|
تقاطعات: الجندر والأمة والمجتمع في الرواية النسائية العربية إلى أماني
|
إهداء إلى الأخت أماني عبدالجليل وإشراقة وميرفت ورجاء، وإليكم جميعا هذه القراءة في كتاب أرى أنه جدير بالإطلاع عليه وإلى الآخ جعفر والذي أطراني بما آمل أن أكون على قدر ثقته، وأعتذر أنني أرد عليه هنا، ولكن تحاشياً على التأثير على مداخلات الآخرين وحتى يستمر الحوار هناك صامتاً، كما خطط له الأخ جعفر، ولآمنة كل المعزة. ========================================================================================= فرض الإنتاج النوعي والكمي للروائيات العربيات نفسه على الساحة الأدبية العربية، وكانت حركة الترجمة لهذا الأدب لافتة للنظر، إلى الحد الذي جعل أحد أساتذة الترجمة في إحدى الجامعات البريطانية يجزم بأن 80% مما ترجم من الأدب العربي هو أدب نسائي. وقد ظهرت عدة فرضيات تفسر هذا الاهتمام، مثل أن رواية المرأة العربية باتت تكتب وعينا كاتبتها على ما يجعل روايتها جاذبة للترجمة، بمعنى أن "هناك روايات تكتب لتترجم"، وذلك سعياً للانتشار العالمي. وبالنتيجة ترسخ الرواية النسائية العربية صورا نمطية يبحث عنها الناقد والقارئ الغربي في قراءته عن الشرق العربي.
-اسم الكتاب:تقاطعات: الجندر والأمة والمجتمع في الرواية النسائية العربية -تحرير: ليزا سهير مجج، باولا سندرمان، تيريز صليبا -عدد الصفحات: 320 -الطبعة: الأولى 2002 -الناشر: جامعة سيراكوز، نيويورك
والواقع أن كتاب "تقاطعات: الجندر والأمة والمجتمع في الرواية النسائية العربية" يناقش مثل تلك الفرضيات والتفسيرات عن الأدب الروائي النسائي العربي. وينقسم الكتاب إلى مقدمة وعشرة فصول تبحث تجارب روائيات من مصر ولبنان وفلسطين والجزائر، ويقدم عرضاً ونقداً لتلك الكتابات، كما يحلل الآراء النقدية الغربية لتلك الأعمال لا سيما محاولة نقاد غربيين معالجة هذا الأدب باستخدام نظريات منتشرة بأوساط الحركات النسائية الغربية عما يجب أن يكون عليه موقف الأدب النسائي من الشرائح والقضايا الاجتماعية والقومية.
قدرة النساء على التأليف تطرح سلمى خضرا الجيوسي في البحث الاستهلالي في الكتاب تفاصيل مؤلمة وأخرى طريفة عن رائدات الكتابة العربية في النصف الأول من القرن العشرين، ومن ذلك اتجاه البعض لإنكار إمكانية أن تقوم المرأة العربية بالتأليف. فإذا كنا في السنوات الأخيرة قرأنا لبعض من أراد التشكيك في أن أمثال سعاد الصباح وأحلام مستغانمي هن الكاتبات الحقيقيات لما نشرنه، فإن مما تذكره الجيوسي قصة الكاتبة اللبنانية نظيرة زين الدين (1908-1976) التي نشرت عام 1928 كتابها "السفور والحجاب" مما أدخلها في جدل كبير لمناداتها برفع المرأة للحجاب رغم استخدامها أدلة شرعية لإثبات ما ذهبت إليه، واتهمت بالردة والكفر.
وفي محاولتها للرد على منتقديها كتبت عام 1929 كتابا بعنوان "الفتاة والشيوخ"، فما كان من خصومها -وفي مقدمتهم الشيخ مصطفى الغلاييني- إلا أن أنكروا أنها المؤلف الحقيقي للكتاب، مدعين أن هناك من كتبه لها.
وتعالج الجيوسي إضافة إلى تجربة زين الدين تجارب ريادية أخرى مهمة مثل تجربة نازك الملائكة والمصرية درية شفيق (1907-1975) معرجة على تجربة فدوى طوقان.
وتلاحظ الجيوسي أنه إذا كانت نضالات وجهود أولئك الرائدات مهدت الطريق للإبداع الروائي النسائي العربي المعاصر، فإنها تتنبه إلى اتجاهات تحررية متقدمة يمكن أن نلمحها في الحركة السياسية والأدبية العربية في مطلع القرن العشرين تنافس الحركة الغربية آنذاك. ولكن الاستعمار الأوروبي المباشر في المنطقة العربية أوقف تلك الحركة وأوجد مناخاً ملائماً للتيارات المحافظة.
المنظور الغربي للرواية النسائية العربية على أن آمال عميرة في بحثها بالفصل الثاني عن أدب نوال السعداوي تبدو معززة لفرضية "الكتابة لأجل الترجمة". فرغم عدم إنكارها إبداع السعداوي فإنها تستخدم نظرية "الاستقبال" (The reception) لتقول إن النظرة لكتب السعداوي في الغرب قد امتزجت دائماً بالظروف السياسية والاقتصادية. فقد ترافق زيادة الاهتمام بالسعداوي مع حدثين رئيسيين أديا لزيادة الاهتمام بالمرأة العربية والمسلمة، الأول هو الثورة الإسلامية في إيران، والعقد العالمي للمرأة في الأمم المتحدة (1975-1985).
ورغم إنكار السعداوي على الغرب تركيزه على جوانب في كتاباتها تتعلق بالحياة الجنسية للمرأة العربية كقضية الختان ودعوتها للتركيز على المظالم المشتركة التي يشترك فيها نساء الغرب والشرق، فإن الغرب أصر على رؤية ما يريده هو في كتابات السعداوي.
فالصورة التي قدمها نقاد غربيون للسعداوي ذات دلالة على قيام هؤلاء النقاد بقراءة السعداوي بما يوافق هواهم، فمثلاً في السعي لإثبات اضطهاد المرأة العربية أشير إلى أن معاناة السعداوي وسجنها ناتج عن رؤاها لقضايا المرأة. والحقيقة أن ذلك كان بسبب مواقفها السياسية مثل معارضة اتفاقيات كامب ديفد ومعارضة حرب الخليج الثانية.
ترى عميرة أن السعداوي من الناحية العملية ساعدت على تكوين هذه الصورة، وأنها أدخلت تغييرات في الطبعات المترجمة من أعمالها تشبع ما يريده القارئ الغربي. فمثلاً غاب في الطبعة الأميركية لكتابها "الوجه العاري للمرأة العربية" فصل "المرأة في المنزل والعمل"، وغاب فصل آخر عن "المرأة والاشتراكية" بما تضمنه من نقد لسياسات الانفتاح التي اتبعها السادات ومن نقد للرأسمالية، واختفت فقرات تقارن بين المرأة العربية والغربية الأوروبية والأميركية تخلص إلى أن المرأة الغربية تعاني اضطهادا لا يقل عن العربية.
ولعل ما تمت إضافته للكتاب أهم مما تم حذفه، فقد أضيف فصل عن "الأجداد بأخلاق سيئة"، وكذلك فصل عن الختان، ولعل هذا الفصل بالذات الأكثر شيوعاً واستخداماً في مناهج الجامعات الأميركية عند تدريس قضايا المرأة العربية. كما أن ترتيب الفصول اختلف، ففي الطبعة العربية يأتي الجزء الذي يتناول تاريخ النساء في البداية بما يتضمنه هذا الجزء من إعطاء الإسلام حقوقا متقدمة للمرأة، في حين انتقل الجزء الذي يتحدث عن الجانب الجنسي في الطبعة المترجمة إلى البداية.
في التجربة المصرية أيضاً تقوم ماجد النواحي في الفصل الثالث من الكتاب بإجراء قراءة في أعمال الروائية سلوى بكر (مواليد عام 1949) محللة بشكل عميق أثر المناخ العام الذي ساد في فترة حكم أنور السادات على الأدب والإبداع الدرامي المصري.
