رواية حارة النصاري جديرة بالقراءة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-06-2024, 05:14 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-07-2005, 04:32 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
رواية حارة النصاري جديرة بالقراءة

    ذكريات القرية

    أحياناً نتعامل مع ذكرياتنا التي تغتصب لنفسها مقاعد في أوجه الطفولة والصبي بشيء من التجاهل والتناسي... ولكني الآن أطري على... أطري على كامل ذكرياتي... أرى نفسي مهتماً بل ومسؤولاً عن حتمية الوقوف على ذكرياتنا التي دائماً تفقأ عين حضور الواقع.

    تنهال علي الآن كل الذكريات... لم أجترها... ولكن قررت فجأة السفر بآخر قطار لألحق بعرس اللحظات الخوالي التي أستدعيها الآن ولا أعرف منها سوى طعم الذكرى... مرقت بصعوبة وسط الزحام من الباب العالي الحديدي- الذي دائماً ما يكون في انتظاري في مثل هذه الأثناء- باب محطة القطار الذي لا يزال مفتوحاً على مصراعيه... لم أكترث لا بقليل ولا بكثير أثناء اتجاهي إلى العربة التي ستقلني إلى قريتي قرية "........" إلى قدس أقداس الرصيد الذهبي من عمر أحزاني... أفراحي... خواطري... أبنائي الذين يفترشون جدار القلب تحت ملاءات العري الصاخب- الأكثر صخباً من قريتي- بقُرة عيني في ليلة باردة... أبنائي الذين ساهم في وجودهم طقس القرية... جهل القرية... وحدة اللاائتلاف في حارتي.. "حارة النصارى".

    على مسافة ما يقرب من خمسة وعشرين كيلو متراً غرب القاهرة تقع قريتي كلما كانت تقع عيناي بسرعة ذلك القطار الذي أقله سنوياً مرات كثيرة- بحثاً عن الرطوبة مرة وعن الهدوء مرة وعن الجذور والهوية مرات ومرات- على المنازل المتراصة بعشوائيتها المنتظمة التي دائماً تنبئ عن أهلي وتشير إلى دوران الرحى في أنسجة مخيلتي ولكن بغير اتجاه.

    دائماً كنت أرى لعبي في أكوام الرمال... وفي الطين الذي نشكله حسب رغباتنا التي نستقيها من سقف أحلام جنتنا... كنا نصنع حيوانات معلومة وأخرى خرافية ومن كان يحلم بالمدنية كان يصنعها... هذه سيارة... وهذه سفينة لا يحصل على مقعد فيها سوى خيرة أهل القرية"الحجيج".

    كنا نلعب ولا نعرف فروقاً لألواننا... لم توقفنا مرة نظرة في أعين كل منا للآخر... لم يدخل قاموسنا... "الصح والغلط "... لم ننجح بعد إلا في الوحدة والفرح... حتى الآن لم تكن قد اجتاحتني حمى الأسئلة المرهونة بإجابات تكبرني أو ليست في يدي... ولكن شئ واحد كان يثير انتباهي وفضولي في آن... كنت أرى رجلاً بعد منتصف الليل بكثير يركب حماره ويحمل فانوساً موقداً بشمعة شحيحة... يعلق طبلته المستديرة متدلية على صدره... يدقها قائلاً "سحور... سحور" وفجأة أجد الحياة قد عادت إلى طبيعتها في بيتنا بعد سكون طويل... فأتراقص فرحاً لأني سآكل للمرة الرابعة خلال اليوم بدون تحفظ من أهلي!!

    سريعاً ما تمر الأشهر وفى شهر من أشهر الشتاء ألحظ انتشار القصب بطريقة لافتة للنظر في الكثير من المحلات والعديد من البيوت وكنا نشترى "حزمة" ونقطعها إلى "عقل" صغيرة وبعد المغرب نجتمع لنقشرها ونرتشف عصارتها اللذيذة السكرية وسمعت بعض الناس يهنئون بعضهم بموسم الغطاس!!.

    لم أكن أدرك ما هو الغطاس... أو ماذا يعني؟... لكنني كنت أنتظره كل عام... لآكل القصب فقط!!!

    وعلى الرغم من امتلاء قريتي بالتناقضات المعمارية والدينية والأخلاقية والأعرافية... إلا إنني لم ألحظ يوماً ما أنني أشعر بهذا التناقض يخترقني مثلما يخترقني التناقض المعماري بين دوارنا ودوار "عم فوزي" والد "مجدي"... مجدي... ما زلت أذكرك يا مفتاحي ومفتاح كياني على ذاتي... ما زلت أذكر أنك مستصغر الشرر الذي قد أوقد نار جحيم الأسئلة في عقلي... يا من بوجوده العفوي... قد أيقظ كل مهارات العين على استنباط التناغم المصطنع في أنفس حارتنا.

    ترصد عيني الآن هذه البيوت التي يعلوها الصليب الطيني على جدرانها يلاصقها بيوت أخرى قد انتشرت عليها السفن والبواخر التي تعلن عن مشاركة أحد أفرادها في عملية الحج... ترصد الآن عيني عبارات طبعت بداخلي ولم أكن أعرف لها مكنون أو مردود... ترصد عيناي الآن "الله محبة" فباب للدار الذي يليه فـ "حج مبرور وذنب مغفور" على الجدار الآخر المكسو باللون الأخضر... والمنازل التي لم يشارك أفرادها بالحج تعلو جدرانها "الله أكبر"... "لا اله إلا الله" وحتى الآن كان كل ما يمكن أن أؤمن به أنها تجميل لأشكال بيوتنا... حتى الآن لم أكن أدرك أن هناك دوافع لهذه الكتابات أو لهذا السعف المجدول ولهذه الصلبان الطينية...

    الشيء الوحيد المشترك بين كل هذه البيوت القديم منها والحديث هو تعليق فانوس كبير على باب كل دار "لمبة نمرة عشرة" يتم إشعاله عند حلول الظلام فتجد الحارة كلها قد أضاءت.

    لازلت حتى الآن أذكر كيف كانت بنات حارتنا "حارة النصارى" التائهات بين خضم الحارات التي تشتهر بها قريتي تستيقظن يومياً بعد ساعات العصر وبدء إشعال اللمبات ملبيات للنداء السحري المدوي بهن "يا مغرفتنا يا منقرشة قومي سامية من ع العشا" وهذا هو نداء قائدة حركة اللعب الجماعي لبنات القرية... زلزال من الأفراح لا يعرفن سره... هرولة بالحارة مروراً بالزروع وصولاً إلى شجرة الجميز المعهودة.

    هاهن بنات الحارة جئن من منازلهن تشدهن بهجة اللعب سوياً... كانت ألعابهن مألوفة... محفوظة... مرتبة... بمجرد سماعهن النداء يخرجن حتى يكتمل عددهن الذي غالباً لا يقل عن عشر فتيات... بينما الأولاد يلعبون ألعابهم الخشنة العنيفة مثل سباقات الجري (ولعبة الشجاعة ونطة الإنجليز)... لم يكن لديهم طقوسا في تجمعهم أو في ترتيب ألعابهم بعكس الفتيات...
                  

10-23-2005, 02:18 AM

nashaat elemam
<anashaat elemam
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 1108

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية حارة النصاري جديرة بالقراءة (Re: Sabri Elshareef)

    واصل
                  

10-23-2005, 03:11 PM

Sudany Agouz
<aSudany Agouz
تاريخ التسجيل: 04-28-2002
مجموع المشاركات: 9014

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية حارة النصاري جديرة بالقراءة (Re: nashaat elemam)

    ألأستاذ الكريم ..

    صبرى الشريف ..

    قرأت الحلقة الأولى .. وكم هى بداية طيبة مشوقة .. نعيش معها أصل
    الريف المصرى .. أو قد يكون الكاتب منذ زمن " لمبات الجاز " وقبل
    دخول الكهرباء الى المدن ..

    ولكن أخى .. لم تذكر لنا من هو كاتب الرواية أو القصة ؟؟

    واصل ونحن سنتابع ونقرأ ..

    أفادكم الله .. أنا أعرف صعوبة النقل .. ولكن كله يهون فى سبيل عموم
    المعرفة ..

    ولكم منا جزيل شكرنا وتقديرنا لمجودكم العظيم ..

    عمكم العجوز ..
    أرنست
                  

10-23-2005, 04:03 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية حارة النصاري جديرة بالقراءة (Re: Sabri Elshareef)

    وعند سماعي لهذا النداء انطلقت مندفعاً نحو الأولاد في طريقنا إلى مكان اللعب وكانت أولى صدماتي في الحياة هو منعي من اللعب معهم بدعوى أني صغير السن... وذهبت أجر ذيل جلبابي "المقلم" الخشن حافي القدمين... بي شعور يصعب علي تحديده في هذه السن أو التعبير عنه ولكن من الجائز أنه كانت تعلو جبهتي امتعاضه أو "تكشيره" لا يذهبها سوى حبات الراحة التي سرعان ما تنفرط على صدري عند وصولي إلى أختي في مكان تجمع الفتيات حيث أجلس عند الشجرة أرقبهن وليس هذا فقط بل قد صنعن لي دوراً خاصاً بي على عكس برود النفور الذي واجهته مع الأولاد فها هن يسلمونني أحذيتهن أعهدها برعايتي وبعد الانتهاء من اللعب أعطي كل واحدة منهن حذائها... كنت أتقاضى نظير هذا العمل بعض من الحلوى تليق بمتعهد مثلي!!!!!

    كم كانت سعادتي لإحساسي بقيامي بدور في هذا العمل الجماعي "اللعب"... حتى أنهن كن إذا تأخرت ينتظرونني... ويسألون أختي عن "حارس الأحذية"!!

    صديقي مجدي والكُتاب

    توالت علي الفصول والسنوات... ألحقني والدي في الرابعة من العمر بالكـُتاب الذي كان بمثابة الحضانة... أبهجتني فكرة دخول الكتاب إذ كان تجمع كبير لكل الأولاد... أولاد الحارة... كما أنني بدأت أتعلم القراءة قبل دخولي المدرسة... ولكن الشيء الغريب في الكتاب أنني فوجئت بعدم وجود زملائي جميعاً، أصدقاء اللعب فكنت أسألهم بعد خروجي رحت أسأل مجدي:

    - لماذا لم يدخلك والدك الكتاب معي؟

    - لا أدري...!!!!

    وذات يوم قررت أن أسأل والدي صاحب كنوز الإجابات لكل أسئلتي المحيرة.

    - بابا... ليه مجدي جارنا... مابيروحش الكتاب معايا؟

    - "ضاحكاً" إزاي يروح الكتاب؟! ده "نصراني".

    - (مأخوذاً بالدهشة) يعني إيه نصراني؟!

    - يعني مسيحي... اسكت بقى وبلاش وجع دماغ...!!

    عندها تملكني الضيق... إذ أحسست أن هناك شئ قوي سيحول بيني وبين صديقي طوال فترة الكتُاب.

    سأحرم من قاموس الابتكارات في ألعابنا... فمجدي هو صاحب أكبر ألعاب جديدة لم نـألفها من قبل... صاحب أكبر إحساس لا أعلمه... كل ما أعلمه هو أنني أحب أن أظل بجواره فترات طويلة... أنني أحبه.

    كنت في بعض الأوقـات أشعر بالغـيرة من كونه صاحب أفكـار جديدة في اللعـب فسرعان ما سألته:

    - مجدي إزاي إنت إتعلمت كل الألعاب دي فين ومين اللي علمها لك؟

    - المدرس بتاعنا في مدارس الأحد... ولو عايز تتعلم تعالى معايا وهو يعلمك.

    تقافزت في الهواء سعادة وفرحاً وأسرعت في طريقي إلى المنزل قاطعاً الحارة بأقصى سرعة مندفعاً من الباب الخشبي الذي يتوسط جدار المنزل من الخارج وهرعت بطول المسافة بصحن الدار حتى غرفة أبي حتى اصطدمت به عند باب غرفته.

    - بتجري كده ليه؟

    - كنت عايز أقولك على حاجة يابا

    - خير؟

    - أنا عاوز أروح مدارس الحد مع مجدي عشان أتعلم لعب جديدة

    يارب يخليك يابا وديني المدرسة دي...

    لم أشعر إلا بيد والدي وهي تهوى كالمطرقة على وجهي وسالت الدماء من فمي ولم أدري لماذا؟ فصرخت في ذهول وكنت أشعر أن الذي ضربني ليس والدي فاندفعت نحوه أحتضنه وأقول:

    - الحقني يابا

    فدفعني بعيداً عنه وقال:

    - أوعى تقول كده تاني فاهم ولا لأ؟

    أحسست أننى قد تحدثت بشيء خطير يغضب مني والدي فاعتذرت وقلت:

    - حاضر يابا... معلش مش هاقول كده تاني.

    وفي اليوم التالي قابلت مجدي فسألني:

    - هاه..؟ قلت لابوك؟

    - اسكت يا عم مجدي عشان إمبارح أبويا زعل مني وضربني عشان الموضوع ده... أنا خلاص يا عم بقى مش هاينفع أروح معاك.

    أذكر أنني قد قلت هذا إرضاء لوالدي فقط وتجاوباً معه ولكن كان هذا الوقت هو وقت ميلاد أول وأكبر علامة استفهام تبتلعني خصوصاً بعد أن قام مجدي بالمجيء معي إلى الكـُتاب ولم يعترض والده على ذلك... وأعتقد أنه كان سيستمر يحضر معي دروس الكـُتاب اللهم أن سيدنا قام بطرده من مجلسنا وحرم عليه دخول الكُتاب مرة أخرى... تمر السنوات وأكبر في العمر وأدخل المدرسة الابتدائية.

    المشكلة الأول في الحارة

    بدأت معاملة والدي لي يتخللها نوع من التغيير والتطوير فقادني فيما يشبه الدرس وأخذ يشرح لي ويصرح بأشياء لم يذكرها من قبل... فكشف لي لأول مرة أن هناك ما يسمى الإسلام وهو ديننا ملتنا ما نؤمن به وما يسمى بالمسيحية وهى دين من يعرفون باسم النصارى اللي منهم عم فوزي وولاده؟

    - بص يابني أنا عايزك تعرف انه ماينفعش تقول عم فوزي دي تاني... كلمة عم دي تقدر تقولها لأي حد من المسلمين ومش عايز أتكلم تاني في الموضوع ده.

    وما كان مني إلا أن سمعت وظللت صامتاً وقمت بالذهاب إلى المدرسة في الصباح بصحبة صديقي مجدي...

    مضى اليوم في متعة جديدة بالزي الجديد والتجمع الكبير لأولاد الحارة والحارات الأخرى وبعض الأولاد من القرى المجاورة.

    استمتعت كثيراً بطريقة الدراسة هذه "فالمدرس" يقف أمام هذا الجمع من التلاميذ الجالسين على دكك خشبية نظيفة تسع لثلاثة مجتمعين!!! مقارنة بجلستنا في الكتاب تلك الجلسة على الحصير بدون هذا الزي ولكن لم تختلف طريقة مدرسنا عن طريقة سيدنا في التحفيظ أبداً ولا في الرعب الذي أدخله علينا من أول لحظات هل فيها علينا.

    كان هناك وقتاً لم نكن نعرف عنه من قبل ألا وهو "الفسحة" فانفردت بمجدي حيث أنني لم أكن أعرف غيره من التلاميذ إذ أنني أنا ومجدي الوحيدين من الحارة الذين نتمتع بعمر يؤهلنا للذهاب إلى المدرسة وسألته:

    - صحيح يا مجدي إنتم نصارى؟

    - لأ... إحنا مسيحيين!!!!!

    - ليه يا مجدي ماكنتوش مسلمين عشان بابا ما يزعلش منكم؟ بأقولك إيه يا مجدي. ممكن تقول لأبوك يخليك تبقى مسلم عشان بابا مايزعلش منك وما يمنعنيش من اللعب معاك تاني؟

    - بس أنا أبويا ما بيزعلش منك... ولا بيقول لي ما تلعبش مع محمد عشان كده قول لأبوك يخليك مسيحي أحسن!!!

    حسنت الفكرة في عيني إذ أن المشكلة سوف تنفرج... ذهبت للمنزل وببراءة الأطفال ونشوة وجود حل لمشكلتي مع مجدي فقلت لوالدي:

    - ممكن يابا تخليني مسيحي...!! عشان أبقى زي مجدي وتخليني ألعب معاه من غير ما تبقى زعلان مني؟

    (فجأة اندفع والدي خارج المنزل مسرعاً نحو منزل والد مجدي وعلا صوته بالحارة كلها وهو يهدد ويتوعد...)

    - إن ما بتلطوش اللي بتعملوه مع الواد والمصحف لأولعلكم في بيتكم...

    (وأخذ ينادى على شيوخ الحارة ليشهدهم على المعلم فوزي... اللي بيسلط ابنه عشان يضحك عليا و أبقى مسيحي).

    لم تقف الدنيا عند هذه المشكلة فقط بل لقد سببت هذه المشكلة مضاعفات لا حصر لها إضافة إلى ما كان قائماً من قبل... فازدادت كراهية المسلمين من أهل القرية لمسيحييها وازداد خوف المسيحيين من المسلمين ومن مضايقاتهم المتزايدة... شعرت بألم وحسرة شديدين لأنني كنت السبب في كل ذلك... علاوة على هذا فقد خسرت صديقي مجدي... ومنعني والدي من التعامل مع مجدي أو حتى مجرد مصافحته كما طلب من ناظر المدرسة أن يفرق بيننا فنقل مجدي إلى فصل آخر!!!

    هذا وقد بدأت الواقعة تؤثر تأثيراً مباشراً على هدوء الحارة وعلى نفوس أهلها.

    كانت أول واقعة في مسلسل الاحتكاك الدائم بين الفئتين تزلزل هذا الهدوء هي واقعة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ومن المعلوم لنا دائماً أن الاحتفالية ذات طابع خاص وخاصة الاحتفال الذي تقيمه الفرق والطرق الإسلامية المختلفة وعلى الأخص الطريقة الحامدية الشاذلية الذي كان خالي أحد أقطابها... فكانوا يطوفون القرية بالأعلام الخضراء المنقوش عليها الهلال والمكتوب عليها "لا إله إلا الله" ويحملون السيوف و"السنج" رمز القوة الإسلامية.

    كان الركب الاحتفالي يجوب الشارع الرئيسي الذي يتوسط القرية ثم يقومون برفع علم الطريقة على صاري خشبي يدقونه في أرض فضاء مقابلة لمنزل الشيخ ثم تتم الاجتماعات المسائية لقراءة الأوراد حتى موعد الليلة الكبيرة.

    ولكن هذا العام الذي صادف ما كان من والدي... فقد أخذت الاحتفالية طابعاً آخر...

    ولأول مرة يتعمد شيخ الطريقة اختراق الحارة الضيقة التي يقطنها غالبية مسيحية في ظاهرة لم تحدث من قبل.

    فيطيلون الوقوف عند منازل المسيحيين ويبدلون إنشادهم بهتافات قائلين

    (لا إله إلا الله... محمد رسول الله)

    ثم أخذوا بالطرق على الأبواب وكان الأطفال يبالغون لما لديهم من طفولية في ذلك بقذف النوافذ بالحجارة وتمزيق سعف النخيل وتحطيم الصلبان الطينية... وانفردت بي بعد ذلك كل علامات الاستفهام والاندهاش ثم تملكني الخوف على صديقي وظللت أبكي بشدة وبهذا الخوف اندفعت مخترقاً الموكب وجميع الأطفال بصورة لا إرادية طالباً منهم عدم قذف هذا المنزل... فدفعني أحد الشيوخ وهددني بإبلاغ والدي...

    ومرت الليلة طويلة.. كئيبة وأنا قلقاً مضطرباً.. منتظراً الصباح لأطمئن عليه.. تتقاذفني الأسئلة.. هل أصابه ضرر؟ هل اصطدم به أحد من الأطفال أو الشيوخ؟... هل؟ هل؟

    وها قد لاح الصباح وذهبت في طريقي إلى المدرسة فشاهدته متجهاً للمدرسة هو أيضاً.. فطرت سعادة وتمنيت لو ذهبت لأقبله وأهنئه على سلامته لكن منعني عنه هذا الهلع الذي أحاطني به والدي وصاحبني في طريقي للمدرسة استعراض رد فعل المسيحيين إبان الاحتفال ففي هذه الأثناء لم يبدر منهم سوى الهدوء.. إغلاق الأبواب والنوافذ.. التزام المنازل.. لماذا لم يبدر منهم رد فعل عنيف لذلك التعدي... أهو الخوف أم الذوق الذي وإن كان فلن يكون في موضعه أبداً هكذا..!!

    واستمر حال هذه الاحتفالية منذ ذلك الحين وحتى يوم خروجي من الحارة إلى القاهرة كما هو. وكان المسيحيون يحفظون ذلك التاريخ جيداً فيشترون حاجيات المنزل كلها قبل هذا التاريخ بيوم أو يومين حتى لا يضطروا إلى مغادرة منازلهم في هذا اليوم.. واستكمالاً لسلسلة التناقضات أن عم فوزي أو المعلم فوزي كما يروق لوالدي أن أناديه يذهب في يومها صباحاً لوالدي مهنئاً إياه.

    - كل سنة وأنت طيب يا أبو أحمد.

    كان والدي يرد له التحية بالفتور والتحفظ الشديدين والغيظ المستتر.

    لقد احتدمت الحالة بينهما وتهديد والدي له لا يزال يتردد في أصداء حارتنا كما يتردد في آذان عم فوزي...

    والآن وقد مر شهر ونصف الشهر على احتفالية المولد النبوي التي كانت بمثابة شبح الذعر الذي خيم على مسيحيي البلدة. تدخل بعض مِن مَن نطلق عليهم عقلاء الحارة في محاولة للصلح بين والدي وعم فوزي.. كان يتردد دائماً اسم الدكتور "..." وهو طبيب مسيحي يحظى باحترام المسلمين والمسيحيين وكان مديراً للوحدة الصحية بالقرية وقد اشترك هذا الرجل في الصلح مع مقاول كبير وعضو مجلس الشعب عن دائرتنا ممن يحظون باحترام الجميع...

    وفى دوار العمدة وسط القرية كان لقاء والدي وعم فوزي وكنت أنا ومجدي نقف في خلفية المشهد بعيداً عن الأحداث والسعادة تغمرنا وننتظر بلهفة التصالح الذي سرعان ما سيسفر عن تلاقينا بلا تحفظ.

    وما أن انتهت الجلسة بالصلح حتى قفزت في صدر مجدي أحتضنه ويحتضنني في الوقت الذي اخترقت فيه مشاعري نظرة أبي نافذة إلى دفئ صدري...!!

    كانت نظرة لائمة مفسدة هذا التعبير الصادق الذي غمرنا... لكنه لم يمنعني كتعبير عن التزامه بالصلح والمهادنة. ولكن كانت تكفيني نظرته لأرتجف.

    ذكريات رمضانية

    بدأت أكبر وبدت لي الأشياء والمعارف من حولي في عريها فبدأت تتكشف لي أشياء غير التي ألفتها... وفقدت المعارف براءتها... ففجأة علمت أن هذا المنادي صاحب الحمار يدعى.. "المسحراتي" وهو يقوم بهذا الواجب اليومي لإيقاظ الناس من سباتهم لأكل "السحور"، تلك الوجبة التي تقض مضجعي أثناء النوم لعسر هضمها وعلمت أن هذا يحدث في شهر اسمه "رمضان" واجب فيه الصيام على المسلمين وبالرغم من صغر سني داهمني والدي بإرغامي على الصوم لأعتاد ذلك... في الحقيقة لم يضايقني هذا بل كنت سعيداً جداً بهذا الشهر

    فهناك العديد من الطقوس التي أتفاعل معها وأفرح بها كثيراً خاصة عندما يقترب موعد الإفطار (آذان المغرب) إذ كنا نجتمع ثلاثة أو أربع أفراد ونذهب عند أقرب مسجد قبل المغرب بنصف الساعة وكل منا يحمل معه نوعاً ما مما في منزله من الفاكهة ليأكله وبمجرد سماع صوت "الصفارة" التي كانت تنطلق من ماكينة الغلال على مشارف القرية معلنة آذان المغرب... كانت لبهجة التلاقي وخصوصية هذا التجمع عظيم الأثر في وجداني حتى يومنا هذا ولكن ما كان يعكر صفو هذا الاستمتاع... أن الأطفال بعدما نأكل ونصلي المغرب يذهبون في طريق عودتهم لمنازلهم منشدين...

    "يا فاطر رمضان يا خاسر دينك قطتنا السودا ها تقطع ديلك" أمام أبواب منازل المسيحيين.

    في بادئ الأمر كنت أنهرهم ومع مرور الوقت أصبحت عادة ألفناها ولكن البيت الوحيد الذي لا أجد في نفسي الرغبة في قول هذا النداء أمامه هو منزل... كنت أسرع وأهرول حتى أصل للمنزل الذي يليه... نفس الشيء كان يتكرر مع السحور فكنا نلتف حول المسحراتي وحماره ونحمل له الفانوس وهو يدق على طبلته وكالعادة كان المسحراتى مدفوعاً من رجال الحارة... فيطيل الوقوف والنداء والدق على طبلته أمام بيوت المسيحيين فسألته:

    - يا عم "علي" دول مسيحيين بتخبط لهم كتير ليه؟

    - اسكت أنت مش شغلك عاوز تخبط خبط... مش عايز اسكت أنا عارف انهم زفت مسيحيين لكن لازم نقلق منامهم الكفرة دول!!...

    وتقدم البعض بشكوى للعمدة وشيخ الحارة وعضو مجلس الشعب مما يحدث لهم من إزعاج في رمضان فكانت الإجابة الذهبية...

    - دول عيال وبيلعبوا.. نمنع عيالنا من اللعب يعني عشان المسيحيين يرتاحوا؟!!!

    والشيء المحزن إن والدي كان يشجعني مبتسماً وكان يفرح جداً لما يعرف إني كنت مع الأولاد.

    ظلت الحياة تسير بنفس دورتها وسرعتها الرتيبة نفس الأحداث نفس الفراغ نفس الأحاسيس التي لا تنمو ولا ترقى بدين.

    فقد تأثر كياننا تأثراً كبيراً بهذا الهدوء الجغرافي الذي يحيط بنا في حقولنا في طريقة بناء منازلنا فالطبيعة الطينية قد أورثتنا البرود والحصير قد أورثنا الجفاء... ولهيب الشمس في الحقول علمنا التناحر على الظل الوارف في طبيعة الفراغ.

    الدرس الذي تعلمته من عم فوزي

    إلى أن اخترق هذا الهدوء ذلك النبأ الذي طار لنا من خلال راديو "عم إسماعيل" بأن الحرب قد نشبت بين مصر وإسرائيل... وكان الخامس من يونيو 1967.

    في هذه الأثناء كان والدي يعمل بورش الصيانة الميكانيكية بأحد جراجات القوات المسلحة ويوم نشوب الحرب لم يعد والدي إلى منزلنا... تركنا أنا واخوتي تنهشنا مخالب الاستفسارات تركنا لدوامات الاستنتاجات المشوبة بالريبة.

    لم يعد والدي في موعده المعتاد يومياً... تأخر حتى دخل الليل علينا... كنت أسمع أصوات القذائف المضادة للطائرات تنطلق من حولنا وصفارات الإنذار تنتهك جلودنا... الطيران الأسود في سماء القرية على ارتفاع منخفض وكلما اقترب الليل ازداد خوفي وهلعي وفجأة تملكني الرعب وعلا صوتي بالبكاء. لم أكن أدري أخوفاً على والدي أم رهبة من المدافع والصواريخ وأزيز الطائرات.

    كان منزل عم إسماعيل هو مركز تجمع أهالي القرية لمتابعة أخبار الحرب من خلال الراديو الكبير الوحيد في البلدة الذي كان يملكه... ومضى أكثر من ثلاث أيام ولم يعد والدي... لم تصلنا منه أي رسالة وانقطعت كل أخباره و صاحب ذلك انقطاع ظهور بعض المجندين من أهل الحارة... وفى خضم هذه الأحداث حدث ما لم يكن يتوقعه أحد... إذ في اليوم الرابع جاء المعلم فوزي إلى منزلنا يسأل عن والدتي:

    - يا محمد فين أمك؟

    - (أجبته في سرعة وشرود ذهن) جوه هاندهالك.

    (ثم ذهبت لنداء أمي وظللت أتابع حديثهم)

    - هاه يا حاجة مفيش أخبار عن أبو أحمد؟

    - أبداً والله (وانسكبت الدموع من عينيها) مش عارفين إيه اللي حصل له؟ هوه بخير ولا حصل له حاجة الشر بره وبعيد.

    - طيب يا حاجة إهدي كده أمال... ممكن تديني العنوان وأنا هاروح اطمن عليه بنفسي؟

    - إزاي يا معلم... دي حرب هتطمن عليه إزاي؟!

    - مش عارف بس مش مشكلة برضوا يا حاجة... ما تقلاقيش انتى بس وهاتي العنوان وأنا هاتصرف.

    - بس العنوان مش معايا... خلاص لما ييجي أحمد من بره هو عارفه...

    ولما عاد أحمد أخي إلى الدار كتب العنوان وجاء عم فوزي وأخذ منه العنوان وانطلق... لا ندري إلى أين...؟!

    عند غروب ذلك اليوم العاشر من يونيو 1967 عاد عم فوزي وهو مبتسم وعلى وجهه علامات السرور... وأخذ يربت على كتفي:

    - أمك فين يا محمد ؟... إطمن أبوك طيب وبخير يابني (أسرعت والدتي من الداخل وهي تزغرد قائلة)

    - صحيح يابو مجدي... الحاج كويس... عايش مجرالوش حاجه؟

    - أيوه يا حاجة ومعايا أمارة كمان.


    إيه هيا؟

    - بطاقة التموين بتاعتكم أهيه... إدهالي عشان أجيب لكم التموين بكره إن شاء الله.

    أحسست ساعتها إنني لم أفقد بعد كل الأمن بتأخير والدي عني ولكن عندما انفرد بنفسي وكلما يحل علي الليل تنفرد بي كل أحاسيس الخوف وفي مساء 11 يونيو 1967 سمعت أزيز ذلك الطيران الأسود يحلق في سماء غرفتي... فصرخت صراخاً عالياً... شعرت أن هذه الطائرات ستقتلني بقذائفها على غرفتي فأسرعت خارجاً... سمع عم فوزي صراخي.. فأتى إلى نجدتي وضمني إليه وقال:

    - مالك يابني... في إيه...؟ ما تخافش.

    واستأذن والدتي في أن يصحبني إلى داره لأجلس مع صديقي مجدي وألعب معه حتى أهدأ.

    لم أستطع إدراك دافع عم فوزي من هذا التصرف وخصوصاً أن كل تصرفات المسيحيين معنا في القرية لابد لها من تفسير ومردود هكذا تعودنا واعتقدت أن والدي ربما يكون قد مات الآن وهو يعلم ذلك وهو يفعل ذلك من منطق العطف على طفل يتيم... فسألته:

    - والنبي يا عم فوزي ربنا يخليك قول لي... أبويا عايش صحيح ولا مات؟

    - صدقني يا محمد.. صدقني يابني أبوك بخير وكويس ويعلم ربنا كلها يوم ولا اتنين وهيرجع لكم بالسلامـة.. ياللا.. ياللا.. تعالى معـايا مش عـاوز تشوف صـاحبك مجدي ولا إيه؟

    كنت قد رأيت عيني أمي وهي تدمع لقولي فدموعها لم تقدر على حجز مقعد لنفسها خلف جفونها المنهكة المبتلة دائماً وجرت بعنف فاندفعت داخلة إلى منزلنا بينما اتخذت أنا طريقي مع عم فوزي...

    كانت هذه هي المرة الأولى التي تطأ فيها قدماي منزلاً مسيحياً على الإطلاق ولا أخفي أنني طالما راودتني نفسي بالرغبة في استطلاع ذلك المجهول الذي طالما أخفوه وأحجبوه عني أهلي وبيئتي...

    عند وصولي لعتبة الدار تملكني الرعب إذ قد انصبت في آذاني كل العبارات التي كنت أسمعها آنفاً من عدم حب المسيحيين لنا وأنهم من الممكن أن يضعوا لنا السم في الطعام أو الشراب.. وأكد ذلك لدي أن والدتي كانت تحضر لي الطعام بنفسها في موعد تناوله من منزلنا. استعرضت بعيني كل تفاصيل المنزل بداية من الصور المعلقة وحتى أضخم قطعة أثاث فلفت نظري بشدة تلك المرأة الجميلة التي تحتضن طفل بارع الجمال... أخبروني أن هذه المرأة هي مريم العذراء. أما الطفل فهو المسيح... ثم استعرضت الجدار المقابل لأجد صورة أخرى لرجل كثيف اللحية... مسبط الشعر يجلس على مائدة طويلة وحوله رجال كثيرين يتناولون الطعام... قالوا لي أن هذا الرجل هو المسيح والرجال هم اثنى عشر تلميذاً "الحواريون". لقد كان البيت المسيحي بالنسبة إلي مجهولاً رغبت طيلة ما سبق من عمري اكتشافه وفي نفس الوقت كنت أخشى الاقتراب منه.. وها هو الآن هذا المجهول وقد أصبح معلوماً. في هذه الأثناء بدأ يتلاشى خوفي تماماً... وبعد يومين من الإقامة هناك عاد والدي بعد انتهاء الحرب... فجاء أخي يخبرني ويطالبني بالعودة سريعاً... ... لأن والدي يسأل عني وقال لي:

    - إن سألك كنت فين أوعى تقول انك كنت هنا.

    أسرعت نحو منزلي وارتميت في أحضان أبي في أحضان أمنه في دفئه الذي غاب عني... قبلني والدي كثيراً في جميع أجزاء وجهي وقال لي:

    - كنت فين يا محمد؟

    - كنت بره.. بـ... ألعب.

    لم يعلق والدي وكأنه فهم أنني أكذب ودخل غرفته ودار بينه بين أمي هذا الحديث:

    - بقى كده يا حاجة...؟!!

    - في إيه يا حاج... ؟!

    - على آخر الزمن تبعتي لي واحد مسيحي نجس يدور عليا… هو أنا عيل صغير تايه؟ إيه خلاص مفيش لا عقل ولا دين... فوزي العضمة الزرقا المعفن ده يدور علي أنا؟

    - وماله يا حاج... الناس لبعضيها... والراجل كتر خيره عمل اللي حتى إخواتك ما عملوه… مفيش ولا واحد قريب ولا بعيد جه يسأل عليك في غيابك ما إحنا ما بنتعرفش غير في المشاكل بس... إحنا نشكره ونسيب ملته دي لربنا يا حاج.

    - لكن في أصول... على العموم أهي مرة وعدت ودي إن شاء الله هتكون آخر مرة يحشر نفسه فيها الجدع ده.

    - أنا مش عارفه انت بتكره الجدع ده دون عن خلق الله المسيحيين كلهم ليه يا حاج.. هو عمل إيه معاك؟

    - قلنا خلاص... اتقفل الموضوع على كده... ومحمد ابنك كان فين كده؟

    - كان... كان... كان عند المعلم فوزي.

    - كمان... كمان يا أم أحمد ابني أنا يدخل بيت فوزي النصراني؟ وأظن ما كان بياكل ويشرب هناك؟ مش كده؟

    - حد الله ياحاج أنا كنت بابعتله الأكل من عندنا... بس أصل الواد كان مخضوض يا عيني من البتاعة دي... اللي اسمها... إيه دي ... الطيارة

    عندها توقفت أذناي عن السمع لا إرادياً... تألمت كثيراً إذ ما الذي حدث لكي أكذب على والدي ثم يتكلم والدي عن عم فوزي بهذا الكلام وهو الذي فعل كل شئ لم يقم به غيره وظللت بسؤال واحد لماذا كل هذه الكراهية لرجل لم يفعل معنا إلا الخير؟

    لماذا لا يشترك الناس جميعاً في كسب كراهية والدي...؟‍

    كنت ألوم الأقدار التي جعلتني أرتبط بشخص يحكم به علي... ولكن الشيء الذي لا نقدر على الهرب منه هو الزمن فالزمن يمضي، يمر... ولا يتوقف... الحرب تنتهي ووالدي يزداد غضبه... ويقل... ويتوقف... يعلو بحنوه... تزداد قسوته... ثم يعتدل... كل الأضداد في والدي الذي هو صورة من هذه الحارة..

    هذه المدينة...

    ذاك الوطن...

    بداية الانقلاب

    ما زلت حتى الآن أتكئ بظهري على مقعدي الثابت من الأحداث في عربة القطار التي تخترق بي أفدنه طويلة وشاسعة وتقع عيناي على هذه الأرض المزروعة بالقطن... القطن.. فقريتنا تشتهر بالقطن وزراعته على مساحات كبيرة فالقطن هو المحصول الرئيسي في القرية وهو يمثل مصدراً أساسياً للدخل هناك إذ أن موسم جني القطن هو موسم الزواج في القرية وفي فترة العطلة الصيفية وبالتحديد في شهر يونيو من كل عام تنظم الجمعية الزراعية بقريتنا "فرق" وهي مجموعات من الأفراد "ذكور- إناث" يقودهم شاب "خولي" من طلبة الكليات الزراعية... أو حملة الدبلومات... تقوم هذه الفرق بالجمع اليدوي "لبيض ودودة القطن" المسمى "لطعة".. وفى صيف عام 1969 كنت قد أنهيت المرحلة الابتدائية وعرضت على والدي أن أشترك في هذه المجموعات واستثمر ما أحصل عليه لقاء أجر لشراء مستلزمات العام القادم فوافق والدي على الفور.. والحقيقة وراء طلبي هذا هو إنني علمت أن صاحبي مجدي سيشترك هو الآخر.. ولكم كنت سعيد جداً لهذا خرجت في الصباح وعلى رأسي "الطاقية" أحمي بها رأسي من حر الشمس وأحمل في يدي "بؤجة" الطعام... إذ لم يكن مسموحاً لنا بالعودة إلى منازلنا لبعدها عن الغيطان.

    وكنا كلما حان وقت الغذاء جلسنا سوياً أنا ومجدي نأكل طعامنا ونعمل "الغديوه" وكانت في هذه الأثناء بالذات ترقبنا نظرات جميع الفرق المشتركة وتلاحقنا بالاشمئزاز المتواصل بل وتقذف علينا نظراتهم بوابل العتاب والغيظ... فكان الحل الوحيد... أن أتجاهل ما يحدث وأستمر في نقائي تجاه من أحب... ثم إنني لا أجد سبباً للابتعاد عنه... فهو يحبني... ويحب اللعب معي... لا يؤذيني... يعلمني الكثير والجديد من الألعاب... هو من دفعني للاشتراك في هذه المجموعات... لم يكذب علي... لم يضمر لي شراً... ولكن "الخولي" كان له رأي آخر... إذ كان ِمن مَن نطلق عليهم "متدينين" وكان شديد الكره للمسيحيين بل كان يسئ إلى درجات بعيدة في معاملتهم... وذات مرة واجهني:

    - حسك عينك أشوفك قاعد بتاكل مع الواد ده تاني فاهم ولا لأ؟

    - ليه؟ هوه غلط؟ أنا بأستريح معاه...

    تركني ولم يجيب لكنه توعد بأن يخبر والدي فعرفت أن إجابتي البريئة المستفهمة لم تريحه...!!

    وهنا بدأت أكتشف سبباً آخر لتعلقي بصديقي وهو إنني أمنع بقسوة وشدة عنه...!!

    في المساء بعد عودتي... قامت الدنيا ولم تقعد...

    - اياك تقعد مع الواد مجدي ده خالص بعد النهاردة... بقى إحنا بنمنعك من القعدة واللعب معاه تقوم تروح تاكل معاه...؟

    - يابا إنتوا ليه زعلانين إني بالعب معاه ولاحتى باكل ده صاحبي إشمعنى يعني ده؟

    - لأنه كافر... مشرك واللي ياكل معاه... يبقى زيه فهمت بقى يا سيدي ودا مش كلامي.. ده كلام الرسول "من أكل مع مشرك أو سكن معه فهو مثله"!!!

    - طيب خلاص... أنا هابطل آكل معاه تاني... بس هابقى صاحبه... هاقعد معاه وألعب معاه... لا هاكل ولا هاشرب...

    - لأ

    - لأ... ليه؟

    - هو كده!!

    - بس أنا باحب مجدي؟! وبعدين هو ولد طيب ومؤدب!!

    - يا محمد يابنى دا صحيح لكن الرسول منعنا إن إحنا نصاحبهم أو نحبهم دول مشركين فقال "يحشر المرء مع من يحب" انت عايز ربنا يحشرك مع الكفار في جهنم!!!!

    - لأ

    - خلاص اعمل اللي باقول لك عليه.

    ولما جاء الصباح... كان بمثابة موعد التنفيذ... أستطيع أن أواجه أبي وكل أهل الحارة من أجل صديقي ولكني لا أستطيع مواجهة الله من أجل كل الحارة!!!

    ذهبت كالعادة إلى مكان تجمع الفرقة الخاصة بي... استعداداً للذهاب إلى موقعنا... لكن كانت علامات الضيق والاكتئاب تبدو واضحة على قسمات وجهي... في نبرة صوتي... وعندما أقبل مجدي... ارتد للخلف خطوات في نفسه... قبل خطواته اللاهثة التي استمر فيها حتى وصوله إلى شجرته العتيدة... التي كان دائب الذهاب إليها بمفرده من وقت لآخر... ربما جرى هكذا ليبكي وربما لينفرد بنفسه ليفكر في سبب تحولى عنه... وربما... وربما...

    وعندما جاء وقت الغذاء... أخذت طعامي وذهبت بعيداً وحدي... حتى لا يراني... وبدأت في الأكل... "بسم الله الرحمن الرحيم" وسمعت ... "باسم الآب والابن والروح القدس إله واحد آمين" لم أعبأ بوجوده وقبل أن أضع في فمي أول "لقمة" وجدت من يقول لي:

    - إيه يا محمد أنت هتاكل من غيري مش عوايدك؟!

    (رافعاً رأسي مواجهاً له فإذ بمجدي وعلى فمه ابتسامة غير مكتملة فقلت له باقتضاب):

    - مجدي أنا مش هاكل معاك تاني من النهاردة ماشي؟

    - إيه؟ أنت بتقول إيه يا محمد؟

    - مش هاكل معاك تانى... كل واحد ياكل لواحده وأرجوك بلاش تسلم علي قدام الخولي...

    - ليه يا محمد ؟

    - ماعرفش هو كده وخلاص… اسمع الكلام واسكت.

    فلم أجرؤ على إخباره بأنه سئ في عيني الله وسيحشر في جهنم... وظل مجدى ينظر إلي وأنا متعمد ألا أنظر إلى عينيه... استمر هذا الوضع قليلاً ثم قرر مجدي الفوز بكرامته والابتعاد عني... وذهب مجدي إلى مكان بالقرب مني وتبادلنا النظرات الحاسرة وفي داخلي أتساءل... ما هذا الذي يحدث لنا...؟!

    لماذا يرضى ويسر الله لهذا؟!!

    وما أن مرت لحظات إلا وقد وجدت هجوم أعضاء الفرقة نحوي لمشاركتي الطعام...

    فتساءلت:

    - ما الذي حدث؟

    لقد كنت أطلب منهم مراراً كثيرة أن يأتوا ويشاركوني أنا وصديقي مجدي ولكنهم كانوا يرفضون.. فما الذي حدث...؟؟

    - براوة عليك ياد يا محمد... طردت النجس ده بعيد لواحده!!

    وساد الفتور علاقتي بمجدي وشيئاً فشيئاً وجدت نفسي أفقد حبي له واهتمامي به ومحاولة لقاءه...

    لا أدري!؟ ولكن ربما كان الفوز بالجنة أفضل بكثير من مصافحة مشرك!!

    وانتهت المرحلة الابتدائية هكذا...

    فحب الله أغلى من حب أي مجدي...






                  

10-23-2005, 04:05 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية حارة النصاري جديرة بالقراءة (Re: Sabri Elshareef)

    ذكريات مرحلة إعدادي

    انتقلت إلى المدرسة الإعدادية وكانت المدرسة تبعد عن القرية بحوالي عشرة كيلو مترات فقريتنا بها مدرسة وحيدة ابتدائية ومن يريد إكمال مسيرة التعليم عليه مسيرة نحو عشرة كيلو مترات يومياً ذهاباً وإياباً للمدينة المجاورة.

    ساد الاعتقاد لدي إنني ببعدي هذا عن القرية سأنجح في اختيار أصحابي بعيداً عن أبراج المراقبة الأبوية... ولكن لم أكن وحدي... فقد كان معي كثير من الطلاب من حارتي... ينقلون أخباري لوالدي عندما يطلب منهم ذلك وبعد فترة أصبح ذلك يتم بدون أن يطلب منهم.

    كنت أشغل نفسي في طريق عودتي من المدرسة بعد البيوت... كم بيت في حارتنا...؟! بدأت العد وواصلت العد حتى اكتشفت أنهم 75 منزلاً بطول الحارة.

    وذات يوم فكرت في أن حارتنا "حارة النصارى" هكذا تدعى... فقررت أن أحصي عدد المنازل المسيحية وأحصي كذلك بيوتنا نحن... فكانوا خمسة عشر منزلاً لنا... وستون بيتاً لحاملي لقب الحارة...!!

    ولكني اصطدمت بواقع عمري فيها فهي "حارة المسلمين" إنها حارتنا فهي حارة الإسلاميين... نعم فالنصارى فيها كثرة بلا صوت بلا فعل بلا...

    كان والدي يمثـل القطب الأكبر بالنسبـة للمسلمين... وعلى الطرف الآخر فالمعلم فوزي هو القطب الأكبر للمسيحيين وكان كلاهما موضع احترام وتقدير في عشيرته أو طائفته وهم أصحاب النفوذ في فض اشتباكات ونزاعات أهل الحارة من الطائفتين.

    كانت كل الأنظار تتجه نحو منزلنا ومنزل المعلم فوزي ولكن شتان الفرق بين كل منهما... فمنزل المعلم فوزي الواسع والمؤسس تأسيساً جيد هو تماماً عكس منزلنا المتواضع... وكثيراً ما كنت أسأل نفسي عن ذلك، وفي يوم من الأيام قررت أن أسأل والدي:


    ليه بيتنا فقير وشكله وحش والبيت بتاع المعلم فوزي حلو وهو كافر ومشرك وإحنا اللي ربنا بيحبنا إشمعنى يعني يابا!؟

    - هما ليهم الدنيا بنعيمها... وإحنا لينا الجنة بريحها...!!!

    وبالتأكيد لم تعجبني الإجابة!!

    وقد مكنني وضع والدي القيادي هذا من الاضطلاع عن قرب على كل خبايا القرية ومشاكل الأسر بكـل تفاصيلهـا والـتي دائماً ما تشير إلـى مدى تقدمهم أو تخلفهم وقدرتهـم على حـل النزاعات وفهمهم لها... والتي تنم كذلك عن مدى التناقض الغريب الذي يسري في عروقهم وكم الزيف الذي يسترون به وجوههم... كان ما يميز بيوتنا عن بيوت المسيحيين أثناء النزاع هو الصخب والعويل والصياح... وكنت أعجب بادئ الأمر ولكن سرعان ما أقنعت نفسي بأنه وضع اضطراري للنصارى يعيشونه رغماً عنهم خوفاً من غضب المسلمين عليهم... إن هم تسببوا في إزعاج جيرانهم الملكيين "المسلمين"!!

    كنت أرقد في ذلك العصر عندما أفاقت الحارة بأجمعها على صراخ شديد وتنابذ بالألفاظ فخرج الجميع للبحث عن مصدر هذا الصراخ وسببه... كان هذا الصراخ يأتينا من لدن منزل المعلم عبده الجزار... كانت زوجته هي التي تصيح وتصرخ وعندما وثبت الى النافذة لأرقب ما يحدث... وجدت زوجة المعلم عبده تهرول إلى منزلنا للاستغاثة بوالدي... وخلفها يجري أطفالها وهم يبكون بشدة و يتبادلون السقوط أثناء الجري... صحيح لم تكن هذه هي المرة الأولى ولكن هذه المرة كانت أشد هولاً... لدرجة جعلتني اندفع إلى الباب مستقبلاً إياها لأسألها:

    - في إيه يا خالتي؟

    - فين الحاج يا محمد... اندهللي الحاج قوام أبوس ايدك...

    ( كان والدي قد خرج لتوه من غرفته يكمل إسدال جلبابه... هدأ والدي من روعها وأجلسها... وطلب من أمي أن تحضر لها كوباً من الماء)...

    - واعملي لنا كوبيتين شاي يا أم أحمد.

    مالك بقى يا أم سيد؟ اهدي كده واحكي لي اللي حصل …

    - أحكيلك ايه يا حاج؟ هي دي أول مرة ما هو على يدك...

    استمر الحديث الذي يدور دورته كل مرة في نفس الاتجاه فلقد كان دائم الشجار معها وفي كل مرة يصلح بينهما والدي ويتعهد المعلم عبده بعدم تكرار ما بدر منه بلا فائدة!!

    وسرعان ما تمر الأسابيع حتى يحدث ما قد حدث من جديد... والذي أحياناً يصل للعنف وكالعادة جاء عم عبده ليأخذ زوجته وكأن شيئاً لم يكن كما اعتاد.

    - يا راجل خللي عندك دم... احترم دقنك اللي مالية وشك دي يا شيخ دا انت حتى لسه حاجج بيت ربنا... بص يا أخى للنصارى اللي قدامك... ضحكتهم علينا كل شوية.

    - أنا محقوق لك يا حاج.

    - قوم خد مراتك وطيب خاطرها بكلمتين قوم... قومي معاه ياللا يا أم سيد وإن حصل حاجة تاني أنا اللي هأقف له.

    لم يمضي سوى أربعة أيام حتى تكرر ما حدث... نفس الصراخ ولكن هذه المرة كان يضرب أولاده لأنه علم بأنهم يدخنون... وتطورت الأحداث فأمسك عليهم السكين ليهدد به ابنه فهرعت إلينا زوجته طالبة النجدة. وخرج والدي مسرعاً إلى منزل المعلم عبده ليفاجأه المعلم فوزي وتقابل الاثنان معاً على باب المنزل:

    - ايه اللي جابك هنا يا سي فوزي؟

    - باحاول أساعد يا حاج

    - طب مالكش صالح بيناتنا إحنا نقدر نحل مشاكلنا من غيرك إنت جاي تشمت فينا...

    هى دي عادتكم يا مسيحيين... شغل الكهانة دا... تحبوا تصطادوا في الميه العكرة.

    عندها انسحب المعلم فوزي إلى منزله يضرب كفاً على الآخر هذا وقد توقف المعلم عبده عن ما كان يفعله على صوت والدي ينهر المعلم فوزي ...!!

    ثم ما أن هدأ المعلم عبده

    - إيه اللي حصل يا معلم؟

    - ابن الكلب قال بيشرب دخان

    - يعني يا معلم عبده بتلوم ابنك ع الدخان وأنت بتشربه إزاي يا راجل (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم).

    - كمان يا حاج ابني الأيام دي ماشي مع توفيق ابن المعلم فوزي النصراني.

    - بص يا معلم ولاد المعلم فوزي والشهادة لله ولاد كويسين قوى ومتأدبين كويس ومفيش واحد فيهم بيشرب دخان وشطار في مدارسهم إياكش بس إنهم نيلة مسيحيين...!!

    عاد والدي للبيت شارد الذهن لا أدري في ماذا ؟ حتى أنه لم يدرك أو يشعر بوجود خالي عندنا… إذ قد جاء لزيارتنا من القرية المجاورة:

    - مالك يا حاج في إيه؟ إيه اللي شاغل بالك؟

    - أهلاً... أهلاً... يا حاج سعيد... لا مؤاخذة حاجة غريبة يا أخي المعلم عبده الجزار عاوز يذبح ابنه عشان بيشرب دخان وآل إيه شافه كمان ماشى مع الواد توفيق ابن المعلم فوزي المسيحي.

    - طيب ما المعلم عبده نفسه بيدخن برضوا!

    - تعرف يا حاج سعيد أنا إيه اللي شاغلني؟

    - إيه يا حاج؟

    - العيال ولاد المعلم فوزي النصراني عيال شطار وطيبين وبينجحوا كل سنة وعيال متأدبة وعيالنا إحنا متنيلين بستين نيلة… أنا عارف ولاد فوزي دول ماكنوش مسلمين ليه؟!

    - هدي نفسك يا حاج كده: الأدب والأخلاق مالهومش دعوة بالدين خليها على الله... إنت عارف ولاد فوزي دول لو بقوا مسلمين هيكونوا عاملين إزاي يعني؟

    - هيكونوا مفيش بعد كده

    - أبداً ماهم ولاد المعلم عبده ليه ما بقوش كويسين... ماهم ماشيين معاهم... عاوز الحق... يبقوا زي ما هما أحسن!!

    وكنت من فترة لأخرى أشعر بأن هناك بوادر لذوبان الفوارق الدينية هذه وأشعر كمسلم بأنه لا يوجد مسيحي في الحارة وبالرغم من قلة هذه الأوقات التي ترميني في حضن هذا الإحساس إلا إنها كانت من أروع الفترات التي عشتها في الحارة وقد تجلى في مواقف كثيرة رائعة تناسى فيها أهل الحارة معتقداتهم وعبر كل منهم عن انتمائه للحارة... فقط الانتماء للحارة... فحارتنا كان يتوسطها بيت لرجل متوسط الحال... بناه من الطوب اللبن وسقفه من الحطب والخشب والجريد... وكان يخصص من سطح المنزل مخزناً لوقود الفرن من "القش" وسيقان القطن والذرة اليابسة... وفى يوم الجمعة في الوقت الذي كان مسلمو الحارة يفترشون مسجدها الذي يبعد مسافة حوالي نصف الكيلو عن الحارة وإذا بألسنة اللهب تتصاعد من هذا المنزل البسيط... وتعالى صوت النساء بالصياح والعويل... حريقة... حريقة فخرج جميع مسيحي الحارة في مظاهرة احتفالية لا تسفر عن شئ سوى الحب والوحدة والانتماء... خرج كل المسيحيين في لوحة بدأت تتكامل حتى أصبحت بانوراما مضيئة لهذا المشهد المأسوي... بانوراما لهذه الوحدة... التي سرعان ما تذوب وتنسى... التي سرعان ما تفسر بأوجه شتى... خرج المسيحيون ومنهم من لم يكن قد أكمل ثيابه... خرجوا بالصفائح والقدور ولما بلغنا الخبر تركنا الصلاة... وأسرعنا... فوجئنا بذلك الحشد... بذلك المنظر البديع... عم فوزي... نعيم الترزي... كمال السباك... وغيرهم يطفئون النار بصورة فريدة من الإخلاص وكأن المنزل الذي احترق هو منزلهم جميعاً... حتى الأطفال كانوا يحملون "الجرادل" الصغيرة... وأصرح ولأول مرة أنني لم أساعد في إخماد نيران ذلك الحريق... إذ أنني عندما أفقت من استتباع هذا المشهد- الذي أرجع لي كل ما سمعته عن المسيحيين والنصرانيين- كان الحريق قد أخمد...!!

    وما كان من المسلمين إلا التقدم بالشكر المشوب بالغيرة وكظم الغيظ للمسيحيين وعلى رأسهم عم فوزي... أقصد... "المعلم فوزي"!!!

    لم يكن إخماد الحريق بهذه الطريقة هو النهاية للأحداث المأسوية لذلك المنزل البائس من فرط بؤس صاحبه وسوء أحواله... فالنيران قد أتت على محتويات المنزل وأهمها "بقرته" التي يعيش على ألبانها وزبدها وكذا "جاموسته" نفقت في الحريق... وقد جرت العادة في مثل هذه الظروف أن يتكاتف الجميع ويهبوا لجمع التبرعات لمن لحقت به الكارثة وكان من الطبيعي أن يتقدم كل من له المقدرة على المساعدة علاوة على مبلغ يقدم من مجلس الحارة الذي كان بحوزة المعلم عبده الجزار في تظاهرية اشتراكية بليغة المعنى والهدف خالية من التنظير الجاف... ولكن في حالتنا فكل تلك الأمور كانت غير كفيلة بحل المشكلة لهذا الرجل... إذ احترق بيته وفراشه... وتقدم أكثر من شخص من المسلمين لاستضافته... واستقر الرأي على منزل المعلم عبده الجزار لاستضافته هو وأولاده وزوجته.

    كانوا جميعا يرقدون في غرفة واحدة... لكم كان الوضع سيئاً جداً... وهنا يحدث ما لا يتوقع- بل الذي أصبح من كثرته لابد وأن يكون متوقعاً- لقد ذهب المعلم فوزي للمعلم عبده طالباً استضافتهم في شقة بالطابق الثاني بمنزله كانت مخصصة لأي من أولاده في المستقبل عند زواجهم... بدأت الغيرة تعمل في نفوس وقلوب سكان الحارة... فرفضوا طلب المعلم فوزي.

    - لما نبقى نقصر في حقه... أبقى تعالى خده عندك...!!

    (وهنا تدخل والدي بحدة قائلاً)

    - الراجل ده مش ممكن يدخل بيتك حتى لو نام في الشارع يا جدع إنت فاهم ولا لأ

    - ليه يعني يا أبو أحمد ؟… دا إحنا جيران والنبي وصى على سابع جار... والناس لبعضيها... دانا يا راجل لسه إيديا محروقة من حريق الراجل اللي أنت مش عايزه يقعد عندي...!!

    - اسمع يا معلم فوزي... صحيح النبي وصى على سابع جار... لكن وصانا إحنا مش إنتم... إنت نسيت إنت إيه ولامين؟

    وهنا ينتهي هذا الحوار وينسحب المعلم فوزي بحدة صامتة ويتجه نحو منزله...

    وألح علي سؤالاً ألست أنا من قاطني هذه الحارة "حارة النصارى" !!!!!

    كانت زوجـة الرجـل صاحب الكارثـة صغيـرة السن وعلى قـدر من الجمـال وكان المعلـم عبده يعطف عليها وعلى أولادها!!!.

    لكن زوجته قد فسرت ذلك تفسيراً خاصاً وما لبثت أن نشبت بين الزوجين مشاجرة انتهت بمنح زوجة المعلم عبده الجزار مهلة يوم واحد لتبحث لها عن مأوى آخر لها ولأولادها...!!!

    وهنا يعود نجم المعلم فوزي من جديد في البزوغ... لإعادة المحاولة مرة أخرى ولكن هذه المرة بدون استئذان أحد... بل وأعلن في سابقة هي الأولى من نوعها في أذني... ولم أشهدها قط حتى الآن حيث وقف أمام منزله وأعلن بجرأة!!

    سأستضيفهم عندي مهما حدث...

    - أظن حرام على أي حد في الدنيا إن إحنا نسيب عيال صغيرة تنام في الشارع يا رجالة!!!

    وأسكنهم المعلم فوزي شقته وبدأ في جمع مبالغ من أصدقائه لإعادة ترميم المنزل وإزاء هذا التصرف لم يقدر أحد من المسلمين أن يعترض عليه كما حدث في السابق...

    لكن هذا الهدوء ليس من سمات حارتنا... فسرعان مادعى والدي لاجتماع يعرب فيه عن استيائه من فكرة مكوث حسين وزوجته واقامتهم في شقة هذا النصراني الذي يدعي والدي انه يرغب في تنصيرهم كما كانوا يحاولون معي من قبل بمساعدة ابنهم الصغير!!

    وأخيراً قدر لي أن أستمع إلى اعتراض واضح وصريح على حديث والدي من أحد أفراد الاجتماع

    - لأ يا حاج... المعلم فوزي معملش حاجة غلط... يعني كنت عايز حسين وولاده يناموا في الشارع... بعد ما طردتهم مرات المعلم عبده الجزار... الراجل فوزي ده عمل اللي ماحـدش فينا قدر يعمله... ونسيبـنا بقى من موضـوع الدين ده… ده موضوع بتاع ربنا.

    لم يطرى والدى بهذا التعليق وانتهى الاجتماع على غير اتفاق، وتمر الأيام ويعيد حسين بناء بيته، ويتبرع المعلم فوزي بكامل الأثاث من ورشته الخاصة- حيث كان من أمهر النجارين في القرية بأجمعها بشهادة جميع قاطنيها على السواء- مما أثار حقد وغضب الجميع... حيث ظلوا جميعاً يضمرون الغيظ. أما ما كنا فقط نستطيع عمله إذ ذاك هو إرسال الطعام في أوقاته إلى حسين وأفراد أسرته من نفس طعامنا بانتظام وكذلك المعلم عبده الجزار الذي كان يرسل بين الحين والآخر ببعض اللحوم من دكانه الخاص... والحاج بدوي الذي يرسل له بعض حاجيات البقالة كالزيت والسمن والسكر والحبوب... مدفوعين جميعاً بعدم ترك الساحة لفوزي "واللي زيه" عدا المعلم عبده الجزار الذي كان يفعل هذا بعيداً عن مرأى ومسمع امرأته فقط!!

    ثم ما أن لبث والدي حتى اقترح بأن يرد جميع أفراد الحارة ثمن الأثاث الذى تبرع به المعلم فوزي لحسين ولكن ما كان من المعلم فوزي إلا أن رفض هذا الإجراء الذي اعتبره إهانة وأمام إصرار الجميع اضطر لأخذ المبلغ وعلى الفور أهداه إلى حسين كي ما يبدأ به حياته... الأمر الذي أثار الجميع أكثر من ذي قبل وكان وقتاً عصيباً سرعان ما استتبت الأمور بعده بعض الشيء ولكن لم يسلم الجميع من الشعور بالخجل تجاه المسيحيين أجمعين...

    ولم يمض وقت طويل حتى شاءت الأقدار وجاءت الرياح بما يشتهى أهل الحارة إذ قد هاجم مجموعة من اللصوص محل رجل مسيحي يدعى "زكي" ونهبوا كل ما فيه... وفي الصباح جاءنا الخبر... وعندها تهلل والدي بالحمد لله...

    - أهو جه اليوم اللي نرد فيه للملاعين جمايلهم علينا ونخلص...

    وأسرع جميع أهالي الحارة من المسلمين وعلى الفور جمعوا مبلغاً من المال يفوق ما جمعوه لحسين واشتروا لزكي ثلاجة جديدة وأغدقوا "الدكان" ببضاعة وأصلحوا ما أتلفه اللصوص... ثم وقفوا في كبرياء المعطي بسخاء وقال والدي:

    - ناقصك حاجة يا سي زكي؟ عايز حاجة تاني؟

    - أبداً يا حاج هو إنتوا خليتوا الواحد محتاج حاجة... كتر خيركم ربنا ما يحرمناش منكم.

    - طيب... طيب... أصل إحنا برضوا ما حدش أحسن مننا في حاجة... لو احتجت حاجة إبعت لي ابنك وشوف إحنا هانعمل معاك إيه!!

    واستمر الوضع على هذا الحال بيننا نحن المسلمين وبين المسيحيين في حلبة "حارة النصارى" التي يومياً ما كانت تشهد تخطيطاً وتكتيكاً لإنزال الهزيمة بهذا الجنس البائد "المسيحيين"!!!

    كان المأثور الشعبي لدينا في الثقافة "الحارتية" ملئ بعدم انتماء هؤلاء النصارى لبلادهم بل إنهم يتمنون أن تغتصب هذه البلاد وأن تقع في أيدي الاستعمار الذي بالطبع سيورثهم حريتهم إذ أنهم من نفس الدين فهم لا ولاء لهم مطلقاً وإنهم سيسلمون البلاد للأعداء لإبادة جميع المسلمين... بل كنا لا نسر بدخولهم الجيش المصري وكان من الصعب أن تتغير لدينا هذه الفكرة...

    ولكن دائما تعودنا الرياح بما لا تشتهي السفن... فلقد جاء ذلك اليوم المهيب الذي كنا ننتظره بفارغ الصبر السادس من أكتوبر 1973 وهب جميع المجندين في الحارة إلى ثكناتهم العسكرية... وقد كان لدينا من حارتنا خمسة عشر شاباً مجنداً... عشرة من المسيحيين وخمسة من المسلمين!!!

    طوال أيام الحرب... لاحظنا جميعاً اندفاع المسيحيين بقوة التغيير لأفكارنا المطبوعة عنهم في الأذهان... فكانوا يقدمون جميع المواد الشحيحة بالسوق لكل سكان الحارة... تبرع بالدماء... تقديم لأولادهم في معسكرات الدفاع الشعبي أثناء ثغرة الدفرسوار... تقديم للتبرعات المادية والعينية... أما ما رواه العائدون المسلمون والمسيحيون كان أروع جمالاً وأشهى من كل ما رأيت وعاصرت...

    فقد أصيب هاني ابن المعلم فوزي في المعركة وكان بحاجة إلى عملية نقل دم سريع ولم تكن فصيلته متاحة ولم يجدوها سوى لدى ابن حسين الفلاح صاحب كارثة المنزل المحترق لتسطر واحدة من ملاحم الإخاء الحقيقي الذي لا يفصل فيه حقد أو رغبة في التعالى أو... أو... لكم تمنيت أن تظل هذه الملاحم قائمة ولكنها اصطدمت بحواجز وعقبات تارة باسم الدين وأخرى باسم العرف... وتارة باسم الكرامة...!!!

    امتزجت دماء العنصرين وتاهت الدموع وتجلطت الأحقاد وتداخلت الضحكات لدرجة اللاتمييز وعدم القدرة على معرفة من أين يأتي الضحك اللذيذ... كانت علامات السعادة بنصر أكتوبر تملأ القلوب والبسمة لا تفارق الشفاه وغاصت حارة النصارى في أحلى أيامها... حيث نام الحقد وهدأ الحسد...

    لكن كان هذا الهدوء بمثابة الهدوء الذي يسبق العاصفة... فلقد عادت الصيحات والصراخ والعويل تنبعث ثانية من بيوت الحارة... صرخات... وصرخات... هذه المرة من هذا المنزل المسيحي... منزل نعيم الترزي.

    لا أخفي أنني كنت أهيم ولعاً بأن أرى ما يحدث في البيوت المسيحية إبان المشاكل التي تعترضهم إذ كانت قلما تحدث وكانت جميعها تحل بالهدوء ولكن خاب ما تمنيت إذ كان هذا الصراخ لوفاة ابن الأوسطى نعيم الترزي!!

    توقف القطار فجأة فارتجت أوصالي وبدأت جفوني في الاستيقاظ من الغفوة التي كنت قد ذهبت أغط فيها كان من الواضح أن هناك تعثر في طريق قطارنا الذي عادة ما يقابل مثل هذه الأعطال شأنه في ذلك شأن جميع ليالينا التي نستبق فيها عشق التآلف دون جدوى ولكن هدوء الخارج لتوه من غفلته قد اخترقه بصياح امرأة من الكرسي الخلفي يبدو أنها قد لامست أحد الوقوف صدفة أو عن قصد المهم أن ملامحها قد سرقتني لتدخلني إلى ذلك الوجه الذي لم أنساه حتى الآن. إنه وجه زينب.

    ففي صباح يوم ما فوجئنا بها وهى زوجة عم عبد الرازق تندفع داخل منزلنا باكية نائحة تلطم خديها وتشق ثيابها عن صدرها... حاولت والدتي تهدئتها دون جدوى... فصاح والدي- لما له من نفوذ على جميع أعضاء الحارة- في وجهها طالباً منها الهدوء فكان!!

    أخذت زينب تكفكف دموعها بهدوء وهي تحكي:

    - أني وحشة يا حاج؟… شوفت علي يا حاج حاجة مش كويسة؟... قول لي يا أبو أحمد إيه رأيك في...؟!

    - جرى إيه يا وليه... إنت بنت ناس طبعاً... ومن أشرف ستات الحارة والدنيا كلها... في إيه...؟!

    - خمستاشر سنة يا حاج من يوم ما إتنيلت إتجوزت عبد الرازق وأنا خدماه هو وولاده وراضية بعيشتى معاه على الحلوة والمرة... (صارخة تلطم خديها)

    - كملي يا ست زينب... قولي لي إيه اللي حصل؟

    - مصيبة يا حاج... مصيبة!!

    تصدق يا حاج... عبد الرازق متجوز عليا!!


    إيه الكلام ده يا أم خميس!؟

    - والمصحف الشريف يا حاج زي ما باقول لك متجوز عليا في السر هوه ناقص إيه بس يا اخواتى... ده حتى مش قادر يصرف على ولاده... وإنت شايف يا حاج أنا باروح أخبز لدي شوية ولدي شوية عشان يطلع لي قرشين يساعدونا ع المعايش... يرضي ربنا بقى اللي هوه بيعمله معايا دا يا حاج (لاطمة خديها مرة أخرى).


    مين اللي قال لك يا أم خميس!؟

    - كتير... كتير كانوا بيقولوا لي من زمان لما كان بيتأخر بره ويقول آل كان عنده شغل... إمبارح بعت الواد خميس وراه عرف العنوان وجه قال لي... رحت ع العنوان اللي هو فيه وشفت اللي ياريتني ما شوفته... لقيته هناك في عزبة "العربي"... في بيت مراته التانية... أبوس أيدك يا حاج (مندفعة إلى يده لتقبيلها وهو في سرعة شديدة ساحباً إياها) خليه يطلقني يا حاج أنا مش ممكن أعيش معاه بعد اللي حصل!

    لن أنسى أبداً ذلك الانكسار وهذه الدموع والثياب الممزقة وانحناء الرأس وكأنها فقدت عزتها مع هذا التعس ولا ترى أمامها سوى نظرات الإشفاق التي تهرب منها بسرعة أقوى من بكائها للنظر في الأرض...

    قائلاً:

    - صحيح الكلام اللي بتقوله أم خميس دا يا عبد الرازق؟ إنت متجوز عليها؟

    - حصل يا عم الحاج!

    - طب وهي قصرت معاك في حاجة يا عبد الرازق؟

    - أبداً!!!!

    - طب ليه بقى يا أخي... فراغة عين؟!

    - بصراحة بقى دا حقي يا حاج والشرع حللي أربعة مش اتنين؟ ولا إيه؟ يبقى اللي أنا عملته كده غلط بقى في نظركم؟!

    - يعني هو الشرع في دي بس بيمشي… والخمره اللي بتشربها كل يوم دي مش في الشرع؟!!!

    - الحمد لله... بطلت وأم خميس عارفه حتى اسألها.

    - طب كويس يا سيدي... الولاد بقى هتعمل معاهم إيه؟ ولما يجيلك عيال من التانية هتحب مين فيهم يا عبد الرازق؟

    - هحبهم زي بعض يا حاج دول من صلبي ودول من صلبي!!

    - (هنا تتدخل زينب صارخة) أبداً يا حاج لا يمكن أعيش معاه وأنا لى ضره إن كان عايزني يطلقها وإن كان عايزها يطلقني.

    - اسمعي يا أم خميس ما هو دا شرع ربنا (تضرب على صدرها بشدة شاهقة مولولة "ياخرابي ياخرابي") ما إحنا ما نقدرش نلومه قدام شرع ربنا يا زينب... لكن لو هو قصر معاكي أو مع عياله هيبقى في كلام تاني... ياللا... ياللا قومي ارجعي لبيتك وعيالك وسيبي الموضوع لربنا ولينا.

    (انحنى عبد الرازق مقبلاً يد والدي قائلاً):

    - ربنا يخليك لينا يا حاج وما يحرمناش منك.

    ومع مرور الأيام... وضح تقصير عبد الرازق مع زوجته الأولى وأولاده منها... الأمر الذي انطبع على أولاده في ملابسهم الرثة وهبوط مستواهم الدراسي وكثرة مشاكلهم مع والدتهم بسبب عدم وجود أب... فقد تعلم أحدهم التدخين في سن صغيرة وتورط الآخر في أعمال سرقة.

    - عاجبك حال ولادك ومراتك يا عبد الرازق هوه ده اللي إحنا اتفقنا عليه؟

    - والله يا حاج بقى أنا باعمل كل اللي أقدر عليه... وبعدين يا سيدي لا يكلف الله نفساً إلا وسعها!!

    - ما كان من الأول يا عبد الرازق... لما أنت عارف إن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها رحت إتجوزت تاني ليه؟

    - دا نصيبي يا حاج وكل شئ قسمة ونصيب... لكن أنا عند وعدي شوفوا اللي إنتوا عايزينه وأنا اعمله..!

    - إرجع لبيتك وعيالك يا عبد الرازق... ابنك خميس باظ في المدارس وابنك عربي بيسرق خيار من مزرعة أبو قاسم.

    - ما قدرش يا حاج... مراتي التانية حامل... لكن إن كانت زينب عايزه تطلق معنديش مانع!!!

    (هنا بكت زينب وقالت):

    - أمري لله... حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا عبد الرازق... طلقنى ... السرقة والبهدلة أهون من عشرتك يا ناقص... طلقني

    - إنت طالق... طالق... طالق.

    وبالتأكيد لم يكن الطلاق هو نهاية المشكلات في هذه الأسرة المنكوبة بنكبة عائلها...

    فبعد أن وقع الطلاق لم يلتزم عبد الرازق بنفقة أولاده... وتضاعفت مشكلات الزوجة والأبناء... ولما كانت زينب امرأة جميلة وفى أوائل عقدها الثالث فسرعان ما أصبحت مطمع الكثير من رجال الحارة... وعرض عليها الكثير من رجال القرية الزواج فرفضت... لكي لا تعيد ما فعله زوجها وتصبح امرأة ثانية مع رجل يحيا في بيته ووسط أسرته... ولكي تستطيع الاضطلاع بتربية أولادها... لكن كانت الشكوك تطاردها كلما خرجت للعمل هنا أو هناك... وسرت هذه الشكوك بسرعة النيران حتى خاف السادة المسلمون من أن تصبح زينب وصمة عار في جبينهم أمام مسيحي الحارة... فعرضوا عليها أن تلزم دارها لقاء مبلغ من المال سيتم جمعه لهذا الغرض الأمر الذي اعتبرته إهانة لكرامتها... فما كان منها إلا أن وقفت على باب دارها وهي تقول:

    - أنا أشرف م الشرف نفسه ومش هامد إيدي لحد طول ما أنا فيا نفس وهاشتغل وهاشقى على ولادي وأعلى ما فى خيلكم اركبوه... هوه إيه لا بترحموا ولا بتخلوا رحمة ربنا تنزل.

    لم يجب عليها أحد من الحارة... هب كعادته دائماً المعلم فوزي وعرض على زينب أن تساعده في محله حيث كانت زينب على قدر من الذكاء الفطري علاوة على أنها ملمة بالقراءة والكتابة ووعدها براتب مجزي فوافقت على الفور إذ أن هذا العمل أفضل من الخبيز ودخول بيوت الناس الأمر الذي يدفع لخروج الإشاعات عنها من فترة لأخرى... واعترض طريقها كبار رجال الحارة... لكنها لم تستسلم لضغوطهم.

    - عاوزيني ما أشتغلش عند المسيحي هاتوا لي إنتوا شغل يا مسلمين ولاهوه إحنا بتوع كلام وبس... ماله المعلم فوزي... صحيح هوه مسيحي بس راجل ونعم الرجالة بيضربوا المثل في أدبه وأمانته وولاده ما شاء الله واحد دكتور والتاني مهندس

    (مازالوا طلبة ولكن جرت العادة على دعوتهم بألقابهم منذ دخولهم الكلية)...

    بدأت زينب تشعر بكيانها... وتستشعر أن لها حقوق غافلة عنها في زحام أحداثه "فرفعت" قضية نفقة بأثر رجعي لعام ونصف العام ولم يقدر زوجها على دفع شئ وأقام هو الآخر قضية ضم للأولاد الولدين والبنت...!!

    عندما علمت زينب بذلك جن جنونها ولم تستطع عمل شئ لكنها قررت مساومته فطلب عبد الرازق منها التخلي عن قضية "النفقة" في مقابل التنازل عن قضية الضم فرفضت فأخذ الأولاد وتعهد للمحكمة بجدولة ما عليه من التزامات النفقة.

    وقد علمنا بعد ذلك أنه تورط في تجارة المخدرات وبدأ يستخدم أولاده في هذه التجارة مقابل الإنفاق عليهم... وتحت اصرار زوجته الثانية على إعادة الأولاد إلى زوجته الأولى حيث أنها لم تعد قادرة على خدمتهم ولا على رؤيتهم التي دائماً تذكرها بأنها امرأة ثانية... فخيرته ما بين طلاقها أو إرجاعهم لزوجته فما كان منه إلا أن أعادهم إلى أمهم... لكن سبق السيف العزل فقد أدمن الولدين المخدرات ونجت البنت صفاء من براثن والدها وزوجة الأب وهكذا قضى الولدين ما تبقى من عمرهم نزلاء في السجون وهنا يسدل الستار على هذه العائلة لتعود المشاكل مرة أخرى ولكن في ثوب جديد... فخطيئة الأب ترفض أن ترحل إلا بوداع الأم لكل أبنائها.

    فبعد مرور السنين كبرت الصغيرة صفاء لتصبح فتاة جميلة وسرعان ما خرجت للعمل لمساعدة والدتها ويوماً بعد اليوم استطاعت الحارة بأسرها أن ترى الفتاة وقد ارتفعت بطنها معلنة عن خطأ أخلاقى تحمل به...!!

    وبدأت الإشاعات تملأ الحارة كلها ثم القرية عن تورط ابن المعلم فوزي في علاقة آثمة مع البنت... وحضرت الشرطة للتحقيق في الواقعة لكن زينب أنكرت وكانت المفاجأة عندما هبت الفتاة معلنة الحقيقة بالاعتراف والإفصاح عن صاحب الجريمة الذي لم يكن ابن المعلم فوزي...

    إلى هنا لم أفق إلا على صوت المؤذن يعلن موعد آذان العصر وقد استقر القطار الذي أقله على المحطة قبل الأخيرة في رحلتي إلى قريتي...

    كان صوت المؤذن أقرب في مسامعي إلى صوت عم "عبد الباسط" (شيخ جامع الفتح) الذي كان على مشارف قريتنا وبالتحديد بالقرب من حارتنا. لقد بُني هذا المسجد خصيصاً بالقرب من قريتنا التي حرمت من المساجد لعهد قارب الخمسين عاماً كما يحكي أكابر رجالات البلدة ولكنه بني الآن ملاصقاً لهذا البناء الجديد الذي جاء زائراً ثقيلاً على صدور أهالينا "الكنيسة"

    وقد علقت على هذا المسجد مكبرات الصوت من جميع اتجاهاته لبعث الصخب والضوضاء على ذلك التأثير الموسيقي الذي ينبعث من نوافذ الكنيسة وإخماد ما قد ينبعث منها من أصوات...

    لم يكن الجديد الذي دخل قريتنا هو هذا المبنى (الكنيسة) بل كذلك كنت قد أطالع لأول مرة ذلك الرجل المتشح بالسواد ذو اللحية الكثيفة والعمامة السوداء والثياب الخشنة...!!

    كانت تقام كل ليلة عدة دروس دينية في المسجد يقدمها "عم عبد الباسط"... لم أكن قادر على الاستماع إليه في كثير من الأحيان إذ أن الله قد حباه بمجموعة من الأحرف الساقطة من نطقه.. الأمر الذي دفع الجميع لمخاطبة العمدة وعضو مجلس الشعب... فتطور الأمر إلى إرسال وزارة الأوقاف عدد من الشيوخ للاضطلاع بخطبة الجمعة مناوبة مع "عم عبد الباسط" وكذلك للاستعانة بهم في بعض من هذه الدروس التي تلقى يومياً من بعد صلاة العصر وتستمر حتى آذان المغرب ثم بعد المغرب درسين حتى آذان العشاء.. وينتهي هنا اليوم...

    لا أنسى هنا أن أضيف أن هذا المتنفس الذي قد تفتق به ذهن القائمين على العملية الدينية كان بمثابة السهام الحربية الشريفة التي تنطلق في صدور من نبغي بهالة القداسة.

    وفي ظل هذا الانتشار الديني كما ابتغاه أصحاب فكرة إنشائه انتقلت المشاكل الاجتماعية في منازل أهل الحارة من المسلمين إلى المسيحيين وبالتحديد في منزل كمال السباك. كان رجلاً على خلق طيب لكنه كان مدمن للخمر وكانت زوجته تتغيب كثيراً عن المنزل غاضبة لأيام ثم تعود ولم نكن ندري ماذا كان يدور بداخل هذا المنزل... ربما كانت المشكلة هذه المرة أعمق بكثير من كل ما سبق بينهم في رحلة العمر.. الأمر الذي استُدعي فيه قس القرية لحل مشكلة بمنزل أحد المسيحيين في سابقة هي الأولى من نوعها.

    لم يكن من عادة المسلمين التدخل في مثل هذه الظروف الصعبة المتصاعدة في منازل المسيحيين ولكنهم كانوا يراقبون عن كثب وأحياناً يرسلون الأطفال لاستجلاب الأخبار المفصلة. أما في مثل هذه الحالة فقد كانت الأمور واضحة ومسموعة وبينة...

    كانت زوجة كمال كثيرة الشكوى منه منذ سنوات وفي بعض المرات كانت تغادر المنزل بضعة أيام وتعود إليه بعد تدخل رجال الدين لكن الوضع لم يتغير فمازال زوجها كما هو. ولذا قررت عدم الاستمرار معه... وفشلت محاولات القس الزائر وبعد مضي ما يقرب من ساعتين شاهدنا زوجة كمال تحمل حقيبتها في يدها وتغادر المنزل في هدوء وخلفها ولديها.

    - يا خوانا واحدة مش عاوزة جوزها هو بالعافية؟

    يطلقها وخلاص وكل واحد يروح لحاله ويروح يراضي أبونا بقرشين!!

    (كانت هذه العبارة منطلقة من فم صالح وهو شخص خفيف الظل سريع البديهة. كان مسلماً ولكنه محبوب من المسيحيين كما من المسلمين رغم نقده اللاذع للمسيحيين ولكن نقده كان نابع من القلب...

    تهكمه طاهر برئ غير مملوء بالحقد أو الكراهية.. لذلك كان كلامه مقبول لدى الجميع مهما كان. قال صالح هذه العبارة بينما كان جالساً مع بعض رجال الحارة المسلمين لدينا بالمنزل والتقط صالح الحديث بعبارته هذه التي رد عليها والدي):

    - طلاق إيه يا صالح هم دول عندهم طلاق زينا... كل ما واحد ولا واحدة تزعل من جوزها تقول طلقني.. ما هيبقى الطلاق زي اللبانة في بق كل واحد.. ما تشوف يا أخي إيه اللي حصل لعبد لرازق من ورا الطلاق إياكش هو بس شريعة ربنا

    (شعر صالح بأن الحديث سيتجه إلى الشق الجاد فلم ينسى أن يتبادل الحوار مع والدي مبتدئاً بنكتة عن الشيخ والقسيس ثم تابع)

    - والله يا حاج هو إن جيت للحق الطلاق ده مصيبة يخرب الدنيا السليمة. واحد يطلق ويروح يتجوز وهي تتجوز وهوه يخلف وهي تخلف وهي عندها عيال منه وهو أصلاً عنده عيال منها ودول يلاقوا أم من غير أب ودول يلاقوا أب من غير أم ولو جدع طلعلي مين فيهم ابن مين؟

    (ضحك الجميع)

    ومرت الليلة ككل لياليكِ يا حارة النصارى... كانت الأهداف المرجوة من دروس الجامع قد أتت بثمارها إذ قد جانب مسلمون الحارة جميع محلات البقالة التي يمتلكها المسيحيون. ليس في الحارة وحدها بل امتدت العدوى للقرية بأكملها وليست البقالة فقط بل امتدت تقريباً لكل الحرف التي يعمل بها المسيحيون.

    ابتدأت حمى مقاطعة المسيحيين تأخذ منحنى جديد في تطور مطرد إذ قد بدأ الصراع يأخذ لوناً ومذاقاً مختلفاً بل لقد بدأت الأحقاد تتجذر في القلوب فلم تعد مضايقاتهم هي الدافع بل الحقد مرة ودروس المسجد مرة والحضور الاقتصادي لهم في وسط الحارة مرات ومرات. وبدأت مشاورات جديدة في منزلنا للتخطيط للإجهاز على المسيحيين في عقر دارهم... في "لقمة عيشهم".

    - اسمع يا حاج إبراهيم بقى أنت عارف إن الأسطى نعيم الترزي واكلها والعة في البلد كلتها مش بس في الحارة وفلوسنا كلها رايحة لجيبه.. وإنت برضوا راسي إن دا ما يرضيش ربنا.

    - طبعاً... طبعاً يا حاج.. بس إيه اللي أنا ممكن أعمله؟

    - أنا عرفت إن ابن أختك ترزي شاطر

    - أيوه يا أبو محمد بس ده في السعودية

    - ما إحنا عارفين يا حاج إبراهيم. إنت تديلنا العنوان وإحنا هنتصرف

    - حاضر يا حاج حالاً أجيب لكم العنوان... بس إنتوا ناويين تعملوا إيه إن شاء الله؟

    - هنبعت نجيبه يا سيدي وها نفتح له محل في الحارة جنب المعلم عبده الجزار وهنجيب له أحسن ماكينة خياطة من غير ما يدفع ولا مليم.

    عندها إنصرف عم إبراهيم خارجاً ثم سرعان ما أرسل العنوان لوالدي الذي كلف أحد أبناء الحارة بكتابة رسالة عاجلة بنفس المضمون وبعد خمسة عشر يوماً جاء الرد بموافقة الأسطى عبد السلام على عرض الحارة وحدد موعداً أقصاه شهراً للحضور ومنذ ذلك الوقت بدأ الإعداد للافتتاح المرتقب يتم على قدم وساق بلا توقف وقد تكاتف جميع مسلمي الحارة حينئذ للمساعدة في خروج هذا العمل للنور حتى المعلم عبده الجزار المعروف بالجشع والذي رفض قبل ذلك الكثير من العروض التي كانت تنهال عليه للتنازل عن ملحق محله بأعلى الأسعار طمعاً في أسعار أعلى تنازل عنه اليوم مقابل ما يقل عن ربع ما كان يعرض عليه للتنازل عنه في السابق... وقال "كويس إن الواحد يعمل حاجة لله".

    وفي أقل من خمسة عشر يوم تم تجهيز المحل وشراء أحدث ماكينة خياطة ووضعت على المحل لافتة عنوانها "خياطة التوحيد".

    عاد "الأسطى المنتظر" حسب الموعد الذي حدده وجاء ليتسلم المحل في احتفالية صاخبة لم تخل من الإثارة والاستفزاز.

    وانهالت على المحل الطلبات الكثيفة لدرجة أني اعتقدت أن الأسطى المنتظر لو كان الطلب عليه هكذا في السابق لما فكر في الانتقال إلى السعودية مطلقاً. كان مبتغى جميع سكان الحارة عندما يريدون ثياب جديدة هو "خياطة التوحيد"... وللحقيقة كان هناك بعض زبائن للأسطى نعيم مترددين في تركه نظراً لمهارته الفائقة ودقة مواعيده وكانوا من أغنى الزبائن بل من أغنى أغنياء الناس في البلدة ويمثلون مصدراً مهماً لدخل الأسطى نعيم لكنهم تعرضوا لضغوط شديدة كانت مفادها الامتناع عن الذهاب للأسطى نعيم والاتجاه المباشر للأسطى الموحد!!!

    لم يتسرب الركود إلى محل نعيم بل إن الركود قد داهم "دكانه" وذهب بالطبع يشكو حاله هذا لرجالات الحارة طالباً منهم التدخل وكانت هذه الشكوى مشفوعة بعروض تخفيض للأسعار في مصنعيته لكن دون جدوى وحرمت الحارة لفترات طويلة من أحد أفراد اللوحة التي كانت ترسم يومياً في ساعة العصر عندما يعود جميع أصحاب المحلات المسلمين والمسيحيين إلى منازلهم من السوق حاملين معهم ما قد اختاروه لأولادهم من فاكهة وخلافه فلم يظهر بهذا الكادر الأسطى نعيم من بعد ذلك اليوم أبداً.

    عندما أحس أفراد الحارة أن خطتهم نجحت وأتت بثمارها ، أحضروا الأسطى نعيم الذي بدأت علامات المرض ترتسم على وجهه فليس ما يعانيه الأسطى نعيم هو قلة الأموال فقط ولكن إحساسه أنه مهمل بل ومضطهد ، كان السبب الرئيسي في إبراز كل ملامح الهرم التي أخذت طريقها إلى كل تجاعيد وجهه ورقبته. عرضوا عليه أن يبيع محله لهم لكنه رفض بشدة بل عرض عليهم تكوين ما يشبه الشركة بينه وبين الأسطى عبد السلام هو بخبرته وهم بإمكانياتهم وبهذا سيساهمون في حل المشكلة إن كانوا حقاً يبتغون حلها لكن جاء الرد عليه بالرفض وأصروا على طلبهم ببيع المحل وما كان منه إلا أنه رفض وأصر على التمسك بذكرياته التي كان يحيكها منذ الصبا مع كل قطعة ملابس كانت تخرج من بين يديه... وقرر الأسطى نعيم أن يظل كما هو بل أيقن أنه لابد من المحافظة على تلك الذكريات التي لم يبقى سواها. لكن لم يطل إصرار الأسطى نعيم طويلاً.. فالفقر لا يعطي مساحات لأن تفكر أو تتشبث فالفقر والعوز هو سهم الانهيار الذي يخترق جدار عمرك فيصيب عمق قلب ذكرياتك وآنيتك ويمتد إلى نظرة عينيك في غدك. هكذا بدأ نعيم يعيا... وبعد أن ضاقت به عينيه وضاقت به الدنيا جاء إلى والدي!

    - يعني يرضيك كده يا حاج أولادي يموتوا من الجوع.. ده يرضي ربنا يا حاج؟

    - طب وأنا هأعملك إيه بس يا نعيم؟ أروح أقول للناس خيطوا عند نعيم بالعافية؟ ترزي وابن الحارة وإيده أحسن من إيدك وسعره حلو.

    - (قاطعه نعيم) عموماً يا حاج إنت عارف كويس إنتم عملتم كده ليه فيَ وعلى العموم أنا جاي لك النهارده أبلغك إني مستعد أنفذ أي حاجة عايزني أعملها. يعني الدكان لو عايزين تشتروه هأبيعهلكم.

    - لا يا اسطى! إحنا خلاص مش عاوزين الدكان ولا عاوزين منك حاجة.

    - بس أنا عاوز يا حاج.

    - عاوز إيه يا اسطي؟

    - يعني هتعمل يا حاج اللي أنا عاوزه؟

    - لو هاقدر.

    - أنا عايز أشتغل مع الأسطى عبد السلام حتى ولو صبي.

    - لا أنا عارف الأسطى عبد السلام مش هيرضى يشغل حد مسيحي عنده

    - ليه؟ وإيه اللي دخل الدين في الشغل بس يا حاج؟

    - لا لا لا يا أسطى، الدين عندنا إحنا بيدخل في كل حاجة

    - هو مش القرآن بيقول "لكم دينكم ولي ديني"

    - لا.. مالكش دعوة بالقرآن وم الآخر يا نعيم لو عايز يبقالك أكل عيش في الحارة دي.. اسلم.

    كانت هذه الجملة بمثابة البوابة التي دخلت منها جميع فيروسات الاضطهاد الديني المعلن بجرأة بداية من أعيننا وحتى مداهمتها للمنازل المسيحية من الداخل.

    امتلك أهل الحارة زمام الأمور ليس مع نعيم فقط ولكن بالقدر الذي جعل والدي بعد كل هذا التحرش بالمسيحيين لديه القدرة على المجاهرة بأسلمة المسيحيين أظن أنه أمر يدفعك إلى فهم ديناميكية الاضطهاد.

    أكمل والدي حواره مع نعيم بعد سكوت نعيم الغير معلوم.

    - إنت لما هتسلم هتكسب.. وهتضرب عصفورين بحجر.. زباينك هترجعلك وكمان هتدخل الجنة لأن ربنا بيقول في كتابه "إن الدين عند الله الإسلام" وكمان بيقول في كتابه "فإن تابوا وآمنوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين" ولما تسلم هتبقى إيه مش الأسطى نعيم بس، لأ هتبقى أخونا ليك اللي لينا وعليك اللي علينا.. فكر.. فكر يا نعيم على مهلك وإنت حر.

    انصرف الأسطى نعيم من دون إبداء لأي رأي بل من دون أن يهمس حتى بكلمة.

    ومضى وقت طويل دون عودة الأسطى نعيم بقرار.. والشئ اللافت فعلاً للنظر هو أن ما يحدث كان على مسمع ومرأى جميع مسيحيي الحارة الذين لم يتحرك لهم ساكن. الأمر الذي ينبئ عن أن جميع الأفعال التي كانوا يقومون بها مع المسلمين في السابق من وقوف بجانب ذوي الاحتياجات أو ظهورهم في الشدائد كان محاولة لصنع مبرر للتواجد الشرعي بالحارة. فلم ينهض أحد لمساعدة نعيم أو وضع حد لما كان يتعرض له من مهازل... حتى جاء اليوم الذي طار فيه هذا الخبر الذي أصم جميع الآذان المسيحية عندما جاء الأسطى نعيم طالباً إشهار إسلامه.

    يومها خيمت على جميع السكان المسيحيين سحابات الصمت السوداء بل والانكسار الذي صاحب ذلك الإعلان المباغت من الأسطى نعيم فهم لم يتوقعوا مطلقاً أن يفعلها وكأنه في موقف اختيار!!

    وجاء الاثنين الأسود على سكان حارة النصارى - النصارى - في شهر ربيع الأول في هذا الحدث الجلل السنوي المولد النبوي.

    وفي خضم الإعداد لهذا الحدث جاء الأسطى نعيم طالباً إشهار إسلامه الأمر الذي تم بأسرع من السرعة كالبروق التي توالت على نصارانا بل قبل إتمام المراسيم القانونية أسرعوا يحضرون له جواداً أبيض إمتطاه الفاتح الأعظم وقد زين بالأعلام الخضراء التي كتب عليها "عبارة التوحيد" لا إله إلا الله محمد رسول الله" وطاف الأسطى نعيم كل أرجاء القرية تصاحبه المزامير والطبول التي تدق بصخب وكان يطول الوقوف أمام جميع المنازل المسيحية بالقرية أجمعها.

    ويرد المشيعون لا إله إلا الله محمد رسول الله في هتاف أقرب إلى هتاف جنودنا في حرب السادس من أكتوبر... الجميع يتشاركون ويتقاسمون الأدوار، الأطفال يتسابقون في قذف النوافذ الزجاجية بوابل من الأحجار لا ينقطع إلى ما هو أكثر حدة واستفزاز من ذلك والمسيحيون لم يجرؤ أي منهم بالقرية كلها على الخروج وكأنهم أعلنوا الحداد بعد فوات الأوان.

    غاص الأسطى نعيم في نعيم الحياة الجديدة فعاش أحلى وأسعد أيام حياته إذ قد تدافع الناس على طلبات عدة وتكاثرت زبائنه وأعيد طلاء المحل له مرة أخرى وعلقت على جدرانه الآيات القرآنية وتم تغيير اسمه من "نعيم شنودة" إلى "محمد عبد الله" وكان كلما ذهب للمسجد للصلاة يقابل بحفاوة الأبطال واستقبال الفاتحين.

    لم يدم فرح الأسطى نعيم طويلاً ولم تكن فترة سعادته توازي المساحة التي اخترقها بداخله بترك دينه. فبعدما حصلت الحارة منه على ما تريد... بدأ رجال الحارة يعاملونه على أنه مواطن درجة خامسة فكان كلما ذهب يشكو لأحد شيوخ الحارة فكانوا يطلبون منه الصبر ومحاولة تفهم الموقف.

    وبدأ إتجاه محمد نحو الإسلام يفتر.. فلم يعد يراه أحد يذهب للمسجد كما كان ولم يعد يقابل بالحفاوة البالغة كما كان بالسابق.

    وكلما مررت من أمام محل محمد عبد الله لا تجد لديه من الإسلام سوى بعض الآيات القرآنية المعلقة في أرجاء المحل وأيضاً هذه البقعة الدماغية السوداء التي تتوسط جبهته تعبيراً عن مداومته على الصلاة، لكنها لم تشفع له لدى أهل الحارة الذين لم يكونوا على استعداد لمناصرة الدخيل الجديد على ابنهم الأصيل وهكذا أسدل الستار على قضية محمد عبد الله الذي نحل جسده وبدا عليه الشحوب كمن يحمل كل مشاكل العالم وأخذت فكرة الانتحار تداعب الأسطى "نعيم"- أقصد محمد عبد الله- كثيراً كما كان يصرح مراراً بأن حال الانتحار كان أهون عليه مما رآه ولمسته أحاسيسه من مهانة وازدراء.

    وبينما أهل القرية عامة والحارة على وجه الخصوص منفكين لا يتحدثون في تجمعاتهم إلا عن قضية الأسطى نعيم حتى بدت تسري في القرية والحارة معاً شائعة مدوية لها أثر النار في الهشيم تقول هذه الشائعة أن شاباً من القرية كان صديقاً لآخر مسيحياً حيث كانا يدرسان معاً في الجامعة ويسكنان معاً في المدينة الجامعية للطلبة وأن ذاك الشاب المسلم قد أصبح مسيحياً.

    بقي لنا أن نعرف أن شائعة مثل هذه تحمل في ذاتها احتمالات اليقظة لكل عداوة واضطهاد دفين في كل من الفريقين الذين من كثرة ما اعتدت على رؤية مواقعهم الحربية أصبحت قاب قوسين أو أدنى من تصديق فكرة أزلية هذا العداء.

    بمرور الأيام كانت تلك الشائعة تزداد وتنتشر بقوة... ولكن ما هي قصة هذا الشاب؟!

    هناك في منتصف الحارة تماماً يقع منزل من أعرق وأقدم وأجمل وأثرى بيوت الحارة، هذا المنزل يمتلكه الحاج علي عبد الرحمن وهو من أكبر التجار المعروفين ليس بالقرية ولا بالحارة فقط ولكن في البلدة بأسرها وكان من المقربين للصف الأول من عتاة السياسة وأصحاب مقاليد الأمور في بلدتي.

    كان للحاج علي عبد الرحمن ولدان وإبنة صغيرة، الولد الأكبر هو عماد والثاني هو "عبد الرحمن" صاحب شائعة التنصير.

    بدأت معرفتي بالقصة وتفاصيلها يوم أن جاء الحاج علي عبد الرحمن لوالدي بمنزلنا وهو على وشك البكاء الذي سرعان ما شرع فيه عندما بدأ يتكلم وهو يشتكي لوالدي.

    - مالك يا حاج علي كف الله الشر... خير؟

    - الكلام اللي مالي البلد عن ابني ده صحيح يا حاج.

    - عرفت إزاي يا حاج علي.

    - أمه وهي بتفضي شنطته علشان تغسل هدومه لما رجع من الجامعة لقيت كتاب غريب زي المصحف فوريتهوني فلقيته إنجيل يا أبو أحمد... والواد كمان ما بقاش يصلي خالص أعمل ايه يا حاج دي فضيحة كبيرة ومصيبة من عندك يا رب.

    - أصبر يا حاج كل مشكلة وليها حل المهم دلوقتي نعَرف المسيحيين إن الكلام ده محصلش ولا حاجة... عشان نعرف نرفع راسنا في الحارة.

    - هاتعمل إيه يا حاج.

    - العمل عمل ربنا لكن اسمع يا أبو عبد الرحمن إنت دلوقتي تروح تقعد في دكان فيصل الحلاق هو عنده أخبار البلد كلها واعرفلي بالضبط منه موضوع ابنك.

    (نفذ أبو عبد الرحمن وصية والدي وعاد إليه قائلاً)

    - أيوه يا حاج.. أيوه.. حتى المسيحيين بيسألوا الحلاق إن كان الواد اتنصر ولا لأ؟!

    - بص يا حاج لما ييجي عبد الرحمن من الجامعة يوم الخميس الجاي قوله الحاج عاوزك وهاته وتعالى.

    وفي يوم الخميس جاء عبد الرحمن ووالده إلى والدي بعد المغرب وسأل والدي عبد الرحمن قائلاً له:

    - أنت صحيح بقيت مسيحي يا عبد الرحمن؟

    - يا عم الحاج دي حاجة تخصني أنا لوحدي والدين هو العلاقة اللي بين الإنسان وربه ودي خصوصيات وأنا ما حبش حد يتدخل في خصوصياتي (ثار والدي).

    - خصوصيات إيه يا دكتور هي الفضيحة عندك خصوصيات.. هو لما نمشي وروسنا في الأرض خصوصيات.. هو ده اللي إنت اتعلمته في المدرسة والجامعة.. هي الخصوصيات قالتلك خلي أبوك يمشي مكسور وسط الناس. قسماً بالله العظيم ثلاثة بالله العظيم إن الكلام ده لو كان من عيل من عيالي لقطعت رأسه دلوقتي حالاً.

    (واستطرد والدي بعدما وجد الحاج علي غير مدفوع على إبنه)

    - بص لأبوك اللي وشه بقى زي الطين ولا أمك اللي هتموت من ساعة ما عرفت وأهي لا بتاكل ولا بتشرب.. حرام عليك هي دي وصية ربنا بالأب والأم.

    واستمر حديث والدي في هذا الإتجاه الذي كان يقابله عبد الرحمن دائماً بالإتجاه المغاير بالحديث عن الله وعلاقته بالإنسان وخصوصية هذه العلاقة بعيداً عن كسر الأسرة في الأرض أو موت الآباء والأمهات. وأمام اصرار عبد الرحمن ولباقته عرض عليه والدي أحد أمرين:

    - بص بقى يا عبد الرحمن أفندي إما إنك تعزل إنت وأهلك من الحارة وتبيعوا البيت بتاعكم ده كمان، يا إما تحط الجزمة في بقك وتخلي يا سيدي علاقتك بربنا بتاعتك دي تنفعك وليك لواحدك وعلى شرط تيجي كل جمعة للجامع عشان يشوفك كل أهالي الحارة ويفهموا إنها إشاعة ومش بجد وقدامك أسبوع واحد وترد علي وإلا قسماً بالله العظيم لأهد بيتكم بجرار أو أولع فيه النار إحنا مش مستعدين نبهدل كرامتنا ونحط روسنا في الطين عشان واحد زيك يا دكتور.

    انصرف عبد الرحمن ووالده من منزلنا وقد كان موقف عبد الرحمن صعب التنبؤ به فهو شخص يحمل وجه خالي من الانطباعات لكن يغلب عليه العقل والحكمة أكثر من أي انطباعات.

    ما لبث مر يومان حتى جاء يوم الجمعة حاملاً معه عبد الرحمن ووالده وأعلن عبد الرحمن موافقته على الحل الثاني فطلب منه والدي الحضور إليه قبل الصلاة بساعة ليصطحبه معه إلى المسجد وكان والدي قد أعد "زفة لعبد الرحمن لكي يعرف عن طريقها أهل الحارة بأنه لم يزل مسلماً فألبسه والدي "الطاقية البيضاء والشال الأبيض" وقد أمسكه مسبحة في يده وعند خروجهما من المنزل دوت زغاريد النساء وبدأن يوزعن الشربات والبعض منهن كن يهتفن هتافات موجهة ضد المسيحيين.

    هنا فقط وبعد طول انتظار تجرأ أحد المسيحيين من سكان الحارة وكأن كلمة السر "امرأة" فخرج هذا المسيحي ووقف على باب منزله وصاح قائلاً:

    - ما هو مش معقول يا خونا في الرايحة وفي الجاية تفضلوا تشتموا فينا وتخبطوا على بيوتنا إحنا مالنا. ماللي يسلم يسلم واللي يروح في ستين داهية يروح إحنا عملنا إيه يعني لكل ده؟

    أمال إزاي بيقولوا النبي وصى على سابع جار وأنا أول مش رابع ولا خامس جار حرام عليكم بقى... إنتم يعني عوزينا نمشي من هنا ولا إيه؟

    رد عليه أحد رجالات الحارة المسلمين

    - أيوه يا سيدي النبي وصى على سابع جار لكن على الجار المسلم مش الكافر النجس اللي زيك.. استريحت ياللا بقى لم نفسك وخش بيتك أحسن لك

    - يعني لو ما دخلتش ها تعمل إيه هتضربني، اتفضل تعالى خدلك قلمين..!!

    وكادا يشتبكان لولا فصل بينهما بعض من أهالي الحارة وما أن بدأت تخمد روائح هذا الاشتباك إلا وقد إنطفئت معها نيران شائعة عبد الرحمن وبدأت تنزوي رويداً رويداً حتى لم يعد أحد يذكرها واستمر عبد الرحمن في الذهاب إلى المسجد كل صلاة جمعة حتى ترك الحارة هو وأسرته. لا نعلم إلى أين ذهبوا وهكذا أسدل ستاراً آخر على رواية أخرى من روايات حارتنا حارة النصارى... التي تنسدل فيها ستائر وقائع عديدة ليست ستائر نهاية ولكنها ستائر تعلن عن نهاية بعض الفصول الأولى من مسرحية طويلة.

    وكالعادة التي تفوق أيادينا- عادة مرور عجلة الزمن بدون توقف- بدأ الزمن يلعب دوره في تشكيل ملامحي سواء الجسدية أو الفكرية أو النفسية فانتفت عن أفكاري البراءة التي خلعتا عليّ نفسها طيلة فترة كبيرة من حياتي وفقدت سذاجة الأسئلة البسيطة التي أبحرت فيها جزء كبير من حياتي.

    فكما أشرت سابقاً أن البناء الجديد الذي لم يعد اليوم جديداً (المسجد) الذي بُني كرد فعل سريع لتلك البناية الوافدة إلينا (الكنيسة)، قد بدأ يؤتي أول ثمار أو بذار للفتنة في داخلي التي بدأت تتولد بفعل تلك الدروس التي كانت تبث في أذني سواء إن كنت حاضراً الدرس نفسه بالمسجد أو أنا في منزلنا أو أنا قادم من طرف الحارة المهم أن هذه الدروس قد ملأت آذاني الخارجية والداخلية الأمر الذي دفعني عند أول حضور لي في هذا المسجد لدرس بين دروس المغرب كان يقوم بالتعليم فيها الشيخ عبد الجليل صاحب الكُتاب، أسأل:

    - يا سيدنا هو إحنا ليه بنعمل كده مع النصارى؟ (كانت "كده" هذه معلومة لدى سيدنا بل لدى الحارة بأسرها).

    - لسه بدري عليك من الموضوع ده يا سيدي!!

    - (مندهشاً ومأخوذاً بالعجب) لأ مش بدري أنا كبرت ولازم أعرف إن كان صح أشارككم وإن كان غلط يبقى حرام عليكم

    - آه... طيب يا سيدي مدام عايز تعرف

    - أيوه الله يكرمك يا سيدنا

    - يا بني إحنا لا بنعمل كده من دماغنا ولا فيه حاجة بينا وبينهم لكن ده أمر الله ولازم نطيع ربنا.

    - ربنا أمر بكده يا سيدنا بجد؟

    - أيوه

    - فين؟

    - قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز في سورة المائدة آية 51 (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فهو منهم).

    - لكن يا سيدنا في آية برضه بتقول (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك أن منهم قسيسين ورهباناً وهم لا يستكبرون).

    - أيوه يا بني دي برضه في سورة المائدة آية 82 والآية صحيحة وكلام ربنا زي السيف لكن بص الآية وشوف بتقول إيه؟

    - بتقول إيه يا سيدنا؟

    - ربنا بيقول إنهم أهل مودة وده صحيح لكن ده لما كانوا متواضعين ومش مستكبرين.

    - لكن يا سيدنا النصارى اللي في الحارة ناس طيبين ومش مستكبرين أبداً، ده حتى ما بيطلعلهمش صوت ويمكن إنت كمان حاسس بكده برضه... صح؟

    - إنت عارف يعني إيه الاستكبار اللي في الآية يا بني؟ الاستكبار اللي هنا مش زي اللي إنت فاهمه.. لأ ده الاستكبار هنا هو استكبار العبادة لأنهم استكبروا ورفضوا يؤمنوا بسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وعشان كده أمرنا ربنا بأننا ما نصاحبش حد فيهم ولا نديهم وش عشان يعرفوا إنهم كفار ومشركين ولو في البلد دي إسلام حقيقي وبجد دول كانوا لازم يدفعوا الجزية غصب عنهم أو تتقطع رقابيهم عشان ربنا بيقول في كتابه العزيز في سورة التوبة آية 29 (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون)

    - لكن يا سيدنا مين اللي قال إنهم مش بيعبدوا ربنا ولا بيؤمنوا بيه؟

    - إله مين ده يا بني هما دول ليهم إله.. دول بيقولوا إن سيدنا عيسى عليه السلام هو ربنا شوفت الكفر، دول مجانين.. ده لولا الملامة كنا حرقناهم بنار يا شيخ.

    - معقول بقوا بيقولوا إن سيدنا عيسى هو ربنا؟

    يا خبر إسود! دول يستاهلوا أكتر من اللي بيجرالهم الله يفتح عليك يا سيدنا.

    في أثناء هذه المناقشة تحديداً بدأت تتأصل بداخلي كراهية شرعية تجاه النصارى بل وألتمس العذر لوالدي ولكل سكان الحارة لكل ما كانوا يصنعونه مع أي مسيحي فقد خرج الموضوع عن التماس الإنساني الذي يصعب علي فيه رؤية اضطهاد المسيحية بل أصبح هناك مشروعية وقداسة لأي عمل عنيف موجه لهذه الطبقة من البشر التي تأله بني الله وتجعل منهم آلهة.

    ثم استطردت في الحديث مع سيدنا.

    - على الكلام اللي إنت بتقوله ده يا سيدنا نبقى إحنا على حق والنصارى على باطل مش كده برضه؟

    - أيوه طبعاً.

    - طب إزاي نخليهم يحسوا أو يعرفوا إنهم على باطل؟

    - هما عارفين كل حاجة وفاهمين كل حاجة لكن الاستكبار بيمنعهم من الاعتراف.. دول مية من تحت تبن.. كهنة..

    - يعني إحنا ممكن نرغمهم على الإحساس بأنهم مشركين وكفار وإن مش من حقهم إنهم يعيشوا لأن ربنا بيقول (إن الأرض يرثها عبادي الصالحون) وهم مش كده.


    إنت عايز تقول إيه؟

    - دلوقتي مش ربنا حدد لنا عيدين هما العيد الصغير (عيد الفطر) والعيد الكبير (عيد الأضحى)

    - أيوه!!

    - يبقى ليه نسمح للنصارى إنهم يبتدعوا أعياد جديدة من عندهم

    - وإحنا هنعملهم إيه؟ هنمنعهم إزاي؟

    - ما أقصدش نمنع خالص.. ولا إحنا نقدر نرغمهم. إنهم ما يشتروش ولا يلبسوش هدوم جديدة لكن اللي أنا عايزه حاجة تانية

    - أيوه (وقد نفذ صبره) إيه يعني؟

    - يوم الأحد الجاي بيقولوا عندهم عيد معرفش اسمه إيه لكن أنا سامع الناس بيقولوا إن فيه عيد. إحنا ممكن نبوظ عليهم فرصتهم ونخليهم يحسوا إن مفيش عيد غير عيدنا... إحنا هنقول لصحاب الدكاكين اللي في الحارة إنهم يقفلوا محلاتهم اليومين بتوع العيد الأحد والاثنين فالعيال مايلاقوش حته يشتروا منها اللعب والبلونات والزمامير فيقعدوا في بيتهم إيه رأيك يا سيدنا؟

    - الله ينور عليك يا بني يحميك لشبابك؟! هي دي الشباب اللي غيرانة على دينها.. ما هو صحيح ابن الوز عوام

    - يعني موافق يا سيدنا


    أيوه طبعاً

    وبالفعل تم المتفق عليه ففي يوم الأحد صباحاً فوجئ الأطفال النصارى بكل المحلات مغلقة وظلوا وقوفاً منتظرين ليشتروا ألعابهم لكن لما طال انتظارهم عادوا من حيث أتوا كل إلى منزله حاملين أشياء غير التي كانوا يبتغون.. عادوا بدموعهم تلك التي كنت بدأت أبتغيها.. فيا لشدة سعادتي بهم وهم يبكون ويا لهذا الفرح الذي انتابتني وأنا أفسد عليهم فرحتهم بعيدهم المبتدع.. ولكن بعد أن انتهى اليوم وخيم على الحارة السكون الرهيب الذي كان يغلفها في كل أيامها.. وعندما استفردت بنفسي بداخل حجرتي.. تذكرت مشهد دموع هؤلاء الأطفال وأنبت نفسي كثيراً ولكن ما كان يعنيني هذا التبكيت فقد تذكرت أنني أفعل ذلك لكي يعرفوا الإله الحقيقي وأن يتوبوا عن ابتداعاتهم.

    وفي صباح يوم من أيامي في حارة النصارى استقبلت صباحي كسيح الرجاء في كوني أستطيع قلب كل نظام الحارة وحدي ولم تمهلني الأحداث كثيراً إذ سرعان ما كان يذاع في الحارة عن وفاة أحد رجالاتها الأفاضل والمعروفين و هو الحاج أحمد وكان لدينا بالقرية مكاناً يطلق عليه دار مناسبات يقام فيه مثل هذه المناسبات وفي المساء وقف أهل المتوفى يتلقون فيه العزاء كعادتنا وجاء ثلاثة من النصارى لتأدية واجب العزاء فاستقبلهم الرجال استقبالاً حسناً وأجلسوهم في أماكنهم لكن على غرار ما يحدث دائماً في حارتنا أن تسير الأحداث دائماً في اتجاه معاكس طلب والدي من المقرئ أثناء جلوس الثلاث نصارى أن يتلو علينا ربع من سورة المائدة. فأخذ المقرئ يتلو إلى أن وصل إلى الآية 17 (لقد كفر الذين قالوا أن الله هو المسيح ابن مريم) وسرعان ما تتكرر مرة أخرى في الآية 72 وبمجرد أن سمع الرجال المسيحيون ذلك حتى تصببوا عرقاً وبدا عليهم الخجل.. لكنهم تماسكوا وجلسوا حتى انتهى المقرئ من التلاوة. أما عندما تكررت مرة أخرى بفعل الإعادة في التجويد صرخ الشيخ عواد المهووس:

    - الله.. الله.. الله يا عم الشيخ قول كمان الله يفتح عليك. قول كمان أصل التكرار يعلم .

    هنا وقف النصارى الثلاث وقالوا:

    - الله يكرمك يا شيخ.

    (ثم رد الثاني)

    - كتر خيرك.

    (فرد الشيخ عواد)

    - خيركم سابق يا خويا أنت وهو.. هو في إيه هو اللي على رأسه بطحة بيحسس عليها ولا إيه.

    (رد ثالثهم)

    - حسن ملافظك يا شيخ عواد.. دي جنازة.. واحترم المكان يا شيخ. هنا تدخل أهل المتوفى ووبخوا الشيخ عواد وقبلوا رؤوسهم في سلوك هو الأول من نوعه في حارتنا ومن مسلميها.. والحقيقة ما من أحد تجرأ على الاعتراض عليه.

    كان هذا السلوك خاص بموقف بعينه ولكن الحقيقة هو أن الموقف العام من النصارى بديهي ومعروف ومترجم بداخل جميع مسلميك يا حارة النصارى.

