رغم أنني عرفت علي المك منذ صباي عندما قرأت مجموعته وصلاح أحمد إبراهيم عن البرجوازية الصغيرة وأعجبت أيما إعجاب بقصته شرف الإمبراطورية لدرجة أنني قلت للشاعر علي عبد القيوم ونحن عائدون ذات ليلة من سينما غرب برجليناوقد مررنا ببيوت الحكومة في شارع الجمهورية "تعرف يا علي البيوت دي مربوطة عندي بعلي المك@ فقال لي "كيف؟" فقلت تذكرني بشرف الأمبراطورية" فضحك عل ضحكته العذبة التي لا تفارق ذاكرتي وقال لي "أنا سأحدث علي بذلك"، وكانا أصدقاء. أقول رغم ذلك ورغم قراءتي لمعظم مقالاته وكتبه ولكني لم ألتقيه وجها لوجه إلا في عام 1977 عندما كلفني أستاذي البروفسير علي عبد القادر بمتابعة كتاب من تحريره وخواجة اسمه كيدمان من منظمة العمل الدولية وينشره مجلس الأبحاث الإقتصادية، أن أتابعه بمطبعة الجامعةوقيل لي أن الكتاب قد مكث هناك لعدة سنوات وكان البروفسير على المك مديرا لدار النشر بجامعة الخرطوم فذهبت له لأحدثه عن الموضوع وعرفته بنفسي فطلب لي القهوة وسألني عن أهلي فردا فردا فأندهشت وعرفت حينها عن صلة قرابة بيننا وعن صداقته لأبناء أخي الأساتذة عمر شمينا وكمال شميناوتأكد لي ما كنت أعرف من قبل عن حبه لأمدرمان ومعرفتها لأهلها. المهم كان حاسما في مسألة الكتاب وقال أن أفضل طريقة أن نذهب سويا للمطبعة و"نأتر أثره" وقال تجينا صباحا باكر للذهاب معه للمطبعة، ففكرت أن الصباح الباكر يعني بلغة الأفندية 8 صباحا ورغم حضوري للمكتب في السابعة كل يوم (في محاولة لتفادي زحمة المرور)، إلا أنني لم أذهب له إلا في الثامنة فقال لي لآ ]ا أستاذ جيت متأخر فلا يمكن أن نذهب الآن تعال باكر فقلت الساعة كم قال السابعة ففكرت في أن الأستاذ يبالغ ولكني حضرت في السابعةتماما ووجدته في باب الدار في إنتظاري وعندما ذهبنا للمطبعة إندهشنا عندما سلمنا الأستاذ شبر البروفة الكاملة للكتاب لمراجعته. وكانت تلك إحدى ميزات علي المك أنه عملي ومنظم رغم زحمة وقته ومشغوليته بلأصدقاء والمعارف. وفي طريق عودتنا من بحري حيث المطبعة قلت له"يبدو أنك تبدأ يومك مبكرا فقال لي "أبدأ مبكرا قبل أن يأتي الزوار فأنجز عملا كثيرا وقال أنه مهما تأخر موعد نومه فهو يكون في السادسة والنصف في المكتب. وقد تأكد لي ذلك فيما بعد أيام الديمقراطية عندما جمعني بعض العمل الحزبي مع الأستاذ نقد السكرتير العام لحزب الشيوعي فكنت أذهب له قبل ذهابي للمكتب وكم من مرة وجدت عنده علي المك يشربان الشاي قبل إنطلاق الأخير لمكتبه. وبعد حادثة الكتاب تكرر مروري على علي المك لأسباب عمل مختلفة وذات مرة وأنا قادم من رحلة بحثية في غرب كردفان وشرقه ساقتني إلى النهود (بلدي الحبيب ومكان ميلادي) والأبيض والرهد وأم روابة مررت بمكتب علي المك لعمل ما فوجدت عنده عثمان الشفيع ورغم أني من عشاق الشفيع ومعجبي فنه فلم يحدث أن ألتقيته وتحدثت معه، وكنت قد إستمعت خلال زيارتي للنهود في حفل أقامه صديقي عبد العظيم سعد (أبو الروس) لشريط للشفيع مدهش، فقلت للشفيع ذلك، فتدخل علي وسأل الشفيع هل ذهب للنهود قريبا فقال له لا ربما حفلة قديمة فقلت أن صاحب الشريط قال أنه جمعه من الإذاعةفقال علي للشفيع شايف يا عثمان ناس كردفان بحبوك كيف، ياأخي بالله أجمع أغانيك في شرائط..قبل ... ولم تمر أيام حتى توفى عثمان الشفيع. وظللت أتذكر ذلك كلما سمعت عثمان الشفيع: ترى كم فقدنا من أغاني عثمان وكم منها أحرق الأخشيديون على قول شاعرنا محمد المكي؟ رحمالله علي وعثمان رحمة واسعة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة