|
كلمة الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني التى حبا فيها المفكر عبد الخالق مح
|
كلمة الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني
الدكتور خالد حدادة في تكريم الرفيق كريم مروة
ــــــــــــــــــــــــ
عذراً عن بعض الكلام في عشية يفترض فيها ان تكون مناسبة للفرح والراحة النسبية من هموم كثيرة باتت تقلق صباحنا ومساءنا، غلفت منا الجغرافيا من المحيط الى الخليج، اللذين هدرت منهما الثروة وخبت فيهما الثورة، وساد صمت القبور، وتطاولت هذه الهموم مع الزمن لتغلف قسماً من القرن السابق وبشائر القرن الحالي.
إنه زمن أزاح فيه ابو مصعب الزرقاوي وإياد علاوي كما صدام حسين، ذكرى رموز انارت جزءاً من تاريخ هذه المنطقة، وأصبحوا (الزرقاوي وصدام والعلاوي) خيارات سوداء تطرح امام شعوبنا كخيارات وحيدة لا بديل لها: تأبيد الأنظمة وتقديس الفرد، أو الظلامية بأبشع صورها أو العمالة للأميركي.
إنها كلمات سأحاول من خلالها وبسرعة أن أتقدم بالشكر (لمن أعرف سلفاً أنه سيقول أن ذلك واجبي كرفيق درب وكمناضل وحزبي ووطني) ولكنه واجبي ايضاً ان اشكر غازي العريضي على ما انجزه بالعام تجاه الثقافة الوطنية بتنوعها الغني وبالخاص في إعادة بعض من حق هذا التيار الواسع والعميق الجذور في وطننا، تيار المقاومة والتغيير، بعض من حق الحزب الشيوعي اللبناني واليسار عبر تكريم العديد من مفكريه وفنانيه مناضليه من حبيب صادق، الى مارسيل خليفة وكريم مروة وأنور ياسين.
وبهذه الكلمات أيضاً آمل ان يتسع لي هذا الصدر، الذي يصغر عليه الوسام مهما كبر، في ان أقول بعد أن استمعنا بالامس الى الماضي المستمر في الحاضر، بكل نضاله وتضحياته وكبريائه وتجدده، أنا اسمع واسمحوا لي ان اتكلم قليلاً عن الحاضر، الفخور بماضيه الحالم وبمستقبله وبمستقبل افضل للشعب والامة والوطن.
هذا الحاضر الذي لم يتسن له، ربما بصدفة العمر فقط، ان يعيش الماضي بحلوه ومره. هذا الحاضر الذي ارتكز على نتاج جهد فكري وسياسي كبير توجته محطة المؤتمر الثاني، وزرع جذوره المؤسسون في العالم العربي ولبنان، من فؤاد الشمالي الى فرج الله الحلو وعبد الخالق محجوب وفهد وخالد بكداش [ وانا اليوم سعيد لأنه ابتداء من الامس لم يعد اسم خالد عبئاً او تهمة]. والعشرات من النقابيين والمفكرين الكبار الذين اضاؤوا العصر العربي الماضي مع اعلام ومصابيح اخرى منهم طانيوس شاهين الى عبد الناصر وكمال جنبلاط والى العشرات والمئات من المناضلين والمفكرين العرب واللبنانيين.
الحاضر الذي لم يتسن له العيش كثيراً في بلدان التجربة الاشتراكية المحققة ولم تبن مفاهيمه حصراً في مدارسها. ولذلك فهو حاضر، يستطيع الادعاء بأنه، رغم عدم تهربه من مسؤولية انتمائه الى الفكر الذي تحدثت التجربة بإسمه، فانه لا يحمل عقدة الذنب التاريخية من احداث المجر سنة 56 [حيث كنا بمعظمنا احتمالات تكوّن] الى براغ وغيرها من الوشمات السود في تاريخ الحركة الاشتراكية.
إنه حاضر يرتكز على عشرات آلاف الشباب (هم أوسع كثيراً من الحزب ومن كل مكونات اليسار)، عشرات الآلاف ممن ضاقت بهم الكيانات المذهبية والعائلية، فكانوا في استقبال الأسرى ورفات الشهداء، يبدلون معهم قرار السلطة باستبعادهم واستبعاد تاريخهم، تاريخنا. التاريخ المليء بالانحياز لصالح الفقراء من شعبنا عمالاً وفلاحين ومثقفين وذوي دخل محدود، المنحاز للتعليم الرسمي والجامعة اللبنانية التي قدم لها شهيدها الوحيد الطالب فرج الله حنينه، تاريخ مقاومة الاحتلال الاسرائيلي منذ ابراهيم جابر وعلي أيوب حتى اطلاق جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية والمئات من شهدائها ومعتقليها وأسراها.
إنه حاضر يرتكز على آلاف الرفاق والأصدقاء الذين نزلوا الى الشارع، كسروا بأجسادهم قرار منع التظاهر واعتقل العشرات منهم دفاعاً عن لقمة العيش والحرية والتعليم الرسمي وانتزعوا للوطن وللشعب حق التظاهر والتعبير، الذي تحاول السلطة اليوم، واستناداً الى أحداث هي فعل تجاذباتها وصراعاتها الفاسدة والمفسدة، مصادرته كأمر واقع.
أيها الحفل الكريم،
لقد درسنا في أصول البحث العلمي، أن الفرضيات التي تحتوي على إجابات بديهية، تصبح فرضيات غير علمية أو لا تؤسس لبحث علمي.
ففرضية ان الانهيار في التجربة الاشتراكية المحققة يعكس أزمة تجربة وتطبيق للنظرية وجموداً بها، بل وأزمة في النظرية وتطورها، وهي فرضية بديهية ولذلك فأنها حتماً لا تؤسس لبحث علمي مجد. خاصة وانها بمعظمها الآتي من أوساط يسارية وشيوعية أساساً، أتت بعد الانهيار أو خلاله وليس قبله.
واليوم، ونحن نسجل أمامكم اعتزازنا في الانتماء لهذا الحزب الذي قاد محاولات جدية للتجديد الفكري والسياسي مع مفكرين وقادة كبار أمثال رئيف خوري وحسين مروة ومهدي عامل وانطوان تابت وأرتين مادويان وفرج الله الحلو ومصطفى العريس والياس البواري وجورج الهبر ونقولا شاوي وخليل الدبس وخليل نعوس وسهيل طويلة وأحمد المير ومحمود الواوي ورشيد يوسف ومحي الدين حشيشو وجلال وعشرات الذين نتمنى لهم عمراً مديداً، نسجل كذلك ولأسباب كثيرة وربما لطغيان السياسي المتمثل بظروف أمتنا ووطننا خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي لم تستطع هذه المحاولات تحقيق خرق جدي في الماركسية، والأمر ذاته ينطبق على محاولات كثيرة خارج حزبنا وفي لبنان تحديداً.
لذلك كله، نرى إن لم يعد مجدياً اليوم للمثقفين الماركسيين واليساريين العرب واللبنانيين الاكتفاء ببعض الأسئلة البديهية الاجابة، أو البكائية المنطق، من نوع البكائيات المتأخرة على أحداث المجر وتشيكوسلوفاكيا وهي بحق وصمات سوداء على جبين التجربة الاشتراكية المنهارة، وصمات لا تخف المنجزات، بل تؤشر الى بعض مواقع الخلل خصوصاً في مجالات موقع القضايا الوطنية والقومية وموقع الديمقراطية والحريات في هذا الفكر وموقفه منها.
أوليست مفارقة أن نغرق نحن، اليوم، في التحليل والتفسير والتبرير لخيباتنا العربية عبر هذه المآسي، وتحقق الأحزاب الشيوعية في هذه البلدان انتصارات كبيرة وخاصة في تشيكيا وسلوفاكيا؟
لذلك نعتقد أنه آن الأوان لكي ننطلق الى الأسئلة والفرضيات التي تؤسس لبناء برامج ترتكز الى المهام الفعلية المفترضة لليسار العربي، ولليسار اللبناني بخاصة، تجاه شعوبنا وقضاياها.
أيها الحفل الكريم،
نجد أنفسنا اليوم نحن كحزب مدعوين مع كل المثقفين والديمقراطيين العرب واللبنانيين، أن نعمل على بناء وتجديد الثقافة الوطنية الديمقراطية من أجل التغيير في مجتمعنا العربي واللبناني، ان نعمل جميعنا لبناء وتجديد قيمنا وأدواتنا المفاهيمية لتطوير شبكة "البراكسيس" الخاصة بنا كماركسيين ويساريين، خارج منطق استسهال المساومة الفكرية واستعارة البنى المفاهيمية للآخرين، القديمة منها والجديدة، المطلقة من فلاسفة ومنظري العولمة المتوحشة.
