|
|
 عمليات جراحية عن بعد
|
جرّاحون آليون
عمليات جراحية عن بعد
بقلم: بروس غولدفارب
نوفمبر 2005
يركّز الجرّاح باهتمام شديد فيما يقوم بتحريك أدواته الجراحية في المنطقة التي يتصل فيها المريء بالمعدة. فالمريض يعاني من ارتجاع حموضة المعدة حيث تهيّج العصارات الهضمية بطانة المريء الحساسة. وينبغي لهذه العملية الجراحية أن تخفف من آلامه.
ويصدر الطبيب تعليماته إلى مساعده، قائلا: "تحرّك يا آيسوب".
ورغم أن جراحة التهاب المريء شائعة كثيرا ويتم إجراؤها بصورة روتينية في مستشفيات منتشرة في كافة أرجاء العالم، إلا أن العملية التي نتحدث عنها مختلفة. فآيسوب جرّاح آلي يتم التحكم فيه عن بعد.
وفي حين يجلس الدكتور مهران أنواري أمام لوحة الأوامر الكمبيوترية في مركز التدخلات الجراحية الدنيا في جامعة مكماستر في هاملتون، أنتاريو، فإن المريضة البالغة من العمر 66 عاما ترقد في مستشفى نورث باي جنرال الواقع على مبعدة 400 كيلومتر.
وقد يبدو الأمر وكأنه قصة من قصص الخيال العلمي. لكنه ليس كذلك. يقول الدكتور أنواري الإيراني الأصل: "تقوم العديد من المراكز الطبية في العالم بممارسة الجراحة الآلية".
لقد تحسّنت التقنيات الجراحية كثيرا خلال السنوات القليلة الماضية. ويتم إجراء عدد متزايد من العمليات الجراحية "بأقل قدر ممكن من التدخل الجراحي" أو عبر ما يُعرف بجراحة المناظير. وعلى عكس العمليات الجراحية التقليدية حيث يتم فتح الجسم، تتم الجراحة الآلية من خلال إدخال أجهزة مصغرة عبر ثغرة صغيرة. وتسمح أضواء صغيرة وكاميرات فيديو للطبيب برؤية ما يقوم به على شاشة فيديو.
ومن المرجح ألا يعاني المرضى الذين تجرى لهم مثل هذه العمليات من الالتهابات أو أية مضاعفات أخرى. كما أنهم يتعافون من الجراحة بسرعة أكبر، وفقا للخبراء.
وللجرّاحين الآليين مكونان أساسيان: يجلس الطبيب الجرّاح أمام لوحة مفاتيح حيث يتحكم في مقابض مماثلة للأدوات الجراحية.
ويقوم الجرّاح الآلي بمحاكاة حركة اليد واستخدام الأدوات الجراحية وفقا لتعليمات الطبيب.
وللجرّاحين الآليين مزايا عديدة يتفوقون بها على البشر. فهم لا يصابون بالإرهاق ولا يعانون من ارتعاش أو اهتزاز اليد. كما أن الجرّاح الآلي يستطيع الإمساك بالأجهزة الجراحية بثبات ودقة أكثر بكثير من أيدي البشر. فالجرّاح الآلي يتلقى التعليمات من الجرّاح عبر مفاتيح الأوامر ويقوم بـ"تنقية" الإشارات من أي ارتجاف أو اهتزاز، ثم يقوم بنقل الحركة إلى أجهزة صغيرة تعمل داخل جسم المريض.
"عند تنفيذه التعليمات، يُلغي الجرّاح الآلي ارتعاش يد الطبيب من التعليمات الواردة إليه"، كما يقول الدكتور مارك تالميني أخصائي الجراحة في مستشفى جامعة جونز هوبكنز في مدينة بالتيمور بولاية ميريلاند، والذي استخدام الجرّاح الآلي في أكثر من 70 عملية خلال السنوات الخمس الماضية.
وللجرّاح الآلي خاصية أخرى، كما يقول تالميني، "إذ بوسعه قياس الحركة وتقليص المجال اللازم لحركة اليد. فإذا ما كنتَ تحرك يدك في مجال داخل معدة المريض حجمه خمس بوصات، فإن الجرّاح الآلي سيتحرك داخل مجال حجمه بوصة واحدة. ويسمح هذا بدرجة عالية من الدقة أثناء إجراء عملية جراحية على أجزاء دقيقة من جسم المريض.
باختصار، بوسعك أن ترى ما يحدث بصورة أفضل وأن تتحكم في الأنسجة بدقة أكبر وأن تخيط الجرح بشكل أحسن".
التواصل عبر المسافات
وبما أن الجراحة الآلية تعمل وفقا لموصلات إلكترونية، فإنه لا تأثير لوجود الطبيب الجرّاح والمريض في مكانين مختلفين تفصل بينهما آلاف الكيلومترات. وقد أجرى أخصائيو الجراحة تجارب خلال السنوات الأخيرة حول استخدام الجرّاح الآلي عن بعد.
وقد تلقى الدكتور لويس كافوسي أخصائي جراحة المسالك البولية المرموق العديد من الطلبات لتعليم تقنيات العمليات الجراحية بأقل قدر ممكن من التدخل الجراحي. بيد أن السفر إلى أماكن أخرى لتعليم هذا النمط الجديد من العمليات الجراحية بدأ يشغله كثيرا عن عمله كجرّاح. يقول كافوسي: "كان من الضروري البحث عن وسيلة أفضل لتعليم الراغبين التقنيات المتقدمة لجراحة المناظير، أي تعليمها عن بعد".
وقد طوّر المهندسون العاملون في مختبر كافوسي نظاما يسمح له بالمراقبة والتفاعل والمشاركة في العمليات الجراحية عن بعد.
