|
2: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية (Re: Sidgi Kaballo)
|
الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية( 2) وأجمل الأستاذ حسن الطاهر زروق تلك المطالب والتوجهات الديمقراطية في خطاب ضاف عشية الاستقلال في 31 ديسمبر 1955 عند مناقشة مسودة الدستور المؤقت حيث اقترح خمسة اسس للدستور: 1- ان يكون مستمدا من مصالح الشعب وان يحترم ارادته. 2- ان يجعل جهاز الدولة ديمقراطيا ينص على حق الشعب في مراقبة جميع اجهزة الدولة وحقه في محاسبة ممثليه، وان يشترك الشعب اشتراكا واسعا في الحكم. 3- ان يسمح باطلاق كل قوى الشعب في النضال ضد الاستعمار ومؤسساته بتوفير الحريات العامة وحرية العقيدة وحرية اعتناق الآراء السياسية والعمل من اجلها. 4- ان يحمي مصالح العمال والمزارعين والتجار وكافة المواطنين من الاستغلال ويحمي حقهم في الراحة وحقهم في العمل. 5- ان ينص على انتهاج سياسة خارجية مستقلة سلمية تقوم على معاملته جميع الدول على اساس المساواة والاحترام المتبادل" (محمد سليمان، اليسار السوداني في عشرة سنوات، 1969، ص ص 173-175) وطالب الاستاذ حسن الطاهر في خطابه ذلك بضرورة النص على قيام الجمعية التاسيسية في الدستور المؤقت حتى يشارك ممثلي الشعب في وضع الدستور الدائم للبلاد. واوضح ان هناك تناقضا بين مشروع الدستور وبعض القوانين والسياسات السائدة حينئذ مما يتطلب تغيير وتعديل تلك القوانين والسياسات حتى تتماشى مع الفصل الثاني من مشروع الدستور الخاص بالمساواة بين السودانيين والحريات العامة وحدد تحديدا قضايا ألجر المتساوي للعمل المتساوي في الشمال والجنوب والأجر المتساوي للعمل المتساوي للرجل وللمرأة، وقانون الصحافة وبعض مواد قانون العقوبات (المرجع السابق، ص ص 175-176). وجاء المؤتمر الثالث للحزب الشيوعي في فبراير 1956 ليؤكد موقف الشيوعيين من قضية الديمقراطية و الحريات العامة فيتبنى الحزب الجمهورية البرلمانية و طالب بالحكم الأقليمي الذاتي للمديريات الجنوبية. ولقد اشار عبد الخالق ان المؤتمر الثالث قد اعتبر ان قضية الديمقراطية تحتل "المكان المقدم اذ ان سير البلاد في طريق التطور المستقل لا يمكن ان يتم كما اشار البرنامج بدون استمرار الحركة الجماهيرية ونموها واتساعها وصلابة تنظيماتها وتنوعها" (لمحات، ص، 112). واشتد نضال الشيوعيين وحلفائهم ضد محاولات حكومة عبدالله خليل (1956-195 لتقييد الحريات العامة خاصة بعد لجوئها لفرض حالة الطوارئ في عام 1956 في مواجهة المد الجماهيري الذي صاحب رد فعل الجماهير السودانية وتنظيماتها الديمقراطية للعدوان الثلاثي على مصر. وقد عبر الأستاذ حسن الطاهر زروق عن معارضة الشيوعيين لاستمرار حالة الطوارئ بتاييده الأقتراح المقدم من عضو البرلمان الأستاذ ابراهيم المفتي مطالبا برفع حالة الطوارئ في ديسمبر 1956. قال حسن الطاهر: "<..> الأستقلال بدون حريات هيكل متداع بغير روح او ارادة. ولسنا على استعداد للتفريط في اي مظهر من مظاهر هذا الاستقلال الذي جاء بتضحيات غالية. فعندما تختفي حريات الشعب من حياته يصبح ذلك الأستقلال جسما بلا روح وتتغول الحكومات على المحكومين وتسلط عليهم اوضاعا ضد حرياتهم خاصة اذا انتفت الأسباب الوجيهة لقيام هذه الحالة <حالة الطوارئ_ الكاتب> كما هو الحال في السودان" (اليسار السوداني، ص 257) وظل الشيوعيون وحلفاؤهم متمسكين بتكتيكين اساسيين للعمل الديمقراطي: العمل وسط الجماهير وتنظيمها لانتزاع حقوقها الأقتصادية والأجتماعية وحقها في التنظيم المستقل، والسعي في نفس الوقت لبناء حلف وطني معادٍ للأستعمار لخوض الأنتخابات وداخل البرلمان. ان العمل الديمقراطي اذن يرتكز على العمل الجماهيري الشعبى والنضال البرلماني. ولكن يجب الا ينظر الى التكتيكين في انفصال وانما في وحدتهما وعلاقتهما المتبادلة؛ لا من خلال ممارسة الضغط عن طريق المنظمات الديمقراطية كالنقابات واتحادات الطلاب فقط، بل بالتوجه المباشر لقيادات الأحزاب وجماهيرها وطرح مشروع التحالف الوطني قبل وبعد الأنتخابات وجذبهم للنضال المشترك في الشارع والبرلمان حول قضايا محددة مثل قانون الطوارئ وحلف بغداد والعدوان الثلاثي على مصر والمعونة الأمريكية. وهذا يفسر موقف الشيوعيين والجبهة المعادية للأستعمار من انقسام الأتحاديين وخروج الختمية بحزب الشعب حيث اعتبروه قسما للصف الوطني وكذلك مخاطبتهم المباشرة لشيخ علي عبد الرحمن رئيس حزب الشعب الديمقراطي في اكتوبر 1957 داعين حزب الشعب لفض ائتلافه مع حزب الأمة والأنضمام للأحزاب الوطنية "لوضع حد لحالة الأنقسام والتوتر في المعسكر الوطني" (مذكرة الأستاذ الوسيلة عن سكرتارية الجبهة المعادية للأستعمار للشيخ علي عبد الرحمن، اليسار السوداني، ص 286). وكذلك مخاطبتهم للسيد علي الميرغني في نفس الوجهة. وكان ذلك كله مرتبطا بعمل جماهيري: مظاهرات، اضرابات وليال سياسية كان لها اثر واضح في استنهاض حركة جماهيرية شملت الأتحاديين والشيوعيين وجماهير العمال والطلاب والمثقفين حتى ان السفارة البريطانية اتهمت في احدى رسائلها للندن الرئيس الأزهري بالوقوع تحت نفوذ الشيوعيين. وتوج هذا الخط في النضال من اجل الديمقراطية وصيانة الأستقلال بتشكيل الجبهة الوطنية التي تكونت بدعوة من اتحاد طلاب الجامعة في 29 اكتوبر 1958 من الوطني الأتحادي والأحزاب الجنوبية والجبهة المعادية للأستعمار واتحاد العمال واتحاد طلاب الجامعة وغيرها من الأحزاب والمنظمات ما عدا حزبي الأمة والشعب. وكان الهدف الواضح والمعلن للجبهة الوطنية هو اسقاط حكومة عبدالله خليل بالطرق المشروعة. وكانت الجبهة تسعى لتحقيق ذلك من خلال البرلمان وحشد جماهير الشعب حول ميثاقها ولقد جاء في بيانها الأول: اننا نناشد الأحزاب والهيئات المشتركة في الجبهة الوطنية كما نناشد كافة جماهير الشعب السوداني والمستقلين وكل من يهمهم امر هذه البلاد ان يتكتلوا في تنظيمات فرعية في كل المديريات بمدنها وقراها وبواديها لشرح بيان الجبهة الوطنية وتعميق الميثاق القومي بين صفوف الشعب بكافة الوسائل المشروعة من اجتماعات سياسية ومواكب وحفلات وغير ذلك حتى يصبح الميثاق هاديا ودليلا للحكومة الوطنية التي تعمل على احلالها مكان هذه الحكومة حتى يصبح الميثاق سياسة وطنية مرسومة نعمل جميعا على تنفيذها. (اليسار السوداني، ص 343) وازاء هذا النهوض في الحركة الجماهيرية سلم عبدالله خليل الحكومة للجيش بقيادة ابراهيم عبود.وبقيام انقلاب 17 نوفمبر 1958، اصبحت قضية النضال من اجل الديمقراطية والحقوق الأساسية هي القضية الأولى في برنامج النضال ضد الحكم العسكري مما وضع الحزب الشيوعي في مقدمة المناضلين من اجل الديمقراطية والحقوق الأساسية؛ يقول عبد الخلق محجوب "واصبح الكثير يرى في الحزب الشيوعي مكافحا من اجل الديمقراطية، فربما ادى هذا الى دخول الكثير من العناصر على اعتبار قضية الديمقراطية وحدها لا على اعتبار البرنامج الكامل للحزب الشيوعي وافكاره الأشتراكية العلمية"(لمحات ص 116) ورغم هذا فقد كانت فترة الحكم العسكري الأول هي الفترة التي تسرب فيها الفكر الانقلابي الى داخل الحزب الشيوعي. فقد ساهم احد اعضاء اللجنة المركزية للحزب في عام 1959 واثناء غياب اغلبية قادة الحزب في المعتقلات في تنظيم انقلاب 1959 والذي ادى الى اعدام مجموعة من خيرة ضباط القوات المسلحة .. وعلاقة الفكر الانقلابي بموقف الشيوعيين من قضية الديمقراطية علاقة وثيقة. فالفكر الأنقلابي يتجه نحو استبدال العمل الجماهيري وتنظيم نضال الجماهير من اجل حقوقها وفي مقدمتها الحقوق الديمقراطية بالتآمر لقلب نظام الحكم عن طريق مجموعة سرية داخل القوات المسلحة، انه يحول الحزب الى حلقة تآمرية وتسرب الفكر الأنقلابي الى الحزب يعكس تاثر الشيوعيين بانتصارات وفكر انظمة البرجوزية الصغيرة العسكرية في المنطقة حينها بما في ذلك موقفها من الديمقراطية السياسية والحريات العامة. ورغم ان الحزب قد انتقد ذلك التيار واتخذ خطاًً للنضال مختلفاًً يعتمد بناء الحركة الجماهيرية والنضال وسط الجماهير ومعها لأسقاط نظام عبود عن طريق الأضراب السياسي العام، الا ان بذور الفكر الأنقلابي ظلت موجودة وعاودت الظهور بعد ثورة اكتوبر وسنعالج ذلك في حينه. وانفجرت ثورة اكتوبر 1964 ناشرة الوية الديمقراطية والحقوق الأساسية واصبح الحزب الشيوعي حزبا قانونيا لاول مرة في تاريخ السودان واكتسبت المراة السودانية حقها الديمقراطي في الترشيح والانتخاب وعدل سن الناخب الى 18 عاما ليشمل الشباب الذين اسهموا في الثورة اسهاما كبيرا والغيت القيود الاقتصادية على الانتخاب والترشيح واصبح الانتخاب مباشرا وامتلات الساحة بالتنظيمات الحزبية والشبابية والنسائية والنقابية والاقليمية والروابط القبلية وازيلت القيود عن الصحافة والتجمعات والمواكب السلمية وعاد للعاملين حقهم في التفاوض الجماعي وفي الأضراب. ولم تستطع القوى الرجعية احتمال هذا النهوض الديمقراطي العام، رغم انها استطاعت اجبار حكومة اكتوبر على الأستقالة واجراء انتخابات عامة نتجت عنها اغلبية مطلقة للأحزاب التقليدية, فقد عادت الحركة الديمقراطية لاستعمال تكتيكات ما قبل انقلاب نوفمبر بالربط بين النضال داخل البرلمان والنضال الجماهيري خاصة ان الخريجين انتخبوا احد عشر نائبا من الشيوعيين والديمقراطيين اصبحوا صوتا لهذه الحركة داخل البرلمان. وثبت خلال فترة وجيزة ان الرهان الديمقراطي في المدى البعيد هو لمصلحة اليسار. وفي هذا الجو تمت مؤامرة حل الحزب الشيوعي. وقد ادت معركة حل الحزب الشيوعي عام 1965 وتكوين الهيئة القومية للدفاع عن الديمقراطية والقضية الدستورية ورفض حكومة السيد الصادق المهدي ومجلس السيادة والجمعية التاسيسية لقرارات المحكمة العليا الى وضع الحزب الشيوعي وحلفائه في قلب حركة وطنية عامة تدافع عن الحريات الأساسية والديمقراطية واستقلال القضاء وسيادة حكم القانون واصبحت شرعية الحزب الشيوعي هي التجسيد لكل القيم الديمقراطية. ولكن ثورة اكتوبر طرحت أشكالات جديدة في فهم ومفهوم الشيوعيين للديمقراطية، وهذا ما سنحاول معالجته في الصفحات التالية.
| |
|
|
|
|
|
|
3: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية (Re: Sidgi Kaballo)
|
(3) الديمقراطية: التناقض بين النظرية والنضال اليومي طرحت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في اجتماعها في مايو 1965 مسالة الديمقراطية على اساس انه بعد ثورة اكتوبر " ابتدأت تتضح الفرص لتطبيق ديمقراطية جديدة في البلاد لتضمن استمرار بلادنا في الطريق الوطني الديمقراطي والاشتراكية....فالقضية لم تعد ديمقراطية او لا ديمقراطية بل اصبحت تسير كل يوم لتكون كالاتي: اي نوع من الديمقراطية؟" (أعمال اللجنة المركزية 27/5/1965) . اذن اصبحت هناك ديمقراطية وديمقراطية...او قد تكون عدة ديمقراطيات ...احداها على اية حال تمثل نظرية الحزب الشيوعي: الديمقراطية الجديدة والتي توضع في مقابل الديمقراطية البرجوازية او البرلمانية الغربية؛ فما هي سمات الديمقراطية الجديدة؟ السؤال صعب لان الخطاب البرنامجي والأيدولجي للحزب الشيوعي لا يبدو متناسقا وهناك تناقضات واضحة في الوثائق وبين بعض الوثائق والنضال اليومي للشيوعيين، مما ادى الى لبس وعدم وضوح جعل التمايز بين الخطاب الشيوعي والخطاب البرجوازي الصغير غير واضح وقد اثر هذا سلبا في تطور الثورة السودانية بتغذية الفكر الانقلابي داخل الحزب الشيوعي وبتغبيش وعي قطاعات من الديمقراطيين الثوريين، خاصة في ظروف قيادة انظمة البرجوازية الصغيرة العسكرية في المنطقة وانتشار ايدولجيتها عبر وسائل اعلامها الرسمية وكتابات مثقفيها المنتشرة في اواساط المتعلمين والمثقفين السودانيين واصرار الشيوعيين والديمقراطيين السودانيين على الدفاع عن هذه الأنظمة في وجه الهجوم الشرس من قبل الرجعية المحلية والدوائر الاستعمارية. اذا نظرنا مثلا في وثيقة اساسية في ادب الشيوعيين وخطابهم الأيدلوجي ك"الماركسية وقضايا الثورة السودانية" فاننا نجد الديمقراطية الجديدة توصف بانها "تفتح الطريق للتقدم"(ص 132). وانها تضمن دفع بلادنا في الطريق الوطني الديمقراطي والاشتراكية"(ص 133). ولكن لماذا تفعل الديمقراطية الجديدة ذلك من دون الديمقراطيات الاخرى؟ ويبدو ان الأجابة تاتى من النظر الى محتوى الديمقراطية الجديدة والذى يعني "تمتع الجماهير الشعبية بالحقوق الأساسية وتقييد نشاط الفئات المعادية للثورة الديمقراطية: اطلاق طاقات الطبقات والفئات الوطنية والديمقراطية من مزارعين وعمال ومثقفين وطنيين، وعناصر راسمالية وطنية غير مرتبطة بالاستعمار، وتقييد ومصادرة نشاط الطبقات ذات الروابط مع الاستعمار والتي ليست لديها مصلحة في البعث الوطني"(ص 132) وهنا نجد نظرية الحزب الشيوعي حول الديمقراطية تتطابق مع نظرية الثورة الصينيةالقائلة بالديمقراطية للشعب والديكتاتورية ضد اعداء الشعب، ومع التجارب الستالينية والستالينية الجديدة في الاتحاد السوفيتي وشرق اوربا، على الأقل في ما يتعلق بتقسيم الناس الى من يتمتعون بحقوقهم الأساسية ومن يحرمون من هذه الحقوق، مما يثير تساؤلا مباشرا ومشروعا: من الذي (او التي) يقوم (او تقوم) بعملية التقسيم هذه؟ وما هو الميكانيزم و المعيار وهل تجري عملية التقسيم مرة واحدة ام انها عملية مستمرة: كل من ابدى تاييدًاً للوضع القائم وسياساته يتمتع بالحقوق وكل من عارض يضاف الى اعداء الشعب؟؟ وماهو دور الشعب في كل هذا؟ وانا ادعي هنا ان هذا ليس مطابقا لشعار لينين حول كل السلطة للسوفيتات لأن السوفيتات كانت مجالس ديمقراطية منتخبة لم يحرم شخص من الاشتراك في انتخابها وهو دون شك لايطابق مفهوم ماركس وانجلز عن الديمقراطية الذي يقوم على توسيع الحقوق الأساسية وتمتع الجميع بها وتحول البرلمان الى سلطة شعبية خاضعة للرقابة الدائمة للجماهير. والتعارض الأساسي بين الفكرتين ان الاولى تريد ان تعطي جهة ادارية ما (حتى لو كان ذلك استنادا لتشريع صدر بشكل ديمقراطي) حق العزل السياسي ومصادرة الحقوق من بعض الناس. وهذا بالضبط يقود للديكتاتورية سواء كانت ديكتاتورية الحزب او مجلس الثورة او حتى ديكتاتورية الفرد. وتجارب العهد الستاليني، خاصة الفترة 1936-1939، التي راح ضحيتها رفاق لينين في اللجنة المركزية، وتجربة الثورة الصينية على ايام ماسمي بالثورة الثقافية، توضح لنا كيف يعمل مثل هذا النموذج والذي طبقته في ما بعد كل انظمة البرجوزية الصغيرة العسكرية سواء في بلدان ما سمي بالتوجه الأشتراكي او الفاشية القومية او الوطنية او دولة التنمية. المسألة ببساطة ان الديمقراطية للشعب وضد اعداء الشعب تتحول في النهاية لديكتاتورية شاملة. وما يزيد من احتمالات تحول الديمقراطية الجديدة في السودان الى ديكتاتورية هو ان هذه الديمقراطية في جوهرها هي ديمقراطية من انجاز الجماهير الثورية في القطاع الحديث وبالتالي هي ديمقراطية لجماهير هذا القطاع التي استطاعت ان تغل "يد الرجعيين عن الأعتداء على قوى الثورة" و تستطيع "ان تنجز مهام الثورة الديمقراطية ببث روح التقدم واعادة صياغة الحياة على اسس ديمقراطية بين الأقسام الأخرى بين السكان في القطاع التقليدي وجلبهم الى حياة المعرفة في اطار البعث الوطني الجديد" (الماركسية، ص 135) والمسالة تبدو مقلوبة عندما تطرح هكذا: السلطة اولا ثم "جذب سكان القطاع التقليدي" ثانيا. وهو تعبير واضح عن استثناء جماهير ذلك القطاع من العمل الثوري او السعي لجذبهم لساحة ذلك العمل. وفي تقديري، وقد اكون مخطئا، ان ذلك له علاقة مع نظرية القوى الحديثة والتي ادت عند تبنيها بشكل كامل بعد ثورة اكتوبر الى إهمال عمل الحزب الشيوعي ونشاطه وسط القطاع التقليدي والذي كان قد خطا خطوات متقدمة قبل ديكتاتورية عبود. ان نظرية القوى الحديثة تقوم على اساس معطيات نضال جماهير المدن والقطاع الزراعي المروي وقدرتها على اسقاط الحكومة المركزية او احداث عدم استقرار سياسي ولكن لان هذه الجماهير تمثل اقلية عند اجراء أي انتخابات فالديمقراطية البرلمانية تؤدي لأنتخاب الأحزاب التقليدية نسبة لاستمرار نفوذها وسط جماهير القطاع المسمى بالتقليدي. ولقد أدى استخدام الأحزاب لبعض جماهير هذا القطاع في اسقاط حكومة اكتوبر لنظرية كاملة حول اجهاض الثورة والى ظهور الفكر الأنقلابي الذي يرى انه يمكن للقوى الحديثة انتزاع السلطة بالقوة ومن ثم تحرير جماهير القطاع التقليدي من النفوذ الطائفي. ان هذه النظرية تجد نفسها منسجمة مع نظرية الديمقراطية الجديدة حسب طرحها في ذلك الوقت، وهي نظرية في النضال الجماهيري تؤدي بالضرورة الى ديكتاتورية القوى الحديثة او احدى فئاتها الطبقية. فهذه النظرية باهتمامها بتنظيم القوى الحديثة واعطائها الثقة في نفسها (اي بناء ايدولجية لها وبرنامج تعتقد انها قادرة على تنفيذه وانه قادر على حل مشاكلها ومشاكل البلاد كلها) تدعو تلك القوى لتصعيد نضالها حتى الأنتفاضة الشعبية والتي سيتم حسم قضية السلطة فيها لا بالمفاوضات كما حدث في ثورة اكتوبر ولكن بتدخل الجناح العسكري للقوى الحديثة في القوات المسلحة لوحده او بدعم ميلشيا تعدها القوى الحديثة لذلك وهذا السيناريو النظري يؤدي في احسن حالاته الى ديكتاتورية القوى الحديثة او قطاع منها تحت شعار ما يسمى بالديمقراطية الجديدة وفي هذا يصبح الأختلاف بينه والسيناريو الأنقلابي اختلاف درجة كما يقول استاذنا محمود محمد طه، وفي اسوء الحالات فانه يقود لحرب اهلية بين القوى الديمقراطية الممثلة في القطاع الحديث وبين القوى التقليدية والرجعية الممثلة في الأحزاب التقليدية والتي للأسف سيكون جنودها هم فقراء الريف في القطاع المسمى تقليدي وضباط جيشها بعض فئات البرجوازية الصغيرة المغتربة ايدولجيا بتبنيها الأيدولجية الدينية الممعنة في التخلف والتي تسمى هذه الأيام الأسلام السياسي وهي ببساطة ايدولجية ألأخوان المسلمين المستندة لفكر المودودي، الندوي والأخوين قطب، اما مايستجد منها الآن فهو بمثابة شرح للحواشي والمتن لما انتجه اولئك. وفي الحقيقة الموقف المعلن حينها من القطاع التقليدي مزدوج, فبينما ترجأ مسالة الثورة في القطاع المسمى بالتقليدي حتى انتصار القوى الحديثة واستيلائها على السلطة، يستثنى الجنوب من ذلك. أعترفت وثيقة "الماركسية وقضايا الثورة السودانية" ان القوى الحديثة "تواجه مشكلة حقيقية بين الوضع في جنوب البلاد"(ص 135) اذ ان الحركة السياسية هناك "ذات طابع غالب معاد للنهوض الوطني والتحرر من التبعية الأستعمارية ولتطور الثورة الديمقراطية"(ص 136) لذا واستنادا لأن جماهير الجنوب "كاقليات قومية ذات مصلحة حقيقية في انجاز الثورة الديمقراطية." فانه "لابد ان نهئ الظروف اللازمة لتنمية مراكزالعناصر الوطنية والتقدمية في جنوب البلاد" ولكن لماذا جنوب البلاد وحده؟ ألأنه يرفع السلاح؟ وهل لو كان الجنوب ساكنا مثل بقية مناطق القطاع المسمى بالتقليدي كان سيطلب منه انتظار القوى الحديثة لأنجاز الثورة نيابة عنه وحل المشكلة القومية؟ واذا تركنا جانبا مسألة القوى الحديثة فاننا نجد تناقضين من ناحية الطرح لمسالة الديمقراطية الجديدة: التناقض الأول بين المقدمات التحليلية لتجربة الديمقراطية الليبرالية والنتائج حول الدعوة لديمقراطية بديلة، اذ ان المقدمات التحليلية في وثيقة الماركسية وقضايا الثورة رغم حديثها عن فشل النظام البرلماني الغربي الا انها اثبتت اهمية ممارسة الجماهير للحقوق السياسية ذلك ان تلك "الحقوق الديمقراطية البرجوازية نفسها اصبحت عاملا في جلب جماهير القطاع التقليدي الى ميدان النشاط السياسي و الأجتماعي"(ص 134) مما جعل القوى الرجعية تضيق بهذه الحقوق لدرجة مصادرتها. تقول الوثيقة ان الرجعيين "وهم يجمعون قواهم تحت راية البرلمانية البرجوازية يستهدفون في الأصل تهديمها ومصادرة الحقوق الديمقراطية"(ص 133) وأدى منطق الوثيقة هذا (وهو صحيح في رايي) الى الوصول الى نتيجة هامة وهي ان "التقارب بين قضية الديمقراطية وقضية التغيير الأجتماعي يسير بخطى حثيثة" (ص 134) مما يعني ان المسالة هي مسالة وقت ومزيد من النضال الديمقراطي لجذب مزيد من جماهير القطاعين التقليدي والحديث معا دون ان نضحي بقضية الديمقراطية من اجل التغيير الأجتماعي او العكس. وهذا لا يميز بين موقف الشيوعيين والبرجوازية الصغيرة فقط بل يكون تمييزا واضحا بين موقف التقدميين والرجعيين من قضية الحقوق الأساسية، بين من يحاول تطويرها وحمايتها ومن يسعى لتصفيتها. وهنا لابد لنا من الأشارة الى مسالة وصف هذه الحقوق بالبرجوازية وهو وصف غير حقيقي لطبيعة تطورها عبر التاريخ فخلافا لحق الملكية الخاصة فجميع الحقوق الأساسية الأخرى في ما يسمى بحقوق الأنسان هي نتاج لنضال الجماهير الشعبية والطبقة العاملة سواء تم هذا النضال تحت قيادة البرجوازية او في النضال ضدها. ألتناقض الثاني هو بين طرح قضية الديمقراطية في برنامج الحزب الذي اقره المؤتمر الرابع ووثيقة "الماركسية وقضايا الثورة السودانية" المقدمة لنفس المؤتمر. فالبرنامج يرى ان السلطة الثي ستطبق الديمقراطية الجديدة تنبعث من "ارض الديمقراطية الواسعة" مما ينعكس على تطبيقها للديمقراطية الجديدة. ويتحدث البرنامج عن اسس "للديمقراطية المباشرة" مرتكزة على توسيع الحكم المحلي و"الديمقراطية النيابية" ويقول البرنامج ان الديمقراطية الجديدة "تعبر عن الديمقراطية السياسية والأقتصادية في آن واحد"(ص ص 43-44 من وثيقة دستور الحزب الشيوعي). ولعل ما يميز البرنامج انه نص بوضوح على "أن قيادة الحزب الماركسي للنظام الأشتراكي لا تعني وجوب نظام الحزب الواحد"(ص 12).
| |
|
|
|
|
|
|
4: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية (Re: Sidgi Kaballo)
|
(4) الشيوعيون والديمقراطية وأنقلابي مايو ويوليو رغم انه اصبح من المسلم به الآن ان الحزب الشيوعي السوداني اعترض على تنظيم انقلاب مايو وحاول اقناع القائمين به بالرجوع عنه، الا ان ذلك لاينفي عن الشيوعيين بعض المسؤولية الأخلاقية عما حدث. فمعظم الذين خططوا وشاركوا في الانقلاب، رغم انهم ليسوا اعضاء في الحزب الشيوعي، الا انهم خرجوا من تحت معطفه او تاثروا بفكره وخطابه الأيدولجي بما في ذلك دفاعه عن الأنظمة العربية التقدمية وفي مقدمتها النظام الناصري حينها. وهذا ما ظل الشيوعيون السودانيون يعبرون عنه بعدم التمايز الأيدولجي بينهم والبرجوازية الصغيرة قبل مايو. يقول عبد الخالق محجوب ان الخطأ الذي وقع فيه الشيوعيون:"هو اننا غلبنا الحلف السياسي على قضايا التمايز الأيدولجي بين الفكر الديمقراطي الثوري والفكر الشيوعي وظهر هذا في اتجاه نشاطنا الدعائي العام" (حديث عبد الخالق امام امؤتمر التداولي كما اقتطفه القدال، الحزب الشيوعي وانقلاب مايو، الحلقة الثانية عشرة، الميدان، 14 أكتوبر 1985 ص6).وقال عبد الخالق ايضا "نحن كشيوعيين لانقبل ايدولجيا" نظرية القلة التي تقبض على السلطة ثم بعد هذا ترجع الى الجماهير. في اعتقادي ان هذا موقف ايديولجي ثابت للشيوعية وجزء من فهم الشيوعيين للثورة، وقد تطورت الشيوعية كعلم في الصراع ضد هذه النظرية ضمن صراعها الطويل ضد الأيدولجيات الغريبة على حركة الطبقة العاملة""(المصدر السابق ص 6) ولعل هذه الحاجة الموضوعية والضرورية للتمايز الأيدولجي هي التي دفعت عبد الخالق وهو يكتب مشروعا لبرنامج الحزب لكي يقدم للمؤتمر الخامس الذي اقر المؤتمر التداولي التحضير له ان يقول: "نستهدف تصورنا واهدافنا لمرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية، في ظروف تطرح فيها تصورات واهداف هذه المرحلة من قبل الشريحة البرجوازية الصغيرة. بعض هذه التصورات والأهداف المشار اليها اخيرا خاطئ ومزيف. ومن ثم فان برنامجنا سيكون في مستوى عال من الطرح الأيديولجي والعملي في وقت واحد."(حول البرنامج، الطبعة اليمنية، ص 6) وقد تجلى هذا التمايز الأيديولجي تجلياً واضحاَ في طرح وثيقة عبد الخالق ُحول البرنامج’ بشكل خاص في مسالة الديمقراطية الأقتصادية والسياسية والثقافية وليعذرني القارئ هنا لو اطلت الأقتطاف؛ يقول عبد الخالق "اعتماداً على تحليلنا الناقد لتجارب حركة الشعوب، وللتجارب الغنية التي اكتسبتها حركة الشعب السوداني، فان الثورة الوطنية الديمقراطية تحقق الشروط الموضوعية اللازمة لتحول الحقوق السياسية من مجرد اعلان قانوني الى ممارسة فعلية للجماهير الكادحة، وهذه الحقوق هي الأداة الرئيسية لأنهاض الجماهير للنشاط السياسي حتى يصبح لدينا ملايين من الساسة المدركين، ولنمو وعيها لتنفذ اهداف الثورة بقدراتها الخلاقة التي لا تعادلها قدرات. "ونحن ايضا ننطلق من فهمنا للثورة - بوصفها اعلى مستويات لأنجازات الخلق الشعبي والتلقائية الدافقة، ولا نقبل مفهوم الوصاية على حركة الجماهير. ضمان استمرار وتطور الثورة الوطنية الديمقراطية هو يقظة الجماهير وتنامي نشاطها لا وقوفها متفرجة اعجاباً او استياءً. ان التاريخ تصنعه الملايين لا بعض الأفراد مهما بلغت قدراتهم واعجازهم. ولهذا فالديمقراطية والتغيير الثوري متلازمان ولا يمكن الفصم بينهما" (حول البرنامج ص ص 48-49) ويتحدث عبد الخالق بوضوح عن حق الجماهير في حرية التنظيم فيقول: "تشمل الحقوق السياسية للجماهير الكادحة في ظل الحكم الوطني الديمقراطي حرية التنظيم. اننا نقدم من تجاربنا ودراساتنا أشكالاً لتنظيم الكادحين وهم يستيقظون على اهداف الثورة، ولكي يستيقظوا على تلك الأهداف. ولكن الجماهير، وهي تنفض عن نفسها غبار سنين الأهمال، تنتفض وتبدع اشكالا من التنظيم اغنى آلاف المرات مما يتصور اي برنامج سياسي ايا كانت مرتبته.(خطوط التشديد ليست في الأصل) ولهذا فان للجماهير الكادحة حقها في ابتداع التنظيمات الأقتصادية والسياسية التي تعبر عن مشاعرها وتركن اليها، وذلك دعم وحماية للثورة الوطنية الديمقراطية في بلادنا. ينطبق ذلك بصورة خاصة على الكادحين في الزراعة والأنتاج الحيواني الذين يعتمد على يقظتهم مصير الثورة الديمقراطية" (المرجع السابق ص 49) وكذلك ينص عبد الخالق على حرية العقيدة الدينية وحقوق المرأة وطبيعة الثورة والبعث الثقافي الديمقراطي الذي لن يتم في رايه "الا وفقا للحرية والديمقراطية واتخاذ الدولة الوطنية الديمقراطية موقف المساعدة والتشجيع لا موقف القهر والتحكم. والحكم على العمل الفني موضوعاً وأداة هم النقاد القادرون والجمهور الواعي. بتوفير الحرية للعمل الفني يخرج من اعماق الشعب مئات المبدعين خلقاً فنياً، والملايين من الجماهير التي تتلقى بطريقة خلاقة كل عمل فني" (المرجع السابق ص 39) ولكن ُحول البرنامج’ يحمل في طياته موقفا مزدوجا من قضية الديمقراطية، فقط كان الموقف المزدوج هنا موقفا واعياً بازدواجيته ومبرراً لها وواعداً بانه مؤقت تفرضه ظروف عملية. لننظر اولا لذلك الموقف وتبريراته قبل مناقشته. يقول عبد الخالق: يسخر النظام الديمقراطي كل ما لديه من وسائل وادوات لتحطيم مقاومة الفئات والطبقات الرجعية بمايمنع اي محاولة من جانبها للعودة لمراكز السلطة والنفوذ. لهذا فهو يمثل الديمقراطية الواسعة بالنسبة للجماهير الكادحة، والدكتاتورية الموجهة لقهر مقاومة الفئات والطبقات الرجعية ." (خطوط التشديد ليست في الأصل).(حول البرنامج ص 50) ويذهب عبد الخالق لتبرير ذلك الموقف فيقدم ثلاثة تبريرات، الأول هو "شرعية الدفاع عن الثورة والتقدم في وجه قوى الرجعية والتخلف" (المرجع السابق ص 51) والثاني ان تجربة الشعب وفهم الشيوعيين السودانيين لمسألة الديمقراطية قد خلصا الى انه "ليست هناك ديمقراطية "عامة" او "مطلقة"" (ص 51) اذ ان الديمقراطية دائما طبقية. فقد طرحت من قبل "الديمقراطية البرلمانية" وما كانت في قاعها الا ديكتاتورية للحلف البرجوازي - شبه الاقطاعي. يطرح الان ما يسمى بالديمقراطية "الثورية" وهي ليست الا دكتاتورية شريحة من البرجوازية الصغيرة العسكرية الخ... الديمقراطية في ظل النظام الوطني الديمقراطي تحمل محتواه وتعبر عن مجموع المصالح الطبقية لذلك النظام"(ص 51) ثم ينتقل عبدالخالق لتقديم التبرير الثالث وهو الطبيعة المؤقتة لهذه الازدواجية. ودعونا ننقل كلماته كما هي "... ان هذا الازدواج عملي ولا يتعلق بنظريتنا المكتملة عن الديمقراطية، انه اجراء عملي من اجل تهيئة الظروف اللازمة للديمقراطية ومباشرتها بواسطة الاغلبية الساحقة تمهيدا لمباشرتها بواسطة الجميع" (ص 51) وهذا الطرح يثير عدة تساؤلات: لعل اولها ما هي شرعية الدفاع عن الثورة؟ ومن اين تكتسب الثورة مشروعيتها؟ وفي تقديرنا ان شرعية اي ثورة تاتي من جماهيرتها، اي من اشتراك اغلبية الجماهير فيها، وبمفهوم لينيني ما زلت اراه صحيحا، عندما تشعر الجماهير انها لا تستطيع ولا تريد العيش تحت الأوضاع السائدة. وهذا يختلف عن المفهوم الجيفاري الذي يبدا بحفنة ثورية مسلحة تكون بمثابة الخميرة للثورة المسلحة, او المفهوم الانقلابي الذي يستند على مجموعة صغيرة من المتآمرين داخل وخارج القوات المسلحة، وبالرغم من ان المفهوم الجيفاري قد يقود باعتباره عملية ممتدة عبر الزمن الى انحياز اغلبية الجماهير اليه اذا ما ارتبط بعمل سياسي وسط الجماهير وتقديم المثال في الاراضي المحررة وهو واحد من احتمالات كثيرة؛ وان المفهوم الانقلابي يعتمد عنصر التنظيم التآمري والمفاجاة للاستيلاء على السلطة، الا انه وفي كلتا الحالتين فالمشروعية الثورية لا تعتمد على الاغلبية الجماهيرية وهي بالتالي لا ديمقراطية وتقيم نظاما ديكتاتوريا مهما حسنت النوايا. ولكن حتى بالمفهوم اللينيني فالمشروعية الثورية اذا لم تتحول لحكم الجماهير لنفسها، اي الى ديمقراطية وهي في النموذج السوفيتي البلشفي المناقض للمفهوم الستاليني اخذت شكل سوفيتات العمال والجنود، فهي تتحول لديكتاتورية وتاكل الثورة ابناءها كما حدث في الثورة الفرنسية الكبرى. المشروعية الثورية مؤقتة ومرهونة بانتزاع السلطة فقط، ثم تتحول الى ديمقراطية قائمة على مؤسسات للتمثيل النيابي والحكم المحلي واضحة، مستندة على الحقوق الاساسية وحكم القانون واستقلال القضاء. وتاجيل ذلك لاي وقت يؤدي الى الديكتاتورية. وهذا يقودني مباشرة لمناقشة مفهوم طبقية الديمقراطية وهذا مفهوم معقد ومركب و ذو علاقة وثيقة بنظرية الدولة من جهة وبمفهومي المجرد والمحدد في المنهج الماركسي من جهة اخرى. وساحاول ان اوضح ما ارمي اليه في ما يلي؛: "ينبغي علينا التفرقة بين السيادة الاقتصادية والسيادة السياسية لطبقة اجتماعية او فئة من طبقة اجتماعية او كتلة اجتماعية من عدة طبقات. فالسيادة الاقتصادية تتحدد في مجال الانتاج والتبادل والتوزيع، بينما اعادة انتاج هذه السيادة الاقتصادية في مجتمع طبقي لا تعتمد على إنتاج وإعادة إنتاج السلع والخدمات وحدهما، بل يتطلب إعادة إنتاج نظام للعلاقات الإجتماعية، بما في ذلك علاقات الإنتاج نفسها، اي إعادة لإنتاج التشكيلة الاجتماعية ككل. ففي المجتمعات الطبقية تتصارع الطبقات في داخلها وفيما بينها في سعيها لتحطيم او تتغيير او تبديل او إعادة إنتاج منظومة العلاقات الاجتماعية، سواء كانت اقتصادية او سياسية او قانونية او ثقافية...الخ لتحقيق منافع مادية او غير مادية جديدة او اكثر مما كانت تحقق او لتحافظ او تصلح من المنافع الموجودة. ان السيادة السياسية هي التي تسمح لفئة طبقية او طبقة اجتماعية او مجموعة من الطبقات المتحالفة بالتاثير على وجهة اعادة انتاج المنظومة او التشكيلة الاجتماعية بما في ذلك نظام الانتاج بأسلوب إنتاجه السائد او أساليب إنتاجه الممفصلة ، إما في وجهة التغيير الراديكالي او الإصلاح او المحافظة" (صدقي كبلو، الأقتصاد السياسي للازمة في السودان، رسالة دكتوراه قدمت لجامعة ليدز بانجلترا 1994، ص 22-23) وهذا ما يجعل الفئات الطبقية او الطبقات السائدة اقتصاديا او الطامعة في السيادة الاقتصادية تسعى للسيادة السياسية، اي لكي تصبح طبقة او فئة حاكمة وليس امامها الا سبيلان لفعل ذلك: اقامة دولة سلطوية او اقامة دولة ديمقراطية. والدولة السلطوية او النموذج البونبارتي كما اوضح ميلباند "ليست دينًا للبرجوازية" (ميلباند، بولناتز والدولة الراسمالية، مقالة في النيولفت ريفيو، العدد 82، 1973، ص91)، وانما هي الحل الاخير الذي تتخذه اذا ما تهدد نظامها الاجتماعي الاقتصادي الخطر، اذ ان الدولة السلطوية لا تعيق فقط تطور الراسمالية كنظام قائم على التنافس، العجلة المحركة لتطور قوى الانتاج الراسمالي وفقا لقانون القيمة، وانما توحد ضدها كل قوى المجتمع بما في ذلك مثقفيها المستنيرين. وليس امامها اذن سوى الديمقراطية كي تقيم على اساسها دولتها ولكن الديمقراطية كمفهوم وكنظام سياسي تخلق للبرجوازية والفئات الحاكمة اشكالات كثيرة: فمن ناحية لاعطاء قيادتها وبالتالي دولتها المشروعية لابد لها ان تبدو امام الجماهير، كما لاحظ ماركس عن صواب، وكانها تمثل ليس مجرد مصالحها وانما مصالح كل الجماهير وان تنال اعترافا من الجماهير بذلك او كما قال "انه فقط بدعوى تمثيل المصلحة العامة تستطيع طبقة ما ان تصعد للقيادة" (ماركس، كتابات مختارة في السوسيولوجي والفلسفة الاجتماعية،حرراها بلتمور و روبل، بنغوين ، ميدلسسكسن انجلترا، 1956، ص 179). ولتمديد مثل تلك اللحظة التاريخية تحتاج الطبقة لتاسيس هجمنتها وكما قال لاكلو فان الطبقة تصبح مهجمنة ليس بقدرتها على فرض مفهوم متناسق للعالم و الوجود على بقية المجتمع ولكن من خلال نسجها مفهوما للعالم بحيث تمتص عن طريقه حدة الصراع الطبقي( لاكلو، السياسة والايدولجيا في الفكر الماركسي، نيو لفت بوكس، لندن 1977، ص 161 ). وهذا بالضبط ما عبر عنه انطونيو غرامشي بقوله ان مسالة الهجمنة تفترض ان مصالح وتوجهات الفئات التي ستشكل موضوعا للهجمنة قد اخذت في الاعتبار وان مساومة اجتماعية ما قد تم التوصل اليها (غرامشي، مختارات من دفاتر السجن، ترجمها وحررها هز هوار و جزنز سميث، لورانس اند ويشارت، لندن، 1971، ص 161). وقد كان اوفي اكثر تحديدا عندما قال ان الدولة البرجوازية الحديثة تسعى لتحقيق وتاكيد مصالح كل افراد المجتمع الطبقي الذي يسوده راس المال (اوفي، تناقضات دولة الرفاهية، مكتبة هتشنسن الجامعية، 1984، ص 120). وكان تلخيص نن واضحا بلا التباس فهو يقول "ان الموضوعة الكلاسيكة الماركسية حول ان الديمقراطية النيابية كشكل للحكم هي الاكثر تطابقا مع مصالح البرجوازية، تعتمد على تاكيد البرجوازية لتفوقها الهجمني ولتطويرها تبريرا ميتافيزيقي لدورها القيادي وكفاءتها كطبقة حاكمة." (نن، انقلاب الطبقة الوسطىن مقالة في كتاب روديس (محرر)، الامبرياية والتخلف ، منثلي ريفيو برس، 1970، ص 134) ومن هذا المنطلق نفهم ديمقراطية طبقة البرجوازية ، والتي تبدو كانها ديمقراطيتها وليست ديمقراطيتها في نفس الوقت، وذلك لوجود الطبقات الاخرى التي تسعى من خلال الصراع الطبقي لا لمجرد خلق تنظيماتها وحسب بل تطرح خطابها الايدولجي ايضا مما يعني تهديدها الدائم لهجمنة البرجوازية وامكانية تأسيس هجمنة بديلة من خلال النضال في ظل ديمقراطية البرجوازية وتطويرها لتصبح ديمقراطية لكل الجماهير. وهذا هو الطرح الماركسي لليسار الاوربي حول طريق ديمقراطي للاشتراكية، على الاقل على مستواه النظري. وما يهمنا هنا ما قال عبد الخالق عن ان الديمقراطية البرلمانية كانت ديكتاتورية لحلف البرجوازية وشبه الاقطاع. وفي تقديري ان ذلك ليس صحيحا ويخالف ما توصلت اليه ُالماركسية وقضايا الثورة السودانية’؛ ان جوهر ازمة الحكم في السودان او الازمة السياسية هو أن ذلك الحلف الذي يصل الحكم بالديمقراطية ولأسباب تاريخية محددة لم يستطع تاسيس هجمنته ولم يستطع فرض ديكتاتوريته، رغم سعيه المتكرر لفعل ذلك. وهذا هو سبب عدم الاستقرار السياسي والانقلابات العسكرية في السودان منذ الأستقلال. ولكننا عند النظر لما كتبه عبد الخالق في معتقله عام 1970/1971 لا بد لنا ان ناخذ في الاعتبار الظروف التاريخية التي كتب فيها؛ فقد كتب و ما زالت مايو في توجهها اليساري ومازالت افاق تطور الثورة في السودان مرهونة بالوضع الذي وجد الشيوعيون انفسهم فيه بعد مايو، اي كيف تتطور الثورة من تلك النقطة الى الامام؟ وهنا لابد ايضا من الرجوع للمواقف العملية للشيوعيين فقد اعترضوا على اطلاق يد الامن ( مثلا حادثة اختطاف الصحفي محمد مكي من بيروت) وعلى اطلاق يد جهاز الرقابة العامة وعلى الامر الجمهوري الرابع وعلى الحزب الواحد وطالبوا بقيام جبهة ديمقراطية بدلا عنه. ولكن كان معظم هذا يدخل في نطاق الدفاع عن حق القوى الثورية في التنظيم وليس حق التنظيم اطلاقا. وبالتالي يكون الموقف اسيرا للظروف التاريخية ولنظرية الديمقراطية الجديدة رغم اختلاف الطرح مع قيادة مايو ورغم اهمية ذلك الخلاف. وبالمقابل فان ما ذهب اليه عبد الخالق حول ان طرح الديمقراطية الثورية من قبل النظام كان يستهدف بناء ديكتاتورية البرجوازية الصغيرة لهو صحيح تماما ولقد اثبتت الاحداث ذلك. ثم حدث انقلاب 19 يوليو 1971 الذي اعلن قادته انه جاء لتصحيح مسار مايو، ورغم ان الانقلاب قد اجهض بعد ثلاث ايام فقط مما يجعل من الصعوبة محاكمة موقفه من قضية الديمقراطية الا ان تلك الايام الثلاثة كانت مليئة بالاحداث التي تساعد في القاء بعض الضوء على توجه قادة الانقلاب من مسالة الديمقراطية. لقد كانت اهم الانتقادات التي وجهها قائد 19 يوليو الرائد هاشم العطا لسلطة مايو انحرافها نحو الديكتاتورية الفردية وتعطيلها لدور وسلطات مجلسي الوزراء والثورة وتشويهها لشعار الديمقراطية الجديدة. وقد قال هاشم العطا في بيانه الاول: "ان الديمقراطية كحق سياسي للشعب، حق يتمتع به الشعب ويستعمله في خدمة ثورته الاقتصادية هو شرط لا بديل له لكي يستكمل شعب السودان ثورته ويصون استقلاله. ان هذه حقيقة معروفة لاي شخص لان تاريخ شعبنا ملئ بالنضال من اجل الحقوق السياسية، خاصة خلال ثورة اكتوبر العظيمة... نحن في القوات المسلحة نعد جماهير شعبنا باننا سنعمل على انشاء نظام سياسي ديمقراطي يقوم على المشاركة الفعلية للجماهير بكل الاشكال وبمختلف الوسائل الممكنة في ادارة شئون البلاد- صغيرها وكبيرها- بروح من المسؤولية الوطنية نحو قضايا التنمية والتقدم الاجتماعي" (اعادة ترجمة من ألانجليزية، سجل افريقيا المعاصر 1970/1971 ص 159C) . وواصل الرائد العطاهذا الخطاب الايدولجي عن الديمقراطية في مخاطبته لموكب الخميس 22 يوليو .1971 وقد صاحبت كل ذلك بعض القرارات: أ- اطلاق سراح بعض المعتقلين او بالاحرى اطلاق سراح المعتقلين اليساريين. ب- الغاء قرارات حل التحاد النسائي السوداني واتحاد الشباب السوداني. ج اعلان ان السلطة في كل مستوياتها في اللاد ستؤول للجبهة الوطنية الديمقراطية. د- الاعلان عن ان المشاورات تتم بين الفصائل والمنظمات الجماهيرية لتشكيل الحكومة الجديدة. ه الاعلان عن الالتزام بمبدا استقلال القضاء. وبالرغم من ضرورة النظرة التاريخية لهذه القرارات باعتبارها صادرة عن سلطة انقلابية في نطاق التطور السياسي لانقلاب مايو وفي اتجاه اصلاحه و تخطيه. وبالتالي تكون بالضرورة محبوسة في نطاق استلام السلطة اولا وبناء العلاقة مع الجماهير كعمل لاحق، فاننا نرى ميولا اكثر ديمقراطية في خطابها وقراراتها ولكنها ما زالت تعمل في نطاق نظرية الديمقراطية للشعب والديكتاتورية ضد اعداء الشعب، فلاحظ مثلا ان اطلاق السراح لم يتم لكل المعتقلين (وهذا ما عاد وانتقده الحزب في عام 1977). وان الغاء قرار الحل لم يشمل الاحزاب المحلولة، وفي هذا النطاق لم يشمل حتى الاحزاب اليسارية او حتى الاعلان عن حق تكوين الاحزاب. او الوعد بصدور قانون لتنظيم تكوين الاحزاب، ولعل من الايجابي الحديث عن تشاور لتكوين الحكومة، رغم انه في حكم الغيب الان الحديث عما كان سيسفر عنه التشاور والى اي مدى كان سيتاح للفصائل المختلفة والقطاعات الجماهيرية ان تختار ممثليها في الحكومة الجديدة. وقد كان هذا احد نقاط الخلاف مع سلطة مايو التي لم تعط الحزب الشيوعي حق اختيار ممثليه (في نطاق عدم الاعتراف بالاحزاب السياسية والتعامل مع الشيوعيين كافراد). ولعل المثير للدهشة الاعلان عن ان السلطة في كل المستويات في البلاد ستمارسها الجبهة الوطنية الديمقراطية والتي لم تكن موجودة كتنظيم، مما يعني انه سيتم تكوينها ولا يستطيع احد الان الحديث عن كيف كان سيتم ذلك لان التصور الموجود حينها كان قائماً على اساس بنائها قبل استلام السلطة وليس بعدها، وان المناقشات التي جرت بعد انقلاب مايو كانت مرتكزة في بناء الجبهة على تعدد الفئات والطبقات المشكلة للجبهة وعلى حرية الفصائل الثورية في تكوين والاحتفاظ بتنظيماتها المستقلة. ان ايام 19 يوليو الثلاث لتثير من التساؤلات حول مسالة الديمقراطية اكثر مما تعطي من اجابات ولكن ما جرى من بعدها احدث تحولا عميقا في نظرية الحزب الشيوعي حول الديمقراطية.
