنا لك دوماً بالتوفيق والسداد، وربنا يعليك فوووق المابيك على قول حبوبتي زينب بت حجازي
02-01-2008, 05:18 PM
محسن خالد
محسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961
يا أبا ماهيتاب، وين الحي بيك؟ {حضور ذهني واصعاء} أصعاء يا شيوعي!؟ كدي الليسمعك عمّنا نقد، قال عن أجيالنا دي لا بتعرف إنجليزي ولا عربي، يضحك نهارك
سناء بنت جعفر، مشكورة يا بت أمّي العزيزة، أريتك بخير وطيبة
تماضر الخنساء، ويا الله عليك إنت ذاتك مشكورة وكوني بخير
ناذر إزيك خلاص تم قرايتك وقارن وتعال ورينا النتيجة
إشراقة الزينة والبريدها عاد أقول ليك شنو! دي نظام أنا خجلت وكدا، شفتِ كيف؟ مشتاقون وأتمنى يوم نلتقي في هذه الدنيا
أماني إزيّك وعاملة شنو وصديقنا العجوز -كيتاً عليه- والوليدات! والوليدات دي كيتاً علي إشراقة بتشتغل في العامية السودانية تأنيثاً وتذكيراً. عارفة؟ بمناسبة بوستك عن مصطلح الجندر وما إليه، طبعاً الجندر كان كورس ثابت في دراستنا بالكلية لعلم التنمية الريفية، لمَّن جيت لقيت الناس دي بتسوِّق في معنى عجيب للجندر احترت. معقول الناس ديل كلّهم ما فيهم زول بتاع اقتصاد. وبرضو لما إحدى الأخوات دايرة تشرح لي عن الجندر مخلوط بمفاهيم -ساكت- لحركات نسوية احترت بالتلاتة. شغل الجندر البنعرفو سين وصاد ما تديك فيهو الدرب، والفلسفات كلّها للحركات والتوجّهات النسوية التي نمت على سنام هذا العلم غير، والجندر كعلم اقتصاد غير. أها يا جندرية، قلنا مشتاقين
ويين يا نذير، أمّا مشتاقين. ليك أزمان يا عزيز والله يا نذير ومليت خشمي في الله يا قول بت طيفور، الكتب دي لا ينوبني منها ولو قطمير. وأنا هسّع لو دايرها إلا أمشي أشتري زيي وزي أي زول. أصحابي قالوا جننتهم، يمشوا يشتروها بقروشهم وأنا أجي أحنسن عشان أهديها للبنات الما بقرنها. لو كنت نشرت ربع الكتب النشرتها دي بالإنجليزي، يا سلام يا سلام، ديل ياخي ناس البيست سيلار. ونحن ناس البيست فلس، شفت كيف؟ فتّش في ذات الموقع بتلقى روابط لكتب تانية برضها لي. لو كتاب واحد يتوزع بالإنجليزية كما توزعت لي رواية (الحياة السرية للأشياء) كان أخوك بقى لورد إنجليزي أسود. أها أنا ما شغّال بيها لأنها ما جايبة همها، والنشر العربي لا يساوي شيئاً ولا يعود عليك إلا بشتائم الطيب مصطفى ومرتزقة صحافته. دا بيروت. أمَّا كتبي في القاهرة فبتتنشر من غير إذني، ولو داير أوقّف الحكاية دي مفروض أركب طيارة بكرة وأرفع قضية على الناشر، كفاك وألا أزيدك!؟ كتب البحوث والتحرير وشنو وشنو داك، دي أصلللللها معروف إنها صدقة جارية، بالنسبة للناشر العربي كونك تحقّق أو تحرر كتاب تراث فشنو يعني، ما حقو هو، طوالي ينشروا ويسمك حتى في إنو يشاورك. غايتو يضحك نهارك، كتلتني بالضحك. مالك ياخي داير تطفش مني دينا خالد بعد ما خطبتني براها، هسّع تسمع الكلام دا تقول: هييي يا يمة! تاريهو الحال كدي. خلينا ياخي قاشرين علي حس الأغلفة السمحة دي للكتب والسكن "لندن عمارات فوق" يا قول الغناية، والشغلانية كلّها سَلَطة أسود تحش المصارين. كن بخير يا جميل
الأخ محسن تحياتي ووينك ياراجل نتمنى أن تكون بخير .... سردك مافي شك جميل وممتع وبتخلي الواحد يعيش في " إحداثيات مختلفة" ووقع في يدي مرة الكتاب دة وقريت فيهو كثير واستمتعت بيهو كثير ، وبرضو كلب السجان ، لكن يبدو انو الزمن أكل وشرب فينا بقى الواحد لو قرا ليهو سؤالي في البداية ليه قلت (The Coordinates of Man) يعني ليه إنسان دي بقت man ، وبالترجمة فعلا بتجي كدة ، لكن ليه ، نظام عكلتة ولياقة ..