يقول كافوسي: "يتم هذا كله بنقرة على فأرة أو عبر أوامر صوتية".
ويوظّف كافوسي هذه الطريقة لتعليم الجراحة الآلية لأطباء منتشرين في أماكن مختلفة من عالمنا. وقد تم إجراء العديد من العمليات عن بعد في إيطاليا والنمسا وألمانيا وتايلاند، بفضل هذا النظام.
بيد أن القيام بجراحة آلية عن بعد يطرح مشكلات جديدة. فكما يعلم كل من شارك في ألعاب عبر شبكة الإنترنت، يمكن أن يحدث "تلكأ" أو تأخير في خطوط الاتصال. وقد يستغرق الأمر أحيانا جزءاً من الثانية قبل أن يقوم الجرّاح الآلي بنقل حركة يد الطبيب إلى الأدوات الجراحية داخل جسم المريض.
يقول كافوسي: "حدث ذات مرة أن تعثر أحد الأشخاص ما أدى إلى انسحاب سلك الكهرباء عن النظام كله وتوقفه عن العمل".
لذا لا بد من وجود جرّاح مؤهل بجانب المريض في كل الأحوال يستطيع أن يسيطر على الوضع ويتمم المهمة في حالات الطوارئ. هذا ولم يُصب أي مخلوق بأضرار جراء استخدام الجرّاحين الآليين حتى الآن.
الرعاية عن بعد
وتنطوي الجراحة الآلية على احتمال دخول الرعاية الطبية المتقدمة إلى المناطق التي لا تتوفر فيها هذه الرعاية بدرجة كافية. وقد أجرى الدكتور أنواري حوالي 20 عملية جراحية على مرضى في منطقة نورث باي التي تبعد عنه بمسافة 400 كيلومتر.
يقول الدكتور أنواري: "في نيتنا التوسّع باتجاه مناطق نائية من العالم، رويداً رويدا".
وتلائم الجراحة الآلية على وجه الخصوص الأماكن الوعرة أو المناطق التي يصعب إرسال جرّاحين إليها، مثل المناطق تحت الماء أو ميادين القتال أو الفضاء الخارجي.
وفي برنامج لوكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، قام أنواري خلال مهمة استغرقت 11 يوما أثناء خريف 2004، باختبار تقنيات جراحية في محطة أكواريوس لأبحاث أعماق البحار والتي تبعد عن مستشفاه بمسافة 2,000 كيلومتر، وتقع تحت سطح البحر بمسافة 20.4 مترا.
فقد تواجد ستة أفراد من الطاقم في مختبر تحت سطح الماء. ولم يكن أي منهم جرّاحا. ومن خلال محاكاة عدد من العمليات الجراحية، بيّن أنواري وأعضاء الطاقم أنه يمكن إجراء عمليات جراحية معقدة عن بعد بأمان.
ويودّ بعض الأطباء الدفع بتطوير الجرّاحين الآليين أكثر فأكثر. ففي جامعة جون هوبكنز، يقوم الدكتور كافوسي بتطوير تكنولوجيا جراحية يمكن استخدامها في محطة الفضاء الدولية أو خلال رحلة بشرية إلى كوكب المريخ.
فأثناء رحلة الذهاب والعودة إلى كوكب المريخ والتي تستغرق ثلاث سنوات، "من المحتمل جدا أن يُصاب أحد أفراد الطاقم بالتهاب الزائدة الدودية أو بالتهاب في الكلى. سيحدث أمر ما يتطلّب تدخلا جراحيا. لكن لن يكون لديك جرّاح عظام أو مسالك بولية أو جرّاحا عاما على متن المركبة"، كما يقول كافوسي، مفسرا جهوده ودوافعه.
لكن مع وجود شخص واحد مدرّب طبيا ومجموعة من الأدوات الطبية التي يمكن استخدامها من قبل جرّاح آلي، يمكن لأعضاء الطاقم الحصول على العناية اللازمة من طبيب على الأرض.
المشكلة الوحيدة التي لم يتم علاجها في هذا الصدد هي كيفية التعامل مع تأخر الإشارات لمدة 20 دقيقة أثناء الاتصال بين الأرض والمريخ.
يقول كافوسي: "هذه تحديات مثيرة من منظور العلوم الهندسية، لكن حلها ليس مستحيلا".
على أرض المعركة
من المرجح القيام بتوفير الجرّاحين الآليين في المستقبل المنظور في المناطق الخطرة، في ميادين الحرب.
يقول الدكتور جيرالد موزيس من مركز أبحاث الطب عن بعد والتكنولوجيا المتطورة في قاعدة فورت ديتريك في ولاية ميريلاند: "لا يتوفر لدينا جرّاحون يركضون من مكان لآخر في أرض المعركة. ولذا، من الضروري إيجاد طريقة لتوفير عناية طبية راقية للجنود"، كما ويمكن، وفقا لما يقوله موزيس، أن يتم استخدام الجرّاحين الآليين في الخطوط الأمامية أو في المناطق الخطرة إذا ما أصبحت أصغر حجما وأقوى بنية.
ولا بد أن تكون هذه الأجهزة في هذه الحالة محمولة ومرنة وقابلة للتشغيل في أصعب الظروف.
ويضيف موزيس: "بوسعنا أن نتصور سيارة إسعاف وقد تم تحويلها إلى غرفة عمليات. بيد أننا لم نصل إلى هذه المرحلة من التقدم بعد".
لكن أنواري يشير إلى احتمال توفر جرّاح آلي متنقل في غضون خمس سنوات.
|
|
 
|
|
|
|
محمد الامين محمد
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست