|
|
 السودان أزمة التأسيس وتأسيس الأزمة أو المتاهة فى تجلياتها الأخيرة/ أحمد محمود/ أمريكا
|
السودان أزمة التأسيس وتأسيس الأزمة
أو المتاهة فى تجلياتها الأخيرة
أحمد محمود\امريكا
المرحلة الراهنة التى يمر بها السودان تعد من اخطر المراحل التى يشهدها هذا القطر. فلأول مرة فى تاريخ السودان تضيع معالم التغيير وتختلط معادلة السلطوى والمعارض بهذه الكيفية والتى اذ تشير فانما تشير الى متاهة دخل فيها هذا القطر مدفوعا بدور تيار الأسلام السياسى مستخدما لعبة خلط الأوراق و المعايير ليصبح السودان كدولة منفتحا على كافة حالات السقوط، السقوط فى متاهة التفتيت والسقوط فى حالة دوامة الأزمة. منظورا الى هذا الواقع الذى دخل فيه هذا القطر، كيف نجترح رؤية تحليلية لأستخلاص ما هو ممكن لأستبصار ضوءا ولو خافتا فى نهاية النفق المحفور عبر بعض قوانا السياسية والمعمق بمعول الجبهة الأسلامية القومية. هنا أحاول اضاءة عابرة لأزمة تجاوزت حجم الكتابة لتدخل حد السيف والسيف فى الغمد.
أزمة التاسيس والخلل التاريخى:
الأزمات فى حالة الشعوب لا تأتى فجأة انما هى نتاج تراكم تاريخى تتعمق عبر الأختلالات التى تحدث لمجموعة المنظومات فى الزمان والمكان المحددين. والأزمة التى دخل فيها السودان تمتد ربما لجذور الحالة التاريخية التى شهدها السودان من استعمار ومن ثم العمل على خلق الأشكالات المستديمة. واذا كانت المرحلة الما بعد استعمارية كان افتراضا ان تكون علاجا لما خلفه الأستعمار الا ان القوى السياسية التى تولت الحكم لم تكن تمتلك الأفق التاريخى لوضع الحلول الموضوعية والعاملة على التأسيس والبناء الصحيحين. ولهذا فان مشروع النهضة سودانيا قد أجهض منذ السنوات الاولى لخروج الأستعمار. وهذا بدوره قد فتح الباب واسعا لكى تصعد عناصر الضد التاريخى ممثلا ذلك فى بعض منتسبى القوات المسلحة الساعية للسلطة من جهة، ومن جهة اخرى كرس هذا الواقع بما يعرف بالتاريخ السكونى الذى تنشط فيه عناصر التخلف والتى مثلها تيار الاسلام السياسى. ولقد كانت مرحلة مابعد الاستقلال تتطلب ربط التطور بالتنمية الاقتصادية والبشرية ومن ثم العمل على النهوض على كافة الأصعدة بما فيها النهوض بالانسان وهو العنصر الاهم . ولهذا فان بروز عناصر التخلف فى المجتمع السودانى ارتكز الى خلل البناء وطبيعة التاسيس الذى قامت به قوى ما بعض الاستقلال بشقيها المدنى والعسكرى. فمعاينة الواقع الراهن يجب ان تنشبك مع التاريخ السلبى منذ الاستقلال والخلل الناتج عن طبيعة الحكم وهو الذى ننعته بأزمة التاسيس ومن ثم سيطرة اتجاهات ما قبل حداثية على الواقع السودانى والذى تمثله وبامتياز الجبهة الأسلامية القومية. فالجبهة الأسلامية خرجت من عباءة أزمة التأسيس لتدخل بالقطر الى تأسيس الأزمة كمنهج توريطى وايدولوجى فى ذات الآن.
تأسيس الأزمة:
اذا اردنا توصيف الواقع السودانى الراهن فانه واقع ما بعد الأزمة، واقع المحنة. وهذا الواقع مقصود لذاته عبر عقلية النظام الحاكم. لأن الازمات المنتجة عبر هذه العقلية تححق بقاءها فى السلطة. فمن خلال ازمة التأسيس التى أستعرضناها سابقا جاءت الجبهة الاسلامية القومية كنتاج لتراكم اجهاض المشروع النهضوى سودانيا. ولقد حولت الواقع السودانى من أزمته التأسيسية الى تأسيس الأزمة فى حد ذاتها كنوع من السياق الذى يمكن ان تتماهى معه وجودا. وانتاج الأزمات يخلق المواطن المضطرب ومن ثم حالة الضياع . حالة الضياع هذه تستثمرعمليا ووجدانيا من خلال المنظومة الدينية ضمن الحالة التبريرية. فالتردى فى الحالة الأقتصادية لا يعزى لعدم القدرة على توظيف الموارد انما نتيجة للبعد عن الدين وهكذا تتناسل المبررات حتى يتكون المواطن المغترب الباحث عن الخلاص عبر الما ورائى. هكذا كان التغريب منهجا احدثته الجبهة لتعميق الأزمة لشل قدرة المواطن على التغيير، فالحياة تصبح عدمية لدى المغترب وجدانيا وتتحقق أزمة التوهان. أما سياسيا فقد ادخلت الجبهة القطر فى حالة حروب طاحنة دون مبررات منطقية وبعدها استجابت لسلام يحمل ازمته فى داخله. فهذا السلام يرتبط بالألتزام ببنوده والجبهة منذ البدء تنصلت عن التزاماتها وهذا من شانه ان يقود البلاد الى أزمة لا يعرف احد نهايتها اتساقا مع منهج خلق الازمات. والأزمة الأخطر هو عدم القدرة على توصيف الواقع الراهن فى السودان لدى المراقب. فالمعارضة افتقدت الطريق الذى يمكن ان تواجه به النظام لتنتهى فى برلمان اقامته الجبهة، فهو لا نظام ائتلافى ولا ديمقراطى، نظام ديكتاتورى ادخل المعارضة فى ازمة وبالتالى ضاع الأفق لديها لتعود هكذا لتكون فى برلمان نظام سحل اعضاءها والشعب السودانى. كيف نفسر ما يحدث غير اسناد الواضع الراهن لمنهج الأزمة. كل شىء أصبح مازوما اليوم فى السودان الا الجبهة الأسلامية، فهى تحكم عبر البشير وتعارض عبر الترابى وتنهب اموال الشعب وتضيع مع ذلك معالم التغيير وتضيع الحدود الفاصلة بين الضد والمع ويدخل السودان نفقه المظلم الذى لم يعرفه من قبل. والسؤال الذى يظل معلقا كيف نخرج من أزمة التأسيس وتأسيس الأزمة، أنا لا أمتلك جوابا لأننى قد غمرتنى الأزمة كما غمرت الجميع، هى المتاهة مرتكزة على التاريخ السلبى فى الوعى والمعنى.
|
|
 
|
|
|
|
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست