دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
صدقي كبلو (الميدان) :ميزانية 2007 تعبير عن الأزمة السياسية في البلاد وتكريس لها
|
نظرة في ميزانية 2007
مشروع الميزانية تعبير عن الأزمة السياسية في البلاد وتكريس لها
صدقي كبلو [email protected]
تقديم
لعل من الخطأ الفادح التعامل مع الميزانية العامة للدولة من وجهة نظر حسابية فقط بمعنى التركيز عليها كموازنة للإيرادات العامة الجارية والمنصرفات العامة الجارية، ورغم أهمية البحث في توازن الإيرادات والمنصرفات وتقييم واقعية تقدير الإيرادات والمصروفات، ذلك أن ميزانية الدولة هي أهم أدوات السياسة الإقتصادية والمالية والإجتماعية التي عن طريقها تتحكم الدولة في الأداء الإقتصادي على كل المستويات من خلال تأثيرها:
على توزيع الدخول الحقيقية والنقدية رأسيا وأفقيا وجغرافيا من خلال تحديدها لمستوى الأجور في الدولة، وتحديدها للضرائب المباشرة وغير المباشرة، ومستوى وطريقة تقديم وتوزيع الخدمات كالصحة والتعليم وتوزيع الإستثمارات ومن خلال طبيعة موارد إيرادتها وأثر ذلك على عرض النقود وتوزيعه وسرعة دورانه وما ينجم عنه من تضخم أو لجم للتضخم ومن توسع السوق السلعي والطلب الحقيقي على البضائع والخدمات.
على الإستثمار مباشرة من خلال ما ترصده الميزانية، ومن خلال ما تخلقه من طلب بمنصرفاتها الجارية وبما تقرره من سياسات ضريبية مباشرة وغير مباشرة، ومن خلال توزيعها لإستثماراتها ومنصرفاتها.
على مستوى التوظيف في البلاد وما تخلقه بشكل مباشر أو غير مباشر من وظائف جديدة، وعلى تركيب سوق العمل من خلال ما تتضنمه من سياسات تدريب وتوزيع للإستثمارات المباشرة أو غير المباشرة.
وعلى الإنتاج بما توفره من موارد مباشرة لمشروعاتها القائمة أو التي ستدخل الإنتاج أو الخدمة خلال فترة الميزانية وبما تخلقه من حوافز للمنتجين من خلال سياسة الضرائب المباشرة وغير المباشرة والرسوم على مداخل الإنتاج والإنتاج والمنتجين.
وغني عن القول أن كل ذلك يتم في إطار سياسي يحدد توجه الدولة وتحدده الدولة، مما يؤدي بنا لطرح نقطتنا الأولى وهي أن ميزانية 2007 مثلها مثل ميزانية 2006 تعبر عن الأزمة السياسية في البلاد، وهذا يجعلها غير قادرة على تلبية تطلعات جماهير الشعب السوداني ولعل أهم سمات الأزمة السياسية هي تفريغ مشاريع الحل السياسي من محتواهم الحقيقي بإصرار المؤتمر الوطني على صياغة مشاريع تحافظ على سيطرته الكاملة على الدولة ومواردها وينعكس ذلك على الميزانية في قضايا أساسية:
المؤتمر الوطني مسئول عن تضخم منصرفات المناصب الدستورية والسيادية:
يتحدث وزير المالية، وهو حديث كرره في العام الماضي مرتين مرة عندما قدم الميزانية السابقة ومرة عندما عدلها بزيادة الأسعار على الوقود أن منصرفات الدولة في زيادة نسبة لتكلفة السلام، وهذا حديث مضلل وغير حقيقي، فرغم أنه صحيح أن للسلام تكلفة، ولكن السلام تكلفته أقل من الحرب، وأن التكلفة العالية للسلام هي نتيجة لأن المؤتمر الوطني يصر على تمسكه بالسلطة الكاملة، أي بمفاتيح السلطة: الوزارات السيادية الرئيسية والأغلبية المطلقة في مجلس الوزراء الإتحادي ومجالس الوزراء الإقليمية (الولائية) عدا حكومة الجنوب والمجالس التشريعية الإتحادية والإقليمية (عدا الجنوب)، مما يعني أنه يلجأ لخلق وظائف دستورية وسيادية ووزارية جديدة لإرضاء الذين يوقعون إتفاقيات سلام معه لأنه لا يريد أن يتخلى عن منصب نائب رئيس الجمهورية ولا عن أغلبيته في المجالس فتكون النتيجة خلق الوظائف الجديدة التي تزيد المنصرفات (يقول الوزير أن المصروفات السيادية والإجتماعية، والجمع بينهما يقصد به التضليل، قد تضاعف 100% من 393 مليار في الميزانية السابقة إلى 787 مليار دينار في هذه الميزانية). إن قسمة السلطة ليست خلق مزيد من المناصب السيادية حتى تتضاعف المصروفات ومن الخطأ تحميل السلام أعباء زيادة المصروفات الدستورية. فلو قبل المؤتمر الوطني أن تكون قسمة السلطة حقيقية وليست شكلية، فذلك سيؤدي لفقده السيطرة على جهاز الدولة ومفاتيحها ويجعل منه شريكا (ربما يظل شريكا كبيرا) ولكن ليس مسيطرا على الدولة ومفاتيحها التنفيذية والتشريعية. وبالطبع سيؤدي ذلك لخفض منصرفات الدولة السيادية والدستورية وسيقلل من عدد المساعدين والمستشارين والوزراء ووزراء الدولة وأعضاء المجالس التشريعية ولفتح الطريق لعودة الحكومة الإتحادية لحجمها الطبيعي ولدمج بعض الوزارات.
