مراجع وكتب توثق للتاريخ الاسلامي

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-10-2024, 08:04 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الثاني للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-31-2005, 05:30 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مراجع وكتب توثق للتاريخ الاسلامي

    ولعل أغرب ما لاحظناه ، على عكس ما كنا نتصور ، أن السابقين كانوا أكثر تسامحاً ، ربما لأن الحياة كانت معطاءة ، وكان اتساع أبواب الاجتهاد أحد عطاياها ، وقد سقنا في الأمور المشتبهات رخصة التنقل بين فقه الحجاز وفقه العراق ، ونسوق أيضاً ما كان منتشراً حتى عهد أجدادنا القريب ، وهو تعدد الزوجات ، الذي لم ييسره الدين فقط ، بل يسرته أيضاً سبل الحياة ، وتوسع البعض فيه مثل الحسن بن علي ، الذي ذكر أنه تزوج سبعين وقيل تسعين ، وأنه كان يتزوج أربعاً ويطلق أربعاً ، والذي خشي الإمام علي من أن يفسد عليه القبائل بطلاق بناتها ، فكان يبادرهم صائحاً : يا أهل الكوفة لا تزوجوا الحسن فأنه رجل مطلاق ( تاريخ الخلفاء للسيوطي 191) .

    ولم يسمع أحد كلامه ، فقد طمع الكل أو تطلع إلى نسل ينتسب للرسول ، وبجانب ذلك كان هناك بابان للتمتع بالحياة ، والحياة في المتع ، باب منهما لم يختلف أحد عليه ، وإن جهله بعض المعاصرين أو صعب عليهم تصوره ، وباب آخر أثار ولا يزال يثير كثيراً من الخلاف .

    أما الباب الأول فهو التسري بالجواري ، وهو جانب من جوانب نظام الرقيق ، الذي ظهر الإسلام وهو جزء من إطار الحياة ، فلم ينكره أو يدنه ، وإنما حث على العتق ، وهو باب من أبواب الخير عظيم ، وجانب ذو شأن جليل من جوانب روح الإسلام ، تلك التي نجدها اليوم متناسقة مع عالم المساواة بين الجميع ، ومتناغمة مع إلغاء الرقيق عالمياً ، بينما لو توقفنا عند ظاهر النص لأنكرنا المساواة ، ولاستنكرنا الإلغاء ، ولأننا من أنصار الروح والجوهر ، فإننا نفسر موقف الإسلام من الرق بما نكرره ونعيده دون أن نمل ، وهو أن الدين لم ينزل من أجل عصر واحد ، وأن القرآن لم يتنزل لكي يناسب زمناً معيناً، وإنما نزل الدين وتنزل القرآن لكل عصر ولكل زمان ، وهو وإن سمح بالرق فقد تسامح مشجعاً العتق ، ومال إلى الحرية ، ولم يكن له أن يضيق بعصر أو يتوقف عند زمن ، وهو في سماحه بالرق أباح للمالك أن يتمتع بالجارية الأنثى ، وأن يتسرى بها ( أي يعاشرها ) وراعى أن ينسب الأبناء لآبائهم في الفراش .

    وكان للجواري مصدران ، أولهما الشراء ، وثانيهما غنائم الفتح ، وقد اتسع المصدر الثاني في صدر الدولة الإسلامية ، وتعددت موارده ، فظهرت الجواري المولدات ، الحور ، الروميات والفارسيات والحبشيات ، وكثر ( العرض ) بلغة حياتنا المعاصرة ، وتجاوز ( الطلب ) كثيراً ، حتى أصبح معتاداً في كتب التاريخ الإسلامي أن نقرأ أن فلاناً أهدى لغلامه جارية أو جاريتين ، وحتى ذكر المؤرخون أن الإمام ( علي ) وهو أحد أكثر الخلفاء زهداً قد ( مات عن أربع نسوة وتسع عشرة سرية رضي الله عنه ) ( البداية والنهاية لابن كثير م4 ج7ص244 . تاريخ الخلفاء للسيوطي ص176 ) .

    وقد زاد هذا الرقم حتى أصبح بالعشرات في عهد أوائل خلفاء بني أمية ، ثم بالمئات في عهد يزيج بن عبد الملك ، ثم بالآلاف في عهد الخلفاء العباسيين ، حتى وصل الرقم إلى أربعة آلاف سرية كما ذكرنا في حديث المتوكل ، الذي ( وطئ الجميع ) خلال خلافته التي دامت نحو ربع قرن ، وهو رقم قياسي فيما نعتقد ، ويستطيع القارئ أن يجد مزيداً من الحديث عن هذا الباب في ( الأغاني ) للأصفهاني وفي ( أخبار النساء ) لابن قيم الجوزية ، و ( طوق الحمامة ) لابن حزم و ( الإمتاع والمؤانسة ) لأبي حيان التوحيدي ، وفي أقوال كثير من الخلفاء التي نذكر منها قول عبد الملك بن مروان ( من أراد أن يتخذ جارية للتلذذ فليتخذها بربرية ، ومن أراد أن يتخذها للولد فليتخذها فارسية ، ومن أراد أن يتخذها للخدمة فليتخذه رومية ) ( تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 221 )

    ولعل هذا القول كاف لإفحام من يتصورون أن منهج ( التخصص ) منهج غربي معاصر، ولعلنا به أيضاً ننهي حديث الباب الأول من البابين اللذين أشرنا إليهما ، وهو الباب الذي وصفناه بأنه متفق عليه بلا خوف ، ومباح بلا شبهة ، وإن كنا نلمح ظاهرة إيجابية تتمثل في عتق الخلفاء لأمهات الأولاد ، وهي خطوة في طريق طويل انتهى بإنهاء الرق واستنكاره دون حرج ديني ودون خروج على روح الدين وجوهره كما ذكرنا .

    أما الباب الثاني المختلف عليه ، فهو ما عرف بزواج المتعة ، ذلك الذي أباحه الرسول في غزوتين ، ثم حرمه في حجة الوداع ، وكانت إباحته لما يمكن أن يطلق عليه اسم ( الضرورة القصوى ) في ظروف الغزو ، وكان تحريمه لكونه إذا أبيح بإطلاق كان أقرب للزنا منه للزواج .

    وهنا نتوقف قليلاً حتى لا يحدث للقارئ لبس ، فإباحته للضرورة في واقعتين ( في زمن خيبر وفي عام الفتح ) أمر لم يختلف عليه أحد ، وتحريمه في حجة الوداع أيضاً لا خلاف عليه ، ووصفه باقترابه من الزنا أكثر من كونه زواجاً رأي ابن عمر حين ( قال ـ فيما أخرجه عنه ابن ماجة بإسناد صحيح - : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أذن لنا في المتعة ثلاثاً ثم حرمها ، والله لا أعلم أحداً تمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة " ( فقه السنة – الشيخ سيد سابق ) .

    وفي قول علي : لولا تحريم المتعة ما زنى إلا شقي ، وفيما نقله البيهقي عن جعفر بن محمد أنه سئل عن المتعة فقال : هي الزنا بعينه ( فقه السنة – ص43 ) .

    أما الحل للضرورة فهو منهج شرعي مقبول شريطة أن يكون تقدير الضرورة صحيحاً ، وليس أكثر من الرسول قدرة على التقدير أو صواباً في الحكم فهو الذي لا ينطق عن الهوى .

    وزواج المتعة باختصار شديد هو أن يعقد الرجل على المرأة لزمن محدد يتمتع فيه بها ( يوماً أو أسبوعاً أو شهراً .. ) وذاك لقاء مبلغ معين من المال ، وبمجرد انتهاء الأجل ينتهي العقد تلقائياً ، وفقهاء السنة جميعاً يجمعون على تحريمه تحريماً قاطعاً مستندين إلى حديث الرسول في حجة الوداع :

    ( يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع ، ألا وإن الله قد حرمها إلى يوم القيامة ) ( فقه السنة – ص42 ) .

    ويجمع أغلب فقهاء السنة ( رغم وصفهم لهذا الزواج بالزنا ) على استبعاد عقوبة الرجم لوجود شبهة ناتجة ـ ( عما روي عن بعض الصحابة وبعض التابعين أن زواج المتعة حلال ، واشتهر ذلك من ابن عباس رضي الله عنه ) غير أن الأمر قد اختلف بالنسبة لأغلب فقهاء الشيعة حين أباحوه ، وفسروا نصاً قرآنياً بما يفيد الإباحة ، ونفوا أن تكون السنة ناسخة للقرآن ، ورد عليهم فقهاء السنة برأي آخر في تفسير النص ، وبمناقشات مستفيضة عن جواز نسخ السنة لأحكام القرآن مستدلين بحكم الرسول بالرجم في الزنا بينما النص القرآني لا يتجاوز الجلد ولم يرد حكم الرجم في القرآن على الإطلاق ، وهي قضية خلافية أخرى لا نريد أن نشغل القارئ بها ، وإن كنا نناشده أن يحلق معنا في سماء التخيل لهذا المجتمع ، ونقصد به المجتمع الإسلامي في صدر الدعوة ولعدة مئات تالية من السنوات ، حيث تعدد الزوجات هو القاعدة ، والطلاق يسير والزواج الجديد أيسر ، والبعض يقنع بالزوجات الأربع ولا يطلق منهن إلا نادراً وللضرورة ، والبعض الآخر يطلق أربعاً ليتزوج أربعاً دون أن يكون ذلك مدعاة لنقد ، أو سبباً لانتقاد ، والجميع يتسرى ومنهم الزاهد القانع بتسعة عشر ، وزهد( علي ) وورعه ونزوعه عن الدنيا واستعلاؤه عن مغرياتها لا يحتاج إلى سند ولا يعوزه دليل .

    ومنهم من يصل بالرقم إلى خانات العشرات والمئات والآلاف ، وقطاع كبير من المسلمين هم الشيعة يضيفون إلى ذلك حل زواج المتعة ذلك الذي يبيح للمسلم إن أعجبته امرأة أن يتزوجها يوماً أو شهراً أو بعض شهر ، وينفحها مقابل ذلك مبلغاً من المال ثم يفارقها دون إحساس بذنب أو تأنيب لضمير، هذا كله في إطار الحلال إن جاوزنا زواج المتعة لدى السنة ، أو أوردناه لدى الشيعة .

    بينما تمتلئ كتب التاريخ عن أواخر العصر الأموي وأغلب العصر العباسي بأحاديث المغنيات والقيان والغلمان ، وهو ما نطرحه جانباً مقتصرين على الحلال ، متسائلين في هدوء هل هناك ضرورة للزنا في مثل هذا المجتمع ؟ ، وهل يعقل أن يدعي أحد في مثل هذا المناخ أن العقاب بالرجم فيه قسوة ؟

    لا شك أن القارئ سوف يتفق معي ، وسوف يؤيدني في أن من يأتي الزنا بعد هذا كله ، ورغم هذا كله وفي ظل هذا كله ، مختل العقل بلا شك ، شاذ الطبيعة بلا مراء ، وربما أنصفناه فتصورناه ساعياً للانتحار، غير أن اختلاله أو شذوذه أو انتحاره لن يصل به إلى حتفه بسهولة أو في يسر ، فدون ذلك من الشروط ما يكاد يصل بعقوبة الزنا إلى الوصف بالاستحالة ، فلابد من توافر أربعة شهود عدول من الرجال ( ولا تقبل شهادة النساء ولا شهادة الفسقة ) ، وأن يشاهد هؤلاء فعل الزنا بما لا يتيسر إلا لمشارك للزناة في الفراش ، بل إن شئت الدقة في الغطاء ، مع تحرز آخر بأن يكون( قصير النظر ) حتى يشاهد عملية الزنا نفسها ( كالميل في المكحلة والرشاء " الحبل " في البئر ) .

    ولو شهد ثلاثة منهم وشهد الرابع بخلاف شهادتهم أو رجع أحدهم عن شهادته أقيم على الشهود حد القذف وهو الجلد ، ولعل هذا هو السبب في أننا نعثر في قراءتنا لكتب التاريخ على إشارة ولو من بعيد إلى تطبيق لحد الرجم ، بل إن المرة الوحيدة التي كاد يطبق فيها الحد في عهد عمر ، انتهت ، بجلد الشهود ، على الرغم من تيقن القارئ ، بل وربما تيقن عمر نفسه من الفعل ، بدليل عقاب الفاعل بنزعه عن الولاية ، والقصة تستحق أن تروى ، لطرافة أحداثها ، ولكونها في ذات الوقت نموذجاً يثبت أن البشر هم البشر في كل عصر ، وأن عهد عمر نفسه لم يخل مما لو حدث اليوم لوصفناه بالكارثة ، ولارتفعت الأصوات في كل واد باستنكاره ، لأن الواقعة مست أحد ولاة الأمصار ، وهو ما يمكن أن يقاس عليه في عالم اليوم أحد الوزراء أو على وجه الدقة أحد نواب رئيس الوزراء .

    فقد كان ( المغيرة بن شعبة ) والياً على البصرة في عهد عمر ( سنة 17 هجرية ) وحدث منه أو قيل عنه ما يروي الطبري في تاريخه على النحو التالي ( تاريخ الطبري – ج3ص168 – 170 ) :

    ( عن شعيب عن سيف عن محمد والمهلب وطلحة وعمرو بإسنادهم قالوا كان الذي حدث بين أبي بكرة والمغيرة ابن شعبة أن المغيرة كان يناغيه وكان أبي بكرة ينافره عند كل ما يكون منه وكانا بالبصرة وكانا متجاورين بينهما طريق وكانا في مشربتين متقابلتين لهما في داريهما ، في كل واحدة منهم كوة مقابلة الأخرى ، فاجتمع إلى أبي بكرة نفر يتحدثون في مشربته فهبت ريح ففتحت باب الكوة فقام أبو بكرة ليصفقه ، فبصر بالمغيرة وقد فتحت الريح باب كوة مشربته وهو بين رجلي امرأة ، فقال للنفر قوموا فانظروا ، فقاموا فنظروا ثم قال اشهدوا قالوا ومن هذه ، قال أم جميل ابنة الأفقم ، وكانت أم جميل إحدى بني عامر بن صعصعة ( كذا في الأصل والمقصود إحدى نساء بني عامر ) ، وكانت غاشية للمغيرة وتغشى الأمراء والأشراف ، وكان بعض النساء يفعلن ذلك في زمانها ، فقالوا إنما رأينا أعجازاً ولا ندري ما الوجه ، ثم أنهم صمموا حين قامت ، فلما خرج المغيرة إلى الصلاة حال أبو بكرة بينه وبين الصلاة ، وقال لا تـُصل بنا ، فكتبوا إلى عمر بذلك ، وتكاتبوا فبعث عمر إلى أبي موسى فقال يا أبا موسى إني مستعملك ، إني أبعثك إلى أرض قد باض بها الشيطان وفرخ ، فالزم ما تعرف ، ولا تستبدل فيستبدل الله بك ، … ، ثم خرج أبو موسى فيهم حتى أناخ بالمربد ، وبلغ المغيرة أن أبا موسى قد أناخ بالمربد فقال والله ما جاء أبو موسى زائراً ولا تاجراً ولكنه جاء أميراً ، فإنهم لفي ذلك إذ جاء أبو موسى حتى دخل عليهم فدفع إليه أبو موسى كتاباً من عمر ، وإنه لأوجز كتاب كتب به أحد من الناس ، أربع كلم عزل فيها وعاتب واستحث وأمر،

    " أما بعد فإنه بلغني نبأ عظيم فبعثت أبا موسى أميراً ، فسلم ما في يدك ، والعجل " .

    وكتب إلى أهل البصرة : " أما بعد فإني قد بعثت أبا موسى أميراً عليكم ، ليأخذ لضعيفكم من قويكم ، وليقاتل بكم عدوك ، وليدفع عن ذمتكم ، وليحصي لكم فيأكم ثم ليقسمه بينكم ، ولينقي لكم طرقكم " .

    وأهدي له المغيرة وليدة من مولدات الطائف تدعي عقيلة وقال إني قد رضيتها لك وكانت فارهة ، وارتحل المغيرة وأبو بكرة ونافع بن كلدة وزياد وشبل بن معبد البجلي حتى قدموا على عمر ، فجمع بينهم وبين المغيرة ، فقال المغيرة " سل هؤلاء الأعبد كيف رأوني ، مستقبلهم أو مستدبرهم ، وكيف رأوا المرأة أو عرفوها ، فإن كانوا مستقبلي فكيف لم أستتر ، أو مستدبري فبأي شيء استحلوا النظر إلى في منزلي ، على امرأتي ، والله ما أتيت إلا امرأتي ، وكانت شبهها .

    " فبدأ بأبي بكرة فشهد عليه أنه رآه بين رجلي أم جميل وهو يدخله ويخرجه كالميل في المكحله ، قال كيف رأيتهما ، قال مستدبرهما ، قال فكيف استثبت رأسها ، قال تحاملت .

    ثم دعا بشبل بن معبد فشهد بمثل ذلك ، فقال استدبرهما أو استقبلتهما ( ينفرد الطبري بذكر هذا الاختلاف ) ، وشهد نافع بمثل شهادة أبي بكرة ، ولم يشهد زياد بمثل شهادتهم ، قال رأيته جالساً بين رجلي امرأة ، فرأيت قدمين مخضوبتين تخفقان ، وإستين مكشوفتين ، وسمعت حفزاناً شديداً ، قال هل رأيت كالميل في المكحله قال لا ، قال فهل تعرف المرأة قال لا ، ولكن أشبهها ، قال فتـَنـَح .

    وأمر بالثلاثة فجلدوا الحد ، فقال المغيرة اشفني من الأعبد ، فقال : اسكت ، اسكت الله نأمتك ، أما والله تمت الشهادة لرجمتك بأحجارك ) ( في رواية أخرى بأحجار أحد ) .

    والرواية السابقة تقدم نموذجاً رائعاً ودقيقاً لمذكرة اتهام تفصيلية ، يبدو فيها سبب توافر الشهود مقنعاً ، وهو سبب فرضته ظروف البناء في عصر عمر، ويبدو فيه موقف المغيرة ضعيفاً ، ويبدو فيه وصف واقعة الزنا مثيراً ، ويبدو فيه أيضاً أن ظاهرة ( أم جميل ) كانت شائعة لدى علية القوم ، ويبدو فيه أيضاً أن الحد كان على وشك أن يقام لولا أن زياداً في اللحظة الأخيرة تلجلج في جزئية أو رثت شبهة حين قال أنه لم يتحقق من وجهها وإن كانت تشبهها .

    ولنا أن نذكر للقارئ هنا معلومة طريفة وهي أن المغيرة بعد ذلك كان أحد قادة معاوية ، وأن زياداً بعد ذلك كان أحد قادة علي ، وأنه لما توطد الأمر لمعاوية ، تذكر المغيرة فضل زياد عليه حين تلجلج في الشهادة ، فتوسط له لدى معاوية ، الذي قبل الوساطة فنسبه إلى أبي سفيان وولاه البصرة ، ثم أضاف إليه الكوفة ، وذكر عنه التاريخ بعد ذلك ما ذكر ، من قسوة وبطش وإرهاب ، ونعود إلى حديث المغيرة أو حادثته ، ونتساءل ، ماذا يقول المتطرفون لو حدث من أحد نواب رئيس الوزراء أو الوزراء أو المحافظين ما حدث من المغيرة ، ألم يملأوا الأرجاء صراخاً عندما انتحرت إحدى الفتيات في منزل ملحن مشهور وتنادوا بأن مصر كلها قد تحولت إلى ماخور ، وأن العلاج كامن في تطبيق حد الزنا ، حتى تعود ( مصر الحانة ) إلى ( مصر الإسلام ) .

    وإذا كان أسلوب بناء المساكن في عهد عمر هو السبب في فضيحة المغيرة ، فماذا يكون الحال بالنسبة لمبانينا الحديثة ، التي لا يستطيع فيها الهواء أن يرفع شيش النافذة أو زجاجها ، ناهيك عن أبوابها ومغاليقها وأقفالها ؟

    وإذا كان تلجلج أحد الشهود هو مبرر نجاة المغيرة ، فماذا يكون الحال في مواجهة شهود مهنتهم الشهادة ، ولو زادهم المغيرة خمساً لأقسموا أنه كان مستقبلهم وأنها كانت زوجته ، ولو أنقصهم خمساً لأقسموا أنه كان مستدبرهم وأنها كانت أم جميل .

    ونعود إلى تساؤلاتنا قبل أن يفاجئنا – أو يمتعنا – المغيرة بقصته ، ونضيف إليها جديداً ، راجين من القارئ أن يكون منصفاً في إجابته : هل بوسعنا أن نساوي في العقوبة بين من أتاحت له ظروف الحياة تعدد الزوجات وأتاحت له ظروف الفتح وانتشار الرق تعدد الجواري المستمتع بهن حتى بلغت العشرات ، وأتاح له اجتهاد ابن عباس أو مذهب التشيع زواج المتعة ، وبين شبابنا المعاصر الذي لا يستطيع أن يتزوج بواحدة لعجز ذات اليد عن دفع المهر ، وعجز إمكانيات المجتمع عن توفير مسكن الزوجية ؟

    هل يعامل هذا على قدم المساواة مع ذاك ؟ ، ألا تشفع ظروف الحياة المعاصرة وقد ذكرنا طرفاً منها لشبابنا المعاصر ، كما شفعت ظروف المجاعة للسارقين في عهد عمر ؟

    نحن هنا لا تدعو للزنا أو نبرر إباحته كما يحلو للبعض ممن لا يرى الحياة إلا من خلال رجل وامرأة والشيطان ثالثهما أن يتقول وأن يغمز عن جهل أو يلمز عن شبق ، ولا نفعل ما يفعله البعض ممن يؤثرون السلامة فيطالبون بإقامة حد الزنا وأن يكون الرجم للمحصن أو المحصنة عن ثقة كاملة منهم أنه حد مستحيل التطبيق ، ولأن الجريمة التي تعاقب عليها الشريعة أقرب إلى إتيان الفعل العلني الفاضح في الطريق ، بدأنا نواجه الأمر بالمنطق والعقل ، تماماً كما واجهه عمر في حد السرقة حين تجاوز ظاهر النص والعقوبة إلى العلاقة بين الأسباب والنتائج ، بل وأكثر من ذلك نفتح ملف حادثة مازالت ملء السمع والبصر ، وهي حادثة اغتصاب ستة من الشبان لفتاة كانت تجلس مع خطيبها في إحدى السيارات في منطقة نائية في ضاحية المعادي ، وقد أثبت تقرير الطبيب الشرعي أنها عذراء ، وقد قامت الدنيا ولم تقعد بسبب هذه الحادثة ، وانطلقت الأصوات مطالبة بتطبيق الشريعة وكأنها الحل ، وظلت الصفحات الدينية تردد على مسامعنا وأمام أبصارنا دون ملل أو كلالة مقولة واحدة متكررة : " طبقوا حد الزنا " ، " طبقوا حد الزنا " ، بينما تقرير الطبيب الشرعي ينفي واقعة الزنا من أساسها لأن البكارة شبهة تنفي تطبيق الحد بإجماع الفقهاء ، وقد حكم القضاة بإعدام خمسة من الشبان ، وعدل الحكم في الاستئناف إلى إعدام اثنين ، وأدلى المفتي السابق بحديث عن أن الحكم مطابق للشريعة واصفاً التهمة بأنها إفساد في الأرض ، ويعلم الله أنها ليست كذلك .

    فعقوبة الإفساد في الأرض تختص بالأموال وليس الفروج ، وهي عقوبة محددة في كل جزئية فيها ولها من الشروط ما لا ينطبق على هذه القضية بحال ، والنتيجة ببساطة أن القانون الحالي يعاقب على جرائم يعسر على الشريعة أن تعاقب عليها ، وبعكس احتياج المجتمع المعاصر بأقدر مما تفعل الشريعة ، ليس لعجز فيها ، معاذ الله ، بل لقصور من يتناولنها من هواة وصف القوانين الوضعية بالمخالفة لروح الإسلام ، والإصرار على التوقف أمام ظاهر النص لا جوهره ، هؤلاء الذين ترتعد فرائصهم حين نطالبهم بالتأسي بعمر ، وبالاجتهاد كما اجتهد ، وبتعطيل ظاهر النص إن كان تطبيقه مستحيلاً أو كان من الممكن بالقوانين السائدة مواجهة الجريمة والعقاب عليها واستئصالها إن أمكن ، وهو الهدف النهائي للإسلام ، والجوهر الحقيقي لروحه بل إني أتحداهم في هدوء ، وأعلن لهم أنني لن أكتب حرفاً بعد ذلك إن خسرت التحدي ، والحكم بيني وبينهم للقراء .

    أقول لهم : أمامكم في سجلات القضاء قضايا للزنا وملفات للآداب تعود إلى نصف قرن ، ادرسوها جميعاً وابحثوها جميعاً ، واعطوني مثالاً واحد لقضية واحدة يمكن أن يطبق فيها حد الزنا ، وبالطبع فلا عبرة هنا بالاعتراف ، لأن الاعتراف مقترن بالعقوبة المحدودة في القوانين السارية ، ولو تقررت عقوبة الرجم لما اعترف رجل أو امرأة بالزنا وهذه بديهية لا يختلف حولها أحد ، والعبرة كل العبرة ، بتوافر الشروط والحد ...

    أعطوني قضية واحدة شهد فيها أربعة ..

    ورأى فيها الأربعة الميل في المكحلة ، أو الرشاء في البئر... ولا ضير في مزيد من التحدي الهادئ ...

    أجيبوني بعد الدرس والمراجعة والبحث عن سؤال أكثر بساطة وهو : ألا تعاقب القوانين الوضيعة على ما لا تطوله الشريعة في هذا المجال في ظل شروطها القاسية بل والمستحيلة ؟.

    أجيبوني من أين أتيتم بمقولة أن المجتمع يبيح الزنا ويدعو إليه ويحث عليه ويعفو عنه ؟ بينما المجتمع يطول بقوانينه المتجددة ما لا يطوله اجتهادهم القاصر ، إن كان ثمة اجتهاداً أصلاً ، ويحفظ للمجتمع حقوقه وهو عين ما يسعى الإسلام إليه ، ويصل بعقوبة هتك العرض ، وهي ليست الزنا بالضرورة ، إلى الحكم بالإعدام ؟ .

    وماذا يضيركم إذا أثبت المشرع واقعة الزنا في القوانين الحالية( بالمكاتيب ) أو ( بوجود غريب في المكان المخصص لنوم الحريم في البيوت المسلمة ) ، أليس هذا أقرب إلى إمكانية إثبات الواقعة من شهود الميل ( المرود ) والرشاء ( الحبل ( بفتح الحاء وسكون الباء ) ؟

    وماذا يفزعكم في إعطاء القوانين الحالية للزوج حق إقامة الدعوى أو عدم إقامتها ، أليس في هذا حفظ لسمعة البيوت وأسرار الأسر وستر للعورات ، ودرء للحدود بالستر ؟ ، وهب أن زوجاً علم ثم عفا ، قبولاً منه لنوبة الزوجة ، أو حفاظاً منه على سمعة أولاده وبناته في مدارسهم أو مجتمعاتهم ، أليس هذا أقرب إلى روح الإسلام من فضح الزوجة وتدمير سمعة الأولاد وإنهاء مستقبل البنات وسمعتهن إلى الأبد ؟

    أم أن الإسلام لا يكون إسلاماً في عرفكم إلا إذا جلد وفضح ورجم ودمر ، وتنكرونه إذا عفا وتسامح وستر ، ثم لماذا لا تتفقون على كلمة سواء كان قبل أن تواجهونا بالعموميات ، والشعارات ، الاتهامات ، فالأسئلة عديدة وليس هذا مجالها ، لأننا لسنا بصدد بحث فقهي ، ومثالها التساؤل حول علاقة السنة بالقرآن ، وإمكانية نسخ السنة لنص قرآني ثابت في أحد الحدود ، وهذا كله يفتح باباً واسعاً للاجتهاد ، وللنقاش ، وهو على كل الأحوال لا يفتح نافذة واحدة للتشكيك في الإيمان أو الحكم بالكفر أو الاتهام في العقيدة ، وما كان أغناني عن هذا الحديث .

    لولا أنني مؤمن بأن الإسلام على مفترق طرق ، وأنه لابد سائر إلى حيث يريد الله الرحمة لعباده ، والانتصار لإسلامه والاستمرار لعقيدته ، وأن الإسلام لن يضار بالمتعصبين إلا إلى حين ، ولن يختلف بالجامدين إلا إلى حين ، ولن يشارك في الحياة أبداً بالمرتعدين عن قصور في الفهم أو عجز في الاجتهاد أو جمود في التفكير، وأننا في حاجة إلى أن نقبل على الحياة بالإسلام ، لا أن نهوى عليها بالإسلام ، وأننا في حاجة إلى أن نحافظ على الإسلام العقيدة ، لا أن نكتفي بحفظ الإسلام النصوص ، وأننا في حاجة إلى أن نخترق الحياة بالإسلام ، لا أن نخترق الحياة بالإسلام ، والإسلام بحمد الله أقرب إلى الحياة من يبتعدون عنها بالقول ، وينهلون منها بالفعل ، ويحلمون بها طوع بنانهم بالحكم ، ويفزعونها ويفزعون إليها بخلط أوراق الدين بالسياسة ، والسياسة بالدين ، والعنف بالموعظة ، والموعظة بالطمع ، والطمع بالمزايدة ، والمزايدة بشراء الذمم ، وأبواب شراء الذمم في حياتنا شتى ، فقد عرفنا في السنوات الأخيرة مناصب المستشارين للبنوك ( الإسلامية ) ، والشركات ( الإسلامية ) ، ورحلات الشتاء والصيف للدول ( الإسلامية ) ، للتعرف على مسار التجربة ( الإسلامية ) ، وللحصول على بعض الأموال الزكاة لتوزيعها على ( المسلمين ) في مصر ، أو إنفاقها على أمور الدعوة ( الإسلامية ) .

    ونحن في هذا لا نتحدث من فراغ ، أو عن هين من المال أو يسير، ودليلنا نأخذه من ألسنتهم ، فقد صرح حافظ سلامة للصحف بأنه جمع لبناء مسجد النور مليون ونصف مليون جنيه من تبرعات ( المسلمين ) في الخليج في رحلة له إلى هناك لمدة أسبوع ، واستنكر أحد كبار رجال الدعوة ما نشره الأهرام الاقتصادي عن أنه حصل على عشرين ألف دولار سنوياً كمكافأة استشارية وطالب بتصحيح ما نشر لأن المبلغ ثلاثون ، وإذا أمطرت سماء ( الدعوة ) ألوفاً بالعشرات في الداخل ، وبالمئات في الخارج ، فلا جناح عليهم إن هاجمونا ، ولا تـثريب عليهم إن كفرونا ، ولا بأس عليهم إن قاتلونا ، ولا غرابة إن خرج علينا بعض الساسة بالنقد تملقاً ومزايدة ، ولو شئنا الاستطراد في هذا الباب لأفضنا ، لكنا نشعر أننا أرهقنا القارئ وربما أصبناه بالملالة ، فقد أطلنا في قراءتنا الجديدة للأوراق القديمة ، ووجدنا أنها وثيقة الصلة بما نراه في أيامنا المعاصرة .

    ولعلنا نمسك عن الاستطراد على وعد بكتابات قادمة ، نتحدث فيها عن الرشيد وما أدراك ما الرشيد ، وعن المأمون وما أدراك ما المأمون ، وعن المعتصم وما أدراك ما المعتصم ، أما الواثق ، وهو آخر خلفاء العصر العباسي الأول ، فلا أحسب أنني أستطيع مع سيرته صبراً ، ولا أحسب أن القارئ سوف ينسى بسهولة ما سأذكره عنه ، فقد فتح باباً جديداً من أبواب الخلافة ( الإسلامية ) ، وسلك مسلكاً فريداً من مسالك الخلفاء أو أمراء المؤمنين ، وخلد سيرته نثراً وشعراً ، وحكم قرابة الست سنوات منتقلاً من غلام إلى غلام ، ونعيدها حتى لا يشك القارئ في صحة ما ذكرناه أو يتصوره خطأ مطبعياً نقول :

    من غلام إلى غلام ، فقد كان عاشقاً صباً للغلمان ، ملكوا وجدانه ، وأذابوا مشاعره تولهاً وصبابة ، وكان منهم غلام ( مصري للأسف ) ، اسمه ( مُـهَج ) ، لعب بعواطف الواثق كما شاء ، وتملك مشاعره وتلاعب بوجدانه كما يريد ، إن رضى عنه استقامت أحوال الدولة واستقر شأن الحكم ، وإن تدلل عليه أو صده فالويل كل الويل للمسلمين ، والثبور وعظائم الأمور لمن يشاء حظه العاثر أن يلقي الواثق أو يقف أمامه أو يحتكم إليه .

    ولعل من يرددون دون وعي أو ملل، أن حضارة الغرب قد أباحت الشذوذ الجنسي ، يتيهون الآن بأن دورنا لم يقتصر أبداً على النقل من الغرب ، لأنه لو صح ما يدعون ، وهو غير صحيح ، لانعقدت لنا الريادة ، وكان لنا قصب السبق دون شك ، وهل لدى الغرب حاكم مثل الواثق ، وهل في تاريخهم كله خادم مثل مهج ، يخلب لب الخليفة ، فيصرفه عن شئون الدنيا ، ناهيك عن شئون الدين ، فينصرف إليه ، وتجود قريحته بالشعر عليه ، فيردد على إيقاع أيدينا وهي تضرب كفاً بكف :

    مهج يملك المهج بسجي اللحظ والدعج

    حسن القد مخطف ذو دلال وذو غنج

    ليس للعين إن بدا عنه بالحظ منعرج

    ( تاريخ الخلفاء للسيوطي. ص342 )

    ويعرف مهج قدر نفسه عند الخليفة الواثق ، فيبتدره يوماً في الصباح ، وهو جالس بين حاشيته ، ويمضي إليه متـثـنياً ، منكسر النظرة ، مترنح الخطوة ، مترجرج الأعطاف ، ويناوله ورداً ونرجساً ، وتصور أنت أيها القارئ حال الواثق أمام كل هذا الهول ، واعذره إن استخف به الطرب فنسى الحاشية والمجلس ، وأنشد وعيناه ترنوان إلى مهج :

    حياك بالنرجس والورد معتدل القامة والقد

    فألهبت عيناه نار الهوى وزاد في اللوعة والوجد

    أملت بالملك له قربه فصار ملكي سبب البعد

    ورنحته سكرات الهوى فمال بالوصل إلى الصد

    إن سئل البذل ثنى عطفه وأسبل الدمع على الخد

    غر بما تجنيه ألحاظه لا يعرف الإنجاز للوعد

    مولى تشكي الظلم من عبده فأنصفوا المولى من العبد

    ويا سبحان الله ؛ ما أشعر الواثق وما أرق ألفاظه وما أدق وصفه للحظة العشق العظيم ، حين يسيل دمع مهج علي خده ، فلا يدري الواثق أهو دمع الهوى أم دمع الصد ، وماله لا يفعل ذلك ، وهو صاحب القد المعتدل ، المترنح في خطوة بسكرات الهوى ، ذلك الذي يعرف وصله من صده ، الظالم لعبده ( خليفة المسلمين ) ذلك الذي يستنجد بالرعية أن تنصفه من مولاه ( مهج ) ، المغرور بسهام ألحاظه ، المنكر للوعد دائماً ، أما الوعد فيسير إدراكه على خيال القارئ ، وعسير إدراكه على الأتقياء المصدقين للمتنادين بعودة الخلافة ، الخالطين بين حلم رائع في خيالهم ، بثـته عقيدة عظيمة ، وبين حقيقة مفزعة تكشفها لهم صفحات التاريخ ، وألحاظ مهج ، وخلاعة الواثق ، وفقه معاصريه من الجبناء وجبن معاصريه من الفقهاء .

    هذا عن مهج حين يرضى ، فماذا عنه إن غضب .. يا ألطاف الله ، حدث ذلك يوماً ، حين فقد الواثق عقله فأغضب مهج ، وفي اليوم التالي طار لب الواثق ، وتعطلت مصالح الدولة ، وخشي كبار الدولة أن يدخلوا على الواثق في حالته تلك ، ولم يكن لأحد أن يتوقع خيراً إن لاقاه أو حاكاه ، وأدرك الجميع أن السر لدى مهج ، فدسوا عليه بعض الخدم ليسألوه فأجابهم ( والله إنه – يقصد الواثق – ليروم أن أكلمه من أمس ، فما أفعل ) .

    يا للكارثة ، ويا لصعوبة ما أعانيه بحثاً عن ألفاظ تليق بجلال الموقف ورهبته ، وعذاب الواثق وغضبته ، وقد نقل إليه حديث مهج فأنشد من جديد قائلاً :

    يا ذا الذي بعذابي ظل مفتخرا ما أنت إلا مليك جار إذ قدرا

    لولا الهوى لتجارينا على قدر وإن أفق منه يوما ما فسوف ترى

    ولحسن حظ مهج ، وسوء حظ الطالبين بعودة الخلافة لم يفق الواثق أبداً ، بيد أن البعض قد يتصور أن عمر خلافة الواثق قد ضاع على مهج وأمثاله ، لكن ذلك لم يكن صحيحاً ، فقد كان للواثق وجه آخر ، يحلو له أن يخرج به على الرعية ، ويبدو فيه حامياً لذمار العقيدة ، ومناضلاً من أجل صحيح الدين ، فقد انتصر للمعتزلة كما فعل والده المعتصم ، الذي عذب ابن حنبل لقوله بأن القرآن ليس بمخلوق ، ويروي عن الواثق أنه أحضر أحمد بن نصر الخزاعي أحد كبار رجال الحديث في التاريخ الإسلامي ، من بغداد إلى سامرا ، مقيداً في الأغلال ، وسأله عن القرآن فقال : ليس بمخلوق ، وعن الرؤية في القيامة فقال : كذا جاءت الرواية ( فثار الواثق ودعا بالسيف ، وقال : إذا قمت فلا يقومن أحد معي ، فإني أحتسب خطاي إلى هذا الكافر الذي يعبد رباً لا نعبده ، ولا نعرفه بالصفة التي وصفه بها ، ثم أمر بالنطع فأجلس عليه وهو مقيد ، فمشى إليه ، فضرب عنقه ، وأمر بحمل رأسه إلى بغداد ، فصلب بها وصلبت جثته في ( سر من رأى ) ، واستمر ذلك ست سنين إلى أن ولي المتوكل ، فأنزله ودفنه ولما صلب كتبت ورقة علقت في أذنه ، فيها : هذا رأس أحمد بن نصر بن مالك ، دعاه عبد الله الإمام هارون إلى القول بخلق القرآن ونفي التشبيه ، فأبى إلا المعاندة ، فعجله الله إلى ناره ) .

    وتأملوا معي التناقض بين حديث مهج وحديث الخزاعي ، وفاضلوا بين مصير مهج ومصير الخزاعي ، وقارنوا بين الواثق وبين كثيرين ممن نعرفهم ونسمع منهم ، ونرى لهم كما رأينا للواثق وجهين لا صلة بينهما ولا رابطة ، فهم يقضون ليلهم بين الكأس والندماء ، وما أن يسفر الصبح حتى ينطلقوا إلى صفحات الصحف ومنتديات السياسة ، ينادون بالتطبيق الفوري للشريعة ، فإذا سألتهم ابتسموا ، وأنكروا عليك جهلك بالسياسة وفعال الساسة ، وكتموا في أنفسهم رأيهم فيك ، وهو أنك غر حديث التجربة ، لن تتعلم بعد كيف تتعامل مع الشارع المصري ، فتقول شيئاً وتعني شيئاً ثانياً وتفعل شيئاً ثالثاً ..

    وإذا كان الواثق قد تألق في صولاته بين الغلمان ، وإذا كان يستحق بجدارة أن يوصف في جولاته بأنه فارس الميدان ، فإنه – إنصافاً له لم يكن فارس الميدان الوحيد ، فقد ذكرنا طرفاً عن التلوط في عهد الوليد بن يزيد ، ولم نذكر شيئاً عن عهد الأمين( ابن الرشيد ) الذي ( ابتاع الخصيان وغالى بهم وصيرهم لخلوته ورفض النساء والجواري ) ( تاريخ الخلفاء للسيوطي – ص301 ) ، وكما تعلق قلب الواثق بمهج تعلق قلب الأمين بكوثر ، وقال بعض الشعراء عن عصره :

    أضاع الخلافة غش الوزير وفسق الأمير وجهل المشير

    لواط الخليفة أعجوبة وأعجب منه خلاق الوزير

    فهذا يدوس وهذا يداس كذاك لعمري خلاف الأمور

    ولما هاجم المأمون الأمين ، ( خرج كوثر خادم الأمين ليرى الحرب ، فأصابته رجمة في وجهه ، فجعل الأمين يمسح الدم عن وجهه ثم قال :

    ضربوا قرة عيني ومن أجلي ضربوه

    أخذ الله لقلبي من إناس حرقوه

    ولم يقدر على زيادة فأحضر عبد الله التيمي الشاعر فقال له : قل عليهما ، فقال :

    ما لمن أهوى شبيه فبه الدنيا تتيه

    وصله حلو ، ولكن هجره مر كريه

    من رأى الناس له الفضل عليهم حسدوه

    مثل ما قد حسد القائم بالملك أخوه

    فأوقر له ثلاثة بغال دراهم . وهكذا انشغل الأمين عن الحرب ، وعن سقوط حكمه ، بجرح حبيبه وخليله كوثر ، ذي الوصل الحلو ، والصد المر ، والهجر الكريه ، وماله لا يفعل ذلك وهو قائل في وصف كوثر :

    ما يريد الناس من صب بما يهوى كثيب

    كوثر ديني ودنياي وسقمي وطبيبي

    أعجز الناس الذي يلحي محبا في حبيب



    يا حبيبي !! يا أمير المؤمنين ، ما أرقك وما أطيب وصلك ، لولا أنها خلة تشين في أي عرف ، ناهيك عن أي دين ، ولولا أن عشق الغلمان ، يقود إلى بنت الحان ، وإلى الطرب بالألحان ، وإلى القول بما نمسك عنه ، ونفزع منه ، غير أن رحمة الله قد وسعت الأمين في دنياه من باب آخر فلم تذكر لنا صفحات التاريخ أن فقيها أفتى بحل قتله ، أو حرمة ما أتاه ، أو إفك ما فعله ، غاية ما في الأمر أنهم قالوا عنه شعراً بعد وفاته ، ربما بعد تيقنهم من سيرة المأمون المختلفة ، وإتيانه للأمور من قبل ، واهتمامه بشئون الحكم وعمارة البلدان ، وليس بالخمر والغناء والغلمان ، فقالوا في الأمين غداة وفاته :

    لم نبكيك ؟ لماذا ؟ للطرب يا أبا موسى وترويج اللعب

    ولترك الخمس في أوقاتها حرصا منك على ماء العنب

    وشنيف أنا لا أبكي له وعلى كوثر لا أخشى العطب

    لم تكن تصلح للملك ولم تعطك الطاعة بالملك العرب

    وهكذا ، أدرك الشعراء فقط بعد موت الأمين ، أنه لم يكن يصلح ، وتنادوا بأنه لم يبايع بالطاعة من العرب ، على خلاف الحقيقة ، وتذكروا أنه كان يترك الصلوات الخمس ، وكان متفرغاً للطرب ولماء العنب ، وليس هذا بغريب علينا ، فحتى في عصرنا هذا لا يتذكر البعض مثالب الحكام إلا بعد وفاتهم ، واستقرار الحكم لمن يليهم ، ولعل القارئ يشاركني في أن حكامنا أرحم ، فليس بين مستشاريهم كوثر أو شنيف ، أو مهج أو وصيف ، وليس في أقوالهم وصل للغلمان ، أو وصف لبنت الحان ، وليس في علاقتهم بوزرائهم والمشيرين عليهم ما شاب علاقة الخلفاء العباسيين بوزرائهم ومستشاريهم ، ومعذرة لهذا القاموس الكريه ، فإناء الخلافة ينضح على أوراقنا بما فيه ، بل إن شئنا الدقة إناء العصر ، ويكفينا أن نذكر أن الأمين كان متبعاً ولم يكن مبتدعاً .

    " فأبو حيان التوحيدي يحدثنا أنه كان في بغداد خمسة وتسعون غلاماً جميلاً يغنون للناس ، وأنه كان صاحب صبي موصلي مغن ، ملأ الدنيا عيارة وخسارة ، وافتضح أصحاب النسك والوقار ، وأصناف الناس من الصغار والكبار ، بوجهه الحسن ، وثغره المبتسم ، وحديثه الساحر ، وطرفه الفاتر ، وقده المديد ، ولفظه الحلو ، ودله الخلوب .. يسرقك منك ، ويردك عليك .. فله حالات ، وهدايته ضلالات ، وهو فتنة الحاضر والبادي " .

    كما يحدثنا عن علوان غلام ابن عرس ، فإنه إذا حضر وألقى إزاره ، وحل أزراره ، وقال لأهل المجلس : اقترحوا واستفتحوا فإني ولدكم ، بل عبدكم لأخدمكم بغنائي ، وأتقرب إليكم بولائي ،... لا يبقى أحد من الجماعة إلا وينبض عرقه ، ويهش فؤاده ، ويذكو طبعه ، ويفكه قلبه ، ويتحرك ساكنه ، ويتدغدغ روحه الخ "

    وتفننوا في أسماء الغلمان بما يدل على مقصدهم، فسموا بـ " فاتن " و" رائق " و " نسيم " و " وصيف " و " ريحان " و " جميلة " ، ( هكذا بأداة التأنيث ) ، و " بشرى " ( ظهر الإسلام – أحمد أمين الجزء الأول – ص132 نقلاً عن الامتناع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي )

    أحسب أن ما سبق يغني عن التعليق ، بل لعله يغري بالتعليق ، ولو لم نوثـقه لعجز الكثيرون عن التصديق فهذا غلام اسمه ( جميلة ) ، وذاك غلام اسمه ( فاتن ) ، وهذا يلقي إزاره ، وذاك يحل أزراره ، وأصحاب النسك والوقار يفتضحون ، وينبض عرقهم ، ويتحرك ساكنهم ، وهو يداعب شذوذهم ، فيناديهم يا أسيادي ، أنا عبدكم وولدكم ، وكلما زاد في مداعبته زاد نبض عروقهم ، وزاد تحرك ساكنهم ، لهذا الذي حاله حالات ، وهدايته ضلالات ، ولا حول ولا قوة إلا بالله القادر على كل شيء ، ولعل من المستحسن هنا أن نذكر أن الأمين وغيره من الخلفاء ، فعلوا ما فعلوا بتشجيع الفقهاء ، الذين أنزلوهم منازل من يستخلفهم الله في أرضه ، ويجعل لهم نوراً يضيء ويبين لهم ( لاحظ أن الذي يبين لهم هو الله جل جلاله ) ما يشتبه عليهم ، ومثل هذا الخليفة الذي ينير الله له طريقه ، ويوحي إليه بالحق ويرشده سواء السبيل ، يصعب على فرد من الرعية أن يذكر شيئاً مما سبق عنه ، أو يصدق شيئاً مما سبق منقولاً عن الرواة ، أو يستمع إلى شيء مما سبق دون أن يستغفر الله ، نافياً أنه جل شأنه يهدي خليفته إلى شيء من هذا أو بعض من ذاك ، فالله أجل وأعز ، والخليفة أعلى وأرفع ، ومن يا ترى يتصدر لرفع الخلفاء إلى موضع ( من لا يسأل عما يفعل ) ( العبارة بين القوسين مقصودة ، ولعل البعض يتذكرها تحت قبة مجلس الشعب المصري منذ سنوات . )

    المفزع أن من يتصدر لذلك دائماً أعلى الفقهاء شأناً ، وأكثرهم علماً وأفقههم في الدين ، فقد ذكر ( أبو يوسف ) أشهر تلاميذ أبي حنيفة وأنبغهم وفقيه عصره بلا مراء ، في مقدمة كتابه الشهير ( الخراج ) موجهاً حديثه إلى الرشيد ( أن الله بمنه وعفوه جعل ولاة الأمراء خلفاء في أرضه ، وجعل لهم نوراً يضيء للرعية ما أظلم عليهم من الأمور فيما بينهم ، ويبين ما اشتبه من الحقوق عليهم ) ( مقدمة كتاب الخراج – أبو سيف.)

    وهي عبارات تذكرنا بالمثل الشعبي السائر ، ( يا فرعون من فرعنك ) ، وهي عبارات نهديها لمن يردون علينا بأن من سبق من الخلفاء ، إنما خرجوا على الدين ، وبالتالي فلا علاقة بين ما فعلوه وبين الدين أو الحكم بالدين ، فلعلهم يدركون الآن أن من خرج على الدين إنما خرج بفتوى رجال الدين ، وأن وطد الأمر إنما كان الحكم بالدين .

    هنا أتوقف مضطراً تحسباً من الملل وتخوفاً من الإطالة ، بل لعلي أطلت بالفعل ولسبب آخر هو أن استطرادي بعد ذلك في حديث الخلفاء في العصر العباسي الثاني سوف يستنكره الكثيرون ، لأنه حديث خلفاء إمعات ، لا يملكون من أمرهم شيئاً ، وقد يفسره البعض بأنه تصيد للأخطاء أو اصطياد في الماء العكر ، وهو ما ليس في طبعنا أو من طبيعتنا ، ويكفي أن ثلاثة منهم ، خلعوا وسلمت أعينهم وعاصروا بعضهم البعض ، ( وهم القاهر والتقي والمستكفي ) .

    ووصل الأمر أن شوهد أحدهم ( القاهر ) وهو يشحذ على باب أحد المساجد ، مسمول العينين ، منادياً : ( تصدقوا علي فأنا من عرفتم ) ، وهو نفسه من ( أمر بتحريم القيان والخمر، وقبض على المغنين ، ونفى المخانيث ، وكسر آلات اللهو وأمر ببيع المغنيات من الجواري على أنهن سوادج ، وكان مع ذلك لا يصحو من السكر ، ولا يفتر عن سماع الغناء ) ( تاريخ الخلفاء للسيوطي ص387 ) .

    ومن أطرف ما حدث لأحدهم ( الطائع ) أن وزيره بهاء الدولة دخل عليه ، وقبل الأرض بين يديه ، فمد الطائع يده إليه مسلماً فجذبه من على كرسي الخلافة وأعلن خلعه ، ومع أمثال هؤلاء لا يجدي الحديث ، وإنما يجدي البكاء ، ويحمد الله على البلاء .

    وأخيراً ، وبعد ما سبق كله ، وعلى الرغم مما سبق كله ومع علم بعضهم به ، ولجهل البعض الآخر بأمره ، يتنادون بالخلافة !!


    * * * * * *

    ونوجز ما توصلنا إليه من نتائج فيما يلي :

    أولاً :

    أن الخلافة التي نعتوها بالإسلامية هي في حقيقتها خلافة عربية قرشية ، وأنها لم تحمل من الإسلام إلا الاسم ، وأن دعوى إحيائها من جديد تبدو أكثر تناسقاً مع منهج القومية العربية والدعوة للوحدة بين أقطار العرب ، منها إلى الدعوة لدولة دينية إسلامية ، وبهذا المنطق نقلبها على أساس كونها دعوة سياسية بحتة ، إن استهدفت التوحد فعلى أساس المصلحة ، وإن توجهت للتكامل فعلى أسس حضارية عقلانية ، وإن استلهمت التاريخ فعلى أساس وطيد من ( الجغرافيا ) .

    ثانياً :

    أن الإسلام دين لا دولة ، وعلى المحتج علينا بالعكس ، أن يرد علينا بحجة التاريخ ، وليس أقوى من التاريخ حجة ، أو أن يعرض علينا منهجه في إقامة الدولة على أساس الإسلام ، وليس أقوى من تهافت ما قدم إلينا حتى الآن من أفكار حجة على المدعين أن الإسلام دين ودولة ، ومصحف وسيف ، ليس هذا فحسب بل أننا نعتقد أن الدولة كانت عبئاً على الإسلام ، وانتفاضاً منه وليست إضافة إليه ، ولسنا في حاجة بعد الصفحات السابقة إلى دليل .

    ثالثاً :

    إن الفرق بين الإنسان والحيوان ، أن الأول يتعلم من تجاربه ، ويختزنها مكوناً ما نعرفه باسم ( الثقافة ) ويبدو أن المنادين بعودة الخلافة يسيئون بنا الظن كثيراً ، حين يدعوننا إلى أن نجرب من جديد ما جربناه من قبل ، وكأن تجربة ثلاثة عشر قرناً لا تشفع ، أو كأنه يفزعهم أن تسير على قدمين ، فيطالبونا بالسير على أربع .

    رابعاً :

    إن الثابت لدينا من قراءتنا للتاريخ الإسلامي أننا نعيش مجتمعاً أرقى بكل المقاييس ، وعلى رأسها مقاييس الأخلاق ، وهو مجتمع أكثر تقدماً وإنسانية فيما يختص بالعلاقة بين الحاكم والرعية ، وأننا مدينون في ذلك كله للثقافة الإنسانية التي لا يرفضها جوهر الدين ، ولحقوق الإنسان التي لا تتناقض مع حقوق الإسلام .

    خامساً :

    إن التاريخ يكرر نفسه وكأنه لا جديد ، غير أننا لا نستوعب دروسه ، ونركز في دراستنا له على أضعف جوانبه ، وهو جانب الفكر الديني ، ونحن في دعوتنا لدراسة التاريخ والاستفادة من دروسه ، لا نكرر خطأ المتطرفين حين يدعوننا إلى منهج النسخ الكربوني وإنما ندعو إلى ترجمة حوادث التاريخ بمصطلحات الحاضر ، وإلى الاستفادة من دروسه بأسلوب العصر، ولكي نؤكد للقارئ أن التاريخ يعيد نفسه، ندعوه إلى قراءة ما ذكره ابن الأثير تحت عنوان ( ذكر فتنة الحنابلة ببغداد ) حيث قال ( الكامل في التاريخ – ابن الأثير – الجزء السادس ص24

    ( وفيها – يقصد سنة 323هـ في خلافة الراضي – عظم أمر الحنابلة وقويت شوكتهم وصاروا يكبسون من دور القواد والعامة ، وإن وجدوا نبيذاً أراقوه ، وإن وجدوا مغنية ضربوها وكسروا آلة الغناء ، واعترضوا في البيع والشراء ، ومشى الرجال مع النساء والصبيان ، فإذا رأوا ذلك سألوه عن الذي معه من هو ؟ فإن أخبرهم وإلا ضربوه وحملوه إلى صاحب الشرطة وشهدوا عليه بالفاحشة فأرهجوا بغداد ) .

    ولنا أن نسأل القارئ : ماذا لو استبدلنا بغداد بأسيوط ، والحنابلة بالجماعات الإسلامية ، وعام 323هـ بعام 1986 ، ثم قرأناه من جديد ؟ ، غير أن ذلك كله كان في خلافة الراضي ، حين اهتزت هيبة الحكم ، وعجز عن استخدام أدواته ، التي كانت نطعاً وسيفاً في عصره . بينما أدواتنا اليوم هي الدستور والقانون والديمقراطية الكاملة ، وهي أدوات لا يعيبها إلا عدم الاستخدام في أغلب الأحيان .

    سادساً :

    إن تنامي الجماعات الإسلامية وتيارات التطرف السياسي الديني في مصر ، يعكس تأثير التربية والتعليم والإعلام في مجتمعاتنا ، حيث التفكير دائماً خاضع للتوجيه ، والمنهج دائماً أحادي التوجه والاتجاه ، والوجه الواحد من الحقيقة هو الحقيقة كلها ، وما سبق عرضه في هذا الكتاب لا يزيد عن محاولة لعرض الحقيقة المتكاملة ، الأمر الذي يدعو إلى التفكير ، وهو أمر جد مختلف عما يدفع إليه المنهج السائد إعلامياً ، والذي لا يعرض من الحقيقة إلا الجانب المضيء ، ولا يعلن من الآراء إلا رأياً واحداً ، ولا يدفع المواطنين إلا إلى اتجاه واحد ، وهو من خلال ذلك كله يهيء الوجدان لقبول التطرف ، ويغلق الأذهان أمام منطق الحوار.

    سابعاً :

    إن الإسلام على مفترق طرق ، وطريق منها أن نخوض جميعاً في حمامات الدم ، نتيجة للجهل وضيق الأفق وقبل ذلك كله نتيجة لانعدام الاجتهاد المستنير، وطريق آخر أن يلتقي العصر والإسلام ، وذلك هين يسير ، وسبيله الوحيد هو الاجتهاد المستنير ، والقياس الشجاع ، والأفق المتنور ، ولست أشك في أن البديل الثاني هو الوحيد ، وهو الذي سيسود رحمة من الله بعباده ، وحفظاً منه لعقيدته ، غير أن أخشى ما أخشاه أن يطول الانتظار ، وأن يحجم الأخيار ، وأن يجبن القادرون ، وأن ينجح المزايدون في دفع العجلة إلى الوراء ، ولو إلى حين ، لأن المجتمع كله سوف يدفع ثمن ذلك ، وسوف يكون الثمن غالياً .

    ثامناً :

    إن ما عرضناه من تفاصيل وما ناقشناه من وقائع لم يكن هو القصد ، بل كان قصدنا أن نعرض منهجاً للتفكير ، يسمح باستخدام العقل في التحليل ، والنطق في استخلاص النتائج ، والشجاعة في عرض الحقيقة دون زيادة أو نقصان ، ولا نحسب أننا في هذا مبتدعون بل نحن متبعون لما أملاه علينا إخلاصنا للعقيدة وولاؤنا للوطن ، وانتماؤنا للمستقبل .
                  

08-31-2005, 05:46 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجع وكتب توثق للتاريخ الاسلامي (Re: Sabri Elshareef)

    هذا تحليل الكاتب الشهيد فرج فوده رحمه الله مات برصاص الهوس الديني والعقل المغلق ولقد بحث ونقب وهدانا للكتب المفيدة
                  

08-31-2005, 09:23 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجع وكتب توثق للتاريخ الاسلامي (Re: Sabri Elshareef)

    عن السرايا التى أُرْسِلَتْ إلى القبائل :


    أ ـ يأتى فى البدء الظفر بالغنائم فهو قاسم مشترك مع الأول " التعرض لقوافل أهل مكة " والعنصر المادى عامل فى غاية الخطورة ويتوجب أن يتوافر للمنازيح فى أقرب آونة ، لأن المليط من النشب الصفر اليدين من المال ، الخالى الوفاض ، المملق تراه زائغ البصر، مشوش الفكر، نفسيته محمومة ووجدانه مضطرب ، ومثله لانفع منه فى شأن دينى ولا رجاء فى أمر دنيوى .. خاصة أنهم ( = المنازحين ) جرثومهم من " أى أصلهم وأسّهم " من سخينة. [ هى قريش ، هكذا وصفها كعب بن مالك فى إحدى هجائياته للمكاكوة وقد أعجب الحبيب بهذا الوصف وهذا الشعر وقال له: ما نسى ربك وما كان ربك نسيًا شعرًا قلته ـ انتهى. ومالك أحد شعرائه المدافعين عنه مثل حسان بن ثابت وكعب بن زهير ـ دلائل إعجاز القرآن: لعبد القاهر الجرجانى ـ قراءة وتعليق أبو فهر محمود محمد شاكر ـ ص 17 ـ طبعة سنة 2000 ـ مكتبة الأسرة ـ الأعمال الدينية ـ الهيئة المصرية العامة ].


    وقد وصف الذكر الحكيم بنى سحينة أنهم: { وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلا لَّمًّا. وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا } [ سورة الفجر: 19، 20 ].


    ب ـ نشر الديانة الإسلامية التى جاء بها " النذير " ، ففى حديث محمدى لامطعن عليه ورد فى صحبح مسلم أن أُمِر أن يقاتل لناس حتى ينطقوا باشهادتين فإن فعلوا عصموا دماءهم وأموالهم، وكذا آية السيف { وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ } [ البقرة : 191 ]. التى هى باتفاق مدنية وهناك من رأى أنها أشرقت فى رحلة النزوح ما خلا بضع آيات.


    ونحن ملزمون باحترام اتفاق العلماء الأثبات على أنها مدينة إذن هى باستنطاق وقائع السرايا والمغازى والبحوث .. قد هلّت قبل تحريكها أو تسييرها أو استنهادها، ومن ثم قرأنا فى أخبار بعضها لا كلها أن قائد أو أمير وأعضاء السرية ملزم بدعوة المغزوين أو المصبحين " بفتح الباء مع التشديد " أو المهاجَمين " بفتح الجيم " إلى الدخول فى دينهم ـ دين الإسلام ، فإن فعلوا شملتهم عصمة الأبشار والأموال وإن استكبروا أعملوا فيهم السيف فقتلوا رجالهم عن بكرة أبيهم وأسروا من استأسر " رفع الراية البيضاء" واسترقوا ذراريهم وفتياتهم ونسوانهم فإما استبقوهن للمتعة أو الخدمة وإما باعوهن فى أسواق النخاسة واستوفوا أثمانهن.


    وفى كلتا الحالتين هم الكاسبون فإن لم يذعن المغزون فى عقر ديارهم وأبوا الإيمان بعقيدتهم غنموا الأموال والأسرى " الرجال" والنساء الفتيات والذرية أما إن أسلموا فعليهم بالظعن إلى أثرب لأن الإسلام لم يتم إلا به ، فهذه قاعدة أصلها حديث محمدى شريف فى غاية الصحة، وهنا يغدو الرجال قوة تضاف إلى جيش المسلمين ويفرز اتساعًا لرقعة الإسلام كما يؤدى إلى موازنة تدريجية بين عدد المنازيح وعدد الأثاربة وفيه ترسيخ لمركز " خيرة خلق الله" وهو يعمل بهمة قعساء على إنشاء دولة قريش ـ حلم أجداده قصى وهاشم وعبد المطلب.


    ج ـ إشعار القبائل فى كافة أنحاء الجزيرة العربية المباركة بأن نجم بنى سخينة أو المكاكوة أو طواغيت قريش فى أفول ومنعتهم فى طريقها إلى الضمور وضوءهم فى ذبول ومكانتهم فى انحدار، ومن ثم فعلى كل قبيلة تحكيم عقلها فلا تختار الجانب الذى يتدحرج بسرعة نحو الهاوية.

    د ـ فى صفحات السير المحمدية العظيمة بضعة أخبار عن عدد من زعماء القبائل ممن راودته نفسه الأمارة بالسوء ووزّه طموحه الأرعن ودفعه شيطانه المريد أن يسيطر على الجزيرة العربية فيسمى هو عميدها وسيدها وملكها وينافس " ذروة سنام بنى إسماعيل".


    بيد أن توالى السرايا والغزوات والبعوث والفرق ومهمتها التصفية الجسدية للمناوئين يقطع دابر أحلام أولئك الطائشين ويقنعهم بأنها مجرد أضغاث أحلام أو هى رؤى يقظة لا صلة لها بالواقع وأن وشيجتها بالحقيقة مهترئة وحبلها بالأوضاع الرواهن ذائب.


    هـ ـ هناك حصيلة مؤكدة من الغزوات والسرايا والبعوث وهى أسر نسون وفتيات الأعادى الذين لا يستسلمون ولا يسلمون بل يظلون على عنادهم ويتشبثون بكفرهم ، ومن بين هاتيك المأسورات الحسناء والوضيئة والفائقة الجمال والبالغة القسامة ومثلهن لا كفئ لهن إلا " صاحب التاج والبراهين". وقد نسخنا فيما سلف أن جويرية بنت الحارث سيد بنى المصطلق وصفتها بنت ابن أبى قحافة أنها حلوة ملاحة تأخذ بنفس من يقع بصره عليها وأن حدسها " عائشة" لم بنزل الأرض فلما جاءت إليه تستعينه على أداء مكاتبتها " ثمن عتقها" للصاحب الذى وقعت فى قرعته " حظه ونصيبه" عرض عليها أن يعتقها وينكحها هو فقبلت على الفور لأنه شرف لم يخطر لها فى يقظة ولم تره فى نومة.
                  

08-31-2005, 09:26 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجع وكتب توثق للتاريخ الاسلامي (Re: Sabri Elshareef)

    1ـ " كتاب المغازى" للواقدى ـ الجزء الأول ـ ص14 وما بعدها، مصدر سابق.


    2 ـ " تاريخ الطبرى" لابن جرير ـ الجزء الثانى ـ ص 412 وما بعدها، مصدر سابق.


    3 ـ " سيرة ابن هشام " تحقيق د / السرجانى ـ الجزء الثانىـ ص 175 ـ طبعة 1978 المكتبة التوفيقية / مصر.


    4 ـ " إمتاع الأسماع" للمقريزى 848هـ ـ تحقيق محمد عبد الحميد النميسى ومرجعه د/ محمد جميل غازى ـ الجزء الأول ـ ص 69ـ الطبعة الأولى 1401هـ / 1981م، الناشر: دار الأنصار بالقاهرة. ].
                  

08-31-2005, 09:36 PM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مراجع وكتب توثق للتاريخ الاسلامي (Re: Sabri Elshareef)

    الظهار


    اتسمت نظرة أولئك العربان للمَرَة الدونية تمثلت فى أمور عديدة منها حرمانها من الميراث لأنها تشارك فى غزوات النهب والسلب ولا طاقة لها بالدفاع عن حمى القبيلة ( ولو أن المسالة تحتاج إلى دراسة أعمق ا.هـ. ) وكذلك فى سهولة فصم عروة الزوجية التى من المفروض أن لها قدرًا من القدسية.

    ومن بين صور مفارقة الزوجة عندهم ( الظهار ) وهو أن يقول الواحد منهم لحليلته أنت عَلَىّ كَظهر أمى فَتُعدّ طالقًا لأنه كما لا يحل له أن يعتلى أمه كذلك بتلك الجملة الفلوت غدت زوجته محرمة عليه ولا يحق له أن يمتطيها.


    أوس بن الصامت وهو أثربى وأخو عبادة بن الصامت من مشاهيرهم بعد أن استمرت الزوجية بينه وبين مبعولته خولة بنت ثعلبة وتفانت فى خدمته وخلفت له أولادًا وبدأت التجاعيد تظهر فى وجهها والشَمَط ( اختلاط البياض بالسواد ا.هـ ) يعلو شعرها والوهن يدب فى مفاصلها قرر أن يتخلص منها كيما ينكح جارية ( صبية ) نضرة يتمتع بها مذاكيره فبمنتهى الاستهتار نادى على خولة التى أسرعت تلبى فقال لها: أنت على كظهر أمى. صُدمت الزوجة البائسة فلم تتوقع أن يجازيها هذا الصامت جزاء سنّمار ويطلقها دون جريرة إلا الإخلاص له والتفانى فى خدمته وولده ... وفكرت فى هذه النازلة التى حطت على يأفوخها دون توقع فلم تجد إلا أن تفزع إلى ( المرحمة ) وقصَّت عليه عبث زوجها واستهانته بأقدس علاقة تقوم بين اثنين ومن عمق أساها وغزارة بثها وشدة حزنها نطقت بكلام بليغ أوضح دفين ألمها وشفّ عن مكنون نفسها ورفع الستر عن جبئ إحساسها: ( يا رسول الله أكل شبابى ونثرت له بطنى حتى إذا كبرت سنى وانقطع له ولدى ظاهر منى ). [ أسباب النزول: للواحدى / ولباب النقول للسيوطى ص 164 / والمقبول: للأزهرى ص 639 / ووصف المصنف بأن إسناده صحيح وذكر أنه ورد فى مسند أحمد وفى المستدرك للحاكم النيسابورى وصححه وأقره الذهبى، والبيهقى فى سننه. وقال الجاحظ ( ابن حجر العسقلانى ) فى الفتح ( فتح البارى بشرح البخارى ) هذا أصح ما ورد فى قصة المجادلة وتسميتها ا. هـ. وهكذا حاز الحديث رتبة منيفة فى الصحة ].


    ويتحفنا الفخر الرازى برواية أخرى:

    فظاهر منها فأتت رسول الله ـ ص ـ وقال إن أوسًا تزوجنى وأنا شابة مرغوب فىّ، لما خلت سنى وكثر ولدى جعلنى كظهر أمه وإن لى صبية صغارًا إن ضممتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إلىّ جاعوا .... [ مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير: للإمام فخر الدين الرازى ـ الجزء الثلاثون ـ المجلد الخامس عشر ـ ص 419 ].


    فى هذا الحديث أوضحت الزوجة المغلوبة على أمرها العلة فى الظهار وهى أنها وقت شبابها والرغبة فيها استبقاها حتى شاب رأسها وكبرت سنها وغدت ذات أولاد ومن ثم لم تعد لديها الإمكانات التى بها تعطيه المتعة ففارقها بعبارة من أربع كلمات لكى ينكح فتاة تمنحه ما يرغب.




    *******


    وهكذا يُثبت هؤلاء العَرَبة أن هاجس المعافسة أو الملامسة هو الذى يملأ أدمغتهم الريّة من العلم، المليطة من الفكر، الخالية من الثقافة.


    بعض المفسرين القدامى من جوقة المداحين والطبالين الذين يريدون أن يرفعوا الصحب فوق مستوى البشرية وأعلى من مقام الإنسانية وانهم فى درجة أقرب إلى الملائكة وأن الغرائز والعواطف والنوازع... إلخ يستحيل عليها أن تقترب منهم ، نقول البعض من أولئك نفى عن هذا الأوس الباعث الحثيث الذى دفعه للظهار من بعلته ووصفه بأن عنده لَمَمًا أى مسًا خفيفًا من الجنون أو عدم اتزان وتقدير للأمور على وجهها الصحيح، بيد أن الإمام فخر الدين الرازى أوضح أن الذى هيمن عليه ودفعه لأن يظاهر من زوجته العجوز بأنه ( الإلمام بالنساء وشدة الحرص والتوقان إليهن ). [ المصدر ذاته والصفحة نفسها ].


    ونأمل أن يتفرّس القارئ فى العبارات التى أوردها الفخر فى وصف ذاك الصامت فى ناحية ولعه بالنسوان لأنه يُعتبر نموذجًا لأولئك الأعاريب فى هذا المجال، وتكملة القصة أن خولة اشتكت زوجها و ( أنه ـ ص ـ قال لها ما عندى فى أمرك شئ ). [ المصدر ذاته والصفحة نفسها ].


    لكن ( مأدبة الله ) يستجيب لشكاية خولة على الفور لا على التراخى:


    ( قالت عائشة: فما برحت " خولة " حتى نزل جبريل ـ س ـ ب ـ الآيات ). [ المقبول : ذات الصفحة السابقة، وأسباب النزول: ذات الصفحة السابقة، ولباب النقول : ذات الصفحة السابقة ].


    وهكذا جاءت الآيات الكريمة بالحل فبعد عَدّ الظهار لديهم من أشد صور الطلاق ( قبل الإسلام ) لأنه فى التحريم أوكد ما يمكن، أصبح بعد انبلاح هذه الآيات من اليسير رفعه أو دفعه بالكفارات.


    هذا هو المثل الأول الذي نسوقه فى هذا الفصل:


    ففضلاً عن أن الآيات الأربع أقبلت بناء على شكوى خولة وإنقاذًا لها من الورطة التى أوقعها فيه طيش زوجها ونزقه فإنه ( العروة الوثقى ) أثبت أن عينه الساهرة تلحظ المجتمع وتتفاعل معه وترتبط بعلاقة جدلية حميمة. { بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ . الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ . وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ . فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ سورة المجادلة : 1 ـ 4 ].

    *******

    [ 2 ]

    تحريم الخمر


    انصياعًا لإكراهات المجتمع الذى شبّوا فبه وانسياقًا لموجبات البيئة التى تربوا فيها ونزولاً على أنساق الوسط الذى نشأوا فيه تمكن شرب الخمر من نفوس الصحاب وعدد من مقدميهم.


    ( روى أن آية تحريم الخمر نزلت فى ملاحاة جرت بين سعد بن أبى وقاص ورجل من الأنصار وهما على شراب لهما وقد انتشيا فتفاخرت الأنصار وقريش فأخذ الأنصارى لِحيْى جمل فضرب به انف سعد ففرزه يعنى شقّه ... وروى أن ذلك الأنصارى كان عتبان بن مالك ـ روى ذلك الطبرى والترمذى وغيرهما ). [ أحكام القرآن: لأبى بكر محمد عبداله المعروف بابن العربى ، تحقيق محمد البجاوى ـ المجلد الثانى ـ الطبعة الأولى 1407هـ / 1987م ـ دار المعرفة ودار الجيل ـ بيروت لبنان ].


    ومثال آخر:

    ( روى حميد الطويل عن أنس قال: كنت أسقى أبا عبيدة واُبى بن كعب وسهيل بن بيضاء فى نفر فى بيت طلحة فمر بنا رجل فقال: إن الخمر قد حُرّمت ). [ أحكام القرآن : للكيا الهراسى ـ المجلد الثالث ـ ص 99 ـ مصدر سابق ].


    ومثال ثالث:

    دعا أثربى جماعة من كبار الصحب المنازيح والمقيمين على طعام وشراب فلما حضرت صلاة المغرب فتقدم عبد الرحمن بن عوف ليؤمهم فقرأ { قل يا أيها الكافرون } ولكنه خلط فيها ـ رواه الحاكم فى المستدرك عن طريق الثورى عن عطاء، وقال عن حديث صحيح ولم يخرجاه ( = الشيخان البخارى ومسلم ) [ المقبول للأزهرى ـ هامش ص 211 / أحكام القرآن لابن العربى ـ الثانى ـ ص 657 ].


    وفى رواية أخرى أن الذى أمهم وهم نشاوى آخر غير ابن عوف إنما يُعد من متقديمهم.


    المثال الرابع والأخير:

    آية تحريم الخمر: نزلت فى قبيلتين من الأنصار شربوا الخمر وانتشوا فعبث بعضهم ببعض فلما صَحَوا رأى بعضهم فى وجه بعض آثار ما فعلوا وكانوا إخوة ليس فى قلوبهم ضغائن فجعل الرجل يقول ( لو كان أخى بى رحيمًا ما فعل هذا بى ).


    فحدثت بينهم الضغائن فأنزل الله تعالى: { إنما يريد الشيطان ... } إلى آخر الآية. [ أحكام القرآن لابن العربى ـ المجلد الثانى ـ ص 657، لباب النقول للسيوطى ص77 ].


    نكتفى بهذا لندلل على أن الخمر تغلغل حبها فى أعماق قلوبهم وأنهم لم يكفوا عن تعاطيها إلا بعد شروق آية التحريم: ( أمر رسول الله ـ ص ـ مناديه أن ينادى فى سكك المدينة: ألا إن الخمر قد حُرّم فكُسرت الدنان وأريقت الخمر حتى جرت فى سكك المدينة ). [ المقبول للأزهرى ص 306، أحكام القرآن لابن العربى ـ المجلد الثانى ـ ص 657 ].




    وهذا نص بالغ الثمانة لأنه حمل بين دفتيه معطى عميق الدلالة وهو أن شرب الصريفية ( = الخمر ) منتشر بينهم بكثافة. [ رجعت فى أسماء الخمر إلى كتاب ( نظام الغريب فى اللغة ) تأليف عيسى الربعى الوحاظى الحميرى تحقيق محمد بن على الأكوع ـ ص 94، 95 ـ الطبعة الأولى 1400هـ / 1980م ـ دار المأمون للتراث / دمشق / بيروت ].

    كما منع السكارى من حضور الصلاة خلف ( المرشد / الهادى ) فى مسجده.




    *******


    تفشى معاقرة الخمر ( = القرقف ) من قبل جمهور الصحاب بل وصناديدهم أقلق ( البشير / الحازم ) ومجلس شوراه لأن هؤلاء الصحبة هم أجناده فى نشر الدين وعسكره فى إقامة الدولة ( الحلم ) وقد نسخنا فيما تقدم فى المفتتح كيف تدرّج ( البيان / الصادق ) فى معالجة هذا الأمر بيد أن آية التحريم لم تجئ إلا مُصَلّية وعلى ريث، وفى هذا الإبان أخذ العدوىّ عمر بن الخطاب يتململ ويستعجل الأمر بالكف والنهى عن التعاطى:


    ( عن أبى ميسرة قال: قال عمر اللهم بيّن لنا فى الخمر فَنزلت { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ } النساء 4/ 43 فقال اللهم بيّن لنا فى الخمر فنزلت { قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما } فقال: اللهم بيّن لنا فى الخمر فنزلت { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }المائدة 5/90 إلى قوله { إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ } المائدة 5/91 فقال عمر: انتهينا إنها تذهب المال وتذهب العقل ). [ أحكام القرآن للجصاص ـ المجلد الأول ـ ص 323 ].


    مع ملاحظة أن العبارة التى وردت على لسان العدوىّ عمر تدل على انه من بين من دأبوا على احتساء الكَلفاء ( = الخمر ) ويؤكده ابن العربى بقوله: ( فقال عمر : انتهينا حين علم أن هذا وعيد شديد ) [أحكام القرآن لابن العربى ـ المجلد الثانى ـ ص 657 و أسباب النزول للواحدى ص 139 ].


    ومما له دلالة بالغة هذا الخبر:

    ( فدُعى عمر فقرئت عليه آية { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ } 4/43 فكان منادى رسول الله إذا أقام الصلاة: أن لا يقربن الصلاة سكران، فدُعى عمر فقرئت فقال اللهم بين لنا فى الخمر بيانًا شافيًا فنزلت الآية التى فى المائدة فدُعى عمر فقرئت عليه فلما بلغ { فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ } قال عمر: انتهينا ). [ المقبول للزهرى ص 307 ].


    إن قارئ هذا الخبر لابد أن يتساءل: لماذا العدوى بالذات الذى طُلب وقُرئت عليه الآية؟.

    ربما لاهتمامه الشديد بهذا الأمر وهو عضو بارز فى مجلس الشورى وربما لسبب ىخر لا بخفى على فطانة القارئ الذكى وإن ذكرناه آنفًا.




    وعلى كلٍ فإن الزرجون ( = الخمر ) حتى ذياك الوقت لم تُحرّم أى أنه لا غضاضة على متعاطيها.

    وعمومًا فهذه نقطة هامشية.


    أما الجوهرى فى الأمر هو أن القرآن العظيم تفضّل بآية كريمة حرمت الصرخدية ( = الخمر ) على معتنقى الديانة الإسلامية منذ بزوغها حتى الآن وإلى ما شاء الله، ولا شك أن عمر قلق ومطالبته بورود بيان فى شأنها وإلحاحه فى الرجاء جِماعه يُحسب له ويضيف زَبْرة لرصيد مناقبه، فضلاً على أن الذكر الحكيم كما يتضح لنا يلاحق احوال ذلك المجتمع ويتصل به بحبل متين.




    *******


    [ 3 ]

    إرث النسوان



    قلنا منذ عشرين عامًا إن الدين ثورة على الأوضاع الفاسدة للمجتمع الذى ينبثق فى حناياه ويتولد بين جنباته وينمو بين أضلعه وإن الذين يبشرون به هم ثوار بمعنى الكلمة هدفهم تقويض قواعده المنهارة وتهديم قوائمه المتهالكة وتحطيم أسسه المتهاوية كيما يبنى المبشِّر بالديانة الجديدة مجتمعًا جديدًا فى كل المناحى.


    العقيدة ـ العبادة ـ العلاقات الإجتماعية ـ الروابط الأسرية ـ الأسس الاقتصادية ـ التوجهات السياسية .. تجمعها ( أيديولوجية) ذات خصائص معينة وتنتظمها كما يضم السلك حبات العقد سواء جاءت من جوهر نفيس أو معدن ثمين.


    ما إن يعلن الثائر المبارك صوته المبرور مُعْلِمًا بثورته حتى يَغُدّ إليه المطحونون ويَجْذِم إليه المظلومون ويُوضِع إليه المُعوِزون ويَخَبّ إليه المحتاجون ويُرقَل إليه المعدمون ويهرول إليه المنكسرة قلوبهم حسبما درج على مناداة تبعه ثائر مبرور وأحد البطاركة المرموقين عيسى ابن الصديقة مريم.


    وجِماع هؤلاء أطلق عليهم ( العَلَم العليم ) ( الأراذل ) يؤمنون بثورته ويقفون تحت رايته ويصطفون خلف لوائه ويدافعون عن الثورة بكل ما لديهم وإذ إنهم مَلِطيون من كل شئ فإن ما لديهم يعنى أبشارهم وجشومهم وأرواحهم يقدمونها فَداءً لها وشهادة فى سبيلها وثمنًا لفَلحِها.

    ولكن ما هو التَحضِيْض الذى يُوزّهم إليها؟.


    الإجابة اليسيرة هم يرون فيها: سفينة النجاة مما هم فيه من ظلم وبرّ الأمان مما يعانونه من حرمان والدواء الشافى لكافة الأمراض التى تضربهم والأسقام التى تركبهم والأدْواء التى تنخر فيهم واليد التى سوف تنتشلهم من الوَهْدة التى يتدون فيها .. إلخ.




    وفى مقابلهم يقف الأغنياء والمرابون وتجار الرقيق والطواغيت والمرازبة والجحاجح والبغاة والظلمة والمستكبرون وهم ( الملأ ).


    كما أطلق عليهم القرآن ويفسره الراغب بـ : الذين يملأون العيون رواة ومنظرًا والنفوس بهاءً وجلالاً يناوئون الثائر ويعارضونه بل يحاربونه ويسخرون من تابعيه ويستهزءون من مناصريه ويعبثون بمؤيديه دفاعًا عن أوضاعهم الطبقية وحماية لمصالحهم المادية وتمسكًا بمكاسبهم المالية لأنهم يُنقهون أن دعوته سوف تفقده جمعية ذلك. [ المفردات فى غريب القرآن: للراغب الأصفهانى 502هـ / تحقيق محمد سيد كيلانى ت طبقة 1381هـ / 1981م ـ مكتبة الباب الحلبى ـ بمصر ].




    *******


    ومن بين الفئات المغلوبة على أمرها النساء فى الجزيرة العربية عندما دعا ( المصلح ) بالديانة الجديدة. [ يقول العمة عنهم فى مصر: صنف الحريم ].


    وأوضحنا فيما سلف نتـفاً من مظاهر القهر الذى وقع عليهن ومن أبرزها حرمانهن من الميراث وهو الأمر الذى دفع أم سلمة ( سبق نسخنا قطاعًا من حياتها ا.هـ 9. إلى أن ترفع صوتها محتجة باعتبارها من زعيمات النِسون حتى بعد أن زَبَدَهن القرآن الكريم نصف الميراث. [ زَبَدَه يزبده = أعطاه ومنه الحديث المروى: ( إنا لانقبل زبد المشركين ) ـ ( تصحيح الفصيح وشرحه ) لابن درستويه ـ تحقيق د. محمد بدوى المحتوت ـ مراجعة د. رمضان عبد التواب ص 23 ـ الطبعة الأولى 1419هـ / 1998م. المجلس الأعلى للشئون الإسلامية. بمصر ].


    ( أخرج الترمذى والإمام أحمد والطبلرانى قال: قالت أم سلمة: يارسول الله يغزو الرجال ولا نغزو فأنزل الله تعالى: { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا } [ سورة النساء 32 ]. ثم نزلت { إنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى } الآية. [ المقبول للأزهرى ـ ص191 ـ ووصف إسناده بأنه حسن ].


    أما الباحثة المغربية أمينة الحسنى فقد أوردت رواية أخرى:

    ( أخرج الترمذى من حديث ابن عمر عن مجاهد عن أم سلمة أنها قالت: يا رسول الله، يغزو الرجال ولا تغزو النساء زاد الحاكم: ولاتقاتل فتستشهد وإنما لنا نصف الميراث فأنزل الله تعالى وتبارك: { ولا تتمنوا ما فضل الله به ....... } الآية ) . [ أم سلمة أم المؤمنين ـ مصدر سابق ص 132 ].


    يبين أن الحديث بلغ درجة عالية من الصحة فقد أخرجه الترمذى وأحمد والطبرانى والحاكم النيسابورى ووصفه بأنه حديث حسن صحيح الإسناد على شرط الشيخين. كما ذكر السيوطى أن الحاكم خَرّجه فى المستدرك. [ لباب النقول ـ ص51 ].




    ولولا أن إختصاص النساء بنصف الميراث حاك فى صدر أم سلمة لما أسرعت بتلك المقولة الاحتجاجية، كما أنها بنت زاد الركب فى ما نرجح ظلت على موقفها فأشرقت آية اخرى { أنى لا أضيع عما عامل منكم من ذكر أو أنثى } فرضيت أو سلّمت أمرها لله تعالى.




    *******


    بعد هذا الاستطراد الذى دفعنا إلى زَبْره ( نسخه ) موقف هند أم سلمة من ميراث المَرَة، نعود إلى سياقة البحث.


    قبل الإسلام أطبق أولئك العربان على نفى النسوان من الإرث بالكلية وهذا موقف لم يُرض ( نعمة الله ) لأمرين:


    الأول : فيه إجحاف بالغ بهن ومعلوم وعمق كراهيته له بعد أن ذاق من الكثير فى طفولته وصباه وشبابه.


    الآخر: أنهن من أوائل من تبعه وآمن بدعوته، با إن اول من استشهد فى سبيلها امرأة هى ( سُميّة أم عمار بن ياسر )، واشترك فى بيعة العقبة الأخيرة مَرَتان من بنات قيلة هما أم عمارة بنت كعب وأسماء بنت عمر، وهذه البيعة على الأحمر والأسود وشكلت نقطة الانطلاق بالنسبة للإسلام، كما ان مواقف النسوة البطولية فى المعارك خاصة فى غزاة أحد تقطع بعمق إيمانهن بالديانة التى بشر بها وبإخلاصهن وتفانيهن.


    فأخذ يتربص النُهزة لعل ( العروة الوثقى / القرآن ) يهديه نصًا يرفع هذا الظلم عن المَرَة ولو جزئيًا، إذ إن إزالة العنت جميعه عنهن أمر عسير بل مستحيل لأن مجتمع العَرَبة ذكورى بطريركى والمساواة بين الرجل والمرأة فى التراث سوف تثير حفيظتهم وتشعل غضبهم.


    وهنا جاءت الفرصة:


    ( أخرج الإمام أحمد والترمذى وابن ماجة والحاكم وغيرهم عن جابر قال: جاءت غمرأة سعد بن الربيع فقالت: يارسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قُتل أبوهما معك يوم احد شهيدًا وإن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالاً، فقال: يقضى الله فى ذلك فنزلت آية الميراث، أرسل رسول الله ت ص ـ إلى عمهما فقال: أعط لبنتى سعد الثلثين وأمهما الثمن وما بقى فهو لك ). [ المقبول للزهرى ص 200، 201 ووصف إسناده بأنه صحيح ].


    وأورد السيوطى الحديث ذاته وأضاف: ولا تنكحان إلا ولهما مال. ثم ذكر عبارة: يقضى الله فى ذلك ، فنزلت آية الميراث. [ لباب النقول للسيوطى ص 49 ].


    وجاء برواية أخرى :

    ( وقد ورد فى قصة سعد بن الربيع وجه آخر: اخرج القاضى إسماعيل فى احكام القرآن من طريق عبد الملك بن حزم أن عَمْرة بن حزام كانت تحت سعد بن الربيع فقتل عنها فى احد وكان له منها ابنه فأتت النبى ـ ص ت تطلب ميراث ابنتها ففيها نزلت ( يستفتونك فى النساء ) الآية ) . [ لباب النقول للسيوطى ص 49 ].

    بيد أن الرواية الأولى أصح وأشد توثيقًا وأليق بالمناسبة.


    *******


    أما الوحدى النيسابورى فيزيدنا برواية شبيهة بواقعة بنتى سعد بن الربيع ( قوله تعال: { وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا } الآية [ النساء : 33]، قال المفسرون: إن أوس بن ثابت الأنصارى توفى وترك امرأة يقال لها أم كَجّة وثلاث بنات فقام رجلان هما ابنا عم الميت ووصياه يقال لهما سويد وعجرفة فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته شيئًا ولا بناته وكانوا فى الجاهلية لا يورثون النساء الرجال الكبار وكانوا يقولون لانعطى إلا من قاتل على ظهور الخيل وحاز الغنيمة، فجاءت أم كجة إلى رسول الله ـ ص ـ فقالت يا رسول الله إن أوس بن ثابت مات وترك بنات وأنا امرأة ليس عندى ما أنفق عليهن، وقد ترك ابوهن مالاً حسنًا وهو عند سويد وعجرفة ولم يعطيانى ولا بناته من المال شيئًا وهن فى حجرى ولا يطعمانى ولا يسقيانى ولا يرفعن لهن رأسًا .


    فدعاهما رسول الله ـ ص ـ فقالا: يا رسول الله ولها لا يركب فرسًا ولا يحمل كلأ ولا يُنكئ عدوًا، فقال رسول الله ـ ص ـ: انصرفوا حتى أنظر ما يحدث الله لى فيهن فأنزل الله هذه الأية ) . [ أسباب النزول للواحدى النيسابورى ص 95، 96 ].


    وقد حمل كتاب ( المقبول ) للأزهرى ذات الواقعة وأضاف أن امرأة ثابت طلبت من ابن العم خالد بدلاً من سويد وبنات أوس اثنتان لا ثلاث.[ وهذ يوثق ما سبق أن رقمناه: أن الفترة المبكرة اكتظت بالاختلاف فى جُلّ المناحى : الأسماء ( أسامى الأشخاص والأماكن ) والأعداد والوقائع والتواريخ ... إلخ ا. هـ ]. ولكنهما رفضا نكاحهما لدملمتهما، وانه نزلت بشانها آيتان: { وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا {111} وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا {127} } [ سورة النساء 111، 127]. [ المقبول للأزهرى ص 196، 197 ووصف الحديث بأنه صحيح ].


    أما السيوطى فقد رقم انه ( ورد سبب ثالث: اخرج ابن جرير عن السدى قال: كان أهل الجاهلية لا يورّثون الجوارى ( أى البنات أو الفتيات الصبايا) ولا الضعفاء من من الغلمان، لايرث الرجل من ولده إلا من اطق القتال ـ فمات عبد الرحمن أخو حسان الشاعر وترك امرأة يقال لها كَجّة ذلك إلى النبى ـ ص ت فأنزل هذه الآية { يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا}[ النساء : 11] ، ثم قال فى أم كَجّة { وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ } [ النساء: 12]. [ لباب النقول للسيوطى ـ ص 49 ].


    ورواية السيوطى فى الباب توثق ما قلناه بشأن الاختلاف فى الأخبار سواء فى الوقائع أم الأسامى أم الأعداد وانه لا يقدح فى جوهر النازلة أو الواقعة.


    وهذه ملاحظة هامشية اقتضاها التحليل والتقييم إنما الثابت من الحديث:


    1 ـ أن أولئك العربان وضعوا مقياسًا لمن يستحق التراث وهو الذكر الذى يمتطى ظهر الفرس ويحوز الغنيمة وهو معيار يدل على البداوة ويؤكد أن الغنائم هى هممهم المقيم مشغلهم الشاغل. ولنتساءل هل هذا العيار متوفر الآن ، هل يوجد فى العصر الحالى غنائم؟، ألا تخرج المرأة للعمل مثلها مثل الرجل بل وأكثر، متبوأة أعلى المناصب ، واترك لقريحتك أيها القارئ أن تضع أمامك عشرات من الأسئلة والأمثلة لعلك تجد لها جوابًا تقنع به نفسك ، أو مخرجًا تنأى به عن مخارج التراث وتفاسيره وقوالبه.


    2 ـ أن ابنى عم قيس بن ثابت ( أو غيره ) لا يعنيهما أن تعيش زوجته وابنتاه ( أو بناته ) فى مسبغة أو لا تتزوجان إذ لديهما مال تنكحان من أجله ت وابنا العم يعلمان ذلك بداهة ـ إنما الذى يهمهما هو الحصول على المال وهو أمر يشف عن جلافة فى الطبع وبداوة فى الذوق وانعدام فى الإحساس وخَواء فى الخلاق وصُفور فى الضمير ومَآبه الافتقار إلى الحضارة والبعد عن المدنية والنأى عن الرقى وجِماعه يؤكد النعوت التى رددناها عن ذياك المجتمع.


    3 ـ أن العبارة التى وردت على لسان ( العظيم / العفو ): انصرفوا حتى أنظر ما يحدث الله لى فيهن . وعدها نزلت الآية، حافلة بالدلالات ثَرّة بالمعانى جَيّاشة بالإيحاءات ولا تحتاج إلى تعليق وهى غنية عن الشرح ولا تفتقر إلى تبيين، يفهمها الذكى وينفقها الفطن ويدركها اللوذعى ويستوعبها اللبيب.


    *******


    فى فاتحة هذا الكتاب أخذنا على المفسرين المحدثين استقاءهم الكثير من كتب التفسير التراثية وقد يعترض قارئ: ها أنت ترجع إليهم؟.


    وردنا ينحصر فى أمرين:

    الأول: أننا ـ بعكس المفسرين المحدثين ـ لا نتوكأ أو نتعكز على القدامى وفرق بين الاستشهاد ببضع فقرات لتحليلها وتقييمها وبين النَهْل والعَبّ.


    الآخر: ما نأخذه منهم يدور فى نطاق ( أسباب النزول ) لتوثيق ما جاء فى المؤلفات التى خصصها مصنفوها للأسباب فحسب.


    بعد هذه الملحوظة نرجع إلى السياق:


    ( روى عطاء قال: استشهد سعد بن الربيع وترك ابنتين وامرأة وأخًا فأخذ الأخ المال كله، فأتت المرأة: يارسول الله هاتان ابنتا سعد وإن سعدًا قتل وإن عمهما أخذ مالهما، فقال ـ ص ـ ارجعى فلعل الله سيقضى فيه ثم إنها عادت بعد مدة وبكت فنزلت هذه الآية [ النساء 11 ]، فدعا رسولالله ـ ص ـ عمهما وقال: أعط ابنتى سعد الثلثين وأمها الثمن وما بقى فهو لك، فهذا أول ميراث فى الإسلام ). [ مفاتيح الغيب ـ التفسير الكبير: للفخر الرازى ـ الجزء التاسع ـ ص 47ـ مصدر سابق ].


    وما أورده الفخر الرازى ( ثم إنها عادت بعد مدة ) يدل على أن ( مادبة الله / القرآن ) تمهّل حتى أشرقت آية المواريث لأنها تمس عُرفًا راسخًا رسوخ الأجْبَل الرواسى، كما ان الذُكران نازحين وأثاربة سوف يتململون بعد انبثاقها لأنها تنال من وضْعَيهم المادى والمعنوى وقد شبوا وشابوا على إلفه ( = عدم فراقه ) واعتياده وبناء حساباتهم المعاشية على مقتضاه.


    أما قول فخر الرازى إنه أول ميراث قُسّم فى الإسلام فمعناه أن نظام التوريث السابق على الإسلام بما فيه حرمان النِسون والجوارى وصغار الغلمان ظل معمولاً به حتى بعد غزوة أحد التى وقعت فى السنة الثالثة من النزوح. [ تاريخ الطبرى ـ الجزء الثانى ـ ص 499 ]. أى أنه استمر سارى المفعول ستة عشر عامًا منها ثلاثة عشر فى قرية التقديس وثلاثة فى قرية الحَرّتين أى ما يقرب من ثلثى عمر الدعوة المحمدية المباركة وهذا يقطع باستقرار عرف التوريث البدوى الذكورى وإلا لما احتاج تغييره هذا المدى الطويل.


    *******


    ويقول اَلْكيا الهراسى ( وقضى رسول الله ـ ص ـ فى تركة سعد بن الربيع للبنتين الثلثين وللزوجة الثمن والباقى لأخته) [ أحكام القرآن: لعماد الدين محمد الطبرى ج/2 ص 343، وذكر فى الهامش: رواه أحمد والترمذى وأبو داود وابن ماجة ].


    ولا يفوتنا أن نلحظ عبارة ( والباقى لأخته) لا لأخيه كما جاء فى روايات سوابق، لأن التباين والاختلاف أهم علامة تَسِم مَرْويات فترة التدشين لعدم معرفتهم بالتدوين الذى درج عليه وأتقنه منذ ألوف الأعوام قبل هذه الأحداث المُعجبة المبروكة أجدادنا قداماء المصريين.


    أما أبو بكر محمد بن عبدالله المعروف بابن العربى فقد أورد خبر مجئ زوجة سعد بن الربيع للرسول وشكواها إليه بذات التفصيلات التى عبقت بها الرواية الأصلية التى سقناها فيما سلف وقوله لها ( يقضى الله فى ذلك ) فنزلت { يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ } وهكذا عاضدت كتب التفسير، مصنفات أسباب النزول فى توثيق خبر شكوى زوجة سعد بن الربيع لحرمانها وابنتيها من ميراثه لأن عمهما استفاه لنفسه وبعدها هلّت بطلعتها المشرقة آية المواريث على مهل وريث. [ أحكام القرآن: لابن العربى ـ مجلد أول ـ ص 333 ].


    وهكذا غدا هذا الحديث صحيحًا لا تعتريه أدنى شائبة.

    ولا نضيف جديدًا حين نرقم أن الآية حققت مطلب أرملة سعد وكافة النِسون غِبّ أن منحهن ( الإيمان والموعظة ) نصف التراث بعد حرمان امتد مئات الأعوام.




    ومن رجا آخر أقبلت الآية كمكافأة للنساء على مواقفهن من الدعوة التى بشّر بها ( سيد الخلق ) والتى نسخنا فيما مضى نُتفًا منها خاصة فى عركة أحد بخلاف عدد من كبار الصحابة أدبر وأعطى ظهره للعدو وهو يعلم أن ذلك من أكبر الكبائر ومن غرائب التاريخ أن من بين من فعله من تولى الإمامة العظمى أى الخلافة، يضاف إلى ذلك أن ( أول من يفيق من الصعقة ) بثاقب بصره ونافذ بصيرته ووسيع أفقه أدرك بعد ما حدث فى أحد النسون فيهن أو لديهن نفع كبير فى ميادين القتال. وللديانة التى يذيعها ويفشيها وللدولة التى يضع فى صرحها لبنة بعد أخرى واللتين تعبران مزنقًا ضيقه ملحوظ وحروجته واضحة وعقباته عديدة وعثراته خطرة ومن ثم فهما ( = الديانة والدولة ) فى أمس الحوجة ليد العون من كل رد فى المجتمع.


    وفى حديث له معروف ( النساء شقائق الرجال ) ولرفع روحهن المعنوية ولتشجيعهن على مزيد من البذل ولحضهن على تقديم ضعف العطاء فلا أقل من زبدهن شطر الإرث، وهكذا يثبت القرآن الحميد أنه يواكب جماعة المسلمين وأن عينه عليها وأنه يتفضل بإجابة طلب أفرادها ويتكرم بتحقيق رغبة أعضائها ويتعطف برفع سبب شكاية من يئن ويتوجع من ذُكرانها ونسونها وأن إطلال آياته كالشموس المضيئة بين الحين والآخر بلغ غاية الحكمة التى خفيت عن العقول القاصرة لليهود.


    *******


    [ 4 ]

    الرجل لعبته المرأة


    هذه مقولة تنطبق على مجتمع أولئك العُربان ، وقد صرح بها أحد كبارهم عندما ناقشته بمنتهى الأدب والخضوع زوجته فى أمر يهمها أو يخصها فصاح فى وجهها: مالك وذاك ما أنت إلا لعبة ألعب بها وقت حاجتى إليها ثم أركنها أسفل الجدار. ومن الجائز أن تغدو الأحاديث والأقوال موضع تهزيل ( من الهزال ) ومجال توهين ومحل تشكيك وهناك شعار شهير لأحد المبرزين فى علم الحديث: أىّ حديث ضعيف قويناه وأى حديث صحيح أو حسن ضعفناه.


    وهى دعوى تنضوى على أدنى قدر من المبالغة، لأن دفع الحديث قد يأتى من صوب المَتْن بزعم أنه لا يتفق وما جاء فى القرآن الكريم ( بداهة من وجهة نظر الطاعن ) أو ياتى من ناحية السند، فإن لم يلحق به تاريخية الرواية شائبة أى أن فلانًا روى عن فلان فى حين أنه لم يحدث بينهما لقاء أو يغمز أحد رواته بأنه صاحب بدعة أى ممن تكلموا فى الذات أو فى الصفات ( صفات الله ) أو فى القضاء والقدر أو غيرها أو عرف بالتشيع وهكذا.


    فإذا صح المتن وسلم رواته من المطاعن قالوا عنه ( = الحديث ) إنه منسوخ إما بآية وإما بحديث آخر .. إلخ. مع وضع ملاحظة هامة فى الحُسبان وهى أن الحديث الذى يطعن فيه لا يوافق مذهبه أو رأيه أو حتى هواه.


    إذن التعكز على مقولة لأحدهم ولو من مرازبتهم لإثبات نظرة أولئك العربان المتدنية للمََرَة لا ينتصب دليلاً قاطعًا.


    إنما الأفعال هى التى تقطع المناوئ وتُخرس المشاغب وتُسكت المخاصم:

    ( كان الرجل يطلق امرأته ما شاء الله أن يطلقها وإن طلقها مائة مرة أو اكثر إذا ارتحعها قبل أن تنقضى عدتها، حتى قال رجل لامرأته والله لا أطلقك فتبينى منى ولا آويك إلى، فقالت وكيف ذاك؟ قال: أطلقك وكلما قاربت عدتك أن تنقضى ارتجعتك ثم أكلقك وأفعل ذلك.


    فشكت المرأة ذلك إلى عائشة فذكرت ذلك عائشة لرسول الله ـ ص ت فسكت فلم يقل شيئًا حتى نزل القرآن ( الطلاق مرتان .. ) [ المقبول: للأزهرى ص 132، 133. وقال المصنف: رواه الحاكم والترمذى والطبرى عن عائشة ـ رض ـ ووصف إسناده بأنه صحيح وأن الحاكم صحححه فى المستدرك. ورواه عبد بن حميد فى تفسيره ورواه ابن مردويه فى السنن ومالك فى الموطأ ].


    وذكره السيوطى فى اللباب بذلك السند ولو أنه اكتفى بالترمذى من أصحاب الصحاح والحاكم النيسابورى ولكنه رَقَم أن المَرَة تشكّت إلى ( صاحب المغنم ) مباشرة دون توسط التيمية بنت عتيق بن أبى قحافة.


    وفى أحكام القرآن لابن العربى أن الزواج من الأثاربة بنى قيلة وان شكوى ميعولته أفضت بها بنفسها إلى القرآن الكريم. [ أحكام القرآن: لابن العربى ـ المجلد الأول ـ ص 189 ].


    *******


    أكد الباحث عبدالله شحاته ـ بعد تمحيص منه ـ مسألة لعب أولئك العُربان بالطلاق ونحن من جانبنا نرجعها إلى استهانتهم بأقدس علاقة ولنظرتهم للمرأة التى تتسم بالتعالى من جهتهم والدونية إلى ناحيتها وجِماعة منبعه التبدىّ.


    يوثق شحاته ذلك فيزبر ( أى يكتب ) ( ثبت لأن أهل الجاهلية لم يكن عندهم للطلاق عدد وكانت عندهم العدة معلومة مقدرة. [ تفسير القرآن الكريم: لعبدالله شحاته ـ الجزء الثانى ـ ص 370 ].

    ثم ساق الحديث كما طلع علينا أبو عمر نادى الأزهرى.




    *******


    إذن نحن بصدد شكاية صحابية من بنات قيلة بثتها بالذات أو بالوساطة للبهاء ضد زوجها الذى عزم على تعليقها نزولاً على العرف المستقر فى المجتمع البدوى الذكورى بأن طلقها حتى إذا قاربت عدتها على النهاية راجعها وهكذا حتى أقرب الأجلين: أجلها أو أجله.


    و ( الخالص ) يعلم هذا التقليد المستقر الراسخ فى المجتمع وأنه سلاح فى يد الذُكران يشكمون به النسوة، يهددون به الناشز ويخيفون بموجبه العاصية ويردعون بمقتضاه النفور ولو انتزعه من أيديهم لعصلبن ( = عصلجت ). عليهم ولما استطاعوا التحكم فيهن ( هذا ما يتوهمونه ).


    *******



    هذا من رجال ( ناحية )، ومن آخر فإن النسون يعانين بشدة الظلم الذى يقع عليهن من جراء استمرار هذا العرف الوبئ والعادة الدنيئة والتقليد الطِفس، ولقد أثبتن منذ فجر الدعوة المباركة أنهن من أشد الأعوان إخلاصًا كما أن الأيام المستقلة تعمق الحَوجة إليهن إن فى جناح الديانة أو قطاع الدولة الوليد.


    تلك هى دَوَال العبارة التى وردت فى الحديث الشريف ( فسكت ولم يقل شئ ) بيد أن ( القرآن ) لم يسكت وانىّ له أن يفعل وقد تقدمت بطابتها صحابية أثربية لتصحبح وضع جائر يُضيرها هى بنات جنسها حتى يرث الله الأرض ومن عليها فبعثت آية كريمة ( الطلاق مرتان ) .. استجابت للشكاية وقضت على التقليد الظالم وأنصفت شقائق الرجال وكأنى به ( الكتاب / النور ) يقول لهم ولهن إنى معكم لا أغادركم طرفة عبن وادخل معكم فى علاقات جدلية حميمة ومن هنا لم أنبث دفعة واحدة كتوراة موسى وإنما تهل نجومى على مراحل تنير لكم الجَادة ( الطريق ) أمام مشكلاتهم وتبدد الظلام الدامس الذى عشش حول الكثير من تقاليدكم المتفسخة وتفتح المغاليق التى سكرتها عاداتكم البالية.


    *******


    [ 5 ]

    القِبْلَة المحيرة



    رقمنا فيما سلف أن ( رضوان الله ) عندما شرّف قرية الحرتين وخبر أحوال ( إخوان القردة والخنازير وعبدة الطاغوت ) كما أطلق عليهم يوم قريظة:


    أخرج بن جرير عن مجاهد قال: قام النبى ـ ص ـ يوم قريظة تحت حصونهم فقال: يا إخوان القردة والخنازير وعبدة الطاغوت. [ ( لباب النقول فى أسباب النزول ) للجلال السيوطى، على هامش ( تنوير المقياس من تفسير ابن عباس ) للفيروزى آيادى صاحب القاموس ، المتوفى 817هـ ـ الطبعة الثانية 1370هـ / 1951م. مكتبة مصطفى البابى الحلبى ـ مصر ].


    وأدرك كثافتهم وفَرشَحة ذراعهم الاقتصادية وقوة تأثيرهم الدينى والاجتماعى باعتبار أنهم ( = القردة لا اليثاربة العربان ) من ذوى العلم الدينى وبأيديهم إسطير مقدس مَنَحَنَ من بيره سائر الإسطيرات التالية:


    فصلى تجاه بيت المقدس أو قرية السلام ـ أورشليم ـ وتابعه صحبه. وشكلت البادرة خطوة فى درب الموادعة أو الموادّة التى قرر أن يمشى فيها يقرب من عام ونصف عام، بيد أنهم أثبتوا بحق أنهم قردة وخنازير، فانبثقت آية عظيمة من القرآن ـ وكل آياته عظيمة ـ أذنت له ولتبعه الاتجاه فى الصلاة نحو قرية القداسة العربية أو الكعبة أو إرث إبراهيم!!. [ هناك خناقة ( وهى كلمة فصيحة ) لرب السماء بين المسلمين واليهود على أمرين:


    الأول: أيتهما أقدم وأكثر قداسة بَكّة أم إيليا ( أورشليم ).


    الآخر: كبير البطاركة وأبوهم وأصل أصولهم إبراهيم أو أبرهام.

    ( فى مصر يدلعون من يسمى إبراهيم ببرهوم مرة وهيمة أخرى ا.هـ. ).

    هل هو يهودى أو حنيف.


    ورغم بلوغ عمر العركة المبرورة بدايات القرن الخامس عشر فإن الطائفتين لم تصلا حتى كتابة هذه السطور إلى حل وسط مع أن كليهما تكتظ بطوابير مرصوصة من العلماء والمشايخ والأحبار والربيين ا.هـ ].


    *******


    تحويل القبلة أقلق عددًا من الصحابة لا بسبب التردد: مكة ( الكعبة ) ثم إيليا ثم مكة مرة اخرى إنما لعلة أخرى مغايرة ولكنها تقترن أو تتصل بها بحبل ربما لا يتسم بالمتانة والشدة إنما فى نهاية الشوط من اليسير العثور على وشيجة لبَكَتْهما ( = خلطهما ).


    ما هو موقف أو مصير الصلوات التى صلوها هم ومن سبقهم إلى الدار الآخرة خلال الأشهر الثمانية عشرة صوب القرية التى يقدسها أولاد الأفاعى كما وسمهم عيسى ابن الصديقة مريم. [ علماء المسيحية يؤكدون أن اسم أمة ألله ام عيسى المسيح هو مارى أما مريم فهو اسم أخت هارون أخى موسى ، بيد أن القرآن المجيد سماها مريم وتوج سورة كاملة بهذا الاسم وهو شرف منيف لم تنله سيدة نساء الدنيا أم هند الطاهرة خديجة بنت خويلد. وبداهة نحن لاشأن لنا بما يدعيه الدين المسيحى ونتتبع ما جاء بالقرآن وإن اختلف نتيجة تشابه الأسماء، ومن ثم رقمنا اسمها الذى ورد فيه وهو مريم ا.هـ ].


    ( كان رجال من أصحاب رسول الله ـ ص ـ قد ماتوا على القبلة الأولى منهم أسعد بن زرارة وأبو أمامة أحد بنى النجار والبَرَاء بن معرور أحد بنى سَلَمة وأناس آخرون جاءت عشائرهم فقالوا: يا رسول الله توفى إخواننا وهم يصلون إلى القبلة الأولى وقد صرفك الله تعالى إلى قبلة إبراهيم فكيف بإخواننا؟. قأنزل الله تعالى { مَا كَان الله لِيُضَيِّعَ إِبْمَانَكُم } الآية. [ ( أسباب النزول ) للواحدى ص 36، ( لباب النقول ) للسيوطى ص 19 طبعة دار الشعب ، وقد أورده أبو عمر نادى الأزهرى فى ( المقبول ) وذكر أن إسناده صحيح وأضاف أن ابن كثير أورد فى تفسيره وقال عنه الشيخ شاكر فى ( العمدة ) إسناده صحيح وأخرج بعضه الترمذى فى تفسير سورة البقرة وقال عنه: حسن صحيح، وأبو داود ( من أصحاب الصحاح الستة كالترمذى ) وكذا ابن ماجة فى سننه وهو منهم وأخرجه أحمد بن حنبل فى المسند كما جاء فى صحيح ابن حيان وعزاء السيوطى فى الـ ( لباب ) للطبرى والأخير أورده فى تفسيره ( المقبول ) ص 81 . وهذا وصل هذا الحديث إلى محطة الصحة وهو مطمئن البال].


    *******

    كالمنهج الذى اتبعناه نيمم صوب كتب التفسير العوالى لنتعرف سبب انبثاق الآية توثيقًا وشدًا لأزر مصنفات ( أسباب النزول ) { مَا كَان الله لِيُضَيِّعَ إِبْمَانَكُم } أى ثباتكم على الإيمان وقيل إيمانكم بالقبلة المنسوخة وصلاتكم إليها لما رُوى أنه ـ ص ـ لما وُجّه للكعبة قالو: كيف بمن مات يا رسول الله قبل التحويل لإخواتنا فنزلت: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } [ البقرة 143 ]. [ أنوار التنزيل أو تفسير البيضاوى: لقاضى القضاة البيضاوى ص 30 ].

    ويؤيد أبو محمد بن عطية سبب إشراقة الآية السالفة الإلماع فيقول: ( فوجست نفوس بعض المؤمنين وأشفقوا على من مات قبل التحويل من صلاتهم السالفة فأنزل: { وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ }. [ ( المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز ) لأبى محمد عبد الحق بن عطية 481/541هـ تحقيق الملاح ـ ج1 ـ ص 441ـ لجنة القرآن والسنة ـ المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ـ بمصر ].


    وفى تفسير الجلالين: { وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } أى صلاتكم إلى بيت المقدس بل يثبتكم عليه لأن سبب نزولها السؤال عمن مات قبل التحويل. [ ( تفسير الجلالين ) وهما جلال الدين محمد بن أحمد المحلى وجلال الدين السيوطى ـ ص20 ـ دون تاريخ ـ مكتبة الجمهورية العربية المتحدة ].


    أما المقصود بكلمة إيمانكم التى وردت فى الآية هو صلاتكم كما ذكر الجلالان ويقول الراغب فى مفرداته { وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ أى صلاتكم }. [ المفردات فى غريب القرآن: للراغب الأصفهانى ـ ص 26 ].


    ويعلل ابن عطية تسمية الصلاة بالإيمان ( فسميت إيمانًا إذ هى من شُعب الإيمان ). [ المحرر الوجيز ص 441 ].


    *******


    إن تحويل القبلة من إيليا إلى الكعبة بقدر ما غاظ بنى إسرائيل نفحهم مجالاً وسيعًا للدسّ والوقيعة والإدعاءات الخبيثة والمزاعم التى تقطر سمًا. ينفثونها فى آذان تبع ( المكتفى بالله ) خصوصًا اليثاربة وهم عُربان ضيقو الأفق، ومحدودو النظرة، منعدمو الثقافة، مليطون من الفكر، فما إن سمع اليهود بآية التحويل حتى ارثقلوا إليهم يبلبلون إيمانهم ويشوشون عليهم إسلامهم ويخلخلون عقيدتهم ويزلزلون ديانتهم الهشة خاصة أنهم حديثى عهد بها إذ لم يمض على إعتناقهم إياها أقل من عام ونصف عام فطفقوا يسألونهم:

    أى دين هذا الذى يغير قبلة صلاته، ففى بدىّ الشأن التوجه إلى الكعبة ثم بعدها التحول صوب أورشليم مدينة السلام وعقب أقل من عامين العودة إلى الكعبة مرة اخرى؟.


    إن ما علمناه من كتبنا أن القبلة إذا شُرِّعت لا تبدل وكيف تُغيّر والصلاة عماد الدين وأول ركن فيه بعد الشهادتين؟.


    إن الأمر لايخرج عن فرضين:

    إما التوجه فى الصلاة إلى أورشليم حق وصدق من عند الله فلا يصح تبديله ويتعين الاستمرار عليه إلى يوم القيامة!.

    وإما أنه باطل وليس فيه حق ولم يأمر به الرب فكيف إذن يممتم صوب بيت المقدس طوال تلك المدة؟.

    أما أن يصبح حقًا ثم يمسى باطلاً فما يقول به عاقل!.

    وما السبب فى انقلابه من باطل إلى حق؟.

    ألا يدل التحول على أن " أبا القاسم " قد جرفه الحنين إلى مسقط رأسه وإلى دين أبيه واجداده

    وأن التحويل بداية فى جادة العودة إليه؟.


    وفيم إذن هذا العناء وكل التضحيات؟.

    والأهم من جماعه:

    ما هو مصير الصلوات التى صليتموها طوال الأشهر الثمانية عشر؟.

    وإذا أتيحت لكم الفرصة للتصحيح فكبف بآبائكم وإخواتكم وأبنائكم الذين قُبِروا قبل التحويل وبالتالى انعدمت لديهم أى نُهزة للتصويب؟.


    هذه التساؤلات الماكرة التى طرحوها على المسلمين أثّرت فى عدد كبير منهم وفى المقدمة الأثاربة وفعلت فى قلوبهم فعل السحر وأقلقتهم، ونستدل عليه بما جاء فى الخبر: ( جاءت عشائرهم ) أى لم يأت أفراد منهم بل عشائر بالجمع. ومن بين معانى العشيرة : القبيلة. [ تقول عشيرة الرجل = قبيلته ] ، أى أن قبائل من ماتوا جاءت .. والمقصود هنا: أرهاطهم وأفخاذهم وبطونهم لأن بنى قيلة يشكلون قبيلة واحدة من فرعين هما الأوس والخزرج.


    المهم أن الاضطراب هيمن على أهاليهم ولم يقتصر على نفر محدود، مما يشى بنجاح أولاد يعقوب فى دسائسهم وفلجهم فى مكائدهم وظفرهم فى ألاعيبهم، بل إن الغاية بلغت مداها فقد أثرت دعاوى يهود الفاسدة المفسدة إذ ارتد عدد من المسلمين عن دينهم ( وقد ارتد لذلك جماعة ). [ تفسير الجلالين ـ ص 20 ].


    وإذ إن الشئ بالشئ يُذكر فلم يرد فى كتب السيرة المحمدية المعطار أو فى مصنفات أحاديثه الشريفة أنه قتل أو امر بقتل هؤلاء المرتدين مما يؤيد مقولة إن الردة ليست حدًا شرعيًا إذ حاشاه أن يسكت ولا يطبق . ا.هـ.


    *******


    عند ذلك بلغ المَرج أقصاه والهَرَج منتهاه والفتنة ذروتها وصار حتمًا مقضيًا إجابة العشائر على شؤالها عن مصائر الذين يمموا شطر أورشليم ثم ماتوا قبل التحويل إلى كعبة قرية التقديس. [ فى ذياك الزمن المدهش انضوت جزيرة أولئك العُربان على أكثر من عشرين كعبة ولكن لم يكن إحداها بشهرة كعبة بنى سخينة فى بكة. ا. هـ. ].


    ولوقف نزيف الردة التى هى طعنة نجلاء فى جسد الدولة الجديدة ولطمة مزلزلة للدين الناشئ إذ إنها فى أمس الحوجة إلى الأجناد والعسكر والغزاة والأعوان لا العكس.


    وكمنهاج القرآن الذى استنه الرسول الكريم ، سارع لتقديم الحل والإجابة المرضية للنبى ـ ص ـ خاصة أن السؤال لم يطرحه فرد أو نفر محدود بل عِزون ( جماعات واحدتها عِزة ) [ نظام الغريب فى اللغة ص 147 ]. أكثروا الوعوعة وأداموا اللغط وأجلبوا بالضخب وهنا طلعت كالبدر المنير آية { ...وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ...} [ البقرة 143 ]، أى صلاتكم ( والأيمان ها هنا الصلاة ) . [ المختصر فى تفسير القرآن: لابن صمادح التجيبى ـ ص 17 ].


    فتلاها ( ذو الخلق الكريم ) على تلك الفِئام فهدأت قلوبهم إذ تيققنوا أن ذويهم الموتى قبل التغيير لم يُبخسوا حقهم واستوفوا جزاءهم ونالوا مثوبتهم.


    وانفرجت أسارير ( صاحب المقام المحمود ) حين رضوا إذ هم سواعده القوية يقهر بها مشركى الجزيرة على أن ينطقوا بالشهادتين وأعضاء الصلبة فى تأسيس دولة قريش وبنى هاشم التى طالما تمناها الأجداد المباركون.


    وفى كل نازلة يؤكد الذكر الحكيم العلاقة الجدلية التى يلتحم بها مع المجتمع وأفراده وأنه لا يتخلى عنهم ولو برهة يسيرة ويلبى طلباتهم ومتطلباتهم دون إبطاء.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de