أدب الأسفار :تأملات علي طريق الأبيض - أبيي !

Quote: الصورة حية 1ـ2 أبيي طفل السلام الخارجة من رحم المسـتحـيل *أبيي: قرشي عوض في موقف الترحيلات الرئيسي بمدينة الابيض حاضرة ولاية شمال كردفان الذي تخرج منه وسائل المواصلات بمختلف اشكالها وموديلاتها واحجامها الى مختلف انحاء القطر، حياة فوّارة وموارة بكل شيء، فهو عالم قائم بذاته، يعج بكل الالوان والسحنات والالسن، يجمع بين الشيء ونقيضه في آن واحد، ويضج بحركة لا تكاد تهدأ أناء الليل واطراف النهار، ورغم انه يعتبر ساحة جمعت داخلها الاضداد من الناس والاشياء والبضائع، واحتوت تباين المستويات إلا ان كل العاملين فيه من تجار وقموسنجية واصحاب مطاعم ومقاهٍ وستات شاي وطبالي وباعة متجولين و«بتاعين» اورنيش وسائقين وكماسرة..الخ، وكل مرتاديه من مسافرين ومودعين ومتسوقين ومتسكعين يشكلون وحدة اقتصادية متكاملة ومجتمعاً متجانساً له اسلوبه الخاص في المحاورة والمبايعة، يتبادل افراده المنافع والخدمات والنكات أيضاً، فهم في النهاية «اولاد سوق» و «حتة واحدة».. في هذا الموقف تجد مكاتب انيقة لشركات فخمة تعمل في مجال النقل مثل افراس واشرنكيل والجيلاني وغيرها، وخلف هذا الصف الانيق تصطف دكاكين اخرى متواضعة الحال تحمل لافتات لمطاعم ومقاهٍ ومحال اتصالات ومكاتب ترحيلات، وكل ذلك قد يكون مألوفاً اذ ان الجديد اللافت هنا هو بروز لافتات لمحال رغم انها مخطوطة بحروف عربية الا انها تحمل دلالات تخص قبيلة الدينكا، ومن ذلك مثلاً «ترحيلات أجينق» وترحيلات «لول»، واللافت ايضاً ان معظم العاملين في المطاعم والمقاهي من النساء متوسطات العمر وقد احصيت اكثر من «60» دكاناً تقدم الطعام والقهوة بكل طقوس الطريقة المنزلية حيث البنابر مصفوفة بعناية ورائحة البخور المنعشة تنطلق من مباخر فخارية وترابيز صغيرة مبثوثة بين الزبائن ومعازيمهم. والحديث يدور بين صاحبة المقهى وزبائنها حول مختلف الشؤون فهم لا يتورعون ولا يستشعرون حرجاً في سؤالها حتى عن احوال اطفالها ومشاكلها مع صاحب المنزل الذي تستأجره. يسألونها عن كل شيء الذي يعنيهم ولا يعنيهم وهي تجيب عليها كلها بطيب نفس وخاطر. عدد من الحافلات والبصات النيسان تعمل على خط اويل واو بانتيو ابيي، وحينما سألت فيكتور صاحب مكتب ترحيلات عن هذا الخط اجابني بانه موجود منذ سبعينات القرن الماضي، لكن الحركة نشطت فيه منذ العام 2004م، وفيكتور هذا من ابناء قبيلة الدينكا في الخمسين من عمره متماسك البنية صاحب علاقات متعددة ومع شخصيات مهمة في الابيض دائماً تجده مبتسماً حينما يجادله احدهم. وفي الغالب يكون النقاش متعلقا بثمن التذكرة او الحجز او عمولة المكتب. يضحك بصوت مرتفع بين الفينة والاخرى، ويكاد يعرف كل العبارات المتداولة في السوق. يخيل الىَّ ان فيكتور اذا توسعت اعماله التجارية واصبح مثلاً تاجر اسبيرات ربما حفظ اشعار الحاردلو، لكن «مثيانق» الذي يعمل في تحميل العفش على «الحافلة» ويتحصل اجرته من الركاب لا يتحدث اللغة العربية مطلقاً ولكنه يكشف عن ابانة وفصاحة واضحة عندما يفاوضك في دفع الحساب، اذا تحدثت اليه قبل ذلك لا يجيبك واذا اعدت عليه حديثك يجيبك صديقه قائلاً: «ما عندو عربي» اي لا يتحدث العربية، لكن بمجرد ان يقوم بربط الشنطة على ظهر الحافلة يناديك «يا أستاذ جيب حاجة» وقد تجاهلته متعمداً فنبهني يا استاذ جيب الف جنيه.. اذاً بقدر ما تتسع مصلحة مثيانق في الحديث بالعربية فانه لن يتردد في تعلم المزيد منها وربما اصبح يوماً ما مثل فيكتور. الحافلة التي اقلتنا من الابيض الى ابيي يبدو انها غير جاهزة للسفر عبر الولايات وقد علمت من خلال سفري الكثير ومن حوار اجرته بعض الصحف مع مدير ميناء الخرطوم البري ان هناك مواصفات لوسائل السفر عبر الولايات اهمها الكشف النهائي على العربة قبل التحرك بواسطة مشرف ميكانيكي مختص وكل شركة ترحيلات ملزمة بايجاد مثل هذه الوظيفة، تعطلت بنا الحافلة بعد خروجها من الابيض والخطأ ناتج عن عدم مراجعتها للتأكد من صلاحيتها قبل التحرك فقد اتضح ان «بلي» اللستك الامامي كان يحتاج الى نظافة واثناء عملية الاصلاح انكسر مسمار خشبي اثناء عملية فك البلي ولا يوجد مسمار بديل في شنطة الاسبيرات.. فحدثت حالة من الاستياء وسط الركاب، اما انا فقد عالجت الامر على نحو مضحك.. فقلت بيني وبين نفسي ان «عدة» عمل الصحافي يجب ان لا تقتصر على الكاميرا والمسجل ويجب ان يضيف الى المعلومات الواجب معرفتها اعطال السيارات النابعة عن الاهمال. لكن على الجانب الآخر بلغ التذمر بين الركاب قمته.. فطالبوا السائق بارجاعهم الى الابيض لولا ان تدخل «فيتر» الذي يعمل بائع احذية في شارع الدكاترة بام درمان وكان احد ركاب الحافلة فتحدث اليهم بلغة الدينكا واستطاع اقناعهم بان العطل بسيط ويمكن اصلاحه لكن سائق الحافلة كان مشغولاً عن كل ما يدور حيث كان منكباً على عمله الذي انجزه في النهاية.. ولم يكن يهتم لسيل الشتائم وكأنها غير موجهة اليه اصلاً. كان يلتفت الىَّ بين الفينة والاخرى قائلاً: كيف يا استاذ؟ فاجيبه بخير.. كان يخشاني اكثر منهم لان عمي احمد القموسنجي في الابيض اخبره انني ذاهب في مهمة حكومية.. لكنني قبل ان اغادر الابيض رأيت ان هذه الصفة ربما تكون شؤما علىّ خصوصاً وانني اتوغل في اقليم لا اعرف حتى طقسه، كما ان الركاب بخلافي انا والسائق وصاحب العربة كلهم من الدينكا.. فقلت لفكتور صاحب مكتب الترحيلات انني «صحافي» وذاهب الى هناك في مهمة صحفية. فسألني اين ستقيم في ابيي.. مع الناظر ام مع الحكومة؟ فعرفت ان مهمتي قد بدأت فقلت له ما الافضل لي؟ قال انت حر لكن عموماً الناظر لديه مكان لاقامة الضيوف ثم اخرج ورقة وكتب لي اسم الناظر وهو كوال دينق اروب دينق اخبرت فيتر ايضاً انني صحافي اثناء تناولنا للعشاء في مدينة الدبيبات، فيتر رجل ظريف وحينما لم ادعه يدفع ثمن العشاء اصر على ان يدفع هو ثمن البارد. لكن حينما وصلنا الدلنج تأكد لي ان صاحب العربة لم يبت ليلة الامس في المكان الذي كانت توجد فيه الحافلة لان «المسكينة» قد نفد وقودها في الدلنج هنا قال لي فيتر هذا ليس فألاً حسناً لاننا لن نصل ابيي بهذه الحافلة في الميعاد المحدد ثم اخرج الرجل ادوات انتظاره ولانه لا يمكن ان يتوقع وجود ريكوردر» في حافلة على هذه الشاكلة اخرج مسجله الذي اتى به من الخرطوم ثم ادخل شريطاً للفنان اجاك وهو احد مطربي الدينكا الصاعدين واخذ يترجم لي الاغاني الاغنية الاولى كانت موجهة للاولاد الذين يمارسون الجريمة يقول لهم اذا اردت ان تكون انسانا له مكانة في المجتمع فلا تحمل سكيناً لتقتل بل احمل قلماً لتكتب.. في حين تقول الاغنية الثانية للفتاة يجب ان لا تبدلي لون بشرتك بالكريمات لانك ان فعلتي ذلك فكأنما تحتجين على ارادة الله الذي اعطاك لوناً معيناً ومثلما لا نغير ضحكنا وبكانا يجب ان لا نغير الواننا... عندما انتهت هذه الاغنية قام فيتر بادخال شريط لجمال فرفور فسمعنا طنطنات احتجاج من بقية رفاقه لكن فيتر تحدث اليهم بلغة الدينكا فهدأوا. عموماً فارقنا الطريق المسفلت بعد الدلنج.. والطريق من هنا فصاعداً.. «صاعداً هذه ليست بمعنى تزيد لغوياً لان الارض فعلاً مرتفعة».. يعود السفر كما كان منذ الازل قطعة من النار وتزداد الصعوبات على الطريق وتزداد معها المشاكل.. بين صاحب العربة والركاب فانظر مثل هذه المشكلة الغبار يتكاثف داخل الحافلة، احد الركاب يحاول اغلاق النافذة لكن هذه المحاولة ادت الى رفع درجة الحرارة داخل الحافلة فارتفعت معها الشتائم والاحتجاجات ليتدخل فيتر مرة اخرى ويحسم الامر.. احدى بنات الدينكا تصر على ان تبقى حقيبتها امامها لكن صاحب الحافلة يصر على ان ترفع على سطح الحافلة وعندما هبط الليل والحافلة مظلمة بلا إضاءة كنا نسمع شتائم دون ان ندري مصدرها، مثل عربي مجنون ويا بنت خلي عندك ادب، هنا تتصاعد همهمات الاستنكار من الرجال وه وه وه.. وانا تزداد مخاوفي من ان يحدث شجار لانني في هذه الحالة سوف احسب على صاحب العربة وربما انال نفس عقابه.. لكن لا يلبث الجو ان يهدأ ويعودون يضحكون مع بعضهم البعض. صاحب الحافلة محمد حمودة عليان كان يملك محل ترحيلات على خط هجليج الخرصانة وهو من قبيلة الهبانية ويعمل بالترحيلات منذ العام 1996م وكان قبلها يعمل بالقوات المسلحة. سألته لماذا تحتد معهم في النقاش دون ان يتطور الى شجار بينكم فاجابني بانه اكتسب هذه الخبرة من العمل في القوات المسلحة الى ان وصل الى رتبة مساعد كاتب واذا اساء لي احدهم فانني احاول ان اعرف هل لديه مستوى تعليمي ام انه انسان بسيط وهذا اكسبنا ثقتهم وانا اكثر انسان في هذه المنطقة له علاقات وسط الدينكا والنوير في كل منطقة هجليج. تساءلت بيني وبين نفسي ايهما اقدر على فض النزاع؟ «عليان» ام اولئك الذين يكثرون الثرثرة داخل القاعات المكيفة في الخرطوم؟ حينما وصلنا «كرقولا» في ساعة متأخرة من الليل اجبرتنا الشرطة على المبيت بها لنستأنف رحلتنا في الصباح الباكر لكن تواصلت اعطال الحافلة حتى نهار اليوم وهذه المرة في وسط الغابة وهي جافة وبلا ظلال تقينا الشمس. ولكن لم يعد هناك تذمر لانه ليس من المعقول ان يرجعهم السائق الى الابيض بعد ان قطع هذه الفيافي والوهاد بل اخذ بعضهم يساعد في اصلاح العربة.. في منتصف النهار دخلنا «عدارة» وهي قرية جديدة نشأت مع البترول والسلام. حنان بائعة الشاي جاءت لهذه القرية من الحاج يوسف قالت: إن الدخل هنا افضل من الخرطوم لكن المشكلة في المدارس بالنسبة للاطفال لقد تركتهم مع اختي وجئت الى هنا.. اما قرية «خرصانة» فهي على وشك ان تصبح مدينة تزدهر فيها تجارة الاسبيرات والاتصالات والكافتيريات. وضع هذه المنطقة يدل فعلاً على ان الله يرزق العبد من حيث لا يحتسب فكل مقومات المنطقة انها توجد بها «الخرصانة» التي تستخدم في رصف الطرق والمباني بكميات كبيرة لذا تأتي اليها وتروح القلابات التي تحمل الخرصانة الى هجليج وابيي لانها تستخدم في ردم الطريق فازدهرت المنطقة بتقديم الخدمات على هذا الطريق. خارج الشبكة: مساعد شرطة سليمان مجاك قائد القطاع الشمالي بمنطقة خرصانة وحدة هجليج الذي استلم هذه المنطقة يوم 14/4/2005م اخبرني بان المنطقة منطقة تماس بين القبائل العربية والافريقية وهناك تعايش بين العنصرين حتى من قبل توقيع الاتفاقية، لكن المنطقة معزولة عن التواصل في الشمال على حد قوله فقد ظلت منذ استقلال السودان وحتى الآن مقفولة والسبب يعود للحكومات السابقة لكن ثورة الانقاذ قامت بمحاربة الأمية بواسطة الدفاع الشعبي والخدمة الوطنية. وقال سليمان إن المنطقة تحتاج للخدمات وللخلاوى، واضاف ان اهلنا المسيرية يتجهون جنوباً بالبهائم قادمين من الفولة والمجلد وبابنوسة وأكثر الناس تضرراً هم الاطفال. فيما يخص التعليم ويحتاجون لتعليم الرحل. وقال لا توجد مشاكل قبلية وانما تنحصر المشاكل داخل خشوم بيوت المسيرية انفسهم، وهي ترجع لاسباب تخص ثقافتهم ونظامهم الاجتماعي ومعظم الجرائم المبلغ عنها في قسم خرصانة بين المسيرية انفسهم. ويشكو سليمان من عدم وصول الاذاعة والصحافة غير منتظمة والتلفزيون معدوم والاتصالات تعبانة شديد.. كما اشار سليمان الى ان للتجار الشماليين دوراً في تثقيف الآخرين ويقفون مع الاهالي في كل الملمات. ويتمنى سليمان ان يأتي التجار من الشمال ويلعبوا دوراً في ازالة الغبائن. لكن يبدو ان النقطة الادارية لا تخلو من مشاكل رغم النبرة المتفائلة التي تحدث بها سليمان آدم رحمة ابو هدايا مدير وحدة تحصيل خرصانة التي تتبع لمحلية كيلك بولاية جنوب كردفان حيث يقول ان لدينا مشكلة في الحدود بين ولاية الوحدة وولاية جنوب كردفان وان قرار دمج الولايات اثر على ايراداتنا لان منطقة الكيلو 23 التي كانت تتبع لنا الآن يتم التحصيل فيها لصالح ولاية الوحدة. ورغم الحديث الكثير الذي يدور عن التجار الشماليين لكن في الحقيقة كل التجار الذين يعملون في تلك الاصقاع وحتى داخل ابيي نفسها من غرب كردفان وجنوب دارفور. فهذا هو الصادق جودة نايف من ريفي غبيش صاحب كافتيريا «نيو سايت» يقول اخترنا هذا الاسم دعماً للسلام واعجاباً بهذه المدينة التي اتمنى ان اراها. ويضيف التوم هجو من ام روابة ان المنطقة تمام، اما عز الدين عثمان آدم من الضعين يقول بدأنا العمل مع بداية رحيل قرنق كي نثبت للاخوة الجنوبيين ان لا فرق بين الشمال والجنوب، فقلت له اذاً انتم تخلدون ذكرى قرنق؟ فاجابني قائلاً: الدكتور قرنق من فضلك. غادرنا خرصانة الساعة الرابعة عصراً لان حافلتنا اخضعت للصيانة كعادتها الشيء الذي مكنني من مقابلة هذا العدد من الناس والتقاط بعض الصور للمنطقة، قبل التحرك اخبرني السائق باننا اخترنا الوقت الخطأ لان هذا وقت الجرارات العائدة من هجليج ويصعب السير معها لكثرتها وكثافة الغبار الذي تثيره، وقد صدق لقد قطعنا كل المسافة تقريباً تحت الاضواء الكاشفة حتى وصلنا قرية هجليج النموذجية وقد كانت هذه القرية موجودة قبل البترول ويسكنها المسيرية والدينكا ويعيشون في سلام رغم انها تعرضت للضرب من قل الحركة الشعبية سنة 2000م، ويقول عبد السلام محمد بلل عضو المؤتمر الوطني بالقرية النموذجية إن الناس الآن تجاوزوا هذه الضغائن.. لكن القرية النموذجية بالتحديد بخلاف القرية القديمة قد تأسست في العام 2003م وهي عبارة عن مصطبة عرضها 200 متر وبها 51 منزلا ويوجد في «الميعة» ادنى المصطبة 350 منزلا والقرية تسع 3 آلاف نسمة وتحتاج لمزيد من الردميات حتى تسع مساحة المصطبة بقية المنازل، كما تحتاج لخدمات التعليم والصحة، لان مدرستها مشيدة من المواد المحلية ومركزها الصحي عبارة عن كونتينر يوجد به ممرض واحد والحالات الخطرة تحول الى هجليج، القرية تبدو بأضوائها ومبانيها المنظمة في غاية الروعة لكن صاحب الحافلة رأى ان نبيت الليلة في قرية ناما التي يسكنها خليط من الدينكا والمسيرية وهي قرية صغيرة مبانيها من القش قضينا بها ليلتنا وغادرناها في الصباح قاصدين محطتنا النهائية، نقطة ابيي الادارية، الارض هنا ترتفع وترتفع معها الردميات للدرجة التي ترى فيها قمم الاشجار تقريباً في محازاة الحافلة والطريق بالضبط يمر عبر غابة متشابكة الاشجار تظهر وسطها نقاط التفتيش ومن خرصانة حتى ابيي يمر الطريق بجزء من ولاية الوحدة وهنا تقوم بالتحصيل قوات بلا ايصالات، اما بعد ناما فتقوم بالتحصيل قوات يسميها الاهالي قوات السوم وهؤلاء يحصلون على السجائر والتمباك من الركاب دون ان يردوا لك باقي العلبة كما انهم يحصلون الضرائب بلا ايصال ايضاً. ابيي الصورة من قريب: بعد ان انتهى بيتر من سرد اشكال الابتزاز الذي تمارسه تلك القوات كانت ابيي قد لاحت من بعيد.. اول ما تقابلك مدرسة ابيي الثانوية بنين ثم دار الحركة الشعبية تحت التشييد، المدينة تبدو كبيرة ومشيدة من القش بما في ذلك مباني الامم المتحدة التي اخلتها للصيانة. الا ان مدرسة ابيي الاساسية وكذلك المستشفى والحامية ومبنى الامن والقوات الدولية ومبنى المحلية كلها مشيدة بالمواد الثابتة. السوق يعج بالكافتيريات والمتاجر المشيدة بالزنك والقش وايضاً اماكن الاتصالات والترحيلات الى المجلد والخرطوم مثل ترحيلات نيامورا. اخذنا فيتر الى مكتب ترحيلات اجينق وعرفني بصاحبها فجيء لنا بالقهوة ثم اخذنا بعد ذلك الى مكتب الحركة الشعبية لتحديد مواعيد معهم، وبعد ان عدنا الى مكان الحافلة في الطريق سألت فيتر مباشرة هل انت عضو بالحركة الشعبية؟ باجابني قائلاً لا انا زول مسكين ساكت لكنني لم اصدقه، كان من قبل قد دعاني ان اذهب معه الى قريته وتدعى كوت اخبرني عنها عندما استأجرنا انا وهو عناقريب من صاحبة مقهى سفري واظنها من العرب بمبلغ ألف جنيه للعنقريب الواحد.. قال لي فيتر حينما عدت الى قريتنا بعد توقيع اتفاقية السلام في يناير من هذا العام لم اتعرف على منزلنا لان مكانه قد نبتت فيه اشجار كثيفة، فسألته اين اهلك؟ لم يجبن فظننته لم يسمعني فاعدت عليه السؤال، جاء صوته حزيناً بعد فترة من الصمت «اهلي ماتوا جميعاً في الحرب ولم يتبق من اسرتي الممتدة غير عمي واختي. لذلك انا لم اعد الى الجنوب منذ العام 1987م.. شعرت بانني ساذج لماذا لم اخمن ذلك بنفسي؟ ثم اردف فيتر قائلاً: لو ان الانسان له اهل هل كان سيعود سريعاً؟ لابد ان يبقى لبعض الوقت. لم اقابل فيتر بعد ذلك سوى مرتين الاولى في مطعم بالسوق والثانية عندما كنا نجلس امام استراحة الحكومة ومعي بعض الموظفين لكن صورته لم تغادر ذهني وما زال صوته الرقيق يرن في اذني، لكنني في ذلك الصباح وانا تطأ اقدامي ارضاً لا اعرفها كان لدي ما يشغلني عن مأساة فيتر ورغم انني كنت لا ادري اين ساقضي ليلتي لكن الفضول اخذني الى اجراء مقارنات عديدة في داخل سوق ابيي صوت الفنان اجاك ينبعث من مكان اتصالات وعبد الرحمن عبد الله من كافتيريا وعبد الحميد كشك من داخل متجر. متاجر تعرض السكسك والملابس الملونة واخرى تعرض الشنط السمسونايت المدينة خليط فيها كل الاجناس تقريباً لكن غالبية سكانها هم الدينكا وقليل من المسيرية، خشم بيت «الفيارين» اهل السياسي المعروف عبد الرسول النور. المدينة تعج بالنشاط والحركة وسوقها مزدهر كما هو الحال بالنسبة للنقاط والقرى التي تقع في الطريق المؤدي اليها اذاً السؤال الذي يفرض نفسه عليك ما هو سر هذه الحركة والحيوية والنشاط؟ الاجابة هي العائدون الى ابيي. صاحب الحافلة قال لنا في القهوة ان مكتب الترحيلات نصحه بان يشحن الى المجلد لان لا احد يغارد ابيي الى الابيض او الخرطوم فالناس لم يأتوا ليرجعوا بل ليبقوا. وبالاستناد الى الاحصاء الذي قدمه مكتب مفوضية التعمير عن حركة العائدين من يناير حتى 15/7 من هذا العام يتضح ان الذين عبروا ابيي الى ما بعد نهر كير وهو بحر العرب هم «3.030.000» نسمة. وعندما بدأت حركة العائدين الى ابيي في 26/8 وحتى 26/11 استقر في ابيي «390،8» نسمة قد توزعوا على قراهم الاصلية. ومنها دوم امير وقد عاد اليها «1773» نسمة ويكونون «591» اسرة، وميوك التي عاد اليها «1534» نسمة يشكلون «511» اسرة. ومجاك استقبلت «3555» نسمة ويشكلون «611» أسرة. كما ان هناك حصراً لتقديم الاغاثة تقوم به مفوضية العون الانساني واعادة التعمير للعائدين يتضح من خلاله ان قرية نقوب بها «74» أسرة، وقرية نونق بها »190» أسرة وقرية ميانق كور بها «14» أسرة. وقرية قلير ارتفع عدد الاسر بها من «11» أسرة الى «150» أسرة، وقرية اتوني بها «55» أسرة وقرية اول ناق بها «156» أسرة. وقرية لنقار بها «200» أسرة. وقرية تي تي بي بها «60» أسرة. ولكثرة العائدين وتحول اماكن قراهم الى جزء من الغابة اثناء الحرب كما هو الحال منزل صديقي فيتر نشأت قرى جديدة مثل قرية نيكول لقبلة وهو اسم لبطن من قبيلة الدينكا وقد استقرت فيها «102» أسرة، وقرية قلد انيل واستقرت بها «43» أسرة وقرية مجاك التي تتبع لقبيلة منجواك وقبيلة مرتيق بها «711» أسرة. لكن هناك قرى تتكون من افراد ويبدو انها تجميع للافراد الذين فقدوا اسرهم اثناء الحرب مثل قرية اكيك نيل التي يقطنها «250» فرداً وقلير تور بها «190» فرداً. ونيكالي منجواد وبها «65» فردا ومبوك -منوال- ديل بها «511» اسرة وعدد افرادها «1534» وسبور نقور بها «300» نسمة. ومدينق اكنق بها «105» أسر وقوقرانق بنقو بها «95 »أسرة. الجدير بالذكر ان هذه الاعداد عادت الى ابيي في الفترة من 26/8 الى 26/11. اي خلال 3 أشهر مما يعني ان هذا الرقم قابل للزيادة خلال الشهور القليلة القادمة.