نحن اليوم، وبينما نستمر في عملية التقييم لتجربتنا العربية واللبنانية، ندعو أنفسنا والآخرين لطرح القضايا التي تحدد وظيفة اليسار في العالم العربي وفي لبنان. وفي دعوتنا هذه ننطلق من حقيقة ان الحزب الشيوعي وحده لا يستطيع إختصار اليسار وان لا يسار فاعل بدون الشيوعيين. وان الذي يحدد قيامة أو وجود أية حركة يسارية هو وظيفتها ودورها الاجتماعي والسياسي وبالتالي دورها ومكانها ومشروعها للتغيير في العالم العربي وفي كل بلد من بلدانه.
إن اليسار العربي، أمام تحد صياغة وظيفته التاريخية، بأن يمتلك برنامجه المنحاز لقضايا الشعوب ومصلحتها في التحرر والتقدم والتنمية، في الديمقراطية ولقمة العيش ولذلك فإن المهمة الأساسية له معقدة وصعبة ولكنها ضرورية، مهمة صياغة برنامج الحركة العربية الديمقراطية المقاومة في آن معاً للاحتلال الأميركي، وللاغتصاب الصهيوني، المقاومة للبديل الظلامي المشوه لتاريخ العروبة وجوهرها ولتاريخ المسلمين وجوهر الأديان، والعاملة لتغيير تلك الأنظمة التي في سبيل أولوية تأبيدها، أضاعت فرص التحرير والتوحيد والتنمية، عبر قمعها للشعوب واختزال إمكانياتها وقدراتها. إنها حركة للتغيير الديمقراطي في عالمنا العربي، ندعو كريماً ورفاقه وأصدقاءه لتعميق البحث بالانجاز الكبير الذي حققوه في بحثهم عن جذور أزمة حركة التحرر العربية ووسائل الخروج منها.
وعن لبنان،
لقد فهمنا نحن الشوعيون اللبنانيون، وبخاصة مع فرج الله الحلو وبعده في نتاج المؤتمرين الثاني والثالث وإضافات المؤتمرات الأخيرة، فهمنا فرادة لبنان وديمقراطيته وتكوينه الديمغرافي كخاصية وليس كخاصة. بمعنى أنها خاصية متحركة متوثبة للتعميم على العالم العربي، خاصية صاغ بداياتها مفكرو النهضة اللبنانيون والعرب، خاصية لا يستطيع معها المنطق الشمولي السائد في عالمنا العربي إذابتها واحتواءها، كما لايستطيع الفكر الذي يعتبرها خاصة، سجنها في حدوده الجغرافية التي تضيق على هذه الخاصية وتفقدها ضرورتها والحاجة لها.
هل يمكن الركون لوطن فيه عدة دول ولا دولة، لوطن يحاولون اقناعنا أن الفساد والتخلف والتبعية هي جزء من مكوناته، لوطن يشعر بعضه بتهديد لوجوده وكيانه في حين يشعر الآخرون فيه أنهم منتصرون. لوطن يشكل جسماً يتألم فيه كل عضو بمفرده.
وكي لا نطيل اليوم فأننا نعلن أمامكم سعينا كي تأتي احتفالات ولقاءات الذكرى الثمانين لتأسيس الحزب، مكاناً وزماناً جاهزين، لإعادة الاعتبار للتفاعل والحوار حول فكرة التغيير في وطننا وفي العالم العربي. مساحة للحوار الثقافي من أجل تأكيد دور الثقافة الوطنية الديمقراطية في مجتمعنا وإعادة تأكيد موقع الفن وقدرته على أن يلعب دوراً في تنمية وتطوير وعصرنة الوعي والثقافة في لبنان.
وأخيراً،
هنيئاً لك الوسام يا كريم، هنيئاً لك يا حبيب صادق ويا مارسيل خليفة وأنور ياسين، هنيئاً لنا جميعاً به، شكراً لفخامة الرئيس، ولمعالي الوزير الرفيق غازي العريضي، واسمحوا لي أن أقدم لكريم وباسم قيادة حزبه درعاً مكملاً للوسام، لن يفي كريماً ورفاقه وجيله حقهم علينا وعلى الوطن وعلى الحركة التقدمية في العالم العربي والعالم. بيروت في 28/6/2004
الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني
الدكتور خالد حدادة
|
|
|
|
|
|