دمت بألف خير ..
02-02-2008, 08:37 PM
ناذر محمد الخليفة
ناذر محمد الخليفة
تاريخ التسجيل: 01-28-2005
مجموع المشاركات: 29251
أسمح لي بنقل هذه المداخلة هنا من بوست عباس باركليز :
Quote: كتب محسن خالد :
Quote: القصة دي أنا كتبتها قبل خمسة عشر عاماً من الآن. 15 سنة بالتمام والكمال. وشخصية (كمال: الرجل الأميبي، من روايتي إحداثيات الإنسان) هي قناع لشخصية عبّاس. وقد قمتُ بإبدال الاسم لأنّني وضعتُ تصوراً آخر للشخصية. عملتُه بدأ الدراسة في جامعة الخرطوم كليّة الهندسة وتركها من السنة الأولى، وسافر بدون أوراق عبر سفينة من بورتسودان كما حدث في الحقيقة. تحرّك أولاً إلى أوروبا ثم بعدها إلى أمريكا وعاد ليسرق بنك السودان ثم يُقبض عليه بسبب رفيقيه ويُلقى في سجن مدينة ود مدني كما حدث بالفعل.
ونجد هذه المقاربة تنطبق مع ما ذكر في روايته وتحديداً هذه الجزيئات :
Quote: على كلٍّ فقد مكثت في بورتسودان أرقب البواخر والسفن وأفهم حركتها. حتى وجدت الفرصة لأتسَلّل إلى إحدى البواخر المتجهة إلى بلاد الأبيض المتوسط الأوربية.
Quote: سئمت أمريكا التي كنت في السابق سأنتحر إن لم أذهب إليها. رغبت في أن أجد ذات الرائحة التي وجدها كولومبس حينما وضع قدمه على تلك الأرض لأوّل مرة. رائحة الأرض التي تنخلق في عرض البحر ومن ملحه. كنت أطمح إلى أن أبلغ مكاناً مختلفاً بحق، وتحجبه عَنّي البحار بالفعل، ولا يدل على وجوده سوى أن النوارس تُحَوِّم في البحر بعيداً عن الشاطئ. ولكن ما أحبطني أنَّ طَعْم الأشياء والناس لم يتبدل عندي إلا يسيراً.
Quote: على طول الطريق إلى مدني كانت تطالعني البيوت التي لا تمتلك دليلاً واحداً على تلك الشبهة. عندما نزلت في محطة المواصلات المركزية لم أكن أقصد وجهة بعينها في المدينة. تمشيت من هناك إلى أن بلغت شارع النيل. كنت أنوي أن أقضي الليل في غابة أمبارونا. ولكن حالة خَدَر غريبة ألَمّت بي بحرص وتأنٍّ كما تلم الشيخوخة بالبدن. شعرت بالإعياء فدخلت إلى واحدة من حدائق شارع النيل واستسلمت لذاك الخدر. كنت أسمع أصوات المخلوقات الغامضة وهي تقضم أشياء أخرى غامضة في الليل. طقطقة السقف وفرقعة مفاصل الحشرات. أصوات الزحف المكتوم. وقع الخُطَا المسرعة التي لا تقترب ولا تبتعد فكأنما تركض في مكانها. العالم الحقير وغير المرئي كله أخذ يدب ويتنفس. كنت كمن ينام في برزخ. فقد اقترب مني غموض كل ما هو حي وناءٍ. كل ما هو على صلة بالحياة وغير متضح الوجود.
وفي مداخلة محسن خالد يقول :
Quote: والرجل قُبض عليه بعد زمن طويل بسبب شريكيه أيضاً. واقعة مكوثه في غابة أم بارونا، وعيشه في بريّة الدندر هذه أحداث اخترعتُها بنفسي وليست حقيقية.
ويظهر هذا في روايته حين نقرأ :
Quote: اضطررت للمكوث بود مدني ثلاثة أسابيع أخرى مضت كيفما اتفق. جمعت خلالها من الرجال البلهاء اثنين. لم يساعداني في العملية كلها بغير أن أوحيا إلى الذين كانوا بداخل البنك أن يرونني أنا بمفردي ثلاثة رجال. لقد استخدمتهما كخدعة بصرية لا أكثر. على كل حال الدور العظيم الذي لعبه الأبلهان في العملية أتى لاحقاً. فقد كان لهما خصوصية الإيقاع بنا في أيدي الشرطة بعد انتهاء العملية بعدّة أشهر. لقد رحلت أنا بعد الفراغ من العملية إلى الدندر مباشرة. ما كنت أقصد الاختباء وذهابي إلى هناك كان حالة تخص نفسها وتعنيها بدقة. كما أنّ الذي فعلته ما كنت لأعتبره سوى إضافة نظرية لعلم الاقتصاد. فعلم الاقتصاد اليوم علم نهب واسع جداً، ولن يُعجزه استيعاب عمليتي هذه في سلع قائمة الشرف: السلاح، النفط الحدودي، الأدوية الفاسدة والمنظمات المشبوهة. أكثر ما لفت انتباهي في مدينة الدندر هو الكتابة على الحيطان. كتابات نسيها أهلها ونسيتها الحيطان. الذي كتب أنه يحب فتاة تركها من نفسه أو تزوّجت هي بغيره. والذي كتب تسقط حكومة كذا إما أنه ترك مثل هذه الأمور وانشغل بغيرها، أو سقطت الحكومة من تلقاء نفسها يأساً. إذ إنّ الحكومات عندنا تُحبط كادرها قبل الجماهير.
وهنالك الكثير في رواية الرجل الاميبي لمحسن خالد نجد بها مقاطع رائعات ربما كانت تصوير للحالة النفسية التي كان عليها عباس باركليز في أثناء رحلته لامريكا وعودته منها تجسدها شخصية كمال .. وتظهر من خلال محاورته لصوفيا ..
المجال يتسع للمناقشة وإبدأ الأراء حول قصة الرجل الاميبي وحكاية عباس باركليز ..
أنور الطيب، يا أيها الصديق الجميل، أريتك بخير مرة كنت بدَّهبش بالصدفة وشفت كلامك عن (الإحداثيات) بس توو ليت. عامل شنو إنت؟ دافن لي حكاية شنطة اللابتوب لسع وألا اقتنعت إنّي أغبش!؟ يضحك نهارك. العنوان بالإنجليزي يا أنور أنا ما عملتو، بل عملو أستاذ التجاني. ممكن أجاوبك لكن بتكون دي إجابتي أنا وما وجهة نظر المترجم. إنت داير تقول شنو؟ يا ريت توريني وجهة نظرك. ولك المعزّات كلّها، وأجمل ما في المودّة من نهار
يا ناذر مشكور على المساهمة دي، أنا ما داير أشورب في وجهة نظرك، لكنّ لسّع دقّق بتلقى حاجات أكتر من الجبتهن ديل. وكن بخير
يا عمدة، وحياة ديني أنا ما قايلك رحلت السودان، لامن كلّمني زول صاحبي. أها والبلد كيف علي حسّك!؟ الدوحة شكلها ح تفرتك كلّها، صاحبي كيكي برضو طاشي أمريكا، غايتو حكاية. علي بالحلال إت ياكا العرفت الدرب الصحيح، (العودة إلى ميتوشالح) أو كما قال بيرنارد شو. كيكي دا خليهو يشرب مواصة لمّا يآمن. بتسألني تعمل شنو؟ ولا أيتها حاجة يا عُمَد، بس من دربك دا وتعمل الهناي داك، شفت؟ مواساة ياخي مواساة، رعب الوجود لا يحتمل لمفرد، أوفى ما قال الرجل الأميبي. يو تيك كير يا فردة، ولا ترسم ولا تكتب، ناسكم ديل بضبحو عديل، ياهووو.. قال العودة إلى ميتوشالح قال!
مجاهد عبد الله يا زول إنت وينك؟ لينا منّك دهور، منتهى الوحشة يا خي أريتك طيّب وفي أمان، والدنيا مدقلشة معاك مشكور يا صديقي وكن بألف خير
02-04-2008, 01:14 AM
Bashasha
Bashasha
تاريخ التسجيل: 10-08-2003
مجموع المشاركات: 26620
Quote: ولمّا كانت الأندلس تنتظر ابن زياد.. فقد صدق له أن المشي يحذف من الطريق ويضيف إلى الأمل. ولهذا فهم عصره أن الذي يمشي فقد بدأ وصوله فعلياً، أما في عصرنا هذا، فالذي مهما اقترب لم يتخَلَّص من بُعْدِه نهائياً.
هذه حكمة بليغة و تفصيل بمبضع خبير لكل من يسير أو ينوي المسير نحو أهدافه و غاياته
بجيك تاني
02-04-2008, 06:29 AM
ناذر محمد الخليفة
ناذر محمد الخليفة
تاريخ التسجيل: 01-28-2005
مجموع المشاركات: 29251
Quote: عيون بلا أمل وبلا يأس. لا تطمع ولا تحذر إلا في لحظة الحدث. فليس من خلفها ذاكرة ضمير تسمم براءتها بغازات ما اختزنته وتعَفّن. عيون ماضيها وراء اليم ومستقبلها ما أمام الشبكية
ابو الفصاحة ذاتو.. ياجنى انتا مبخرنك بي ورق كتاب بلاغة؟!!
غايتو الوصف ده انا حاستعيروا من شدة مداهو لي وصف عيون سناء..
زماااااااااان يامحسن(قبل ظهورك في سودانيزاونلاين) لميت في جزء من احدثيات الانسان اصلا كنت شايل سفروقي وخشيت على النت وكانت شهوتي للقنص جد عظيمه، اها جيت مارق بصيده سمينه وكعادتي لميت ناسي وشوينها على الجمر على الجمر، اها قلتا ياود يامحمد شوف المصدر ده من انهي بكان لقيتك حينها في دبي وحينها دفعنا لكم في دبي ال مكتوم بفلذة اكبادنا كمطاليق وصعاليق اخونا حسبو وقلتا عليك به اترو وشوفوا على الهواء مباشرة بشبه نضمو ولا ضل ضحى ، جا بعد كم زمن وقال لي في معرض حديثو محسن صحبي ياخ ياتو ده محسن خالد ؟؟؟ اتفرج اكتب ياخ وخليك في وسط الدايره
02-04-2008, 01:11 PM
عبدالله الشقليني
عبدالله الشقليني
تاريخ التسجيل: 03-01-2005
مجموع المشاركات: 12736
لو رسم المرء إحداثيات لموقع محبته ، لوجدها تئن تحت شتاءٍ غائم شمالاً . قرأنا هنا الحكاوي مُضمرة برؤى كثيفة ، تُثير في المرء شجون " تجربة حياة " أكثر من تجربة كتابة روائية . تنضرت يا بهي المراتع ..
شكراً لك مُحسن
***
02-04-2008, 07:50 PM
بله محمد الفاضل
بله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617
كتابةٌ مُشتعلةٌ ومغايرةٌ تحمل من جملةٍ إلى أخرى وشائج لا انفصام يتغشاها... طفقتُ أضع خطوطاً عند كُلِّ مغزىً يفتح أبواب الدهشة والكلام لكني وجدتني أكاد أجعل كل الفصل خطوطا..
يا محسن أريتك طيب وكيف حالك ، قضية اللاب توب دي طبعا كرت رابح لكن نحاول نشوف كروت أخرى ، وبعضها موجود لكن تظهر في حينها،
طبعا أنا قصدت في الترجمة " ودة كان اجتهاد واحد فاضي" في المرة الأولى ولكن بعدما رجعت لي مرجع oxford word power لقيت إنو استخدام كلمة man للدلالة على الإنسان غير محبذ من البعض لأن الكلمة تستثني المرأة ولكن هنالك كثيرون يستخدمونها للدلالة على الإنسان ، فاستخدامها صحيح ولكن ما صدقنا لقينا حاجة نتداخل بيها معاك ونعرف أخبارك دة كل الموضوع .
02-05-2008, 06:16 AM
ناذر محمد الخليفة
ناذر محمد الخليفة
تاريخ التسجيل: 01-28-2005
مجموع المشاركات: 29251
محسن خالد ياصديقي المبدع ليك وحشة ولي تمولليت الف وحشة لابدا اننا حنتلقى اذا كانا احياء ونمشي المغرب سواء كما اتفقنا لا استطيع ان اقول شي في هذا الابداع الحكيم مبدع ومبدع وحتظل دائما مبدع راجعك ايميلك دا [email protected] وارجو الافادة
02-05-2008, 02:35 PM
الجندرية
الجندرية
تاريخ التسجيل: 10-02-2002
مجموع المشاركات: 9450
Quote: بمناسبة بوستك عن مصطلح الجندر وما إليه، طبعاً الجندر كان كورس ثابت في دراستنا بالكلية لعلم التنمية الريفية، لمَّن جيت لقيت الناس دي بتسوِّق في معنى عجيب للجندر احترت. معقول الناس ديل كلّهم ما فيهم زول بتاع اقتصاد. وبرضو لما إحدى الأخوات دايرة تشرح لي عن الجندر مخلوط بمفاهيم -ساكت- لحركات نسوية احترت بالتلاتة. شغل الجندر البنعرفو سين وصاد ما تديك فيهو الدرب، والفلسفات كلّها للحركات والتوجّهات النسوية التي نمت على سنام هذا العلم غير، والجندر كعلم اقتصاد غير.
تعرف يا صاحبي ، كان قلت كدي رفعت كي بوردك لحدي حلتنا ديك ، تكون دعمك مشروع اختك جنس دعم ، لانه بس فكرة انه رجال يكتبوا عن الجندر دا حيهدم تلاتة ارباع البنيان المكعوج عن الجندر دا . اما عن الشوق ، ياهو زي ما قلت لحبيباً لينا كدا بقى توب مرقة وطرحة لفحتنا ، الله يلمنا في ساعة خير ويبل الاشواق.
02-05-2008, 06:09 PM
ناذر محمد الخليفة
ناذر محمد الخليفة
تاريخ التسجيل: 01-28-2005
مجموع المشاركات: 29251
Quote: لقد أعربوا التاريخ كجملة غير مفيدة. لكم وددت أن أعيد كتابة التاريخ لأقول: "إن التاريخ ليس نافذة تطل على أصقاع الماضي. بل مخاوف تدفع بنا إلى الأمام". كنت سأحذف منه كل القصص، وأثبت ما بلغني منه بدراسة شخصيتي ولغتي. "ليصبح التاريخ ماذا؟"،.. "ليصبح باختصار أنا"،..
Quote: الذي يسمح لنفسه بأن يمتطي ظهرك لن تحتاج إلى مبادئ كي تنزله
Quote: أنا لست مهموماً بفكرة التحَقُّق من الرجل الذي يجيد الكذب في المجلات والصحف. وإنما بفكرة التحَقُّق من الرجل المكذوب في قاعه. إن الإنسان أصبح مشكلة، وحتى مشكلة هذه فإنه لم يصبح مشكلة محترمة. فهنالك دهليز بداخلنا لا نشعر به ينمو فيه رجل كنبات الظل
محسـن،، الله يخليك..
02-07-2008, 08:07 PM
محسن خالد
محسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961
أبا جهينة، دائماً نقّاي، شايفك من زمان ماك كاتب عاد
يا ناذر الخلفية في واحدات مُكان، زي بتاعة إنو مشى الريف الشمالي دي، بتوريك أهلو من وين. صاح؟ شغلك في رفع البوست دا وسخان، يضحك نهارك، إلا إنت بتدفرو قدام وبدون أي نقطة دي كيف؟ كن بخير
سمرية يا سمارة إنت والله شاطرة، دي ملخّص الحضارات دي كلّها، واحد بسمع تكات المسدسات "الغربية" في قراباتها، ويتزحزح عشان يكون قريب من مقبض سيفو الإسلامي لما تدوّر، ياها كلّها كدا. والسلام العالمي دا أكبر وهمة. وعلى مستوى المفرد انعدمت الثقة تماماً، والصداقة بقت في هذا الزمن الغدّار ما هي إلا الأساس العملي الذي ستنهض عليه أنقاضها فيما بعد، أو بنايات العداء لاحقاً. وينك إنت؟ أمَّا مشتاقين، والانقطاعة في شنو يا ختي، طيبة وشديدة؟
يا دكين، كيفك؟ لمّا شفت صورة عزوز قلت زارتنا الملائكة، ولمّا دققت في البروفايل لقيتها دي الشواطين، يضحك نهارك. سناء منو؟ أم عيوناً كُبار قصدك؟
محمّد أحمد محمود، ياخي إزيك، وتانياً أنا عندي براي مزاج كدا مع الناس البعرفوني بالإحداثيات قبّال النت دا. لأنو بجوا داخلين بالملف الأساسي للحكاية. كيفنّك يا زول، وحسبو بالحيل صاحبي، رغم عدم المشاوفة بيناتنا، لكن لازماً نباصر الحكاية دي، ونلاقيهو –بدري- وبيناتنا مساحة من الصلع، داير لي قشرة وجاهة عليهو، لأنو قاشر علي بشوفة أمّنا زينب الوجيهة كما قال. يضحك نهارك، أوع تقطع رجلك مننا يا زين
الشقليني يا صديقي في الغار مشكور يابا، وإن شاء الله في جديد كتاباتك ورسوماتك أبقى طيّب وسلامي لمن حولك
بلة محمّد الفاضل مشكور يا أخوي، ودام بهاك أسمح لك طوالي بعرض هذا العمل حيث تريد مع "توثيق المعلومات الفوقو دي"، وعدم مسّه مطلقاً. ومشكور على هذا الحب، وعلى الكتابة من وحي الأميبي، جزيل الشكر، وكن بألف خير
يا أنور الطيب، مشكلة اللغة (عموماً) مع مفاهيم اليوم مشكلة طويلة عويصة وأنت أدرى بذلك. يعني (الجنس البشري) مثلاً، دلالتها ياهو جاية من حكاية (أبو البشر) و(حواء) هي الجات من ضلع آدم، ودا في الأديان السماوية كلّها بالطبع، وووو إلخ... طبعاً ح تتم القصة براك. المهم إنو تغيير الحاجات دي محتاج نغيّر الثقافة الإنسانية ذاتها، كان الله طلق ضراع البشر والدرب بيطول. إنت ياخي من حكاية مجلّة العربي ديك خليتني رايح ليوم الليلة، أبقى طيّب ويضحك نهارك
سموأل إبراهيم، يا زول إنت وينك؟ البركة في الشوفة والله قالوا عرست ويمكن عملت وليدات ذاتو، طبعاً دي قوالاتك براك في الإيميل، يضحك نهارك الإيميل وصلني بالحيل وبدنكل ليك عليهو رد فانتظرني.. جاييك وكن بألف خير
أماني، يا ست السماحة تعرفي؟ الجندر القريناهو "جُلّه" كتبوهوا رجال بتاعين اقتصاد، تصدّقي؟ أصلاً هو الموضوع اتشرتم من علوم الاقتصاد الاجتماعية ومشاكل الجمعيات التعاونية المُبكّرة جداً، وأنشطة المرأة الريفية المظلومة. وياهو بعد داك قام جَرّ، واستفادوا منه النسويون والنسويات –بتوع المدن- وبقوا يطاردوا في المفاهيم المكعوجة حسب وجهة نظرن. يعني الجندر نهض كحرب حقيقية زي الشيوعية، بس لموا فيهو نسيو ونسويات المدن أسمحي لي أقول ليك جوبكوهوا. بالمختصر بذرة الموضوع دا هي (دور الرجل والمرأة في صنع الاقتصاد. أي ما خلاصته أنّ الرجل يستعبد المرأة انطلاقاً من الاقتصاد. وبعدها يصبح مفهوماً الاستهوان بها من الجوانب كلّها). إذن (دراسات الجندر الاقتصادية) دايرة تسوق الموضوع دا بالعكس، أو دايرة تخلّص المرأة من قهر الرجل الاقتصادي. عجبتني المداخلة الفاهمة لكبَّر، وذكّرتني مغالطاتنا للأساتذة بإنو (امرأة الريف) ليست هي (امرأة المدن). بالتالي الجندر دا يا نقسمو مدينة وريف، يا لكم جندركم ولنا جندرنا. البوست بتاعك والله جميل يا أماني ويدّي ماكلاني عليهو وفي نفس الوكت بقت شبكي كتيرة. لكن أشوف كان لقيت لي فرقة بجي أحاكي ليكم ناس الاقتصاد في طريقة نضمن عن الموضوع دا، وكيف بشوفوهوا من وجهة نظرن؟ وأكون ساهمت مع أخواني وأخواتي بهناك ومشتاقين لامن تغيب الشمس
عيسى إزيك يا صديق ووينك يا رجل، مشكور مختفي مالك؟
02-08-2008, 01:24 PM
عبدالأله زمراوي
عبدالأله زمراوي
تاريخ التسجيل: 05-22-2003
مجموع المشاركات: 744
Quote: إنت ياخي من حكاية مجلّة العربي ديك خليتني رايح ليوم الليلة، أبقى طيّب ويضحك نهارك
الأخ محسن كيفك ، طبعا الأيام ديك كان عندي كم موضوع في راسي وقلت على رأيك أراسلك على الإيميل أفضل ولكن رجعت لبروفايلك مالقيت درب امشي بيهو عليك ومن ديك وعييك ، المهم الموضوع في اللحظة ديك كان ما بيتناسب مع اللحظة الإنت فيها لكن الراس خرب والواحد إنشغل بنفسو وماشاء الله" ذاكرتك حديد " ......... وخلينا مستمتعين بما تكتب ..
محسن صديقي.... كيفك وزنزانة الحرية..........؟ مثلي دائما تحتسي قهوتك علي رصيف مهمش.... عذرا قرأتك متاخرا..قرأتك عاريا الا من...دهشتي... ما عارف ليه دائما اقرؤك ونصوصك رافعة رجليها... لذا جئت لاستمني هنا...وليس في العتمة حرج تعرف يا صديقي أن من مساوئ البرد أنه يضطر للبس بجامة تحت البنطلون... وهذا يسبب مضايقة متعبة.. أو هكذا ارهقتني حروفك... انتظرني ساحدثك عن لذة الاستمناء فلا تعبتبرها رعونة في اخلاقيات العورة... ولكنها لحظة ارتعاش....أو رجفة انتحار انيق.. بجيك راجع لاموت كافرا هنا.. وفيروز لازالت تغني..................... سلملم
02-10-2008, 01:19 PM
محسن خالد
محسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961
Sorry guys Iam abroad at the moment (out of england) and I will get back to you once I’m home . (home) !!? Sajam Elmsiktab . Thanx for your participation and help with the posts, I do appreciate all of your cooperation and resourceful comments. Ciao… Ciao Alla wa Elrasool
Muhsin Khalid
02-10-2008, 05:44 PM
عبد الله إبراهيم الطاهر
عبد الله إبراهيم الطاهر
تاريخ التسجيل: 04-19-2005
مجموع المشاركات: 616
صاحبي المحسن الخالد لك الله سيدي أنقطعت أخبارك عنا وأنقطعنا نحن عن سودانيز ... حينما زادت المشغوليات ... وأصابني الحنين إلى إحداثيات الأصحاب الرائعين هنا وأنت أولهم ... استمتع كثيراً وأنا أقرأ هذا الرجل الأميبي الذي يبحث في عبث الوجود ... متعة الذي يعود إلى ظل يظله من حر الدنيا .... متعة لا تعادلها أي متعة ... متعك الله بالصحة ... سأعود بكل تأكيد مرة أخرى ...
Quote: اسم الكتاب إحداثيات الإنسان اسم المؤلف محسن خالد عدد الصفحات 182 السعر 6.00 $ الناشر المؤسسة العربية للدراسات والنشر تجليد الكتاب تجليد عادي رقم الإيداع الدولي 9953368686
الاديب محسن
حقيقه صعب جدا ( بالنسبه لى ) انو اقرا المكتوب كلو فى يوم ولا يومين داير لى زى 3 شهور ( باقى النظر قنا نربى بيهو الوليدات ) ,, ودى حالتا فاصل او باب واحد من الروايه قلته اشتريها واهو القرايه بتكون مريحه ودرجه الاستعاب بيكون احسن وممكن نهديها بروض لى للاحباب قمته لقيت السعر سته دولار .. اها سؤالى دا ادولار بالجديد ولا القديم وبعدين هل ممكن الشراء مباشره من الناشر ام هناك جهات اخرى مع العلم بانى فى الولايات المتحده
و تهنئه بالمجهود الرائع ويا جبل ما تعتر ليك قشه
02-12-2008, 06:49 AM
salma subhi
salma subhi
تاريخ التسجيل: 06-29-2006
مجموع المشاركات: 4817
محسن إذيك.. و الرجل الاميبي زاتو عندو وقع قوي جواي.. (كل مالم يمكنني أن أضبطه في يدي..مثل الحياة.. يحفر ويحفر..ويقودني إلى هناك ..حيث الهلام..) عايزة أقول ليك كيف حبيت أني ألقى الكتاب ده..(من محمد حسبو ) وتحديداً أمس كنت مساهرة فيه قبل مااشوفك هنا.. طبعاً عجبني وإستمتعته .. لكن أكيد بعد أخلص منو تماماً..
حاكتب ليك..
شكراً ياخي.. لكل شي..
الجهد .. الجهد.. هبة الحسين
02-14-2008, 03:13 AM
محسن خالد
محسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961
نهال كَرَّار، يا صديقتي العزيزة وموضع محبّتي، ويا أشياء كثيرة منها ما عرفتُ كيف أقوله لك، ومنها ما جهلتُ، تبقى تلك المودَّة وذلك الاحترام بيننا، ما دمتُ حيَّاً،.. حكمك هذا أتمنَّى فقط أن تنتظري به ما أنشره من الجزء الثاني المكتمل للإحداثيات الذي هو جاهز ولكن أمزجة لي.. لا تقبل نشره حاضراً رغم إصرار الناشر على نشره. المهم بيناتنا حوارات حوله ولرأيك أعز التقدير عندي. كوني بألف خير ولك الحب أبداً ودوماً ---------------------
يا ناذر الخليفة، سلامٌ وود ومحبّة المشكلة يا ناذر نُقاد البورد ديل بتكلموا متين؟ يضحك نهارك.. ذكّرتني عشرات المبدعين الغربيين والشرقيين اشتغلوا نقداً لأعمالهم براهم، وأنا سائر في هذا الطريق ولا محالة. يوم من الأيام ح أجي أكتب عيوب أعمالي كلّها من وجهة نظري، وبرضو محاسنها وعااادي، أهو للذكرى والتاريخ.
-------------------------
يا أنور الطيّب، إزيك وتاني يا أخوي إيميلي قاااعد ومستّف فوووق في مكتبتي وبالبنط العريض! معقول ما شفتو؟ وكتبتو في مداخلة لأختنا إيمان برضو هنا في البوست دا، راجعو بتلقاهو وأنتحني إيميل، أنت ممن أحب في هذا المكان ولك الحب والاحترام والتقدير. ------------------------
محمّد خليفة محمّد جميل،.. يا عزيز كيفك والدنيا معاك ياخي إنت براك بخشمك تقول النص ما عارف إيه ومفتوح الرجلين وشنو داك! وبعد دا كلو تقوم تاني تبقى في الماستر بيشن؟ غايتو! حكايتك حكاية تعال لي راجع وأنا في رجاك وكن بألف خير
----------------------- عبد الله ود إبراهيم الطاهر، يا قول بنات الأهلية وألا الأحفاد الجامعية: عاد ما بسألك! إتْ يا زول حي وشديد؟ ياخي غاية الشوق لك ولمن حولك من الأحباب والله يا عبد الله مشتاق ليك لمنتهى الفقد، وينك إنت يا زول لا خبر لا جواب ولا أتر، ولا أيتها حاجة! المهم راجيك تجي تتكلم، أو كمان أنهرني بإيميل وكن بألف خير
----------------- ندى علي، يا أيتها الصديقة في الفكرة والجمال لك أجمل المودَّات وأعزّها غايتو يا ندى إنت وصاحبتي تماضر شيخ الدين وأماني الجندرية وإشراقة مصطفى وبنات تانيين –كُتاار هنا في سودانيز- أنا مبسوط منكن جنس بسط، وكل مرة أقول أتم كتابتي "عنكن" هنا.. وأقوم ألقى روحي أفقر من مقام الكتابة عن نساء بهذه العظمة وهذا الجلال. المهم عشان ما يبقى "وعد" سوق، ح ألاقيكن بكتابة زي الليل، متين؟ الله أعلم وكوني بألف خير -------------------
يوسف الولي، سلامٌ يا فنّان ولك أجمل المودات يضحك نهارك يا زول جميل في حكاية النظر دي. بس إنت النظر دا بصمّتو خليهو لمعايش الوليدات والباقي كلو هيّن، أخوك برضو أعمى نمرة واحد. أها الدولار دا يا أخوي فيهو جديد وألا قديم؟ ما تبقى مطموس ساكت. يا يوسف أخوي علي بالحلال أخوك لا يعرف من كيفية الحصول على هذا العمل وغيره من أعمال المؤسسة العربية سوى الرابط أعلاه، والباقي كلو بالنسبة لي علم غيب. إنت كاتبهم وشوف الحكاية شنو منهم هم بنفسك إذا عايز العمل. ويبقى لي بنار كان بعرف عنو شيء! يضحك نهارك
------------------------------------- سلمى صبحي يا عزيزة مشكورة على هذه المودَّة ولك التقدير والحب كمان. ودام بهاك… وكوني دوماً بألف خير
---------------------------------
إشراقة يا بنت حيمورة، أولاً مشتاقين من زمااان وكيف عاملة وكل الناس الحواليك، وينك إنت؟ والدنيا معاك مجورتها كيفنّها!؟ مشكورة على دعوة الجن البعزلو عزل، دا يا إشراقة عزلناهو زمااان، فوينك يا الحنينة؟ مشتاق بالجد يا زولة، وكوني بألف خير
---------------------- هبة يا زينة وسمحة إزيك وكيف عاملة؟ أها بس خلّصي وتعالي أكتبي أنا راجيك، وجيبي معاك محمّد حسبو دا ذاتو الليكتب. وإن شاء الله الرجل الأميبي يكون ونّسك تماماً، بس أعملي حسابك وأوعَ يونّسك من جواك، ح يسوقك في دروب لا منتهى لها، وخاتمتها الموت طق طرق. شكراً على الانتباهة الجميلة والصادقة عن الجهد.. الجهد… مرّات لما ألقى الحاجات مكتملة بالجهد الجهد… العَرَق.. العَرَق.. أقول بالله دي تمَّت كيف؟ أمّا حكاية! شكراً يا زولة يا فنّانة على هذه الأُلفة وهذه الزيارة وكوني بألف خير
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة