دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
المرأة
|
المرأة أمي التي في الكتاب المقدس التي على قول مارسيل أحن الى خبزها وقهوتها ولمستها في يوم المرأة ماذا أصنع لك يا أجمل أجمل شئ في دنياي أنا أحبك كما أستطيع وليس كما تستحقين
لعيونك أهدي بعض ما خلب لبي من أبداعات هولاء النسوة أولا نازك الملائكة أنا
الليلُ يسألُ مَن أنا أنا سرُّهُ القلقُ العميقُ الأسودُ أنا صمتُهُ المتمرِّدُ قنّعتُ كنهي بالسكونْ ولففتُ قلبي بالظنونْ وبقيتُ ساهمةً هنا أرنو وتسألني القرونْ أنا من أكون ؟ الريحُ تسألُ مَنْ أنا أنا روحُهَا الحيرانُ أنكرني الزمانْ أنا مثلها في لا مكان نبقى نسيرُ ولا انتهاءْ نبقى نمرُّ ولا بقاءْ فإذا بلغنا المُنْحَنَى خلناهُ خاتمةَ الشقاءْ فإذا فضاءْ ! والدهرُ يسألُ مَنْ أنا أنا مثله جبارةٌ أطوي عُصورْ وأعودُ أمنحُها النشورْ أنا أخلقُ الماضيْ البعيدْ من فتنةِ الأملِ الرغيدْ وأعودُ أدفنُهُ أنا لأصوغَ لي أمساً جديدْ غَدُهُ جليد والذاتُ تسألُ مَنْ أنا أنا مثلها حيرَى أحدّقُ في الظلام لا شيءَ يمنحُني السلامْ أبقى أسائلُ والجوابْ سيظَلّ يحجُبُه سرابْ وأظلّ أحسبُهُ دَنَا فإذا وصلتُ إليه ذابْ وخبا وغابْ
ثانيا هذه الفاتنة من لبنان سوزان عليوان شمس مؤقتة 0
يغادرنا المكان مربّعات الإسمنت، ثمّ المقاعد في إثرها الفراغ المباغت يفرض تأثيث الأرواح
1
كان علينا أن نكون أكثر صلابةً و بياضًا كأنّنا الحوائط التي تكوّن الزوايا و تسند السقف و الظلال
كان على أصابعنا ألاّ ترتعش و على الوقت أن يمهلنا قليلاً كي نمنح اللحظة ألوان لوحة أخرى غير البغيضة غير قتامة ملابسنا
2
لم نكن نشعر بخشونة البرد أو بالخفافيش العالقة بصوف معاطفنا
كنا نسير كالتماثيل مقنّعين بأحجار من كهوفهم كارثةً لا تعني أحدًا سوانا
حملنا الصناديق و مشينا نحلم بخشب التوابيت يخضرُّ يعود أشجارًا نتسلّقها
بقلوب صغيرة خبّأناها في الجيوب كعلب سجائر مجهولة لآبائنا بخطوات متهدّجة أنهكتها الرطوبة في أصواتهم بالمسافة حينًا و حينًأ بالسعال نزحنا من وهم إلى آخر جذوعًا تركل تشوّهاتها في غبار
من أين نبدأ في مثل هذا الخواء الشاسع؟ و إلى أيّ هاوية سيقودنا الأسف؟
العيون لاغية الأقدام أمطار تتساقط بانتظام مدهش
3
لأبواب أغلقناها على خلافاتهم سندير ظهورنا المقوّسة و نمضي وحيدين صوب اختلافنا كشجر غادر غابته سنقطع كل الجذور التي تصل ترابهم بقلوبنا كأنّ الذين يسكنون الصراخ ليسوا آباءنا كأنّنا قادرون على النموّ و الضحك بضوء قليل دونهم
4
نحن الآن أكثر قدرة على استيعاب قسوتهم و على افتعال الحنان دون نفور كلّما احتكّ جلدهم بيتمنا و كلّما عبرتنا أحضانهم مسرعة كأنّها تهاب ظلالنا تذكّرنا الحانة التي احتوتنا و ليلا كان يربّت على أكتافنا المتكلّسة كلّما أحنينا على الخشب ظهورنا مثقلين بهم أجنحةً دون وظيفة
5
لا غربة أشدّ من أصواتهم في النزاع
شرودنا إذ يزحف نحو عزلته يطمئن فئرانًا تقضم حواف النوم بأسنان حادّة كأصواتهم و لأنّ أعضاءنا ناقصة سيئنّ الخشب في المفاصل
6
من الدخان نولد و ليس من أرحام الأمهات كما أوهمتنا العائلة صغارًا لكنّ المرايا التي تعكس كؤوسًا متكرّرة بين الصابع ضلّلت رؤوسنا تلك المثقلة بفاكهة حامضة
7
هذا الدمع المنسكب في تراب غير قادر على إعادة الروح لخلايا الكلوروفيل الميّتة في أوراق لم تنج من حريق أشعلناه بأعقاب السجائر بغروب تركناه وحيدًا وراءنا دون قصد دون دراية بما يعنيه الجحيم آنذاك و لم تغفره لنا الغابة-الأمّ و إلاّ بماذا تفسّرون تعثّرنا بجذور قاتمة و ظلال تتمايل كلّما خطونا؟
8
مغروسون في الحرمان حتّى أعناقنا المتغضّنة و لا لذّة تحفّ العروق غير هواء قليل تسرّبه الأجنحة العابرة لذبولنا
لم نكبر إنّما المدرسة هي التي صغرت بسياجها المطوّق لبراءتنا و أشجار السرو و الباصّات
ما كان لنا أن نتبع خطونا على النار ما كان لأيدينا أن تمتدّ لتلك الكؤوس
9
لن نألف الضغينة التي تجمعنا و أقدامنا المثبّتة في دائرة لن تطأ هذه العتمة ثانيةً ربّما، بعد أيام قليلة نعود بلا شمس إلى المقهى بلا عصافير على الحواف
10
معبّأة بدخان يبدّل هيئته من جبل إلى تمساح تحدّق في عزلتنا في ملل يبادلنا ورق الكوتشينة و علبة الكبريت فيما الذبن صلبوا طاقتنا على خشب النماذج يقتلعون الأحلام التي لم تنضج بمناجل تلمع دون أن يغيّروا ثيابهم يهشّمون حيواتنا بمدنها الصغيرة و مقاهيها المبتلّة على أرصفة تتآكل أطفالها الذاهبون إلى المدرسة شاحبون كما لو أنّ قلوبهم تفحّمت في الليل لتلائم البيوت التي يعلو بعواميدها الصراخ
11
من السقف الذي تسنده يد التثاؤب لئلاّ يهبط الكابوس المتكرّر كعنكبوت متشابكًا باصوات تخفت تتدلّى حبال دون جثث
نغلق أهدابنا كما في الموت كما في دخولنا هذه الحجرة السوداء حيث وسادة فقدت النوم و خزانة عارية و كرسيّ يجلس في ركن ماخوذًا بجدار خامس
نعلّق الشمس لحظةً تعبر الرتابة دون مطر أو أشجار أو حيوانات أليفة تلعب معنا مؤرجحين أوهامنا على عتباتهم صانعين في كل مرّة تشكيلاً مختلفًا تحملنا الدهشة التي يلقيها إلى ذروة اللذّة لتقذفنا فجأةً في الضجر
الساعة لا تشير إلى زمن لا ساعة على الجدار أصلاً فقط حيوانات قماش على الموكيت الأبيض هكذا، أوهمنا السقف أنّنا بلا ماضٍ
12
كل منّا حائط و ظلّ و لوحة خاصة بحالته يشرد بين زواياها طويلاً كأنّ المرسم الكامن في مدينة لم يمرّ بها قطارنا كان يطلّ علينا تحت شجرة لوّثنا رئتيها بالسجائر
13
العازف الذي يستخدم علبة غيتاره تابوتًا
سيقفز من باب القطار فجأةً ترافقه آلته الموسيقيّة و أصواتنا
كعادتنا سنهزأ بالأمر و نستمرّ في الضحك و التدخين
لكنّنا في عودتنا من مدينة الملاهي سنتذكّره و نتتبّع صدأ دمعاته على القضبان الحديدية
14
الهيكل العظميّ في مختبر المدرسة
بالقبّعة السوداء نحمي جمجمته من حرارة اللمبة الفوسفورية من تسرّب جنوننا إليها و بشئ من الرهبة نفتح الفكّين المثقلين بالصمت مثبّتين سيجارة مشتعلة لن يتذوّق تبغها ندخل سمّاعتين مكان أذنيه و نهزّ عظامه معانقين عجزه عن الرقص معنا
15
رؤوسنا للفراغ لطيور عملاقة لا تمنح العظام ريشها لإله صغير ألبسناه معطف دموعنا كي تصدأ في الأرواح المشوّهة مساميره
بعيدًا عن أجسادنا المعتلّة بهشاشة يدركها الحطّابون و ينتهزونها فرصةً لاغتصابنا يصنع الأثاث و تحكم التوابيت من جلدنا الورق و قصائد المدرسة و المقاهي نحن الصناديق و الموتى بداخلها
ما يؤرّق الغابات في رؤوسنا كلّما اختبأنا تحت ملاءات ناصعة كأسنان أطفال نبتسمين افتقاد خشب الأسرّة لجذورنا أو تسرّب أنفاسنا المخمورة من شقوق صغيرة في إطارات النوافذ
16
ما الغرابة أيّها الأصدقاء في عصفور يعبر غيمة في سقف الحانة و يصطدم بشبيه في لمعان المرآة؟