فربما تراجعت حدة الرقابة في هذا العهد في البعد السياسي والاقتصادي، ولكن تزايدت القيود على جوانب أخرى جسدتها قوانين ومصطلحات عصر السادات الشهيرة مثل "قانون العيب" و"أخلاق العائلة المصرية". وتحلل الباحثة النواحي المضمون السياسي لهذا التوجه بأن السادات ونمط حكمه اعتمد على تقوية العناصر التقليدية في المجتمع، وعلى أن يلعب هو نفسه دور الأب والقائد مما جعل الأدباء يتجهون لمناهج تتحايل على المحاذير الجديدة.
أحد أهم الأشكال الأدبية التي راجت في هذا السياق محاولة التعبير عن التاريخ عبر حياة الأفراد، بحيث يبدو الحديث عن الأفراد مع أن الرسالة الضمنية هي بحث المجتمع ككل أو حقبة تاريخية ما.
وتأتي رواية بكر "العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء" في هذا السياق في محاولة لإعادة تعريف مفهوم المجتمع، فالرواية تتحدث عن فئات اجتماعية التقت في سجن النساء وتدين التقاليد والمؤسسات الاجتماعية المسؤولة عن القمع.
ورغم أن الكاتبة تعرض نموذج شخصية السجينة عزيزة التي تمجد السرقة والمخدرات وغيرها من مخالفات وتتخيل وترسم صورة رحلة للنساء إلى السماء حيث المحبة والمثالية فيما يبدو رمزاً لرغبة بفرصة ثانية لهؤلاء، فإنها تبدو منتقدة لمثل هذه الحلول الحالمة داعية للسعي لتحقيق العدل على الأرض واقعياً.
مفهوم النضال في الروايات الفلسطينية
تستخدم تيريز صليبا -ولكن بشكل غير مباشر- فكرة "الاستقبال" عند تحليلها لاستقبال القارئ الغربي لكتابات الفلسطينية ليانا بدر لتقول إن الحركة النسائية الغربية الكلاسيكية ترى غالباً أن القومية والحركة النسائية غير متسقة مع بعضها بعضا.
على أن القومية والحركة النسائية جنباً إلى جنب بقيت لهما أهمية خاصة للمرأة الفلسطينية، وهو ما يتضح في روايات ليانا بدر حيث النضال للخلاص الفلسطيني لا ينفصل عن نضال المرأة ولا يصلح أحدهما دون الآخر.
وترى تيريز أن عدم تجسيد روايات بدر للنظريات الأدبية المتداولة عن المرأة والحرب والنضال الوطني ودعوة مثل تلك النظريات للفصل بين قضايا المرأة والنضال القومي، ربما يفسر عدم إعطاء النقاد الغربيين أعمال ليانا اهتماما كبيرا.
والواقع أن ما تذهب إليه تيريزا قد يتعزز عند قراءة بحث باربرة هارلو عن كتابات سحر خليفة، وتخص روايتيها "الصبار" التي تسجل فترة بداية السبعينيات من عمر مدينة نابلس و"باب الساحة" التي تسجل فترة الانتفاضة الأولى عام 1987، إذ تبدو باربرة متجولة متمنطقة بتعميمات ونظريات الأدب النسائي محاولة إخضاع الروايتين لهذه التعميمات لتخلص إلى أن المرأة في رواية "الصبار" لا تحتل مكاناً بارزاً وتبدو على هامش القصة وعتباتها، في حين هي محور رواية باب الساحة. وباربرة تشير إلى أن هذه المحورية أتت لأن سحر خليفة كتبتها بعد عودتها من الولايات المتحدة الأميركية وإنهاء الدكتوراه هناك، بمعنى اطلاعها على النظريات الأدبية لأدب المرأة.
