دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
صدقي كبلو يرد على صديق عبد الهادي لقد عاش الخاتم بيننا
|
صدقي كبلو يرد على صديق عبد الهادي
لقد عاش الخاتم بيننا (1-6) صدقي كبلو [email protected] أبدأ بالإشادة بمقالات الزميل الصديق صديق عبد الهادي وقد عرفته صديقا صادقا، مجتهدا في بحثه عن الحقيقة.
لقد فعل صديقنا خيرا بتوثيق بعض من حياة الصديق الراحل الخاتم عدلان في آخر أيامه الحافلة بالإنجاز، غير أني أعيب عليه أن يجعل من توثيقه مجالا لمحاكمة عواطف الناس تجاه الراحل الخاتم وهذه مسألة ليست في نطاق العمل العام وليس هناك من قيم عامة تحكمها، فقد مات عدد كبير من أعضاء الحزب الشيوعي، ومن بينهم أعضاء لجنته المركزية وسكرتاريتها، فلم تجتمع اللجنة المركزية أو السكرتارية لتصدر بيانا لنعيهم، ومعظمهم نعتهم فروعهم وجريدة الميدان العلنية والسرية، ونعت الميدان الراحل الخاتم عدلان قائلة:
، وداعاً الخاتم عدلان
في نهايات ابريل وبعد صراع مع داء السرطان رحل رفيق الدرب الخاتم عدلان. والخاتم كان واحداً من رموز الاشتراكية وحركة العدالة الاجتماعية في بلادنا، أتى من قرى مشروع الجزيرة حاملاً هموم مدقعيها ودخل صفوف الحزب الشيوعي وبرّز كخطيب ماهر ومناضل جسور في جامعة الخرطوم، ثم برز ككاتب ومفكر اشتراكي معروف.
نحفظ، ويحفظ شعبنا، للخاتم انه اختلف مع الحزب الشيوعي واستقال في منتصف التسعينات، لكنه لم يتراجع عن مشروع العدالة الاجتماعية ومعاداة الظلامية الذي كرس مجمل حياته من أجله، وظل مهموماً به، في كل اسهاماته الفكرية التي طرحها، كما أنه لم يبح للعدو بالأسرار التي يعلمها عن الحزب.
عزاؤنا إلى زوجته وابنيه وأسرته وإلى الشعب السوداني في احد أبنائه البررة، الذين ما توانوا لحظة في تلبية نداء الوطن. ودعاؤنا للراحل بالرحمة التي ظل ينشدها لكل مواطني بلاده.،
والميدان هي لسان الحزب الشيوعي، مما يعني أن الحزب الشيوعي قد نعى الخاتم، فلماذا يريد العزيز صديق أن يحاسب الأفراد في القيادة حول موقفهم من الخاتم في مرضه ورحيله المفجع، ولماذا يكيل بمكيالين، فلا يعتبر الشفيع خضر الذي أتصل بالخاتم من ألمانيا وجاء مباشرة من المطار لمنزل الخاتم، وهو مسئول الحزب الشيوعي بالخارج، قياديا ولا حتى إتصال نقد صباح رحيل الخاتم دون أن يكون قد عرف برحيله عملا قياديا، ولا إستقبال نقد للجثمان في المطار ولا حتى نعي الحزب بمديرية الخرطوم ولا حتى الشيوعيين الذين شاركوا في تشييع جثمان الراحل الخاتم تعبيرا عن مكان الخاتم عندهم رغم خروجه العاصف من حزبهم، بل لا يذكر كيف هب الشيوعيون لنعي الخاتم والكتابة عنه حتى قال أحد الأصدقاء (غفر الله له) أنهم يريدون سرقة الخاتم كما سرقوا مصطفى سيد أحمد (رغم أن مصطفى سيداحمد مات وهو عضو بالحزب الشيوعي)!
ماذا يريد صديق أن يفعل الحزب وما هو المقياس الذي يقاس به "الواجب" هنا؟
لقد إتصل عدد كبير من الشيوعيين بالخاتم من السودان بمجرد سماعهم الخبر الفظيع بمرضه وقد ذكر لي أثناء زيارتي له عددا منهم . ولا أظن أنهم إتصلوا بالخاتم لأسباب سياسية فقط، أو للتحوط لحملة إعلامية تتهمهم بإهمال رفيق سابق لهم، بل لأنهم عرفوا الخاتم الإنسان فقد عاش الخاتم بينهم في ساحات النضال والمعتقلات وبيوت الإختفاء وليالي الفرح والكره وغيرها ومن بينهم من كان على خلاف حاد معه . فإذا كان الخاتم قد مر بفلادلفيا فهو عاش معظم عمره بيننا في الحزب الشيوعي. أليس من حق الشيوعيين واصدقائهم أن يتذكروا تلك الأيام الغنية؟
وليس من مجال للمقارنة بين الخاتم وعمر مصطفى المكي فالأخير قد إنحاز لسلطة ديكتاتورية نميري ضد الحزب والشعب وأصر على نفس الموقف بعد الإنتفاضة ولكن الميدان السرية نعت الحاج عبدالرحمن ذلك الفارس العمالي الذي رغم إحتلافه مع الحزب ظل صامدا في المعتقل دون إنكسار وبعد بنفسه وتاريخه المشرق عن هاويات الديكتاوتورية.
وفي تقديري المتواضع أن هذا بابا من الحساب ينبغي أن يغلق لأنه لا يؤدي لشئ مفيد وهو لا يقيم حجة على أحد ويظل ما في القلب في القلب. وأنا شخصيا لا أسمح لشخص أن يحاسبني حول موقفي الخاص جدا والعاطفي من وفاة صديق لي، وللحق أقول للجميع أنا عندما ذهبت لزيارة خاتم لم أذهب له ممثلا للحزب الشيوعي ولم أكن أشعر أنني أقوم بعمل سياسي لنفسي أو نيابة عن أي شخص، زرت الخاتم لأنه صديقي وبكيته لأن علاقتنا تخطت الحاجز السياسي لما هو إنساني وعاطفي ولأني عشت معه الحلو والمر في العلن والسر وفي الحرية وفي السجن وفي رحاب الوطن وفي الغربة اللعينة.
كنا قد إتفقنا، الراحل الخاتم وشخصي، قبل إستقالته بليلة على الحفاظ على تلك العلاقة وفعلنا حتى آخر لحظة من حياته. ولكننا لم نكف عن الصراع الفكري والإختلاف السياسي. وقد كنت ومازلت أنطلق في خلافي مع الخاتم من نقطتين مترابطتين: الأولى أنا مازلت ماركسيا في نهجي الفكري ومنهجي البحثي. والراحل الخاتم عبر في أكثر من مناسبة أنه لم يعد ماركسيا والثانية أنا ما زلت أرى ضرورة تاريخية لوجود الحزب الشيوعي السوداني وأن تطور ذلك الحزب لا يعني تحويله لجبهة ديمقراطية أو حزب ليبرالي ديمقراطي فهناك فرق واضح بين حزب شيوعي وجبهة ديمقراطية أو حزب ليبرالي ديمقراطي. والراحل الخاتم قد عبر صراحة عن ضرورة حل الحزب الشيوعي وتكوين حزب غير شيوعي وغير ماركسي وغير طبقي. وطبعا تمتد هذان النقطتان لتشملا قضايا كثيرة تفصيلية.
عبرت عن هذا الخلاف بثلاث طرق: مناقشة في فرع الحزب بوجود الزميل الخاتم ومناقشة مباشرة مع الزميل الخاتم ثاني يوم لإجتماع فرع الحزب بمنزل الزميل الخاتم السابق وبكتابي موسم الهجرة لليمين الذي تكرمت قضايا سودانية بنشر الفصل عن مناقشة ورقة الخاتم والذي تكرمت جريدة الأضواء بالحوارمعي حوله في بداية 2005 في نهاية إجازتي بالسودان. وخلال كل تلك المداخلات تعاملت بجدية فكرية وإحترام للزميل الخاتم، هو يستحقه دون إمتنان مني، رغم إعتقادي الجازم بأن ما طرحه الخاتم يؤدي عمليا لتصفية الحزب (وسآتي لإستعمال مفردات التصفية التي يحتج عليها صديقي صديق بعد حين في سلسلة هذه المقالات)، وذلك لأنني منذ البداية تعاملت بإفتراضية أن التصفويين الجدد ماهم إلا فرسان يائسون، قلت في ص 9 من موسم الهجرة لليمين:
". ان بعض الزملاء الذين يعبرون عن بعض هذه الاراء التصفوية زملاء ساهموا في النضال عبر تاريخهم ولا تنقصهم الشجاعة ولا الأقدام ولكن خفت امام اعينهم ضوء الامل او انهم ياسوا من هذه "الدورة الشريرة" بين انقلاب عسكري وحكم حزبي طائفي، انهم ابطال يائسون مغامرون يتراءى لهم الحل في حل الحزب الشيوعي وتكوين حزب جماهيري جديد يكسب الانتخابات بعد اسقاط النظام ويحلهم وشعب السودان من هذا المأزق او يصل الى السلطة مباشرة من خلال اسقاط حكم الجبهة الاسلامية عن طريق النضال المسلح ويقوم بعزل الاحزاب التقليدية او تحجيمها خلال فترة انتقال طويلة! وهم قد يكونوا مستعدين لتقديم ارواحهم فداء لبرنامجهم هذا، ولكن المسالة ليست بهذه السهولة! فكم كان النضال سيكون سهلا لو انه فقط يحتاج لابطال مغامرين مستعدين لتقديم ارواحهم فداء او انه يحتاج أن يغير الحزب الشيوعي إسمه أو يحتاج لتكوين حزب جديد غير شيوعي! لقد طرح بعض هؤلاء الرفاق اراءهم داخل الحزب مستفيدين من فرصة المناقشة العامة المفتوحة داخل الحزب لدراسة الظروف الجديدة التي نشأت بانهيار التجارب الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي ودول شرق اوربا، ولكن افكار هؤلا ء الرفاق لم تجد قبولا من اغلبية اعضاء الحزب حيثما طرحت، فما كان من بعض هؤلا ء الرفاق الا ان غادروا الحزب، بعضهم غادره في صمت ودون ضجة باحثا عن مجال جديد لافكاره والبعض الاخر اثر ان يثير ضجة حول الخروج جاعلا من خروجه انقساما." (خطوط التأكيد ليست في الأصل)."
وكنت قد تعرضت في صفحات سابقة للطروف التي أدت لنشوء مثل هذا التيار الجديد فقلت
" التيار التصفوي يستند على حالة الانحسار التي تواجه الحركة الثورية العالمية وحركة التحرر الوطني عقب تصفية وسقوط الانظمة الاشتراكية في شرق اوربا والصعوبات التي تواجه الحركة الثورية وكل جماهير الشعب السوداني بعد انقلاب يونيو 1989 الذي نظمته الجبهة القومية الاسلامية. انه يستند على اشمل هجمة ايدولجية يواجهها الفكر الثوري على مستوى العالم ويمثل تراجعا كاملا امام تلك الهجمة.
ان موسم الهجرة لليمين تدعمه ظروف ذاتية اهمها خيبة الامل التي اصابت الذين لم يكن يروا في الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي غير الانجازات، اسيري النموذج السوفيتي فكريا وبرنامجيا، فاذا فشل النموذج السوفيتي فشلت الاشتراكية وتصدعت الماركسية، الماركسية بالنسبة لهم دينا قد ذبح عجله المقدس فلم يعد هناك اله للعبادة، وليست منهجا قادرا على دراسة ظاهرة انهيار النموذج اللينيني والستاليني والصراع داخلهما واستخلاص الدروس من كل تلك التجارب لتطوير البرامج وتحسين ادوات النضال وتعميق الاتصال بالجماهير عن طريق طرح نموذج بديل للستالينية اكثر انسانية وجدير بالنضال من اجله، في ذات الوقت الذي يطرح بديلا تاريخيا لنمط الانتاج الراسمالي وبديلا برنامجيا لمشاكل البلاد النامية الحالية وبديلا لللينية يتخطى فهمها وتحليلها لرأسمالية ما قبل الحرب العالمية الأولى بتقديم تحليل نقدي لرأسمالية النصف الثاني للقرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين."
وقلت أيضا:
"ان موسم الهجرة لليمين تشجعه ظروف التشريد والبطش والتعذيب والاعتقالات التي تواجه المناضلين في الداخل والمنفى وظروف العطالة والتشريد وصعوبات الغربة التي تواجه السودانيين في الخارج، تدعمه خيبة الامل التي اصابت البعض في المعارضة السودانية وفي قدراتها، وتدعمه وسط الشيوعيين والديمقراطيين بالتحديد صعوبات لم يمر بها حزبهم وحركتهم الديمقراطية من قبل، لافي عهد الاستعمار ولاتحت احلك الديكتاتوريات العسكرية مما يغذي روح اليأس والمغامرة معا وعدم الوضوح حول المهام العملية وكيفية تنفيذها والصبر على تنفيذها ،بل احيانا جدوى تنفيذها."
وقد ساقني منطقي هذا للتوصل لضرورة التعامل مع الرفيق الخاتم بشكل مختلف عن الإنقساميين الذين مروا بالحزب من قبل بحجة أنه لم يقد إنقساما ولم ينشئ مركزا حزبيا موازيا، بل أنه حتى عندما استقال من عضوية الحزب فيما بعد ظل ضمن قوى الثورة الوطنية الديمقراطية وأنه ظل مناضلا عنيدا ضد الجبهة الإسلامية القومية ودكتاتوريتها. وطبعا أثبت أنه أيضا ظل يبحث عن طريق للعدل الإجتماعي. وكنت بحكم صداقتي للخاتم وطول معرفتي له في الجامعة والمعتقلات والعمل العام أعرف مدى صدمة الخاتم في إنهيار الإتحاد السوفيتي، وإمتداد ذلك لمراجعة الماركسية ذاتها، إن موقف الخاتم من الإتحاد السوفيتي لم يكن نقديا حتى في تنظير مفكري الإتحاد السوفيتي عن العالم الثالث ونيابة عنه وقد تعرضت في بوست سابق لأننا إختلفنا في سجن بورتسودان ودارت مناقشات مكتوبة بيننا (للأسف لم نهربها للخارج رغم أن الفرص كانت متاحة) وكان الخاتم مدافعا شرسا عن العلماء السوفيت وكتبهم عن العالم الثالث والبلدان ذات التوجه الإشتراكي (تعبير سوفيتي للبلدان التي كانت تحكمها البرجوازية الوطنية والبرجوازية الصغيرة المعادية للإمبريالية والتي بنت قطاعا عاما وأممت المنشآت الرأسمالية الخاصة والأجنبية وفي أغلبها كانت إما يحكمها حزب واحد أو جبهة تقدمية شكلية) وكنت أنا منتقدا للإتحاد السوفيتي وعلمائه ومحاولاتهم للتنظير للعالم وكنت أقول نحن نحتاج للينينية جديدة لأن اللينينية الموجودة كانت لينينية لعصر مضى، وكي لا أتهم بإختلاق ذلك فإن الزملاء في معتقل بورتسودان في الثمانينات ما زالوا أحياء وبعضهم تطوع وذكرني ببعض التفاصيل عند إلتقائي بهم في السودان. تصوروا زميلا مختفيا ومطاردا ولديه إختلافات تنظيمية وتكتيكية مع رفاقه في السكرتارية ثم ينهار النموذج لما آمن به ولم يكن متاحا له في ظروف ديكتاتورية الجبهة الإطلاع على التفاصيل والآراء الفكرية ووجهات النظر المتعددة حول ظروف إنهيار المعسكر الإشراكي! هذه هي الخلفية التي بدأ فيها الخاتم مراجعة أفكاره وموقفه ثم جاءت الخندقة بدلا عن الحوار لتدفع تلك المراجعة في طريق اللاعودة. هناك كثيرون من أصيبوا بخيبة الأمل واليأس ولكن الأحداث والحوار والإطلاع فيما بعد جعلهم يتمسكون أكثر بالمنهج الماركسي، ولكن الخاتم إنتقل لمعسكر فكري آخر رغم أنه ظل يتمسك من ذلك الموقع ببرنامج في جوهره هو برنامج الثورة الوطنية الدينقراطية.
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: صدقي كبلو يرد على صديق عبد الهادي لقد عاش الخاتم بيننا (Re: Sidgi Kaballo)
|
الأستاذ صدقي تحياتي لك قرأت موسم الهجرة إلى اليمين في وقت مبكر .. كنت حينها أحاول الكتابة حول الشيوعيين والديمقراطية .. وقد وجدت في كتابك معلومات مفيدة وواصلت الكتابة في الموضوع دون أن يتيسر لي سبيل لنشر ما كتبت حول الموضوع .. والمشكلة أن غالبية شيوعيي السودان ظلوا يدافعون عن النموذج السوفيتي حتى وبعد لحظة إنهياره .. لم يبحثوا فيما حدث ولا كيف حدث .. فكان ما كان من الهجرة لليمين بعد أن أصبح النموذج الذي كان يمثل حلمهم المستقبلي أثرا بعد عين .. وتفرقوا أيدي سبأ .. وظل من بقي يتحدث عن تغيير الإسم .. أو محاولة تحوير التاريخ المرتبط بالإستالينية ومعالجته ليبدو تاريخاً لحزب ديمقراطي النشأة والتطور .. وأنه لم يتراجع عن الديمقراطية إلا عندما حدثت إنتكاسات عهود الديمقراطية في السودان مثل طرد نواب الحزب من البرلمان .. الأمر الذي دفعهم للتخلي عن الديمقراطية .. ديدنهم المعهود .. ريثما يعودوا إليها في المؤتمر الرابع .. ثم العلاقة المرتبكة مع مايو عندما جاءت بالإنقلاب لتطرح مشروعهم وما حدث حول هذا الموضوع من صراع .. وقد رأينا تصريحات الأستاذ التجاني الطيب الاخيرة والصريحة (نعم أخطأناأخطاء كبيرة ولو ما كده ما كان حصل لينا الحصل ده) .. وأعتقد أن ما طرحته اليوم وإن جاء في ذكرى الوفاء للأستاذ الخاتم عدلان - يرحمه الله - فهو أمر مهم، وإنهيار الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية أحدثت هزات عميقة داخل كل الأحزاب الشيوعية التي دارت حول ذاك الفلك .. وبدأ التغني بالديمقراطية الليبرالية .. وضاعت أحلام الإشتراكية .. بتراجع الأحزاب الطليعية التي كانت ترى أن الاشتراكية ونموذجها الإستاليني الفوقي (وديمقراطيتها الجديدة) .. هي الطريق إلى الإشتراكية .. بتغييب شبه كامل لدور الطبقة لصالح الحزب .. وكان طبيعياً لهذا الطريق إن يقود إلى البرلمان البرجوازي .. الذي يعرف الجميع - في السودان - ماهي القوى الأكثر قدرة للسيطرة عليه من خلال الإنتخابات التي يرسم وقت إنعقادها بإنحسار المد الثوري للجماهير كما حدث في أكتوبر وأبريل .ً.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدقي كبلو يرد على صديق عبد الهادي لقد عاش الخاتم بيننا (Re: Mohamed Abdelgaleel)
|
عزيزي صدقي، شكراً. لقد كان الخاتم صديقاً شخصياً لي أحبه وأحترمه وأعزه وأقدره في أوقات اتفاقنا وفي أوقات إختلافنا. قال لي في آخر مرة إلتقينا فيها حيث دعاني لوجبة غداء مع الأخ دكتور الباقر العفيف قال لي أنه يعد دراسة عن نظرة الأستاذ محمود محمد طه المتقدمة لتطوير التشريع الإسلامي لأنه لا مفر للسودان وللمسلمين بصورة عامة من التعامل الجاد مع طرح الأستاذ محمود التجديدي.
كم أفتقد صديقي، يا صدقي!! ولك مودتي.
أعزائي البورداب، أرجو زيارتي في هذ الخيط:
الـــــــــــلـــــه
يناقش الخيط موضوع الساعة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدقي كبلو يرد على صديق عبد الهادي لقد عاش الخاتم بيننا (Re: Sidgi Kaballo)
|
التحية للدكتور والاستاذ صدقى كبلو،
Quote: شكرا ومرحبا بالمشاركين جميعاوآسف في التأخير بالترحيب بكم لأني كنت في ندوة لندن بمناسبة الاستقلال وساهمت فيها كل الأحزاب السودانية تقريبا هدا حزب الحكومة المؤتمر. |
شكرا لمشاركتك الثرية فى ندوة لندن، والتحية للأخوة فى الجبهة الشرقية لتنظيمها،
لقد أثرت نقطة أعتقد انها غاية فى الاهمية، وهى ماتتعلق بطبيعة العلاقات الصرية السودانية، وان "الدبلوماسيين" المصريين الذين يناط لهم أمر رسم السياسات المصرية تجاه السودان ، هم فى الحقيقة "ضباط المخابرات المصرية"، اتمنى ان تشرك قراء المنبر فى رؤيتك لتداعيات ان يقوم على أمر علاقة بين البلدين مخبرين وليس دبلوماسيين او أكاديميين من حقول مختلفة، هذا على خلفية المذبحة الاخيره التى أرتكبها النظام المصرى ضد اخواتنا واخواننا اللاجئين السودانيين.
ولا يفوتنى ان أحييك على كلماتك القوية والحكيمة تضامنا مع مأساة اهلنا الاخيرة فى القاهره.
معذره ان تداخلنا معك خارج موضوع هذا البوست.
ولك التقدير
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدقي كبلو يرد على صديق عبد الهادي لقد عاش الخاتم بيننا (Re: Khalid Kodi)
|
الأستاذ محمد عبد الجليل تحية طيبة ومرحب بيك. أنت تثير قضايا كثيرة ومعقدة في مساهتك القصيرة المكثفة. أولا شكرا يا رجل أنك وجدت في موسم الهجرة لليمين ما يفيد بحثك، ولكن موضوع الحزب الشيوعي والديمقراطية تناولته بتفصيل في مقالة بعنوان "الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية"، نشر على خلقات في قضايا سودانية التي كان ينشرها الأستاذ التجاني الطيب من القاهرة وقد أعيد نشرها عدة مرات، وإليك رابط لأحد هذه الأمكنة: صدقي كبلو - حول نظرية الثورة ... حول نظرية الثورة السودانية ( 2) الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية - صدقي كبلو. www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=38166 - 147k
والآن لنعد لبعض ما قلت في مساهمتك: "والمشكلة أن غالبية شيوعيي السودان ظلوا يدافعون عن النموذج السوفيتي حتى وبعد لحظة إنهياره .. لم يبحثوا فيما حدث ولا كيف حدث .. فكان ما كان من الهجرة لليمين بعد أن أصبح النموذج الذي كان يمثل حلمهم المستقبلي أثرا بعد عين .." رغم إتفاقي معك بأن معظم الشيوعيين كانوا يدافعون عن الإتحاد السوفيتي، بحجة أن نقد النموذج السوفيتي يساوي العداء للسوفيت وذلك يخدم الإمبريالية، وهذا في تقديري أحد الأخطاء الفاحشة لتحول الماركسية لأيديولوجية للنظام السوفيتي لتبرره بدلا أن تكون منهجا علميا لتحليله ومنهجا لإعادة صياغة برامج تطوره. ولكني لا أتفق معك عندما قلت: " وتفرقوا أيدي سبأ .. وظل من بقي يتحدث عن تغيير الإسم .." فالحزب لم يتفرق أيدي سبأ أو صنعاء حتى! وما حدث عن تراجع من بعض الرفاق ظل محكوما بظروف الديكتاتورية والتشريد والهجرة وصعوبات العمل السري والنقاش الذي دار ليس هدفه " محاولة تحوير التاريخ المرتبط بالإستالينية ومعالجته ليبدو تاريخاً لحزب ديمقراطي النشأة والتطور .. وأنه لم يتراجع عن الديمقراطية إلا عندما حدثت إنتكاسات عهود الديمقراطية في السودان مثل طرد نواب الحزب من البرلمان .. الأمر الذي دفعهم للتخلي عن الديمقراطية .. ديدنهم المعهود .. ريثما يعودوا إليها في المؤتمر الرابع .. ثم العلاقة المرتبكة مع مايو عندما جاءت بالإنقلاب لتطرح مشروعهم وما حدث حول هذا الموضوع من صراع" فقد جرت محاولات جادة لنقييم تاريخ الحزب بصورة نقدية، والمشكلة هي أن بعض الناس لا يعرفون تاريخ الحزب ولا تاريخ الحركة الوطنية وتسود بينهم مناهج لرؤية العملبات والنشاطات والأحداث التاريخية خارج سياقها التاريخي والصراع السياسي والإقتصادي والإجتماعي المخلي والأفليمي والعالمي الذي حكمها وأثر في تشكيلها وتشكيل الوعي التاريخي في الوقت المحدد. أما موقف الحزب من الديمقراطية فأنا أقترح قراءة مساهمتي المشار أليها علها تصلح موضوعا للنقاش بيننا. وأن لي بعض التساؤلات على ما طرحت: "وبدأ التغني بالديمقراطية الليبرالية .." وقولك "وضاعت أحلام الإشتراكية .. بتراجع الأحزاب الطليعية التي كانت ترى أن الاشتراكية ونموذجها الإستاليني الفوقي (وديمقراطيتها الجديدة) .. هي الطريق إلى الإشتراكية .. بتغييب شبه كامل لدور الطبقة لصالح الحزب .. وكان طبيعياً لهذا الطريق إن يقود إلى البرلمان البرجوازي .. الذي يعرف الجميع - في السودان - ماهي القوى الأكثر قدرة للسيطرة عليه من خلال الإنتخابات التي يرسم وقت إنعقادها بإنحسار المد الثوري للجماهير كما حدث في أكتوبر وأبريل .ً"
أليس هماك علاقة بين النضال من أجل الديمقراطية والإشتراكية؟ وهل يمكن قيام إشتراكية بدون ديمقراطية؟ وما رأيك في إنتصارات اليسار في أمريكا اللاتينية وفقا للنهج الديمقراطي! وعلى اي حال مرحب بيك وليتواصل النقاش.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدقي كبلو يرد على صديق عبد الهادي لقد عاش الخاتم بيننا (Re: Sidgi Kaballo)
|
الأستاذ صدقي .. تحياتي لك .. أشكر لك إهتمامك .. وللأسف لم أفلح بعد في قرأة موضوعك حول "الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية" .. حيث تعثرت محاولات فتح الموضوع أمام الرسالة التالية: The page you are looking for is currently unavailable. The Web site might be experiencing technical difficulties, or you may need to adjust your browser settings وسوف أحاول .. كما أن عنواني كالتالي: [email protected] لو تيسر لك أن ترسله لي على هذا العنوان .. وإن لم فسوف أتصرف في الحصول عليه .. وأعود لملاحظاتك حول ما كتبت .. كما أعد بعودة مرتبة لاحقاً .. قصدت بالدفاع عن النموذج السوفيتي أنه لم يعد هناك ما يبرر الدفاع .. وكثيراً ما سمعنا في أدبيات الشيوعيين عن ضرورة(النقد الذاتي) .. فكان ينبغي - خاصة بعد إنهيار النموذج السوفيتي - أن نرى تفسيراً علمياً لما حدث .. وأعتقد أن شيئاً من ذلك لم يحدث بسبب التبعية - غير النقدية - التي كانت حاصلة .. وأي تفسير لما حدث .. كان سيكشف أن الاتحاد السوفيتي لم يكن دولة إشتراكية .. ولم يكن للطبقة العاملة الدور الرائد المفترض في الأنظمة الإشتراكية .. وأن بيروقراطية الحزب هي التي تقرفصت على رؤوس شعب الاتحاد السوفيتي لعقود بإسم الاشتراكية .. ولم يتوفر تحليل ما حدث لأنه سيعرض كادر الحزب للسؤال: أين كنتم من زمان .. وقت أن حدثتمونا (عن شبابيك الأمل في الكرملين) .. لقد جاء تحليلكم متأخراً جداً .. أما قولي أنهم تفرقوا أيدي سبأ .. فربما أن الواقع الموضوعي بتعقيداته المعروفة قد أفرز هذا .. وربما كانت الحسرة في أن القوى الحية التي كانت توقد جذوة الأمل بالمقاومة قد خبا بريقها في أوساط الفقراء في السودان .. وهذه أزمة أخرى سنعود إليها .. ولم أكن بأي حال أقصد التقليل من نضالات كادر الحزب وليس في هذا ما يسرني ففي وقت لاحق سأزودك بما كتبته عن نضال الشيوعيين (ونشرته في الرأي العام 2001) في السودان وما دفعوه من ثمن عزيز في مقال كنت أنتنقد فيه الإشكالية المنهجية التي ساقت الشيوعيين لدفع ذاك الثمن دون أي أثر إيجابي على حركة الثورة .. أما إشارتي لتحوير التاريخ المرتبط بالاستالينية ومعالجته ليبدو تاريخاً لحزب ديمقراطي النشأة والتطور .. فأحيلك لكتاب الأستاذ كمال الجزولي "لشيوعيون والديمقراطية للشراكة أم لزود الطير عن مر الشجر" . أعتقد أني قرأت معظم أدبيات الحزب الشيوعي السوداني .. وأحاول أن أزيل عن ذهني غبشة إسقاط النظري على الواقع بل أتفهم تماماً ضرورة الإنطلاق من الواقع وليس من الفكرة التي يتم إقحامها لتناسب الواقع .. فهذا أمر يمكن تقديره .. أما الواقعية التي يتحول فيها الثوري إلى التخلي عن حجار زوايا الإشتراكية فهي التي تجعل من الصعب التفريق بين برامج الحزب الشيوعي وغيره من الاحزاب الديمقراطية في السودان .. أو هذا ما أراه ..
لا يمكن للمجتمع الإشتراكي ألا يكون ديمقراطياً .. إن كنا نعني بالإشتراكية النظام الذي تتحقق فيه سيطرة العمال والمزارعين والفقراء .. لا يمكن له أن يكون نظام غير ديمقراطي ولكن لا أعني الديمقراطية التي أوضحت الماركسية أنها النظام الأكثر مناسبة للسيطرة الرأسمالية .. أما الديمقراطية بمعنى أن ننتظر لتخبو جذوة أكتوبر بكل شعاراتها الثورية .. وتعود الجماهير إلى قديمها .. فليس مستبعدا أن سمع(لا شيوعية في الجمعية) لمرات قادمات ..
العلاقة بين الإشتراكية والديمقراطية تعنى قيادة القوى الثورية لإنتفاضات الجماهير للحد الذي تسمح به طاقتها الثورية وأبعد .. وليس أن تصبح مع القائلين بأن المهمة قد أنجزت وأنتظروا ريثما يتم الترتيب للإنتخابات البرلمانية .. أي أن يكون الحزب الثوري خلف الجماهير .. أما نماذج أمريكا اللآتينية .. فهي مليئة بالإنتصارات والهزائم .. وبكل ما يؤكد أن الإشتراكية عبر البرلمانات البرجوازية ليست أكثر من إصلاحية مضطربة وهذا حديث يطول .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدقي كبلو يرد على صديق عبد الهادي لقد عاش الخاتم بيننا (Re: Mohamed Abdelgaleel)
|
الأخ الصديق دكتور حيدر تحية طيبة وكل عام وأنتم بخير وشكرا على المرور. لقد سعدت بشكل خاص بإشارتك لعزم الراحل الخاتم بإعداد دراسة عن نظرة الأستاذ محمود لتطوير الشريعة فقد كان الموقف من فكر الأستاذ محمود موضوعا لخلاف بيننا في السابق منذ أن قدم الراحل الخاتم محاضرته عن الأستاذ محمود في حوالي أبريل 1973 في قسم المعاملة بسجن كوبر (وبالتحديد بالقرب من باب الكرنتينة حتى يستمع ويشارك بالمناقشة العسكريين الحكومين وكان بينهم فيصل مصطفى وفيصل كبلو وعبد العظيم سرور وودالحسين وعبدو مصطفى وعلي زروق والأحمدي وعبد المتعال وليغفر لي من سقط إسمه سهوا) وقد تتوج هذا الخلاف في ندوة بجامعة لندن، أظنها في عام . 1994، وكان موضوع الخلاف دائما أن نظرية الأستاذ محمود حول القرآن المكي والمدني تفتح طريقا لتطوير كل الفكر الإسلامي. ولم يكن الخاتم يوافق على ذلك. أنا سعيد يا صديقي بما رويت مما يعني ـم ذلك الخلاف قد تلاشى. شكرا لك مرة أخرى ولنحفظ هذه الذكريات العطرة دائما. وأن افهم شعورك بالفقد تماما. ولك مودتي.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدقي كبلو يرد على صديق عبد الهادي لقد عاش الخاتم بيننا (Re: Sidgi Kaballo)
|
(2-6) موقع الخاتم في الإنقسامات
تتسم مقالات صديق بنبرة إشادة عالية بالراحل الخاتم وهي إشادة يستحقها الخاتم ولكن لأسباب مختلفة عما ذهب إليه صديق، فلا أظن الخاتم سيظل إسمه منحوتا في ذاكرة الشعب لأنه أعظم إنقسامي خرج عن الحزب الشيوعي ، يقول صديق
" الحزب الشيوعى من اكثر الاحزاب السودانية التى عانت من "الانقسام". كظاهرة تبدو فى مظهرها سياسية و لكنها فى الجوهر فكرية, متفاوتة فى مستوياتها وعمقها , ليست حول برنامج الحزب فحسب وانما احياناً حول منهجه و جدواه.
دون شك كان الاكثر عمقاً فيها من الناحية الفكرية ذلك الذى قاده "الخاتم عدلان" ورفاقه والذى يمكن ان يعتبر واحداً من اكثر الانقسامات اثراً فى حياة الحزب."
وبالطبع أنا لا أتفق مع ذلك التصنيف وأنا أعتقد أن الإنقسام الأكثر عمقا من ناحية فكرية هو الإنقسام داخل معسكر الماركسية، ليس ذلك الذي يعلن عن تخليه عنها، ولولا ظروف إنهيار المعسكر الإشتراكي لما شكل في حد ذاته تحديا، فإنقسام 1963 (يوسف عبد المجيد وأحمد شامي وهما عضوان باللجنة المركزية ومتفرغان حزبيان في مناطق حساسة وسمي إنقسامهم بالقيادة الثورية) كان أكثر عمقا وإنقسام معاوية وعمر مصطفى وكبج (والذي ضم حوالي 11 عضوا باللجنة المركزية وشمل مناطق الجزيرة وعطبرة والحركة النسائية والنقابية) كان أكثر عمقا فكريا وتنظيميا وأثرا على قدرات الحزب. ولو أن أي من الإنقسامين حدث في ظروف الثورة التكنلوجية الحالية لكانت آثاره أعمق. ولقد كانت ورقة معاوية ومساهمة كبج الفكرية أكثر رصانة من ""آن أووان التغيير". وقد بذل الحزب وقتا وجهدا أكبر لتصفية ذلك الإنقسام الذي أمتدت آثاره لحركة الطبقة العاملة وحركة المزارعين ولجان المناطق وحلقة المتفرغين ووسط المثقفين، أما من ناحية المساهمة النضالية فكل قادة الإنقسام الماضيين بذلوا جهدا نضاليا عظيما في حياتهم فعوض عبد الرازق أسهم في تأسيس الحزب وتولى موقع سكرتيره العام ومعاوية إبراهيم كان مسئولا تنظيميا للحزب وممثله في الحركة الشيوعية العالمية حتى أننا كنا نلقب مسئولنا التنظيمي في الثانوي بمعاوية وما قدمه كبج للحزب الشيوعي وهو طالب بكلية الهندسة وهو متفرغ حزبي في الأبيض والدلنج وأمدرمان وعطبرة لم يقدمه أي شخص من جيلنا في ظروف نضالية أصعب بكثير مما واجهنا نحن. أن جيلنا كان يشتري الميدان في الديمقراطية الثانية لمتابعة مذكرات عمر مصطفى المكي "ست سنوات تحت الأرض" بإعجاب، بل أن يوسف عبد المجيد، ظل حتى بعد إنقسامه شخصية أسطورية تحكى عنه النوادر في كيفية الإختفاء والهروب من المباحث والأمن.
صحيح ما ذهب له صديق بأن ما يميز "إنقسام" الخاتم أنه خروج على الماركسية ولكن ذلك بالأساس ما جعل من السهل تحجيم آثاره. ولكن الصديق صديق هنا يخلط بين السبب والنتيجة فإنقسام الخاتم هو نتيجة لإنهيار المعسكر الإشتراكي، وبهذا يصبح أكبر تحدي فكري واجه الشيوعيون هو إنهيار المعسكر الإشتراكي وكان إنقسام الخاتم أحد آثار وردود الفعل له وهو في تقديري أضعف تلك الأثار وردود الفعل. فالتحديات التي يواجهها الفكر الماركسي لفهم قضايا العصر تتخطى كثيرا أطروحات "آن أوان التغيير".
إن الناس في النظر لعظمة الخاتم وتراثه لهم مختلفون بحكم مواقعهم الفكرية والسياسية وعلاقاتهم النضالية والشخصية بالراحل الخاتم.
إن عظمة الخاتم، بالنسبة للشيوعيين، لاتكمن في إنقسامه أو خروجه، بل في تاريخه كقائد شيوعي سابق ناضل ببسالة في كافة الجبهات: في حركة الطلبة، وفي الجبهة الفكرية، في دراسة فكر الأخوان، في تحرير الشبيبة وفي قدرته الخطابية والكتابية المدهشة، في صموده في المعتقلات وفي الإختفاء، وفي إستمرار نضاله ضد ديكتاتورية الجبهة القومية بعد خروجه من الحزب وفي طبيعته الشخصية كإنسان صدوق حسن المعشر والعشرة والذين يتعاملون مع الخاتم بتراثه الإنقسامي فقط يظلمونه ويظلمون تاريخه النضالي الطويل وإسهاماته أيام عضويته بالحزب. فأتركوا كل شخص يحزن على الخاتم بطريقته ويحفظ له ما يراه جميلا. فرفاق الخاتم في حق أو من يتفقون مع أطروحاته الجديدة لهم الحق كله أن يشيدوا بما يرونه يستحق الإشادة ويجمعوا ويوثقوا لتراثه، ويحتفوا بتأسيسه لتنظيمهم ولقيادته لذلك التنظيم في ظروف صعبة وهذا لن يمنع ناقدي بعض ذلك التراث من نقده، دون أن يكون ذلك تقليلا من عظمته أو من إسهامه أو تعبيرا عن عدم حزنهم العميق لفراقه. وإنه لمن المثالية أن يعتقد الناس أن كل العظماء لا يستحقون غير الثناء والإشادة فهم مثل غيرهم يمتد النقد لأسهاماتهم ويختلف الناس حولها.
لقد قال الخاتم في بيان الإستقالة " إننا لا نريد أن نضع ماركس على راسه، كما قال أنه فعل مع هيجل، بل نريد فقط أن نضعهما معا، على جنبيهما، شأن كل الموتى." فلندع صديقنا يرقد على جانبه ونتعامل مع عطائه بشكل نقدي كما أراد للآخرين. المهم أن عظمة الخاتم ينظر لها أناس مختلفون في الرؤيا من زوايا مختلفة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدقي كبلو يرد على صديق عبد الهادي لقد عاش الخاتم بيننا (Re: Sidgi Kaballo)
|
الصديق العزيز د. صدقي كبلو/
تحية و اعزاز اكيد،
في البداية اشكر لك اهتمامك بما كتبت عن صديقنا الراحل المفكر الخاتم عدلان ، و اشكر لك ايضاً ردك علي المقالات... مهما يكن الاختلاف قبل الاتفاق في الرؤى ، فإن ردك سيكون محل تقدير و تثمين... من جانبي رأيت ان تتئد خطاي في التداخل ريثما يكتمل نشر مقالاتك الست.
كل الود،
صديق عبد الهادي.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدقي كبلو يرد على صديق عبد الهادي لقد عاش الخاتم بيننا (Re: Sidgi Kaballo)
|
الاستاذ صدقي كبلو تحياتي الحارة كثيراً من اللغط صاحب رحيل الاستاذ الخاتم عدلان حول موقف الحزب الشيوعي قيادة وعضوية قرأت في غير هذا المكان وربما في بوست خصصه د/ الباقر العفيفي عن حضورك للأستاذ الخاتم وزيارتك له في مشفاه وربما أيضاً قرأت نعيك الذي كتبته في الراحل ونعي مديرية الخرطوم والاتصال الذي لم يتم بين الاستاذ نقد والراحل الخاتم . لاأدري لكنني أعتقد جاذماً بأن المواقف الانسانية والفكرية التي ربطت الراحل الخاتم عدلان بالحزب الشيوعي ربما بدت تظهر أكلها الان من مجموع الشيوعيين الذين فجعوا في هذا الرحيل . بالرجوع الي أصل هذا اللغط يتبين لنا جذوره والتي في تقديري لم يتجاوزها مجموعة من الشيوعيين والاخوة في حركة القوي الجديدة وهذا مايساهم في نمو هذه الاصوات . الحزب الشيوعي السوداني يظل حافظاً ( لجميل) المساهمات الفكرية التي كان للاستاذ الخاتم اليد العليا في تفجيرها . ويظل رفاقه ممن عاصروا تجربته في الحزب يرددون كما ذكرت أنت دوماً مكانة الخاتم في قلوبهم . وتلك علاقة أنسانية ساهمت فيها ظروف البطش والتشريد والسجن . مطالبيين الشيوعيين السودانيين والرفاق في حركة القوي الجديدة بضرورة خلق أواصر جديدة للاسهام معاً في تحقيق الواقع الذي أستشهد من دونه العديدين من الشرفاء . شكراً مرة أخري الاستاذ صدقي كبلو .
خضر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدقي كبلو يرد على صديق عبد الهادي لقد عاش الخاتم بيننا (Re: خضر حسين خليل)
|
الصديق الصدوق الخلوق صدقى التحيه لك وانت تيحث دوما عن قضايا الوطن وهموم المواطن السودانى البسيط واصل المشكل الذى ابتلينا به . لعلك تذكر تلك الايام التى قضيناها سويا بحلوها ومرها فى معتقل السفاح نميرى فى العنابر الشرقيه بكوبر وبالمناسبه هذ البوست الذى انت بصدده استفزنى واستشعر حساسية الزمن السياسى داخلى رغم كسادة الايام ورتابتها السياسيه وبحق انك رقم لايمكن ان يخطئه انسان وكذلك ذلك المناضل الجسور الخاتم عدلان ولايمكن لهذه السطور ان تعدله فلك التحيه وله الرحمه والمغفره وللسودان السؤدد وللاوطان فى دم كل حر يد’’ سلفت ودينا مستحق بالمناسبه فاننى مستضاف من قبل الاستاذ احمد عبد العاطى وليس لى عضويه فى هذا المنبر ولكن اليك ايميلى الخاص[email protected] تلفون القاهره 0129498824 احمد انور الطيب الشيخ الصادق مودتى واعتزازى......
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدقي كبلو يرد على صديق عبد الهادي لقد عاش الخاتم بيننا (Re: Sidgi Kaballo)
|
العزيز
د.صدقى
تسجيل حضور ومتابعه وإنتباه
لك الود ...وانت كالعاده ...تحفزنا على التفكير والإستماع والقول(برواقه) لأن الحقيقه ذات عنق
بليغ كما كنت تقول دائما....تذكر ؟
فقره فى الحلقه الأولى ..من بيانك الرصين للناس هذا ...نقلتنى لى عالم تانى وأماسى قديمه
قلت مره بعاديه مبالغ فيها ..
شوفو
وردى غنى
دى الإراده ونحن مابنقدر نجابه المستحيل
وجا ..غنى
أحبك لاقدر مكتوب ولا دمعا سقى المنديل .
وأبحرت بين الموقفين( الأضداد) التسليم, والمقاومه ... فى كلام مشوق
عن ..الزمن ..والتغيير.....ومحاكمةالواقع بالعاطفه..وفهم الناس لما عندهم من
طاقات ...وعيييييك ياصدقى ..
علق وقتها حماد المتمرد.... قائلا
(بالمناسبه عندى أخبار ساره عنه)
من بكره أنا حاجز مقعدى ..هنا وقد كان ..تذكر
روح هذه المقالات حتى الأن..... تقول ان شيئا متفردا فى الطريق
معزره للإستطراد
وفى الإنتظار
خالص التحايا
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدقي كبلو يرد على صديق عبد الهادي لقد عاش الخاتم بيننا (Re: عمر ادريس محمد)
|
عزيزي عمر سلام تصور يا حبيب صاحبك العجوز كادت عيناه ان تدمعا فتلك ذكريات أيام تعيدني لزمن خليل أحمد علي وسليمان هباش وأيامهم ولياليهم الملاح، كنا نتثاقف بالكتب والتجربة والحوار والإلتصاق بالناس في النضال اليومي، يا لها من أيام. ما يزعجني يا عمر أن بعض الرفاق في المجال الأسفيري، ربما بآثار الغربة اللعينة اصبحوا لا يخاورون الآخرين بما تعلمنا من حزبنا ومن عملنا وسط الجماهير بطول بال وبموضوعية وبإحترام الآخر وحق الخلاف. المنتديات الأسفيرية هي مجال عمل جماهيري من نوع خاص، فهو رغم محدوديته جمهور من المتعلمين الذين يريدون الإقناع بأسلوب هادئ ومقنع، لم لا نفعل ونحن لدينا ما نقوله بدون ضجة؟ الغريب يا عمر تذكرت في الأسبوع الماضي الحديث عن القدر والقدرية في الأغنية السودانية، تذكرت ذلك عندما رأيت الأستاذ الصديق الإذاعي العظيم ذو النون بشرى في التلفزيون فقصة القدرية بدأنا النقاش فيها معا في حوش الطوارئ في كوبر 1971
كيف حال حماد وأخباره؟ بلغه تحياتي. شكرا للمداخلة ومرحب بيك في المناقشة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدقي كبلو يرد على صديق عبد الهادي لقد عاش الخاتم بيننا (Re: Sidgi Kaballo)
|
صدقي كبلو يرد على صديق عبد الهادي
لقد عاش الخاتم بيننا
(3 -6) صدقي كبلو [email protected] الحزب الفلسفسي وسط شعب أمي
يتبنى الصديق صديق أطروحة العزيز الراحل الخاتم عن خطل ربط الحزب الشيوعي بالفلسفة فيقتطف قول الخاتم: "قيام الحزب على اساس الماركسية اللينينية يتطلب من المرء ليكون عضواً من اعضائه, ان يتوصل لتبنى موقف فلسفى متكامل من الوجود . موقف يصف نفسه بأنه استوعب اعظم ما توصلت اليه البشرية فى مجالات وحقول العلم والفلسفة والاقتصاد والاجتماع والثقافه, وتخطاها تخطياً جدلياً " ........ الى ان يقول "وانه لطموح غير عقلانى ان نحاول بناء حزب من الفلاسفة فى مجتمع امى " ـ اوان التغيير ـ ص 32-33 ."
والمسألة طرحها الصديق صديق في مجمل حديثه عن المثقفين عرضا وسنأتي لذلك بعد مناقشة مسألة أساسية يمكن تلخيصها في السؤال الأساسي التالي: هل يمكن لحزب أو جماعة سياسية أو حتى فرد عادي أن يتفادوا أو يتفادى أن يكون لهم أو له موقف فلسفي من الوجود؟ أنا أزعم أن أي شخص في الدنيا متعلم أم غير متعلم، مثقف أو غير مثقف له موقف من الوجود سواء عن وعي مكتسب من المدرسة أو وعي من الحياة والممارسة. إن الفلسفة هي في جوهرها الموقف من الوجود والعالم، والتعامل مع الفلسفة بإنها الفلسفة المدرسية، أو النظم الفلسفية التي صاغها فلاسفة معروفين فقط فيه خلل معرفي. كل الأحزاب تتبنى فلسفة من العالم والوجود بعضها معلن والبعض الآخر مبطن في برامجها ومواقفها وخطابها العام والفرق بين تلك الأحزاب والأحزاب الشيوعية أنها تطرح موقفها من الوجود والعالم، موقفها الفلسفي، بينما يجتهد الآخرون لإخفاء مواقفهم الفلسفية. والمسألة هنا ليست مسألة موضة وهي أعمق من الحديث المعمم عن أمية الشعب السوداني: هي بالتحديد حول الإستنارة ونشر الوعي المنظم والذي يحتاج المنظم فيه لوعي كامل بمن ينظم ولماذا ينظم وإلى أين يريد المنظمين أن يعبروا، أنها ليست مجرد برنامج سياسي، هي حركة للنهضة الشاملة الجذرية ولسان حالها يقول رحلة مليون ميل تبدأ بخطوة، وأنها يمكن أن تسير خطوتين وترجع خطوة. والموقف الفلسفي عن الوجود والعالم المنطلق من الإعتراف بالوجود الموضوعي المستقل للناس والأشياء والأحداث والأمكنة عن الوعي (المادية) وإمكانية معرفة ذلك الوجود (الديلكتيك المادي كأداة معرفية: الوعي ) وإمكانية تغييره (البراكسيس او النشاط الخلاق إن صحت الترجمة) وتلك هي الماركسية.
والحزب لا يطلب المستحيل من المثقف عضو الحزب عندما يطلب منه أن يصبح مثقفا شيوعيا ممسكا بناصية المنهج الماركسي للإسهام في دراسة الواقع وتطوير فكر ويرنامج الحزب ونشر الوعي والمعرفة بين الناس.
ولكن الحزب في نفس الوقت يعترف بأن هناك مثقفون ديمقراطيون غير ماركسيين وأنه يتعامل معهم بإحترام سواء في تحالفه مع بعضهم في منظمات التحالف الديمقراطي المختلفة أم في منظمات المجتمع المدني المتعددة. والحزب يجري مع هؤلاء حوارا سياسيا حول برنامجه وفكريا حول كثير من قضايا الفكر الإنساني. فما الخطأ في ذلك؟
وفي الحقيقة أننا هنا نناقش قضية هي من صياغة الصديق صديق وليست من صياغة الراحل الخاتم. إذ أن الخاتم قد ناقش مسألة الفلسفة بشكل عام ولم يخص المثقفين بالمشكلة فقد جاء طرحه للمشكلة ضمن طرحه للأسباب التي حالت دون تحول الحزب لقوى إجتماعية كبرى، وهو قد ذكر في ذلك السياق خمس أسباب، إثنان منهم لا خلاف عليه وهما ظروف السرية التي أجبر عليها الحزب والتطور غير المتوازن للسودان، ولكنه ذكر ثلاثة أسباب أخرى هي تبني الحزب للماركسية اللينينية، والفلسفة المادية، والبرنامج الشامل لثلاث مراحل وقد تناولت الأسباب في موسم الهجرة لليمين فقلت فيما يتعلق بالسبب الأول:
" السبب الخاص بالماركسية اللينينية مفتعل ويفترضه الكاتب، يقول مصطفى (الخاتم) "قيام الحزب على الماركسية اللينينية يتطلب من المرء ليكون عضوا من أعضائه، ان يتوصل لتبني موقف فلسفي متكامل من الوجود" (ص 32). وهذا غير صحيح فالحزب يضع شرطين فقط لقبول العضوية، تقول لائحة الحزب:
يقبل الحزب من المواطنين والمواطنات كل من بلغ الثامنة عشر او تجاوزها وأستوفى الشروط التالية
(أ) قبل برنامج الحزب ولائحته والاشتراك في احدى هيئاته، والعمل النشط لتنفيذ قراراته ودفع الاشتراكات المقررة.
(ب) الاستقامة وحسن السلوك والتصرفات والاخلاص لقضية الشعب."(ص 62 من دستور الحزب الشيوعي السوداني المقر في مؤتمره الرابع- أكتوبر 1967)
وتعرضت للمسألة الثانية المتعلقة بالفلسفة فقلت:
" يعتبر مصطفى (الخاتم) الموقف الفلسفي المادي للماركسية "قد سهل مهمة اعدائه في إنشاء حائط أصم بينه وبين أغلبية الشعب" (ص 33) وان القوى الرجعية قد إستغلت ذلك لضرب حصار حول الحزب، فقد
"تعرض الحزب لحملات بالغة العنف والفظاظة، إعتمدت على الترويج الخبيث لمواقف عملية مزعومة، يقفها ضد الدين وقد تصدى الحزب بفعالية لا تنكر في التصدي لتلك الحملات، ولكن المأساة التي صاغها التاريخ، وطوق بها الحزب، هي أن الأغلبية الساحقة من الجماهير كانت تقف خارج دائرة البث الفعال التي يغطيها الحزب بأقواله وأفعاله سواء بفعل الأمية السياسية والثقافية، أو العزلة الجغرافية، او محدودية أداة البث ذاتها." (ص 33)
وقد قصدنا من هذا المقتطف الطويل ان نوضح كيف ان مصطفى (الخاتم) وهو يحاول ان يكون موضوعيا قادر على الوصول لبحث سليم لقضية استعمال الدين في الصراع الاجتماعي من قبل القوى الرجعية في محاربة الحزب، وأن الازمة تكمن في الامية السياسية والثقافية او العزلة الجغرافية، كظروف موضوعية، أي خارج الحزب وموجودة بمعزل عن تبنيه للماركسية او لاي فكر آخر، والظروف الذاتية الخاصة بضعف إعلام الحزب وعدم قدرته بالوصول بخطابه للجماهير المعنية. والرجعية لن تتوانى في إستعمال سلاح الدين في أي معركة ومع أي حزب أو مجموعة سياسية، فمثلا العلمانية تتهم بانها الحادية وانها ضد الدين، إسماعيل الازهري ومجموعة الوطني الاتحادي واجهت هجوما من الطائفية لاسباب سياسية ولكنها صبغت بصبغة دينية، الصادق المهدي وكان حليفا للاخوان عندما انقسم عن عمه اتهم بالشيوعية واسقط في الجزيرة ابا، وهكذا. لذا فيجب البحث عن استعمال الدين ضد الحزب الشيوعي لا في الفكر المادي لان ذلك غير مطروح بشكل مباشر في الصراع الاجتماعي المعبر عنه في برنامج سياسي واقتصادي وثقافي واجتماعي. وفي تقديري ان أزمة دعاة تصفية الحزب الشيوعي يعتقدون أن الحزب لو غير من نهجه الفلسفي وحافظ على هذا البرنامج لن يستعمل الدين ضده، بل سيحقق أغلبية، وهذا في تقديري خلط في الاوراق. المسألة ليست الموقف الفلسفي المادي للماركسية، بقدر ما هو ما يطرحه الحزب الشيوعي من برامج وحلول لمشاكل الوطن تعارض مصلحة الفئات الطبقية السائدة." (التشديد ليس في الأصل)
وهكذا نرى أن مناقشة صديق بعيدة عن نص الراحل الخاتم وعن مناقشتي له. ولكن حتى في هذا الصياغ، إستطاع الحزب الشيوعي في فترة نهوض حركة التحرر الوطني وميلها نحو الإشتراكية أن يجبر كل الأحزاب السودانية للحديث عن الإشتراكية حتى بعض التيارات الإسلامية أطلقت على حزبها الحزب الإشتراكي الإسلامي.
وفي الحلقة القادمة نتعرض لقضية المثقفين وكيف أن طرحي لم يعامل بدقة من قبل الصديق صديق.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدقي كبلو يرد على صديق عبد الهادي لقد عاش الخاتم بيننا (Re: الواثق تاج السر عبدالله)
|
صدقي كبلو يرد على صديق عبد الهادي
لقد عاش الخاتم بيننا
(4 -6) صدقي كبلو [email protected] ويتناول الصديق صديق ما ذهبت إليه في قضية المثقفين والديمقراطية فيقول:
" ربط د. صدقى كبلو استعادة الحزب لنفوذه وسط المثقفين بموقف الحزب من الديمقراطيه بشكل عام، وليس الديمقراطية داخل الحياة الحزبية، اذ كتب "بالنسبة للمثقفين وجماهير الشعب السودانى اصبح موقف الحزب من الديمقراطية مشكوكاً فيه بعد تأييد انقلاب مايو" ـ موسم الهجرة الي اليمين ـ ص 19 . وفى نفس الصفحة اشار الى " ان الموقف من قضية الديمقراطية هو المدخل الصحيح والاساسي فى تقديرى لاستعادة الحزب لنفوذه وسط المثقفين ووسط الجماهير ".
ويلاحظ صديق:
" نلاحظ ان د. صدقى كبلو قد وقف عند "عتبة الدار"، و لم يدخل ليتلمس حقيقة ان اشاعه الديمقراطية فى مفاصل الحزب هى الاساس فى جذب اكبر عدد من المثقفين ليعينوا الحزب على تبنى موقف متقدم من قضية الديمقراطية."
وأرى ان صديقا لم يعالج موقفي في قضية المثقفين بتركيز وبقدرته التي أعرفها في التقصي، فأقتطع مقتطفات من مناقشاتي من مكانها ومن مجمل طرحها. وليس أمامي أزاء هذا الإبتسار لوجهة نظري سوى أن أعيد ذلك الجزء من موسم الهجرة إلى اليمين ولابد لي من التنبيه هنا أن الإشارة للرفيق مصطفى هي إشارة للراحل الخاتم عدلان:
الحزب والمثقفون
يطرح مصطفى قضية هامة عندما يتعرض لعلاقة الحزب الشيوعي والمثقفين، ولكنه من البداية خلط بين أمرين: جذب الحزب للمثقفين لعضويته وكسب الحزب للمثقفين في بناء الجبهة الديمقراطية، وهذان أمران مختلفان فالأول يتعلق بجذب المثقف لتحويله لمثقف شيوعي، فعضو الحزب من المثقفين يتوقع منه ليس فقط الانتماء السياسي، على أساس البرنامج، وإنما الإنتماء الفكري للنهج الماركسي في التفكير والتنظير ودراسة الواقع السوداني، أما الثاني فهو يتعلق بجذب المثقف لبرنامج الثورة الوطنية الديمقراطية من خلال العمل السياسي المشترك وبناء التحالف على مستوى الجبهة الديمقراطية وسط الطلاب والمهنيين والادباء والفنانين وغير ذلك من قطاعات المثقفين.
ويلاحظ مصطفى (الخاتم) عند طرحه للمسألة الأولى: جذب الحزب للمثقفين لعضويته، ظاهرة، لا يبذل مجهودا كبيرا في تفسيرها، وهي ظاهرة أن مثقفي الخمسينات والستينات "قد إالتحقوا في فترة من فترات حياتهم بالحزب، أو أرتبطو به بصورة من الصور أو تعاونوا معه في قضية من القضايا. وقد إنكمشت هذه الظاهرة في السبعينات أو الثمانينات" (ص 75، الشيوعي 157)، أقول أنه لم يبذل جهدا في تفسيرها رغم أعترافه بضرورة إخضاعها للفحص والتفسير، ورغم أنه قدم بعض التفسير، فهو لم يبذل الجهد الكافي لدراسة الظاهرة وتفسيرها، خاصة أنه ظل طوال فترة عضويته في الحزب يعمل وسط قطاعات المثقفين (الطلاب ثم الأدباء والفنانين والكتاب، ودار الوسيلة للنشر)، ورغم قدرات مصطفى التي أعرفها ويعرفها غيري من زملائه في التحليل، وأنا إذ أتوقف عند هذه النقطة فذلك أنني أعتقد أن مصطفى يفعل ذلك بوعي لأنه يريد ان يقول للمثقفين: "أن الحزب الشيوعي أهملكم وهمشكم ونعتكم بانكم برجوازية صغيرة، فتعالوا نكون حزبا للمثقفين!"؛ ولكن لكي لا أتهم بأنني أتهم مصطفى جزافا تعالوا نرى كيف يفسر الظاهرة.
لقد أعطى مصطفى ما أسماه بالتطورات الموضوعية التي "لا يد للحزب فيها" (ص 76 من المرجع السابق) عشر أسطر فقط، يقول مصطفى:
"وبقدر ما كان إقبال المثقفين كبيرا على الحزب، في عقوده الأولى، بقدر ما كان بقاؤهم داخله قصيرا وعابرا. وربما يرجع ذلك إلى التغييرات التي تطرأ على أوضاع بعضهم، مثل الترقي في جهاز الدولة، والإرتباط بالطبقات الطفيلية، وتناقض مصالحهم مع مصالح الشعب مما يضعهم في الجانب الآخر من المتراس في مواجهة الشعب"(ص 76)
وهذه هي في نظره التطورات الموضوعية التي " لا يد للحزب فيها"، اما الأغلبية "فنعتقد أن إنسحابها يتعلق بأسباب ذاتية خاصة بالحزب"(ص 76) . والزميل مصطفى لا يستنتج من دراسة ولا يظن، ولا يقترح، ولا يقدر، ولا حتى يرى، وإنما "يعتقد"!
