|
إصلاح الخطأ
|
إصلاح الخطأ في العمل بين الجماهير
بيان الكتب: أعادت دار عزة للنشر إلى أذهان السودانيين قسماً من بهاء سنوات الستين حينما كان حسن العبارة وجزالة اللغة وعمق الدلالة وجمال الصور ورفعة الخطاب. ما يميز كتابات قادة الفكر والأدب والفن..
والسياسة في السودان، وذلك عندما نشرت وثيقة (إصلاح الخطأ في العمل بين الجماهير) التي كتبها الأمين العام للحزب الشيوعي السوداني، المفكر عبد الخالق محجوب، في العام1963 وقدمها لدورة اللجنة المركزية للحزب في ذلك العام، ونشرت آنذاك في العدد (116) من مجلة (الشيوعي) في سبتمبر في ذاك العام وتكتسب هذه الوثيقة (الكتاب) أهميتها من كونها أول تجربة في (بروسترويكا) الفكر تدعو صراحة ودون مواربة إلى إعادة النظر في الفكر والممارسة الماركسيتين واحتلت الوثيقة مكانة هامة في أذهان أعضاء الحزب الذي كان يقود الطليعة السياسية في السودان آنذاك وذلك لأنها لخصت تجربة الحزب منذ نشأته وتابعت مسيرته على مدى ربع قرن من العمل بين الجماهير ليس بأسلوب رصد السلبيات والإيجابيات لكن بالبحث والمناقشة في جذور المشكلة فكرياً وسياسياً بلا افتعال ولا تعسف الأمر الذي جعلها ملخصاً مختزلاً لتجربة العمل الجماهيري للحزب.
واكتسبت الوثيقة أهمية إضافية من خلال توقيت صدورها في فترة اشتد فيها الصراع الفكري داخل الحزب ضد أفكار وممارسات العزلة اليسارية الطفولية والحقلية والقولية. يتميز الكتاب ـ الوثيقة ـ بالابتعاد عن صعوبات الكتابة السياسية العربية سيما كتابات اليسار العربي التي تنهض على التقيد بأسلوب جاف مقعر يعتمد على المقدمات الطويلة والتفخيم في التعبير كعنوان لعمق الفهم والأفكار، وادعاء الشمول والإحاطة أو محاكاة أسلوب الكتب الماركسية الكلاسيكية واستخدام الأسلوب الخطابي والتعبيرات الآمرة الزاجرة القاطعة الجامعة أو ما يسمى بأسلوب (التقعر النظري) إضافة الى الإكثار من الاستدراك وفتح الأقواس وقفلها.. والحواشي.. الخ، وكلها صعوبات يمكن تفاديها إذا كتب النص بأسلوب مباشر دون إصرار على إعطاء صورة زاهية. وتناول الكتاب مشكلة الريف ودرس قضايا الإصلاح الزراعي والمسألة الزراعية وتنظيم المزارعين وفقاً لآليات ديمقراطية راتبة، ودعا الكاتب الى ضرورة تبادل الرأي والتشاور بين الكوادر الحزبية والجماهير حول أية قضية تهم الناس بدلاً عن فرض الشكل الذي يراه الحزب مناسباً، وتناول الكيفية المثلى لتحسين أساليب العمل لتنظيم حر كة النساء في الريف.
وبعد تحليل عميق لاتجاهات عمل الحزب الشيوعي السوداني وسط الجماهير التي يستهدفها الحزب يشير زعيم الحزب، الذي اعدمه الرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري في العام 1971 إلا أن حزبه مطالب بمواجهة الاتجاهات الناجمة عن التخلف القبلي وخاصة في القرى مبيناً أن أقساما من الذين ينضمون إلى حزبه يظلون ممسكين ببعض النظرات القبلية العتيقة يعينهم على ذلك بعض أعضاء الحزب الذين رأوا أن الارتباط بالشعب معناها قبول الاتجاه انعكاس للكسل الذهني والاكتفاء بالقليل من المعرفة ويرى القيادي الشيوعي الراحل أن للثقافة الغربية أثرها خاصة في المدارس والمعاهد والجامعات ويضيف لكي نحول الذين يتلقون دراساتهم في هذه المؤسسات أو الذين يدرسون بها الى أعضاء فاعلين في حزبنا لابد أن نعي هذه الحقيقة ولابد أن نضاعف المجهود في نضال ضد المسالك الفكرية الضارة، فالثقافة الغربية في عنفوانها، عندما كانت تعبر عن الرأسمالية الناهضة، كانت ذات طابع حي، تنظر الى الواقع وتلهم الى العمل، لكنها اليوم تعبر عن أزمة الحيرة والقلق.
وفي إلمام دقيق بمعطيات الواقع السوداني يشير الكاتب الى أن الشعب (السوداني) لا يفصل بين الفكرة وبين الشخص الذي يبشر بها، ويتساءل: هل من الممكن أن يعشق شخص ما فكرة سامية وهو مبتذل أو سفيه؟ ويدعو القيادي الشيوعي الراحل رفاقه الى تدقيق النظر في مكونات وقيم وسلوك السودانيين التي تنهض عن الروابط القبلية والقروية بكل ما تختزن من كريم الصفات والاستقامة والأمانة والنفرة، معتبراً أن مسلك الفرد يلعب دوراً كبيراً في الحقل السياسي والاجتماعي.
وفي التماعة ديمقراطية وامضة يفرق المفكر الراحل عبدالخالق محجوب بين العصبية والحزبية والفكر العلمي عندما يشير الى أن ثمة من أعضاء حزبه يقولون، (من ليس معنا فهو ضدنا، ومن اختلف معنا مرة ليس منا)، ويعتبر مثل هذا التفكير تفكيراً مثالياً خاطئاً، إضافة إليه: ثمة من يطلقون الأحكام الجزافية على المختلفين فكرياً وسياسياً مع حزبه من نحو: جاسوس خائن انتهازي.. الى آخر التوصيفات التي أعدها القيادي الشيوعي سخفاً ينم عن فقر معرفي مدقع داعياً الى اعتماد الحوار آلية راتبة ليس من أجل إقناع الآخرين، ولكن لإثراء العقل والعلم والمعرفة، و أساء تقليد أدب الحوار في الساحة السياسية السودانية.
محمد الإسباط
جريدة البيان 9/7/2001
|
|
|
|
|
|