| |
|
|
|
|
|
|
5: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية (Re: Sidgi Kaballo)
|
(5) ما بين يوليو 1971 وانتفاضة اغسطس شعبان 1973 لعل اول تطور واضح في موقف الشيوعيين من قضية الديمقراطية بعد ردة 22 يوليو الدموية هو ما ورد في بيان الحزب الجماهيري في يناير 1972 احتفالا بعيد استقلال السودان عن النظام الوطني الديمقراطي الذي يناضل الشيوعيون لاقامته في مكان سلطة الردة الدموية..يقول البيان "نظام وطني ديمقراطي تنبثق سلطته السياسية من حركة جماهير شعبنا الثورية وانتصار مقاومتها، وتعبر تلك السلطة عن التحالف الديمقراطي بين تلك الجماهير باحزابها ومنظماتها السياسية التقدمية، بمنظماتها النقابية، باتحاداتها وتنظيماتها الاجتماعية والثقافية والاقليمية، وكل مؤسساتها وادواتها الديمقراطية التي تتوسل بها للدفاع عن كيانها ومصالحها، وتخلقها من خلال مقاومة حكم الردة اليمينية الدموية وتدخل بها معترك الثورة الاجتماعية. "نظام يختط الديمقراطية مبدأ ومنهجا - الديمقراطية كحقوق سياسية وحقوق اساسية، كحريات ديمقراطية، كنظام للحكم في كل المستويات، كعلاقات انتاج لتحرير اغلبية سكان الوطن، وفي جهاز الدولة، ولسيادة حكم القانون واستقلال القضاء، وكشرط لتوحيد القطر وتنفيذ الحكم الذاتي الاقليمي في الجنوب، وحل مشاكل القوميات والاقليات ."( مقتطف في دورة اللجنة المركزية -يناير 1974 ص ص 9- 10) ومن ثم يمكن الاستنتاج ان معالم جديدة لنظرية الديمقراطية عند الشيوعيين بدات في التبلور بعد هزيمة 22يوليو. فقد بات واضحا ان مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية تتعدد فيها الاحزاب وان الجماهير خلال هذه المرحلة تتمتع بالحقوق السياسية والاساسية...الخ. وما يجعل ملاحظة هذه المعالم الجديدة مهما ان الحزب الشيوعي ظل يطرح حتى انتفاضة اغسطس/ شعبان ان البديل لنظام نميري هو حكم وطني ديمقراطي. بين انتفاضة1973 والمصالحة الوطنية 1977 : تحول عميق لقد كانت انتفاضة اغسطس (شعبان) 1973 نقطة تحول بارزة في تاريخ النضال ضد ديكتانورية مايو، رغم ان قوى اليمين السودانى المتمثلة حينها في الجبهة الوطنية قد دخلت الى تلك الانتفاضة بهدف تبديل نميري وطاقمه بطاقم الجبهة الوطنية مع الاحتفاظ بجوهر نظام نميري الديكتاتوري: الجمهورية الرئاسية والحزب الواحد ومصادرة الحقوق الاساسية للجماهير. وفي المقابل كان الحزب الشيوعي قد طرح شعار "لتتحد قوى المعارضة الشعبية" لاستعادة الحقوق الاساسية والحريات الديمقراطية واطلاق سراح المعتقلين واعادة المشردين والمفصولين من العمل. كانت الفترة بين انتفاضة شعبان والمصالحة الوطنية فترة غنية بالنضال والتجارب الثورية و لا يمكن النظر للتطور الواضح في صياغة نظرية الديمقراطية في الحزب الشيوعي دون ربط ذلك بالتحولات العميقة التي حدثت في بناء الحزب وصياغة تكتيكاته والمعارك التي خاضها لتنظيم الحركة الجماهيرية والدروس التي استخلصها من المعارك التي خاضتها الجماهير بعفوية وبمبادرة منها دون ان يكون للحزب الشيوعي او لاحزاب الجبهة الوطنية دور في تنظيمها. ان جوهر ذلك التحول العميق كان امتلاك قيادة الحزب الشيوعي لتحليل صحيح لواقع المتغيرات في السودان ولامكانيات الحركة الجماهيرية عموما وحركة جماهير المناطق الاقل نموا على وجه الخصوص والذي صاحبه في ذات الوقت تقييم واقعي لضعف الحزب الشيوعي وبدائية عمله وادواته. ولم يكن من الصدفة ان تناقش اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في ربط جدلي مدهش بين قضايا ومشاكل العمل القيادي ودور فرع الحزب، باعتبار ان قضايا ومشاكل العمل القيادي تحل اول ما تحل على مستوى الفرع الممثل الحقيقي للحزب او قل هو الحزب في مجاله وبين قضايا سياسية واقتصادية على نطاق الوطن كله وعلى المستوى الأقليمي. ولقد خلصت تلك المناقشات الى نتيجة هامة جدا وهي نهوض حركات جماهيرية مستقلة على مستوى الوطن كله. وكان ضروريا ان تؤدي هذه النتيجة الى استنتاجين اولهما تنظيمي حول اهمية وجود فروع للحزب الشيوعي على نطاق الوطن وارتباطها بهذه الحركات الجماهيرية الناهضة والتصدي لقيادتها واكتشاف الاشكال التنظيمية المناسبة لتنظيمها دون حبسها وفرع الحزب في اطار الاشكال الموروثة من المدن او القطاع الحديث. وكان ثاني هذه الاستنتاجات هو "ان تدرك القوى الثورية في المدن انه مهما علا شأنها، ووجدت من الدعم النشط من المزارعين في القطاع الحديث، لن تكتمل مسيرتها نحو النصر في الثورة الاجتماعية الديمقراطية الا بمشاركة نشطة وثورية من جماهير القطاع التقليدي - حيث اغلبية سكان السودان، اي لا يكفي التاييد والتعاطف كما كان الحال في ثورة اكتوبر. ان السلطة الوطنية الديمقراطية مهما توفرت لها مقومات الذكاء ووضوح الرؤية والقدرات القيادية الفذة، لاتستطيع انجاز الاصلاح الزراعي والتحرر الاجتماعي - والتحرر الاداري من نير الادارة الاهلية - بدون النشاط الثوري المستقل لجماهير القطاع التقليدي، ومشاركتها بالفعل والرأي وبالتصور... فمحنة محاولات تطبيق الاصلاح الاجتماعي والزراعي والاداري من اعلى ماثلة امامنا في تجارب انظمة البرجوازية الصغيرة العسكرية في المنطقة العربية والافريقية و في السودان" (دورة اللجنة المركزية يوبيو 1975 ص 36)(التشديد ليس في الاصل) ان هذا الفهم العميق الرافض لاطروحة التغيير من فوق ولنظرية السلطة اولا ثم تلحق الجماهير بالطلائع والتي في الاصل هي التبرير للتوجهات الانقلابية لدى مختلف الفصائل اليسارية من البرجوازية الصغيرة كان لابد ان يمهد لنقلة نوعية فى نظرية الشيوعيين حول الديمقراطية وبالتالي لقفل اي فجوة لتسرب الفكر الانقلابي لداخل الحزب الشيوعي. وتجلى ذلك التحول في موقف الشيوعيين من قضية الديمقراطية والانقلابات العسكرية قبيل المصالحة الوطنية في عام 1977 عندما عقدت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي دورة خاصة لمناقشة قضايا ومهام السياسة الخارجية. فرغم ان الدورة كانت مخصصة لمناقشة الوضع الدولي فان ما طرحته من مفاهيم حول قضية الديمقراطية والتحالفات والاتقلابات العسكرية والتحولات الاجتماعية يمثل ثورة وثروة نظرية لايمكن تجاوزها والاستهانة بها عند التعامل مع تراث الحزب الشيوعي النظري والفكري. ان تلك الدورة قد حاولت وفي ظروف عصيبة من تاريخ السودان والحزب الشيوعي استخلاص تعميم نظري حول القضايا المشار اليها من تجربة السودان والمنطقة العربية والافريقية وبعض بلدان العالم، انها قدمت اسس نظرية للثورة الوطنية الديمقراطية مختلفة ومتطورة عن الطرح الذي كان يوجد في الادب الثوري العالمي والاقليمي سواء من وجهة نظر سوفيتية او صينية او كوبية او عربية او افريقية . وما يهمنا هنا ان تلك الدورة كانت خير تمهيد لما بعدها من طرح فيُ ُجبهة للديمقراطية وانقاذ الوطن’. فما هي اهم نتائج تلك الدورة؟ اولا: الدورة تمثل قطيعة كاملة مع التغيير من اعلى، وبدون ان يكون ذلك التغيير نابعا من حركة منظمة لجماهير تتمتع بحقوقها الاساسية وتمارس كل حقوقها الديمقراطية، تقول الوثيقة الصادرة عن الدورة: "ان التجربة في العديد من البلدان تثبت ان الاصلاح الزراعي وتاميم المصارف والمصالح الاجنبية وبناء قطاع عام والاجراءات المماثلة تبقى مجرد تدابير فوقية بدون الديمقراطية - اي بدون ان تشارك الجماهير في الصراع من اجلها وانتزاعها وتثبيتها في صميم التركيب الجديد للمجتمع - ومن ثم يصبح سهلا سحبها من الجماهير بعد اي انقلاب مضاد، ولا تكون اساسا متينا لتمسك الجماهير بالثورة ودفاعها عنها وعن حياتها الجديدة""(أعمال اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، دورة يوليو 1977، الجزء الاول ص 66). وقد كان ذلك استخلاصا لدروس عدة ولعل اكثرها اهمية بالنسبة لنا في السودان وحركة اتحرر الوطني الافريقية والعربية هي تجربة الناصرية التي تمثلت اهم جوانب ضعفها في مصادرة الديمقراطية وفرض "دكتاتورية بعض شرائح البرجوازية الوطنية باسم تحالف قوى الشعب العامل" (ص 34) والذي ادى الى ان يتحول "ما حققه حكم عبد الناصر على صعيد الحرية الوطنية والاستقلال الاقتصادي والتطور الصناعي والاصلاح الزراعي - وهو انجاز ليس بالهين - يتحول امام اعيننا، او هو بسبيل التحول، الى "مجرد اصلاحات للجماهير"، بينما يلعب قطاع الدولة وغيره من الانجازات التقدمية "دورا مساعدا" في عملية "تحويل فترة الانتقال في اتجاه خلق مجتمع راسمالي""( صص 48-49). ثانيا:اوضحت الدورة دون اي لبس موقف الشيوعيين من قضية التحالف الوطني الديمقراطي وارتباط ذلك بقضية الديمقراطية نفسها. تقول الوثيقة "اولا ان التحالف داخل كل بلد وعلى النطاق العربي العام ينبغي ان يقوم على اساس برنامج محدد وملزم لكل اطرافه. "ثانيا ان التحالف يتعزز و يتطور عندما يقوم على الاستقلال الكامل لاطرافه والتشاور الديمقراطي بينها وتساويها في الحقوق والاعباء. "ثالثا ان التحالف ينبغي ان يقوم على التمسك الحازم بالحقوق والحريات الديمقراطية الاساسية للجماهير ورفض تبرير مصادرتها باسم الدفاع عن الثورة. "رابعا ان التحالف ينبغي الا ينحصر في الطلائع او يقتصر عليها مهما كان وزنها الجماهيري وقوتها العددية، بل يقوم على اساس طبقي وجماهيري، ركيزته المكينة تحالف العمال والمزارعين مجتذبا اليه صفوفه جماهير الجنود." (ص ص 45-46). وذهبت اللجنة المركزية الى اقتراح ان يكون ضمن برنامج وحدة القوى الوطنية والتقدمية " النضال من اجل الحقوق والحريات الديمقراطية - حرية التنظيم والعمل الحزبي والنقابي، وحرية التعبير بالكتابة والخطابة وغيرهما وحق الاضراب - والتضامن الفعال لمقاومة اضطهاد القوى الوطنية والتقدمية في اي قطرعربي"( ص 52). ووضع نفس الاقتراح امام حركة الطبقة العاملة الافريقية لكي "تناضل من اجل الحقوق والحريات الديمقراطية الاساسية وضد اضطهاد وقمع الوطنيين والديمقراطيين في بلدها واي بلد افريقي آخر" (ص 6. واقترح على قادة الثورة الاثيوبية حينها: "بناء تحالف القوى الوطنية الديمقراطية حسبما تعبر تلك القوى عن نفسها في تنظيمات سياسية او نقابية او اجتماعية او قومية على اساس احترام استقلال تلك التنظيمات وتكافؤها والتشاور في ما بينها؛ وقيام سلطة ذلك التحالف من القمة الى القاعدة. "توفير الديمقراطية لكل القوى الثورية الاثيوبية، والتي تشمل في راينا الحزب الثوري لشعوب اثيوبيا، ووقف اقتتالها وانهاكها لبعضها وتشاورها من اجل التعاون والتلاحم ضد العدو المشترك. "الاعتراف بحق شعب ارتيريا - والقوميات الاخرى - في تقرير مصيرها بحرية، ووقف القتال ضد الثورة الارتيرية وعقد مؤتمر تحضره كل منظماتها مع السلطة الاثيوبية دون شروط مسبقة"(صص 66-67) ثالثا: اكدت الدورة من جديد رفض الشيوعيين للتكتيكات الانقلابية باعتبارها "تمثل بين القوى الوطنية الديمقراطية - مصالح البرجوازية الصغيرة لا مصالح الطبقة العاملة" وانه ليس امام الشيوعيين بديل للنشاط الجماهيري (ص 25) وانه في حالة حدوث اي انقلاب تقوده فصيلة ثورية فلا بد من نشر الديمقراطية لكي يتطور ذلك الانقلاب لعملية ثورية باعتبار ذلك شرطا اولا ورئيسيا (ص 27) رابعا: طرحت من جديد على اسس ديمقراطية مسالة قيادة الثورة الوطنية الديمقراطية بانها عملية تتم بالنشاط وسط الجماهير وباقناع الجماهير، واوضحت ان البرجوازية الوطنية والصغيرة عندما تستولى على السلطة "تبقي على جهاز الدولة القديم وتسخره لاقامة دكتاتوريتها على الاغلبية الساحقة من الشعب، وتفرض وصايتها بالقوانين المصادرة للديمقراطية والتنظيمات السياسية الفوقية على الحركة الشعبية وتجمد خطواتها وتعوق نهوضها"(ص 17) المصالحة الوطنية وجبهة للديمقراطية وانقاذ الوطن ولم يمض شهر واحد على اجتماع اللجنة المركزية في يوليو 1977 حتى عقدت اللجنة المركزية اجتماعا استثنائيا لمناقشة المصالحة بين نظام نميري والجبهة الوطنية وبعد مناقشة وتقييم الوضع الذي قاد للمصالحة، صدر بلاغ اللجنة المركزية ووثيقتها الشهيرة " الديمقراطية مفتاح الحل للازمة السياسية: جبهة للديمقراطية وانقاذ الوطن". ولقد بني انتقاد الشيوعيين للمصالحة على موقف المصالحة من الديمقراطية والقوانين والمؤسسات الدستورية التي تصادرها والتي لم يتعرض اتفاق المصالحة لالغائها و تصفيتها، موضحة ان اي مصالحة جادة وحقيقية لابد ان تبدا من الاعتراف بالحقوق الاساسية والديمقراطية الكاملة للجماهير واوضحت الوثيقة: "لن يكتب للسودان الاستقرار والتطور والازدهار الا بتطوير واستكمال الحقوق والحريات التي تحققت مع الاستقلال، وتبوء بالفشل كل محاولة للارتداد على تلك الحقوق والحريات والمكتسبات تحت شعار دستور اسلامي او دستور اشتراكي" (الديمقراطية مفتاح الحل: ص 22) ونادى الشيوعيون بقيام جبهة واسعة للديمقراطية وانقاذ الوطن تضع قضية الديمقراطية كمحور لبرنامجها، معلنة الموقف الاساسي للشيوعيين منها: "الحزب الشيوعي لا يطرح مبدا الديمقراطية لمكاسب تكتيكية مؤقتة. فهو في نضاله من اجل بناء وطني ديمقراطي يفتح الطريق للانتقال الى الاشتراكية، ينطلق اولا من تجربة الحياة السياسية في السودان بتقاليدها ومنجزاتها وعثراتها، وتطابق تلك التجربة مع المنطلق النظري والفلسفي الذي يهتدي به الحزب الشيوعي وهو ان النضال من اجل الاشتراكية مستحيل من غير النضال من اجل الديمقراطية"(الديمقراطية مفتاح الحل ص 25) "من هذا المنعطف الجديد، وعلى طريق بناء الجبهة الوطنية الديمقراطية من خلال العمل اليومي وعلى المدى البعيد والصبور، يدعو الحزب الشيوعي السوداني لمواصلة نشاط حركة المعارضة الشعبية لتتبلور في هذه الفترة ووفق متطلباتها في جبهة واسعة للديمقراطية وانقاذ الوطن، توحد الاحزاب والمنظمات والتيارات السياسية والاتجاهات الفكرية والشخصيات الوطنية في مواصلة النضال من اجل الديمقراطية والسيادة الوطنية والتقدم الاجتماعي والمصممة على متابعة النضال الجماهيري اليومي وتحمل مشاقه - بعيدا عن المؤامرات الانقلابية... لاستعادة الحقوق والحريات الديمقراطية، وحشد القوى بمسئولية وطول نفس لمعركة الانتفاضة الشعبية للاطاحة بالديكتاتورية العسكرية. واستعادة ارادة الشعب مقننة في دستور ديمقراطي علماني، يؤمن حرية التنظيم الحزبي والنقابي، وحق الاضراب، وحرية التعبير والعقيدة والضمير، وحرية النشر والصحافة، ويصون حقوق المواطن الاساسية من اي تغول من جانب الدولة" وهكذا شكلت وثيقة "جبهة للديمقراطية وانقاذ الوطن" امتدادا لتطور نظرية الشيوعيين للديمقراطية واصبح الخطاب الايدولجي والجماهيري حولها اكثر وضوحا، فمثلا جاء في بيان صادر من اللجنة المركزية "حول الوضع العربي الراهن": "تحتل قضية الديمقراطية مركزا اماميا في مهام حركتنا في الظروف الراهنة. فهي ليست فقط هدفا جوهريا لنضال الشعوب العربية، وانما تشكل مصادرتها السلاح الرئيسي الذي يستخدمه الحلف الامبريالي الرجعي لقمع اي مقاومة لمخططاته وتسوياته. "من هنا لابد من بناء حركة نشطة على امتداد الساحة العربية ترفض وتقاوم مصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية في اي بلد عربي وتتضامن مع اية قوى وطنية وتقدمية تتعرض لاي اضطهاد، بحيث تصبح هذه الحركة عنصرا اساسيا لوحدة كل القوى الوطنية التقدمية ورافعة اساسية لنضالها وجزءا لا يتجزء من برنامجها" ( اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، بيان حول الوضع العربي الراهن مارس 1978 ص ص 10-11) ومضى البيان الى الدعوة الى تنظيم حملات واسعة من اجل وقف سياسة الاعتقال واطلاق سراح المعتقلين في البلاد العربية. ولعل الجديد في البيان والذي يعتبر ترجمة حقيقية لنظرية الديمقراطية التي طرحت في دورة يوليو 1977 هو تناول البيان لقضية الديمقراطية في الانظمة الوطنية العربية حيث قال البيان "ومن راينا ان احترام الحقوق والحريات الديمقراطية يجب ان يكون ايضا النهج السائد في النظم الوطنية. فذلك ليس ضروريا فقط لاطلاق طاقات الجماهير الجبارة في التنمية وتطوير الانجازات التقدمية وحمايتها وحماية النظام الوطني، ومن ثم لجعل اشتراك تلك الجماهير في تحالف القوى الوطنية والتقدمية على امتداد الساحة اشتراكا بالاصالة لا ينوب عنها فيه حزب او تنظيم بالوكالة، وانما هو ضروري ايضا لالهام وتطوير الحركة الجماهيرية في البلدان العربية الاخرى والتي يؤثر فيها سلبا انعدام الديمقراطية في النظم الوطنية. ونحن نقصد الديمقراطية كنظام للحكم واصلاحات اجتماعبة جذرية وحقوق وحريات اساسية، وقبل كل شئ حرية تنظيم الاحزاب والنشاط السياسي والنقابي وحق الاضراب والتعبير والاصدار المتعدد للصحف"(المرجع السابق، ص 11، خطوط التركيز مني) ونلاحظ خلو هذه الصياغة من اي لبس حول ما هية الديمقراطية المقصودة وبالتالي القطيعة الكاملة مع نظرية الديمقراطية الجديدة برتوشها البرجوازية الصغيرة ووصايتها على الجماهير وتقييدها للحقوق الاساسية. انتفاضة مارس ابريل وقضية الديمقراطية وبادر الشيوعيون بطرح موقفهم من الديمقراطية معلنيين بلسان سكرتير اللجنة المركزية الأستاذ التجاني الطيب بعد ثلاث اسابيع فقط من انتصارالانتفاضة ان الشيوعيين مع الديمقراطية التعددية وحقوق الانسان وان ذلك سيكون طريق الشيوعيين للاشتراكية في السودان. ثم توالت الندوات والاحاديث الصحفية والاذاعية لقيادة الحزب وكانت في مجملها ناقدة للفكر الانقلابي وداعية لارساء ودعم اسس الديمقراطية في السودان. وعلى مستوى النشاط العملي والجماهيري، فقد اخذ الشيوعيون المبادرة في الممارسة الديمقراطية، في اعادة تنظيم الجماهير وتصفية الانتهازيين في الحركة الجماهيرية وعقد الندوات العامة والمقفولة واصدار صحيفة الميدان والكتابة في الصحف المستقلة والحديث للراديو والتلفزيون والاشتراك في الانتخابات العامة. ومن خلال تلاحم نظرية الديمقراطية عند الشيوعيين مع النشاط العملي والجماهيري وضح ان تاكتيك الشيوعيين يقوم على وحدة قوى الانتفاضة داخل وخارج البرلمان، وسط كل الجماهير بما في ذلك جماهير الاحزاب التقليدية، وان تلك الوحدة تتم حول برنامج للانتفاضة يهدف الى "تنفيذ ما لم ينفذ من ميثاق الانتفاضة، التقيد بميثاق الدفاع عن الديمقراطية، التقيد بميثاق المؤتمر الاقتصادي القومي، التحضير للمؤتمر الدستوري"( اللجنة المركزية دورة مايو ، 1986 ، ص 23)، كما وضع امام التجمع النقابي بشقيه مضاعفة الجهد لالغاء قوانين مايو النقابية وصدور قوانين ديمقراطية جديدة. وظل خطاب الحزب الجماهيري بعد الانتخابات يحاول ان يبث في جماهير قوى الانتفاضة الثقة بنفسها وبقدراتها بتنفيذ برنامجها من خلال النشاط داخل وخارج البرلمان. وخاضت قوى الانتفاضة معارك متعددة وصلت اعلى درجة لها في اتفاضة ديسمبر 1988 وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية في مارس 1989. ان انقلاب يونيو 1989 الذي نظمته الجبهة الاسلامية يقف دليلا واضحا حول صحة وجهة نظر الشيوعيين ان الديمقراطية هي المناخ الملائم لتطور الحركة الجماهيرية وان القوى المعادية لتطور الثورةالسودانية لاتحتمل تمتع الجماهير بالحقوق الاساسية والحريات العامة. ولكنه يوضح الوجه الاخر من العملية الديمقراطية وهو ان الجماهير لن تخرج طواعية للدفاع عن نظام لم يحقق لها مكاسب واضحة في حياتها اليومية، ولكنها سرعان ما تدرك ان اي انقلاب عسكري ليس مجرد اسقاط لنظام سياسي لا توافق عليه، انما اقامة لديكتاتورية تجردها من حقوقها السياسية ولا تصلح من احوالها الاقتصادية والمعيشية.
| |
|
|
|
|
|
|
6: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية (Re: Sidgi Kaballo)
|
(6) نحو صياغة متكاملة لنظرية الديمقراطية لعل اكثر صياغة متكاملة لنظرية الديمقراطية عند الشيوعيين السودانيين قد تم التعبير عنها من خلال مقابلة مجلة النهج مع الاستاذ محمد ابراهيم نقد السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني والتي اعيد نشرها في كتاب الاستاذ نقد ُقضايا الديمقراطية في السودان المتغيرات والتحديات’ ونحن اذ نقدم تلخيصا له لاغراض هذا البحث فذلك لايغني القارئ المهتم بالاطلاع على راي الاستاذ نقد كاملا من الرجوع للكتاب. لعل اهم نقطة في ذلك الحديث هو الموقف النظري من الديمقراطية الليبرالية، اذ اوضح نقد "ان الهجوم على الديمقراطية السياسية والدستور والتعددية الى اخر ما افرزته الثورات الجوازية، هذا الهجوم لم يكن دقيقا" (ص 13) فرغم المحدودية التاريخية للديمقراطية الليبرالية فان "اي تغيير اجتماعي نقدمه يجب اولا ان يحافظ ويدعم ويحمي ما اكتسبته الجماهير من حريات وحقوق اساسية وان يستكمل ذلك بالتغييرات الاجتماعية، الديمقراطية الاقتصادية، الديمقراطية الاجتماعية" (ص 14) وفرق نقد بوضوح بين انتقاد الماركسية من موقع الطبقة العاملة للمحدودية التاريخية للديمقراطية الليبرالية باعتبار عدم قدرتها عل حل القضية الاجتماعية ومنطلق لبرجوازية الصغيرة التي "تنتقص من الديمقراطية الليبرالية وتتحدث عن التغيير الاجتماعي، لكن في اطار مصادرة اساس الديمقراطية الذي انتزعته الجماهير بنضال مرير جدا، وبدلا من استكماله، تسعى لفرض دكتاتورية شريحة من البرجوازية الصغيرة تحت شعار انها تحقق العدالة الاجتماعية في مواجهة اليبرالية التي "عجزت" عن تحقيق العدالة الاجتماعية"(ص 14). ان هذا الموقف النظري الواضح يطور موقف ُالماركسية وقضايا الثورة السودانية’ المشار اليه في مكان اخر من هذه الورقة ويحل التناقض في ذلك الموقف بشكل ايجابي هو تطوير الديمقراطية الليبرالية واستكمالها بالثورة الاجتماعية.وقد اعتمد ذلك الموقف النظري الواضح على تجربة الشعب السوداني منذ الاستقلال ونضاله من اجل الديمقراطية والحقوق الاساسية واعلن بوضوح "اننا نقبل التحدي بالحفاظ على الديمقراطية الليبرالية والدفاع عنها. فقد ناضل شعبنا 16 عاما لاستعادة هذه الحريات، واي حديث عرضي عن ان هذه الحريات وهذه الديمقراطية لاتعني شيئا ولابد من المضي قدما لديمقراطية اخرى، فيه كثير من التقدير الخاطئ لتطور الثورة، وفيه استخفاف بما انجزه الشعب السوداني وضحى من اجله، وفيه نزعة لدكتاتورية شريحة اخرى من البرجوازية الصغيرة تسرق رصيد الانتفاضة وتسرق رصيد الجماهير من اجل التغيير وتفرض قيام انقلاب.."(ص 20) ولكن هذا لاينفي احد اهم استنتاجات المؤتمر الرابع ووثيقة ُالماركسية وقضايا الثورة السودانية، وهو "ان القوى اليمينية تحاول افراغ النظام البرلماني من اهم مقوماته - التعددية، حرية الراي، توزيع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. انها تضيق بالقضاء المستقل وتتغول على السلطة التشريعية تضيق بالحريات وتصدر القانون بعد الاخر للحد من هذه الحريات. هذا الوضع ادى الى ازمة."(ص 17) ولكن كيف تحل ازمة الديمقراطية؟ ويجيب الاستاذ نقد بان ذلك يتم باصلاح النظام الديمقراطي من خلال اربعة اجراءات تتعلق بوجود دستور ديمقراطي، لاتقيد القوانين الحقوق والحريات التي يكفلها، بحل مشكلة القوميات والحكم الذاتي والمحلي وعلاقتها بالدولة المركزية، وبتصفية الادارة الاهلية ونشر الديمقراطية في الادارة المحلية، وبقانون انتخابات: "يوزع الدوائر الجغرافية بحيث تنال مناطق الوعي عددا اكبر من الدوائر مع المحافظة على مبدا الديمقراطية الليبرالية في ان لكل مواطن صوتا واحدا. لكن ظروف السودان وتجاربه تقتضي تخصيص دوائر للقوى الحديثة: مثقفون، عمال..الخ.هذه القوى تحملت اعباء التغيير السياسي في معارك الاستقلال الوطني وفي ثورة اكتوبر 1964 وفي الانتفاضة، ووجودها في البرلمان يعطي البرلمان فعالية اكبر، الى جانب الدفاع عن مصالح هذه القوى من داخل البرلمان" (ص21) واقتراح الاستاذ نقد حول قانون الانتخابات يثير بعض الاشكالات على مستوى الدوائر الجغرافية فهو يريد دوائر اكثر لمناطق الوعي (مناطق الانتاج الحديث والمدن)، وعلى مستوى آخر فهو يريد تمثيل القوى الحديثة". وعلى المستويين فهو دعوة غير مباشرة لاستمرار هيمنة مناطق اواسط وشمال السودان على السلطة السياسية. ولقد ظل الشيوعيون ينظرون باعجاب لتجربة البرلمان الاول ( او ما عرف بقانون سوكومارسون اثناء فترة الحكم الذاتي) والذي اعطى وزنا اكبر لمناطق الوعي ووضع دوائر للخريجين. لقد كان ذلك ممكنا في وضع السودان في بداية الخمسينات، عندما كانت المناطق الاقل نموا تقبل نسبيا بقيادة اواسط السودان وشماله وعندما كانت الشعارات الوطنية تطغى على تطلعات هذه الاقاليم لاخذ نصيبها في السلطة والثروة (رغم ان ذلك قد ادى الى الحرب الاهلية الاولى في الجنوب)، ولا اعتقد ان ذلك ممكن الآن دون ان يؤدي الى شعور عارم بالظلم في هذه المناطق. وليس امام الحزب الشيوعي والقوى الحديثة سوى التوجه لجماهير هذه المناطق وتنظيمها ونشر الوعي بينها وطرح مسالة النمو غير المتوازي في البلاد كقضية اساسية وجوهرية في برنامج القوى الديمقراطية، ولا ارى ان الحلول القديمة تنفع الان. اما عن تمثيل القوى الحديثة (واضيف المراة) فلا سبيل الا بتمثيل على مستوى الوطن كله باعتبار انه تمثيل فئوي ومهني على نهج قانون جعفر بخيت الانتخابي، فقط في ظروف سيادة الديمقراطية والتعددية. وحجتي في ذلك لاتعتمد على مقولة القوى الحديثة ودورها الذي لا ينكر في التغيير السياسي وتحمل اعباء النضال لاني اعتقد ان منطق تلك المقولة يقود لفرض ديكتاتورية هذه القوى. حجتي مبنية على تمثيل الفئات والشرائح الطبقية المختلفة في البرلمان، اي ان المواطن السوداني يذهب الى صناديق الاقتراع كمواطن وكاحد افراد شرائح وفئات الطبقات الاجتماعية. اما نساء السودان فيذهبن الى جانب صفتيهن السابقتين كنوع نسبة للظروف التاريخية لاضطهاد المراة. ويحدث التغيير، وفقا لاطروحة الحزب الشيوعي التي يعبر عنها السكرتير العام في مقابلته الصحفية، عن طريق الانتفاضة الشعبية. وهذا تاكيد آخر لطريق النضال الديمقراطي الذي اختطته وثائق الحزب في مقابل رفضها لطريقي الانقلاب والحرب الاهلية. ان طريق الانتفاضة الشعبية يصلح وفقا لنقد لاسقاط الديكتاتوريات العسكرية وخلال النظام الديمقراطي لاصلاحه، لوقف الاعتداء على الديمقراطية ولاحداث التغيير الاجتماعي (ص 2. خاتمة هذه االفصل استعرض بعض نضال الشيوعيين ومواقفهم في مقارنة ومقابلة لصياغاتهم النظرية لمسألة الديمقراطية، موضحا كيف تركت ظروف نشأة وتطور الحزب الشيوعي بصماتها على تطوره كحزب مناضل من اجل الديمقراطية وكيف ان تبنيه لنظرية الديمقراطية الجديدة قد خلق تناقضا بين النضال و النشاط العملي والنظرية. وان ذلك اصبح واضحا بعد انقلاب مايو مما دعا الحزب لاعمال الفكر في استخلاص نظرية منسجمة مع ما يناضل من اجله مستلهما تجربة السودان والمنطقة الافريقية والعربية وتجارب العالم. وحاول الفصل، رغم عدم توفر كل المواد التوثيقية، ان يرصد كيف تطور هذا الجهد حتى وصل الى صياغة واضحة عام 1977 والجهد الذي بذل بعد ذلك لتحويل هذه الصياغة النظرية لمادة برنامجية ودعائية تعبوية وسط الجماهير. ولعل خير خاتمة لهذه الفصل هو ما قاله نقد لمجلة النهج "نحن ساهمنا طبعا في الستينات في قضية "الديمقراطية الجديدة" والدفاع عن تجربة عبد الناصر بوجه الهجوم الرجعي الامبريالي باعتباره نظاما وطنيا طرح شعارات تقدمية وحقق بعض الاصلاحات. لكن لم ننتقد بالقدر الكافي السلبيات التي ادت الى تصفية التجربة نفسها. لذلك كان من السهل ان ياتي في بلد مثل السودان وفيه ثورة سابقة من اجل الحرية السياسية، من يطرح هذه الشعارات فتجد استجابة من الجماهير، ولا يرى الرجل العادي فرقا كبيرا بين ما كان يطرحه الحزب الشيوعي وبين ما يطرحه النميري. هذا خلل في معالجة الامور الايدولوجية كلفنا كثيرا، كلفنا انقساما داخل الحزب وكلفنا خسائر في الصراع العسكري مع السلطة، يجب ان ننتبه له في مستقبل حياتنا السياسية"
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية (Re: Sidgi Kaballo)
|
الأستاذ صدقي عبرت وأبنت وأفصحت فلا أسكت الله لك حسا ومتعك بالصحة وطول العمر كما ذكرت هذا الإيضاح ليس لأدعاء وتثبيت سبق بل من أجل تعميق النقاش أتمنى أن يلقى حظه من التحاور في البورد من كل المهمومين بقضية الديمقراطية ومستقبل الحزب لك عميق الأحترام
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية (Re: Sidgi Kaballo)
|
أستاذ صدقى ويبقى ما ينفع الناس بعيدا عن تلفان الاعصاب والتجريح فى موضوع من الخطورة والاهمية بمكان حتى نفسح له أنفاسا هادئة وصدورا متسامحة ومساهمات ثرة وتواضع جاذب واضافات تضئ العتمه وتشحذ ههم المشاركة , فكلنا من طلاب المعرفة والبحث عن الحقيقة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية (Re: Sidgi Kaballo)
|
اولا الشكر الجزيل للاستاذ صدقي كبلو علي هذا الجهد النظري الفذ و هذا الطرح الصبور . لقد و جدت موجدة وضني في متابعة المساهمة المميزة و ذلك يعود لغذارة دفقها و غناها. اولا ما اود ان اطرحه الان هو فقط بصدد قراءتي للثلاث مساهمات الاولي . و سيكون تعليقي الان حول التذبذب او التناقض في موقف الشيوعيين تجاه مسالة ديقراطية الحكم. اولا عندما نقول كلمة حزب هل نعني مفهوم سارتر للحزب ام هنالك مفهوم اخر للحزب و يري سارتر ان الحزب هو منظمة تسعي للسلطة او للحفاظ علي السلطة . اذا عتمدنا هذا المفهوم للحزب و حاولنا فهم التبادل السلمي للسلطة في اوروبا الغربية و دول العالم الثالث ذات الديمقراطية الراسخة مثل الهند ربما نجد ان هذا المفهوم صحيح بصورة ما .تصل الاحزاب للسطة فعلا و تفشل في الاستمرار فيها الي الابد لماذا لان الحزب في الانظمة البرجوازية يعبر عن مصالح فئات معينة و لكن ليصل حزب ما الي سلطة من مواقع المعارضة فانه يقوم بنشر الوعود لتغذية احلام جماهير الناخبين بمغازلة رغباتهم في تعديل اوضاعهم الي الافضل وتتم استطلاعات الراي و تتوكل المجموعة الجديدة و تقوم بادارة دفة الحكم.و لكن لماذا هذا الاتزان و الاستقرار في صيغة الحكم؟ ربما يعود هذا الاتزان للاستقرار في التشريعات التي تودي الي خدمة المصالح الراسمالية بفعالية و الاستقرار في عوائد الضرائب و هذا يمكن الدولة من تلبية الحد الادني من الاحتياجات لغالبية المواطنين خصوصا و ان النشاط الراسمالي اصبح يتحرك في خارج الحدود القومية بصورة سلمية و عير سلمية و هذا النوع من النشاط الواسع يستطيع ان يزيل الخناقات الناجمة عن مشاكل مثل البطالة و غيره. اذا كان هذا هو الحال في الانظمة الديمقراطية الراسخة فكيف بنا بحزب سوداني مثل الحزب الشيوعي السوداني يسعي لتحقيق مصالح فئات من برجوازية صغيرة (يمثلون غالبية عضوية الحزب ) و عمال في القطاعات الصناعية(ذات البنية الضعيفة) و قطاع زراعي مروي محدود مقارنة بالعمال في القطاع المطري الذي يقال انه الي ساكت (كاتب المساهمة من القضارف و لي معرفة بما يدور في اتحاد المزارعين ). ينضاف الي هذه القوي ما درجنا علي تسميتهم بالراسمالية الوطنية(عير المرتبطة بالدوائر الاجنبية و هو ضرب من المستحيل) و هو لفيف غير متجانس من القوي . لفهم التناقض في افادات الحزب حول ديمقراطية السلطة يجب ان يتوفر الحزب علي نوع من الاحصائيات المفصلة للقوي الاجتماعية في السودان كم عدد العمال في القطاع الصناعي بالضبط و تصنيف نوعية النشاط الصناعي نفسه و كم عدد العمال الزراعيين في القطاعين المطري و المروي و عدد العمال ايضا في القطاع الرعوي و عدد الموظفين في القطاعين العام و الخاص و حصر للقوي التي نسميها راسمالية و طنية متحالفة مع الكادحين او ضدهم و تصنيفها الي برجوازية مدن او ريف او برجوازية صناعية . هذه الاحصائيات ستساعد علي فهم اتجاهات التفكير في الحزب اولا قبل ان تكون معينا في صياغة برنامج سياسي قريب فعلا من مطالب الجماهير . ولكم الف شكر طه
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية (Re: TahaElham)
|
شكرآ دكتور صدقي تمكنت من قرأة 1 و 2 وموافق على طرحك فيهما خاصة التمييز بين كسبنا في الأنتخابات البرلمانية ، وبين قدرتنا على المنابر الديمقراطية والوسائل الديمقراطية للضغط إزاء موقف معين والحركة وسط الشارع مثلما حدث في1988 ضد إتجاهات الحكومة المنتخبة ديمقراطيآ لإتخاذ قرارات وإجراءات وممارسات تؤدي بالنظام الديمقراطي سوف أكمل القرأة بأمل العودة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية (Re: Sidgi Kaballo)
|
شكرا للمداخلات العزيز طه يثبر نقاط هامة ولكني سأنتظر حتى يكمل الموضوع كله. هناك نقطة إستقرار الديمقراطية في البلدان الرأسماليةالصناعية المتطورة وهذه تدخلنا في مناقشة مختلفة، أرجو أن نؤجلها الآن رغم أهميتها لمستقبل الديمقراطية في بلدناحتى نتيح الفرصة للموضوع الحالي حول موقف الحزب الشيوعي من الديمقراطية وكيف أنه تطور من خلال النضال السياسي اليومي والجهد النظري الناقد والفحص للموقف الذي يعبر عنه الآن الأستاذ نقد كما أوضحنا في الحلقة السادسة. لعل من يتهمون الحزب بعدم التطور أو عدم ممارسة النقد الذاتي أو الخمول الفكري يتأملون. ناينفع الناس يبقى أما الزبد فيذهب ...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية (Re: Sidgi Kaballo)
|
Salam Dr. Sidgi, I may well be the only independent and none party affiliate on this thread, but my greetings to you was simply ignored! Since this post is about democracy I think I got a life demonstration of the taste of your democracy! Could this be accidental? Personally I don't believe in accidents! We code as accident things we don't know! Anyway I'm not complaining here! I'm not the type of guy who complains to any one! I'm only stating what happened!Nothing is personal, whatever you/I post here will be and could be used against me/you! You are under no obligation to respond to any of my posts here. So expect my contribution soon. Wa Shakern Jazeelen
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية (Re: Sidgi Kaballo)
|
الاستاذ صدقي كبلو و الاعزاء المتداخلون لكم الشكر من جديد و كل مرة . بالامس قمت بانزال المقالات علي فلوبي حتي تتم طباعتها لاني افضل القراءة من الورق . و هذه الحزمة ستعود علي و الاصدقاء هنا بفائدة ضخمة و هذا سر احتفائي بها. غياب الوثائق في مهجرنا هذا تشكل عائقا جديا يحول دون المشاركة الفاعلة في هذا الجدل و النقاش الانيق المهم . ما وددت اقتراحه في المداخلة هو تمتين ادراكنا بالتكوينات الطبقية و ربطها بما هو مطروح من مواقف سياسية حتي نستطيع ايجاد الجذور الطبقية لاي ظاهرة او موقف في مسيرة مشروع الثورة السودانية الذي ظل الحزب الشيوعي السوداني عنصرا مهمافي كل مراحل تطوره اذا لم يكن متسببا في النقلات النوعية التي طرأت علي هذا المشروع . رغم مزاعم نقاده الفاجرين الفاسدة و الموشوشة لدرجة الضلال. ولن يكون تطور نظرة الحزب ( ومن ضمنها موقفة مع ديقراطية الدولة في السودان) و ممارسته للفعل السياسي المستدهدف بناء الدولة المدنية الا احد ملاحم بناء مشروع ديمقراطي صلب و مبدع يفتح الطريق امام القوي الاجتماعية التي يناط بها تحقيق احلام الشعب السوداني بالسلم و الرخاء و التقدم و المساواة. طه
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية (Re: Sidgi Kaballo)
|
الأستاذ صدقي بقية الزملاء
نتابع مشاركاتك في البورد بشغف وهي لا شك إضافة حقيقية لبورد سودانيز أونلاين
أحييكم جميعاً على هذا الجهد الدؤوب ويقيني أن مثل هذه النقاشات هي التي تجعل البورد مكان للنقاش الجاد بما يخدم وطننا وقضايانا المُلحة بوعي
مساهمات الأستاذ عادل عبد العاطي على ما يعتريها أحياناً من السلبيات والمهاترات الغير مجدية لكنها تعود بفائدة وأظنكم جميعاً تدركون ذلك ، فتجربة ونضالات حزب عتيق كالحزب الشيوعي السوداني في ظل متغيرات محلية ودولية وإقليمية غاية في التعقيد طيلة السنوات الماضية لا شك تحتاج لدراسة متأنية ووقفات جادة منصفة
أرجو أن لا نلتفت لأولئك الذين يدخلون البوست فيحاولون القراءة وتخونهم القدرة على فهم ما يدور ويحاولن خلق معارك شخصية جانبية لا تفيد الحوار في شيء
ودمتم
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية (Re: نادر)
|
الاستاذ صديق الكبلو
لك الود
حقيقة انا بشكر الاخ عادل الذى جعلك تخرج جزء من ما فى جعبتك
نحن احوج ما نكون لكتابتك
مزيدا من المساهمات
وحقيقة يا استاذ تابعت ردك للاخ عادل فى اكثر من بوست ووجدك موضوعيا مما تفرض احترام القراء لك
مزيدا من الابداع
لك الود
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية (Re: Sidgi Kaballo)
|
الاعزاء المتداخلون و من قبلهم الاستاذ الفاضل صدقي كبلو . لا استطيع الجلوس طويلا امام الكمبيوتر و اقوم باخذ المساهمات و تحميلها علي الفوبي حتي اقوم بطبعها. ارجو ان اجد اونجد( مع الاصدقاء هنا) متسع من الوقت حتي نتمكن من الاسهام خلال نهاية الاسبوع الخميس و الجمعة في هذا البوست الفذ . الي ذلك الحين ساتعهد البوست بالرفع لجعله في الصفحة الاولي. حتي تعم الفائدة. طه
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية (Re: Sidgi Kaballo)
|
د.صدقي غطت المناقشة جوانب مهمة لتطور الحزب اللاحق كحزب شيوعي اصدقك القول أنا غير متفائل بنهاية هذا النقاش الذي يحاول كثيرون تعميته لاستيلاد حزب غير شيوعي وغير عمالي، لكن دعك من هذا،،، الدراسة جيدة، لكن الحزب يحتاج لتقييم ناقد لعمله في جبهة الثقافة والمثقفين ، دراسة أشبه بنحو حساسية... وهي دراسة اذا ما ارادت تقديم مفيد ستكون دامية لكن وجودها ضروري للعمل في جبهة مثلما شهد فيها انتصارات باهرة فانه قد شهد فيها هزائم لا حد لها. يمكن الانطلاق من خطوط كثيرة أهمها ما أوردته في موسم الهجرة من ان الحزب لا يطلب من المبدع سوي وعيا سياسيا أثناء ممارسته لابداعه، وهذا موقف مستنير ومنتج وسط الدعوات الشبيهة بما طرحه هادي العلوي في 1992 حول وظيفة المثقف وقدراته الكامنة ودوره الذي يمكن أن يكون عنصرا فاعلا في مقاومة الظلم وضرورة استقلال المثقف عن كل سلطة وكل حزب.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية (Re: Sidgi Kaballo)
|
العزيز أبوعبيدة الماحي شكرا للمداخلة. ثقتي كبيرة في عضوية الحزب وقاعدته. وجود حزب عمالي ضرورة تاريخية والمعركة ما زالت مستمرة. أما في مسألة المثقفين والمبدعين فلا بد من الدراسة النقدية ومن الموقف النظري والعملي السليم والخلاق ولكن أيضا لابد أن نضع في الإعتبار المتغيرات التي تحدث والتي حدثت في النظام التعليمي في البلاد ومن الضروري ولوج المعترك الفكري بأدواته والقدرات التي يتطلبهاوقضية الديمقراطية هي قضية فكرية وثقافية في المقام الأول ولا بد لنا من الإنتصار لها داخل وخارج الحزب فكريالننهي إلى الأبدما علق بفكرنامن بقايا ستالينية وشمولية وما ألحقته فترة دولة التنمية من تشوهات فكرية ومؤسسيةفي الحركة الثورية والديمقراطية في العالم الثالث. وأدعوك لفتح النقاش وأعد بالمساهمة ولك الود.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية (Re: Sidgi Kaballo)
|
د. صدقي أطيب تحيةلك وتقدير لهذا الجهد الهام الذي لا غنى لأي باحث في تاريخ الحزب ومعالجته لقضية الديمقراطية ، عن الوقوف عنده كثيرا
( لماذا لا تطبع جميع أعمال اللجنة المركزية وتوزع في زمن أجمل على نطاق واسع )
رغم هذا الجهد الواضح تجاه قضية الديمقراطية الا انه لا يزال هناك من ينعت الحزب بأنه يسعى لدكتاتورية البلوتاريا تلك التي لا نصوص مقابلة لزعمهم في برنامج الحزب ، وغيرها من الاتهامات والانتقادات التي لا سبيل لتصحيحها لدى ازهان الكثير من المشوشين الا بمضاعفة الجهد من عضوية الحزب اوساط الطلبة والنقابات وغيرها لازالة اللبث والإرتفاع لمستوى الخلاصات النظرية المعلنة في ادبيات الحزب حول قضية الديمقراطية ،
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية (Re: bunbun)
|
د.صدقي الملفت للنظر موقف الحزب الشيوعي من اتفاقية 1953 ، أقصد موقفه اللاحق، لاني لا أري اي خطأ في رفضه هذه الاتفاقية ، أقصد نقده الذي يشبه تجريم الذات لموقفه ضد الاتفاقية وأنا ازعم لا بصحة موقفه وحسب بل أيضا بتثمين وتقدير الحزب للحركة الجماهيرية آنذاك ودفاعه عن الامكانيات المفتوحة لانتصارها دون حاجة لتأجيل أستقلال البلاد 3 سنوات قادمة بوثيقة مكتوبة مثلت بحق هزيمة لمد بحر حركة الجماهير الطامح
أن
د.صدقي الملفت للنظر موقف الحزب الشيوعي من اتفاقية 1953 ، أقصد موقفه اللاحق، لاني لا أري اي خطأ في رفضه هذه الاتفاقية ، أقصد نقده الذي يشبه تجريم الذات لموقفه ضد الاتفاقية وأنا ازعم لا بصحة موقفه وحسب بل أيضا بتثمين وتقدير الحزب للحركة الجماهيرية آنذاك ودفاعه عن الامكانيات المفتوحة لانتصارها دون حاجة لتأجيل أستقلال البلاد 3 سنوات قادمة بوثيقة مكتوبة مثلت بحق هزيمة لمد بحر حركة الجماهير الطامح
نقد الحزب لموقفه تم تحت ضغط الهجوم الكاسح لقوي اليمين الرجعي والطائفية والتي حاولت تصوير موقف الشيوعيين كأنه خيانة وطنية لأنها لا تثق في الجماهير سال لعابها لوعد وليمة السلطة وفركت يديها أنتظارا. جوهر نقد الحزب للاتفاقية هي انها أصابت حركة الجماهير الصاعدة المعادية للاستعمار بهزيمة لا تستحقها . موقف سليم لكن هزم بفشل الحزب لتمليكه الجماهير بفعل ظروف موضوعية كثيرة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية (Re: Sidgi Kaballo)
|
ربما اصبح من المعلوم تماما فساد كل الاطروحات التبريرية للحكم الشمولي و انظمة الاستبداد و هذا ليس فقط علي صعيد تجارب مازومة اصلا كما هو الحال في تجارب القوميين العرب و الناصريين( الدليل علي ذلك المالات المخزية التي انتهت اليها تجارب الحكم في سوريا و العراق و مصر . نجد ان القاسم المشترك بين هذه الانظمة هو مصادرة الحريات الاساسية و السياسية المتلازم مع استشراء ظواهر الفساد المالي و الافساد بالاستغلال السيء جدا للسلطة) . لان غياب الديقراطية يعني انعدام الامكانيات العملية لتنظيم الجماهير لنفسها و شروعها في انجاز مهام نضالها اليومي من اجل حياة افضل بشكل عام . حيث ان خلف اي نظام عسكري شمولي فئة اجتماعية يعبر الحكم العسكري عن مصالحها المحدودة التي عادة ما تكون متناقضة مع مصالح القطاع العريض من الجماهير حينها . الفخ الذي تقع اي سلطة مستبدة يتمثل في عملية تبني شعارات كبيرة جوفاء مثل حق المواطنين في التعليم ( ما عدا سلطة الجبهة الاسلامية القومية الانقلابية التي حاربت مجانية التعليم ). تبني مثل هذه الشعارات يقود الدكتاتوريات الي حتفها. حيث ان التعليم يمكن الجماهير من ادراك المغزي الجبان وراء الفكر التبريري لذلك النوع من الحكم المستبد. وعندما تمتلك الجماهير هذا النوع من الوعي لا تجد امامها غير سبيل الديمقراطية كاطار و حيد لانجازها لمصالحها. انفلاب مايو بقيادة النميري و اطروحاته الخادعة و تلازم ذلك مع ظروف الانقسام في صفوف الحزب الشيوعي السوداني وعدم تبلور رؤية واضحة حول الديمقراطية و ربما عدم الاقتناع بجدوي النضال من اجل الديمقراطية و الثورة الاجتماعية عن طريق العمل الجماهيري الواسع الظروف الدولية و الاقليمية كل هذه الملابسات قادت بعض الشيوعين الي العمل ضد الحزب و من ضمن صفوف المايويين امثال الاستاذ احمد سليمان المحامي. ما ادعو اليه الان تحليل و دراسة ما تركت هذه المجموعة من كتابات لتبرير موقفها و توضيحه امام الجماهير مثل كتاب الاستاذ بعنوان مشيناها....... الخ ) . دراسة و تحليل هذا النوع من الكتابات سيمكن الناس في الوقت الحالي من سد الذرائع امام كل من يزعمون انه بامكانهم تبرير الدكتاتورية( حتي و لو كانت دكتاتورية الطبقة العاملة) و ذلك عبر مجادلة نموذج عملي للسقوط و التخلي عن قضايا الجماهير. اعتقد ان واحدة من الطرق العديدة لفهم مساهمة الدكتور صدقي هو طرح الاسئلة الاتية هل نريد اكثر التمكن من ايصال رؤيتنا للجماهير؟ هل نريد اكثر من العمل التنظيمي في براح حرية التنظيم و التعبير و حرية التفكير؟ وهل نريد للعمال اكثر من حرية العمل النقابي؟ و هل نريد للاقليات اكثر من تمكنها من التعبير عن قضاياها بحريةو ممارسة ثقافتها بحماية الستور؟ طه
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية (Re: Sidgi Kaballo)
|
الأخ العزيز طه: إن إجاباتي على أسئلتك في نهاية مساهمتك الأخيرة لهي بالإيجاب: نحن نريد الديمقراطية للجميع ونريد الديمقراطية كنظام للحكم يحكم التداول السلمي للسلطة ويستند على حقوق الإنسان جميعها، ونحن نريد أن يبتكر شعبنا طريقه الديمقراطي لإنجاز مهام ثورته الديمقراطية وطريقا ديمقراطيا للتحول الإشتراكي.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية (Re: Sidgi Kaballo)
|
Salam Dr. Sidgi, I may well be the only independent and none party affiliate on this thread, but my greetings to you was simply ignored! Since this post is about democracy I think I got a life demonstration of the taste of your democracy! Could this be accidental? Personally I don't believe in accidents! We code as accident things we don't know! Anyway I'm not complaining here! I'm not the type of guy who complains to any one! I'm only stating what happened!Nothing is personal, whatever you/I post here will be and could be used against me/you! You are under no obligation to respond to any of my posts here. So expect my contribution soon. Wa Shakern Jazeelen
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الشيوعيون السودانيون وقضية الديمقراطية (Re: Bashasha)
|
د صدقي كبلو تحياتي وسلامي في اعتقادي ومن خلال التجربة البسيطة ان النضال وسط الجماهير ومعها هو الطريق واعني النضال اليومي ولقد ثبت في فترة مايو تصاعد النضال الي ان سقط النظام في ابريل وحين السقوط ظهرت تلك الهوة التي لعب فيها اعداء الديمقراطية دور كبير بمبداء الحشاش يملاء شبكته مستفيدين من ارث دكتاتوري وتركة مملوءة بالاعيب التسلط وغبن المقهورين علي السلطة باي شكل لها بينما كان طلاب الديمقراطية ومنتهيجيها ينفضون الغبار عن كتب الرفوف ] ومما يساعد علي انتصار العدو في احيانا كثيرة هو خوفه مما سوف ياتي بعد الدكتاتورية القصاص المحاكمات فضح الانتهاكات ال البشعة لذلك يتمسك بالسلطة حتي اخر رمق واذا دعت الحالة الوصول الي صفقة مع اي قوي تكون تحت سيطرته في المستقبل او تنشغل بقضاياها الداخلية والمحلية كما اتنباء سيكون هذا حال الحركة الشعبية في حال الوصول الي صفقة وليس اتفاق. فما هو دور الحزب الشيوعي في سبيل الحل نحو الديمقراطية؟ ما هي احتمالات ما بعد الاتفاق؟ ماهي رسالة الحزب الشيوعي للصامتين؟
مشاركة الديمقراطيين نوعها وتاثيرها اسئلة موجهة للجميع
| |
|
|
|
|
|
|
|