وفي تقديري أن معالجة مسألة المثقفين والعمل السياسي عموما وعلاقتهم بالحزب الشيوعي والحركة الديمقراطية الثورية، خصوصا تحتاج لدراسة كاملة ليس هذا مكانها، ولكن لا بد لي من طرح بعض الافكار المتواضعة حول الموضوع ما دام قد أصبح جزء من النقاش.
والقضية عندي هل يمكن أن ينظر الى مسالة المثقفين والسياسة في أي وقت بشكل لا تاريخي، أي خارج نطاق التطورات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تمر بها البلاد، بل وخارج تطور النظام التعليمي والحركة الطلابية والثقافية في المجتمع والمؤسسات التعليمية؟ ولا أظن أن ذلك ممكنا، فلو نظرنا مثلا لمسالة المثقفين والسياسة منذ إتفاقية الحكم الثاني وحتى الاستقلال، فإننا نجد ثلاث اجيال من المتعلمين تعرضوا لظروف تاريخية، بما في ذلك النظم التعليمية، مختلفة، أدت الى تباين في موقفهم من قضية العمل الوطني عموما والعمل السياسي على وجه التحديد. فالجيل الاول والذي تلقى تعليمه بكلية غردون و هي لم تزل مدرسة إبتدائية ووسطى، وتأثر بظروف الحرب العالمية الأولى والثورة المصرية (1919)، ووجه بخطط الاستعمار الاولى لإستغلال إمكانيات البلاد بالتخطيط لمشروع الجزيرة وبناء خزان سنار، هذا الجيل الذي كان جل تأثره بالثقافة المصرية ولم ينفتح بعد على الثقافات العالمية، هو الذي قادت طلائعه ثورة 1924 وإنكفأ على نفسه بعد الهزيمة، ولاحقته السلطات الاستعمارية بهجمة منتظمة على المؤسسات التعليمية وبسياسة تعليمية أثرت على الجيل التالي وتكوينه الطبقي والمعرفي، وهذا الجيل الثاني أثرت فيه سياسات متناقضة: سياسة السير مافي Maffey المعادية للتعليم والمتحالفة مع شيوخ القبائل ورجالات الطائفية، وسياسة سايمز Sir Stewart Symes (Governor-General between 1934-1940) الذي ووجه بالحاجة العملية لتطوير التعليم ليمنع عودة الاداريين المصريين بعد إتفاقية 1936 . وهو نفس الجيل الذي عانى وشهد معاناة الشعب خلال الأزمة الإقتصادية العالمية الكبرى (1929-1933)، والذي نظم جزء منه إضراب الكلية الشهير، وهو جيل الفجر والمدارس الفكرية في الهاشماب وابي روف، وهو الذي أإنشأ مؤتمر الخريجين وشهد الحرب العالمية الثانية وقدم مذكرة الخريجين، ولكنه في نفس الوقت هو الجيل الذي رهن الحركة الوطنية للطائفية عندما ووجه بصعاب تنظيم الجماهير بعد رفض الادارة الاستعمارية لمذكرة الخريجين عام 1946، والذي إنقسم على نفسه بين الطائفتين مكونا حزبي الأمة والأشقاء. أما الجيل الثالث من المثقفين فهو الجيل الذي تفتح وعيه بعد الحرب العالمية الثانية وأشترك إشتراكا فعالا في مقاومة مخططات الاستعمار كالجمعية التشريعية وساهم في بناء الحركة الجماهيرية والديمقراطية الحديثة مثل الحزب الشيوعي واتحادات الطلاب والنساء والشباب والحركة النقابية، وهذا جيل تمتع اليسار بنفوذ واسع فيه.
ومصطفى عندما ينقد ما كتبه عبد الخالق محجوب في لمحات، لايفرق بين الجيلين (رغم إستدراك مصطفى في صفحة 79 وقوله "وعلى كل حال فإن التقييم لم يكن مطلقا بل إنحصر في فترة محددة هي التي أعقبت ثورة 1924") ويتعامل مع أندية الخريجين ومؤتمر الخريجين كشئ واحد أو على أحسن الظروف كحركة ممتدة واحدة وهذا غير صحيح في تقديري، فرغم أن المؤتمر قد خرج من ثنايا أندية الخريجين إلا أنه كان يمثل جيلا مختلفا وتيارا مختلفا في الحركة الوطنية. ورغم أن عبد الخالق ينتقد الجيلين، فإن نقده لكل جيل كان مختلفا، فهو يتهم الجيل الاول بالتقهقر إلى أندية الخريجين والانغلاق على نفسه وسعيه للترقي في السلك الحكومي وهذا رأي كثير من المؤرخين أمثال محمد عمر بشير مثلا، ولكنه لم ينف دور النشاط الأدبي في مقاومة الاستعمار بقدر ما بين محدودية ذلك الدور، لنرى ما يقوله عبد الخالق
"أما النشاط العام للمثقفين فقد إنحصر في أندية الخريجين وخاصة في الجمعيات الأدبية والحفلات الإجتماعية. كان النشاط الأدبي في ذلك الوقت يتجه نحو التمسك بالتراث العربي وهو بذلك كان يمثل عملا لمقاومة الاتجاه الاستعماري لهدم اللغة العربية وأدابها في السودان ولكنه بالرغم من ذلك لم يشمل الحياة اليومية للناس ولم يخرج في أثره عن نطاق أندية الخريجين ومن يطرقون أبوابها" (لمحات، ص 23)
ولكن من أين جاء مصطفى بتعميمه "لقد جاء في كتيب لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي، أحكام لاتخلو من قسوة بحق المثقفين. فقد أشير إلى انهم "هرعوا وراء المكاسب الشخصية"، مصطفى يظلم عبد الخالق عندما يخرج حديثه من سياقه الخاص بالتراجع الذي انتهجه مثقفي الطبقة الوسطى بعد ثورة 1924 وعبد الخالق يقول "لقد تحول الكثير من الذين اشتركوا في حركة 1924 الى عناصر يائسة تزهد في جدوى الكفاح ومناهضة الحكم الاستعماري وقد تدرج هؤلاء في أجهزة الدولة وكونوا رصيدا للمستعمر في كل خطواته وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية كما سنرى فيما بعد"(لمحات، ص 23) وهكذا نرى أن عبد الخالق قد خص مجموعة معينة من المثقفين بذلك الوصف الذي يتهمه مصطفى بتعميمه، ورغم أن مصطفى يعود بعد الصفحات من هذه المحاكمة الجائرة ليستدرك كما أوضحنا سابقا "وعلى كل حال فإن التقييم لم يكن مطلقا بل إنحصر في فترة محددة هي التي أعقبت ثورة 1924"، إلا أن ذلك يتم بعد ان اصدر حكمه بعدم موضوعية الاحكام التي أصدرها عبد الخالق!
وينتقل مصطفى بعد هذه المحاكمة الجائرة لكتاب "لمحات"، ليقارن بين أفكار عبد الخالق حول دور المثقفين في الحزب وبين ما آل اليه ذلك الدور بعد أغتيال عبد الخالق، ويشير مصطفى لاسهامات عبد الخالق في "قضايا ما بعد المؤتمر"، وفي الحقيقة فإن جوهر أفكار عبد الخالق قد تم التعبير عنها منذ ثورة أكتوبر، في أول مؤتمر لرابطة الطلاب الشيوعيين، والذي عقد بكلية الآداب جامعة الخرطوم، عندما أقترح على المؤتمرين ان يفكروا في إهتمامات الطلاب المتعددة والمتنوعة، غير السياسية، وتابع مناقشة ذلك في قضايا مابعد المؤتمر خاصة عند إقتراحه تطوير حركة الشباب الديمقراطية لتصبح حركة متنوعة النشاطات والاهتمامات. ولا يمكن هنا حصر الحديث على الافكار والمقترحات، إذ أن الفترة بين 1964-1971 شهدت إنجازات ثقافية متعددة، بحيث أصبح الحزب الشيوعي في قلب الحركة الثقافية السودانية وجاذبا للمثقفين السودانيين، ولننظر لبعض الأمثلة:
نهوض حركة ثقافية واسعة وسط طلاب الجامعات والمعاهد العليا كان يتمثل في جامعة الخرطوم في المهرجان الثقافي السنوي لجمعيتي الثقافة الوطنية والفكر التقدمي، وفي مهرجانات الجبهة الديمقراطية بالمعهد الفني وكلية الفنون الجميلة ومعهد شمبات وجامعة القاهرة الفرع ومعهد المعلمين العالي ويستحق مهرجان جامعة الخرطوم، وقفة لاهميته، خاصة في نهوض الحركة المسرحية الحديثة في السودان:
المهرجان الاول اقيم عام 1966 ورغم التحالف بين الجبهة الديمقراطية والاشتراكيين الديمقراطيين فقد وقف الاشتراكيون الديمقراطيون مع الاخوان في منع حدوث المهرجان في الجامعة واضطر منظمو المهرجان لنقل بعض فعالياته خارج الجامعة وقدموا عرض مسرحية الحبل التي اخرجها الشبلي بداخليات البركس واجريت بعض النشاطات الرياضية في ميادين عامة بالعاصمة.
المهرجان الثاني عام 1967 وقد أقيم جميعه بالجامعة عدا حفل الفنون الشعبية الذي الغي لاتفاق بين رئيس الاتحاد خالد المبارك والمشرف حسن عمر وقد شمل المهرجان على تقديم مسرحية المغنية الصلعاء من اخراج عثمان النصيري واقيمت الليالي الشعرية والندوات الثقافية بدار الاتحاد
المهرجان الثالث عام 1968 وهو من اشهر مهرجانات الجامعة، اذ اقيم به اول عرض للفنون الشعبية بالجامعة وانتهى الى ما عرف باحداث الفنون الشعبية، عندما وقف حاج نور واعترض على رقصة العجكو ثم بدا هجوم الاخوان المسلمين على المسرح وقتل أثناء الاحداث طالب من الكاملين. وقدمت خلال هذا المهرجان مسرحيتان جان دارك من اخراج النصيري وايها الرجل كم انت جميل من اخراج الشاعرعلي عبد القيوم، وقدمت فيه ليالي شعرية واقيم خلاله معرض للفنون الجميلة بمقهى النشاط من تنظيم الاستاذ عبدالله هاشم واحتوى على لوحات لرسامين عالميين يمثلون مختلف المدارس الفنية. وقدم عثمان النصيري في الاجازة الصيفية مسرحية الكراسي.
المهرجان الرابع في عام 1969 وقدمت فيه مسرحيتين هما مارصاد من اخراج عثمان النصيري وسمك عسير الهضم من اخراج علي عبد القيوم وطه امير، وقدم فيه عرض للفنون الشعبية كامل لاول مرة ودون ان يعترضه الاخوان واقيمت ندوات شعرية وثقافية.
قد صاحب كل ذلك نهوض حركة ثقافية وسط طلاب المدارس الثانوية قادها في الغالب اساتذة الفنون الجميلة كعبدالله بولا وعلي الوراق فنشأت طلائع الهدهد بحنتوب وطلائع النخيل بمروي وطلائع القندول بالقضارف مما دفع اتحاد الشباب السوداني ان يقيم على شرف مؤتمره قبل حله باشهر قليلة سمنارا عن طلائع الطلاب في عام 1971.
ونشأ خلال هذه الفترة، وبمبادرة الشيوعيين والديمقراطيين، إتحاد الكتاب والفنانين التقدميين، أبادماك، والذي أحيا دار التقافة بالخرطوم وأعاد الحيوية للحركة الثقافية السودانية.
وبدأ منذ عام 1965 نشاط دار الفكر الاشتراكي، والذي رغم تعثره، أصدر بعض الكتب القيمة، مثل "لمحات" و "المدارس الاشتراكية في أفريقيا" لعبد الخالق، والتعليم في مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية للقدال، وترجمة مقالة "ديمقراطية التعليم" لعباس علي، وكتاب "عن رأسمال ماركس" ترجمة الاستاذ عبد الرحمن الوسيلة، وراي الحزب الشيوعي في مشروع الجزيرة، من إعداد اللجنة الأقتصادية و"جبهة ديمقراطية لماذا" لحسن الوديع السنوسي وصدقي كبلو.
وقد شهدت هذه الفترة أيضا نهوضا لروابط المهنيين الديمقراطية والاشتراكية كرابطة المعلمين ورابطة الاطباء الاشتراكيين، وتبع ذلك تطور كبير في دور النقابات المهنية وقيام اتحادات الجامعيين بالوزارات والتي تم حلها بواسطة ديكتاتوية نميري.
ورغم أن مصطفى يتحدث عن الظروف الموضوعية التي أحاطت بالحزب التي "لم تسمح لوظائفه الثقافية بالإتساع، ولم تسمح للديمقراطية داخله أن تزدهر." وادى الى "إنكماش الحزب بصورة عامة، وإنكماش وظائفه الثقافية على وجه الخصوص" مما لم يمكن الحزب خلال "العقدين الأخيرين من إستقطاب أقسام كبيرة من المثقفين" إلا أنه لا يذهب لتفصيل تلك الظاهرة، فلا يكفي فقط الحديث عن الظروف الموضوعية بإبهام، صحيح أن الهجمة التي تعرض لها الحزب في يوليو 1971 كانت شرسة وفقد فيها الحزب مجموعة من خيرة قادته وكوادره، ولكن هل يكفي ذلك لتفسير عزلة الحزب وإنكماش دوره، خاصة وسط المثقفين، فالحزب مثلا تعرض للقهر أبان الديكتاتورية الأولى ولكنه كان يمثل المركز الأساسي للحركة الديمقراطية حتى ان عبد الخالق قد لاحظ في "لمحات":
"واصبح الكثير يرى في الحزب الشيوعي مكافحا من اجل الديمقراطية، فربما ادى هذا الى دخول الكثير من العناصر على اعتبار قضية الديمقراطية وحدها لا على اعتبار البرنامج الكامل للحزب الشيوعي وافكاره الأشتراكية العلمية"(لمحات ص 116)
فلماذا لم يكن الحزب مركز النضال من أجل الديمقراطية خلال فترة حكم نميري؟ ولماذا ظل حتى المصالحة الوطنية في عام 1977 غير قادر على توضيح خطابه الديمقراطي الذي بدأ تطويره منذ بداية الخلاف مع سلطة مايو؟ اليس لذلك إرتباط بموقف الحزب من إنقلاب مايو الذي أطاح بالنظام اليمقراطي؟ بالنسبة للمثقفين وجماهير الشعب السوداني، أصبح موقف الحزب من الديمقراطية مشكوك فيه بعد تأييد إنقلاب مايو، (التشديد ليس في الأصل) وقد إنعكس هذا جليا في حركة الطلبة، والتي أتخذ الشيوعيون فيها، خاصة في جامعة الخرطوم، وكنا مصطفى وشخصي من بين قيادتها، موقفا خاطئا أتاح الفرصة لقوى الاخوان المسلمين أن تسيطر على قيادة حركة الطلبة وظلت الحركة الديمقراطية الطلابية تدفع ثمن أخطائنا تلك حتى الآن، ومعلوم لدى الجميع أن الحركة الطلابية هي التي تمد مجمل حركة المثقفين بكوادرها الجديدة. إن الحزب بمجمله ينظر لهذه الفترة بشكل ناقد وفي تقديري هذا هو السبيل لاصلاح الحزب الشيوعي وتحوله لحزب ديمقراطي مناضل من أجل الديمقراطية السياسية والإجتماعية، وفي تقديري أن الحزب قد قطع شوطا واسعا، على المستوى النظري والبرنامجي، لتصحيح موقفه من قضية الديمقراطية، وهو في ذلك قد سبق مجمل الحركة الشيوعية العالمية وحركتي التحرر العربية والأفريقية، ولا يمكن لمن يتناول تاريخ الحزب أو يقيم تجربته أن يغفل ذلك. إن الموقف من قضية الديمقراطية هو المدخل الصحيح والأساسي في تقديري لاستعادة الحزب لنفوذه وسط المثقفين ووسط الجماهير.(التشديد ليس في الأصل)
ولكن مصطفى، في الحقيقة، غير مهتم بذلك، فهمه الأساسي وضع المثقفين داخل الحزب فهو يقول "أن الذين بقوا داخله (يقصد من المثقفين) أو إلتحقوا بصفوفه لم يجدوا المكان اللائق بمقدراتهم ولا المناخ المفجر لطاقاتهم الفكرية." (ص 80 من الشيوعي 157)ز بل أنه يذهب للقول:
"وقد أدت المركزية الصارمة إلى إستبعاد المثقفين من مواقع إتخاذ القرار. وكانت المؤسسات الحزبية التي يعملون في داخلها لا تتمتع بسلطة يؤبه لها في رسم الخط السياسي العام للحزب"(ص 80 من المرجع نفسه)
فهل ما ذهب اليه مصطفى صحيح؟ لننظر للوضع بعد الانقسام في أغسطس 1970 ومجزرة يوليو 1971 لنرى كيف أن المثقفين أصبحوا أغلبية في هيئات الحزب العليا: فمن بين أربعة أعضاء تم تصعيدهم للجنة المركزية بعد يوليو 1971 كان ثلاثة من المثقفين، إثنين يحملان درجات جامعية (أحدهم يحمل درجة الماجستير) وواحد أتم تعليمه الثانوي؛ ,ان أغلبية سكرتارية اللجنة المركزية أصبحت من المثقفين واللجنة المركزية وسكرتاريتها هما "من مواقع إتخاذ القرار" في الحزب الشيوعي. وظلت اللجان التابعة للجنة المركزية تعج بالمثقفين: مكتب التعليم المركزي، اللجنة الاقتصادية، لجنة الشؤون والعلاقات الخارجية، بل أن مثقفين كثيرين يعملون في لجنة الصلة وفي لجنة العمل التنظيمي. فمن يا ترى من المثقفين كان في موقع القرار وتم إستبعاده؟ ولو ألقينا نظرة على ما حدث من تطور بعد أنتفاضة مارس أبريل 1985 فإننا سنجد أن دور المثقفين، والشباب منهم قد زاد في ادارة شئون الحزب، فأغلبية كادر اللجنة الاقتصادية وجمعيتها العمومية من شباب الاقتصاديين، أغلبية هيئة تحرير الميدان، ومجموعة الكادر الخطابي، قيادات فروع المهنيين والمناطق وأغلبية كادر لجنة البرنامج التي كانت تعد مشروع البرنامج للمؤتمر الخامس، والتي كان مصطفى عضوا بها، كانت من شباب المثقفين. ولقد كتب المثقفون الشيوعيون البرنامج الانتخابي، وكان يعدون المواد الاساسية التي يبني عليه الحزب خطه السياسي ومواقفه في المجالات السياسية والاقتصادية والقانونية وفي شئون التعليم والصحة والحكم المحلي والمؤتمر الدستوري؛ فكيف يمكن القول بأن الأعباء الفكرية صارت تقع "بصورة متزايدة على سكرتيره العام. والذي لم يكن يجد معونة فكرية تذكر من المحيطين به في هيئات الحزب العليا بإستثناء واحد أو إثنين"؟
أما على المستوى الشخصي فقد كان مصطفى عضوا بهيئة تحرير الشيوعي ومحررا للشبيبة ومديرا لدار الوسيلة للنشر، وكادرا خطابيا وكاتبا بالميدان وعضوا في لجنة الدراسات الاسلامية وعضوا مرشحا للجنة المركزية، حضر كل إجتماعاتها الموسعة خلال الديمقراطية الثالثة، وصعد الى سكرتاريتها المركزية بعد إنقلاب يونيو 1989 التي ظل عضوا بها حتى إستقالته. فلم يتجنى مصطفى على الحزب؟
إن الغرض الاساسي لمصطفى هو التمهيد لاطروحته حول حزب يقوده المثقفون! وهذه الاطروحة تعاني من خلل أساسي وهي التعامل مع المثقفين كفئة مؤحدة، وعدم التفرقة بين إهتمام المثقفين بقضية تطور الوطن ومنظورهم لتطور الوطن والذي تحكمه طبيعة ثقافتهم (أي منظورهم للعالم وللوطن ولانفسهم ولدورهم في الحياة العامة) ومصالحهم الفئوية والشخصية (مستوى الحياة التي يتطلعون لها ونوع التضحيات التي يمكنهم تقديمها في سبيل تحقيق منظورهم الوطني)؛ أي ببساطة أين يجدون أنفسهم في تحقيق الخاص ام العام و هل يتناقض الخاص والعام أم ينسجمان ولاي درجة، وكيف يحلون التناقض؟
إن قضية إشتراك المثقفين في العمل السياسي لهي أكثر تعقيدا من أن تحل بإنشاء حزب خاص بهم، ورغم ذلك يصبح تطور العمل السياسي، سواء كان في الحزب الشيوعي أو أي حزب آخر، رهين بجذب عدد أكبر من المثقفين للإسهام في العمل السياسي. والحزب الشيوعي ظل يتناول هذه المسألة على مستويين: الأول هو جذب كادر من المثقفين لعضوية الحزب وتبنيهم منهج ماركسي لرؤية العالم وتحليل وحل مشاكل الوطن، والمستوى الثاني هو بناء تحالف عميق مع المثقفين الوطنيين الديمقراطيين حول منظور للتطور الوطني الديمقراطي للسودان. ولكن الحزب الشيوعي لا يطلب من كل المثقفين أن يصبحوا سياسيين، أي متفرغين للعمل السياسي، هو يطلب منهم وعيا سياسيا أثناء ممارستهم لنشاطهم الثقافي والمهني، وإسهاما في حلول مشاكل الوطن من مواقع عملهم وإهتمامتهم الثقافية والمهنية[1]. ولعل من المفيد أن نقتطف الفقرات التي عالجت موقف الحزب من المثقين في "الماركسية وقضايا الثورة السودانية"، رغم مرور حوالي ثلاثين عاما على صدور تلك الوثيقة لصحة منهجها في تناول مسألة العلاقة مع المثقفين؛ تقول الوثيقة:
أولا: مرت فترة ببلادنا وخاصة بعد الحكم الذاتي ثم الفترات الأولى من الاستقلال حيث وقع وضع جديد ارتفع فيه مستوى المثقفين وتطلعاتهم الطبقية لوراثة جهاز الدولة. وهذا الوضع جعل الامكانيات شحيحة فيما يختص بالكادر المثقف الذي يرتبط نهائيا بقضية الحزب الشيوعي ويسخر إمكانياته لهذا الغرض. فالرفاق الذين ولجوا الحزب الشيوعي من هذا الباب شح عددهم إلى درجة مخلة في هذه الفترة.
"ثانيا: عبر النضال في هذه الفترة استطاع حزبنا ان يقدم منابر للعمل الشعبي من كادره، ومن ضمن هذا الكادر نسبة عالية من المثقفين الشيوعيين، فأصبحوا يعملون في النشاط السياسي وما عادت لديهم الامكانيات للعمل كمثقفين. ولشح كادر المثقفين تحمل الكادر مسؤوليات مرهقة ومتعددة الجوانب: في النشاط السياسي والجماهيري، والتنظيم الداخلي، وفي مد الحزب الشيوعي بالمعرفة الماركسية. ولكن التحولات التي جرت في بلادنا واتساع دائرة الجماهير المتيقظة على حركة التغيير الاجتماعي وحدة النضال من أجل البديل كل هذا جعل من غير الممكن الاستمرار في الوضع وطرحت اليوم بشكل حاد قضية تنمية قدرات حزبنا بين المثقفين الشيوعيين، وتحديد العلاقات في داخل حزبنا بحيث يجد هذا الكادر إمكانيات واسعة للعمل والانتاج.
"ثالثا: لقد أكدت ثورة أكتوبر أن عناصر كثيرة بل هائلة من المثقين يتجهون صوب الحزب الشيوعي وعلى استعداد للنضال معه. وهذه العناصر تمتاز بالمعرفة وبالقدرة على الوصول إلى هذه المعرفة عبر البحث والتفكير. ولهذا ما عاد من الممكن الحديث عن وضع المثقفين وكأنهم في الفترة الأولى من الحكم الذاتي والاستقلال: فنطاق التعليم قد اتسع وزاد عدد خريجي الجامعات من المئات كما كان عليه مطلع الاستقلال الى الآلاف في يومنا الراهن، وتفتحت فرص التعليم والتأثر بالعالم الخارجي واتسع نطاق البعثات في الجامعات الاشتراكية الخ. وبهذا تنوعت الروافد التي يمكن أن يستوعبها الحزب الشيوعي بضم خيرة المثقفين إلى صفوفه، باختيار الأشكال الملائمة للارتباط بالأقسام الواسعة منهم حسب المستوى ووفقا لظروفهم. ونستطيع القول بأن للحزب الشيوعي إمكانيات أكثر من أي حزب آخر في بلادنا في هذا المضمار، وكل ما ينقصنا هو إزالة السدود بيننا وهذا المنبع الثري لحزبنا، واختيار الكادر الشيوعي المحترم للعمل في هذا الميدان. ان أجيالا جديدة من المثقفين تتطلع للوجود، وهي أجيال ترغب في المساهمة في العمل الثوري بقدراتها على البحث والقراءة وإعمال الذهن، ولا بد لحزبنا أن يجند طلائعها إلى صفوفه فيصلب من عودها وقدرتها على النضال.
"رابعا: إن هذا المنبع المتزايد يمكن ان يسهم في حركة النضال للتقدم الاجتماعي على نطاق الحركة الثورية أيضا وتنظيماتها الديمقراطية، فالقوى الجاذبة لتوسيع هذه الحركة لا تنمو في مجرى واحد، مجرد التنظيم السياسي، بل تعمل لتنميته أشكال متعددة من التنظيم النقابي المهني والتعاوني، والنشر والمحاضرات والأندية التثقيفية الخ. واستيعاب الأمناء الثوريين في هذا العمل يفيد كثيرا تطور الحركة الشعبية، وينمي من قدرات التنظيمات وجاذبيتها. وفوق هذا يشكل هذا الواجب مهمة ملحة من مهام مرحلة النضال الوطني الديمقراطي. وهذا الاستيعاب من ِانه أيضا أن يبعث قيم الالتزام بقضايا الشعب والمسئولية الاجتماعية وهما درع واق ضد الافساد الذي تحاول أن تنشره قوى الثورة المضادة في ظروف سيطرتها: فسادا ومنافع شخصية وجريا وراء المنفعة الخاصة. ان انتشار هذا الجو من المثقفين يعني عزلهم عن حركة الجماهير الشعبية وبالتالي العراقيل أمام انجاز المهام الوطنية الديمقراطية لشعبنا."(ص ص 166 - 16."
ويتضح مما تقدم كيف عالجت مسألة المثقفين والحزب وأين قلت ما أقتطفه الصديق صديق وما زلت أرى أن المدخل الصحيح والأساسي هو الموقف من الديمقراطية، وفي تقديري أن الديمقراطية داخل الحزب نفسها محكومة بموقف الحزب من الديمقراطية ككل.
ولا بد لي أن أختم هذه الحلقة الطويلة بتساؤل ظل يشغلني دائما وهو: ألا يرى الذين يتحدثون عن بعد المثقفين عن الحزب، أن الحزب يضم كثير من المثقفين في قيادته وقاعدته؟ أم هناك تصنيف للمثقفين لا يشمل الأعضاء الموجودين؟ أم أن هؤلاء في رأسهم قائمة لمثقفين معيين إذا لم يدخلوا الحزب فالحزب خالي من المثقفين؟ هل مئات المهنيين والمبدعين من شعراء ومسرحيين وفنانين تشكيليين وموسيقيين ومغنيين وطلاب غير مثقفين؟
--------------------------------------------------------------------------------
[1] كان الرفيق محمد إبراهيم نقد، خلال فترة الديمقراطية الثالثة يطلب مني بإلحاح التشاور مع الأقتصاديين الديمقراطيين والوطنيين حول القضايا الإقتصادية المطروحة في الساحة السياسية حينها، بل أنه كان يلح أن أطلب تلك الإستشارة بإسم الحزب "أمشي لفلان وقول ليه الحزب عايز يعرف وجهة نظرك في المسألة دي!"
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدقي كبلو يرد على صديق عبد الهادي لقد عاش الخاتم بيننا (Re: Sidgi Kaballo)
|
صدقي كبلو يرد على صديق عبد الهادي
لقد عاش الخاتم بيننا
(5 -6) صدقي كبلو [email protected] الحزب الشيوعي والإنقلابات
زج الصديق بمسألة الإنقلابات زجا في حديثه عن الخاتم وعن المركزية الديمقراطية، فقال:
"بالاضافة الى ما ذكره الخاتم فى نقده للمركزية الديمقراطية، اعتقد ان هنالك مثالاً اكثر سطوعاً لخطل المركزية الديمقراطية، والذى كلف الحزب والسودان الكثير , وهو تعامل الحزب مع ظاهرة الانقلابات العسكرية... والتى رعاها ثم شارك فيها في اَن معاً. حاول د. صدقى كبلو معالجة الظاهرة , والتوفيق فيها الا انه، فى اعتقادى، لم يوفق.
"فى حديثه عن انقلاب مايو ذكر فى صفحة 15 "وهو انقلاب لم ينظمه بل واعترض عليه الحزب الشيوعى"، قارن ذلك مع ما ذكره فى صفحة 19 "ولكن الا يتحمل الحزب الشيوعى وباقى قيادته بعض المسؤليه فيما حدث ؟ واجابتى هنا بلا تردد هى انهم يتحملون مسئولية كبيرة, بل اننى اذهب للقول ان مايو خرجت من تحت معطف الحزب الشيوعى السودانى".
وقد أتى صديق بمقتطفات لي في مناقشة لفاروق وأقتطعها من سياقها في تلك المناقشة، وهو في الفقرة المقتطفة أعلاه، يترك لبسا عندما قال " حاول د. صدقى كبلو معالجة الظاهرة , والتوفيق فيها الا انه، فى اعتقادى، لم يوفق." بحيث لا يدري القارئ فيم لم أوفق في مناقشة ظاهرة المركزية الديمقراطية أم الإنقلابات. أما المركزية الديمقراطية فقد كتبت بعمق عن علاقة الديمقراطية السياسية في المجتمع وإرتباطها بالديمقراطية في الحزب ووضحت أهمية المركزية الديمقراطية في مناقشتي للخاتم وفي مقالي المستقل عن لائحة الحزب ولا أريد تكرار ذلك هنا وفي كل ذلك لم أسع للتوفيق بين وجهة نظري ومن يخالفوني الرأي، بل سعيت لتبيان وجهة نظري ونقدي لمنتقدي المركزية الديمقراطية، لأنني ما زلت أرى أنها تجسيد لوحدة الفكر والإرادة في أي تنظيم حديث، الذين يعلنون التمسك بها أو الذين يدعوون مبادئ أخرى.
أما مسألة الأنقلابات فليس صحيحا ما رواه صديق عن نقد، فنقد لم يقل إطلاقا أن الحزب الشيوعي شارك في التخطيط لإنقلابات. والزميل صديق يستعمل ذلك لنقد المركزية الديمقراطية ولتبيان خطأ ما قلته عن ان إنقلاب مايو (وهو انقلاب لم ينظمه، بل واعترض عليه الحزب الشيوعي) وقد ورد ذلك في جملة إعتراضية في مناقشتي لأستاذي الدكتور فاروق محمد ابراهيم حول تراجع المشروع الوطني الديمقراطي، وعلى أي حال الجملة صحيحة في إي سياق وضعت فيه فالحزب الشيوعي وفقا لكل الوثائق لم يوافق على فكرة إنقلاب مايو وصوت الضباط الشيوعيون والديمقراطيون ضد الإنقلاب مما أدى إلى إنقسام تنظيم الضباط الأحرار، وكانت القضية موضوع لنقاش بين أحمد سليمان وعبد الخالق محجوب في جريدة الأيام وقد إعترض عبد الخالق على وجهة نظر أحمد سليمان الداعية للإنقلاب ودعا لإستمرار العمل السياسي والفكري الثوري لتكوين حلف جماهيري يحل الأزمة في البلاد. وتابع عبد الخالق تلك المقالة بوثيقة للجنة المركزية في دورتها في مارس 1969 أمنت على خط الحزب الرافض للإنقلاب العسكري، بل أن الوثيقة نفسها طرحت على فروع الحزب في مناقشات حضرها مندوبون من قيادة الحزب وتم التصويت عليها في الإجتماعات وقد كنت شأهدا على ذلك في فرع الحزب بحي البوستة بأمدرمان. إذن كيف أفسر ما قلت عن تحمل الحزب لبعض المسئولية عن قيام إنقلاب مايو عندما قلت ""ولكن الا يتحمل الحزب الشيوعى وباقى قيادته بعض المسؤليه فيما حدث ؟ واجابتى هنا بلا تردد هى انهم يتحملون مسئولية كبيرة, بل اننى اذهب للقول ان مايو خرجت من تحت معطف الحزب الشيوعى السودانى" ولقد فسرت ذلك في "موسم الهجرة لليمين" فقلت:
" ولعل هذا ما ظل الشيوعيون يصفونه بعدم التمايز الايدولجي بينهم وتيارات البرجوازية الصغيرة في المنطقة العربية. وفي تقديري ان المسألة اعمق من ذلك، انها تكمن في نظرية القوى الحديثة نفسها والتي تعتبر تلك القوى هي صانعة التغيير، دون ان تدرك الجانب الاخر من المسألة ان التغيير الذي تصنعه هذه القوى سيظل محدودا كما في ثورة اكتوبر 1964 او انتفاضة مارس-ابريل 1985 اذا لم تستطع هذه القوى الحديثة ان تستنهض اغلبية الشعب، اذن المسألة ليست فقط في غياب برنامج يجيب على سؤال "ما العمل؟" (د. فاروق، مرجع سبق ذكره، ص 12) كما قال دكتور فاروق "كبسولة من السياسات تحدد مسار الثورة السودانية التي لا زالت في بدايتها بالنسبة لتلك الجماهير على غرار ٌالارض، السلام، السوفيتاتٌٌ"(نفس المرجع ص 12)، انما تكمن المسألة في استنهاض اغلبية الجماهير حول برنامج كذلك الذي يدعو له الدكتور، بحيث لايستطيع الصادق المهدي فرض حل حكومة اكتوبر عن طريق حشد الانصار في العاصمة، وبالطبع يوجد الحل الاخر وهو تسليح القوى الحديثة او انحياز القوات المسلحة اليها لفرض التغيير وحمايته بالقوة، وهذا يؤدي الى النموذج الستاليني (ولربما عبر حرب اهلية) ولا فرق بينه والانقلاب العسكري الا فرق درجة كما يقول استاذنا محمود محمد طه![1]
وهذا ما ادركته اللجنة المركزية للحزب الشيوعي بعد اكثر من عشر سنوات من ثورة اكتوبر اذ قالت
"ان تدرك القوى الثورية في المدن انه مهما علا شأنها ووجدت من الدعم النشط من المزارعين في القطاع الحديث لن تكتمل مسيرتها نحو النصر في الثورة الاجتماعية الديمقراطية الا بمشاركة نشطة وثورية من جماهير القطاع التقليدي - حيث اغلبية سكان السودان - اي لا يكفي التاييد والتعاطف كما كان الحال في ثورة اكتوبر"(دورة يونيو 1975 ص 36).
اذن المسألة هنا توضع على قدميها فتنظيم واستنهاض القوى الحديثة هو خطوة في طريق استنهاض كل الجماهير الشعبية وليس بديلا لها، انه لايعفي هذه القوى الحديثة من مهمة استنهاض كل الشعب. وهذا ما حاول عبد الخالق محجوب البحث عن امكانية تحقيقه في قضايا ما بعد المؤتمر عندما بدأ يستكشف امكانيات نهوض حركة جماهيرية واعادة تنظيم الحزب في مناطق ما سمي بلاقتصاد التقليدي."
وأستطيع أن أضيف هنا أن ذلك أيضا كان مرتبطا بنظرية الديمقراطية الجديدة وبموقفنا المؤيد لما سمي بالأنظمة التقدمية العربية حتى أن بعضنا كان يهتف في الندوات الحزبية: طريق ناصر طريق الخلاص. إن الضباط والجنود الذين شاركوا في مايو كانوا متأثرين بهذا الخط، بل أن بعضهم لم يكن يفهم لماذا يعترض الشيوعيون على إنقلاب سينفذ برنامجهم؟ وقد قال لي الأستاذ كبج أنه مقتنع جدا بأنه موقفه من مايو كان يمثل خط الحزب مما يدل أن خلط الأوراق كان قد وصل شخص مثل كبج فما بالك بالضباط والجنود المتأثرين بالناصرية أساسا. ولقد أوضح الراحل الدكتور خالد الكد تأثير الناصرية عليه وعلى مجمل جيله في مقالاته الشيقة "إنقلاب ديسمبر 1966 القصة الكاملة" في جريدة الميدان في يوليو سبمتبر 1988.
وهذا يقودنا لتلميح الأستاذ صديق لدور للحزب في الإنقلابات خلال ديكتاتورية عبود، ولعله يشير لأنقلاب عبد البديع علي كرار وعلى حامد والذي شارك فيه الدكتور محمد محجوب، وفي تقديري أن الصديق صديق قد أحطأ التقدير هنا. يقول الدكتور محمد محجوب عثمان، وهو شاهد شاف كل حاجة، بحكم عضويته في الحزب الشيوعي وفي مجموعة محاولة الإنقلاب في 9 نوفمبر معا:
"لم يكن الحزب الشيوعي مسئولا عن هذه الحركة فكرة أو تخطيطا، أو مشاركة، بناءا على قرار صادر عن القيادة الحزبية.
"ولكن مشاركتي فيها كضابط تمت على أساس نوقف تآمري لعضوين من أعضاء اللجنة المركزية الذين كان معظمهم رهن الإعتقال ذلك الوقت نا عدا هذين العضوين وهما أحمد سليمان المحامي ونغاوية لإبراعيم سورج. إذ أذكر أني نقلت لهما ما تم من إتصال لضمي إلى الحركة، لأن إلتزامي الحزبي يقضي بذلك، وبعد عدة لقاءات معها جاءني بأنهما على إتصال بأعضاء اللجنة المركزية داخل المعتقل، وإن قرارا مركزيا قد اتخذ بضرورة المشاركة في الإنقلاب لأنه من غير الممكن أن ننعزل عن حركة يقودها ضباط وطنيون. وهذا ما حدث فقد شاركت ووقع الإنقلاب وآل إلى الفشل على نحو ما ذكرت، ولقد دفعت الحركة الوطنية ثمنا باهظا لما حدث.
"وتكشفت للقيادة الحزبية فيما بعد أن العضوين المذكورين كانا يتصرفان وفق أهوائهما ومن منطلقات وتقديرات ذاتية، وإن قرارا لم يصدر عن اللجنة المركزية بالمشاركة على الإطلاق، وإن القيادة لم تكن أصلا تعلم بما كان يدور في الخارج، إذ أنهم لم يتعرفوا على الإنقلاب إلا بعد وقوعه من الإعلام الرسمي عن طريق الإذاعة."(محمد محجوب عثمان: الجيش والسياسة في السودان، مركز الدراسات السودانية، القاهرة، ص 27)
أما حديث صديق عن 19 يوليو " اما حركة يوليو فقد قدت من ضلعه"(يقصد الحزب)، فمهما كان معناه، فهو لا ينهض دليلا على أي شئ، وعجبت لصديق لا يرى في 19 يوليو إنتهاك صريح لمبادئ المركزية الديمقراطية، عندما وضع الضباط الشيوعيون والديمقراطيون الحزب كله، بما في ذلك لجنته المركزية، أمام الأمر الواقع ضاربين بخطه عرض الحائط..
--------------------------------------------------------------------------------
[1]هذا لايعني ان الاغلبية لاتحتاج احيانا لاحداث ثورتها او الدفاع عنها في ان تتسلح في وجه اقلية مسلحة انتزعت السلطة او تريد انتزاعها بالقوة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدقي كبلو يرد على صديق عبد الهادي لقد عاش الخاتم بيننا (Re: elsharief)
|
صدقي كبلو يرد على صديق عبد الهادي
لقد عاش الخاتم بيننا
(6 -6) صدقي كبلو [email protected] ولعل من الضروري قبل ختام هذه المقالات، أن أقف حول مسألة اللغة والتي قال فيها صديق:
" رغم موضوعية وقيمة ما كتب فقد عمد د. صدقى كبلو فى اكثر من موقع فى كتابه الى التجييش, بل انه استدعى لغةً لا تمت الى العصر الراهن الذى ارتقى فيه الصراع محتواً ولغةً , لا برغبة اطرافه وانما استجابةً لتطور قضاياه وهمومه".