ما عنصر المفاجأة في تفكّك جمعتنا و تحلّل الشموس المدلاّة من الاعناق إلى سوائل حامضة تفسد قمصاننا المربّعة و تخمد سعالاً متقطّعًا في صدورنا؟
كنّا على يقين أنّ أرصفةً متصدّعة كرؤوسنا ستنبذنا دون رفاق أو موسيقى و أنّ أسناننا سيحرثها الضحك
17
دائمًا في أمكنةٍ ضيّقة تعيق رفرفة أذرعتنا
على ظهور المقاعد نسند تقوّسًا وراثيًّا ضاعفت درجته حقائب المدرسة و السفر ندخّن الهزائم بشراهة عضوية أحيانًا، نميل برؤوسنا إلى الوراء لعلّ الصداع يسقط بالوساوس
الأسود الحادّ وحشة على الجدران دون لوحات دون ظلال تمرّ
لأطفالنا الميّتين خفّة الملائكة في الأحضان لهم جلد في حنان مزرقّ و عيون منمنمة أليفة تحدّق في فجيعتنا و لا ترانا
18
لن يصحبنا أحد إلى تلك الحجرات المخنوقة المتربة، حيث لا مفاتيح ضوء و لا نوافذ نواربها ستكون الأمهات مشغولات بإخوتنا، أشباهًا جارحين كحواف المرايا. سيذرفن الحسرة دون انتباه في الأواني، ليكون طعام العائلة مالحًا، مرًّا، كالتراب في افواهنا، كلّما ابتسمنا لملاك يعبر عتمتنا و يتوارى أما الأصدقاء، فلا بدّ أنّهم سيعون فكرة الموت مبكرًا و يرتبكون تجاه التعلّق و الفقد. ربّما يتركون لنا بعض وردات على عتبات أبواب لن تفتح سنذهب وحيدين إذًأ، ترافقنا الأجساد لحين، ثمّ تنسل ببطء خيوطًأ لا تلحظها الستائر، تمامًا كالأرواح التي غادرتنا
19
كان الحنان أوّل من سقط منّا كان الليل أطول من أذرعتنا في العناق
يداك في فراغ و الاستحواذ كامن في كمائن الاحتواء لم تكن تلك المحبة خالصة المرآة لم تكشف لي أوراقًا شجرة هوت في شارعك أخرجتني من وهم الغابة
هل كان حضنك حقيقيًّا؟ هل أسندت راسي -فعلاً- على روح تنتفض عبر أنفاسها؟ لا أذكر من الحجرة سوى نافذة بحجم البحر أغرتني بانتحار أجّلته لحين فقدانك ذلك العطر ما زال عالقًا بالخيوط التي قطعتها، ملاكًأ مشنوقًا من جناحيه
ظلّ الطائرة الورقية لا يغادر مساحة طفولتي رغم أنّني أفلتّها و بترت أصابع اليد الواحدة التي كنت أحصي بها أصدقائي
20
كنافذة ملوّنة في لوحة قطّ على حافتها رغبته صفراء أطلّ و رؤوس الصغار على غيمة خشنة تجرح الأجنحة في عبورها
لا معطف أدسّ في جيبه وردتي لا خواتم لا عازف كمان على سطح البيت المجاور
برج منتصب بنايات مبعثرة، مطفأة
رغم هندسة الحنان في مكعّبات السكر أتفكّك عن خلفيّة الرموز و أطفال الورق عن الزجاج المغبرّ في سنوات دهست برائتي مثل شاحنات ثقيلة قوّست جسور الليل بما اسمّيه الآن الوعي
21
لن أذرف أقنعتي على الطاولة أمامهم سأدلق براميل من الألوان و البيرة موهمةً أصدقائي بالبهجة غناءً خلف أبواب الحمامات
من الخيوط و القصاصات -إذ لم أمتلك الأحجار في تدحرجها- سأصنع المشانق و الميتين
لشموس عديدة بستارتي لوّحت لراحلين خلّفوا سجائرهم في المتافض تفنى من تلقاء نفسها
كل ما كان لي تركته على الحبال القمصان و تلك الجثث المزرقّة كأظفاري كسماء في الحقد تمطر الغابة بضحك حامض و خذلان
كل ما حلمت به خذلني و كأنّ قدميّ الصغيرتين مخلوقتان للانزلاق
22
كجذع هجرته العصافير أقف وحدي أكسر حدّة الفراغ بقامة ضئيلة و أصدّ الرياح المنهكة عن ظلّ يتطاير و لا يلامس أطراف المطر
كلّما قطعته التأم الشريان الذي يصل خياناتهم بدمي و هذه الديدان كلّما هوت متخمة بفاكهتي أعدتها إلى الجرح يدًا تجدّد خلايا عزلتها
بمفتاحين ذهبيّين -هما كل ما تبقّى منهما- أغلق عينيّ على الفقر في العلاقة على هذيان المرتعدين من أنفاسهم لعلّي في الوقت الذي على هيئة نهر أسقط خشبًا على خديعة
23
شبحًا، أخترق الجدار أستلقي على آلام ظهري شاردةً في السقف الشاهق كصرخة جبل
جثّتي مدلاّة تتأرجح بين ظلالهم طائرةً من الورق المقوّى علقت بجسر أحدب يعبره الصبية العائدون من مدارسهم يجمعون عصافير ميّتة في الطرقات يتبادلون الأجنحة حالمين بفضاء أكثر اتّساعًا و آباء أقلّ قسوةً خشيةً من تآكل الأبواب بأحقاد الباكتيريا
قلبي فرد آنية دمع خاوية إلاّ من عفونة الأزهار المتحلّلة إلى حشرات تتنامى على غبار الكومودينو الأسود
24
بأيّة يد أقفل النافذة على المشهد؟ صناديق الموتى تزحم حجرتي الأمّ تهمس لعشيقها بأسرار العائلة صوتها الخؤون يقودني على أسلاك مكشوفة و هذه الجرذان في الزوايا متربّصة تتغذّى على ما ترسّب في الدم من أقراص مهدّئة
مسّني جنون أصابع المهرّجين في خواتم الدخان و الحسرة شجرة محنتها الفقد تحدّق في حذائها
هل يستمرّ الأطفال الملوّنون طويلاً على بياض الحوائط؟ من دلّ أقدامهم على طريق سلكته الراقصة بعدهم؟ و كيف استطاعوا أن يتسلّلوا إلى الكوابيس دون أن يرجّفوا الظلّ؟ وحيدون في حضنها رغم تداخل الأعضاء و الشوارع يعانقون دميةً تشبهها و لا تبادلهم القبل و لأنّ السلالم لا تصعد يتسلّقون آثامهم عتمةً ثنائية الجنس وردًا عائمًأ يرافق انجراف الجثّة
ربّما يكون الادراك قد أتلف تعدّدي فلا أستمتع بالصخب و الكؤوس ثابتةً و لا أقوى على تحمّل حناني
شخوص يتكاثرون حول السرير يعتمون في الغيبوبة مساحة الركض
بطلقة واحدة يمكنني التخلّص من كل هذه الأشباح في الرأس في أنفاس حجرة تضيق و تتّسع
25
عبرت رأيت غابةً هادرة أعرف الوجوه لا أذكر أسماءها
ليس الأزرق لونًا أو سماءً أو بحرًا الأزرق لوحة طفولتي الأزرق عصفور بلا شجرة أسماك في العينين، في الرئتين، في العروق
رأيت قصيدتي تغادرني كالمكان كمربّعات الإسمنت و المقاعد روحًا تحلّق فوق الجثّة ثم تتّجه نحو النفق
إنّني الآن على الجانب الآخر
عبرت حياتي حيث لا شئ، لا أحد، سوى هذا الفراغ الأسود
ما من أحد مغلق
26
الشوارع ذاتها بالأسماء التي تحملها منذ قرون بأشجارها العارية عروقًا في أعضاء الفراغ
عناويننا فقط هي التي تغيّرت
أمشي ظلّي آخر شأن أفراد العائلة مثل أصدقائي
ثمّة عصافير من الغليسرين تنهمر مطرًا خادعًا رغم تدفّقه كالحنان الذي في قسوتك
27
ليست هذه مدينتي، أعلم الخواء ضيّق، ما من رفاق في هذا البلد البعيد يوسّعون الروح و الأمكنة أكثر وحدةً من جثّة لم تألف عتمتها بعد الذين أخمدوا صرختي بتراب عادوا إلى منازلهم في انتظاره سرير و امرأة أدخّن الفقد رئتين متفحّمتين تنتفضان بسعالك كي أصنع غيمًا يؤنس ظلّي و أجعل من السقف سماءً صغيرة
28
من أطفأ الأباجورة العالية في غرفتي؟ لا بدّ أنّ شبحًا يقيم حيث كان لي في الزاوية سرير ثمّة يد مجهولة نزعت صورة المغنّي عن جدارها، و القت بخشب غيتاره في المدفأة الستارة في الطابق الثالث من العتمة و الريح تلوّح لعلّها لمحت يدي المعلّقة في خواء غيمةً بلا خواتم
29
الشجرة التي حدّثتني عنها مرارًا التي تسقط أوراقها الصفراء كمن ينفض عن معطفه بعض الغبار لم تعد أمّي ما عاد الطائر الأزرق الذي تطوّقه بذراعيها يأمن مزاج حنانها
30
هكذا أعود في ساعة متأخّرة من التعب لعلّ الجمر الذي في الأعضاء يستحيل رمادًا
أخرج عن سياق الكؤوس و الأصدقاء أغادر الضحك مكانًا لا يتّسع لانسكابي أتبع الوقت الذي مرّ كغريب تحت النافذة لم يعد في القسوة ما يدهش يدي اعتادت سقوط خواتمها و أشباح المحبة خارجةً من المناديل حين ألوّح
هكذا عبر البياض في أكفان مرصوصة خلف الباب توطّدت علاقة الأصابع بالفراغ
أطفالي نائمون في الورق توسّدوا الألوان ناموا محكم بيننا الزجاج، لئلاّ توقظ أحدهم خشونة سعالي أستلقي على السرير الأرق بثيابي علبة السجائر في مكانها و الهاتف المنسيّ أفكّر في الندب الذي في خدّها الأيمن. تلك المراة الغامضة لم تسقط كل جلودها. ليست عاهرة، كما صوّرت لنا ملابسها الفاضحة أحيانًا و تعدّد لهجاتها. و لا أعتقد أنّ المقهى المهدوم سيعود إلى ما كان عليه: قشّ السقف و الجدران، الحبال الملوّنة، و تلك الجمعة المفكّكة رغم الجلسات التي توحّدنا و غابة النراجيل أغمض ما عاد ممكنًا أن أستعيدها أمًّا ليتمي حضنها مغلق ما من مفتاح للبوّابة التي تخذل ظلّي كلّما اقتربت
31
تحت مطر من شجر في السماء سأقف جذعً ميّتًا نحتَته ليصير أنا ريح في خشبه، نفخت روحها سيّارات قليلة ستعبرني في ظلّي، سيدخّن صغار المدرسة كما كنّا نفعل في الماضي تمامًا تحت تلك الشجرة الكبيرة قرب البوّابة الرئيسية و السور الأحمر سأنصت لارتطام الطيور على المعطف البلاستيكيّ و الأسفلت الموحش حتّى تفقدني أحماض الملائكة وجهي و يدي و الأرض التي لم تعرف بعد الغياب حذائي
32
الباب المعدنيّ الأخضر ذو القضبان العديدة و الحارس الأوحد الذي كنّا ندخله في الصباح ركضًا و الحقائب الصغيرة تقفز على ظهورنا مثل ضفادع تبعتنا من النهر البعيد الباب -عتبة الجنّة في الخروج- مغلق على طفولتنا يدي تحثّني على ملامسة حديد مبتلّ لا أجرؤ
33
على الرصيف المقابل، شبح ذلك المقهى. دوريّ على كتفه الأيمن يحدّق في ظلّي. غبار السنوات بيننا. منه، يولد المكان ثانيةً، و تحلّق عصافيره بذاكرتي الباب الخشبيّ الخشن، المتأرجح الستارة بين صقيع الشارع العموميّ و الدخان. الطاولات المستطيلة ذات المنافض و الفناجين و الصحون و الأيدي. الكراسي التي قوّست ظهورنا. الجدران الصفراء كأسناننا. النادلة الطيّبة التي تعرفنا أكثر من أمّهاتنا. النافذة الكبيرة التي يتسلّل منها الهواء البارد و ضوء يشبهه و تلك العصافير الرماديّة، هذه التي تحلّق برأسي الآن مروة، عالية، منى، أنا: أربعة حوائط هدمت في مثل هذا المطر السقف موت ملوّن، معلّق في الخواء، يظلّل رأس الشبح و دهشة الدوريّ على الرصيف المقابل
34
تحت هذا المطر المتساقط من الأعالي سأقف جذعًا يقلّ وحلاً تتكاثر فيه أعقاب السجائر لن يفتح الباب الحطّاب الذي قطّع أعضائي لن تحطّ على كتفي لن تدركني في هذا المكان القديم شمس الأصدقاء
35
أرجّح الاحتمالات الطيّبة لكل السوء الذي حدث المحبة خدعة و الحنان مشبوه لكنّني -رغم حدّة الألم- سأستمرّ في تصديق ما لا أراه.@
*سوزان عليوان ولدت في 28/9/1974 في بيروت من أب لبناني و أم عراقية بسبب الحرب اللبنانية، عاشت بين إسبانيا و فرنسا و مصر تخرجت عام 1997 من كلية الإعلام من الجامعة الأمريكية في القاهرة
صدر لها في طبعات خاصة و محدودة : عصفور المقهى 1994 مخبأ الملائكة 1995 لا أشبه أحدا 1996 شمس مؤقتة 1998 ما من يد 1999 كائن اسمه الحب 2001
تكتب في الصحافة العربية و اللبنانية "لها زاوية أسبوعية بعنوان "علبة ألوان" في مجلة "الأسرة العصرية "و صفحة شهرية بعنوان "مكان البعد" في مجلة "نجدية ."و كتابات متفرّقة في كل من جريدة "السفير" و جريدة "النهار تعيش الآن في بيروت، "الخرافة" التي اسمها الوطن
يتبع
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: المرأة (Re: mohammed alfadla)
|
Nahla Mahdi Mohieldin/ Painter Born: 1975 Omdurman, Sudan
Education: Bachelor of Fine Art (B.F.A) College of Fine & Applied Art, Sudan University for Science & Technology, Khartoum, 1999.
Exhibitions: Group exhibitions:
2001 Group exhibition as part of the Sudanese Women Artists Association first anniversary celebration, Sudan National Museum, Khartoum , Sudan. 2001 Hilton Hotel, Khartoum , Sudan. 2001 Nissan Hall, Khartoum, Sudan. 2001 exhibition at the Opera House (Hanagr Hall), Cairo, Egypt 2000 Group exhibition, Hilton Hotel, Khartoum, Sudan. 1999 Graduation exhibition, at the Friendship Hall, Khartoum, Sudan. Participated in the Noma concourse for children with illustrations, Tokyo, Japan. 1997 Solo exhibition, College of Fine and Applied Art, SUST, Khartoum.
Awards: Winner of the silver medal, Nissan Festival of Fine Art, 2001.
Works in Public Collections: The Ministry of Culture and Tourist ; Nissan Company Hall;
| |
|
|
|
|
|
|
Re: المرأة (Re: mohammed alfadla)
|
نجلاء عثمان: أغنيــــــات الجســـــــد
انا بنية سودانية تكتب ولك ان ترتبى هذه المعلومة ثلاثية الاوجه كما تحبين. لم انشر اية مجموعة وهذا من دواع اسف حاضر , نشرت لى كتابات عديدة فى اصدارات متفرقة جلها فى السودان وبعضها فى المحيط العربى . مؤخراً نبتت لى سدرة فى حوش المغنين المطاليق فرحت بها ولم اكد احظ بظلها حتى وجدتنى اغنى ضمن مجموعة جديدة اسمها " مجموعة التجريب الموسيقى " ولدت وكبرت على يد فنان جميل اسمه " الصافى مهدى " . لدى اهتمام واسع بالترجمة وقد يفيدك انى تخرجت فى كلية الآداب – قسم اللغة الانجليزية من الجامعة الاهلية واسعى لنيل دبلوم عالى فى الترجمة من جامعة جوبا فى خطوة اولية على درب الماجستير . شغوفة بأمى ومريضة بصوت فيروز و لا اعرف الكثير عن العالم , بالكاد ما يقيم أود اسئلتى والتى الحظ ان جلها يتساقط عنى الى الاجل المسمى : الكتابة . لا زلت احلم بعالم يترجمه الفنان / اى عالم خال من الساسة والجنرالات ومخترعى الاسلحة النووية . ادرك ان حلمى قارب نجاة تعبر عليه اشد المهلكات قسوة ويظل هو نفسه الجريح الذبيح الحىّ وفيه من العشم ما يثقل الجبال .
(1)
أسجى ضفائرى على قمر ٍ غائب ٍ فى الحزر ؛ لئلا يموت وحيداً هناك .
(2)
مثلما تشتهى ، على معبد ٍ فى هواك التقى ّ اذبح ُ صوتى القديم : وانسى كثيراً ... لماذا اهيم كضوءٍ الهى ّ فى حضرتك .
(3)
وما ارفق الليل لولا فراق وما اصعب الحب لولاى لك .
(4) يبدل ٌ الهوى مقاعد الفصول فى دمى ؛ وفى دمى سعال . ايا مغيث الروح تب ْ على ْ , من حكمة الاشياء لا يبين شى ... وضوءك البعيد صدنى .. ضوءك البعيد زال .... ضوءك البعيد فى البعيد يزيد فى ضلال رؤيتى ضلال .
(5)
تعال ْ .
(6) اهش البكاء الذى فى الهواء الذى كان ما بيننا . كان او ما يكون يستوى ها هنا بالجنون الجنون وفى البحر لا يستوى اى شىء ! زوج ُ نوح ٍ تخلّى نوح وانت تحط السماء كطيرٍ رهيب ٍ على ْ , وفى خيمتى قد تهاوى فلك ْ .. مددت بطوق النجاة اليك وكان هلاكى فيمن هلك .
(7)
اود سؤالاً اخير ... وكيف سالقى الى بحر شوقى حصى ً ... وكيف نعود ولما نسير ؟ الخرطوم 1998
| |
|
|
|
|
|
|
Re: المرأة (Re: mohammed alfadla)
|
محمد مسأله مرأه دي موش مسأله مرارات ونضالات سخنه جداً
وعندنا في السودان نسوان حارات دعموا الحركه النسويه واضافو ليها
لكن انا عايز احكي عن المره دي
سناء محيدلي
ولدت سناء محيدلي في بلدة عنقون قضاء الزهراني ، (7 كلم من مدينة صيدا)جنوب لبنان ، في 14/آب/1968 والدها يوسف توفيق محيدلي . توفيت والدتهافاطمة و هي في الثالثة من عمرها ، و عاشت بعد ذلك في كنف والدها الذي كان ملتصقا بها بعد وفاة والدتها وتزوج بعد ذلك ليكون لسناء اخت واحده - عبير و ثلاثة اخوه هيثم و محمد و رامي . نمت سناء ميحيدلي في بيت و طني حيث كان والدها ممن يرفضون الظلم و القهر و الاحتلال كباقي اترابه ورغم تواضع العيش و الحياة خلال الحرب اللبنانية بقيت عائلة سناء تسكن بيروت و مرار الاحتلال تراود صبية تنظر الى مستقبل امة و ليس مستقبل فتاة . عملت سناء في اوقات فراغها و بعد الدراسة في محل معد لبيع اشرطة الفيديو في منطقة المصيطبه - غرب بيروت و خلال عملها هناك قامت بتسجيل 36 شريط فيديو للشهيد و جدي الصايغ الذي نفذ عملييته ضد قوات العدو في منطقة قريبة من الموقع الذي نفذت فيه سناء عمليتها الاستشهادية، و بنفس المتجر ايضا قامت بتسجيل و صيتها عبر كاميرا للفيديو من نوع "في اتش اس" ، و وجهت من خلال التسجيل رسائل الى رفاقها و اهلها و اوصت بتسميتها عروس الجنوب.
_ باتر جزين ، الثلاثاء 9 نيسان " ابريل" 1985
الساعة الحادية عشرة من قبل ظهر يوم الثلاثاء الموافق 9 نيسان ابريل 1985 تعبر سيارة بيجو 504 بيضاء اللون ، الحاجز المقام في منطقة باتر - جزين في طريقها نحو الجنوب اللبناني ، و قد سبق للسيارة أن توقفت وراء الحاجز المقام للعبور نحو الجنوب ثم انضمت فيما بعد الى طابور طويل من السيارت ، و بعد عبورها الحاجز الاول لم تكمل السيارة طريقها بل سارت ببطء و دون ان ينتبه احد من جنود الاحتلال الصهيوني او العملاء لما يتقدم عليه الشهيدة سناء محيدلي ، التي كانت تقود السيارة و التي كانت تتجه بكل عزم و اصرار نحو قافلة عسكرية اسرائلية تتجرك في المنطقة ضمن اجراءات القيادة العسكريةالاسرائيلية لأخلاء معدات من مةاقعها في القطاع الشرقي من لبنان استعدادا لتنفيذ المرحلة الثانية من الانسحاب . و قد لاحظ احد جنود العدو الصهيوني أن السيارة لم تكمل طريقها وفق ما اشار لها احد حراس نقطة التفتيش ، فاقترب منها محاولا التدقيق بهوية الفتاة التى كانت تقود السيارة و لكن كانت سناء محيدلي اكثر اصرارا و تصميما و سرعة ، فانطلقت بسيارتها باتجاه القافلة و اجتازت حاجزا حديديا موضوعا بشكل افقى امام مركز التجمع و امامه عوائق صغيره متعدده ، فاطلق حامية الحاجز الصهيوني رشقات من الرصاص باتجاه السيارة ولكن اصرار و عزيمة المقاومة الشهيدة كانت اسرع بالوصول الى تجمع القافلة و فجرّّت السيارة .
- البيان العسكري الاسرائيلي الناطق العسكري الاسرائيلي اعترف بالعملية اثناء النشرة الاخبارية التى يذيعها رايو اسرائيل عند الساعة العاشرة ة النصف ليلا و قال المذيع أن خبرا طارئا قد وصله نقلا عن الناطق العسكري الاسرائيلي يقول : " ان ضابطين من الجيش الاسرائيلي قتلا وان جنديين آخرين اصيبا بجروح من جراء انفجار سيارة مفخخة في نقطة عبور باتر- الشوف في لبنان وان السيارة المفخخة وصلت من الشمال (بيروت) و انفجرت عندما اقترب جنود من حاجز اسرائيلي لتفتيشها" . وكالات الانباء و مصادر حزبية في بيروتاجمعت على أن خسائر العدو كانت اكبر و ان عشرين جنديا قد قتلوا خلال العملية و دمر عدد من الاليات التى كانت تمر على شكل قافلة من مركز التجمع.
بيان جبهة المقاومة الوطنية الساعة الحادية عشر صباحا من يوم الثلاثاء 9/4/1985 قامت احدى مناضلاتنا الرفيقة الشهيدة سناء محيدلي بعملية استشهادية استهدفت تجمعا لقوات العدو على طريق باتر - جزين حيث كانت تتجمع اعداد كبيرة من الشاحنات و الدبابات و الاليات المجنزرة و العديد من المشاة المنسحبين من تلال الباروك و نيحا وذلك باقتحامها القوة العسكرية للعدو الصهيوني بسيارة بيجو 504 مجهزة ب200 كلغ من مادة ت.ن.ت الشديدة الانفجار . و قد اوقعت العملية خسائر كبيرة في جنود العدو يقدر عددهم بحوالى 50 بين قتيل و جريح ، بالاضافة الى اعطاب و احراق عدد من الآليات. و تعاهد جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية عروسة الجنوب الشهيده سناء محيدلي بانها ستلاحق العدو بالمزيد من العمليات الفدائية و الاستشهادية حتى يتحرر جنوبنا المحتل و شعبه الصامد من رجس الاغتصاب اليهودي ، هذا العدو الذي لن ندعه يرتاح حتى تحرير كامل ترابنا القومي .
ولا ننسي سها فواز بشاره
وفي القلب حب وانتماء عميق لامهاتنا واخواتنا في الحركه النسويه السودانيه علي راسهم فطمه احمد ابراهيم والاستاذه محاسن عبدالعال وسعاد احمد ابر اهيم ربنا يديها الصحه والعافيه
| |
|
|
|
|
|
|
Re: المرأة (Re: mohammed alfadla)
|
شيء قليل عن أمي ناظم السيد (لبنان) لم تكن تعلم أن رعي المواشي وحصد القمح بمنجل بدائي في ضيعتها الكفور، سيكونان المهنتين الشاقتين اللتين ستلازمانها طوال حياتها. ثمة أشياء أخرى لم تخطر في بالها عندما قررت أمي الزواج بأبي. لم تكن تعلم، مثلاً، ان القصائد التي حفظتها في صباها ستكون الأخيرة، وان الغناء في البراري سيخفت بعد انهماكها في تربية زوج وأحد عشر ولداً.
ربما اعتقدت، آنذاك، أن الزواج سيكون خلاصها من حياة ريفية باردة، ومن رعي المواشي وزراعة القمح وحصده، ومن عوز مادي كان يتسبّب به والدها المقعد والمتسلّط في تربية أولاده. على أي حال، لا اعرف الكثير عن جدي وجدتي لأمي. لم تحدّثني عنهما كثيراً. الأكثر غرابة أنها كانت تحدّثني عن جدي وجدتي لوالدي. كانت تقول لي إن جدي، والد أبي، كان طاهراً، وقد بنى عرزالاً في الكسارة، وهي الأرض التي زرعها لوزاً وتيناً وزيتوناً وصبّاراً ودراقن وعنباً وغيرها من الأشجار. الحقيقة، أنه لم ينشئ أرضا، ولا بنى عرزالاً فحسب، إنما ربّى أفعى سوداء كبيرة كان يطعمها البيض المقلي.
لم يكن جهلي بأخوالي وخالاتي أقل من جهلي بوالدي أمي. حتى اليوم لا اعرف من تبقّى حياً منهم. كان هذا سراً لم استطع أن أفهمه إلا عندما صرتُ شاباً. وعندما كانت أمي "تختلف" مع أبي كنت اسمعها تقول له في شيء من العتاب والندم والحسرة المكبوتة: "من يوم عرفتك، ما عدت متل ما أنا". هذه الجملة الساذجة جعلتني أحدس بأن أمي أصيبت بالانخلاع والانسلاخ عندما تزوجت والدي. لقد بُترت عن ماضيها وبدأت حياة جديدة، غريبة وشقية.
هذه الحياة الغريبة جعلتها امرأة صامتة، أو قليلة الكلام. نادراً ما كانت تعبّر عن عواطفها، حتى لأقرب الناس إليها. كانت مؤمنة، زاهدة، ومتقشفة. قلّما كانت ترمي بقايا طبخة مضى عليها يومان، أو كسرة خبز يابسة. وكانت تعرف حكاية واحدة عن الزهد ترددها عليّ باستمرار: تقول الحكاية إن أحد اليهود الفقراء، رعى أمه بعدما عجزت وأصبحت مُقعدة. كان يضع لها مخلاة تحت فمها لتجميع فُتات الخبز الذي يسقط منها أثناء الأكل. وعندما تشبع كان يعمد إلى هذه الفتات متخذاً منه طعاماً له. هذا العمل الخيّر المتقشف كافأ الله عليه بأن أرسل كيساً مليئاً بالذهب للرجل الذي أصبح ثرياً. "حفظ أمه فحفظه الله"، هكذا كانت تختم أمي حكايتها. ودائماً كنت أفهم الحكاية على أنها درس في الزهد وعدم التبذير، ولا علاقة لها برعاية الأم في عمر الشيخوخة.
كل ما سمعته من أمي كان بضع حكايات: الحكاية السالفة وحكاية رتيبة عن الإمام علي وحكاية خرافية عن ولدين يعيشان في غابة مهجورة. وهناك قصيدة زجلية لزين شعيب عندما كان شاباً، ولم تعرف أمي أنه أنشد عشرات القصائد غيرها، ويكاد يكون نسي تلك القصيدة تماماً، مثلما لم تعرف أن إيمانها سيصالحها مع العالم الآخر الذي تنتظر الرحيل إليه، ويتركها على خلاف مع العالم الذي تنتظر الرحيل عنه. كان إيمانها بسيطاً لكنه حقيقي. لم تكن تشك لحظة واحدة في وجود الله أو بمعجزات أنبيائه. لم تقطع صلاة، ولم تفطر يوماً في رمضان حتى في فترة العادة الشهرية، وخلافاً للفقه الإسلامي في مثل هذه الحال، كانت تصوم أيام الحيض التي تعيد صيامها بعد انتهاء شهر رمضان.
في الظاهر كانت تبدو طيبة، قليلة الكلام، عاطفية وبسيطة. لكنها في داخلها كانت تقسو على نفسها وعلى أولادها. لذا كانت تتولى مهمة ضربنا عوضاً عن أبي المتسامح والهادئ، والذي لا ينفعل إلا على نحو خاطف، والقانع بحكمته الضائعة وأقواله المأثورة.
*******
كنت واحداً من الذين ذاقوا ضربات أمي الموجعة. وكان السبب هروبي المتواصل من المدرسة. كنت أكره المدرسة في فترة السنة ونصف السنة التي أمضيناها في بلدتي بنت جبيل أثناء الاجتياح الإسرائيلي عام.1982 لم أحفظ ملامح وجه معلمة، ولا اسم تلميذ زميل، ولا عنوان واجب مدرسي، ولا حادثة مثيرة في أثناء الصفين المدرسيين، الثالث والرابع الابتدائيين.
كنت استيقظ يومياً السادسة صباحاً، فأرتدي ثيابي ثم أخرج من البيت المؤلف من غرفة واحدة، بحجة الذهاب إلى الحمام. كان الحمام خارج الغرفة، ويتطلب الذهاب إليه الخروج من الباب إلى الزقاق الضيّق ثم الدخول، بعد خمسة أمتار، في باب آخر يفضي إلى المطبخ فالحمام. وما أن كانت قدماي تطآن العتبة حتى أعدو هارباً في اتجاه البركة، ومن ثم إلى الوادي. كنت امضي نهاري كاملاً من دون طعام متشرداً من جبل إلى وادٍ، ومن كرم إلى كرم، وكثيراً ما كنت آكل العشب لإسكات الجوع الذي كان يقرض معدتي ويستنزف طاقتي على الصمود. كنت أعرف أن العودة إلى المنزل ستسفر عن ضرب مبرّح. لهذا كنت أروح أنتظر الليل الذي يعيد والدي من مقهى القمار. أمشي صامتاً إلى جانبه، وأدخل معه إلى البيت بكبرياء، مطمئناً إلى أن اليوم انتهى بانتصار غير معلن. كانت أمي عنيدة، ولم يفقها عناداً في العائلة سواي. جرّبت معي كل وسائل الضرب. لكني لم أتنازل، لا في الألم ولا في البكاء أو في الذهاب إلى المدرسة. في المرات التي كانت تمسك بي كانت توسعني ضرباً بيديها، وأحياناً بأنبوب الغاز الكاوتشوكي، وفي بعض المرات كانت تربطني إلى الكنبة. ومع ذلك كنت متأكداً من أنها تحبني كأن ثمة شيئاً يمنعها من قول ذلك وإعلانه. وبدوري كنت أحبها، ولا أستطيع التصريح بذلك، لأنها ستعتبر هذا تنازلاً من جانبي.
عندما أصبحت شاباً، لطالما أحببت فتيات لم استطع التعبير لهنّ عن مشاعري. حتى المرأة التي كنت أساكنها لأني أحبها، كنت أعيش معها حالاً من التصادم. أحبها ولا أصرّح لها. أعاندها بلا سبب ولا مناسبة. لقد كانت أمي حاضرة في كل النساء اللواتي عرفتهن. الأحرى كنت أمي مع نسائي. كنت مثلها شخصاً آخر، وكائناً يستعير حياته من حيوات الآخرين. لنقل أني كنت أريد من النساء ان يتنازلن لي في الأمور التي لم تتنازل لي فيها أمي، وان يعتذرن عن علاقة خاطئة لا بد لهنّ فيها سوى تشابههنّ في الجنس مع أمي.
*******
كان صمت أمي يشبه مونولوغاً داخلياً طويلاً. صلاتها المطمئنة بالآخرين، كانت تلك التي تريحها من الكلام. حتى دعواتها التي بها كانت تطلب من الله ان يعاقب أولادها على عقوقهم، لم تكن غير تصريح عاطفي معكوس، أو يخالطه العنف. لقد كان حبها ضد الحب، على الأرجح، أو كأن القسوة كانت طريقتها الخاصة في التعبير عن الحب.
ثمة حالات أخرى حملت أمي على النطق. من هذه الحالات إقدام أبي على إنجاز صفقة تجارية: إبدال سيارته الـ"بي. أم. دبليو" ببقرتين صغيرتين. وذات ليلة التف حبل إحدى البقرتين على عنقها، بينما كانت أمي تتفقدهما، فلاحظت ان البقرة تختنق، والزبد الأبيض يخرج من فمها، فصرخت عليّ، فركضت حاملاً سكيناً وقطعت الحبل الملتف حول عنق البقرة التي راحت أمي تمسد رقبتها وتحدثها في حنو ورفق لم يحدث ان سمعتها تتلفظ به في سهولة من قبل. كأنها للمرة الأولى تعبّر بهذه السهولة عن مشاعرها الخرساء، إنما لكائن أخرس لا يفقه أي معنى للكلمات. ربما كانت تعلم ان الحيوانات لا تفهم لغتنا، وتعمدت ان تبوح مرة واحدة بعواطفها، لكن لمخلوقات غير قادرة على فهم هذه العواطف.
لم تكلم أمي الأبقار وحدها، بل الجن أيضا. تقول أنها أبصرت مرة جنيين اثنين، ذكراً وأنثى، لونهما اسود، قصيرين ويشبهان الزنوج، على ما وصفت لي الجنيين اللذين قالت أنها أبصرتهما في ساحة البلدة، وكلمتهما وكلّماها. هل كانت في هذا تكمل هروبها من التواصل مع الجنس البشري، فتكلم من لا يتكلم وترى ما لا يُرى؟!
*******
لم تعش أمي بيننا، نحن أبناءها، كأم. كان صمتها الدائم ومشاعرها الخرساء أو المتصلبة في داخلها، يجعلان منها شخصاً اقرب إلى تحفة بشرية، ولدنا ووجدناها هكذا في المنزل. لكن وجودها كان ضرورياً لاستكمال المشهد العائلي. لم يشفع لها عملها المضني في الفرن من الساعة الثالثة بعد منتصف الليل حتى الصباح. وكثيراً ما كانت تخرج من الفرن صباحاً لتقطف التين من كروم القرية البعيدة. وفي المواسم الأخرى كانت تسرح في البراري تجمع الحطب اليابس. ساعدتها في ذلك قوتها البدنية وصبرها وقدرتها على الاحتمال. حتى الآلام الجسدية كانت سهلة بالنسبة إليها. تساقطت أسنانها في بطء، ولم تذهب إلى عيادة طبيب. تكلّست فقرات ظهرها. وعندما حملناها إلى عيادة الطبيب، طلب منها لزوم الفراش شهرين متواصلين، وتناول الدواء الذي وصفه لها. في اليوم الثالث رفضت الدواء ونهضت من الفراش وراحت تعمل كعادتها 12 ساعة متواصلة في اقتلاع الفجل والبصل والنعناع والخس والملفوف. مرة سقطت من أعلى السلّم وهي تقطف الزيتون. أصيبت رجلها بجرج بليغ استدعى أكثر من ثلاثين قطبة. تعاطت مع الأمر كأنه مسألة عارضة تلازم قطاف الزيتون. قالت: "ما في مهرب من المكتوب"، ثم أكملت حياتها مضيفة جرحاً ظاهراً إلى جراحها الدفينة.
بعد الخمسين من عمرها أصيبت بالسكري فتورمت قدماها، لكنها لم تتبع حمية ولا طالبت كغيرها من المصابين بهذا المرض بسكر اسمر أو بخبز صحي. "الله هو الطبيب"، كانت تردد، كأنها تبرر مرضها بدلاً من طلب العلاج. لا شك في أنها كانت تتألم. لكن عنادها جعلها في نظرنا أسطورة. وكانت سمات شخصيتها الأخرى تزيدها غموضاً، وتُسقط عنها المشاعر الإنسانية العادية. لم تكن تشعر بالخوف، لا في الحروب التي عاشتها وهي تحزم أمتعتها وتتنقل بين المعابر والحواجز باحثة عن أولادها المحاربين، ولا أثناء مكوثها إلى جانب ابنها الكبير الذي بُترت ساقاه ويده بقذيفة. كان هذا الابن نسخة عن أمه في العناد والصمت والقسوة. لم يقتنع بأنه فقد رجليه ويده، فكان يفتح نافذة المنزل في بيروت ويطلق النار على البنايات والبحر والسماء والطائرات البعيدة في الفضاء. كان إطلاق الرصاص يُشعره بأنه يشارك في الحرب، وبأنه ما زال موجوداً. الرصاص وحده كان مسوّغ وجوده. وعندما انتهت الحرب أصيب بالاكتئاب. لم أفهم ذلك وقتئذ. اليوم أحدس بأن انتهاء الحرب كان يعني انتفاء وجوده.
*******
ليست الحرب الشيء الوحيد الذي كانت أمي لا تخشاه. لم تكن، مثلاً، تخاف الموت. كان إيمانها وحياتها الورعة كفيلين بعث الطمأنينة في داخلها. واذا تأملت حياتها أدرك أنها كانت شكلاً من أشكال الموت. حياة معطّلة مختزلة إلى عمل قاسٍ وأكل فقير. ولولا هذا الموات لما استطاعت العيش حتى هذه اللحظة. والموت المؤجّل هذا هو الذي جعلها تلد أخي الذي يكبرني بسنتين بلا ألم. كانت وقتئذ في الكروم المحاذية للقرية، تجمع الحطب. وكانت في شهرها التاسع. وبينما هي عائدة إلى البيت تحمل على رأسها رزمة حطب هائلة وتجر بيدها جذع شجرة ثقيلاً، جاءها الطلق. لم ترمِ الرزمة ولم تترك الجذع، بل واصلت السير في صبر إلى البيت. هناك هرول الإخوة الكبار لمناداة الداية. وعندما وصلت الداية كانت أمي انتهت من إنجاب ولدها. من دون كلام ولا تعليقات، حملت الداية سكيناً وقطعت المشيمة مهنئة أمي بالسلامة.
هذا ما أسميه اليوم عزّة نفس غير ضرورية. عدم إظهار الألم وإخفاء المشاعر وتمويه العيش القاسي بالعمل، كانت سمات أساسية في شخصية أمي. ولهذا كانت تخرج من البيت عندما تغضب من أبي.
في مرات قليلة خرجت بلا سبب. على الأقل بدا لنا أنها تترك البيت بلا سبب. وكنا نعزو ذلك إلى عنادها. لم يخطر لنا أنها كانت غير راضية عن حياتها، وأن خروجها من منزل والديها كان خطوة في المجهول، ومقدمة لتهدمها تحت وطأة الإرهاق والإنجاب والمرض والأحزان الطارئة هنا وهناك.
ذات مرة حملتنا، أنا وأخي الذي يكبرني بسنتين وأختي الصغرى، ومضت بنا في سيارة أجرة. قلت لها في الطريق: إلى أين نحن ذاهبون؟ أجابت بكلمات مبتسرة وقاطعة: إلى بيتنا الجديد. نسيت أنها لم تكن تملك بيتاً قديماً ليكن لها بيت جديد. نسيت أن البيوت التي سكنّاها كانت لأناس هجروها بفعل الحروب. إما الغرفة الوحيدة والأخيرة في بنت جبيل فقد اشترتها جدتي لأبي. وهذا كان يشعرها دائماً بأنها تسكن منزلاً موقّتاً. وبرغم ان خروجها لم يكن يتعدى الأيام القليلة، فقد حافظت على هذا التقليد حتى بعدما تجاوزت الستين، لعلها كانت تحسّ بضرورة تغيير حياتها، وبأن لها الحق في البدء من جديد.
لم تكن أمي تشبه أبي في شيء. كان شخصاً غير مؤمن في المعنى الطقوسي والاجتماعي للإيمان، مقبلاً على الحياة، يشرب الخمرة، ويلعب القمار. يحب المزاح والعلاقات الاجتماعية. وكانت أمي على النقيض من هذه الصفات. كان يجمع بينهما صبرها وتحاملها على العيش. ولولا الصبر والتحامل لما استطاعت إنجاب احد عشر ولداً ورعايتهم بما تيسّر من وعي، وبما توافر من امكانات. أما أنا، ذلك الصوت الخافت في هذه القصة، فكنت أبحث عن امرأة لا تشبه أمي. امرأة تحبني بلسانها لا بقلبها فقط. امرأة تدفعني إلى الكلام. كنت أريد امرأة تعيد صوغ حياتي وفقاً لتربية جديدة. ثمة حلقة مفقودة في ماضيّ تحتاج إلى من يكتشفها ويعيد وصلها، طالما ان أمي لم تعد قادرة على شيء.
اليوم بلغت أمي السابعة والستين. ما زالت تواصل صمتها الطويل. تداريه كأنه فضيحة، تختبئ وراءه كمن يختبئ خلف زجاج. وما زالت تواصل تربية أحفادها بحنان صامت، وبحيادية. وما زال هناك أبناء يكبرون تحت هذه الصورة الغامضة والقلقة للعائلة.
النهار الأحد- 1 حزيران "يونيو" 2003
| |
|
|
|
|
|
|
Re: المرأة (Re: mohammed alfadla)
|
محمد الفاضلابى،
لك التحية بمناسبة اليوم العالمى للمرأة ولكل متضامن و معاً من اجل غد أفضل
ندي
نحن نتعلم من دروس التاريخ ومن تجارب النساء كل النساء بائعات الشاى و الكسرة ربات البيوت العاملات المدرسات، المثقفات، و المزارعات.... لكل منا ماتقدمه ورؤانا المتعددة تطرح البديل للرؤية الاحادية التى سادت على مر التاريخ نحن منكن و اليكن
| |
|
|
|
|
|
|
Re: المرأة (Re: mohammed alfadla)
|
يا أمي تعالي جهاد هديب (فلسطين/الأردن)
رائحتُك.. التي لوليد ما تَسّمى بعد، وما بلغَها سواه. وركبةٌ حين مسّتها يدُه ذابت، وما شَهٍدت عينيه ترحلان فيك. سرق جسمَك من بينهم إلى غرفة انتحر فيها ذكرُ نحلٍ انهزم.. الجائعُ إليكِ، في عتمة سريره، لعَق شهدا من جسمك بلسان طويل وجرى لعابُه
و العائلة.. لقد أراقَته في الطريق مع الذكريات وماء الغسيل
فالبيت.. وما وقفت ببابه
ها يتودد إليه أن يألفَه.يسكبُ نبيذا على العتبة فيدخل إليبردُه؛ تبلّلت كي يتبدّد بردُه؛ يسكبُ نبيذا على أرقٍ أصغى إليه يتردد في الردهة كموج. ولا يدري، أيخشى الضبالعتمة. حاذر أن يرتطم بالعتمة .من بُعدٍ ينظر إلى الغرف و يلِّوح بذراعه للأبواب فلا تسيل العتمةُ إلى النهار. يعود إلى الشارع دائما.ودائما يرى الأشجار وعصافيرها في خريف والموسيقى طيفا فيعليه؛ جرُ مزهوا أقبلَ عليه؛ يداه في جيبيه ويصفرُ
وأنتِ عصفْتِ به. أكان ذلك في منام ؟ عجنتِ أعضاءه بعرق. ثم تركتِ شعرةَ عسلٍ على الوسادة مازالت تدبُقُ كلما اقترب وجهُه منها فتجري الرغبة والذكرى معا
كلها. . كلها ما يقرأ الغريبُ على بابِه كي يُفتحَ ويأوي إلى ندمٍ
رائحتُكِ.. وما تركتْ أصابعُ مبلولةٌ على المرآة وظلّ أثرا يوجعُ
رائحتُكِ ثم ذاك الكلامُ الذي سالَ بينكما فصرتما ضفتين
كلُّها. . كلُّها البحةَ لصوته والتنهيدةَ في الخطو آنَ يخلو أو ينأى.
…………………………………………………..
وأنتِ البعيدةَ عن يديه. لا تبينُ لكِ صورةٌ في المرايا الكثيرة لقلبه.
أنتِ فيهم وردةَ صحراءٍ في الرمال بيضاءَ أولئك الذين سئموا مرةً، فهدّموا القلاعَ وأّلّفوا السفنَ كأنها الكلامُ، ومشوا فوق الماء وغنّوا للبحر فرّقت حورية وجاءت. أخذوا من قُبلة الماء سواداً في الشفاه. ولما أعطاهم البحرُ شيئا من طيشٍ، خْواتِ الشرموطة، غمَسوهُ برغبةٍ فعرفوا أن اللؤلؤةَ محارتُها امرأة.
وأنتِ المرأةُ، يميل جذعُها كلّما ازْرَقَّ البحرُ.
وها يخافُ.. يخافُ .. كان بحرَك وفيه طيشُ ولم تميلي عليه ولم تغتسلي بمائه
وردةَ الصحراء المتروكةَ في الرمال بيضاءَ ليس ندى ما غطاكِ به كلُّ فجرٍ بل أنفاسُه تحرسُ
عودي.. عودي الآن وإلا عَبَّأ الدنيا بالصراخ:
يا أمي تعالي يا أمي تعالي .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: المرأة (Re: mohammed alfadla)
|
أحمد الملا السعودية سيرة ناقصة
سأكتب أك .ت..ب إلى أن تكتمل بموتٍ يليق بما أرى
… قالت أمي إنني أول طفل لها يطلّ من مستشفى.أصبحت أصغي لمن سبقوني؛ كم هم أثرياء بما رسمته لهم قابلات الحيّ من حكايا وندوب.. "الأصفر" كان اسمه.
صرت أردد بخجلٍ:لأجئ العالمَ حتّى لو عبر مستشفى أصفر… …أبعد نقطة حارّة ،أذكر طعمها من حليب أمي..نخلةُ كلّمتني.فزعٌ باردٌ دسّ عصاه بين مفاصلي؛فتعثّرت ظلالُ نخلٍ في ثوبٍ أطول من قامتي وأقصر من أحلامٍ أخذت تتحسّس أكتافي بشمسها.
كان صوت النخلة يصفّر في عظام رأسي فلم أجد قدميّ إلاّ بين حلقة رؤوسٍ واجمةٍ لفلاحين . وكان أبي متربّعا صدرَ موقدٍ فاح فجأة بدخانٍ وزبدٍ؛شقّقا حُمْرةَ حطبٍ يئن،إثر فورة إبريق صدّعه سوادٌ دبق. كأن تكشيرة أبي مصوّبة ضدّ انفلات غباري.فبلعت شفرة كلماتٍ توّها تحبو.. خزّنت أوّل جرحٍ..(ليتني أستطيع الآن أن أحوّل مجراه…وأبوح)
……كانت إشارات أخي مخنوقة من وراء رأس أبي المنتفخ بالنهي،تشرح يداه لي:تعال فهناك في الأعالي ما يدعو لقضمةٍ في ظهيرة جوعٍ كهذه. ما تردّد هلعٌ لم تأبه له عينٌ من أفقٍ يتلقّى زجر إبريقٍ حالكٍ دون أيِّ دمعة سُكَّر. لحقتني شتائم كثيرا ما سمعتها في دارنا قبل أن تمطر غيمة نعاس على زفرات أمٍّ تستسقي نجما. فتطرف عيني لأرى ما فعلت بثوبٍ تلطّخ بعروق شايٍ ينعقد مع حاجبين اختلطا. تحاصره عيونٌ مطرقة بجذلٍ مكتوم. كأن هيبةً صُفعت على قفاها.لم يستر لهاثَ ثيابنا(أنا وأخٍ أنحلته رغبات مدبوغة)غيرُ شجرةٍ ثقيلة،جذعها تغضّن (كأن سيقانا عدّة اِحتمت عن نقيق الليل بالتفافها..فانمزجت كما موجٍ هاج وجمّده الفزع). رزحت أغصان كثيفة الصرخات اليابسة تتشبّث بفضاءٍ فظ ،لتأخذ وريقاتٌ أنفاساً تطرد شيْبا يتدلّى.. كيف تقوى أن تسمع جوارح تتسقّط نعي شجرة تنزّ روحها في حقلٍ قريب؟ …أصابعُ أخي تنخز مرارةَ الهواء نحو دمعاتٍ حمراءَ على خدِّ أوراقها.. يبلع ريقا ولا أسمع صياح جوعه إلاّ ممتطيا جذعها،يتقافز من غصنٍ إلى آخر يطقطق.يصفعني صوتُ تلذّذه بأوّل دمعةِ توت تقرمز أصابعه وتسيل من حرف فمه. فيطحن فراغٌ معدةً تكظم صريرَها
ينقبض لحاء بطني..أفلت من ظلّي صاعدا نتوءاتٍ وطيّات..جسدٌ يتقوّس على انحناءات أغصان تحزّ آلامها عظامي..صلابة ناياتها تحنو وتعزف لي متّكأً.. أعصفورٌ غامقٌ يحاول ثمرةً تتمنّع على منقاره؟أم صيفٌ جرّدته همهماتُ أخٍ بقفزات تختضّ لها هامة شجرة؟ أهمّ بقطفةٍ..وفجأة أخرى على صوتها.. ما عتقتني نخلةٌ ترقب وتتبع رغباتي :ـ "ليه تمشي لحالك..ما تخاف"؟ طار ريشٌ ما نضج..لففتُ أغصان وجهي فزلّت قدم..هويتُ ضحك أخي و"المليحي"صبي فلاح يتخفّى خلف كفّين ضمّهما على فمه كبوق.. :ـ "ليه تمشي لحالك..؟.." أ هـ .. و .. ي .. غصنٌ يتأرجح..كآخر صرخةٌ من جوف شجرة التوت.تسنّ حربة تنغرز في خاصرة جسدٍ تعلّق ..دمي يطشّ على ترابٍ حار.يتلاحق قطرةً فقطرة…… فلاحون ينفضون سحابة أبي عن رؤوسهم ، ويفزّزهم مطرٌ سوف يرتطم. جوعٌ دوّخته رائحةُ طينةٍ لزجةٍ بدمٍ طفل……
| |
|
|
|
|
|
|
Re: المرأة (Re: mohammed alfadla)
|
امرأة مرآتها صياد أعزل مقاطع من مجموعة
فراس سليمان محمد
1 أمي ليس عندها كلب ولم تفكر بذلك أبدا كلب تجره صباحا وتزيّن عنقه بطوق جميل وتفرح بذكائه وانصياعه أنا متأكدة أمي لا تحب الكلاب لكن هاأنا أذكر كيف كانت تجرني وراءها وكيف كانت تعوي داخلي رغبة بالفرار الآن وبعد كل هذه الأيام وأنا أجرّ ذاكرة بطيئة ورائي أستطيع أن أفلت الحبل أنا مثل أمي لا أحب الكلاب
2
مازلت تلك المراهقة التي تذهب بعيدا ثم تعود لترى الدنيا كما هي البيت خطأ واضح الطريق الى البرية مقفر عبر القصيدة مع هذا الكلمة شجرة الفاصلة حجر المعنى نهر والنقطة الأخيرة حيوان ميت
3
هذه الزاوية للكتب التي لن تقرأ أبدا وهذه المسامير على الحائط لأيقونات النعاس هذه الأريكة لضيوف البياض هذه الطاولة لبقعة الفزع المنسربة من الشبّاك هذه الأوراق لموت المخيلة أما ما هو زائد فعلا تلك المرأة التي تدّل على مستقبلها من فوق الأشياء بوساطة جسد مهترئ
4
أترك الحنفيّة مفتوحة في الليل كي أموّه ضجّة الفرح المتسلل الى غرفتي و.. كي يقتنع أبي انه ليس ثمة غريب في البيت
5
كل صباح أتأكد من موتي ليس في الحرب في المجاعة في السجون وساحات الاغتيال ليس بسبب من الزلازل والطوفانات وسقوط الطائرات الخ.... الخ فقط لأني عندما أمدّ يدي على الطرف الآخر من السرير لا أجدك
6
لو فتحت الباب أنا متأكدة سأرى حصانا وكلبا ورجلا ينظّف بندقيته وعلى أول الدرج جثتي
7
الجراد الذي طفر من رأسك يلتهم خسّ أحلامي هذه استعارة سخيفة دعني أقول بوضوح أنت مريض وأنا متعبة وحدي أفهم هذه أيضا استعارة!
8
ما كان عليّ أن أندفع كالمجنونة..الى الشبّاك أشرط الستارة وأكسر الأصيص لأنني ظننت اني سمعت وقع خطاك في الشارع لكن .. فعلا كنت محظوظة لأنه لم يكن ثمة سوى الطقس قد عبر ..مخلّفا وراءه رغوة زرقاء
9
في آخر الرواق وعلى سرير العتمة رجل يلحس جلد المعنى بينما .. في الغرفة المجاورة امرأة تمشط شعر ابنتها
10
أعرج .. تعبر الى صوتك بطني البئر
11
أمي تملك ثلاث جنسيات وقلما تغادر البيت تنزعج من أبي عندما يغلبها الباسرة تكره طناجر الطبخ وصمتي أمام الضيوف تسهر أمام نافذة المطبخ وتتأمل القمر صباحا تفتّ الخبز للعصافير وتبكي تحبني جدا دون أخوتي لأنني الصغيرة ولم تكبر المريضة ولم تصحّ المسافرة ولم ترجع
12
العجوز صاحب البيت جعل الحديقة غرفتين إضافيتين من قبوي أستطيع الآن أن اطلّ على ما يسمى الحياة وعلى ثلاث شجرات يتقصّفن في قلبي
13
لو تدعوني الى طاولتك أيها الغريب لو صاحب المحل يخفّف من النظر الى أفكاري
14
تبا للمتعة التي تجعلني مجنونة ألملم مفاتيح سقطت من قطعة الموسيقا تبا للطبيب الذي أكدّ كآبتي تبا لي وأنا أكره غنج هذه الخسارة في غرفة الجلوس لأقل باقتضاب شديد عيناي فادحتان ويداي ترتجفان في المجلى
15
الحذاء المنمنم الذي أهديتني رميته من النافذة الكتاب ذو الغلاف الأزرق مزقته الخاتم المزور الذي اشتريناه معا دحرجته على السلم كي أسمع رنين غيابك حنانك ... خلعته عني كما تخلع الصورة عن الحائط بضربة نزقة ... ضربة واحدة لم يبق منك سواك عميقا كحجر ثقيل في بئر قلبي
16
أمام ترسانة الغياب هذه بماذا سأحتمي هل ينفعني أن أجعل يدي على شكل مسدّس صغير وأطلق ما تبقى من قلبي في أعلى ومنتصف صورتك الوحيدة
17
الغجري ذاك من ركّب لي سنّا ذهبية وهو يغني نسيت من شدّة فرحي أن أسأله أين حصانه الأبيض
18
أبريق النعناع بارد على حافة الشرفة هواء يثرثر مع صفحات الكتاب المفتوح على الكرسي المقابل . وأنا .... مسترخية ألقي بقدمي على فخذيّ الغروب مستسلمة لهذه الوحشة النديّة مصدّقة .. وبغرابة شديدة ان كل شيئ الى زوال ماعدا هذا المعدن البضّ الجسد
19
أريد أن أكون كما أنا امرأة صغيرة لا تستحي من الرقص في أياد الميلاد ولا من التهام البوظة في الشارع ولا من قراءة الجريدة في المقعد الأول من الباص ولا حتى إذا لزم الأمر من إطلاق الرصاص على رجالات الدولة الأشرار أريد أن أكون شاعرة على سبيل التسلية وبقليل من الكلام أكتب صادقة كالمجانين واضحة كالتعب أهذي بدقة وأسمّي الأشياء ليس كأني اخترعتها بل كأني أستطيع أن أدفعها لتعطّل جريان الذاكرة السوداء أريد أن أكون كما أنا امرأة تحزن لأنها تترهّل وتتكسّر بحنو إذا ما سمعت موسيقا تحب لأن الحياة باتجاه واحد وتنام على الشاطئ لأنها موعودة بقرصان ستأخذه معها الى الحديقة لتعرّفه على أصدقائها الذين يفتّون قلوبهم لحمام لا يحط أريد أن أقول دون أن يساء فهمي أيها الرجل الطيب لعابك في أذني جرّار التماعاتي الى الغيب
20
في الغرفة المغلقة جيدا ستبوس المرأة جسدها ستمرّ عليه مرور الذئب على يوسف ستقطّع مخيلتها منصات رطبة بينما مرآتها ليست سوى صياد أعزل
21
لو استطعت أرسل لي فيء المغسلة الفوق السطح خفق جناح الحمامة الرمادية قرب شبّاك نومي الغبار وفردة حذاء ابن الجيران عن لوح التوتياء لو استطعت قل لرجل عابر القلوب المرسومة على الحيطان المغروسة بالأسهم أجمل من معارض نيويورك واذا ما هزّ رأسه احك له عن فتاة كلما ماتت توقظها رائحة الطيّون لو استطعت أرسل قطفة من أسرار الأولاد الذين يتشيطنون وراء البيت وبدلا من تقرأ كتابا عن ما بعد الحداثة اذهب الى تلك القرى واسرق لي ليمونة حامضة أو بصلة فأنا دائخة منشدة الوحدة والخوف
22
أجنهد لأبقى لكن ثمة دائما دم ممزوج بالأبيض يجرفني طفل لم أنجبه يصرخ في وجهي
23
أيها الرجل في طريقي إليك صادفتك لكن .. من شدة لهفتي أكملت أيها الرجل الذي لم يعد أكثر من فكرة بامكانك أن تنظر الى نهدي وأنا أنحني لألملم خطواتي الفائتة
24
ثمة واحدة مخدوعة دائما واحدة ستترك وحيدة في الفناء المغلق تتأمل وقتا جافا كا لرمل بين يديها الساهمتين تتأمل سربا من الغيوم واحدة .. تدلف الى الداخل لا تلوي على شيئ
25
مثل طفلين تعانقنا في الباص كانت رائحتك طيبة وكان الركاب شيئا فشيئا يشيخون
26
ماتبقى في ذاكرتي مشيتك التي تشبه مقص الحلاق قبضتك البلهاء وهي تدق على صدري إصبعك يهذي فوق سرني تلك الرجولة .. الأمومة الساخطة
27
قال الحائط : أه وهو ينحني على مهل على بطن الظهيرة كان الأب يذبح دجاجة بلدية كانت الأم تنشر الغسيل بينما الأولاد على الحصير يداعبون الجرو الأسود قالت الشجرة الواقفة وسط الدار الطقس ملوث بالدم قالت العتبة :لا شيئ حقيقي
28
ماذا تبقى للغجري بعدما حبسوه في المدينة وقتلوا حصانه وجرّدوه من خنجره وامرأته سوى أن يصنع حدوة من كلام رسنا من هواء فاسد لأجل رأسه( الجديد )
29
لم أعد طيبة لأغفر لنفسي ولا عاشقة لأقطف أغنية من الراديو ولا مجنونة لأسابق خيول الوهم لم أعد (أنا) لأقول كلاما أحبه أنا فقاعة الصابون التي تتألم لأن أحدا لا ينفخ عليها
30
جيبي ملآى بالمفاتيح لكن ليس عندي بيت يخصني لهذا نمت في البرية ساعة أو اثنتين هكذا أيقظني الفلاح أيقظني الراعي أيقظني الصياد ولأنهم اختلفوا فيما بينهم لم يغتصبوني تمنيت لو الصاعقة قسمتهم كلاّ على حدة نصفين كما فعلت مع الجندي العثماني الذي اغتصب جدتي وهي راضية
31
سهرت يومين أشرب النبيذ وآكل البرتقال .. وأدخن من أجل كتابة قصيدة صغيرة لكن ما حدث تماما ليس أكثر من زجاجات كثيرة وقشور كثيرة ودخان كثير وامرأة متعبة لم يهرّ كرز من مخيلتها على السرير ولم يغطّ خيبتها عسب نديّ
32
جسدي قبضة من الفراشات لو تمضي طويلا في ربيعي سيتسنّى لك أن ترى لكن .. لا أن تقطف قلبي الزهرة
33
سلاما أيها الفستان المبقّع بالزيت سلاما أيتها الأسوارة التي فقدت من قيمتها خمسمائة ليرة سلاما أيها الحذاء الصغير على الرف ميتا ولا تدفن .. حيّا ولا تمشي سلاما أيها الوقت يتدلى من ساعة الضجر كلسان كلب سلاما يت زر الجسد الذي فقع .. كرج.. ضاع وترك المرأة مشرعة دون أحد
34
كان ينام معي . من وراء الحائط كنت أختلس النظر لو تجرّأت لرأيت المشهد كاملا لوصلت الى الأقصى
35
أكره جميع أصدقائي وما شابه أحتقر العائلة والمؤسسة و..... و ... الى آخرة لهذا أنا الخائفة التي لم تنتحر حتى الآن أكتب شعرا واطئا سيقفز فوقه القراء بابتسامات عرجاء
36
أدفش الباب كرجل يدفش زوجته لو ثمة نافذة لفتحتها كما طفل يفتح سحّاب بنطاله . الغرفة..فكرة متورّمة كومة عراء صدئة صفقة جناح في اللغة
37
ليس الكلب المرتجف خوفا تحت المطر الأجرب .. المطرود على حدّ الغابة بعيدا عن البيوت الوحيد على باب المزرعة الحزين .. الذي أفلت الحجل انه الكلب الكلب في نظرتك أيها الحارس هل أقولها؟ أيها .. أيها .. القارئ -------------------------------------------------------- من مجموعة امرأة مرآتها صياد أعزل
كتبت هذه المجموعة بين 1990 و2000 ----------------------------------------------------- فراس سليمان محمد مواليد سوريا 1969 صدر له : المدينة التي أسكنها بعيدة شعر دمشق 1989 رصيف شعر وزارة الثقافة دمشق 1992 هوامش شعر دار المستقبل 1995 الأشعث والرجل الضيل قصص وزارة الثقافة دمشق1996 نافذة زرقاء شعر دار أرواد 2000 على الحافة وفي الخطوة المقلوبة نص أرواد 1200 امرأة مرآتها صياد أعزل شعر قيد الطبع مجموعة قصصية قيد الطبع
| |
|
|
|
|
|
|
Re: المرأة (Re: mohammed alfadla)
|
الآن
تمنع النار في البيت أمي كلها ثلج تلمع قليلا في بيت الشحرور في آخر دمعة لها تتيه في الهواء من جهة النار هذه انطفاؤها مكسر بورود رطيبة و فكها مأكل للهواء
من سيشرب حليب الهواء هو هذا ضيفي ويداه الاثنتان على الطاولة، ظله من خشب هزيل أبيض، و الكرسي هذا لم يعد إلا كرسياً هزيلاً المتصخن ؟ هذا .. أمي وقد فقدت في الليل اسمها المسكين و اسمها الصغير هي ذي، و أسنانها قد تفرقت، أحد هكذا قال
| |
|
|
|
|
|
|
Re: المرأة (Re: mohammed alfadla)
|
قميص ملون علي شعبان سليمان اشترت لي أمي قميصاً ملوناً، أحببته كثيراً. في المدرسة، ألبسونا لباساً واحداً موحداً، فصرت أنتظر العودة إلى البيت لأفرح بقميصي الملون. سحبونا إلى الجيش اللون واحد موحد أيضاً، أحببت علم الوطن كثيراً لتعدد ألوانه وتمنيت لو أنها تزيد وتتوالد، لكنني لم أطق اللون العسكري فاشتريت علبة ألوان ورحت ألون كل شيء يقع أمامي.. المهجع، الأسرّة، العتاد.... ألقي القبض علي بتهمة الخروج عن اللون الوطني، ألبسوني رداء باهتاً ثم قيدوني إلى جدار ممحي، وبدؤوا ينتزعون مني كل ألعابي، ثم أطلقوا علي أغبر أسلحتهم وأسودها. طارت روحي على شكل قوس قزح مازال معلقاً في السماء، يضيء في بعض أيام الصحو فترفع له أمي ذاك القميص الذي امحت ألوانه من كثرة التلويح.
| |
|
|
|
|
|
|
|