محاولات المؤتمر الوطني الإلتفاف حول السلام الشامل والتحول الديمقراطي تعطل الدعم الدولي لإعادة البناء:
وموقف المؤتمر الوطني من السلام والتحول الديمقراطي، يجعل البلاد تتحمل تكلفة إعادة الإعمار والبناء وتعطل العون الدولي وبالتالي تحمل الميزانية منصرفات وتحجب عنها إيرادات كثيرة، ومن بين تلك المنصرفات خدمات الدين الخارجي التي كان من الممكن إلغائها لو تم الإسراع بالسلام والتحول الديمقراطي، وهذا يجعلنا نتشكك في أن تحقق الميزانية ما رصدت من إمكانيات للقروض والعون الأجنبي.
ويمكن أن نضيف هنا أن الإلتفاف حول السلام الشامل والتحول الديمقراطي له أثر سلبي حتى على تدفق الإستثمارات الخاصة الأجنبية، فما زالت بلادنا تخضع لمقاطعة امريكية ولتردد شركات أخرى من التقدم للإستثمار في السودان رغم الدعاية الحكومية، وأشك أن تأخر إنتاج البترول في مربعات 3/7 متأثر بالوضع السياسي أكثر منه بالقضايا التقنية.
الميزانية وخيبة أمل المواطنين
تكرس الميزانية خيبة أمل المواطنين فيما يحدث فالسلام الذي أملت أن ينعكس على حياتها أمنا ومستوى معيشة وتحول ديمقراطي، والبترول الذي حلمت الجماهير بأنه سيحول حياتها كما حدث في الخليج والدول المنتجة للبترول، ولكن الحقيقة أمامها أن الحرب ما زالت تدور في دارفور وأن ما حدث خلال طرح الميزانية في ملكال وجوبا وقريضة ومليط وكتم ثم الفاشر يصيب بالإحباط، ورغم ذلك تسمع بالمناصب الدستورية الجديدة والتعيينات الوزارية فتسمع جعجعة ولا ترى طحينا. ويحدثونها عن التحول الديمقراطي دون أن يسمح لها بالإحتجاج على زيادة الأسعار أو سماع المداولات حول الميزانية في المجلس الوطني المعين مثلما كان يحدث أيام الديمقراطية الثالثة، وتنظر حولها فلا ترى البترول قد تحول تعليما أو صحة أو إنخفاضا في الأسعار أو زيادة في الدخول.
ورغم هذه الخيبات، تأتي الميزانية فتعطي إشارات سالبة تعبر عن توجه لمصلحة الأغنياء ومالكي العقارات، فبينما تخفض الميزانية الضرائب على الأرباح الرأسمالية من 5% إلى 2% و تخض ضرائب أرباح الأعمال من 35% إلى 30% بوعد بمزيد من التخفيض مستقبلا، وترفع الحد الأدنى الخاضع لضريبة العقارات من 150ألف جنيه إلى 300 ألف جنيه وتخفض معدل الضريبة من 35% إلى 10%، فأنها تزيد المرتبات والأجور ب 5% في وقت تتنبأ فيه بمعدل تضخم 8% مما يعني أن الأجور في الحقيقة ستفقد 3% من قدرتها الشرائية. بل إنها تعد بمعدل في زيادة دخل الفرد ب 2% من خلال نمو يصل10%.
وإذا نظرنا لتركيب الإيرادات فنجد الضرائب غير المباشرة والتي يتحمل عبئها أغلب السكان وفقا للنظريات الإقتصادية تنمو بمعدل 13% بينما الضرائب المباشرة (ذات الأثر التوزيعي للدخول) تنمو بمعدل 9.4%.
وفي ذات الوقت الذي تقدم فيه الميزانية، تتراجع وزيرة الصحة الإتحادية عن مجانية الخدمات العلاجية لكل الجماهير وتعدنا بمجانية الخدمات العلاجية للأطفال فقط! ويطلب السيد نائب رئيس الجمهورية في إجتماعين مختلفين بوزارة التعليم ووزارة الصحة برمجة مجانية التعليم والصحة والتدرج في تنفيذهما! فلتبشر الرسوم العلاجية والمدرسية بطول السلامة!
ومصيبة الميزانية الكبرى هو إصرارها في الإستمرار في سياسة الخصصة لما تبقى من قطاع عام، وهي بذلك تهدر موارد وإستثمارات الشعب السوداني، تشرد العاملين وتحرم الخزينة العامة من موارد ومما يجعل المسألة كلها موضوعا للريبة والشك أن بعض هذه المؤسسات قد صرف عليها مؤخرا مبالغ طائلة لتصبح مربحة كالخطوط الجوية السودانية، وبعض الشركات الأخرى قد شهد لها العالم بالكفاءة والأداء الفني والإقتصادي الرفيع كالمؤسسة العامة للري والحفريات التي نفذت حفريات مشروع الرهد الزراعي وأعادت ترميم طلمبات مشاريع النيل الأزرق وهي عظم ظهر مشاريع الري والزراعة المروية في السودان.
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: صدقي كبلو (الميدان) :ميزانية 2007 تعبير عن الأزمة السياسية في البلاد وتكريس لها (Re: فتحي البحيري)
|
الأعزاء فتحي ومعاوية شكرا لكم فأنا تلميذ في مدرسة الشعب والدرسة منازل شعبية والشارع فاتح على القلب أو كما قال شاعر الشعب محجوب شريف، وإليكم هذه الصفحة من مذكراتي عمن علمني الإقتصاد السياسي: "وسليم أبوشوشة يسألني فيدفعني لتجويد معارفي الإقتصادية كان من بين المعتقلين في شالا عدد من النقابيين فكان هناك عبد القادر سيدأحمد وطه سيدأحمد والسر النجيب وأحمد عبدالله هلال وسليم أبو شوشة وكان الحزب وإتحاد النقابات قبل 19 يوليو يهتمون جدا بتعليم طلائع العمال في الداخل والخارج في مدارس حزبية ونقابية. وذات يوم بينما نحن جلوس في ظل الظهيرة، سألني سليم أبو شوشة وهو رجل ذكي لماح، عم ماذا أدرس في جامغة الخرطوم فقلت إقتصاد، فقال لي طبعا يدرسونكم الإقتصاد البرجوازي، فقلت نعم فسألني كطالب شيوعي بكلية الإقتصاد عرف لي فائض القيمة، فتلعثمت وقلت له تعريفا لم أكن متأكدا منه. وخجلت من نفسي خجلا شديدا، وعندما رجعت لزالنجي توفرت لمراجعة الإقتصاد السياسي ولم أكن حينها رغم أنني طالب إقتصاد أهتم به قدر إهتمامي بمراجعة الفلسفة الماركسية، ورغم أن إهتمامي بالفلسفة إستمر حتى الآن، إلا أنني بدأت أدرس بإهتمام وتجويد أكثر الإقتصاد السياسي، وعندما قابلت أبوشوشة في المعتقل عام 1979 وكنت أدرس فصلا للإقتصاد السياسي كان هو أحد طلبته كنت متأكدا من كل كلمة أقولها، وكان الفضل في ذلك يرجع له. ,أذكر أنني كنت أراجع مع الأستاذ نقد عام 1986 كتابا مدرسيا للتعليم الحزبي في الإقتصاد السياسي، فسألني : إنت قرأت في جامعة الخرطوم فكيف تعلمت الإقتصاد السياسي؟ فحكيت له حكاية سليم أبوشوشة فقال لي ضاحكا طبعا سليم أعرفه ولا يمكن أن ينخدع بأي كلام.
| |
|
|
|
|
|
|
|