والواقع أن مثل هذا التحليل ربما يكون قد جافى الصواب في نقطتين مهمتين الأولى أن رواية "باب الساحة" يمكن أن تقرأ على أنها قراءة ومناقشة لفرضية ضرورة الفصل بين نضال المرأة في سبيل حريتها وبين النضال الوطني، وأن النتيجة التي وصلت لها خليفة ترفض ما تذهب وتطالب بها الحركات النسائية العالمية من الفصل التام بين القضية القومية وقضية المرأة. وتخلص إلى أن الاحتلال هو الهم الذي يفرض نفسه على الناس حتى لو أرادوا تجاهله لصالح هموم أخرى. والنقطة الثانية التي ربما لم توفق بها باربرة فيها أن معالجات وتركيز سحر على موضوع المرأة سابق لمرحلة دراستها في الولايات المتحدة، وعنوان روايتها "لم نعد جواري لكم" شاهد على ذلك.
” 80% مما ترجم من الأدب العربي هو أدب نسائي، ويبدو أن رواية المرأة العربية باتت تكتب وعينا كاتبتها على ما يجعل روايتها جاذبة للترجمة سعياً للانتشار العالمي ”
الهوية الجنسوية والقيم الاجتماعية في التجربة اللبنانية يتناول الكتاب عدة تجارب برز فيها تتبع أعمال روائية بحثت العلاقة بين الهوية الجنسوية والقيم الاجتماعية، وبين منظومة فكر العنف والاستغلال من جهة والصور المجتمعية عن قيم ومعنى الهوية الجنسية من جهة أخرى.
وقد تناولت منى فياض كتابات هدى بركات ولا سيما روايتها "حجر الضحك"، ودرست صباح غندور تجربة حنان الشيخ وروايتها "حكاية زهرة". وجاءت قراءة منى فياض مميزة ومتعمقة في فهم رواية "حجر الضحك" التي تحدثت عن بطل رواية يعيش "خنوثة" جنسية، وتتناول من خلاله القيم والصور التي يتبناها المجتمع عن الرجولة والذكورة في سياق الحرب الأهلية والنظرة الدونية للأنوثة والمرأة، وكيف أن بطل الرواية وللتخلص من القمع الاجتماعي والنبذ الذي يعانيه ولكي يثبت رجولته يضطر للانغماس بوحشية في منظومة العنف والقتل.
أما تحليل "حكاية زهرة" فيبرز تجربة حنان الشيخ في عرض الرواية الأخرى للخطاب الذكوري والرسمي الذي يسوغ ويبرر اضطهاد الأنثى، وتقدم عبر قصة فتاة لبنانية جنوبية فهما آخر يفضح المرامي الحقيقية للخطاب أو الرواية المتداولة للتاريخ السياسي، ولواقع الفتاة في هذا السياق.
اللغة والشكل الإبداعي يعرض الكتاب أيضاً لقضية مأزق اللغة والشكل الإبداعي الذي تحتاجه الروائية أو المبدعة العربية لتقديم قضايا مجتمعها. ويتحدث عن تجربة الجزائرية آسيا جبار (Djebar) التي تهرب من رغبتها وعدم قدرتها على التعبير عما تريد باللغة العربية بدل الفرنسية التي تتقنها والتي هي لغة العدو إلى السينما وتوثيق تعابير المرأة عبر رقصها وحركاتها وصمتها وعاداتها اليومية التي تعكس قضاياها.
في الواقع يشكل الكتاب إضافة نوعية مهمة في دراسة أدب المرأة العربية رغم تفاوت المستوى بين بحث وآخر رغم أخطاء في التواريخ والمعلومات في أكثر من فصل منها القول إن ثورة يوليو في مصر كانت عام 1954 كما في الفصل الأول أو تسمية الجامعة الأردنية باسم جامعة عمان في البحث عن كتابات ليانا بدر، وغير ذلك من أخطاء ربما يحسن تلافيها إن كان هناك طبعة أخرى للكتاب.
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: القصيدة النسوية نافذة نحو أعماق الآخر (Re: nadus2000)
|
أجمل نخلات بلادي لكم أحلى الأماني وإشراقة صباح لم يأتي بعد وللأخ حبيب نورة ولنورة المعزة
================= القصيدة النسوية نافذة نحو أعماق الآخر استفتاء حول القصيدة النسوية جاكلين سلام ـ كندا
الاحد 1 شباط 2004
إن السعي لبلورة مفاهيمنا بخصوص قضايا إبداعية إنسانية ومصطلحات ومسميات ضرورة تفرضها طبيعة كل مرحلة تمر بها المجتمعات وخاصة المرحلة الحالية لما تتميز به من قفز سريع بحكم التطور التكنولوجي وعولمة الثقافة والاقتصاد .
والإبداع الأدبي والقصيدة النسوية تحديدا، بحث له مبررات الخوض فيه ونحن نشهد حاليا كثافة كمية وكيفية في كل مواضيع الإبداع التي تصدر بأقلام النساء .
لنسلم بلا مقدمات أن مقدرة النساء على الإبداع الأدبي والعلمي أيضا لا تختلف في شيء عن مقدرة الرجال وكانت تجربة الشاعرة نازك الملائكة جديرة بأن تضعنا أمام هذه الحقيقية لما كان لها من دور ريادي في فتح أبواب القصيدة على آفاق جديدة لتدشن وتشهد ولادة الشعر الحديث في الشرق مواكبة تجربة زملائها من المبدعين .
إذن النساء لسن قليلات عقل ورؤية ولكن ثمة قصور معلن وملحوظ حول مواكبة الكاتبات وتحديداً الشاعرات لمسيرة التجديد الحداثي .
انطلق في مناقشتي للأسباب الكامنة وراء هذا التعثر باستعراض هذه المقولة القديمة ل " خير الدين نعمان أبي ثناء الالوسي في مخطوطة كتبها 1898 حول الإصابة في منع النساء من الكتابة جاء فيها " فأما تعليم النساء القراءة والكتابة فأعوذ بالله ، إذ لا أرى شيئا اضر منه بهن لما كن مجبولات على الغدر ، وكان حصولهن على هذه الملكة من أعظم وسائل الفساد والشر، واول ما تقدر المرأة على تأليف كلام فأنه سيكون رسالة إلى زيد أو رقعة إلى عمر وبيتا من الشعر إلى عزب وشيئا آخر إلى رجل آخر . النساء والكتب والكتابة كمثل شرير فاسد تهدي إليه سيفا أو سكير تعطيه زجاجة خمر، فاللبيب من الرجال من ترك زوجته في حالة من الجهل والعمى فهو أصلح لهن وأنفع " ثم ينتقل إلى القول :
" لي مقت شديد لكل النساء المخربشات ، إن إبرة الخياطة وليس القلم هي الأداة التي يجب أن يتعاملن بها وهي الوحيدة التي هن قادرات على استعمالها بمهارة " ( عن مجلة النساء )
نلحظ من هذه المقولة الرغبة المستميتة في تكريس الرجل للمرأة . وان كان هذا الحديث قديم في سياقه التاريخي ولكنه هو ما نشهده في واقعنا المريض وبدرجات متفاوتة حتى يومنا هذا وأؤكد بشدة أن الواقع الذي اختلف في مظاهره العمرانية وأزيائه إلى حد كبير لم يواكبه ذات التطور والتحضر فكريا وخصوصا فيما يتعلق بقضايا النساء. والإبداع نسيج هذه العلائق المادية والروحية ولا أجد غضاضة في القول بأنه حتى مثقفينا ومن كل المناهل الفكرية ( باستثناءات طبعا) لم يحيدوا كثيراً عن روح هذه المقولات وحتى بين الذين يدعون الماركسية والتقدمية باختلاف مناهلها .
هذا نحن ومجتمع يسوده النظام الأبوي، كان وما يزال يلعب الدور الكبير في تهميش وحجر النساء بعيدا عن النشاط الفاعل وعن الكتابة تحديداً لأنها تستدعي أقصى الانطلاق والاشتباك مع الذات والعالم ومفاهيمه، وفي المقابل نجدنا إزاء شرعية وراثية لامتلاك المرأة وملكاتها، ما بين الأب والأخ وإلى الزوج وقد يصار إلى الولد أيضا .
