|
الإتحاد السوفيتي العظيم ... الخميس من رزنامة أسبوع كمال الجزولي
|
الخميس:
وقع بين يديَّ ، عصر اليوم ، وأنا أنبش في خزانة كتب قديمة ، ألبوم صور جلها بالأبيض والأسود ، تعود بتاريخها إلى سنوات الطلب بجامعة كييف (1968 ـ 1973م). ويا لزمان العاصمة الأكرانيَّة على أيام الاتحاد السوفييتي .. العظيم! (العظيم) حتف أنف أغبياء العالم الثالث الذين ما دروا أنهم فقأوا أعينهم بأصابعهم يوم وقفوا يظاهرون عليه قوى الامبرياليَّة العالميَّة من (أهل الكتاب!) ، حتى إذا ما انهار ، وخلا الجوُّ لأمريكا تبيض وتفرخ نظاماً عالمياً جديداً يذيقهم الأمرَّين بعولمته الرأسماليَّة ، وقطبيَّته الأحاديَّة ، انقلبوا يلطمون الخدود ، ويشقون الجيوب ، ويزحمون الآفاق ضجيجاً وعجيجاً .. ولات ساعة مندم!
(العظيم) ، على الأقل ، بتجربته التي ، وبرغم الإخفاقات الكبيرة التي كان لها الأثر الحاسم في إجهاضها على صعيدي الديموقراطيَّة ودور الدين في حياة الناس ، رفعت المستضعفين إلى مصاف السادة ، فضمنت لكل منهم أن يأخذ بقدر عطائه ، وألا ينقهر بتراتبيَّة اجتماعيَّة ظالمة ، حتى لقد بلغت أجور عمال المناجم في سيبيريا ما لم يحلم به الوزراء والأطباء الاختصاصيون! ويا لكم دهشنا ، يوم دعتنا أستاذة اللغة الروسيَّة إلى حفل في بيتها ، وكنا ما نزال أيفاعاً نحبو على مدارج الكليَّة التحضيريَّة ، فوجدنا زوجها (خرَّاطاً) يحفظ بوشكين وشفشنكو ، ويحسن الحديث عن الأوبرا والباليه ، ويجيد عزف مقاطع من تشايكوفسكي ورحمانينوف على البيانو في غرفة الاستقبال ، ويحرص على أخذ أسرته ، كل عام ، في رحلة النقابة لقضاء عطلة الصيف في بلاجات ألوشطا على البحر الأسود!
(العظيم) ، على الأقل ، لكونه وفر لكلَّ مواطن ، على قدم المساواة ، لقمة العيش الكريمة بأزهد الأسعار ، وخدمات الصحَّة والتعليم مجَّاناً ، ووسائل السكن والمواصلات والرياضة وثمار الثقافة وأدواتها شبه مجَّاناً ، ومحا إلى ذلك ، عار الأميَّة عن شعوبه ، وجعل كل طالب على مقاعد الدراسة مطمئناً إلى عمل يحصل عليه بعد تخرُّجه ، حسب تخصُّصه ، وتأهيله ، وكفاءته.
(العظيم) ، على الأقل ، لكونه قدَّم عشرين مليون شهيد في سبيل إنقاذ البشريَّة من خطر النازيَّة والفاشيَّة ، مِمَّا أفضى ، في عقابيل الحرب الثانية ، بصرف النظر عن سلبيات الحرب الباردة ، إلى خلق عالم جديد ترفرف فوقه رايات السلام ، والتحرُّر ، والأمم المتحدة ، والفرص المتكافئة ، وحقوق الانسان ، وحماية البيئة ، وتصفية النظام الاستعماري القديم.
(العظيم) ، على الأقل ، لكونه استطاع أن يرتقي ، خلال ما لا يربو على عقود قليلة ، إلى مصاف (الدول العظمى) ، فتكافأت ، بفضله ، كفتا ميزان (الردع) النوويِّ ، وانطلقت سفينة العالم إلى جوديِّها المأمول فوق موج سلس من طمأنينة الصغار قبل الكبار!
(العظيم) ، على الأقل ، لكونه ، عندما أفلت شمس تلك التجربة الغاربة ، لم يكن ، في طول البلاد وعرضها ، ومساحتها سُدْس مساحة العالم ، أمِّيٌ واحد ، ولا عاطل واحد ، ولا شحَّاذ واحد ، ولا عاهرة واحدة!
(العظيم) ، على الأقل ، كونه أتاح لـ (عالمنا الثالث) ، تقطيعاً من الجلد ، بل من اللحم الحيِّ ، أن يوسِّع من بنياته التحتيَّة ، طرقاً وسدوداً وجسوراً وقنوات ومستشفيات ومعامل ومجمَّعات صناعيَّة ومصادر طاقة رخيصة وغيرها ، وأن يزيد ، إلى ذلك ، من أعداد علمائه ومهندسيه وأطبائه واقتصادييِّه وقانونييِّه وفنييِّه في مختلف المهن والتخصُّصات ، لا يبغي ، في مباراته التاريخيَّة مع ضواري (رأس المال) العالمي ، سوى حضِّنا على النأي بمسار تطوُّرنا الاقتصادي السياسي والاجتماعي الثقافي عن مصائد قوى (الاستعمار العالميِّ) ، نرمي بها من الأبواب فتعود من الشبابيك!
أعمى بصيرة بحق ، إن لم يكن ذا (أجندات!) خبيئة أخرى يقيناً ، من عجز عن رؤية (المصالح المشتركة) في تلك الخطة الساطعة ، وليسأل أولائك الجاحدون أنفسهم ، على الأقل ، كيف كان حالنا سيكون الآن ، لولا مساعدات (المنظومة الاشتراكيَّة) الكريمة ، ومِنَحها الدراسيَّة التي وفرتها لنا ، بسخاء نادر ، يوم قعدت إمكاناتنا الشحيحة بأحلامنا في التنمية ، وضاقت مؤسَّساتنا التعليميَّة بأهلها من الطلاب!
|
|
|
|
|
|