|
الشهيد عبد الخالق محجوب يكتب عن علاقة الادب بالسياسة وحرية الاديب
|
فى غضبة صلاح وفى حلم عبد الخالق هذه المقالة أعاد نشرها الدكتور عبدالله على ابراهيم فى بابه المعروف "ومع ذلك" على صفحات جريدة "الفجر" اللندنية بتاريخ 10 يناير 1999 . وقد أورد الدكتور عبدالله أن محرر الصفحة الأدبية فى "الميدان" تلكأ وربما أحجم عن نشر تعليق له يطرق فيه للأديب صلاح أحمد ابراهيم . وقد توسل للأستاذ عبدالخالق محجوب لرفع الحظر عن مقاله . ووجد مسعاه أذنا صاغية واستجابة فورية ابتدرها الأستاذ عبدالخالق بكتابة التعليق المنشورة أدناه . ومن ثم وجد موضوع الدكتور عبدالله طريقا سالكا للنشر فى الصفحة الأدبية بجريدة "الميدان" . والمقالة التى كتبها الأستاذ عبدالخالق تعالج بعض المسائل المتعلقة بحرية الأديب فى الابداع الفنى وفى العلاقة المثيرة للجدل بين السياسة والأدب . كتب الأستاذ عبدالخالق محجوب : هذه الصفحة فى "الميدان" تخصصت للأدب بفروعه المختلفة . والبعض يظن بأنها مثل الصفحات الأخرى ، تعبر عن رأى الحزب الشيوعى بطريقة مباشرة . ومثل هذا الاعتقاد يجانب الحق ، اذ أن ميدان الأدب لا يسخر فى السياسة بطريقة مباشرة بل هو يؤثر عليها ويتفاعل معها بطرق غير مباشرة . والخلق الأدبى الذى يدخل ميدان السياسة المباشرة يتخلى عن طبيعته كأداة للتعبير عن الانسان ويستحيل الى طبيعة أخرى . اننا نرحب بكل خلق أدبى يمت الى الحقيقة بصلة ويغنى تجارب الانسان وهو يعانق حقائق العالم ويضىء جوانبه . نقيم الجمال الذى تدفعه أبدا الى ولوج أبواب المعرفة ويؤدى فى النهاية الى حرية الانسان الذى يعلو على الحاجة ولا تعلو عليه . ويتحرر من الخوف الناتج عن قصور ادراكه لنفسه ولما حوله من مظاهر الحياة الاجتماعية والطبيعية . ولما كان هذا ديننا فأننا فى هذه الصفحة نرحب بجدية الأديب فى خلقه وابداعه لأنه لا مكان للخلق والابداع دون الحرية .. تلك الحرية التى تقرب الانسان من الحقيقة وتفتح أعينه فى دهشة لقيم الجمال . ولهذا فان المقارنة بين رأى الحزب الشيوعى فى السياسة (ورأيه) فى الأدب مقارنة خاطئة لا مكان لها وضارة بنمو الأدب التقدمى فى بلادنا . لقد فهم المواطنون أن المقالات التى تنشر فى هذه الصفحة قدحا أو مدحا فى ديوان الأستاذ صلاح أحمد ابراهيم "غضبة الهبباى" تعبر عن رأى الحزب الشيوعى . وهذا خطأ ومجافاة للحقيقة . لقد آثرنا دائما فى حدود ملامسة الحقيقة ، أن نترك فرصة واسعة لحرية كتابنا فى ميدانى المضمون والشكل . كما فضلنا دائما أن تدور مناقشتاتنا حرة وعفيفة فى هذه الصفحة حتى تستطيع أن تبرز وسط الزحام الملىء بالأقزام الملتحفين ثوب الأدب . والشخصيات الأمينة على هذه القضية الانسانية الكبرى ، والملتزمة بأمانة الكلمة المضيئة التى تنوء تحت أعبائها الجبال . . وليس كحرية الأدب وسيلة للوصول الى هذه النتيجة العظيمة . ان الحياة الأدبية تواجه فى بلادنا تيارات عاتية من التقليد والنقل الأعمى للتعبيرات المريضة التى تصيب الانسان المريض فى عالم اليوم ، وهو جاهل بكنه القوانين الاجتماعية ، التى تثير الفزع وتسحق الفرد ، وتعمى بصيرته ، حتى يسير كالأعشى فى فى متاهات الضياع . والأديب السودانى الذى يرغب فى خدمة الحقيقة مازال يقف فى بداية الطريق ، لأنه لم يكتشف مقومات الانسان ومصادر معرفته عبر التاريخ . ولهذا فنحن نسخر هذه الصفحة فى محاولة متواضعة لتخدم الغرضين ، تصد أولا الآثار الواردة من الخارج ، والتى تعبر عن صرخات اليأس فى مجتمع أصيب بالمرض وأصبح اليوم أو الغد (يزحف) ليفسد علينا حياتنا الروحية . نصدها بالنقد والدراسة ولا نقفل الأبواب دونها (بالأمر) . ونساهم ثانيا فى فى اكتشاف الانسان السودانى حتى تتفجر منابع معرفته فتشمل الانتاج الأدبى بدفئها فيستحيل صادقا ونافعا . ولكل الغرضين فأن صفحتنا هذه تؤثر الحرية التى لا تقيدها غير الحقيقة . ان ديوان الأستاذ صلاح أحمد ليس عملا سياسيا فى جملته بل هو عمل فنى . وحتى لو كان عملا سياسيا فهو لم يتخذ أبغض وسيلة له . (ان) الاختلاف الذى وقع بين الحزب الشيوعى والأستاذ صلاح عام 1958 لم يكن اختلافا سياسيا بل لأسباب أخرى تتعلق بنظم وشروط عضويته . لقد فارق الأستاذ صلاح الحزب ليس بوصفه أديبا ولا بسبب انتاجه الأدبى . ولكن فارقه بصفته مواطنا أداته فى خدمة الجماعة النشاط السياسى المباشر وشتان بين هذا وذاك . فلنقصر الحديث ولاداعى لنبش الماضى . ولهذا فأن هذه الصفحة تقييم ديوان هذا الشاعر باعتباره عملا فنيا فى نهاية الأمر . ننظر أول الأمر فى صلاحيته كعمل فنى بجودة الأداة وفى شكله . وعندما يدخل من هذا الباب العريض الذى لا يدخله الا الخلق الأدبى الجيد . وننظر ثانيا فى مقدار اثرائه لحركة التقدم ولنمو الحياة . هذا هو طريقنا ، واذا فهم غيره فلا لوم علينا . تحرير "الميدان " نوفمبر 1965
Save @ PC
|
|
|
|
|
|