Quote: أبيي والمسيرية مواقف وحقائق تاريخية بقلم آدم العمراني-كاتب ومحلل مقيم في السعودية سودانيزاونلاين.كوم sudaneseonline.com 16/12/2005 8:59 ص أبيي والمسيرية مواقف وحقائق تاريخية الواجب الوطني يفرض ويحتم علينا توضيح الحقائق للناس ، إن مخطوطة الفكي النور موسى المؤرخة عام 1110هـ - 1700م تعتبر أقدم أثر للمسيرية في الاستقرار في ابيي قال هندرسون في كتابه مذكرات هجرة المسيرية إلى جنوب غرب كردفان المجلد 22 أن النور موسى هو أقدم شخص يؤرخ لهجرة المسيرية من مملكة وداي بين دارفور والكفرة إلى وطنهم الجديد – ذكر التونسي ، الرحالة والمؤرخ الذي زار المنطقة في القرن الثامن عشر أن المسيرية تحالفوا مع السلطان هاشم سلطان المسبعات في كردفان لصد عدوان السلطان تيراب سلطان دارفور عام 1785م مما يؤكد بأن في ذلك الوقت كان المسيرية استقروا سلفا في كردفان لفترة طويلة مكنتهم من أن يفهموا الأوضاع السياسية ويشاركوا في صنع الأحداث قال التونسي أنه بعد مقتل السلطان تيراب أنضم إلى مغتصب العرش عبد الرحمن الرشيد في عودته إلى دارفور عدد من شيوخ المسيرية والرزيقات بلغ عدة آلاف . اتفق المؤرخون والرحالة بمختلف جنسياتهم بأن المسيرية استقروا في منطقة أبيي لأكثر من قرن قبل أن يهاجر إليها الدينكا قال : بي . بي هاول: في كتابه مذكرات عن ينكا نوك بغرب كردفان الذي نشر مقتطفات منه سنة 1951م في المجلد (30) ا س-ان-ا ر يصعب تحديد الوقت الذي بدأت فيه هجرة دينكا نوك فقال ، يتعذر تقديم تاريخ دقيق لهذا الحدث ، ولكن من خلال الدراسة وخرائط الرحالة الأوائل فإن هجرة الدينكا لمنطقة أبيي يمكن تحديدها بأنها لقد حدثت في القرن التاسع عشر الميلادي . لقد ذكر تقرير استخبارات السودان رقم 128 بتاريخ مارس 1905م بأن السلطان أروب قرر سنة 1904م أن يتبع لمديرية كردفان وليس لبحر الغزال . السلطان أروب هو أول زعيم لدينكا نوك. في عام 1905م تم إبرام ميثاق إخاء بين زعيم المسيرية الناظر نمر علي الجلة والسلطان كوال أروب الذي عبر بموجبه دينكا نوك ليستقروا ببحر العرب في منطقة أبيي كان لميثاق الأخاء دور كبير في تطور العلاقة والمودة السائدة لفترة طويلة بين المسيرية والدينكا نوك فكان هناك احترام متبادل من الطرفين لهذا الميثاق ، والأنصهار والأندماج والمودة بين المسيرية والدينكا . وكان هذا يشهد به الأعداء قبل الأصدقاء . إن المفتش الانجليزي أثنى على هذه المودة في تقريره سنة 1920 – 1921م ، وكذلك مدير مديرية بحر الغزال أشاد بهذه العلاقة في خطابه بتاريخ 21/7/1927م وأوصى بأن يستمر الدينكا نوك في مجلس ريفي المسيرية نتيجة لعلاقتهم الجيدة وقد قامت الإدارة البريطانية في أواخر الثلاثينات بإجراء استفتاء للدينكا نوك بزعامة كوال أروب وأعطته الخيار إذا كان يريد الانضمام إلى الجنوب أو الاستمرار في الشمال وأن يبقى تابعاً لمجلس المسيرية وقد قامت الإدارة البريطانية بحشد عدد كبير من سلاطين الدينكا بعد أن عقدت معهم سلسلة من الاجتماعات السرية وطلبت منهم إقناع كوال الروب بخيار الانضمام إلى بحر الغزال والتخلى عن الشمال وطلبوا منهم أن يشرحوا له شروط وبنود ميثاق الإخاء الذي لا يعطيه الحق في الأرض ، ولكنه أكد لهم معرفته التامة بهذا الميثاق مع ذلك فإنه ملتزم به ولقناعته بالوفاء لرغبة والده هذا الوفاء الذي شهد به الدكتور فرنسيس دينق مجوك حيث قال : أن كوال الروب صرح لزعماء الدينكا في اجتماع خاص أن اختياره للشمال لم يكن تفضيلا للعرب على أهله الدينكا ، لكنه كان وسيلة لحماية أرضهم ومصالحهم إذا الدينكا قد قرروا الانضمام إلى الجنوب ، فإنه يخشى أن يطالب المسيرية بأرضهم على أنها ملكهم ويتحولوا إلى جيران معادين ويجبروا الدينكا على الخروج منها. هذه هي شهادة الدكتور فرنسيس دينق مجوك – وأضاف أن كوال الروب طلب من السلاطين أن يقدروا موقفه وتعهد لهم بأنهم سيتوحدون في الوقت المناسب عندما تكون الفرصة مواتية . يمكن أن يقوموا بذلك دون تعريض أرضهم للخطر. تكررت محاولات الإدارة البريطانية وبذلت مجهود كبير لإقناع زعماء الدينكا نوك بالتخلي عن الشمال والانضمام إلى الجنوب ولكنها فشلت في ذلك. سنة 1943م مات السلطان كوال الروب وخلفه أبنه السلطان دينق مجوك . اثناء الاستعدادات لمؤتمر جوبا سنة 1947م التقى مفتش المركز البريطاني بالسلطان دينق مجوك وطلب منه التخلي عن التبعية لكردفان مقابل امتيازات ومخصصات كبيرة بضمانات من الإدارة البريطانية في الانضمام إلى بحر الغزال ولكن أن السلطان دينق مجوك رفض هذا العرض وقرر البقاء في الشمال . استمرت الإدارة البريطانية في مواصلة مجهوداتها وقامت بعدد كبير من المحاولات وأجرت استفتاء سنة 1950م و1951م 1953م و1954م و1955م كل هذه المحاولات والمجهودات لم تفلح في أثناء زعماء وسلاطين الدينكا نوك عن موقفهم والوفاء لميثاق الإخاء الذي أبرمه جدهم كوال الروب مع المسيرية ، هذا الموقف التاريخي انتهى باستغلال السودان 1956م بحدوده الحالية قفل الباب نهائيا في وجه الاستعمار وانتهت المساومات والمحاولات للتقسيم الجغرافي والقبلي في السودان بلا رجعة وجاء دور الحكومات الشمولية السودانية في فتح المجال للمساومات من جديد ودون مبرر . الحكومات الديمقراطية التي تعاقبت على السودان منذ الاستقلال وحتى الآن لا يوجد منها من فتح هذا الباب للحديث عن أرض أو حدود ، ولكن نجد أن الحكومات الشمولية ارتكبت أخطاء جسيمة بفتحها المجال للحديث عن الأرض والحدود . معروف إن حكومة عبود جعلت من حلفا قضية ما زالت أثارها وتداعياتها موجودة ومستمرة . وكذلك حكومة مايو فتحت ملف أبيي وساهمت في خلق أزمة كادت أن تعصف بالمنطقة سوف نقتبس بعض الإضاءات كوثائق تاريخية تؤكد حق المسيرية في الأرض وملكيتهم لها . المادة 3 من اتفاقية أديس أبابا 1972م ورد في البند 3 منها تعريف المديريات الجنوبية الثلاثة بحدودها لسنة 1956م ، لقد ذكر هذا النص بأن أبيي ومناطق أخرى مجاورة ثقافية وجغرافية تعتبر من المجتمع الجنوبي يتم تحديد موقفها بواسطة استفتاء . الأمر الذي دفع المسيرية للقيام بتحرك واسع احتجاجا على هذا البند وأعلان رفضهم له ومطالبتهم حكومة مايو بتعديله . بينما فسر الدينكا نوك بأن النص الوارد في البند 3 كان في صالحهم وأن الاستفتاء يشمل منطقة أبيي . وتمت بعض الخطوات العملية في هذا الاتجاه – أهمها تعيين جستين أقوير بدرجة نائب محافظ مسؤولا جنوبياً عن أبيي الأمر الذي أثار غضب المسيرية ودفعهم لشن هجوم واسع على منطقة أبيي أجبر حكومة مايو على الغاء تعيين أقوير ورجوع المنطقة لوضعها السابق . سنة 1980م قامت مجموعة قليلة من أبناء الدينكا نوك بتقديم اقتراح لبرلمان حكومة مايو طالبوا فيه إصدار قرار بإجراء استفتاء على أبيي وقد فاز الاقتراح – وخوفا من ردة فعل المسيرية – قام زعماء وسلاطين دينكا نوك بإرسال برقية عاجلة بتاريخ 8 ديسمبر 1980م قالوا فيها : نحن نرفض بشدة أصوات أولئك المعزولين عن أهلهم ، ولم يتمكنوا أن يدعوا بحق أنهم يتحدثون بالنيابة عنا ، وفيما يتعلق بموضوع الحدود فإننا جزء لا ينفصل من أقليم كردفان هذه هي تطورات الموقف في حكومة مايو حول أبيي . حكومة البشير وتطورات الموقف من قضية أبيي أول موقف رسمي لحكومة البشير فيما يخص أبيي كان في أتفاقية الخرطوم للسلام في سنة 1997م . في فبراير 2000م وضعت الحكومة جدول أعمال لحل مشكلة أبيي كجزء من اتفاقية الخرطوم للسلام تحت البنود 2/1، 2/2 ،2/3 ,2/4 أقرت حكومة البشير بالآتي: 1- أن أبيي موطن المسيرية ودينكا نوك وهي ليس جزء من الجنوب . 2- أن أبيي منطقة تعدد عرقي وثقافي وهي واحدة من المناطق الأقل نموءا في البلاد ، وأن أبيي لها مشاكلها الخاصة بها . وأن حكومة السودان مستعدة لمناقشة هذه المشاكل حسبما يكون ملائما . 3- تناقش مشاكل أبيي بحضور جميع من لهم حق فيها . 4- تقترح حكومة السودان عقد مؤتمر جامع حول أبيي لمناقشة مشاكل المنطقة والخروج بحلول وافية هذا هو موقف حكومة البشير من قضية أبيي في اتفاقية الخرطوم للسلام . أما موقف حكومة السودان المضمن في الاتفاق الإطاري في مشاكوس كان موقفا قويا وكان يؤكد على تبعية أبيي للشمال ويتمسك بحدود السودان 1956م . من خلال ما تقدم يمكن أن نلخص الحقائق بالنقاط التالية . الحقيقة الأولى: إن التاريخ يؤكد بالأدلة والوثائق بأن أبيي أرض ملك للمسيرية بدون منازع ولا ينكر هذه الحقيقة إلا مكابر وله غرض . الحقيقة الثانية : إن الاستعمار الحكومات الشمولية لم تستطيع نزع منطقة أبيي من المسيرية رغم المحاولات المتكررة والسعي المستمر لإثارة هذه القضية في فترات متلاحقة . الحقيقة الثالثة : أن حكومة السودان تشهد وتقر وتعترف بأن المسيرية هم أصحاب هذه الأرض وأن أبيي ملك حر لهم بدون منازع . الحقيقة الخامسة : إن جميع الاتفاقيات في جميع العهود والأزمان كانت تعطي الحق للمسيرية في ملكية أبيي الحقيقة السادسة : إن الاتفاق الإطاري في مشاكوس حسم قضية أبيي وأكد تمسك الحكومة بحدود 1956م ولا ندري كيف دخلت أبيي في أجندة نيفاشا ؟ الحقيقة السابعة: إن الحكومة أعطت حقوق لا تملكها دون علم أصحابها وأن المسيرية لن يسمحوا بشبر واحد من أرضهم وإن ارضاء الحركة بتحقيق مطالبها لن يكون على حساب المسيرية . الحقيقة الثامنة : إن ولاية غرب كردفان تعتبر ضمن 26 ولاية في السودان وأن إلغائها وتذويبها في ولاية جنوب كردفان كان أيضا المقصود به هو المسيرية ولذلك فإن على عثمان محمد طه فدى نفسه من الملفات السوداء بأرض المسيرية ولكن إن هذا المخطط لن يمر وإن الإرادة الحقيقية للمسيرية سوف تنتصر بإذن الله . وسوف يعود الحق لأصحابه بإذن الله وإن كل من تخاذل وتواطأ وتاجر بقضية أرض المسيرية سوف ينال عقابه بإذن الله .

Quote: مداخلتان حول برتوكولي النيل الازرق وجبال النوبة ومنطقة ابيي عبد الرسول النور: الورقة الأميركية هى المرجعية لبرتوكول أبيي مكي بلايل: النوايا الحسنة وتوفر الإرادة السياسية وحدها القادرة على معالجة المشكلات اعداد: ادريس الدومة - الفاتح عباس * تعتبر قضية المناطق الثلاث (ابيي، وجبال النوبة، والنيل الازرق) من أعقد القضايا التي كان لها الاثر الكبير في تأجيل اتفاق السلام بين الحكومة والحركة الشعبية.. حيث شهدت عمليات شد وجذب كادت ان تعصف بالمفاوضات في كثير من الأحيان.. وشهدت عمليات التوفيق والتوصل لحلول حول هذه القضايا تحركات ووساطات جمة وربما مورست فيها الضغوط على طرفي النزاع حتى تُوجت بالتوقيع على البروتكولات الثلاثة بنيفاشا في السادس والعشرين من شهر مايو الماضي. وقد تباينت ردود الافعال حول البروتكولات المتعلقة بالمناطق الثلاث (أبيي، جبال النوبة، والنيل الازرق). (الصحافة) التقت حول هذه البروتكولات الثلاث بعض القيادات من منطقتي ابيي وجبال النوبة لتشريح تلك البروتكولات فالتقت عبد الرسول النور السياسي البارز وأحد قيادات ابناء المسيرية بجانب مكي بلايل رئيس حزب العدالة الأصل واحد ابرز قيادات جبال النوبة.. فماذا قالوا.. * بداية عبد الرسول النور السياسي المعروف.. كمدخل عام ماهو تقييمك لما وقع عليه من بروتكولات حتى الآن؟ - كل ما وقع عليه حتى الآن هو ست بروتكولات، اولها بروتوكول مشاكوس الاطاري الذي حدد الاطر العامة التي جاءت بموجبها البروتكولات الاطارية الخمسة اللاحقة. كل تلك البرتوكولات جميعها جاءت في إطار اعلان مبادئ الايقاد ذو النقاط الست الذي وقعت عليه الحكومة والحركة الشعبية عام 1997 وهى بروتكولات إطارية سوف تتحقق على ارض الواقع بطريقة مفصلة يتفق عليها الطرفان.أهم مافي تلك البروتكولات انها حوت كل النقاط المختلف حولها بمساعدة واشراف ومشاركة دول الايقاد الافريقية ومجموعة شركاء الايقاد التي تقودها الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبي وكندا واستراليا. واذا اتينا على اجمالي ما حوته تلك الاتفاقات فانها سوف تحقق السلام العادل الشامل المتفق عليه مربوطاً بتحول ديمقراطي كامل قائم على اساس المواطنة واساسها الحقوق والواجبات في دولة مدنية تعددية تسع الجميع على ان يقود ذلك الى وحدة طوعية في ظل وطن فيدرالي بمشاركة فاعلة للجميع في السلطة وقسمة عادلة للثروة وتنمية متوازنة وتعايش سلمي اجتماعي بين كل المواطنين على اتساع رقعة الوطن السودان. * نأتي إلى بروتكول منطقة ابيي.. ماذا تقول؟ - منطقة ابيي، منطقة يعيش فيها المسيرية والدينكا نقوك وبعض بطون قبيلة الدينكا الآخرين الذين جاءوها نازحين، اما بسبب قسوة الطبيعة او بسبب ظلم الانسان لأخيه الانسان لافرازات الحروب الاهلية.. السكان من غير المسيرية والدينكا اقليات وربما يمكن ان نصفهم بالافراد الذين جاءوا للمنطقة بغرض التجارة او الرعي. فالمنطقة اساساً منطقة مسيرية ودينكا، والمسيرية هم الاغلبية الساحقة وان كان المسيرية في كثير من الاحيان يتيحون الفرص لاخوانهم الدينكا بتمثيلهم بالتراضي واوضح مثال على ذلك انتخاب الناظر دينق مجوك عام 1953 رئيساً لمجلس ريفي المسيرية الذي فاز على ناظر عموم المسيرية بابو نمر. وهناك نماذج كثيرة مازالت قائمة حتى اليوم، فهذه القبائل المتعايشة والمنصهرة مع بعضها البعض منذ قرون عديدة لم تزعزع العلاقة بينهم إلا الحرب الاهلية. فلقد ذهبوا الى نصرة المهدية تحت راية واحدة وعادوا معاً، وظلوا يتبعون ادارياً لجهة واحدة منذ ان كانوا تابعين لتلودي، ثم اصبحوا تابعين للنهود ثم صاروا تابعين للفولة، وكانوا معاً في جنوب كردفان، وتحولوا معاً في غرب كردفان وعادوا معاً الى جنوب كردفان مرة اخرى. * إذن ماهو سبب الاختلاف؟ - الذي جلب الاختلاف والقطيعة هو العامل السياسي إذ ذهب عدد كبير من أبناء دينكا ابيي وناصروا الحركة الشعبية وصاروا من قادتها الكبار عدداً ومكانة إذ نجد الآن مايزيد عن الثمانين من قادة الحركة الشعبية من أبناء ابيي والامثلة دينق الور حاكم بحر الغزال، ادوارد لينو رئيس جهاز استخبارات الحركة، كوال دينق مدير التوجيه المعنوي للجيش الشعبي، اروب دينق اقوت ممثل الحركة في اثيوبيا، اروب موياك الممثل السابق للحركة في مصر، وجيمس انجل القائد الميداني لشمال بحر الغزال.. وغيرهم وهم الذين وقفوا الى جانب د. جون قرنق حين حدث الانقسام الشهير بالحركة عام 1990 فاصبحوا يريدون موطئ قدم او كلية انتخابية بالجنوب لأنهم يعاملون من جانب رفاقهم بالحركة على أنهم من أبناء كردفان لهذا يريدون تبعية المنطقة للجنوب حتى تكون لهم دعماً جغرافياً. * كيفية التعايش اليومي بين الدينكا والمسيرية؟ - الكل هناك يتحدث لغة الدينكا والعربية حتى ان كثيراً من العرب الرحل يتخاطبون مع الدينكا بالدينكاوي وقد تبادلوا المنافع والاسماء وعندما جرى اخذ للرأى قبل الاستقلال عندما شرع الحكم الثنائى في ترسيم حدود المديريات وكان رأى الناظر دينق مجوك والعمد والاعيان بعد ان زاروا منطقة قوقريال والنهود، بأ نهم جزء من كردفان وان مصالحهم في الشمال ابناء المسيرية يرون بأن المنطقة لهم ولأبناء الدينكا كما كانت منذ قرون، وان كان لاخواننا من أبناء الدينكا اي مطالب معقولة في اطار الوضع الاداري الحالي فاننا مستعدون لتقديم اي تنازلات مرضيه. وأبناء المسيرية لا يوافقون على تغيير الحدود المتفق عليها منذ يناير 1956. * على اي ارضية استند بروتكول ابيي؟ - بروتكول منطقة ابيي جاء بعد تدخل الولايات المتحدة الامريكية وتقديمها ورقة تبناها الطرفان، أهم ماجاء في تلك الورقة انها عرفت منطقة ابيي، إذ عرفتها ( بأنها المنطقة التي تسكنها قبائل دينكا نقوك التسع والتي ضمت الى اقليم كردفان عام 1905 من اقليم بحر الغزال) أ.هـ. ولكن المنطقة التي ضمت بالمرسوم الاداري عام 1905 هى شريط يقع جنوب بحر العرب بـ 70 كيلو متر، فنحن المسيرية والدينكا من غير أعضاء الحركة الشعبية فهمنا ان الورقة الامريكية تعني ذلك الشريط ونحن نرحب بالبروتكول على حسب فهمنا للمنطقة، فاذا ما كانت المنطقة هى المعنية وفق الورقة الامريكية الواضحة فسيكون ذلك الشريط هو المعني بالتعريف. وعلى حسب تقسيم الثروة الذي جاء بالورقة، يذهب 2% من البترول لولاية شمال بحر الغزال وهى الولاية التي كان الشريط تابعاً لها قبل عام 1905 و2% لولاية غرب كردفان باعتبار ان ذلك الشريط ضم اليها عام 1905 وكذلك كان نصيب المسيرية 2% ونصيب الدينكا 2%. اما على صعيد الاجراءات الادارية فقد تم اتباعها لرئاسة الجمهورية على ان يحدد أبناء ابيي من الدينكا والمسيرية مصيرها الاداري والسياسي بعد إستفتاء حر في نهاية الفترة الانتقالية في اطار ثلاثة خيارات في حالة الوحدة: 1/ البقاء في كردفان كما هو الحال الآن. 2/ الانضمام الي شمال بحر الغزال. 3/ البقاء وحده ادارية مستقلة على ان ينال مواطنوها من كل الاعراق الحق المزدوج في كردفان وبحر الغزال (حق الانتخاب والترشيح. اما في حالة الانفصال يمنح مواطنو ابيي الجنسية المزدوجة ( الجنسية السودانية وجنسية الدولة الجنوبية). * وبعد.. هل انت متفائل لمستقبل ابيي؟ - انا متفائل جداً ومشكلة ابيي اساساً لم تكن مشكلة قبلية ولا صراعاً حول مرعى وموارد المياه، انما المشكلة جاءت لانعكاس العامل السياسي على الحرب الاهلية فالحرب جعلت هناك اتهاماً متبادلاً، فالدينكا يتهمون العرب بموالاة الحكومة، والعرب يتهمون أبناء الدينكا بموالاة الحركة الشعبية وهذه الاتهامات غير دقيقة وفيها تعميم مطلق مما ادى الى تسميم الاجواء! فابناء الدينكا ينزحون شمالاً ويستوطنون بمناطق المسيرية، وقد نزح العديد من أبناء الدينكا الى غرب كردفان باعداد كبيرة ففي الميرم النسبة تعادل 3 الى واحد ونسب مقدرة في الدبب والمجلد وبابنوسة وغيرها من المناطق، ولو كان هناك دافع عدائى بين العرب والدينكا مانزحوا شمالاً. هناك عامل آخر ومهم وهو ان كثير من مناطق الدينكا الآن خالية من السكان لم يستوطن فيها احد ومزارعهم بور لان اخوانهم ينتظرون عودتهم هذا بخلاف ما يشاع بأن هناك تطهير وإقصاء عرقي! فاذا مازال السبب السياسي ونجح مؤتمر التعايش السلمي بين القبائل في إرساء حياة تقوم على احترام الموروث من التقاليد والنظم القبلية ومحروسة بارادة وتصميم قبائل المنطقة على طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة فستعود ابيي كما كانت قديماً موطناً للتسامح الديني والعرقي تجمع بين أبناء الوطن الواحد. مكي علي بلايل: اذا لخصنا المطالب التاريخية للمناطق الثلاث فان قضية أبيي تختلف عن قضيتي جبال النوبة والنيل الأزرق فقضيتها هى قضية تبعية لا قضية سلطات كما في المنطقتين الاخرتين قضيتهما في المشاركة في السلطة والثروة والخروج من دائرة التهميش والكينونة الثقافية فهذه المناطق (النيل الازرق، جبال النوبة) ظلت الهيمنة عليها من المركز في شؤون الولاية ثم التهميش على المستوى المركزي. هكذا ابتدرالاستاذ مكي بلايل رئيس حزب العدالة الأصل وأحد ابرز قيادات جبال النوبة في تعليقه على البروتكولات الموقعة في الاتفاق الاطاري بين الحكومة والحركة الشعبية في نيفاشا بتاريخ 26/5/2004م فحسب مايرى مكي بلايل فان مطالب مواطني جبال النوبة والنيل الازرق كانت تمكين مواطني المنطقة من ادارة شؤونها ممثلة في اجهزة الحكم التنفيذية والتشريعية وادارة الشؤون الداخلية. من ناحية ادارة الاقتصاد والاستثمار والخدمات والتعليم ومحاور الثقافة وغيرها. ويرى ان تلك المطالب كانت ابرز دواعي الصراع بين الداعين لتمكين ابناء المنطقة لادارة شؤونهم والمتمسكين بمركزيتهم. ويؤكد بلايل ان البروتكولات قد حسمت الصراع لصالح ادارة ابناء المناطق لشؤونهم باختيار اجهزة الحكم وصلاحيات دستورية واسعة بل يمتد الامر الى المسائل الامنية وفي تعيينات السلطة القضائية وادارة شؤون الأراضي والضرائب وغيرها. لكن بلايل يرى ان البروتكولات لم تعالج قضية التهميش على المستوى المركزي لتلك المناطق باغفالها للتحديد حول عدد من القضايا والحقوق المركزية لتلك المناطق (النيل الازرق وجبال النوبة) وتحديد ذلك بنسبة عدد السكان بما اعتبره غير كاف لازالة تهميش تلك المناطق وان ترك الامر لتقدير الجهات المنفذة يمثل نقطة ضعف في تلك البروتكولات لكنه عاد وقال ان النصوص الواردة في هذا الشأن اذا ما سلمت النوايا وتوفرت الارادة السياسية فانها ستكون معقولة وتعالج بعض المشاكل والعبرة في التطبيق. خاصة وللسودان سجل غير طيب في تطبيق المواثيق واعرب عن امله في ان يستفاد من التجارب السابقة بتوفر الارادة الحقيقية.. وقال ان البروتكولات غير مثالية في حل المشكلات ولكنها تضع الخطوط في طريق الحل. وفيما يتعلق بضمانات تنفيذ البروتكولات قال بلايل ليست لدينا أى ثقة في التزام الحكومة ولكنه الشئ الذي نعرفه انها تتصرف وفقاً للضغوط التي تتعرض لها مثل ماحدث في قضية أبيي وموقفها المتشدد ولكنها اخيراً رضخت للضغوط وتنازلت. فطالما ان الاتفاقية مضمونة بالمجتمع الدولي والدول المؤثرة في العالم. وهى الحماية التي كنا نطالب وكاد البعض يكفرنا بها حتى عندما نادينا بالحكم الذاتي لتلك المناطق وهو ما يتم بالفعل الآن. وكنا نعني به تمكين مواطني المنطقة من ادارة مناطقهم. وهو اصبح اليوم «حكمة» عندما وقعه الآخرون واخذوا يحتفلون به رغم انهم لم يريدوه لكن لابد مما ليس منه بد مما يقدم دليلاً واضحاً بأن الامر برمته لايقوم على مبدأ وانما يقوم على الانتهازية السياسية. ولخص بلايل بالقول عموماً البروتكولات معقولة وتضع أساساً معقولاً للحل السياسي واساساً للحل بالمدافعة السياسية المستمرة مع أن ترك التفاصيل للاجهزة المنفذة يمكن أن يرضي طموحات المنطقة بقدر ما، وربما لايرضي الطموحات. اما بالنسبة لنا في جبال النوبة فان الحكومة عندما اضطرت لقبول تمكين مواطني الولاية من ادارة شؤونهم والحصول على حقوقهم توهمت حسب اجندتها انها ستقوم بعمل ترتيبات يمكن بموجبها ابعاد بعض العناصر التي لاتقف معها على الخط حتى لايتمكنوا من المنطقة ويتضح ذلك من خلال خطة تذويب ولاية غرب كردفان بهدف احداث خلل ديمقراطي واستخدامه ضد العناصر الاخرى غير الموالية لها. وفي تقديرنا ان هذا التفكير الحكومي بعيد من ادراك الواقع بصورة صحيحة حيث أن مواطني المنطقة بمختلف تكويناتهم حريصون على تاريخهم في التعايش واعترف بلايل بأن التدخلات الحكومية قد أفسدت الكثير من هذا الموروث لكنه أكد ان في مقدور مواطني جبال النوبة ترتيب شؤونهم بالصورة المرضية للجميع وهزيمة ما أسماه الاجندة التي يخطط لها البعض في المركز وجوهرها استهداف العناصر غير العربية في السودان. إتفاق السودان ينطوي على عناصر فشل آخر يبدو أن المجتمع الدولي، الذي ظل يتوسط بين الأطراف السودانية المتحاربة، نجح في دفع عملية التفاوض إلى مرحلة تمكّن الجماهير السودانية، التي ظلت تتطلع إلى السلام منذ فترة ليست بالقصيرة، الى الحصول عليه في نهاية المطاف. وطوال السنوات الثلاث الماضية، التي ظلت فيها قيادة الطرفين المتحاربين، ممثلة في النائب الأول لرئيس الحكومة السودانية، ورئيس الحركة الشعبية ـ الجيش الشعبي لتحرير السودان، ممثلا لحركته، تساق إلى مائدة المفاوضات عن طريق الدفع والإغراء، لم يحدث سوى تقدم ضئيل نحو السلام. ولكن عددا من البروتوكولات وقع الاسبوع الماضي، مما جعل الشعب السوداني، شمالا وجنوبا، يشعر بالتفاؤل ويؤمن بأن السلام أصبح قاب قوسين أو أدنى. وإذا حكمنا بإعراض الطرفين عن عملية السلام وتلكؤهما طوال هذه السنين، فإن التوقيع على الاتفاقية النهائية ربما يستغرق بعض الوقت. لكن، من المهم أن نركز على حقيقة أن شعب السودان يريد السلام بأي ثمن، بصرف النظر عما إذا كانت الاتفاقية معيبة أو عادلة. إن اية اتفاقية يوقع عليها الطرفان ستجد سندا شعبيا كاسحا وقويا. فالجماهير السودانية تعرف أن الحرب كانت هي السبب الأساسي في تدهور أحوالها وتدني مستوى حياتها. وهي تأمل في أن يؤدي إنهاء الحرب الأهلية وتحقيق السلام إلى تحسين مستوى الحياة والمعيشة. ولكننا لا يمكن أن نطمئن إلى مآل الأحداث، إذا وضعنا في الاعتبار أن أيا من الطرفين لم يكن يفاوض بنية خالصة. ويعتقد كثير من السودانيين، الذين يعرفون مدى عمق الحرب الأهلية، أن أي اتفاقية سلام، مهما كانت عيوبها ونقائصها، تستحق الانتظار والاحتفاء. وربما يكون هذا موقفا تجانبه الحكمة، وتفاؤلا وضع في غير محله. ومع أننا مطالبون جميعا بالترحيب بفجر السلام في ربوع بلادنا، إلا أننا ينبغي أن نتحلى بكثير من اليقظة ونحن نتأمل الطريقة التي يتحقق بها. وبالنسبة لأغلب السودانيين فإن اتفافية السلام الحقيقية بين الأطراف السودانية المتحاربة وقعت في مدينة مشاكوس الكينية في 20 يوليو (تموز) 2002. وينص ذلك البروتوكول على مبدأين، مبدأ لكل طرف، كان من شأنهما أن يقودا إلى اتفاقية للسلام سريعة ونهائية. ويعطي بروتكول مشاكوس لحكومة السودان فترة انتقالية من ست سنوات، يمكنها من خلالها أن تقنع شعب جنوب السودان ليصوت من أجل الوحدة عندما يمارس حقه في تقرير المصير في نهاية الفترة الانتقالية. ومن جانبه، قبل شعب جنوب السودان أن ينتظر ست سنوات ليقول رأيه في الاستفتاء على حق تقرير المصير. وسيكون هذا الرأي في صالح الوحدة أو من أجل الاستقلال. ومع أنه كان من الضروري إجراء مفاوضات حثيثة حول آليات إدارة الفترة الانتقالية، مما يستوجب الاتفاق على المشاركة في السلطة، واقتسام الموارد، والإجراءات الأمنية والعسكرية، ونظام الحكم في الشمال والجنوب خلال الفترة الإنتقالية، على سبيل المثال، إلا أنه لا يوجد أحد في السودان، أو في كل العالم في الحقيقة، يمكن أن يتوقع أن يستغرق التفاوض حول هذه القضايا ما يقرب من ثلاث سنوات. والغريب في الأمر، أن القضية لم تحسم بعد، مع أن الناس بدأوا في الاحتفال. وإذا وضعنا في الاعتبار السرعة السلحفائية التي أديرت بها هذه المفاوضات حتى الآن، فإنه لن يكون مستغربا أن يتعثر الطرفان لفترة قد تطول فيما تبقى من قضايا. هل سيوقع الطرفان على الاتفاقية النهائية بعد شهرين كما يتوقع الكثيرون؟ أم ل سينتظران حتى نهاية 2004، وربما أكثر من ذلك ؟ إن مرور ستة أشهر أخرى قبل التوقيع احتمال لا يمكن استبعاده في ظل الواقع الراهن. وقد جهز كاتب هذه السطور نقدا تفصيليا لكل ما تم التوقيع عليه حتى الآن من بروتوكولات السلام. وسيكشف في الوقت المناسب النقاط الإيجابية والسلبية التي انطوت عليها تلك الوثائق. فمثل ذلك النقد التفصيلي يجب أن ينتظر حتى التوقيع النهائي على الاتفاقيات. ومن الصحيح بالطبع تأييد اتفاقية السلام مهما كان الشكل الذي تتخذه في النهاية، ولكن رأيي الشخصي هو أن المخاطر التي تحيط باتفاقية السلام لا تنبعث من طبيعة الاتفاقية نفسها، بل من تطبيقها. فعلى مستوى التطبيق انهارت كل الاتفاقيات السودانية. وعلى السودانيين الذين يؤيدون اتفاقية السلام في صورتها النهائية، أن يكونوا حذرين جدا أثناء تطبيقها. وللأسف الشديد فإن الاتفاقية لا تترك حيزا واسعا للشفافية والضبط والمتابعة. وقد حرص الطرفان على أن تكون اتفاقية السلام آلية لاقتسام السلطة بينهما أكثر منها آلية لحل النزاعات وحسم المشكلات، كما توقعتها أغلبية السودانيين. ونسبة لأن اتفاقية السلام السودانية الأخيرة يجري التوصل إليها بمساعدة جيران السودان الأقربين، الذين حظيت مبادرتهم بتأييد نشط من أقوى دول العالم التي حركتها دوافع الصداقة للسودان، فإن المأمول أن يشتمل النص النهائي للاتفاقية على آليات عضوية تضمن الشفافية والمسؤولية الديمقراطية، وحكم القانون، والآليات الديمقراطية التي تمكن من تغيير السلطة من خلال انتخابات حرة نزيهة. أما إذا لم تتضمن اتفاقية السلام هذه المبادئ بصورة عضوية فإنها مرشحة للفشل. وعندها فإن كثيرا من الدول يجب أن تتحمل مسؤوليتها كاملة في فشل آخر محاولة سودانية للوصول إلى السلام. * وزير الاعلام السوداني الأسبق

Quote: Peace builder هذه بداية طيبة لمنطقة هجرها السلام أمدا طويلا. ولد كاتب هذه السطور بضاحية "اللو" - حوالي عشرة كيلو مترات شمال شرق أبيي. وتنقل ردحا من حياته الباكرة بين المجلد وأبيي والدنبلوية. الذي يعرف تلك المنطقة ويعرف طيبة إنسانها وقدرته الفائقة على إبداع الحياة لابد أن يفرح لعودة السلام إلى ربوعها. أبيى هي الأنموذج الأصل لإمكان التعايش بين ثقافتين كانتا مثلا للتداخل والتعايش المشترك. أما الآن -وقد فعلت حكومات المركز على مدى خمسين سنة- بالمنطقة ما فعلت فإن نزيف الجرح يحتاج إلى معجزة لرتق النسيج الإجتماعي بين مجموعات إثنية تشابكت ذات يوم في المأكل والمشرب وفي كثير من البنيات الثقافية..وفوق ذلك كله تمازج الدم واللحم بدرجة لا ينكرها إلا منافق أو جاهل. من منفاي في بلاد بعيدة أبعث غصن سلام وورود محبة وأبعث أطيب الأمنات إلى أهلي وإخوتي من أبناء وبنات دينكا نقوك في أبيي الجميلة. جعل الله أيامكم كلها أفراحا. 01-11-2005, 11:49 م peace builder . تاريخ التسجيل: 17-10-2002 مجموع المشاركات: 422 Re: ابيي تقيم احتفال للسلام (Re: فضيلي جماع) اخي فضيلي سلام من ابيي وامتنان لما سطرته في حق منطقة ان الاوان لسكانها ان يقطفوا ثمرة السلام.المنطقة تحتاج الكثير من اعادة البنيات الاساسية وتاهيلها وخدمات التعليم والصحة والمنظمات المانحة تحتاج لجهدنا نحن السودانيون المعنيون بالسلام. وابشرك اخي باننا في برنامج الامم المتحدة نقوم بتنفيذ 15 مشروعا بابيي واقوك تشمل مركز المراة بتوداج وتاهيل مدارس المنطقة واعادة تاهيل المستشفى المركزي وبناء السلام من خلال انشطة رياضية وتاثيث مدرسة البنات واعادة تاهيل صهريج المياه بابيي بالاضافة لتاسيس طواحين باكثر من 9 مناطق. شكرا اخي وساظل مهتما ببناء السلام في المنطقة وداعما له.جمال 02-11-2005, 03:28 ص فضيلي جماع . تاريخ التسجيل: 02-01-2004 مجموع المشاركات: 996 Re: ابيي تقيم احتفال للسلام (Re: peace builder) أخي الحبيب سعدت جدا وأنا أقرأ سطورك عن العمل الجاد الذي تقومون به من أجل تنمية منطقة أبيي وإسعاد أهلها. إن إخوة لكم في الشق المجاور (المجلد) يعملون بجد واهتمام أيضا لإزالة كل التشوهات ووجوه التخلف التي عاشوها ويعيشونها. القضية واحدة يا أخي المهم أن يعرف الإنسان أين يقف وماذا يفعل لحاضره ومستقبل أيامه. في واحدة من رسائل متبادلة بيني وبين البروفيسور فرانسيس مدينق دينق قلت له ما معناه: إننا في تلك المناطق نحلم مثل غيرنا بنعمة السلام والإستقرار ونحلم بالمدارس والجامعات والمستشفيات الراقية والطرق المعبدة ..ومن حق أطفالنا أن يحلموا بدور السينما والمسارح والحدائق لأن الله وهبنا كل ما يمكن أن يجعل ذلك حقيقة:الأرض البكر والطقس الرائع والثروة وفوق ذلك الإنسان المبدع. كان رد الدكتور فرانسيس تأكيد سعادته بما كتبت وأننابالجهد الخلاق والنية الصادقة يمكننا أن نجسر الهوة التي أوجدتها العداوة المفتعلة بين أهلنا. ما تقومون به الآن هو بداية الطريق إلى تحقيق ذلك الحلم. أزف إليك نبا ستفرح له..أليس مدعاة للتاؤل والحبور أن يتحول شباب المليشيات التي كانت الخرطوم تستخدمهم في دمار المنطقة وتمزيق نسيجها الإجتماعي إلى شباب عاملين وأن ينضم معظمهم إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان (التي قامت لها أكبر دار بالمجلد) أو إلى أحزاب وطنية أخرى؟ إنهم الآن منخرطون في مناشط إجتماعية تفيد منطقتهم والسودان ككل. إستمروا في تعمير أبيي ، فهذا أقل ما يمكن أن تعطوه لذلك البلد الجميل. عندي محاولة في عطلتي قريبا أن أزور أبيي وأن ألتقي بعض الأحباب والأهل هناك. أسأل الله أن يسدد خطانا لما فيه مصلحة الأهل والسودان عامة.. 02-11-2005, 04:16 ص peace builder . تاريخ التسجيل: 17-10-2002 مجموع المشاركات: 422 Re: ابيي تقيم احتفال للسلام (Re: فضيلي جماع) أخي فضيلي شاكر لرجوعك ومداخلتك ابيي الجميلة تأسرني وتحيرني في نفس الآن. مدينة ترقد في بحيرة من البترول والثروة الغابية وموارد المياه وتفتقد لاساسيات الحياة الضرورية..الانارة لساعات محدودة ووجود الجيش جعل كما لو أن المواطنين في يقيمون في مناطق الجيش وليس العكس! الخدمات الصحية من امصال وحماية بيئة وصيانة مرافق كلها اصبحت بالجهد الشعبي لاناس محدودي الدخل. هذا الوضع قد أخذ في التغير والمدينة ها هي تعود رويدا رويدا للحياة الطبيعية بلا خوف ولا وجل. هذه ورود محبة واكبار لمواطن ابيي الصامد رغم الاحن. لنعمل من اجل ترسيخ قيم الخير والعدل والمساواة..لنعمل من أجل تعايش سلمي يوحد بيننا جميعا ليس في ابيي فقط بل في كل السودان. ابيي وايي..عاشت ابيي 02-11-2005, 08:28 ص فضيلي جماع . تاريخ التسجيل: 02-01-2004 مجموع المشاركات: 996 Re: ابيي تقيم احتفال للسلام (Re: peace builder) أخي العزيز Peace builder جميل منك هذا التواصل، وسعيد أنا بالأخبار التي تنقلها لي من أبيي الجميلة. أما قولك أن وجود الجيش أدى إلى تحويل المدينة إلى ثكنة عسكرية فإنه يقودني إلى فكرة طالما داعبت خيالي هذه الأيام، ألا وهي إغتنام فرصة سريان إتفاقية السلام والإستغناء عن الوجود العسكري بهذه الكثافة في المنطقة كلها. من حق سكان أبيي أن تعود إليهم مدينتهم بالكامل وأن تكون الثكنة العسكرية هناك مجرد مكاتب شرطة ترعى الأمن وتحفظ النظام. هنا يأتي دور المنظمات المدنية التي يجب أن تكون صوت من لا صوت لهم لأكثر من ثلاثة عقود. هنا يأتي دوركم يا أخي..فواصلوا ما بدأتم. هنالك أخبار غير مؤكدة مفادها أن حكومة الإنقاذ فكرت (بعد توقيع نيفاشا مباشرة) أن تكون المجلد هي الخط الأمامي لجيوشهم ومليشياتهم التي سوف يسحبونها من الجنوب. ربما يكون هذا الكلام صحيحا أو أنه مجرد شائعة. أهم من ذلك أن مواطني المنطقة عانوا الأمرين من ويلات الحرب ومن استغلالهم والضحك عليهم مرة باسم الوطن ومرة باسم الدين وتارة أخرى باسم أكذوبة "العروبة ضد الزنوجة"!! الذي أعرفه تماما أن المواطنين سوف يقاومون بكل الوسائل تحويل مدينتهم هي الأخرى إلى قاعدة عسكرية. هذا الكلام ليس من بنات أفكاري ، إنه إحساس يعيشه كل مواطن هناك. سئم المواطن العادي من التدجين والغش واللعب بمصيره ومستقبل أولاده! على حكومات الخرطوم أن تعلم أن السودان ما عاد (بعد نيفاشا) هو السودان القديم..ولن تعود عقارب الساعة إلى الوراء أبدا. مشوار السلام والتنمية مشوار صعب ويحتاج إلى الصبر والعمل الدؤؤب. سيروا إلى الأمام يا أخي. وفقكم الله.