واسباب أخرى لذاك التعثر أذكر ظاهرة الأمية العالية بين صفوف النساء والتي كانت معضلة في شرقنا وحتى زمن جد قريب ثم انتقل بعدها لواقع الذكورة وآثاره وكذلك الدين والأخلاق والسلطة ، عوامل تكاملت لنفينا عن روحنا وعن كل أشكال الإبداع ولكنها لم تفلح في سد الطريق تماما . لعل التجربة العيانية وشواهد من حياتنا اليومية تضعنا بلا أي تعليق أمام نتائج يدور حولها بحثنا . اذكر عندما كنت صغيرة كانت أمي دوما تردد علينا " ادرسوا، عليكم بالتحصيل العلمي العالي، إنها نعمة لا تدركون قيمتها الآن ، والله لو كان جدكم(رحمه الله) سمح لي بالتعلم لأصبحت كاتبة " !
ضحكت مرة وقلت لها : أمي وماذا كنت ستكتبين ؟ تابعت انشغالها بحياكة شالات صوفية لنا ومطرزات فنية تزين أركان البيت ، أقول هذا الآن وأدرك أن جدي لم يقرأ الالوسي ولا غيره ولكنه كان ذا سطوة ليس فقط على بناته بل على نساء الحي أيضا ( هذا عن جيل ما بعد نازك الملائكة بقليل، وواقع شريحة هي الأغلبية ) .
ماذا عن جيلي وجيل زميلاتي في عصر ما بعد الحداثة ؟ أقولها وبثقة أننا لم نبتعد للآسف عن تلك الخرائب إلا قليلا، وهنا سأتحدث عن ( الجهالة والثقافة ) وعن السلطة الذكورية بشكل جد واقعي وسأضع تجربتي الشخصية شاهدا لثقتي أنها تجربة كثيرات من الشاعرات واللواتي لا يستطعن ولا يردن الاعتراف والتصريح بها وأعترف أنني أفعل هذا بعد تردد كثير .
حصل أن اقترفت جريمة الكتابة، ونشرت قصيدة واحدة فيما مضى، وحصل أن كانت النتيجة أن أحرق " السيد " كل أوراقي حينها، وحصل أن تغيرت الظروف الشخصية والمكان وقدمت إلى المهجر بقصيدة يتيمة مخبأة في إحدى جيوبي، رغم أن القصيدة لم تكن تحمل نية للإطاحة بالنظام الحاكم ولا بشرف الأسرة، وحصل أن أحرقتها بنفسي في طقس احتفالي لأبدأ من جديد رحلتي في عراء العالم وكما خلتني أرادتني ثانية .
أما إذا أردت التطرق إلى الدور الذي يلعبه الدين والأخلاق والسلطان، فسأقف عند مأزق مفردات تخص القصيدة النسوية نابعة من حجاب فكري وحجاب مادي ما يزال يتحكم وبدرجات بمفاهيم النساء عن أنفسهن وعن المجتمع عموما ويضعهن أمام مصطلحات كالحشمة والعفة والسفور والإباحية وحرية القول والفعل . وهذا يرتكز في وجود الإبداع النسائي .
وكذلك أصبحت الثنائية ( الأخلاقية - الدينية ) مترابطة وبات الحكم الأخلاقي رديفا ومنطلقا من التصور الديني. عداك عن الاستهلاكية والبهرج الذي أحيطت به النساء في المجتمع الشرقي أو الغربي على السواء .
فعل الخلق الشعري يتطلب من المبدعة التعري من القيود والرقابات بفعلها اللاإنساني لتتمكن من ملامسة هواجسها وجسدها وروحها وخيالها و وإيداع ذلك كله على بياض الورق وفي مواجهة العالم لتنجب قصيدة سليمة بكل المقاييس .
الكاتبة إذن في مواجهة كل ذلك لم تكن تكف عن الخوض في مواضيع واستعارات تخلق في حد ذاتها عالما خاصا له طقوسه ومفرداته وشروده وحلمه، وفي رأسها ترتطم الكلمات ( عورة ، نشاز ، فسق، حرية ....)
للأسف نكتب أحيانا ونحن نخاف أن نخدش الحياء، أن نخدش الخراب، أن نخدش القبيلة، أن نخدش السلطان أو حفيده، أن نخدش الزوج أو الأب أو الصديق، أن نخدش الورق،أن نخدش الدين .... ونظفر بكمّ مرعب من الندب المتقرحة والمستورة بعناية أو ارتباك في جسد القصيدة أو في قعر الروح.
الحظ بان الشاعرة كي تكون وبجانب الموهبة، يجب أن تكون محظوظة بطريقة ما، أما أن تكون غرسة في أسرة متمدنة، او بالزواج من (مثقف – غير منفصم ) أو تكون متمردة على كل معطيات واقعها وفي حالات كثيرة ذات إرادة عالية ومعرفة ومقدرة على خلق قصيدتها وبمنتهى الإصرار .
وهكذا كانت قصيدة النساء، خلقت وهي تحمل فراداتها، أسلوبها، أدواتها، شاعريتها، زوايا الرؤيا المختلفة عن الرجل بحكم اختلاف طبيعتها وتكوينها السيكولوجي ( وأؤكد على اختلاف وليس انتقاص ) ومن هنا أجد أنه لا ضير، بل هناك ضرورة في أن ننظر وننقد القصيدة النسوية كمصطلح ومن باب الإيجابية وليس السلب لتكون لنا نافذة نحو معرفة الآخر ( المرأة )، وبالتالي للتعمق حتى في ذهنية الرجل وما يحمله من انطباع عن المرأة وما تصوره هي عن نفسها في رحم القصيدة .
قال الكاتب " بول فاليري " قديما، في محاضرة ساهم فيها كثير من المفكرين والأدباء تحت عنوان " من أنت أيتها المرأة؟ " : ألسنا نطرح على أنفسنا السؤال ذاته كلما نظرنا إلى المستقبل : ترى ما الذي يتفاعل في رأس المرأة؟ ماذا تخبئ وراء جبينها الذي أردنا أن نكرسه للحب ونقيده بتقلباته ؟
وعن سمات القصيدة النسوية عموما وبعد هذه العرض نستطيع أن نستخلص الكثير، وارى أنها زاخرة بمفردات من ذاكرة الشهرزاد في مواجهة شهريار، الخوف من العالم، الصراخ أحيانا، التيه، الضبابية، التحدي، الشفافية، التساؤل الملتبس والمدرك،..... كما هناك وبجدارة الكثير من الإنتاج العميق في رؤاه وأدواته وشاعريته حيث الجزالة والاقتصاد الخالي من الأورام والثرثرة .
ثمة أسماء نسائية شقت طريقها في ساحة الأدب واذكر مثلا ( اتييل عدنان – صباح زوين – غالية قباني _ غادة السمان .....) والغرض من هذا ،الإشارة إلى قاسم مشترك بينهن، حيث كان لكل منهن نصيبها من السفر، التمازج مع ثقافات أخرى بحكم المنشأ أو الظروف الخاصة، ولعلكم لستم تعتقدون إنني أريد القول بأنه فقط لو حملنا أوراقنا وتنقلنا في عواصم العالم سنلملم القصائد المرمية على الأرصفة بانتظارنا . وأستدرك بأنه حتى رائدتنا نازك الملائكة عاشت تجربة مماثلة من حيث الانفتاح والعيش خارج الحريم بأشكاله المتمثلة في المكان أو الذهن .
ساهمت القصيدة التي تكتبها النساء أو الأدب عموما في إغناء مكتباتنا بإبداعات تختلف عن أطرها السابقة ولم تعد تقتصر على الرثاء كالخنساء أو الكتابة للوطن والمقاومة وفقط، بل أخذت تشتبك مع قلقها الوجودي نحو العالم والذات، الحياة والموت، كما أخذت الشاعرة أيضا دخول ما يسمى " النص المفتوح " وهناك مساهمات جديرة بالالتفات إليها بين إبداع الشاعرات . كما أننا نشهد انطلاقة أقلام مميزة في باب القصة القصيرة والرواية .أشير إلى هذه الكلمات التي قالتها الروائية المصرية ميرال الطحاوي بعد نقد روايتها " الباذنجة الزرقاء " ( مقتطع من حديثها المنشور في جريدة الزمان ) :
" لقد كتبت سيرة روحي وأزمة عوالم عاشتها ملايين النساء، نعم فأنا في النهاية أنثى، وهذا جزء من وجودي الاجتماعي البيولوجي والخبرات الحياتية ومنظومة القهر التي نمت عليها أظافري الصغيرة ، الأنثى كانت جزء من المأساة وليس كلها، فأنا عربية في سياق قبلي من حيث التكوين والعادات، مسلمة في سياق سلفي يحاول استدراجي لمواقع سلفية، أنا إنسانة تحب وتحبط وتخلق أحلاما .... كيف أمحو الذاكرة ولماذا أمحوها، أنا أكتبها بكل الصيغ لأخلق واقعا قد يعطيني بعض الحرية والعدالة والتحقيق . " كما لدينا أصوات هي النقيض من هذا .
وعلى العموم نسعى لتكوين فكرة عن مصطلح القصيدة النسوية وأهليتها للتداول النقدي ونحن نعلم أن النقد عموما صامت أمام هذا الكم الكبير من الأدب بعمومه، وأشير إلى ظاهرة المسها حاليا في بعض الدراسات التي تنشر عن شاعرة أو شاعر، بحيث لا يتورع صاحب الدراسة عن القول مثلا : وصلني هذا الديوان من الشاعرة ....وأنا أقول ماذا لو لم يصل إطلاقا، ماذا لو كانت الشاعرة لا تملك فائضا من كتابها لترسله إلى النقاد والمهتمين .
ختاما أقول : لا شيء يقف أمام إرادة الإنسان رجلا أو امرأة، فكان الإبداع وكانت القصيدة بقلم الشاعرة وروحها وفكرها، وها هي تزدهر بشكل ملحوظ ، ولعل إعطائها حقها قراءة ونقداً يجعلنا في المحصلة نغير حتى فلسفتنا ( غير المعلنة ) وخطابنا الذكوري واحكامنا منذ تفاحة وأفعى وإلى نتشه ومقولته " عندما تذهب إلى المرأة لا تنسى أن تأخذ السوط معك "
بالقول : عندما تذهب إلى المرأة لا تنسى أن تأخذ معك وردة وكتاباً، لتقطف من القصيدة، عطرا وألقا .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تقاطعات: الجندر والأمة والمجتمع في الرواية النسائية العربية إلى أماني (Re: Nada Amin)
|
الأخت العزيزة ندا كم أنا سعيدة، بمشاركتك وما ورد في توقيعك يكفي لأن يكون مانفستو لحركة نسوية جديدة، تعترف بفضل نضال جميع نساء وطني، وتجذر لطرق جديدة لخير مرأة اليوم والغد. فشكرا لكي وشكرا لهادية. وإهداء البوست يشملك ويشمل جميع الأخوات.
Quote:
التحية لروح جداتنا ولصرخاتهن التى تفزع الروح وهن يتألمن تحت تشويه أجسادهن شلوخاً وخفاضاً. لرائدات العمل العام وهن يصنعن لنا دروباً بدمع مالح يبتلعنه وهن صامتات معزولات مظلومات يتعرضن لجارح القول. لكل نساء السودان اللاتى أبتلعتهن مطارات بعيدة، أو هزمهن الإحباط فابتعدن وإلى من لا زلن معنا مستبشرات وفاعلات ومجترحات لطرق جديدة لخير بلادنا. لكل الأصوات النسائية التى خدشت فضاء صمت فرض علينا فكن عصفورات يغردن رغم حديد الأقفاص. إليهن جميعاً آلاف التحايا. . |
| |
|
|
|
|
|
|
|