    لا شك أن الغموض الذي يكتنف نصارى حارتنا في العبادة إذ أنه محجوب عنا قد أورثنا بعض الأساطير حول ممارسة الدعارة بدون حرج بين حوائط الكنيسة أثناء الاحتفال بعيد رأس السنة في منتصف الليل وقد أصبحت هذه القصة.. قصة حقيقية في رؤوسنا جميعاً بل واستهوت هذه الفكرة بعضاً من شباب الحارة ممن هم بلا ميول دينية فقرروا أن يدخلوا الكنيسة في تلك الليلة تحديداً لينعموا بلمسات تروي ظمأ احتياجهم الذي تولده برودة طين منازلنا.. واتفقوا على أن يدخلوا الكنيسة على أن يتابع كل منهم فتاة ويدخل في إثرها وعند انطفاء الأنوار التي تظل في حالة انطفاء لأقل من عشرة ثوان معلنة عن انقضاء عام آخر في حياتنا على هذه الأرض سرعان ما أمسك كل منهم بفتاته فصرخن وتجمع الناس حولهم واقتادوهم إلى نقطة الشرطة وهناك عرف أولياء الأمور النصارى أن الشباب الذين اقترفوا هذه الفعلة هم من المسلمين وما كان من مأمور النقطة إلا أن أطلق سراحهم في صباح اليوم التالي وأخذ عليهم التعهد بعدم تكرار الواقعة.. ومرت كواقعة عابرة..

    مررنا جميعاً بمشاهد ووقائع وأحداث عديدة جداً في حلبة الصراع الأبدي بين قطبين كل منهما يريد البقاء إلى النهاية.. والنهاية كما أعرفها أنا وتعرفها أنت، لمن ستكون!! ولكن لابد من أن تدور الدائرة دورتها..

    فلقد كان بقريتنا كسائر القرى المجاورة ظاهرة بدأت تنتشر وكانت من الظواهر التي أفادت قرانا بعد طول سنين وهى ظاهرة الاهتمام بالصحة العامة متمثلاً في إنشاء الوحدات الصحية الريفية التي تقدم الرعاية الصحية المجانية لأهالي القرية.

    في ذات يوم قامت الحكومة بتعيين طبيباً مسيحياً بهذه الوحدة الصحية وكان من خارج أهالي القرية... زادت شهرته بازدياد عدد أيام إقامته بالقرية وكان مثار حديث الناس في القرية بأسرها عن مهارته وأخلاقه... ولما كان هذا الطبيب الذائع الصيت- رغم أنوفنا جميعاً (الغائرين على الدين )- رجل مسيحي... فكرنا واتفقنا على ضرورة إرغام هذا الطبيب على الرحيل... كان منشأ الفكرة "شيوخ حارتنا" الأفاضل فتقدمنا بشكاوى لمركز الشرطة عن بعض المخالفات من الطبيب لقوانين مهنته.

    "شكاوى كيدية" ليس لها أساس من الصحة في كل مرة يتم فيها التحقيق بهذه الشكاوى لا يدان فيها... فتحفظ...!!

    إلى أن قررنا الاجتماع بالمسجد ذات ليلة للتفكير في طريقة لإزاحته عن قريتنا... هبطت علينا فكرة ذات أبعاد دراماتيكية وصفناها آنذاك بأنها الفكرة التي هبطت علينا من السماء... فأحضرنا فتاة ممن يتمتعن بسمعة سيئة لدى القرية وهي معروفة للشرطة كذلك واتفقنا معها لقاء مبلغ من المال على صياغة الفكرة وبداية تنفيذها.

    فوجئ الطبيب في ساعة متأخرة من الليل بالحاج "محمود أبو السيد" يصطحب فتاتنا إلى مسكن الطبيب الخاص مدعية المرض... فما كان من الطبيب إلا أن دعاهم للدخول بسرعة وأثناء ذلك انسحب الحاج محمود خارجا بحجة الذهاب إلى أهلها لطمأنتهم وأثناء قيام الدكتور بالكشف على "ناهد" أخذت تصرخ بأعلى صوتها وتدعى بأن الدكتور قد قام بمحاولة للاعتداء عليها... برعت فتاتنا جداً في تصوير وتجسيم فكرة الاعتداء المصطنعة تلك... وكنا قد سبقناها لإبلاغ الشرطة... لكي تلحق بهذا الجرم الأخلاقي الذي سيودي بهدوء القرية... والذي سيشعل نار الفتنة بين الطائفتين... الأمر الذي دفع برجال الشرطة لأن يتحركوا سريعاً على غير المعتاد والمألوف.

    بالطبع كنا نحن تحت المنزل مباشرة وما أن سمعنا صوتها حتى دخلنا بكسر باب المسكن وطلبنا من الدكتور أن لا يتحرك من مكانه حتى أتى رجال الشرطة.

    عندها دخل ضابط "المركز" الهمام إلى شقة الدكتور فوجد "ناهد" في حالة يرثى لها... تبكى وهى عارية تماما... وعندما سألها الضابط قالت:

    - أنا يا بيه... جيت هنا مع عم الحاج محمود أبو السيد باشكى من مغص في معدتي ولما قاللي أدخلي اقلعي هدومك دخلت الأوضة وأنا مش عارفة إن دى أوضة النوم يابيه ما كنتش أعرف يا بيه انه هيعمل كده (وأخذت تولول وتصرخ)

    - (الضابط وهو يرد عليها) خلاص بقى يابت يعني هو أنت أول مرة...

    - (مقاطعة إياه) أيوه ياباشا بس مش بالغصب.. مش بالعافية... وبعدين يا باشا بص شوف عورني إزاي وهو بيقلعيى غصب عني... (كانت هذه الجروح أثناء قيام الدكتور بمنعها من تمزيق ملابسها ومحاولة الإيقاع به)

    فما كان من رجال الشرطة إلا إنهم اقتادوه "للمركز" وعند بداية التحقيق الرسمي طلبنا جميعاً- من حضروا وقاموا بالتنفيذ- كشهود... وبالطبع أجمعنا أننا أوصينا الحاج محمود أبو السيد أن يصطحب الفتاة إلى مسكن الدكتور حيث أن الفتاة ليس لها إلا أخ صغير وتعيش مع والدتها وما أن جاء إلينا الحاج محمود حتى وصلنا صراخها الذي دوى بالقرية كلها فاندفعنا جميعاً نحو منزل الدكتور "رياض" يغلف اندفاعنا صراخها المستغيث الذي لا يتوقف إلى أن أعاننا الله على كسر باب الشقة... فوجدنا دكتور رياض جاثياً عليها في محاولة تقبيلها عنوة... فجئنا إليكم على الفور... كانت هذه هي شهادتنا جميعاً.

    لم يستطع الطبيب أن يتفوه بكلمة واحدة من فرط اندهاشه... عندها والحمد لله تم فصل الطبيب من مهمة الإشراف على الوحدة الصحية وتم نقله إلى مكان آخر وعند خروجه من القرية كان غالبية سكان القرية يبكون عليه إلا حارتنا "حارة النصارى"!!

    بدأ والدي مع الأيام يطعن في السن ويفتر حماسه وتقل حركته وفي نفس الوقت بدأت بعض العائلات المسيحية ترحل عن الحارة نتيجة الضغط الواقع عليهم إما ببيع منازلهم أو تركها مغلقة ولا شك أن هذا قد شجعنا على الاستمرار والتطوير في طرق الإيذاء!!

    بدأت الأيام تمن علي بظهور مشجع لي حالاً محل والدي في هذه النقطة وهو ابن عمي الأكبر مني... الذي تخرج في الأزهر وقد عمل لفترة طويلة "إمام" مسجد و "خطيب" لإحدى مساجد الدول العربية (الأردن)... أخذ يشجعني على القراءة في الفكر الإسلامي والتعمق فيه... وبارك كل سلوكي ضد النصارى... بدأت بالفعل أشتري بعض الكتب لكبار الأئمة واستهواني بالطبيعة البحث في علاقة الدولة الإسلامية بالنصارى وبأهل الكتاب بصفة عامة... وجدت ما فعله النبي "محمد" مع "يهود بنى قريظة" عندما حرق مزارعهم وسبى نسائهم وقتل رجالهم... وتعاهدت مع نفسي ألا أخالف سلوك النبي معهم... فالمشكلة واحدة ولكن الفارق الوحيد بيننا في حارة النصارى وبين نبينا في يهود بنى قريظة هو أنه كان يتعامل مع اليهود أما نحن فمع قطب آخر من أهل الكتاب هم النصارى... ولكنهم فى الكفر سواء فلا فرق بينهم إطلاقاً.

    بدأت علاقتي بابن العم تتطور انطلاقاً من كوننا شباب غيور على دينه وإسلامه وأخذنا نجمع من الشباب ما نقدر عليه ممن لديهم ذاك الحس الديني المرتفع ونفس الغيرة حتى أصبحنا ما يشابه الجماعة... عاهدنا بعضنا البعض وعاهدنا الله على إكمال المسيرة التي بدأناها حتى نطرد آخر مسيحي ونطهر حارة النصارى نهائياً من جميع مسيحييها.

    وبالطبع لن ينجح هذا التخطيط ولا هذه المعاهدات بدون أهل الحارة ومساعدتهم فأحياناً كنا نخطط وأهل الحارة يقومون بالتنفيذ وفى مرات أخرى نقوم نحن بالتخطيط والتنفيذ.

    وفي إحدى مرات التنفيذ الذاتي كان من بين المسيحيين واحداً يمتلك أرضاً زراعية تجاور أرض رجل من الحارة من المسلمين من أصحاب الدم الحار وكان معروفاً بشره وسرعة غضبه وإثارته للمشاكل... فكان المسيحي يمتلك "مسقاة" يروى بها أرضه عن طريق "..." التي تقوم بدورها في سحب المياه من الترعة المجاورة فقررنا أن يذهب ليلاً أحد ويفتح المياه على أرض الرجل المسيحي من جهة أرض الرجل المسلم وعندما يبدأ المسيحي فى الري تندفع المياه فى أرض المسلم فنسرع عندها ونخبره بذلك... وعندما تأكدنا من اندفاع المياه نحو أرض الرجل المسلم أسرعنا بإخباره... وعندما علم أسرع حتى من دون أن يكمل ملابسه.

    حمل فأسه وجرى كالبرق... فوجد أرضه غارقة... ولم يكن صاحبنا المسيحي يعلم شيئاً عن ترتيبنا هذا فكان أن وجد الرجل المسلم ينهال عليه ضرباً بالفأس فشق رأسه وتسبب له في عاهة مستديمة... وفي المركز وعند بداية التحقيق... طلبنا عم عمر صاحب الأرض المغرقة للشهادة... فقلنا شهادتنا بأن سعد المسيحي قد فتح المياه على غيط عم عمر من القناية القريبة على أرضه فأغرقها... وتم تصعيد الموضوع إلى النيابة التي أمرت بخروج عم عمر بكفالة ما لم يتوفى سعد المسيحي.

    أتظنون أن هذا كذب؟ حاشا لله... إن هذا الكذب مباح بنص حديث رسول الله "ثلاثة أحل الله فيهم الكذب (الحرب، الرجل وامرأته، الصلح) وبما أننا في حرب مع أهل الكتاب حتى يسلموا... فمباح هو الكذب... فلا تقرروا أرجوكم أنه كذب وحيث أن هناك أسباب قامت عليها أفعالنا...!!

    كان رد فعل النصارى لا يحتاج إلى رصد كالمعتاد فرد فعلهم السلبي الممتد على طول دهر أحداث حارتنا كما هو مما جعلني أؤكد دعوى أنهم ليسوا على حق مطلقاً!! أو تتفقون معي... لو كانوا على حق لكانوا دافعوا عن أنفسهم ولو باللسان وهذا أضعف الإيمان...!! أقسم أنهم لو كانوا فعلوا لاحترمتهم... لكنهم كانوا في حالة ثبات لا يديرون بالاً لكل ضربة وأخرى... حتى عندما قررنا أن نكتب على جدران منازلهم "إن الدين عند الله الإسلام" وكذلك "لقد كفر الذين قالوا أن الله هو المسيح ابن مريم"... لم نجد في أي من المرتين أي أصداء في الحارة سوى أصداء فرحتنا بإحراز تقدم جديد...!!















                  

10-23-2005, 04:10 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية حارة النصاري جديرة بالقراءة (Re: Sabri Elshareef)

    يا نشات الامام


    وسوداني عجوز عم ارنست ولكما التفاتت غزال في رونقه مزيد


    من الابداع والكاتب مجهول الاسم بس رواية ممتعه وشيقه ونتمني


    استلهام العبر ودروس القراية ام دق وغير دق
                  

10-23-2005, 11:46 PM

bint_alahfad
<abint_alahfad
تاريخ التسجيل: 02-04-2002
مجموع المشاركات: 3522

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية حارة النصاري جديرة بالقراءة (Re: Sabri Elshareef)

    سبحان الله!!

    قصه جديده لتشويه صوره الاسلام والمسلمين ووصفهم بهذه الطريقه الهمجيه وان المسلمين لا يعرفون التسامح ولا التعايش مع الاديان بعكس المسيحين الذين يسامحون ويتقبلون الاخر رغم كل شئ

    سبحان الله!!!

    لا ادرى متى تنتهى هذه الهجمات والحرب من غير المسلمين ومن بعض من يطلقون على
    أنفسهم مسلمين ايضا على الاسلام

    وهل هذه هى أخلاق المسلمين التى امرنا بها الله سبحانه وتعالى فى التعامل مع أهل
    الكتاب وبقيه الاديان الاخرى???


    وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46)


    سوره العنكبوت

    وكيف يعتدى المسلمين على غيرهم بدون سبب والله سبحانه وتعالى قال فى محكم تنزيله

    وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين

    البقرة (آية:190)

    يا ايها الذين امنوا لا تحرموا طيبات ما احل الله لكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين

    المائدة (آية:87)


    ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وهو الرحمه المهداه كان يحسن لجاره اليهودى
    ويتفقده ويسأل عن احواله رغم الاذى الذى كان يسببه له من وضع القازورات
    امام بيت الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم كل يوم

    فهل حقا ماورد فى القصه هى اخلاق الاسلام والمسلمين?

    وهل كاتب هذه القصه مسلم ام مسيحى وماذا يقصد من أيراد قصه مثل هذه تشوه
    صوره المسلمين بهذا الشكل?

    وهل لو كان هناك البعض من المسلمين كمثل هولاء المتواجدون فى القصه فهل يعنى
    ذلك ان الاسلام أمرهم بذلك? وهل هم حجه على الاسلام???

    وحسبنا الله ونعم الوكيل


    وفى امان الله

    لا اله الا الله
                  

10-24-2005, 04:00 AM

Sudany Agouz
<aSudany Agouz
تاريخ التسجيل: 04-28-2002
مجموع المشاركات: 9014

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية حارة النصاري جديرة بالقراءة (Re: bint_alahfad)

    استمر ياأستاذ صبرى ..

    وسنصبر ونقرأ .. لأن آثار ذلك الزمن .. ألأن تجنى مصر ثماره ..

    لأ أدرى أخى ان سمعت بالأخبار التى تحدث فى الاسكندرية .. والمظاهرات
    وحصار بعض الكنائس وطعن المسيحيين - من بينهم راهبة ومحامى .. وحالتهما
    خطرة بالمستشفى .. كل هذا تم من قبل الأخوان المسلمين .. وعمليات تهجم على الكنائس و
    كسر محال ومتاجر المسيحيين ونهب ممتلكاتهم وأموالهم ..
    هذه الحقائق لا يود بعض الأفراد الاعتراف بها ..
    ولكن هذا لا يهم فى القليل أو الكثير ..
    الله موجود ..
    والمهم أنك .. لا يهمك ..

    واصل سرد قصتك ..

    ولك كل الشكر ..
    عمك العجوز ..
    أرنست
                  

10-24-2005, 03:53 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية حارة النصاري جديرة بالقراءة (Re: Sabri Elshareef)

    بت الاحفاد هذا هو حالنا نحن مسلمي ومسلمات الدنيا والتسامح

    موجود في الاسلام بس معطل تجدين فئة متسامحة هي الصوفية او

    اصحاب منهج العلمانية شكلا للحكم فهؤلاء ارتقوا بمشاعرهم نحو

    المساواة بين كل لق الله ذكر او انثي ساعود لك بمهلة ونحن


    نتنفس العشرة الخواتم وربي يهدي للتي هي اقوم





    سوداني عجوز /// عم ارنست

    لمصر رب يحميها من غلو الارهابيين من مسلميها ومسلماتها

    مكثت بمصر سنوات وكنت ادافع عن حرية الاعتقاد والتفكير


    وكان المصريين يسبون اخوتنا الجنوبيين بحكم دينهم فكنت

    لا اقبل مثل هذا الكلام

    وموضوع الكراهية للاخر عندنا نريد ان نغير هذا لمحبه

    لي عوده تانيه
                  

10-26-2005, 09:39 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية حارة النصاري جديرة بالقراءة (Re: Sabri Elshareef)

    ساواصل باقي الرواية فالتقراوا/ن علي مهل اخص الجميع
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de