وسأترك التناقض الشكلي بين كيف يكون ما كتبته موضوعيا وقيما وأني أستدعيت "لغة لا تمت إلى العصر الراهن" خاصة أن صديق نفسه يعترف أن العصر أرتقى بلغة الحوار "لآ برغبة أطرافه وأنما استجابة لتطور قضاياه وهمومه".، لأدلف مباشرة للتجييش، وهو تهمة لا أنكرها وشرف أسعى لأناله، فأنا أسعى للإقناع والتجييش معا، وقد قلت عندما قدمت مساهمتي في إجتماع فرع الحزب بالمملكة المتحدة، أنني كنت مشغولا بتنقيح مسودة رسالتي للدكتوراة عندما وصلتني "آن أوان التغيير" فشعرت أن ثمة خطرا يواجه الحزب فتركت ما أنا بصدده للتصدي لمحاولة جديدة لتصفية الحزب، تعبر عنها أوان التغيير وذكرت الرفاق بأن تلك هي المرة الثالثة التي أوقف عملي في رسالتي للتصدي لآراء مشابهة هي آراء الرفيق فيصل وآراء أستاذي الدكتور فاروق. بالنسبة لي المسألة كانت معركة فكرية حول وجود الحزب الشيوعي او عدم وجوده، وليس هناك من سبيل للحياد. وقد أوضحت ذلك جليا في ردي على الرفيق فيصل.
أما إستعمال تعبير التصفية ومشتقاته، فهو تعبير قد أختير بعناية فائقة للتعبير عن ما دعا له الرفاق الثلاثة في مساهماتهم التي تناولتها في الرد. واللغة في القضايا الفكرية تعبر عن الأفكار، المواقف والآراء ولا أجد أدق تعبيرا عما دعا له الرفاق سواء "التصفية"، وفي ذلك لا أبحث عن الإشادة أو الإنتماء للغة عصر مزعومة لا تعبر عن فكرتي، ولقد عبرت عن الفكرة بحيث وصفها الصدبق صديق بالموضوعية والفائدة وإذا كان الصديق صديق يرى أن الراحل الخاتم لم يدعو لتصفية الحزب فليبرهن لنا بذلك بأي لغة يريد.
يقول الصديق صديق عن كلمة التصفية ". هذه الكلمة لهــا تاريخهـا " الجهادى" ومحتواها السياسى بل والنفسى!!! فهى من الكلمات "المهندةُ" " الحدائبُ "... فعادة ما تدخر ليوم كريهة وسداد ثغر!!! هذه الكلمة ـ و شقيقاتها ـ قد فقدت معناها و استنفذت غرضها تاريخياً وعملياً" ودون التوقف حول التناقض في الجملة بين أن الكلمة عادة "ما تدخر ليوم كريهة وسداد ثغر" وأنها "أستنفذت غرضها تاريخيا وعمليا" مما يفهم منه أنه لا داعي لإدخارها لأي يوم، دعونا نتناول حجة صديق القائلة " اذ كيف لنا ان نوصف اختفاء وزوال الاحزاب الشيوعية والماركسية اللينينية والعمالية والاشتراكية فى شرق اوربا ؟" ومن قال أن الأحزاب الشيوعية في شرق أوربا قد أختفت؟ ومن قال أنها لم تتعرض لتصفية؟ بل أن الحزب السوفيتي قد حل بقرار من الدولة وكان موضوعا لمعركة قضائية وأن هناك أكثر من حزب شيوعي في روسيا اليوم وأن هناك أحزاب شيوعية وعمالية وإشتركية ماركسية في كل جمهوريات أوربا الشرقية. والتصفية يا صديقي أنواع منها ما هو فوري ومنها ما هو كالمرض العضال يأكل جسد لحزب حتى يتحلل، وأنا أدعو للتجييش ضد الإثنين.
و أنا إذ أشكر لصديق جهده، وعلى ما قدم من مقالات ممتعة، يظل الود ممتدا والحوار متصلا.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدقي كبلو يرد على صديق عبد الهادي لقد عاش الخاتم بيننا (Re: Sidgi Kaballo)
|
الدكتور صدقي - تحياتي لك ..وشكراً على توفير الورقة وسوف آتيك برأئي مفصلآ في وقت لاحق .. وأدناه مداخلة في نفس الإتجاه كنت قد ساهمت بها في بوست الآخ عدلان أحمد عبدالعزيز تحت عنوان (كلمااقتربت الممارسة الشيوعية للواقع ابتعدت عن الماركسية) ..
الأستاذ عدلان .. تحياتي.. لو سلمنا بصحة فرضيتك أن اقتراب (الممارسة الشيوعية) من الواقع يبعدها عن الماركسية .. لسلمنا بأن الماركسية فكرة خيالية تهويمية . ولعل أهم إنجازات الماركسية .. دراستها وتحليلها العميقين للصراع الاجتماعي من وجهة نظر الطبقة العاملة وتأسيسها للنظرية الماركسية انطلاقا من واقع هذا الصراع .. والذي رأى فيه ماركس أن المستقبل سيكون لصالح قيادة الطبقة العاملة الصناعية للثورة الاشتراكية. من العبارات التي تمثل حجار زوايا الماركسية .. عبارة ماركس (The emancipation of the working class is the act of the worker themselves) ومقولة فريدريك أنجلز (نظريتنا ليست عقيدة جامدة ولكنها مرشد للعمل) ، غير أن هذه العبارات الناصعة تم تشويهها من قبل الكثير من الأحزاب الشيوعية التي اتخذت من النموذج الإستاليني مرجعيتها المنهجية. .. أشار بحثك لكتاب توني كليف لرأسمالية الدولة في روسيا.. وسخط وغضب الشيوعيين وتصنيفهم له بأنه ضمن الدعاية البرجوازية المضادة .. وهذا أمر يتسق مع التبعية غير النقدية لكثير من الشيوعيين للدولة الإستالينية في روسيا . إن ثورة أكتوبر 1917 لم تكن أول مظاهر الاقتراب من الشيوعية .. فهنالك (كومونة باريس 1871) .. وهي النموذج الذي أشار إليه ماركس كشكل للدولة التي تقيمها الطبقة العاملة عندما تتولى السلطة .. حيث تمت سيطرة القوى المنتجة لما يقارب الثلاثة أشهر على إدارة المجتمع في باريس .. أما نموذج ثورة أكتوبر 1917 فهو نموذج يحتاج لكثير من إزالة ما اعترى تاريخه من تشويش بسبب السيطرة المبكرة لديكتاتورية البروقراطية الإستالينية، فما أن إنتصرت ثورة أكتوبر في روسيا حتى إندلعت الحرب الأهلية وحدث الهجوم الخارجي على روسيا من أكثر من عشر دول من بينها ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا، ونشبت الخلافات والصراعات داخل الحزب البلشفي .. كل هذه العوامل أدت إلى تراجع تنفيذ البرنامج الاشتراكي حينما هبت أكثر العناصر ثورية في أوساط البلاشفة والطبقة العاملة للدفاع عن الثورة ليحل محلهم في المجالس العمالية القاعدية التي أقامتها الثورة المنتصرة عناصر بلا أي أفق ثوري لتبذر بذلك النواة الأولى للنظام الذي طوّر شكلاً جديداً للإستغلال الذي يمارس على أوسع نطاق لمصلحة دولة حظيت فيها البيروقراطية الحزبية بالامتيازات والعلاقات وأستشرى فيها الفساد (المحمي) وسار فيها إتساع الفوارق الطبقية جنباً إلى جنب مع إنتفاء كل أشكال التعبير والديمقراطية، ففاق في قبحه حال الرأسماليات الغربية التي يسودها الإستغلال الذي تحميه دساتير الرأسماليات الغربية وتمارس بجانبه الحريات التي تتيحها الديمقراطية الليبرالية -تحت سقف استقرار - النظام الطبقي القائم. ورغم كل ذلك فقد أثبتت تلك التجربة إن النجاح "المؤقت" للثورة الاشتراكية في روسيا في أكتوبر 1917 قد أوضح حقيقة هامة وهي أن الطبقة العاملة ومن خلفها جماهير الفلاحين استطاعت أن تنجز ثورة منتصرة تسيطر فيها الجماهير (تحالف العمال والفلاحين والجنود) وتدير عجلة الإنتاج وتقيم دولة مؤهلة لإنفاذ جميع القرارات التي تحقق تطلعات القوى الاجتماعية التي أنجزتها، حتى في بلد متخلف مثل روسيا في ذلك الوقت، لأن حقائق الواقع قد أوجدت في روسيا دولة متفسخة وجيش منهزم وأغلبية فلاحية ترهقها شروط الإقطاع وترنو لحيازة الأرض، كما كانت هناك نواة بروليتارية متقدمة وتوفر قيادة صحيحة للثورة الاشتراكية تمثلت في انفصال الحزب البلشفي عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي (1903)، لقد اختمرت تجارب هذا الحزب خلال ثورة 1905 في روسيا وعاش المخاض الثوري العنيف في روسيا (1911 –1914) والذي قطعته الحرب العالمية الأولى كما أختزن التجارب الثورية وما صاحبها من نجاح أو إخفاق، كل ذلك في مرحلة بدأ فيها اقتصاد أكثر البلدان تخلفاً مرتبطاً بالاقتصاد العالمي ومكتسباً الصبغة العالمية .. كما إندلعت الحرب العالمية الأولى 1914 – 1919م لتساهم في دفع الصراع في روسيا إلى حده الأقصى.. لقد كان الوضع الثوري مهيأ تماماً وفي دولة تعتبر من (أضعف حلقات الرأسمالية) في ذلك الوقت .. ولكن وحتى بعد اندلاع الثورة في مثل هذه الظروف الاستثنائية الناصعة .. كان هناك المترددون حتى بين قيادات الحزب البلشفي، فقد ظل كامينيف يردد "إن الثورة الديمقراطية لم تنتهى بعد" .. إنه أحد "البلاشفة" الذين أطلق عليهم لينين "الشيوخ البلاشفة" .. (الذين يتخذون مواقفهم من الملخصات المدرسية وليس من موازين قوى الصراع في الواقع).. فعفوية الجماهير تبدع انتفاضة التغيير غير آبهة بالأطر والبرامج المسبقة "الثورة الوطنية الديمقراطية" أو "الثورة الاشتراكية" ولكنها وبالتأكيد وهي تدير صراع حياة أو موت فإنها تهدف لتحقيق تطلعاتها وليس لتسليم السلطة للبرجوازية لاستكمال مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية، وفكرة التدرج في انتزاع سيطرة الطبقة المتميزة كانت دائماً هي مكمن ضياع الثورات وهزيمة الثوريين.. ويتساءل المرء .. عن مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية وما يؤمل فيها من إصلاحية (بائسة) والتي تتردد في أوساط الأحزاب الشيوعية .. أليست هي التي أضاعت أكتوبر السودان وإبريله؟؟!! مازالت التجربة الروسية تحتاج لمزيد من الدرس – من قبل كل مهتم بالأمر - فالإستالينية التي بدأت بوادرها في أوائل العشرينيات من القرن الماضي هي التي ساهمت في تحويل روسيا من إمكانية لدولة اشتراكية إلى نموذج قمعي لرأسمالية الدولة. وأقول لبعض الاخوة المتداخلين في هذا البوست من الذين يرون ألا معنى لفتح هذا الموضوع أقول لهم بأن البشر سيظلوا ينقبون عن آليات يديرون بها الصراع للخروج من دائرة قبح الواقع وظلمه الكريهين .. ولا أرى أي منطق في قبول الظلم الذي ينسرب إلينا من عباءة ثقافتنا المحلية .. لا أتفق مع قولك أن الشيوعية في التطبيق تبتعد عن الماركسية .. بل أقول أن التجارب التي كانت تدعي أنها اشتراكية لا تشبه الاشتراكية التي تحدث ماركس عن شكل علاقاتها إلا (كما يشبه الميت مخنوقاً الأحياء). وسوف أعود
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدقي كبلو يرد على صديق عبد الهادي لقد عاش الخاتم بيننا (Re: Sidgi Kaballo)
|
الأستاذ صدقي - العزاء في صديقك خلف .. وأشكرك كثيراً على توفير رصدك القيم في بحثك حول الديمقراطية .. والذي يستحق أن أقرأه عدة مرات .. فهو رصد على نار التجارب العملية ومن رأى السم لا يشقى كمن شربا .. وسوف أعود للكتابة عن ما ظل يدفعني لإستنكار التشبث بديمقراطية منقوصة الحقوق والحريات وفي السودان كانت أكتوبر وأبريل سانحتين للإنتفاضات جماهيرية واسعة ظللت أعتقد أنها لم تتوفر لها القيادة الصحيحة ولم تفد منها الحركة الجماهيرية أكثر من برلمانية بائسة أسلس فيها القياد للقوى التقليدية لتفعل ما تشاء تطرد البرلمانيين وتعتقل من تشاء (ندوة أمبو) .. وتتجاهل المطالب الجماهيرية بمجرد بدء خمود جذوة الإنتفاضة .. وريثما تبدأ المظاهرات الرافضة للحكومة الديمقراطية التي لم تفد في شيء ورأينا المظاهرات في ظل تلك الديمقراطيات (حكومة هزيلة يجب تبديله) .. حتى يبدأ العسكر في تجهيز حالهم للإنقضاض .. ومن الطبيعي أن تسقط كل المواثيق للدفاع عن الديمقراطية .. طالما أنها لم تحقق من مطاليبها إلا جعجعة بلا طحين. وشكراً ثانية وسوف أعود
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدقي كبلو يرد على صديق عبد الهادي لقد عاش الخاتم بيننا (Re: Sidgi Kaballo)
|
ناظمي البوست جميعاً لكم التحية ..(مداخلة خارج النص) جاءت الماركسية لوضع منهج يتجاوز فهم العالم إلى تغييره بالفعل الإرادي للجماهير بهدف تحقيق تطلعاتها.. وبقي باب المنهج مفتوحاً في هذا الإتجاه .. وفي عصر العولمة وهيمنة القوى الكبرى بدأ سقف برامج القوى الثورية يتراجع تدريجياً .. إما أن تكون ثورياً واهماً أو ثورياً واقعياً متراجعاً .. البقاء على هامش ميدان الصراع على الأرض بالهزيمة أو التراجع يرمي على رصيف الفكري النظري العاطل .. فما العمل؟
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدقي كبلو يرد على صديق عبد الهادي لقد عاش الخاتم بيننا (Re: Sidgi Kaballo)
|
صديقي العزيز/
د. صدقي كبلو
تحية و بعد
اعتذر اليك و للقراء و المتابعين لبوستك الثر، لتأخري في الرد علي بعض ما حواه ... ارفق الحلقة الاولي من ردي المكون من ثلاث حلقات... املي كله ان اكون قد التزمت الموضوعية و تمكنت من إجلاء و توضيح ما اردت توصيله...مهما يكن فإننا نسعى كلنا دون إستثناء الي رفد الحركة السياسية و الفكرية في بلادناـ قدر أستطاعتناـ و خاصة الصعيد الوطني الديمقراطي من تلك الحركة السياسية و الفكرية... لك ودي و تقديري ... و أعتذاري المقدم عن اي سوء فهمم او خروج عن السياق مهما كان...
صديق عبد الهادي.
في الرد على صديقي د. صدقي كبلو (1-3)
"لقد عاش الخاتم عدلان بيننا... وسيظل" صديق عبد الهادي/فلادلفيا [email protected] اشكر لصديقى د. صدقي كبلو اهتمامه بالرد الموضوعي الذى اضاء فيه جوانب كثر من افكاره حول اطروحات الفقيد الراحل الخاتم عدلان ، ان كانت الفكريه او السياسيه وكما أوضحت فى مقالاتى التى جاء رده بصدها ان كتاباته ـ اى صدقى ـ جديرة بالتقدير لموضعيتها وجديتها فى ان معاً .
استهل بما اخذه عليّ صديقى د. صدقى من جعلى لتوثيق بعضٍ من حياة الفقيد الراحل فى اواخر ايامه " مجالاً لمحاكمة عواطف الناس تجاه الراحل الخاتم " ... وذلك لانه وبحسب ما اوضح هو ان تلك " مسألة ليست فى نطاق العمل العام ، وليس هناك من قيم عامة تحكمها".
ما الذى اعابه عليّ د. صدقى؟ إنه يشير الى ما ذهبت اليه فى تناولى لموقف قيادة الحزب من الراحل اثناء مرضه. قد يكون من غير المريح ، لدى الكثيرين و الذين احسب نفسي من بينهم، معاودة الطرق على هذه المسألة لاكثر من مرة ، الا اننى اعتقد انه قد يكون من المستحسن تناولها بموضوعيه وبوضوح جاهر بدلاً من الهمس بها تمحلاً لدواعى الحساسيه ، لان التناول المسموع اشفى للجراح و الطف وطاًْ على النفوس ، خاصة فيما درج الناس عن كبته بأسى خشية الاقتراب مما هو ليس بمستساغ .
حين تعرضت لموقف قيادة الحزب كنت محاطاً بكل ما اسلفت ، فلذلك جاءت كتباتى على النحو التالي :
" قبل ان اختم هذا المقال اود ان اطرق مسألة على قدر من الحساسية ، و هى تتمثل فى موقف قيادة الحزب من الخاتم و هو على فراش مرضه ".
في تناولى لذلك الامر لا اعتقد اننى كنت اتناول شأناً خاصاً بين اصدقاء ، وانما نظرت اليه من ذات الزاويه و ذات التقدير اللذين انطلقت منهما قيادة الحزب فى زيارتها للدكتور "حسن الترابى" فور خروجه من الحبس ، رغم الاختلاف الجوهري في الموقف من كليهما !!! ، اقله ان هناك تاريخاً مجيداً مشتركاً بين الراحل الخاتم و قيادة حزبنا ممثلةً فى سكرتاريته المركزية ، و هو ما يقف على النغيض منه تماماً ذلك التاريخ الدموى بين الحركة الديمقراطية بشكل عام ، و ليس الحزب الشيوعى لوحده ، و بين مؤسسة العنف والتطرف الاسلامى السياسي متمثلا فى شخص "حسن الترابي".
حقيقة ما لم افصح عنه من غضبٍ مشروعٍ ، فيما كتبت من قبل، هو انه كيف هان ذلك على اولئك الذين عانقوا الترابى و دم على فضل وابو بكر راسخ و دم التاية ابوعاقله و محمد عبد السلام وسنوات عمريهما الغضّين ما زالت معلقة فى عنق ذلك الرجل ... حسن الترابى ؟!!!
قبل ان اعرض لقضايا اكثر اهمية، اود ان اشير الى ما اسماه صديقى د. صدقى بنبرة الاشادة العالية بالراحل الخاتم ، اى تلك التى اتسمت بها مقالاتى.
إن ذكر الحقائق بشكل عام ، و كما هو معروف، لا يعنى الاشادة و لو بدت منه ...اعتقد اننى اشرت الى اختلافى مع الراحل الخاتم حول بعض اطروحاته، هذا من جانب و اما من الجانب الاخر فقد أبنتُ إتفاقي مع بعضها بنفس القدر الذى اتفق فيه د. صدقى مع الراحل الخاتم فيما ذهب اليه ـ اى الراحل ـ فى تحليله حول قضية الجبهة الوطنية الديمقراطية (راجع موسم الهجرة الى اليمين ص 61 ) . لقد ذكرتُ ان نقد الراحل الخاتم للمركزية الديمقراطية لم يشتمل على حقيقة انه هو نفسه ـ اي الخاتم ـ و فيما معناه ، من بين قليلين، يعد إبناًً لتلك المركزية الديمقراطية ... وكان ان اوردت ذلك كما يلى:
" قبل ان اذهب بعيداً في هذه المسألة اود ان اشير الي حقيقة ان الخاتم نفسه و بوضعه في الحزب كان نتاجاً لتلك المركزية الديمقراطية ، كان نقده سيكون ابلغ لو انه اشار الي تلك الحقيقة". ( المقال رقم 4 ص2).
لكل حزب او تنظيم سياسي ادبه وتراثه الخاص الذى ينتجه فى اتون الصراع ، إن كان ذلك الصراع داخلياً او خارجياً، و هو بالطبع يصبح جزءاً من تاريخه. فللحزب الشيوعى ارث عامر ، و ادوات معروفة ومجربة فى تشكيل سير الصراع ، واحياناً فى دفع الاستقطاب . إن منطلقات الهجوم و النقد للخارجين علي الحزب متعددة ، كوصم بعض الاتجاهات الخارجة باليمينية الانتهازية ، و بعضها باليسارية المتطرفة ، و اخرى بانها محاولات لخلق احزاب خاصة بالمثقفين...الخ !!!. و هنا لابد من الاشارة الى انه من الموضعية الاقرار بان تلك المنطلقات النقدية ليست بالضرورة غير صحيحة في مجملها ، او بانها غير دقيقة فى كليتها ، بالتاكيد ان بعضها فى غاية الدقة ، و لكن ما يهمنى فى هذا المقام امران الاول ، هو محاولة الادراج العام ، و فى الغالب الاعم دون استثناء ، لكل خروج على الحزب و وضعه فى خانة جريرة التصفية ـ اى تصفية الحزب الشيوعى السودانى ـ. و الامر الثاني، هو إذا ما كانت اليمينية و اليسارية و محاولة خلق حزب للمثقفين تنطبق على ذلك الخروج الذى قاده الخاتم ورفاقه .
مما لاشك فيه ان الخاتم ورفاقه ابدوا راياً واضحاً فى الماركسية وفى برنامج الحزب الشيوعى السودانى المستند الى تلك النظرية ، و لكنهم لم يبدلوا موقفهم من قضية التقدم ولم يعلنوا او يمارسوا ما من شأنه ان يُفهم على انه خروج من الحركة الوطنية الديمقراطية، بل على العكس من ذلك تماماً انهم اوضحوا بجلاء ان تنظيمهم يمثل رصيداً ورافداً للحركة الديمقراطية فى السودان . فى العموم لا اعتقد ان الموقف من التقدم او الحركة الديمقراطية فى السودان امرٌ مستوجبٌ قياسه برضاء الحزب الشيوعى او عدمه!!!.
ان القرب او البعد من الحركة الديمقراطية يقاس بالموقف من امهات القضايا ، والتى منها الديمقراطية ، كفالة الحريات ، الاقرار بالاختلاف واحترامه فى مستوياته المختلفة، العرقية و العقائدية و الثقافية ، و اهم من ذلك كله الموقف من قضية الدولة الدينية ...!!! وفى هذه القضية الاخيرة بالتحديد ، لا احسب ان هنالك منْ ناجز اكثر من الخاتم فكراً وعقلاً وعاطفةً و إستبسالاً في التصدي لتلك القضية. و لا اخالنى مغالياً لو ذهبت الى القول بان موقف الخاتم من الدولة الدينية و نقده لها لهو اكثر نصوعاً و تماسكاً من الموقف الرسمى للحزب الشيوعى السودانى. ـ راجع دستور الحزب المقترح للمناقشة فى المؤتمر القادم ، اى الخامس ـ.
اخذت قضية المثقفين والحزب اهتماما بارزا في معرض رد د. صدقى .. لا خلاف حول عدم جدوى عزل اى ظاهرة عن سياقها التاريخى، فلذلك تجدنى اتفق لحد كبير مع د. صدقى فى تحليله التاريخى لما يتعلق بالمثقفين وتطور نشاطهم واندماجهم فى مجرى التطور العام للمجتمع السودانى ... و لكن الذى تناولته فى مقالاتى كان جانباً محدداً لظاهرة محددة، وهو عدم نجاح الحزب الشيوعى الابقاء في داخله على كثيرين ممنْ جذبهم من المثقفين ، اى ان اعضاء كثر من المثقفين الذين ارتبطوا بالحزب اثروا انتاج ثقافتهم خارج اطر الحزب، وذلك بالطبع يتضح بشكل جليّ و واضح بعد فك ارتباطهم به عضوياً!!!.
لابد من ملاحظة ان اؤلئك النفر هم من المؤثرين في سط منْ يمثلون عماداً لحركة الثقافة الوطنية الديمقراطية فى السودان .
تصدى الخاتم لتفسير تلك الظاهرة بان ارجعها الى جذر التاسيس النظرى الذى يتبناه الحزب الشيوعى فى العلاقة مع المثقفين... و هو ان المثقفين ينحازون الى اهداف ومصالح واحلام هى فى الاساس اهداف ومصالح واحلام طبقية خاصة بطبقة لا يمت المثقفون اليها بصلة ، و ذلك بحكم موقعهم الطبقى و بناءً عليه خلص الخاتم الى ان تلك العلاقة التى تقوم على الانحياز وليس على الانتماء الحقيقى لا تخلق سوى بيئة متوترة لا يحس فيها المثقف بغير الانفصامية والعصابية وفقدان الثقة مما يدعوه فى نهاية المطاف ـ اى المثقف – الى الخروج منها وذلك بالابتعاد و فصم العروة مع ما يخلق تلك البيئة و ما يمثلها مادياً و في اعلى اشكالها ، و ذلك هو الحزب.
في تصديه لقضية المثقفين و الحزب ، و تحديداً حول إستعادة الحزب لنفوذه وسطهم، راى د. صدقي ـ و هو محقُ ـ ضرورة النظر في موقف الحزب من قضية الديمقراطية خاصة بعد انقلاب مايو 1969م الذي ايده الحزب عند وقوعه، ذلك التأييد الذي أسهم في وأد الديمقراطية. بذلك يكون د. صدقي قد أقرّ كغيره بأن هناك من إشكالٍ لا يمكن غض الطرف عنه في علاقة الحزب مع المثقفين، و هو إشكالٌ عززه ذلك الموقف المؤيد للإنقلاب !!!. فما ذكره د. صدقي و ما ذهب إليه يقدم جزءاً من التفسير و لا يعطي التفسير في كليته لذلك الإنحسار في الثقة بين الحزب و المثقفين، بل أن التفسير الذي قدمه كان مرهوناً بظرفٍ تاريخي محدد لا يمكن تعميمه، وهو الظرف الذي صاحب إنقلاب مايو 69 م و موقف الحزب منه!!!
إن موقف الحزب من قضية الديمقراطية بشكل عام ، و كما هو معلوم، لا يدانيه موقف أيٍ من القوي السياسية الأخرى. فللحزب الشيوعي مواقف مشرفة في إستعادة الديمقراطية و التضحية من اجلها في كل فترات النظم الشمولية و الديكتاتورية ، حيث ان الامر لم يقف عند مواجهة الملاحقة و تحمل السجون، بل تجلت المواقف في أعلى صورها و هو الإستشهاد داخل المعتقلات...فهذا الموقف الثابت و المتقدم من قضية الديمقراطية و محاولة إستعادتها مع شعب السودان كان العامل الجاذب للمثقفين و المبدعين نحو الحزب، بحكم أن المثقفين و بطبيعة نشاطهم و شرط إبداعهم يثمنون الحرية و يجنحون إلي كسر كل القيود التي تحد منها. فبناءاً علي تلك المعطيات تظهر جزئية و ظرفية التفسير الذي قدمه صديقي د. صدقي لظاهرة إتساع الشقة بين الحزب و المثقفين، هذا من جانب، أما من الجانب الآخر فتتبدى ضرورة تقديم تفسير أكثر واقعية ، و أوفر وضوحاً لفهم تلك الظاهرة. و في سبيل تقديم ذلك التفسير جاءت الإشارة إلي قضية الديمقراطية داخل الحزب الشيوعي نفسه ، إذ ان غيابها يشكل، بل و يمثل المركز في قوة طرد المثقفين من داخل الحزب. و من هذه الإشارة كان ان جاء القول بأن د. صدقي وقف عند "عتبة الدار".
يتبع
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدقي كبلو يرد على صديق عبد الهادي لقد عاش الخاتم بيننا (Re: Sidgi Kaballo)
|
في الرد على صديقي د. صدقي كبلو (2-3)
"لقد عاش الخاتم عدلان بيننا... و سيظل" صديق عبد الهادي/فلادلفيا [email protected] إن إشكالية الحزب ومثقفيه في جملتها ليست قضية جديدة ، ولم يكتشفها الخاتم، وإنما هي ظاهرة قديمة معبر عنها في أسئلة ظلت تلاحق المهتمين بشكل عام ، وقادة حزبنا بشكلٍ خاص وبإستمرار. ففي حوارٍ أجرته جريدة الخرطوم مع الاستاذ التجاني الطيب ، و تم نشره في يوم السبت 7/5/1994م ، ورد سؤالُ يتعلق بما نحن في صدده ، و قد جاء السؤال على النحو التالي:
"لحزبكم مشكلة خاصة مع المثقفين ، رغم أن أطروحته تقوم على بناء فكري وفلسفي، وقد هجره عبر التاريخ مثقفون كثيرون لماذا ؟ "
سأورد إفادة الاستاذ التجاني الطيب لأهميتها و مباشرتها، تلك المباشرة التي لا تنم عن اي تعقيدٍ في التصدى للمسألة ، شأن الاستاذ التجاني، المعروف في طرحه للقضايا:
" فئة المثقفين ليست فئة إجتماعية بل تضم قوي إجتماعيةمختلفة بينهم رأسماليون أو إقطاعيون أو كادحون و حسب تجربتي فوضع الإنسان الإجتماعي يلعب الدور الأكبر في تحديد موقفه السياسي و الآيديولوجي، و لكن كثيراً ما نجد مجموعات منهم تحدد موقفها بإدراكها الفكري و كثيراً ما نجد مثقفين من طبقة ميسورة يدافعون بثبات عن مصالح فئات مقهورة و العكس صحيح. المثقفون السودانيون بشكل عام من قوي الإستنارةو التنوير و هذا يرجع الي مجئ جلهم من قوي إجتماعية ديمقراطية بعيدة عن الإستبداد و الاستغلال.
جزء كبير من المثقفين أصبحوا أعضاء في الحزب او من القوي المتعاطفة معه و ما زالوا ، ولكن هناك مشاكل مستديمة بين المثقفين و الاحزاب عموماً لان اغلبهم يريدون التحليق بعيداً عن القيود الحزبية و اكثرهم يرى في الاحزاب قيوداً فيخرجوا بالتالي عنها، و اذا استطعنا ان نجري إحصاء للمثقفين السودانيين فسوف نجد بالتاكيد مجموع المنتمين منهم لاحزاب يمثلون اقلية من العدد الكلي. اما مشكلتنا في الحزب مع مثقفينا فهي انهم يحتلون بقدرتهم علي الابانة و الافصاح موقفاً بارزاً وسط قوي التقدم مما يجعل خروجهم امراً ملحوظاً اكثر مما في الاحزاب الاخرى، اما خروجهم نفسه فانه راجع لنفس قانون علاقة المثقفين بالاحزاب الاخرى وهو الاشد في حزبنا لان لوائحه اصرح و رغم ذلك فعدد المثقفين الملتفين حول حزبنا هو نسبياً اكبر من كل الاحزاب لاننا الاقرب لهم."
إن القراءة المتأنية لتلك الإفادة تفضي فيما تفضي اليه ، الي تاكيد المشكل الذى عزاه الاستاذ التجاني الي رغبة المثقفين في الإنفكاك من القيود الحزبية ، و التي فسرها ـ اي القيود ـ في حالة الحزب الشيوعي بأن "لوائحه أصرح". لا اعتقد انه من الممكن الإتفاق مع الاستاذ التجاني فيما ذهب اليه من تسبيب و ذلك لأن لوائح الحزب هي اصلاً تنطبق علي كل اعضاء الحزب و لا تستهدف المثقفين لوحدهم ، و لكن الامر يذهب الي أبعد من "صراحة اللوائح" ، تلك الصراحة التي لم يفسرها الاستاذ التجاني ، إنه يرجع الي شيوع تلك النظرة و الممارسة العملية التي تقوم على اسس نظرية ، ايديولوجية و بل فلسفية تمنحها التبرير و تعطيها الوجاهة !!! اي انها تقوم علي اساس مفهوم " الإنحياز" و ليس "الإنتماء" و لعل ذلك هو أُس "القيود" النظرية أو "الحزبية" التي أشار الاستاذ التجاني الي ان أغلب المثقفين "يريدون التحليق بعيداً" عنها!!!.
من المهم الاشارة الي انه معلومٌ ان الحزب قد اقر و احتفى في آنٍ معاً بالحساسية المعرفية للمثقفين، و هي تلك الحساسية التي قادتهم منذ وقتٍ مبكر لاعتناق افكار التقدم و التغيير الاجتماعي و من ثم تكوينهم للحزب الشيوعي السوداني في بداياته الاولى إن كان بواسطة الطلاب او خريجي مدرسة الصنايع من طلائع العمال. و لكن لنا ان نتساءل هل استوعب الحزب و قَبِل ما افضت اليه تلك الحساسية المعرفية حين قادت المثقفين داخل الحزب الي تحسس مواطن الخلل و إستشعار انعدام الديمقراطية و تمظهراته ؟!
في معظم الاحيان لم يقبل الحزب ذلك، لانه كان يتمترس خلف مفهوم " الإنحياز" و بكل ما يحمله ذلك المفهوم من إيحاءات !!! و هنا كان يكمن الإزدواج في التعامل مع تلك الحساسية و بالتالي مع المثقفين !!!.
ان تعامل الحزب مع المثقفين والمبدعين الشيوعيين و الديمقراطيين كان منطلقاً من ذلك الواقع. فحتى عندما كلف الحزب الراحل الخاتم لقيادة العمل فى جبهة العمل الثقافي، لا شك عندى ان ذلك التكليف تم على اساس ان الخاتم وقتها كان حزبياً صارماً و ماركسياً قاطعاً، و لكن بالقطع حتى ذلك لم يساعد فى انتاج عمل ثقافى مستقر ومستمر ، وكان ذلك واضحاً فى احجام المثقفين والمبدعين الحزبيين والديمقراطيين عن المساهمة فى إثراء العمل الثقافى المنظم ، علي الاقل، ابان الديمقراطية الثالثة. و لا ادل علي ذلك من عدم وجود اى منبر خاص ومستقل بالمبدعين الشيوعيين والديمقراطيين في الوقت الذي إتسمت فيه منابر الحزب النظرية مثل مجلة "الشيوعي" ، و السياسية مثل "الميدان" بالثبات النسبي !!!
ان التفسير لهذا الوضع المخل لا يمكن البحث عنه خارج الحزب وعلاقته المشوهة بمثقفيه داخلياً !!!، و كما لا يمكن البحث عنه خارج الشروط النظريه والايديولوجيه التى تحكم تلك العلاقة . للخروج من تلك الحالة التناقضية لابد من اعادة صياغة تلك العلاقة وتخليقها على اسس نظرية تعالج ذلك الإزدواج في التعامل مع المثقفين و لتؤكد المشتركات لكل فئات الحزب دون التوسل بمفاهيم الانحياز والتعاطف التى من شأنها ، إن شئنا أم ابينا ، تعزيز الاحساس بمزية اليد العليا حتى لو ان الجميع كانوا تحت سقف حزب واحد و إن كان ذلك الحزب هو الحزب الشيوعى !!! .
و بالنتيجة قد يساعد ذلك في الحد من الاستلاف القسرى و المصطنع لمفهوم الصراع الطبقى و محاولات تطبيقه المشوهة علي تلك المستويات المتدنية من إختلاف الرأى و الصراع داخل الحزب.!!!.
اود ان اشير الى بعض الاحصاءات التى قد تساعد على ان تكون الصورة جلية و واضحة. فى اواخر الثمانينات من القرن المنصرم و عشية بدء زوال الاتحاد السوفيتى كانت الاحصاءات تشير الى ان في الدولة السوفيتية 25 مليوناً من العاملين ذوى الياقات البيضاء، و اولئك هم الموظفون والمهنيون من اطباء ومهندسين و علماء ومتخصصين فى حقول مختلفة. نجد ان 30% من ذوى الياقات البيضاء كانوا اعضاءاً فى الحزب الشيوعى السوفيتى ،هذا من جانب ، اما من الجانب الاخر فان عدد العاملين ذوى الياقات الزرقاء فيقدر بثلثي سكان الدولة وهؤلاء هم العمال بكل فئاتهم فاحصائياً يقدر عددهم بـ 160 مليون تقريباً وهم يمثلون الطبقة العاملة فى الدولة . نجد ان 7% فقط من العمال هم اعضاء فى الحزب الشيوعى السوفيتى !!!.
لابد من ملاحظة ان الحزب الشيوعى هو حزب الطبقة العاملة الا اننا نجد ان 93% من الطبقة العاملة خارج الحزب الشيوعى الذى يحكم الدولة ويسيرها بإسمها !!! ، فهذا وضع لا يمكن تفسيره او بالاحرى تبريره الا من خلال السياقات النظرية عن الانحياز الطبقى !!!.(*)
ان وضع الاحزاب الشيوعية نفسها وتركيبتها كانا احد اسباب انهيار التجربة لان التكنوقراط والمثقفين الذين كانوا يديرون دفة الدولة , لا يفعلون ذلك بحكم دورهم الطبيعى و وفق قدراتهم المهنية ، وانما يقومون به من منطلق مفهوم الانحياز الطبقى والامتياز اللذين وفرهما الحزب و الطبقة العاملة !!! ، فلذلك جاءت ممارستهم للسلطة مدججة بكل امراض " الحكم بالوكالة" من تسلطٍ و جبروتٍ و جمودٍ و تطرفٍ و تعالٍ نابعٍ من تميزٍ ايديولوجى متوهم ، مما ادى فى نهاية الامر الى عزل جهاز الدولة بمثقفيه و الـ 7% من طبقتة العاملة عن جموع الشعب !!!.
هذه واحدة من المحصلات، على المستوى الاممي العام ، التى تسند ما ذهب اليه الراحل الخاتم فى تناوله للعلاقة بين الحزب الشيوعى ومثقفيه فى السودان .
هناك إيحاءات و محاولات لرفع اليد كلية من تجربة الاتحاد السوفيتي الاشتراكية من قبل الكثير من الشيوعيين و الاشتراكيين و كأن لا علاقة كانت للاحزاب الشيوعية و الاشتراكية حول العالم بتلك التجربة. إن تلك التجربة هي تجربتنا جميعاً و لو طُبِقت في بلدٍ معين و شِيئ لذلك البلد ان يكون روسيا او ايٍ من الدول التي كونت ما سميّ او عُرف بالاتحاد السوفيتي سابقاً. لقد تغنينا بتلك التجربة التي ألهمتنا، و بشرنا بها و لها ، لانها ـ حقيقةً لا مجازاً ـ قد فعلت كثيراً مما هو إيجابي رغم فشلها في تحقيق مشروعها الاساس و المتمثل في بناء مجتمع إشتراكي يقود إلي بناء و وجود مجتمع شيوعي علي حسب تقديرنا النظري و الايديولوجي !!!.
وقف الاتحاد السوفيتي و بقية الدول الاشتراكية سابقاً في وجه الامبريالية العالمية التي تقودها امريكا . ساندت تلك الدول حركات التحرر الوطني و الطبقة العاملة في معظم انحاء العالم ، و لكن كل ذلك كان علي حساب شعوبها ، إذ ان تلك الدول الاشتراكية قدمت مساندة لا علاقة لها بامكانياتها الحقيقية، بقدر ما كانت استجابة لتنافس فرضته امبريالية تسند الي مصادر و موارد لا قِبَل للاتحاد السوفيتي و بقية الدول الاشتركية بها.( بالطبع تلك موارد مستنزفة من دول اخرى... خاصة النامية !!!.)
واحد من اوجه المساندة المشار اليها اعلاه ، و التي حصدنا ثمارها كحزب شيوعي كانت مجانية التعليم و المنح التي استفاد منها عددٌ كبيرٌ من الطلاب الشيوعيين و الديمقراطيين الذين ضاقت في وجههم فرص التعليم في بلادنا. و تلك قضيةٌ قد يجدر التوقف عندها في المؤتمر الخامس بإعتبار ان التعامل مع الاستفادة منها ، و كما يعتقد البعض ، لم يتم بشفافية لانه قد حظيّ بالاستفادة منها شيوعيو و ديمقراطيو الحضر اكثر من غيرهم!!!.
نقدنا التجربة الاشتراكية، و سنظل ننقدها بموضوعية و لكن ، في الوقت نفسه ، لا نبرئ انفسنا من اخطائها، كما و لن نستطيع ان نسل يدنا منها نظيفة كالشعرة من عجينها ، بدعوى انها تجربة سوفيتيه محضة !!!.
يتبع...
(*) الإحصاءات الواردة مأخوذة من مكتبة الكونغرس / دراسات الدول/ الاتحاد السوفيتي سابقاً ، علي الشبكة العالمية.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: صدقي كبلو يرد على صديق عبد الهادي لقد عاش الخاتم بيننا (Re: Sidgi Kaballo)
|
في الرد علي صديقي د. صدقي كبلو "لقد عاش الخاتم عدلان بيننا... و سيظل" 3 من 3
صديق عبد الهادي فلادلفيا.
أشار صديقى د. صدقى الى اننى قد اقحمت "موضوع الانقلابات" اقحاماً، ثم انه حاول نفي حقيقة ان يكون الاستاذ محمد إبراهيم نقد قد تكلم فى ندوة عن مشاركة او مساهمة الحزب الشيوعى فى اى انقلاب .
فيما يخص الجزء الاول من الاشارة، وهو الانقلابات ، لا اعتقد اننى اقحمت ذلك دون "مقام"، فلقد ربطت الانقلابات وفكرة التخطيط لها و الاشتراك فيها بموضوعة " المركزية الديمقراطية"، ولقد اعتبرتها من امهات الادلة على خطل وخطورة "المركزية الديمقراطية" لانه لم يتم تناولها بدقة ـ اى ظاهرة الانقلابات ـ او اخضاعها للبحث الجاد الامين غير المتحيز و من ثمّ تمليك حقائقها للناس . ولقد افردت موضوعاً مختصراً عن الانقلابات تم نشره فى جريدة "سودانايل" الالكترونية ومنبر "سودانيز اون لاين" فى الشبكة الالكترونية العالمية.
اما الجزء الثانى من الاشارة حول ما اذا قال الاستاذ نقد بمشاركة ومساهمة الحزب فى بعض الانقلابات ام لا، فذلك امرٌ يقع فى اطار الوقائع التاريخية لا علاقة له بالتحليل او الاستقراء ان كان من جانبى او من جانب د. صدقى ... فهى كواقعة تاريخية فاني اقول بوقوعها ، وإن لم يكن قد حدثت فانى لا اتردد في سحب ما كتبته عنها و من ثمّ الاعتذار عنه.
و لتأكيد الموضوعية و توخي الامانة يجب عليّ الا اخلط بين ما ذكرت حول هذه الحادثة و ما ورد في ثائق الحزب عن المشاركة و المساهمة اصلاً في الانقلابات ، إذ ورد : "فقد عارضنا إنقلاب نوفمبر 1958 بوصفه إنقلاباً رجعياً، و ايدنا و شاركنا في محاولات الانقلاب الاربع التي قام بها ضباط و صف ضباط و جنود وطنيون لاسقاط الفريق عبود في اول مارس 1959 ، و في 4 مارس 1959 ، و في 22 مايو 1959 ، و نوفمبر 1959 ."(إنتهى)، ( تقرير سكرتارية اللجنة المركزية حول 19 يوليو 1971 ، ص 5 ).
أما فيما يتعلق بموضوعة تلك اللغة التي إستخدمها د. صدقي، فلقد كان أن كتبت في شأن توضيحها من قبل ما ياتي : "عندما عرضت لكلمة "تصفية " تحت العنوان الجانبي " لغة قديمة لا تصنع تاريخاً جديداً" ، فلقد كنت في حقيقة الامر ارمي الي الطريقة التي تم التواضع عليها في إستخدام مفهوم تصفية في الصراع الداخلي للحزب الشيوعي و ذلك ليس بإعتبار مدلوله اللغوي و إنما مدلوله التاريخي ... إذ انني اعتقد ان التاريخ قد تخطاه ليس بفعل المرور الزمني و إنما بفعل الاحداث و المتغيرات . فما كانت تنطبق عليه التصفية من فعل قد اصبح بمعايير اليوم من غير الممكن ان يطلق عليه "تصفية"... بمعنى اخر لو قدر للدستور المقترح الان للمناقشة ان يطرح في خمسينيات القرن المنصرم حيث كانت الاشتراكية في اوج بريقها ، و حركة التحرر الوطني في عنفوانها و الاحزاب الشيوعية في نضارتها لما تردد احد في ان يصف هذا الدستور بانه اداة لتصفية الحزب الشيوعي !!! و لكنا الان لا نجرؤ علي قول ذلك لان الظرف التاريخي مختلف ... فاحداثه و متغيراته هي التي جعلته مختلفاً...المنظومة الاشتراكية اختفت من علي وجه الارض ، احزاب شيوعية بالغة العتو اصبحت اثراً بعد عين... فكلمة "تصفية" لا تستطيع ان تبرر او تفسر تلك الظاهرة بحسب مدلولها التاريخي لانها قاصرة ، و لا تمت بادنى صلة للحالة التي تعيشها الحركة الشيوعية العالمية بمجملها ...بمعنى ان إستخدامها سيكون "مشاتراً" ، اللهم إلا إذا كان القصد من إستدعائها ان تستخدم كسلاح في الصراع الدائرـ و هذا ما يحدث الان ـ لان تاريخها في الصراع الحزبي يجعل منها اداة فاعلة للتجييش!!!.
الحزب الشيوعي ليس إستثناءاً...فعندما ظلت الجبهة الاسلامية القومية تستخدم كلمة "خوارج" في حرب إبادتها في الجنوب ضد الحركة الشعبية، كانت تعلم تمام العلم ان التاريخ قد تخطى هذا المفهوم و لكنها إستدعته قسراً و نفضت عنه ما تراكم عليه عبر القرون و وظفته توظيفاً ماكراً لتجييش العامة و الجهلة لخدمة اهدافها الهدامة.
لا اعتقد اننا في حاجة الي ترديد مفاهيم لا تساعد في توصيف الحالة او الخروج منها... و حقيقة اعجب لشخص يتكلم عن تصفية حزب شيوعي ما في وقتٍ تختفي فيه بلدان إشتراكية باكملها!!! فالمسألة اكبر من " تصفية" و تحتاج الي تفكير جاد و اعمق."
و علي نفس القياس لا ادري إن كان مناسباً حقاً و في هذه اللحظة من تاريخ البشرية إستخدام تعبير " حفارة قبر الرأسمالية" لوصف الطبقة العاملة تحت قيادة حزبها الشيوعي!!!
و لايفوتني ان اذكر ان القارئ ربما توقف عند جملة د. صدقي التي يقول فيها "لادلف مباشرة للتجييش ، و هي تهمة لا انكرها و شرف اسعى لأناله ، فانا أسعى للإقناع و التجييش معاً". افهم تماماً ان يسعى د. صدقي الي الإقناع فتلك محمدة ، اما ان يتوق الي شرف "التجييش" فذلك امر اخر، لأن "التجييش" الذي درج الناس علي معرفته في العمل و الحياة السياسية يتخطى معنى "التجميع" و "التنظيم" إلي إلغاء العقل !!!، لا اعتقد ان د. صدقى يرمي الي ذلك ...علها زلة قلم.
كتب د. صدقي عن الموقف من الوجود قائلاً: " هل يمكن لحزب او جماعة سياسية او حتى فرد عادي ان يتفادوا او يتفادى ان يكون لهم او له موقف فلسفي من الوجود؟ انا ازعم ان اي شخص في الدنيا متعلم ام غير متعلم، مثقف او غير مثقف له موقف من الوجود سواء عن وعي مكتسب من المدرسة او وعي من الحياة و الممارسة. إن الفلسفة هي في جوهرها الموقف من الوجود و العالم، و التعامل مع الفلسفة بانها الفلسفة المدرسية او النظم الفلسفية التي صاغها فلاسفة معروفين فيه خلل معرفي".
جاء سؤال د. صدقي بصيغة الإشارة الي الحزب، او الجماعة السياسية ، او الفرد العادي ، إلا أنه إختار الإجابة عليه من زاوية الفرد!!!. من جانبي اتفق تمام الإتفاق مع ما خلص اليه حول موقف الفرد الفلسفي، إلا ان د. صدقي يعتقد ان ما هو فردي ينسحب علي الحزب او الجماعة السياسية، و إلا ما اوردهما صراحةً في صلب سؤاله.
هذه الكتابة في غاية الاهمية لانها متسقة الي حدٍ كبير مع ما ذهب اليه د. صدقي في غالبية كتاباته و قناعاته الفكرية خاصة تلك التي ضمنها في كتابه " موسم الهجرة إلي اليمين". تجدني لا اتفق مع ما كتبه د. صدقي، و ذلك للاتي:
أولاً / إن الموقف من الوجود بشكله المطلق هو موقف فردي و ليس موقفاً حزبياً او جماعياً.
ثانياً/ لا يمكن للحزب او الجماعة ان تقوم نيابة عن الفرد لتمثل موقفه الفلسفي من الوجود، و لو زعمت ، فتلك واحدة من سمات الايديولوجيات المتزمتة شمولية النظرة التي يرى المتشددون في إعتقادهاـ اي الايديولوجيات ـ أن الحزب كمجموعة سياسية ما هو إلا كتلة صماء ـ ولو لم يقولوا ذلك صراحةً ـ ، و ليس مجموعة افراد متوحدة حول برنامج تغيير إجتماعي و سياسي، و ذلك موقف محدد من الصراع الاجتماعي ، و ليس من الوجود بكليته. و في نفس الوقت قد يكون لكل فرد من تلك المجموعة السياسية او من ذلك الحزب موقفه الفلسفي الفردي المتميز من الوجود في جوانب اخرى، كالممارسات الروحية مثلاً!!!، اي و بمعنى اخر يمكن ان يكون العضو مسلماً، او مسيحياً، او بوذياً ، او لا دينياً ، و تلك بالقطع كلها جوانب لا إنابة فيها ,و بشكلها ذلك فإنها تلغي ما ذهب اليه د. صدقي من تعميمٍ غير دقيق يُفهم منه ان الموقف الفلسفي من الوجود كأنه واحدٌ في الحزب او الجماعة السياسية !!!. .
ثالثاً/ ذلك التعميم حول الموقف الفلسفي من الوجود يتماشى مع ما كتبه د. صدقي حين كان يتناول مسألة الحزب و المثقفين في "موسم الهجرة الي اليمين"، و خاصة إشارته الي " تبنيهم منهج ماركس لرؤية العالم "، و تلك كانت واحدة من المسائل التي نظر اليها الخاتم بعمق حين كتب ، " قيام الحزب علي اساس الماركسية اللينينية يتطلب من المرء ليكون عضواً من اعضائه ، ان يتوصل لتبني موقف فلسفي متكامل من الوجود"، الي ان يقول " و إنه لطموح غير عقلاني ان نحاول بناء حزب من الفلاسفة في مجتمع امي" ( اوان التغيير ص 32-33).
في إعتقادي ان المسألة تذهب الي ابعد من ذلك .إنها تذهب الي تصوير توحيد الموقف الفلسفي من الوجود تحت راية الحزب على انه حقيقة !!! و ليس بإعتبار ان ذلك الموقف و في كثير من جوانبه الاساسية و في جوهره ما هو إلا خيار فردي لا يمكن الانابة فيه ، كما اوضحنا سابقاً.
رابعاً/ إن التعميم المشار اليه عاليه لا يقف لوحده كالمنبت ، و إنما يتاخى مع مفاهيم اخرى كمفهوم " وحدة الفكر و الإرادة"، و نلاحظ ان د. صدقي إستخدم ذلك المفهوم في كتاباته أيضاً. و السؤال الذي يبرز هنا هو هل " وحدة الفكر" تلك ، تشمل " الموقف الفلسفي من الوجود" و بكل جوانبه و خصوصياته ، ام انها تستثنيه ؟
إن مفهوم " وحدة الفكر و الإرادة" هو الآخر قد تم توظيفه بكفاءة عالية في تشديد قبضة "المركزية الديمقراطية "، لانه تاريخياً و عملياً في الحزب كان يتضمن إلغاء الاختلاف في الرأى ، و لقد كان مسنوداً بنصوص لائحية قاطعة مثل النقطة "ط" تحت بند الصراع الفكري و التي تقول،
" الاقلية لا تكره لتغيير رأيها باي صورة من الصور او وسيلة من الوسائل ، و لكن عليها ان تلتزم برأى الاغلبيه و تنفذه و تدافع عنه". و السؤال الذى يتبادر الي الذهن هو هل يعقل ألا يكره المرء علي تغيير رأيه و هو مطالب بالدفاع عن نقيضه ؟ و هل يتسنى لتربية حزبية مشبعة بكل ذلك التناقض و الإزدواج ان تنتج إنساناً قويماً او متسقاً؟.
إن الوقوف الطويل عند "وحدة الفكر" و التأمل فيها تستدعيه حقيقة ان الناس يدخلون هذا الحزب لاسباب مختلفة و من منطلقات متباينة، منهم منْ دخل من منطلقات فلسفية بحتة كالراحل الخاتم عدلان، و منهم منْ جاء على أساس البرنامج السياسي....الخ. بل و اكثر من ذلك قد يكون هنالك بعضٌ من اعضاءٍ منذ دخولهم هذا الحزب و حتى مغادرتهم هذه الحياة الدنيا لم يكن لهم علم بما ذهب اليه "ماركس" في تشريحه للتركيب العضوى للرأسمال من حيث تكوينه من رأسمالٍ ثابتٍ و اخرٍ متغيرٍ!!! ، و ان إختلافه ـ اى "ماركس" ـ مع الاقتصاديين الراسماليين في هذا الصدد كان حول موضوعة ان راس المال المتغير قوامه قيمة "قوة العمل" و ليس كما يعتقدون هم ـ اي المنظرون الرأسماليون ـ ان راس المال المتغير ، الي جانب "قيمة قوة العمل" يضم ايضاً " قيمة المواد الخام" و بكل انواعها !!!. و قد يكون هنالك ايضاً من الاعضاء منْ هم اكثر حميةً و استبسالاً في الدفاع عن الحزب ، ولكن لا يقع ضمن معرفتهم او حتى إهتمامهم كيف تُنتج القيمة الزائدة ؟!!! رغم ان مفهوم " القيمة الزائدة" او " فائض القيمة" يمثل ركناً اساساً في النظرية الماركسية ، إذ بدونه سينهار بناؤها باكمله علي رؤوس منظرييها و علي رؤوس الاشهاد بكلكلهم !!!.
ففي حزبٍ قد يكون هذا واقعه هل يمكن ان نفهم "وحدة الفكر و الإرادة" سوي انها تعميم مبهم مختار بدقة لتكريس اوضاع لا تزدهر فيها غير "المركزية الديمقراطية"؟!!!.
عموماً اعتقد انه من الصعب الاتفاق مع تلك التعميمات مثل "موقف الحزب الفلسفي من الوجود" او " موقف الجماعة السياسية الفلسفي من الوجود" ، و كذلك "وحدة الفكر و الإرادة" !!! واحدة من الادوات المستخدمة في التصدي لإختلاف الرأي في الحزب هي محاولة التقليل من شأن ذلك الاختلاف او الخروج من الحزب، حتى ولو سال مدادٌ كثير في معركة التصدي له !!!. يعتقد د. صدقي و بعض الاصدقاء ألا مقارنة بين خروج الخاتم و رفاقه من الحزب، من حيث التأثير ، و "إنقسام" 1970 م حيث خرج غالبية أعضاء اللجنة المركزية !!!.
هناك ملاحظتان لابد منهما :
الأولى / أن غالبية محاولات الخروج من الحزب كانت تنطلق من خلفية الإختلاف حول التكتيك ، اي حول اي تكتيكٍ اقرب الي روح الماركسية و اكثر ثوريةمن غيره ؟!! و هذا بالطبع ما لم يسع إليه الخاتم و رفاقه في خروجهم علي الحزب!!!.
الثانية/ إن عدد الخارجين من الحزب إن كان علي مستوى القيادة او العضوية لا يمكن إسقاط إعتباره، إلا انه لا يمكن ان يقوم مقياساً وحيداً علي مدى التأثير ، بقدر ما أن عمق التحول في مشروع الحزب و برنامجه ـ في إعتقادي ـ هو الاكثر حسماً و دلالةً علي مدى التأثير الذي يحدثه هذا او ذاك الخروج من الحزب.
لا شك ان خروج الخاتم و رفاقه علي الحزب جعل تعاطي الأفكار و الحوار داخل الحزب اكثر حيويةً و لفترة طويلة قاربت الإثني عشر سنة ، علي النقيض منه تلك "الإنقسامات" في تاريخ الحزب و التي تمّ "إحتواؤها" في زمنٍ قصيرٍ نسبياً.
قد نختلف مع الراحل الخاتم و رفاقه حول خروجهم علي الحزب إلا انه يظل من الموضوعية بمكان تثمين مجهودهم الفكري المتميز في تسبيب ذلك الخروج. إن الإستقالة التي تقدم بها الراحل الخاتم و الراحل د. خالد الكد و د. عمر النجيب و د. احمد علي احمد لا تعادلها ـ في إعتقادي ـ من حيث الدقة و رصانة الرأي و إحترام التأريخ المشترك أي إستقالة أُخرى تمت في تاريخ الحزب إن كانت فردية تلك الإستقالة او جماعية.
هناك حقيقة لابد من القول و الإعتراف بها ، و هي انه قد ياخذ حزبنا زمناً طويلاً ليأتي بمنْ يملأ الشاغر المعرفي الذى تركه الخاتم في صفوفه، ليس علي المنحى السياسي فحسب ، و إنما في مهمة التصدي لترهات الدولة الدينية و فكرها السلفي المتزمت ، و لا يقل الامر كذلك حين النظر الي المساهمة في إجلاء الأسئلة المعرفية الصعبة.
خاتمـــــــــة
شَهْد العبارات الوسيمة/
كتب كارل ماركس في مؤلفه ( الثامن عشر برومير ـ لويس بونابرت)،
" الناس يصنعون تاريخهم بأنفسهم ، و لكن لا يصنعونه كما يودون. لا يصنعونه تحت ظروفٍ إختاروها بانفسهم و إنما تحت ظروفٍ مُعطاة ، أُوجدت و تمّ نقلها اليهم من الماضي. إن موروث الأجيال السابقة يحط بثقله، كحلم مزعج ، علي عقول الأحياء".(1)
هذه واحدة من كتابات ماركس العميقة. فمن خلال قراءته المتميزة لوقائع التاريخ توصل ماركس الي صياغاتٍ تضمنت حقائق مهمة، فلذلك جاءت كل مساهماته النظرية معالجةً لتلك الحقائق. من ضمن ما عالج ماركس و بذكاء الإنفكاك من موروث الماضي و تخفيف عبئه علي العقول، فلذلك كان يتحدث دائماً عن تغيير العالم و ليس تفسيره فحسب!!!.
كان الكلام عن "تفسير العالم" فقط ، هو مأخذ ماركس الصائب علي الفلاسفة !!! ، بل ان ذلك كان يمثل النقطة الفارقة بينه و بينهم !!!فلذلك جاءت كل مساهماته النظرية و مجهوداته الفكرية لتصب في خانة التغيير !!!.
و علي القاعدة نفسها التي نحاها ماركس ، و لأن الأجيال تتعاقب ، و لأن التاريخ لا يقف عند لحظة واحدة ، و لأن المعارف تتراكم بحكم أن التجربة تضبط مقاييسها و الممارسة تصقل معاييرها، فإن أفكار ماركس و بحسب أنها تمثل جزءاً من موروث " الأجيال السابقة"، فلقد أصبح جزءٌ غير يسير منها "يحط بثقله، كحلم مزعج، علي عقول الأحياء".
كان الراحل الخاتم واحداً ممنْ تعاملوا مع هذه الحقيقة بواقعية ، فلذلك جاءت واحدةٌ من أجمل و أعمق الصياغات التي إنتمى إليها معبرةً عن ضرورة الإنعتاق من الجمود ، "إننا لا نريد أن نضع ماركس علي رأسه ، كما قال أنه فعل مع هيجل، بل نريد أن نضعهما معاً، علي جنبيهما ، شأن كل الموتى ".(2)
بحق لقد كانت عبارة وسيمة أصاب بها الخاتم و رفاقه الإطمئنان العقائدي في مقتل.
في الختام لا يسعني إلا أن اشكر صديقي د. صدقي كبلو علي موضوعيته و إضافاته المعرفية التي درج علي بذلها في تواضع جم لم يتوفر عليه كثيرون... و لتبقى ذكري صديقنا الراحل المفكر الخاتم عدلان خالدة بيننا في الحزب الذي انفق فيه انضر سنوات عمره و اثراها.
أشارات:
(1) من كتاب " التمرد المقتبس، إقتباسات سياسية لأزمنةٍ خطرة"ص352 ، تحرير الكاتب و الناشط الشاب " تيشان لاتنر"، و هو من مواطني مدينة فلادلفيا.
(2) من الإستقالة التي تقدم بها الخاتم و رفاقه من الحزب الشيوعي السوداني.
| |
|
|
|
|
|
|
|